قصص

دَقّة العَقرَب

دَقّة العَقرَب

“الجزء الأول”
**

“فلاش باك”…

“كانت أصعَب لحظة مرّت عليّا في حياتي، لمّا وَقَفت انا وابويا قُدّام أمّي وهي بتطلّع في الرّوح، فجأة كِدَه وبدون مُقدّمات حَصَلتلَها حالة تشنّج، وِلقيت حركة إيدها زيّ ما تكون بتقاوم حد قُدّامها، وفجأة برضو لون وشّها بدأ يتغيّر وهي بتمسِك رَقبتها وبتنزل على الأرض، كان بُوقّها مفتوح وبتحاول تتنفّس، وكان طالِع منها صوت حَشرَجة مُخيف، بالظبط زي ما يكون في حد بيخنُقها!

الصّدمة اللي كُنت فيها خلّتني مُش عارف اتصرّف، إحساسي بإن كُل حاجة بتنتهي مَنَعني من إنّي اروح للتليفون واطلب رقم أي دكتور ييجي يسعِفها، جَريت عليها وحاولت آخد إيدها واقوّمها من الأرض، مَطَلَبتِش من ابويا يساعِدني، من سنين طويلة وهوّ عنده مرض نَفسي محدّش عارف سَبَبُه إيه، بينسى وبيتصرّف تصرّفات غريبة ومَعَدش بيتكلّم، حتّى وهوّ شايف أمّي في الحالة دي كان بيبُصّلها والحُزن باين في ملامحُه، لكن دَه برضو مغيّرش أي حاجة من اللي هوّ فيه، مَرَضُه مَنعه من إنّه يعمل حاجة.

مَسَكت إيد أمّي وبَدَأت أقوّمها، في اللحظة دي سِمِعت دقّة عَقرَب السّاعة، استَغرَبت، واللي خلّاني استغرَب أكتَر ان أمّي رغم الحَالَة اللي هي فيها انتَبَهِت للصوت، حتى ابويا اللي تقريبًا مَبينتبِهش لحاجة خَد بالُه، وِلقِيت نَفسي انا كَمَان بَبُصّ للسّاعة، واندهَشت لمّا لَقيت العقرَب واقِف عند رقم 7!

طُول عُمري ودَقّة العَقرَب بتكون مَع السّاعة 12، إلا دلوقت!، قَبل ما افكّر انّ السّاعة ممكن تكون خرَّفِت أو حصل فيها خَلل سِمِعت صوت حَشرَجِة أمّي، بَصّيت عليها وهي على الأرض، لكن كُل شيء كان انتهى بطريقة مُرعِبَة، الدَّم كان نازِل من بوقّها ومناخيرها وودانها، جِسمها كان بيتنِفض وهي بتطلّع في الرّوح.

كُل حاجة انتَهت في ثواني، أمّي في لحظة مَبَقتش موجودة، مَفيش غير جثّتها اللي غَرقانة دَم، حسّيت ساعِتها بانهيار، رِجلي مَبقِتش شيلاني، نِزِلت على الأرض جَنبها اهزّ فيها بجنون، كُنت بَصرُخ فيها عَشان تقوم، لَكن للأسف، في اللحظة دي نِسيت انّ اللي بيروح مَبيرجَعش.

حاجة واحدة بَس خلّتني افصِل من اللحظة المُرعبة دي، لمّا سِمِعت صوت ابويا وهو بينطَق بصعوبة وبيقول…
-ا ع ت م ا د.

الدموع كانت نازلة من عينيه وهو بيبُص لأمّي وبينطَق اسمها، لأوّل مرة من سنين طويلة اسمع صوته، استغربت انّه بيتكلّم بعد السنين الطويلة دي، يِمكن عشان اللحظة اللي كُنّا فيها تِحَرَّك جَبَل من مكانه، بَعدها انتَظَرته يتكلّم تاني، لكن دي كانت آخر مرّة سِمِعت صوته فيها.

بَعد يومين أمّي اندَفَنِت، ويمكن سبب الوفاة اللي اتكتب في شهادة وفاتها هوّ أغرب حاجة مرَّت عليّا، النتيجة كانت وفاة بسبب خَنق وضَرب على الرّاس بآلة حادة! دا غير انّهم لقوا تحت ضوافِر أمّي آثار جِلد! والأغرب من الخَيال إن الآثار دي كانت لشخصين مُش شخص واحد!، كُل دَه كان في التقرير الطبّي اللي اعتمدته المَشرَحة بعد تشريح الجثّة، واللي طبعًا كان لازم يتحوّل للشرطة والنيابة لوجود شُبهة جنائية، ومَعَ الوَقت التحقيقات اتقَفَلِت بَعد تحليل عيّنات الجِلد اللي كانت تحت ضوافِر أمّي، واللي الفحوصات أثبتت انّها لأشخاص تانية غيري أنا وابويا، لَكِن مُش معروف هُمّا مين، دا غير طبعًا إن الآلة الحادة اللي استُخدِمَت في الجَريمة مَلهاش أثر!”

مِن بَعد اللي حَصَل وابويا راقِد في السرير، حتّى الخطوتين اللي كان بيمشيهُم انتهوا، وانا لحد دلوقت، بحاول افهم إيه اللي حَصل لأمّي الله يرحمها بالظَبط!

المكان: فيلّا في مزرعة.
الزَّمن: 2015.
الوقت: يوم سَبت، 6 مساءً.

احساس الخوف اللي جوّاك مُمكن يكون دافِع انّك تِفضل في المكان اللي انت خايِف منّه، أكيد حاجة غَريبة انّ حَد يقول كِدَه على المكان اللي اتولَد واتربّى فيه، لكن بعد اللي حَصَل لأمّي الله يرحمها، واللي بيحصل لابويا، واللي بدأ يحصلّي في الفترة الأخيرة، يخلّي الخوف من الفيلا شيء طبيعي، لكن عُمري ما فكّرت اسيبها، عَشان ابويا اللي راقِد في أوضته، مفيش حاجة بتتحرّك فيه غير عينيه، وعشان عندي أمل ولو بسيط انّ هَييجي الوقت واعرف فيه السَّبب اللي خَلّى حياتنا تِتقَلَب بالشَّكل دَه.

انا مُهنّد عُمر ابوالفتوح، طبيب، اتخرَّجت من 4 سنين واتخصَّصت في علم التشريح والأنسجة، ابويا مهندس ميكانيكا بارع، كان عَنده أحلام ومشاريع المَرَض اللي جالُه مَنَعُه من إنّه يحقَّقها، حتى بَعد ما تِعِب كانِت دماغُه شغّالة في الميكانيكا، لحد اللي حَصَل لأمّي، من وقتها وكُل حاجة انعَدَمِت عَنده، وأمّي الله يرحمها، كانت الوَريثة الوحيدة لجدّي، والفيلا اللي عايشين فيها دي جزء من وِرثِها، دا غير أطيان كِتير وفلوس، ورَغم كُل دَه كِبِرت ومَعرِفتِش غير إحساس واحد بَس، الخوف!

يِمكِن الطريقة اللي ماتت بيها أمّي هيّ اللي شجّعتني ادخُل طب واتخصَّص في التشريح، كان يِهمّني جدًّا اعرَف سبب اللي حصلّها، وقولت يِمكن دراستي في الطب تساعدني اوصَلّه في يوم من الأيام.

