الفصل الثالث .. الكابوس..
الساعة الثانية صباحا ..
تركض فتاة شابة باتجاه المقابر و تصرخ طالبة النجدة: الحقوني ..الحقوني .. مفيش حد هنا ..
تركض بكل ما أوتيت من قوة تحاول بشتى الطرق الفرار من ذلك المخلوق الذي يلاحقها دون توقف.
ظلت تركض و هذا الشاب يركض خلفها محاولا اللحاق بها لإنقاذها لكن دون جدوى ؛ لتظهر أمامه فجأة عند بوابة المقبرة وهي تستند بيديها عند البوابة تلتقط أنفاسها لا تشعر باقتراب المخلوق من خلفها ، ليصرخ الشاب محاولا تنبيهها لكن قد فات الأوان و انقض عليها غارسا أنيابه في قلبها و اقتلعه من مكانه ليصرخ الشاب بقوته : لااااااااا منى ى ى ى ى .
ينهض فزعا من مكانه صارخا باسم منى لتدخل والدته مسرعة على صوته لتجد جسده ينتفض خوفا و يتصبب عرقا ؛لتقترب منه و تلمس بيديها وجهه مردفة : بسم الله الرحمن الرحيم اسم الله عليك يا ابني هو لسه الكابوس ده مش عاوز يحل عنك أبدا؟
ليجيبها أحمد لاهثا كأنه خرج للتو من سباق للركض : مش عارف يا ماما ايه الي بيحصل ده ؟ من بعد وفاة منى الله يرحمها وانا بشوف الكابوس ده كل ليلة و مش لاقيله تفسير .هتجنن خلاص اعمل ايه؟ بقيت أخاف أنام بسببه.
لتربت والدته على كتفه مهدئة إياه : ربنا يصبرك يا حبيبي كانت بنت حلال و طيبة اوي و ربنا الي عالم اني اعتبرتها بنتي مش عروسة ابني ، ربنا يرحمها يلا قوم خد دش كده و جهز نفسك على ما أحضرلك الفطار.
لتخرج من الغرفة و تتركه بمفرده ، لينهض متجها للحمام ليغتسل و يزيل تأثير ذلك الكابوس عنه .
( أحمد همام : مهندس معماري عمره 28 عاما ، كان يعشق خطيبته منى ذات 24 عاما و قد توفت في حادثة غريبة حيث ذهبت لزيارة قبر والدتها و عندما ذهب أحمد لاصطحابها وجدها ميتة بجوار قبر والدتها دون أية آثار لاعتداء عليها أو ماشابه ).
لينتهي من الاغتسال و يخرج ليرتدي ملابسه و يخرج لوالدته ليتناول افطاره معها ثم يقبل يدها ويتجه الى عمله في احدى الشركات الهندسية .
ليركب سيارته و يبدأ بتشغيل المحرك لكن قبل أن يتحرك رفع ناظريه للمرآة ليرى رجلا عجوزا يقف خلف السيارة هيئته غريبة وملابسه أيضا ظن للحظات أنه ربما يحتاج مساعدة مالية ففتح باب السيارة و ترجل منها ليتجه للرجل حتى يعطيه بعض المال لكنه لم يجده ، ظن أنه رحل حرجا منه وركب سيارته مرة أخرى وما لبث أن رفع ناظريه للمرآة وجد نفس الشخص ينظر بابتسامة زرعت في قلبه الرعب لكنه أغمض عينيه بشدة و فتحهما مرة أخرى ليجده قد اختفى ، ظن أن هذه أوهام قد نسجها عقله بسبب ذلك الكابوس الذي أزعجه لمدة سنة كاملة بعد وفاة خطيبته وأقلق مضجعه ، لكنه اقتنع بفكرة كونه أوهام من نسيج عقله المرهق فلم يكترث و انطلق الى عمله .
مر اليوم بشكل طبيعي على أحمد و عاد الى منزله ، بعد أن صف سيارته أمام البناية التي يقطنها ونظر ف المرآة ليد ذلك العجوز الغريب ينظر اليه بنفس الابتسامة المريبة وملابسه و هيئته تقول أن رجل مختل عقليا ، ليترجل من السيارة بسرعة و يتجه اليه فلا يجد شيئا ليبحث في نفس المكان و حوله و يسأل حارس البناية ان كان قد رأى ذلك العجوز الغامض فلم يجد إجابة تريحه ؛ ليصعد مرة أخرى للشقة فيجد والدته تعد طعام الغداء ليلقي عليها السلام و يتجه لغرفته و يبدل ثيابه و يعود لوالدته يساعدها فيما تفعل.