في الفترة اللي قبل ما أمّي تموت، كان باين عليها الخوف، زيّ ما تكون في حاجة مخبّياها عليّا، وكُنت بَرضو بلاحظ انّها متوتّرة، ولمّا كذا مرّة سألتها عن سَبب الحالة اللي انا ملاحظها عليها كانت تقولّي مفيش حاجة أنا بخير، وعشان أنا عارف انها كَتومة جدًّا مكُنتش بحبّ اضغط عليها في الكلام، وقولت يمكن عشان سِنّي صغيّر بيتهيّألي كِدَه، ولحد دلوقتي مش عارف هل دَه لُه علاقة باللي حصلّها ولا لأ.

مَخبّيش عليكم، دِماغي مَبتِفصِلش تفكير، بمجرّد ما ارجَع من شُغلي الساعة 5 المغرب وادخل الفيلا بفتِكر كل حاجة، الجَوّ العام كُلّه مُخيف، مِن فَترة طويلة بدأت اسمَع أصوات غريبة بَرَّه في الجِنينة، صوت واحدة بتستغيث ومعاها صوت طِفلة بتبكي، كُنت بَفتح شِبّاك أوضتي عَشان اشوف الصوت جاي منين، مَكُنتش بَلمَح حد تحت، لدرجة انّي أحيانًا كُنت بنزل الجِنينة ادوَّر فيها يمكن ألاقي حَد، دا الموضوع وَصَل إنّي كُنت بسأل عم محروس البوّاب لو في حد دَخل الفيلا، وكان دايمًا بيرُد عليّا إنّه قاعِد واخِد بالُه مِن كُل حاجة ومفيش حَد لا بيُدخل ولا بيُخرج غير المُمَرّضة اللي قاعدَة بابويا، وِكُنت دايمًا بيأس انّي اعرف الصوت جاي منين، فَباخُد نَفسي وادخُل الفيلا تاني، اعدّي اطّمن على ابويا اشوف حالته، واشوف لو المُمَرّضة قالِت على دوا قَرّب يِخلَص أو حاجة محتاجاها عَشان اجيبها تاني يوم وانا راجِع، وبَعد كِدَه ادخُل أوضتي واقَف في الشِّباك، واسمَع نَفس الأصوات اللي مُش عارِف بتظهر منين كل فترة والتانية!

في نَفس الليلة…
المكان: الفيلا.
السّاعة 6:30 مساءً.

خَرَجت من أوضتي، أوّل حاجة عَملتها انّي روحت أوضة ابويا، وِطبعًا قبل ما ادخُل الأوضة خبَّطت على الباب عَشان المُمَرّضة تِعرف انّي هَدخُل، بَعدها فَتَحت الباب وِدَخَلت، قرَّبت من ابويا اللي نايم كالعادة لا حولَ له ولا قوّة وعينُه بتبُص علطول للسَّقف، حطّيت ايدي على صِدرُه من باب الاطمئنان عليه وانا بَبُص للمُمرّضة وبقولّها…

-ازّيك يا ميَّادة.. إيه الأخبار النهاردة؟
-الله يسلّمك يا دكتور مُهنّد.. زيّ ما حضرِتَك شايف مفيش جديد.
-في دَوا قَرَّب يِنقص أو حاجة؟
-لحد دلوقت لا.. لو في حاجة هعرَّف حضرِتَك.

شَدّيت كُرسي وقعدت جَنب سرير ابويا، انا في العادة كُل يوم بَقعُد جنبه في الوَقت دَه، لحد ما ميَّادَة تعطيه الدَّوا اللي ميعادُه الساعة 7، النُّص ساعة دي تقريبًا كُنت بقضّيها في صمت، بَفَكّر بَس في مُهندس الميكانيكا اللي كان كُلّه طموح، وفي الحالة اللي هوّ عليها دلوقت، وِبَفتِكر الورشة بتاعته اللي في سرداب الفيلا، واللي اتقَفَلت من ساعة ما تِعِب وبَطَّل يِشتَغَل، وقَد إيه الحياة مُمكن تِخطَف من الإنسان أحلامه ومُستَقبَله في لَحظَة.

وِزَي كُل يوم، السّاعَة 7 إلا دقايق بسيطة، مَيّادة طَلَبِت منّي اساعِدها نِقَعّد ابويا عَشان تعطيه الدَّوا، ولأوّل مَرَّة ييجي في بالي اسألها…

-اومّال بتعطيه الدَّوا ازّاي وانا بَرَّه؟
ولقيتها بتقولّي وهي بتفتَح عِلَب الدَّوا…
-أوقات بَندَه لِعم محروس البوّاب.. وأوقات تانية بحاوِل اقعَّدُه لوحدي، بَس بيصعب عليّا لأنّه بيتفرهَد مِنّي.

وِوَقفت لحد ما خَد الدَّوا، وساعِدت ميّادة في إنّنا ننيِّمُه تاني، وطبعًا كالعادَة، عينيه كانت مفتوحة وبيبُص للسَّقف طول ما هو صاحي.

في الوقت دَه، سِمِعت صوت دَقّة عَقرب الساعة، بَصّيت في ساعِة إيدي لقيتها 7، ساعِتها افتكَرَت اللي حَصَل لأمّي لمّا السّاعة رَنَّت في الوقت دَه، بَس اللي لَفَت انتباهي أكتر، إن ابويا اللي مبيقدَرش يبُص غير للسَّقف، انتبَه للرَّنّة وِبَص ناحية باب الأوضة، استغرَبت انّه انتبه للصوت، حتى المُمَرِّضة كانت مِستغرَبة هي كمان، لدرجة انها قالتلي…

-دكتور مُهنّد.. البَشمُهندس عُمر حرَّك راسُه وبَص ناحية الباب!
بَصّيتلها من غير ما ارُد عليها، وعلطول خَرَجت من الأوضة وانا عيني على ابويا اللي كان لسّه بيبُص ناحية البَاب!

في نَفس الليلة…
المكان: الفيلا ” قُدَّام السّاعة”.
السّاعة 7:05

المرّة دي مَخَرَجتِش من أوضة ابويا على أوضتي، انا نِزِلت تَحت، وَقَفت قُدّام الساعة، مُش من طبيعتي انّي اتأمّل في حاجة كتير، كُنت طول الوقت مشغول بدراستي وابويا والتفكير في اللي حَصَل لأمّي، لكن قرَّرت اركّز شويّة مع الساعة، اللي عقرَبها دَقّ قبل كِدَه الساعة 7، ساعِتها أمّي ماتت بطريقة غريبة، ولمّا العقرب دَق للمرة التانية في نفس الوَقت من شويّة، ابويا اللي مبينتِبِهش لأي حاجة انتَبَه!

شَكل السّاعة قَديم جدًّا، بَس دَه مُش حاجة غريبة، الفيلا أغلبها أنتيكات وِتُحَف، عَشان أمّي الله يِرحَمها كانت غاوية تِشتري الحاجات القديمة والنّادرة، لثواني فكّرت ان ممكن عَشان الساعة قديمة تكون بتخرَّف وعَقرَبها بيرِن بالخطأ، لكن ممكن تكون صُدفَة انّه يِرِن المرتين الساعة 7؟! وصُدفة بَرضو انّ في المرة الأولى يِحصل اللي حَصل لأمّي وفي المَرَّة التانية ابويا يِنتِبِه؟!

قرَّبت من الساعة، وبدأت امشّي ايدي عليها، أوّل ما لَمستَها حسّيت جِسمي بيرتِعش، قولت يِمكِن من الخوف، بِعِدت إيدي وبدأت أبُصَلها، أكتر حاجة لَفَتِت انتباهي هي العَقارب، مَكانِتش مُستقيمة زي أي عقارب ساعة شوفتها، ده اللي لاحظته لمّا دقَّقت فيهم من قُريّب لأوّل مرة، بَس لَقيتني بقول لنفسي السّاعة كُلّها شَكلها مُريب، زيّ حاجات كتير في الفيلا هِنا.

وحاوِلت اقرَّب إيدي من الساعة تاني، ولمّا لَمَستها جِسمي ارتِعش مرَّة تانية، بَس المرَّة دي الرَّعشة كانت أقوى، مُش كِدَه وِبَس، دا الشَّجر اللي في الجِنينة بدأ يتهزّ، الفروع كانت بتخبَّط في بعضها بطريقة مُرعبة، دا غير صوت الهوا اللي خلّى الشبابيك تِتفَتَح فجأة والستاير تطير، وِساعِتها سِمعت الأصوات تاني، صوت السِّت اللي بتصرُخ والطفلة اللي بتعيّط، جاي من الجنينة تَحت!

بِعدت إيدي عن الساعة وِرجِعت بضَهري ورا، طلعت جَري على أوضة ابويا، فَتحت البَاب ودَخَلت وانا مرعوب، ساعِتها لقيت ابويا بيبُص ناحية شِبّاك الأوضة اللي بيبُص ع الجنينة، ولقيت ميّادة واقعة في الأرض مُش في وعيِها، حاولت افوّقها، وساعِتها حسّيت ان الدنيا بتتهزّ لدرجة انّي قرَّبت افقِد توازني، زي ما يكون في عملاق ماسِك الفيلا بإيده وبيهزّها زي علبة كبريت، حاجة كِدَه أقوى من إنّها تكون زلزال!

واتمكّنت أخيرًا انّي افوَّق ميّادة، واللي اوّل ما فتَّحت عينها قالتلي…

-أوّل ما الشَّجر اتهزّ وسِمِعت صوت بَرَّه بصّيت من الشّباك، شوفت واحدة سِت وطِفلة، السِّت كانت بتُصرخ والطِفلة بتعيّط، أوّل ما نَدَهت عليهم عَشان اعرَف هُمّا مين بصّوا ناحيتي، وكانت عينهُم بتنوّر! ساعِتها وَقَعت مادريتش بنفسي، لغاية ما حضرِتَك فوَّقتني.

على ما ميّادة خلَّصت كلامها كانت الدُّنيا رِجعت هادية زي الأوّل، حتّى ابويا، مبقَاش يبُص ناحية الشِّباك، رِجع من تاني يبُص للسقف.
شَدّيت ميّادة من إيدها وقولتلها…

-تعالي معايا.
-على فين يا دكتور؟!
-هننزل الجنينة.. مُش بتقولي شوفتي واحدة سِت وطفلة؟

مَنتظرتهاش تجاوب، شدّيتها وخرجت من الأوضة ونزِلنا على تَحت، خَرَجنا من الفيلا للجنينة، وساعِتها سألتها…

-شوفتيهم فين بالظبط؟

بصَّت كتير لأكتر من مكان في الجنينة قبل ما تقول…
-هناك.. عند الباب دَه.
دا باب ورشة ابويا اللي مقفولة من سنين طويلة مَتفَتَحش، قُدّامُها كَراكيب كتيرة، ولقيتني بسأل ميّادة للمرّة التانية…
-متأكّدة انّك شوفتيهم هنا؟

ردّت وهي بتبُصّلي وبتأكّد على كلامها…
-أيون متأكّدة يا دكتور مُهنّد.
نَدَهت بصوت عالي على عَم محروس اللي أوّل ما سِمع صوتي لقيته جاي بيجري…
-خير يا دكتور مهند في إيه؟

سألته بعصبية وقولتله…
-أنت متأكّد يا عم محروس انّ مفيش حد بيدخل أو يخرج من الفيلا؟
ولقيته بيرُد بكُل ثقة وبيقول…
-يا دكتور مهنّد لو نملة عدّت البوابة هاخُد بالي منها.

سيبتهُم واقفين في الجنينة ودَخَلت، كُل اللي بيحصل دَه بيتكرَّر من فترة للتانية ومُش لاقي تفسير منطقي يعرَّفني هو بيحصل ليه، لدرجة انّي بدأت احس انّ الحكاية دخلت نَفَق ضلمة مُش باينلُه نهاية.

وَقَفت تاني قُدّام الساعة، بَصّيتلها والخوف مِكَلبِش في قلبي بضوافره، مُش عارِف ليه كُنت مرعوب مِن دَقّة العَقرب الجاية!

مَحبّيتش اسبَق الأحداث، كُنت حاسس نَفسي زي اللي راكِب قَطر، ولازِم هيعدّي على كُل محطّة في وقتها.

اتحرَّكت مِن قُدّام الساعة، لكن وانا بعطيها ضَهري عشان اطلع أوضتي سِمعت صوت حَشرَجَة، الصوت مُش غَريب، دا صوت الحَشرَجة اللي سِمعتُه وأمّي بتموت، وِلقِتني بَبُص على المكان اللي ماتت فيه، وشوفت اللي مَكُنتش متوقّع انّي اشوفه، شوفت أمّي من تاني غرقانة في دَمّها، نَفس المَشهد اللي مَكَنش بيروح من قُدّام عيني، بَس دِلوَقت موجود قُدّامي من تاني على الأرض!

بدأت اتحرَّك ناحيتها ورِجلي مُش شيلاني، ولمّا قرَّبت منها ونزِلت على ركبي وحاولت المِسها حسّيت الرّؤية عندي بتشوّش، ولقيت أعصابي بتِفلِت منّي، حسّيت كأن في حاجة بتُخنُقني، الدُّنيا بدأت تضلّم، وانا بَستَسلم…

فوقت على إيد بتهزّني في كِتفي، فَتَحت عيني لقيتني نايم في الأرض، وبدأت انتبه على صوت عم محروس وهو بيقولّي…
-يادكتور مُهنّد.. يادكتور مُهنّد.. استر يارب!

لمّا بدأت استوعب اللي انا فيه لقيت ميّادة واقفة جنب عم محروس وإيدها على بوقّها والصدمة باينة عليها، ولقيت عم محروس بيمِدّلي إيده عشان يساعدني اقوم، ولمّا بدأت استعيد توازني بصّيت لعم محروس وسألته…
-أنت مَبتسمَعش أصوات ياعم محروس في الجنينة؟!
-لا يا دكتور مُهنّد مَبسمَعش حاجة.

كان بيبُصّلي وهو مستَغرب سؤالي، وانا كَمان كُنت مستَغرب، أنا بسمع الأصوات دي من فترة للتانية، دي حتّى ميّادَة المُمَرّضة سِمعِتها وشافت السّت والبِنت، اشمعنى عم محروس؟!

تاني يوم…
المكان: مَشرحة المستشفى اللي بيشتغل فيها دكتور مُهنّد.
الوقت: 11 صباحًا.

كُنت في مَكتَبي بكتب تَقرير عن جثّة واحدة سِت مقتولة وصلت المَشرحة عندنا من وقت قٌصيّر، وكُنت مُكلّف بتشريحها وكتابة تقرير عنها، لكن لأوّل مرّة يِحصل معايا انّ اشوف ملامح أمّي على ملامح الجُثّة!