بعد الانتهاء من الغداء دخل لغرفته يتصفح موقع التواصل الاجتماعي بملل رهيب يبحث عن أي شيء يشغل وقته لكن دون جدوى أيضا .أخرج من درج مكتبه ألبوم صور خاصة به مع خطيبته الراحلة التي دفن قلبه معها منذ رحيلها ، كانت أصابعه تلمس وجهها ف الصور كأنها أمامه و عينيه تحترقان بالدموع قهرا عليها فلم يمهلهما القدر كثيرا منذ خطبتهما و اختطفها الموت بسرعة ، لم يشعر بالوقت حتى انقضى اليوم و دقت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ، لينهض الى فراشه محاولا أن يرتاح بعد عناء العمل الشاق.
لم يلبث أن غط في سبات عميق و عند الثانية صباحا ..
أحمد ..أحمد .. اصحى ..ليفتح عينيه على يدين تحركانه لينهض من سباته فيجدها أمامه و عينيها تتلألأ بالدموع ، انتفض من مكانه واقفا أمامها غير مصدق لما يراه واقترب منها يلمس وجنتيها بلهفة و عشق هامسا : منى حبيبتي مش ممكن انتي بجد هنا؟؟ معقول بعد العذاب و الفراق سنة بحالها تبقي موجودة قدامي؟؟ أنا كنت حاسس انك عايشة مكنتش مصدق انك روحتي وسبتيني… بس مالك ليه الدموع دي انتي فيكي حاجة ؟
لتمسك يديه و تأخذها معها ليخرجا من المنزل متجهان للمقابر و تتوقف معه أمام بوابة كبيرة ضخمة يبدو عليها أنه قد مر قرن من الزمن ولم يقترب منها أحد ؛ نقش و رموز عجيبة تحيط بوابتها و رسومات لهياكل و جماجم بشرية تبرز من جوانبها ، لينقبض قلبه وهو ينظر للمكان بتفحص و يشعر ببرودة تسري في جسده .
لينظر لمنى فيجدها ما زالت تبكي بصمت وهي تنظر اليه نظرات لم يفهم معناها و صمت رهيب يحدق بالمكان لم يقطعه سوى صوتها هامسة بكلمات غريبة لم يفهمها ولم تلبث أن استلت خنجرا من ملابسها غريب الشكل مقبضه كرأس شيطان له عينان حمراوان كالجمر ، واقتربت منه قائلة بأسف وحسرة : سامحني يا أحمد.. مش بايدي .
ليسألها بنظراته لم الأسف و يفاجأ بها تغرز الخنجر في قلبه بكل قوتها فيسقط صارخا : ااااااااااه..
لينتفض فزعا فيجد نفسه في فراشه و يفحص جسده و قلبه حيث طعنته منى بالخنجر فلم يجد شيء ، ليحمد الله أنه مازال حيا و ينظر للساعة فيجدها الثانية صباحا !!
كيف ذلك ؟ لم الثانية صباحا أيضا ؟ لم يلفت انتباهه طيلة هذه السنة أنه دائما ما يستيقظ عند الثانية صباحا بعد انتهاء نفس الكابوس لكن هذه المرة قد تغير الكابوس و الشيء الوحيد الثابت هو توقيت استيقاظه!!
هل تعلقه الشديد و عشقه لمنى هما سبب عدم استيعابه لما يحدث معه أم أنه قد أصابه مس من الجنون ؟؟!
لم يعد يدري ما عليه فعله للخروج من تلك الدوامة التي جذبته اليها رغما عنه ، لكنه فكر في شيء ربما يكون حلا لهذه المعضلة . نعم عليه الذهاب لقبر منى فقد دفنت بجانب والدتها ، وجب عليه الذهاب لذلك المدفن ربما يجد شخصا هناك يسأله عن وفاتها ان كان قد رأى شيئا يساعده لحل ذلك اللغز.. بدل ثيابه بسرعة ومن شدة استعجاله لم يشعر أو يرى زوج الأعين التي تراقبه في زاوية الغرفة تتوهج احمرارا كالجمر، كانت الشمس قد بدأت تشرق و نزل سريعا ليركب سيارته متجها لذلك المدفن دون اخبار والدته بشيء.