محاولتش اتأثّر باللي بيحصل، عشان أنا عارف انّ الشُّغل مفيهوش عواطف، اتحامِلت على نِفسي وتجاوزت الحالة اللي كُنت فيها وكمّلت، يِمكن اللي حَصَل امبارح في الفيلا هو السَّبب في اللي حَصل معايا وانا بَشَرَّح الجُثّة، حَسّيت انّي بَسرَح وانا بَكتِب التقرير، بَس انتَبَهت على دَقَة عَقرب الساعة!

اتنفضت من على الكُرسي، إيه اللي يخلّيني اسمع دقّة عقرب الساعة اللي في الفيلا وانا هِنا؟

خَدت نَفَس عميق لمّا فهمت انّ كل دَه من تأثير الأحداث اللي بمر بيها، وبدأت اكمّل كتابة التَّقرير اللي بشتغل فيه، لحد ما باب المكتب خبَّط ودَخَل عم أمين فَرد الأمن وقالّي…

-في واحدة سِت ومعاها بنتها عايزة تقابلك يا دكتور مُهنّد.
بصّيتلُه باستغراب وسألته…
-يعني انت مُختفي من الصُّبح يا عم أمين ولمّا اشوفك تقولي واحدة ست عايزة تقابلك.. مين دي اللي جاية مَشرَحة عشان تقابِل دكتور بيشتغل فيها؟
-بتقول انّها بتدوَّر على واحدة قريبتها مُختفيّة.. واحتمال كبير تكون ماتت.. وبيدوروا في المُستشفيات يمكن يلاقوها.. وطلبت منّي تقابِل الدكتور النبطشي.
-طيّب خليها تِدخُل.
ساعِتها عم أمين خَرَج من المَكتب، وسِمعته وهو بيقول للسّت…
-اتفضَّلي يا أستاذة.

َبعدها دَخَلت عليّا واحدة سِت جميلة جدًّا، ملامحها لَفَتِت انتباهي، ماسكة في إيدها طفلة، لكن كانت بتتكلّم ونبرتها كُلّها حُزن…
-ازيك يادكتور.. احنا بندوّر على بنت خالتي مختفية من فترة وعندنا شَكّ انها ممكن تكون ماتت.. لو المشرحة فيها حالات موصلتوش لأهلها ممكن اتعرّف عليها؟

لقيت نفسي بقولّها…
-في حالات عندنا لسّه مُش عارفين عنها أي حاجة.. اسم بنت خالتك إيه؟
-اعتماد.

حسّيت زيّ ما يكون صاعق كهربائي لَمَس راسي أوّل ما سِمِعت الاسم، الألم كان رهيب وكُنت على وَشَك انّي اصرخ من شدّته، لكن مِسِكت نفسي، وبرغم انّ اللي حَصَل لأمّي كان بيتعاد قُدّام عيني في اللحظة دي لكنّي تجاهلت شعور الخوف اللي كان جوايّا، وساعِتها كانت بِتبُصّلي زي مايكون عندها أمل انّها تلاقي بنت خالتها، كان باين على ملامحها أوي انّها زعلانة، بصّيت للبنت اللي في إيدها وانا بفكّر، وبعدها قولتلها…

-تِقدري تيجي معايا التّلاجة يِمكن تتعرّفي عليها في الجثث اللي هناك.

خَرَجت من المَكتب وهيّ ورايا وفي إيدها الطفلة، وساعِتها طَلَبت منها تسيبها مع عم أمين عشان مَينفَعش طِفلة تتعرّض لموقف انّها تشوف جثث في تلاجة مَشرَحة، وافقِتني على رأيي وسابِت البِنت معاه عند مكتبه اللي في أوّل الطُرقة، وخدتها وروحنا التلاجة، وجوّه طلبت من الممرض اللي ماسك النبطشية يِفتح لنا التّلاجات اللي فيها جثث سيدات لسّه محدّش اتعرّف عليها، وفعلًا بدأ يفتح تلاجة ورا التانية ويِكشِفلها وِش كُل جُثّة، كل جثة بتشوفها مكَنِتش بتطلع بنت خالتها، لَكن انا كانت بتحصل معايا حاجة غريبة، كُل جُثّة وشّها كان بيتكشف كنت بشوف ملامح أمّي في وشّها!

لحد ما النور اتقطع فجأة، وفجأة كمان احساسي بإن حد موجود معايا انعَدَم!

لَكن صوت الحَشرَجة اللي سمعته من أمّي وهي بتموت بدأ يِظهر، الرّعب اللي كُنت فيه خلّى رجليّا تتسمّر في الأرض، وخصوصًا لمّا بدأت اسمَع صوت خَبط جامد، مَكُنتش شايِف حاجة بَس دَه كان صوت بيبَان التلاّجات، زي ما يكون حد عمّال يِفتحها ويِقفِلها وهوّ غَضبان!

كان فاضِل ثواني والخوف يِفقِدني الوَعي، تقريبًا جِسمي في الوقت دَه مكنش يِعرف يعني ايه أعصاب، مكُنتش عارف اتحكّم في نفسي.

قَبل ما احاول ادوّر على الباب عَشان اخرج النور اشتَغَل، لفّيت حوالين نَفسي عشان اشوف السّت والممرض، لكن مَفيش حَد، والباب كَمان كان مقفول، زي ما يكونوا اتبخّروا.

مشيت ناحية الباب وفَتَحتُه، خَرَجت في الطُّرقَة وانا بحاول اتلم على أعصابي، وروحت عند مكتب عم أمين عَشان اشوف السّت يِمكن تكون راحت هناك عشان تاخد الطفلة، لكن لقيت المكتب فاضي وعم أمين مُش موجود، ولا الطفلة اللي كانت معاه، ولا السِّت اللي كانت معايا جوّه، بَقيت واقِف مِستني حد منهم يِظهر، لكن الوحيد اللي ظَهر هو الممرض اللي طلبت منّه يِفتَح التلاجات للسِّت عشان تتعرف على جثة بنت خالتها، كان جاي من آخر الطُرقة من ناحية الباب الخَلفي، ولمّا قرَّب منّي قولتله…

-السِّت اللي كانت معانا فين؟
بَصّلي باستغراب وهو بيسألني…
-أي سِت يا دكتور مُهنّد؟

ساعِتها ردّيت عليه بعصبية وقولت…
-السِت اللي كانت معانا في التلاجة جوّة دلوقت عايزة تتعرَّف على جثّة بنت خالتها.

لقيت المُمَرّض بيبُصّلي وهو مذهول وبيقولي…
-يا دكتور انا كُنت واخد إذن ساعتين وبرَّه ولسّه داخل المُستشفى دلوقت حالًا.
-أنت بتقول إيه؟!.. بقولّك السِّت كانت معانا دلوقت جوّه.
-يادكتور انا مِشوفتِش سِتّات ولسّه جاي دلوقت!

حاولت اهدّي نَفسي عَشان كان واضح عليّا الانفعال جدّا وسألته…
-طيّب فين عم أمين؟!
-عَم أمين تعبان يا دكتور وعامل مَرضي ومجَاش النّهاردة.

وسابنِي منتَظَرنيش اتكلّم ومِشي، وَقَفت كأنّي تايه، دِماغي عمّاله تودّي وتجيب، لكني رِجعت لمكتبي، خدت مفاتيح عَربيتي وخَرَجت، مِشيت بسُرعة زي ما اكون عايز اهرب من المشرحة، لأن صوت الحَشرَجة اللي كُنت سامعه من أمّي وهي بتموت كان موجود في كل مكان، زي ما يكون بيطارِدني!

خَرَجت من المَشرَحة، ولمّا وصلت للبوابة وقبل ما اركب عَربيتي سألت واحد من الأمن وقولتله…
-مَشوفتِش عَم أمين النهاردة؟
ولقت الرَّد اللي مَكُنتش عايز اسمعه لمّا قالّي…
-عم أمين تعبَان ومجاش النهاردة يا دكتور!

ركِبت عربيتي ومشيت، كان كُل اللي شاغِل تَفكيري ليه كُل دَه بيَحصل معايا، إيه الحكاية بالظَبط، لَكن للحظة وَقفت تفكير لمّا وَصَلت لسؤال جِه في بالي، لمّا سألت نَفسي مين السِّت والطفلة اللي معاها اللي ظهروا النهاردة واختفوا وكأنهم فص ملح ودابوا؟! وساعِتها قِدرت اربط بين ظهوروهم وبين الأصوات اللي بسمعها من وقت للتاني في الفيلا لصرخات واحدة سِت وعياط طِفلة، وبين السِّت والطفلة اللي ميّادة الممرضة شافتهم!

وانتَبَهت وانا سايِق لواحدة سِت ومعاها طفلة بيعدّوا بعرض الطريق قُدّام العَربية، ضَرَبت فرامِل بكُل قوّتي عشان اسيطر على العربية ومخبطهومش، ولمّا العربية وقفت قبل ما تخبطهم بمسافة بسيطة راسي خَبَطت في الدركسيون خبطة بسيطة، بَعدها رَفَعت راسي عشان اطمّن إن السّت والطفلة محصلهومش حاجة، لكنهم مكانوش موجودين، كان اللي شوفته راجل كبير في السّن واقِف قُدّام العربية، وكان بيقولّي…

-امشوا بالراحة يابني الناس الكبيرة اللي زيي بتعدّي الطريق بالعافية!

دَقِّة العَقرب
“الجزء_الثاني”
**
في نفس اليوم…
المكان: الفيلا.
السّاعة 2 مساءً.
أوّل مرّة اسيب شُغلي واخرُج منه قبل ميعادي، بَس بعد اللي حصل معايا هناك كان لازم اعمل كِدَه، كمان اللي حَصَل في الطريق خلّاني اتوتّر أكتر وافقِد أعصابي.
رَكَنت عربيتي بعد ما سألت عم محروس عن أي جديد حَصل لكنّه قالّي مفيش غير إنّه لَمَح ميّادة الممرضة سايبة ابويا في أوضته وبتتمشّى في الجنينة ناحية باب الورشة، وانّه نَدَه عليها ولمّا سِمعِتُه بصّتلُه ودخلت تجري جوّه الفيلا.
بمجرّد ما سِمِعت كلامُه دَخلت الفيلا وانا بجري، أوّل حاجة عملتها انّي طلعت اوضة ابويا عشان اطمن عليه واشوف ميّادة، ولمّا فتحت الباب المرّة دي بدون ما اخبّط لقيت ميّادة قاعدة على الكرسي جنب ابويا وبتقرأ في كتاب كان في ايدها، أوّل ما شافِتني استغربت انّي رِجعت في الوقت ده وقالتلي…
-خير يا دكتور مهند.. راجع بدري عن ميعادك في حاجة حصلت؟
تجاهلت سؤالها وسألتها…
-انتي نزلتي الجنينة تَحت النهاردة يا ميّادة؟
-لا منزِلتِش.. هو في حاجة حصلت؟
سيبتها وخرجت، روحت أوضتي ووقفت قُدّام الشبّاك ابُص على الجنينة، والوقت خدني ومحسّيتش بنفسي غير وعم محروس ماسك خرطوم المَيّه وبيروي في الزرع، ساعتها عرفت اننا بقينا بعد العصر لأن دَه الميعاد اللي اتعوّد يروي فيه، وحاجة في بالي خلّتني اروح اطمّن على ابويا، روحت اوضته واتعمّدت تاني افتح الباب من غير ما اخبّط، دخلت ولقيت ميّادة رايحة في النوم على الكرسي، قرّبت منها وبصّيت للكتاب اللي كان مفتوح على رِجلها، كان عندي فضول اعرف هي بتقرأ إيه بعد اللي قاله عم محروس البواب وهي أنكرته، لكن الكتاب اللي كان مفتوح على رجلها كان رواية مترجمة.
قرّبت من ابويا اللي كان بيبُص للسّقف كالعادة، واتفاجأت انّه انتبهلي وبصّلي، حسّيت في عينيه انه عاوز يقول حاجة، لكن عجزه عن الكلام كان مانعه، بَس لمّا بصّلي شوية وبدأ يحرّك راسه عينه راحت ناحية الشبّاك، وساعتها حسّيت انه مركّز معاه أوي، وزي ما يكون عايز يتكلّم.
بدأت اهزّه من كِتفه واقولّه…
-اتكلم يا بابا.. حاول تتكلّم.. عاوز تقول إيه؟
ميّادة صحيت من النوم على صوتي، وساعِتها بعدت إيدي عن ابويا وهي بتقولّي…
-في إيه يا دكتور مهند؟!
قولتلها وانا لسّه بَبُص لابويا…
-حاسس انّه عاوز يتكلّم.. وحاسس كمان انّه يقدر يقولّي سبب اللي بيحصل دَه.
-هدّي أعصابك يا دكتور مهنّد.. البشمهندس في الحالة دي من سنين طويلة.. هيعرف منين بَس سبب اللي بيحصل؟!
وبعد ما قالتلي الكلام ده طلبت منّي اننا ننزل تَحت، مُش عارف إيه اللي خلاني اتجاوب معاها، نزلنا تحت وقعدنا في الصالة، كلمتني عن حالة ابويا كتير، واللي اتضح اني مكُنتش اعرف عنّه حاجة في الفترة الأخيرة، الأحداث اللي بدأت تزيد معايا في الفترة دي كانت واخداني من متابعة حالته، وفضلنا نتكلّم لحد ما الليل دخل، كُنت منتظر تتكلّم عن اللي قاله عم محروس البواب أول ما وصلت الفيلا النهاردة، لكنها مجابتش سيرة الموضوع، لكن انا كان بيدور في راسي سؤال كنت لازم اوصل لإجابته، هي ليه سابِت ابويا ونزلت عند باب الورشة وأنكرت دَه؟!
الساعة كانت داخلة على 7، ساعتها استأذنت منّي عشان تطلع تعطي ابويا الدوا اللي فاضل على ميعاده دقايق، سابتني ومشيت وانا روحت وقفت ناحية الشباك اللي ع الجنينة، وساعتها شوفتها ماشية عند باب الورشة بنفس الهدوم اللي كانت قاعدة معايا بيها من شوية، بصّيتلها وانا مذهول، والذهول زاد لمّا شوفت طفلة جاية تجري عليها وبتمسك في إيدها!
طيب ازّاي وانا شايفها طالعة قدامي على السلم ورايحة اوضة ابويا!
وساعتها افتكرت ان في سلّم بينزل من فوق على الباب الخلفي للفيلا، منتظرتش وطلعت اجري على فوق، دخلت اوضة ابويا فجأة، لكن لقيتها بتعطيه الدوا في هدوء ومفيش أي توتر باين عليها، دخلت وقفلت الباب ورايا، ووقفت مَطَلَبِتش منّي اساعدها في حاجة، حاولت اشغل نفسي بأي حاجة لحد ما تعطي الدوا لابويا، وقفت في الشباك وبصّيت في الجنينة، وساعتها حسّيت ان جسمي اتحوّل للوح تلج، لما لقيت ميادة اللي معايا في اوضة ابويا دلوقت موجودة تحت في الجنينة!
خبطت بإيدي على الشباك، ولمّا ميادة لاحظت ده سألتني وهي متوتّرة…
-مالك يادكتور في حاجة مضيقاك؟
محبّتش احكيلها عن حاجة واكتفيت بإنّي قولتلها…
-مفيش حاجة!
ساعتها كان ابويا خد دواه، طلبت منّي تاني ننزل نقعد تحت عشان مينفعش انّ ابويا يحس بيا وانا في الحالة دي، وقالتلي انّي دكتور واعرف تأثير الحالة اللي انا فيها على ابويا كويس، سيبنا ابويا يرتاح وخرجنا من الأوضة، وأول ما بدأنا نتحرك في الطرقة عشان ننزل تَحت سِمعت صوت دقة عقرب الساعة، ساعتها الصرخات بدأت ترن في الجنينة، والشَّجر بدأ يتهزّ بشكل مخيف، ولقيت ميّادة بتمسك دراعي من الخوف، وخصوصًا لمّا سمعنا صوت حشرجة خارجة من اوضة ابويا!
بِعدت إيد ميادة وجريت على اوضة ابويا وفتحت الباب، وساعتها لقيت نفس المنظر بيحصل قدام عيني للمرة التانية في حياتي، ابويا غرقان في دَمه، بيتنفض وبيطلّع في الروح، وطالع منه صوت حشرجة مُخيف!
صَرَخت وميادة صرخت ووقعت في الأرض، ساعتها لقيت عم محروس جاي بيجري عشان يشوف إيه اللي بيحصل، ولمّا شاف اللي حصل لابويا وقع في الأرض وبدأ يعيّط..
نفس إحساس الألم بيتكرر تاني، إيه اللي بيحصل في حياتي بالظبط، ليه نهاية ابويا وامّي كانت واحدة وبالطريقة الفظيعة دي!
طلبت من عم محروس اللي كان قاعد في الأوض انه يفوّق ميادة، لأول مرة احس اني متحكم في أعصابي كِدَه، برغم انّ اللي حصل لابويا لسّه قُدّام عيني، لكن رغبتي انّي اعرف إيه اللي بيحصل كانت أقوى من أي احساس تاني المرة دي، عشان كِدَه قرَّرت اني اشرَّح جثة ابويا بنفسي عشان اعرف سبب وفاته إيه.
طلبت الإسعاف، ونفس اللي حصل يوم ما ماتت أمّي اتكرَّر لمّا ابويا مات.
تاني يوم…
المكان: المشرحة.
الحاجة الوحيدة اللي كانت مختلفة هي انّي المرة دي الدكتور اللي شرَّح الجثة، معرفش انا جِبت قوة القلب دي منين انّي اشرَّح جثة ابويا، واللي التقرير الطبي كان فيه نفس أسباب الوفاة اللي في تقرير وفاة أمي، خَنق وضربة بآلة حادة على الراس أدت لكسر في الجمجمة والنزيف والوفاة.
مكنش شاغلني غير ازاي ده بيحصل ومين اللي بيعمله، الموضوع اتكرر مع ابويا وامي وماتوا بنفس السبب بدون ما حد يتعرّضلهم، عشان كده لمّا الشركة حققت في الموضوع موصولوش لحاجة، لأن كالعادة أداة الجريمة مش موجودة، دا غير انّ مفيش حد فعلا شوفناه بيرتكب اللي المفروض تُسمى جريمة!
بعد أسبوع…
المكان: الفيلا.
الوقت: الساعة 6 ونص مساءً.
الفيلا بقت فاضية، ابويا بعد ما مات ميادة شغلها انتهى، مفيش غيري هنا، وعم محروس على البوابة.
في الأيام الأخيرة بقيت ملازم أوضتي، من ساعة ما برجع من شغلي وانا مبخرجش منها لتاني يوم الصبح، بصّيت في ساعة إيدي ولقيتها 6 ونص، الدنيا بقت ليل وعم محروس قاعد جنب البوابة بيشرب شاي، وانا واقف في شباك أوضتي منتظر أي حاجة غريبة من اللي بتحصل من وقت للتاني.
الوقت عدّى واللي كنت مستنيه حصل، سمعت دقّة عقرب الساعة، وساعتها سمعت صرخة الست وعياط الطفلة، بس المرة دي مش في الجنينة، دول موجودين في الفيلا جوه.
وكالعادة الهوا زاد والشَّجر بدأ يتحرَّك، محبّتش ابعد عن الشباك برغم الخوف اللي كُنت فيه، كُنت عايز اشوف عم محروس بيعمل إيه لما ده بيحصل، ولقيته قام من على الكنبة بتاعته ودخل أوضته وقفل عليه!
سيبت الشباك وخرجت من أوضتي، الصوت المرة دي مخيف أكتر من أي مرة فاتت، لما حاولت اركّز الصوت جاي منين لقيته طالع من أوضة ابويا! مشيت ناحيتها وأوّل ما وصلت للباب وقفت، الصوت فعلًا جوّه، فتحت الباب بالرّاحة وبصّيت في الأوضة، ولقيت منظر بَشِع، نَفس السِّت والطفلة اللي شوفتهم في المشرحة موجودين في الأوضة، وابويا ممدّد على السرير غرقان في دَمّه، وكانوا بياكلوا من جثّته!
مكانوش حاسّين بيا، كان شكلهم زي اللي بينتقم من ابويا! وفجأة لقيت ابويا فتح عينيه وبص ناحيتي وانا واقف ببُص على اللي بيحصل من الباب المتوارب ومذهول، ولقيته بيشاور بإيده ناحية شباك أوضته، وبعدها عينه غمّضت.
بعد ما عين ابويا غمّضت اختفى من على السرير، والست والطفلة اختفوا معاه، لكن صوت الشَّجر برّه كان بيقول انّ الأحداث لسّه مخلصتش، وفي وسط كُل ده فكّرت ليه ابويا ظَهر وشاورلي على الشّباك، وإيه علاقته بالست والطفلة اللي ظهرولي في المستشفى؟!
دَخَلت الأوضة ووقفت ابُص ع الجنينة، كُنت بفكّر وانا بسأل نفسي ابويا كان بيقصُد إيه وهو بيشاور بإيده ناحية الشّباك، وبدأت ابُص في كُل مكان في الجنينة، ساعتها كان الشَّجر بطّل يتحرّك، وبدأ تفكيري ياخُدني ناحية الورشة، ليه ميّادة شافِت السّت وبنتها هناك؟ وليه عم محروس لمّا قال انّه شاف ميّادة في الجنينة شافها هناك؟
حاجة جوّايا خلّتني اسيب الأوضة وانزل، لكن وانا نازل على السلم سمعت صرخة الست وعياط الطفلة جاي من تحت، لمّا نزلت لقيت الصوت طالع من الساعة، وقفت قُدّامها، كانت عقاربها بتلف ورا بعضها بدون توقّف، خوفت اقرّب منها، رجعت بضهري لورا وانا مُرتبك ومرعوب، لحد ما وقعت على ضهري وراسي خبطت في الأرض، بس الخبطة كانت بسيطة، وساعتها بدأت اسمع صرخات الست وعياط الطفلة جاي من كل مكان حواليّا.
قُمت مفزوع من الأرض، جريت عشان اخرج من الفيلا، خطوتي كانت مهزوزة لكن كُنت بحاول مَفقِدش توازني، لحد ما خرجت الجنينة، ولقيتني رايح ناحية أوضة عم محروس، فِضِلت اخبَّط على الباب لحد ما فَتَحلي، كان مُندهش من انّي بخبّط عليه وباين عليّا الخوف، فتح الباب وقالّي…
-ادخُل يا دكتور مهند.
قولت وانا حاسس انّ نَفَسي مقطوع…
-عم محروس.. أنا عاوز ادخُل الورشة.. ساعدني نشيل الكراكيب من قُدّام الباب ونِفتَحه.
حسّيت انّ عم محروس ارتبك لمّا طلبت دَه منّه، ولقيته بيقولّي…
-يا دكتور الورشة مقفولة من سنين طويلة.. من ساعة ما البشمهندس الله يرحمه تِعِب.. كُنت انت لسّه صغير.. يومها وقع في الورشة وأُغمى عليه وبعد ما فاق لقيناه في الحالة اللي هو عاش ومات عليها.. دا غير ان التعب اللي فيه كان بيزيد عليه كل فترة عن اللي قبلها.
-ساعدني نفتح الورشة يا عم محروس.
-البشمهندس في أول أيام تعبه طلب منّي اقفلها ومفتحهاش لأي سبب.
-ابويا مات ياعم محروس.. وانا لازم اعرف سبب كل اللي بيحصل.. وحاسس ان الورشة ممكن توصّلني لحاجة.. لو مساعدتنيش هروح افتحها لوحدي.
عم محروس حَسّ انه مغلوب على أمره، سابني واقِف على باب الأوضة ودخَل، وبعد ثواني لقيته خارج ومعاه مفتاح كان باين على شكلُه انّه قديم، قَفَل باب أوضته وراه وقالّي…
-تعالَ معايا يا دكتور.
مَشينا في الجنينة لحد ما وصلنا لباب الورشة، كان لازم قبل ما نفتح الباب نشيل الكراكيب اللي قُدّامها، وساعتها سألت عم محروس…
-انت ليه سايب الكراكيب دي كِدَه؟!
واتفاجأت بإجابته على سؤالي وهو بيقولّي…
-البشمهندس الله يرحمه طلب منّي اعمل كَدَه أوّل أيام تَعَبُه.
مسألتوش ليه طَلَب منّه كِدَه، أنا عارف ابويا هيطلب منُّه دَه بس مش هيقول سبب الطلب، كمان هو يادوب بوّاب مالوش يسأله ليه.
نَقَلنا الكراكيب من قُدّام الباب لمكان جنب سور الجنينة، وساعتها عم محروس حطّ إيده في جيبه وطلّع كشّاف، وسألته…
-ليه بتطلّع الكشّاف لمّا ممكن نفتح النور بعد ما ندخل؟
وساعتها رد عليّا وقالّي…
-البشمهندس الله يرحمه فاصل الكهربا عن الورشة!
الوقت: نَفس الليلة.
المكان: الورشة.
صوت الباب وهوّ بيتفتح كان مُرعِب، حسّيت انّه بيُصرخ، ولمّا شوفت الضلمة اللي جوّه الخوف اللي جوايا زاد، برغم كده خدت الكشّاف من عم محروس، بدأت اوجّه النور جوَّه الورشة، مكَنش ظاهر غير خيطوط العنكبوت اللي نازلة من السقف، دا غير ريحة المكان اللي كانت تُخنُق، دَخَلت وحسّيت بخطوات عم محروس ورايا، انا فاكر انّ آخر مرة دَخلت المكان هنا كُنت طفل، لسّه فاكر ابويا الله يرحمه وهو بيشتغل على أفكاره ومشاريعه اللي كان بيتمنّى يحوّلها لواقع، لكن الواقع اللي حصل كان حاجة مُش على البال ولا الخاطر.
بدأت ادوَّر في الورشة، لكن لقيت عم محروس بيقولّي…
-انا هحاول اوصّل الكهربا من اللوحة يِمكن تشتغل.
مكَنش فارق معايا الكهربا توصل أو لا، كُنت ناوي حتى لو هفضل هنا ولمّا النهار يطلع والدنيا تنوّر هدوّر على أي حاجة ممكن الاقيها، بدأت افتّش في كُل حاجة، برغم انّي مكنتش عارف انا بدوّر على إيه! بس انا كُنت واصل لمرحلة انّي اتعلّق بأي أمل قُدّامي.
وشويّة ولقيت لمبات المعمل بتِسرِج، النور اشتغل، ولقيت بعدها عم محروس جاي بيقولّي…
-الفيوز كانت ضاربة والحمد لله عرفت اوصَّلها.
عطيته الكشّاف وبدأت ادوَّر لما الإضاءة ساعدتني على دَه، اوّل ما لمحت مكتب ابويا روحت عنده، فتّشت في الوَرَق اللي عليه، كان كله عبارة عن رسومات هندسية ومعادلات، فَتَحت ادراج المَكتب، كانت فاضية تقريبًا، مفيهاش غير شوية ورق ابويا كان كاتب فيه ملحوظات عن شغله، لكن آخر درج في المكتب كان مقفول بقفلين، حاولت افتحه معرفتش، عشان كِدَه طلبت من عم محروس يجيب شاكوش ويِفتح الدُرج، ولمّا فَتحه مكَنش في الدُّرج غير أجندة.
خدت الأجندة وفتحتها، أول صفحة فيها كان مكتوب فيها اسم ابويا وتاريخ ميلاده والمهنة، تاريخ جوازه من امّي، ولمّا قلبت الصفحة لقيت مكتوب تاريخ جوازه من واحدة تانية بعقد عُرفي!
الصَّدمة خلّتني اقعد على كُرسي المكتب عشان حسّيت ان رجليّا اتبخّرت، ليه ابويا اتجوّز عُرفي؟!
بدأت اقلّب في صفحات الأجندة، لغاية ما لقيت ورقة مطبَّقة، فتحتها لقيتها عقد جواز ابويا العُرفي من واحدة اسمها نسرين، كان شاهِد عليه عم محروس، اللي أوّل ما شاف العقد في ايدي قالّي…
-يا دكتور انا عبد المأمور.. مكُنتش اقدر اقول للبشمهندس لا ولا افتح بوقّي.
الحقيقة عم محروس كلامه صح، خايف على أكل عيشه اللي ممكن يتقطع لو معملش اللي ابويا قالّه عليه، بدأت اقرأ الملاحظات اللي ابويا كاتبها في الأجندة، كانت كُل ملاحظة بقرأها بتصدمني، مش هتصدقوا لو قلتلكم كانت بتصدمني اكتر من الحاجات اللي بتحصل معايا!
ابويا كان كاتب انه اتفق على جوازه من نسرين بعقد عُرفي، لأنه حبّها ومقدرش يستغنى عنها، ولو كان طلّق امّي عشانها كان هيتحرم من ورثها اللي كان معتمد عليه عشان يقدر يحقق مشاريعه ويموّلها.
في ملاحظة تانية ابويا كان كاتب ان مشاعره الحقيقية كانت لنسرين، وانّه متحمّل يعيش مع امّي لأنها كانت حامل فيّا ومكنش عايز ابنه ييجي للدنيا ويعيش ظروف مُش مستقرة، دا غير الورث اللي كان باين من ملاحظاته انّه أهم عنده من كل حاجة.
قلّبت في الصفحات، لغاية ما وقفت عند ملاحظات ابويا كان بيقول فيها انه اتفاجأ إن نسرين حامل، وطبعًا دَه كان مخالف لشرط ابويا انّها متخلّفش، ولمّا أصر انها تسقّط نفسها سابِتُه وهربت، ومظهرتش تاني، لغاية ما ابويا نسي الموضوع، وبعدها ظهرت وكان معاها طفلة صغيرة، وجت عند الفيلا وسألت على ابويا وعم محروس قالّها انّه مُش موجود، ولمّا بلّغ ابويا باللي حصل بدأ ياخد حذره منها، قِدِر يتواصل معاها وقابلها واتفق انّها تاخد مبلغ وتختفي، لكن هي أصرت انه يعترف بالطفلة، واللي كانت حاجة مستحيل ابويا يعملها وإلا كُل ده هيضيع منه، لدرجة انها هدّدته لو معترفش بالطفلة هتروح لمراته وتقولّها كُل حاجة.
وزي ماهو مكتوب قُدّامي، ابويا كان مجهّز خطة بديلة، كان عارف انها هتيجي في يوم بالليل عند الفيلا وتعمل مشكلة وتحاول توصل لامّي، ساعتها ابويا قعد مع عم محروس يشرب شاي، واستغل ان عم محروس دخل اوضته يجيب الشيشة وحطله منوم في الكوباية بتاعته، ولما رجع وشربه راح في سابع نومه، وبعدها وصلت نسرين ومعاها الطفلة، وابويا طلب منها تدخل عشان يتفاهموا جوّه، خدها للورشة، وأول مادخلوا خنقها وضربها بألة حادة على راسها هي والطفلة وقتلهم، وتقريبًا ابويا كان مجهّز للي هيعمله من بدري، لأنه كاتب انه قبلها بيومين كان مجهّز حفرة في الورشة عشان الموضوع مياخدش منه وقت!
ابويا كتب تفاصيل جريمته بالتفصيل، حطّ نسرين والطفلة في الحفرة بعد ما قتلهم ورَدَم عليهم، وكان معتمد ان مفيش حد بيدخل الورشة غيره، دلوقت افتكرت ليه لمّا كنت باجي اقرّب من الورشة قبل ما ابويا يتعب كان بيرفض اني ادخل!
قلّبت تاني في الأجندة، ابويا كان كاتب انه كان نِسي الموضوع، لكنه بدأ يسمع أصوات غريبة في الورشة بعد فترة طويلة جدًا، وبدأ يلاقي الورق اللي على المكتب متقطع من نفسه، وبدأ يحسّ بحاجات غريبة بتحصل، وبدأ يلاحظ ان امّي خايفة من حاجة مُش عايزة تحكي عنها، وأغرب حاجة قرأتها انّ بعد فترة طويلة ابويا فَتَح الحُفرة على نسرين والطفلة، مكَنش باقي منهم غير الهيكل العظمي، وساعتها ابويا خد من هيكل كل واحدة فيهم ضلع!
معرفش إيه سبب انّه يعمل كِدَه، بس تفسيري للي مكتوب في الأجندة انّ ابويا من الوقت ده وتصرفاته بدأت تبقى غريبة ومش مفهومة من اللي بدأ يحصل معاه في الورشة، لحد ما وصلت لصفحة لقيت فيها حاجة أغرب من الخيال!
ابويا كان راسم ساعة، شبه الساعة اللي في الفيلا بالظبط، كان عقربها في الرسمة واقف عند الساعة 7، واللي عرفت من الأجندة انه الوقت اللي ابويا قتل فيه نسرين والطفلة، وقرَّر انّه يصنّع ساعة وينحت عقاربها من ضلوعهم!
الذهول كان باين عليّا، ايدي ارتعشت وانا بقرأ والأجندة كانت هتُقع منّي، مكُنتش مستغرب اللي ابويا عمله، تقريبًا ابويا كان فقد عقله لأن اللي انا بقرأه ده مفيش حد عاقل يعمله، ومفيش حد يكتب تفاصيل جريمة ارتكبها بالشكل ده!
حطّيت الأجندة من إيدي وبدأت ابُص في أرض المعمل، الأرضية كلها بلاط ماعدا حتّة في الركن كانت تُراب، قولت أكيد دي الحفرة اللي فيها الجثتين، طلبت من عم محروس يطلع يجيب الفاس من الجنينة، استغرب طلبي، وكان لازم احكيله لإنه هيشوف اللي هيحصل بعينه، كان مُندهش ومش متخيل انّ ابويا يعمل كده، وانا كُنت مقدَّر ذهوله لأن ابويا عطاه منوّم وساعتها معرفش باللي حَصَل!
بدأت احفُر، عم محروس كان بيساعدني، حسّيت انّه مُتعاطف معايا، كمّلت حفر لحد ما وصلت للجثتين، مكنش باقي منهم غير شوية عضم وهدومهم والآلة الحادة اللي اتقتلوا بيها، اللي حسّيت بكهربا في جسمي لمّا لقيت الهدوم فيها شبه كبير من هدوم الست والطفلة اللي ظهرولي في المشرحة!
عم محروس قالّي انّه هيتخلّص من الحاجات اللي في الحُفرة، كان عارف انّ مفيش عندي أعصاب اعمل حاجة، وساعِتها طلبت منّه اننا نتخلّص من الساعة اللي في الفيلا كمان!
وفعلًا عم محروس خَد الحاجة في كيس اسود وخد الساعة والأجندة والآلة الحادة واتخلّص منهم، وقالّي انه رماهم على شط الترعة في مكان الناس كانوا مولّعين فيه جنب صندوق زبالة!
ولقيت عم محروس بيوصّيني ان محدّش يعرف حاجة عن اللي حَصَل، الجريمة حَصَلت وابويا اللي المفروض ياخُد جزاؤه مات، ومالوش لازمة الشَّوشَرة!
المكان: الفيلا.
الوقت: تاني يوم الصُّبح.
قاعد قُدَّام شبّاك أوضتي، بحاول افسّر اللي حَصَل، مَنكِرش انّ ضميري ارتاح لمّا عرفت سبب اللي حَصَل، نسرين والطفلة انتقموا من ابويا في أمّي الأول، لمّا قتلوها بنفس الطريقة وبنفس الآلة الحادة، عشان كِدَه تقرير التشريح كان صحيح، بَس مُرتكب الجريمة كانت أرواح بتنتقم، وكان من الصعب اننا نثبت ده!
بعدها انتقموا من ابويا بعد ما خلّوه يعيش يعاني سنين طويلة، وبرضو بنفس الطريقة!
حسّيت ان الدُنيا بعد كِدَه هتبدأ تِظبُط، مُش عارف ليه كان جوايَا راحة نفسية غريبة، يمكن الموضوع لما اتكشف كان اعتراف بحق نسرين والطفلة اللي ابويا كان بيحاول يدفنه معاهم، يِمكن أرواحهم تكتفي بِكِدَه وتسيب الفيلا.
انتبهت لصوت ضِحك جاي من بعيد، بصّيت في الجنينة، كان عم محروس ممدد ونايم على الكنبة جنب البوابة، بَس لمحت نفس السّت والطفلة اللي كانوا عندي في المَشرحة، واقفين قُدَّام الفيلا من برَّه، كانت إيدهم في إيد بعضهم، بيبتسموا، بصُّوا ناحية الشبّاك اللي انا فيه كتير، وبعدين عطوا للفيلا ضهرهم ومشيوا، لحد ما اختفوا!
***
تمت…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى