قصص

جلابية محب (كامله)

“القصة مستوحاة من قصص شعبية”
عمري ما حسيت بغربة، عمري ما حسيت إن الوطن اللي اتنقلت فيه مش وطني، هناك كانوا أهلي وهنا برضه أهلي، مش عارف هل ده بسبب إن أمي مصرية فلما جيت مصر حسيت إني بنتمي ليها؟ ولا عشان مصر بلد أي حد يدوب فيها ويندمج ويحس إنه جزء منها حتى لو في الأصل غريب، لكن جت اللحظة اللي حسيت فيها بالغربة ومكنتش متخيل إنه شعور بش.ع كده، الله يكون في عون كل الأغراب، الأغراب في وطن تاني والأغراب في وطنهم…
إحنا عراقيين، لأب عراقي وأم مصرية، لمينا بعض وجينا على مصر من وقت حرب العراق، هناك في العراق كان لينا شأن، كنا مرفهين، كانا معانا فلوس لدرجة إن الفلوس مكنتش موضوع، بمعنى عمري ما حسبت اللي بصرفه أو حسيت إن للفلوس قيمة أصلًا، اللي بعوزه بجيبه، واللي مش محتاجه ببساطة مش بجيبه، معايا تمنه لكن مش عايزه، لكن الوضع اتغير تمامًا، حياتنا اتقلبت، الفلوس اللي مكنتش أعرف إن ليها قيمة دي طلعت ليها قيمة! طلعت بتخلص، واليوم اللي شبه كل الأيام طلع ممكن يبقى مختلف، أشوف نهار غير النهار وليل غير الليل، اصحى ألاقي حيطان مقشرة، أوضة ضيقة، ريحة تراب مش بتخلص مهما شيلنا من تراب، هدوم بتدبل عشان مش بتتغير، مفيش غيرها، مفيش بديل، حاجات محتاجها مش عارف أجيبها، شقى مكنتش عامل حسابه، أبواب مش قادر أسد فجواتها والبرد يتسلل ليا، كل ده بسبب الح.رب وانتقالنا للعيشة في مصر، لكن برغم المر اللي شفته، اللي شفناه كلنا كأسرة، محسناش بغربة، دوبنا وسط الناس، بسرعة جدًا اتعودنا عليهم وبقينا نتكلم لهجتهم بطلاقة، وأمي ساعدتنا في ده بشكل كبير، في النهاية احنا أصلًا نصنا مصري، سبحان المعز المذل، وسبحان مغير الأحوال، وزي ما حالنا الأولاني مدامش، الحال التاني برضه مدامش، بدلنا توب الفقر بتوب الغنى، رجعنا تاني نقب على وش الدنيا وده بسبب جيناتنا، إنا واخواتي الخمسة وارثين عن أبويا تفوقنا في الرياضيات، وكلنا دخلنا جامعة قسم حاسبات ومعلومات، وكلنا كنا الأوائل على دفعاتنا، أبويا وأمي كانوا مبسوطين بينا أوي، كانوا متنبئين لينا بإننا هنبقى معيدين في نفس الجامعة أو هنشتغل IT في شركات كويسة، مكنش عندهم فكرة ولا إحنا كمان باللي هنحققه، إحنا كسرنا الإطار اللي كان متوقع نبقى فيه وعدينا حدود أحلامنا، في البداية حصل بالظبط اللي تخيلناه، اتنين بقوا معيدين واربعة اشتغلوا IT ، تلاتة في شركة وواحد في بنك، احنا الستة تفوقنا في شغلنا، اترقينا بسرعة واتشهرنا، كل واحد في مجاله، أنا كنت معيد مثلًا، عملت أوراق بحثية سمعت واتواصلت مع مجموعة من الأجانب من غير ما يكون عندي خطة معينة، مجرد تبادل آراء وخبرات، والمجموعة دي انبهرت بيا ووصلوني لحد وصلني بحد وتم استدعائي لدولة أجنبية وبقيت أستاذ في واحدة من الجامعات هناك، بعد كام سنة ركزت ولقيت إننا كوننا ثروة لو حطينا فلوسنا على بعض، طب ليه مناخدش الموضوع للمستوى التاني، ليه منعملش حاجة خاصة بينا، ده غير إن مصر كانت وحشتني أوي، عرضت على إخواتي فكرة، إننا نعمل شركة لبرامج الكمبيوتر نديرها من مصر، إحنا عندنا الإمكانيات المادية والعقلية، مفضلش غير إننا نعمل شبكة معارف ونوظف عدد من العباقرة يشتغلوا تحتينا، ومش لازم نبدأ بداية قوية، وحدة وحدة، في الأول طبعًا زمزأوا، دي كانت نقلة عظيمة، مجازفة بكل اللي حققناه، بنهدد إستقرارنا، ويأما ننجح ونتنقل نقلة تانية يأما نقع على جدور رقبتنا، لكن في وقت اسرع من اللي تخيلته لقيتهم بيبعتولي واحد ورا التاني وبيبلغوني بموافقتهم…
تطور الشركة برضه كان أسرع من اللي تخيلته، من اللي كلنا تخيلناه، وفجأة لقينا نفسنا من أهم الناس في مجالنا، مش بس على مستوى مصر والعالم العربي، على مستوى العالم كمان، وبكده اتبنت امبراطوريتنا، وأهم اللي كان بيميز الإمبراطورية هي علاقتنا ببعض، النواة الأصلية، الأسرة، اتعاهدنا إن ده دايمًا يكون العنصر الأهم، الأسرة تيجي الأول قبل أي اعتبار تاني، ولما كان بيحصل أي اختلاف في وجهات النظر أنا اللي كنت بحكم في المسألة، باعتباري الأكبر فيهم وتلقائيًا الكبير بتاعهم، بمعنى اللي بيقيموه ويحترموا كلمته، كل الخلافات كانت مش بتتعدى الخلافات، مش بتتطور مثلًا لخناقة، وده لحد الإمبراطورية ما وسعت بشكل مرعب، وكان باين إن زحفها ملوش حدود، بالنمط ده خلال كام سنة كان ممكن ندخل موسوعة أغنى أغنياء العالم، ودي حاجة خوفتني…
زي ما الفقر الشديد فتنة، الفلوس الكتير امتحان، يا ترى إحنا كنا قده؟ إيه هي حكمة ربنا في إنه يفتحلنا كل أبواب الرزق بالسرعة والتوسع ده؟ أيوه، حقيقي أنا كنت خايف، بدأت اتوتر، بقيت قلقان طول الوقت، خايف لأخسر اللي عملناه، خايف سمعتنا تتهز، نقل عن مستوانا، حد من المنافسين الشرسين يسح.قنا، خايف من الفشل، ودي أحاسيس مكنتش عندي قبل كده، قبل ما نوصل للي وصلناله…
نومي مبقاش منتظم، لجأت لدكاترة أعصاب وبقيت عايش بمهدئات، كان عندي شعور قوي إن في ض.ربة عنيفة جايه لكن متخيلتش مصدرها، متخيلتش إن الض.ربة تيجي مننا إحنا، نتسلط على نفسنا، وشيطاننا يغلبنا…
الموضوع بدأ باكتشافنا إن أخويا الأصغر مدمن، مكناش فاهمين في الأول ليه مبقاش مركز في الشغل، ليه بيغيب كتير، ليه مش بنعرف نوصل له، ولقيناه خس جامد، وتحت عينه إسود ومش فايق، كإنه في عالم تاني، ولما عرفنا بدأت الخلافات، مش خلافات من بتوع زمان، خلافات كبيرة، الخناقات…
لكن للأسف الخناقات مكنتش بتدور حوالين “جواد”، مش عشان نلاقي طريقة نعالج بيها إد.مانه ولا أنهي أفضل مصحة ليه، الخناقة كانت عالتركة، مين هياخد نصيبه، وإزاي خبر إد.مانه ميوصلش للناس، وهو ده مش بس اللي كنت خايف منه، الواقع طلع مر.عب أكتر بكتير من مخ.اوفي، إخواتي اتحولوا لوحوش، بيتسابقوا يتخلصوا من العبء اللي إسمه “جواد”، وأنا يعني هكون أغلى منه؟ طبيعي لو حصل لي أي حاجة، حتى لو مرض، ظرف مش بإرادتي، برضه هينهشوا لحمي، وهيجبروني أبيع نصيبي في الشركة ليهم، وده اللي اتأكدت منه لما أخدت موقف حاسم ورفضت إن أخويا يتنازل أو يبيع نصيبه وأمرتهم يستنوه لحد ما يتعافى ويتوب ويرجع عن السكة السودة اللي مشي فيها واللي سببها البذخ اللي عايشين فيه، لكنهم ضحكوا واتريقوا عليا، معملوليش إعتبار، وهي دي اللحظة اللي حسيت فيها بالغربة، قررت أسافر، أرجع البلد الأجنبية اللي كنت بشتغل فيها أستاذ في الجامعة، اسيبلهم الجمل بما حمل وأمشي، المرة دي للأبد، على قد ما الرؤية تبان ضبابية والوضع مأساوي، هسيب عالم إسطوري بنيناه سوا أنا وإخواتي وأرجع أبقى موظف، لكنه أكيد كان هيبقى مريح، مظنش كنت هعيش بنفس المهدئات، خلاص التوتر هيزول مع أسبابه، إشتريت تذكرتي من غير ما أقول لحد منهم وقررت إني بعد ما أوصل البلد هناك هبلغهم بقرار انسحابي من الشركة، واي توقيعات هتصرف فيها من هناك، مش عايز أشوف وش حد فيهم تاني….
كنت قاعد في المطار سامع صوت الطيارة بيقرب، خلاص معاناتي هتخلص قريب، هرمي الماضي كله ورايا، بالدوشة والخناقات والمصالح والثروة المل.عونة، خلاص، خلاص…
خلاص؟
فين القاعة؟ الكراسي؟ فين صوت الطيارة؟ قدامي كانت ستارة بتتهز، تكييف صوته مزعج، أرض لونها أبيض وكنبة صغيرة لونها برضه أبيض، مش قاعة، دي أوضة، المساحات قلت كتير و…وشوش مألوفة، ده وش أمي ووشوش إخواتي الخمسة، متجمعين حواليا، مذهولين، عنيهم مفتوحة على الآخر مش بتطرف ومش بينطقوا، أنا فين؟؟؟
-أنت كويس يا “مرتضى”؟
كإنها لغة مش مفهومة، مش قادر أترجمها، إيه اللي بيحصل بالظبط..
رديت على “جواد”:
=أنا فين؟
-في حد اتصل بينا من موبايلك، قال إنك فقدت الوعي واتفاجأنا إنك في المطار، روحنالك بسرعة ونقلناك المستشفى، إنت كنت في غيبوبة من امبارح..
=غيبوبة؟
-بسبب المهدئات اللي بتاخدها، أخدت جرعة زايدة.
جرعة زايدة؟ معقولة؟ أنا أخدت الجرعة المعتادة، معقولة أكون أخدت حبوب أكتر من غير ما أدري؟ وبعدين، يا ترى عرفوا أنا كنت ناوي على إيه، إني رايح بلا رجعة؟ ودلوقتي مضطر أقعد… هرجع تاني أعمل إيه؟ هرجع لإيه؟
أصريت أروح للبيت بتاعي، أصلي كنت إشتريت بيت ليا لوحدي من كام شهر، معظم الوقت بقضيه في بيت العيلة، لكن من وقت للتاني كنت بروح لبيتي، والحقيقة مع التعب والحالة النفسية اللي كنت فيها مكنتش قادر على أي دوشة..
الضريبة هي كنت إني مضطر أرد على الموبايل اللي مش بيبطل يرن، الكل بيطمن عليا كل شوية، متهيألي بيتأكدوا إذا كنت فايق ولا رجعت تاني للغيبوبة!
متأكد من قلق أمي طبعًا وأصدق قلق أخويا “جواد”، أيوه المدمن اللي خرج من المصحة بس عشان يطمن عليا بعد ما اترجى اللي بيعالجوه ورجعوه تاني، هو ضاع بطريقته، سلم نفسه للإدمان بس قلبه مكنش جاحد، مش زي الباقي…
على الناحية التانية الباقيين مصدقتش للحظة خوفهم عليا، دول مفيش في دماغهم غير الفلوس والبيزنس وبس…
معرفش روحت في النوم إمتى، أنا فاكر إني كنت ممدد على السرير مش قادر أغمض عيني، النوم مخاصمني، لكن فجاة لقيت النور مالي الأوضة، النهار طلع وواضح إني نمت…
مكنتش عايز اشوف الشارع، مش عايز أشوف وشوش بشر لكن اكتشفت إن في حاجات ناقصة في البيت ولازم أنزل بنفسي أجيبها، فتحت الدولاب عشان أطلع أي هدوم أنزل بيها، بس قبل ما أمد إيدي على تيشرت عيني وقعت على حاجة…
فضلت باصص للجلابية اللي في وسط الهدوم، الجلابية دي أول مرة أشوفها! مش بتاعتي، إيه اللي جابها هنا؟؟
اتسمرت في مكاني حبه، بحاول أترجم المنظر اللي شايفه، مقدرتش أقاوم، مديت إيدي وأخدت الجلابية المتطبقة، فردتها واتفرجت عليها وهي بين إيديا، كانت جلابية قصيرة شوية، لونها بني باهت، الستايل بتاعها غريب، مش شبه أي جلابية شفتها قبل كده، معقول مثلًا تكون الست اللي بتنضف البيت نسيتها، هي جلابية رجالي، يعني ممكن تكون بتاعة جوزها وحطتها بالغلط وسط هدومي؟
إيه الأفكار العجيبة دي؟ وإيه اللي يخليها تجيب جلابية جوزها هنا وكمان تطبقها وتحطها وسط الهدوم بتاعتي، كل ده وهي سرحانة مثلًا؟
حاجة مش منطقية على الإطلاق، لكن مفيش فكرة تانية جتلي، محدش تاني بيدخل البيت، ما عدا إخواتي، ومحدش فيهم هيدخل الأوضة ويحط هدوم في الدولاب، حاجة تجنن!
مقدرتش استنى لحد ما الست الكبيرة اللي يتنضف البيت تيجي، رميت الجلابية في نفس اليوم، عارف إنه غلط والأحسن كنت أديها لأي محتاج، لكن معرفش ليه مكنتش مرتاح، وضعها والطريقة اللي لاقيتها بيها خوفتني، اتمنيت أي حد غلبان يلاقيها وياخدها، وأنا طبقتها وحطتها في كيس قبل ما أرميها…
فضلت في البيت مش بتحرك بعد ما جبت الحاجات الناقصة لحد ما الساعة وصلت 9 إلا ربع ولقيت أمي بتتصل بيا…
-مش ناوي ترجع يا “مرتضى”؟
=يا ماما أنا قلتلك إني كويس مش تعبان، مش حاسس حتى بصداع.
-طب بعيدًا عن تعبك، تعالى أقعد معانا، هتعيش يعني لوحدك؟
=أمال أنا جبت البيت ده ليه؟ عشان يبقى مهجور؟
-يا سيدي خليه عش الزوجية، أنا يا “مرتضى” تقريبًا عايشة لوحدي، باباك من ساعة ما اتوفى وأنا وحيدة، إخواتك أنت عارف تقريبًا مش بيقعدوا في البيت…
=قولي يا رب، عامة أنا هاجي بكره أقعد معاكي شوية بعد ما أعدي على “جواد” في المصحة، قوليلي…
مكملتش جملتي وده بسبب اللي سمعته…
صوت عياط!… المشكلة إن الصوت قريب أوي كإنه في الشقة، العياط كان مكتوم لكن واضح في نفس الوقت…
-إيه يا “مرتضى” روحت فين؟
=معلش أنا هقفل دلوقتي يا ماما.
قفلت قبل ما أسمع ردها، العياط كان لسه شغال، مشيت لحد المصدر، الصوت كان بيعلى كل لما أقرب من أوضتي، بالتحديد سريري، وأول لما قربت من السرير وبقيت على بعد خطوات الصوت وقف…
إيه ده بقى؟؟؟
تفسيره إيه؟
هلاوس، معقول؟ ليه لأ، أنا لسه خارج من غيبوبة فضلت يوم كامل، جايز تكون دي أعراض جانبية للي حصل لي وجايز برضه الجلابية اللي شفتها نفس اليوم الصبح تكون من ضمن الهلاوس، لا شفتها ولا خرجتها من الدولاب ولا رمتها زي ما أنا متهيألي، يجوز!…
كان لسه بدري على معاد نومي، لكن هقعد أعمل إيه، مجاش في بالي أي حاجة أعملها، لا عايز أشوف ولا أكلم حد من معارفي الكتير ولا أتابع أخبار شركتي اللي شلت إيدي منها ولا عندي رغبة أقرا ولا أتفرج على حاجة، مفيش غير النوم، هو المهرب الوحيد…
مددت على السرير ومديت إيدي وفتحت الدرج جنبي ، شلت علبة المنوم وكنت على وشك أفتحها وأخد حباية، بس…
انتبهت إن ده خطر، جسمي إداني إنذار لما دخلت في غيبوبة، يا عالم المرة الجايه هيحصلي إيه، كان لازم ألغي المهدئات والمنومات من حياتي نهائيًا، لازم كنت أتغير…
ضغطت على نفسي ونمت بالعافية…
……………………
جالي مزاج أروح الحسين، غريب أوي المزاج ده! أصلي عمري ما كنت من محبين الحسين والغورية والأماكن دي، برغم هوس ناس كتير بيهم بس أنا كل اللي كنت بشوفه في الأحياء دي الزحمة والدوشة اللي مش بتخلص، حيوانات كتير شاردة شكلها بائس ومنظرها يجيب الاكت.ئاب وناس شكلها أبئس، فنانين كتير قاعدين في حواري المعز، ماسكين آلاتهم الموسيقية وشعرا جمهورهم الوحيد هم زوار المعز، بؤ.س ويأس وحال يصعب عالك.افر، أصوات الفنانين والمغنيين والشعرا مش بتتسمع غير في الحواري ، إيه بقى السحر في الأماكن دي؟ اللي يخلي ناس كتير تدروش بيها؟
مش فاهم إيه اللي طلعها في دماغي وخلاني أقرر أروح من غير إرادة، كإني مسير، في مغناطيس شدني لهناك…
لقيت نفسي بلبس أي هدوم خروج وبتوجه لمنطقة الحسين، رحت هناك ومن الحسين للمعز، إتمشيت بلا هدف، وزي ما اتعودت من الأماكن دي من الكام مرة اللي روحتهم في حياتي، الدوشة كانت رهيبة، الآلاتية قاعدين في جوانب الطريق والمصوراتية عمالين يندهوا على كل واحد معدي عشان ياخدوله صورة، الناس بتخبط في بعض من الزحمة والمحلات مشغلة الأغاني بصوت عالي، أغاني قديمة على جديدة، لمحت من بعيد باب الفتوح، كنت رايحله، وقتها كل الأصوات سكتت…
مفيش صوت بني آدم، لا حركة، ولا كلام، مفيش حيوان بيجري أو موسيقى شغالة، ولا أي حاجة!
اتلفت في رع.ب للمحيط حواليا، الناس كلها كانت في حالة سبات، الكل وقف عند آخر حركة كان بيعملها، حتى اللي بيصبوا الشاي!
بس في حاجة تانية بدأت تحصل، بقى في حركة، مش من نفس الناس، ناس جديدة ظهروا من العدم اتحركوا وسط الناس الموجودة ومن خلالهم، كإنهم أطياف ومن…خلالي أنا كمان…
الحاضرين الجداد كانوا قدام…
شكلهم قديم أوي، هدومهم وهيئتهم، محدش فيهم مثلًا لابس بنطلون من البناطيل بتاعة دلوقتي، في اللي لابس سراويل واسعة وقمصان وقفاطين فضفاضة وعمامات مدورة، ضخمة، طرفها مدلدل ورا الراس، كل ده مشفتوش في أي مكان، يمكن حاجات شبهها في شوية المسلسلات والأفلام التاريخية…
دقات قلبي بقت سريعة أوي، أنا وكل المشل.ولين في مكانهم أطياف والناس اللي بأزياء غريبة بتمر من خلالنا! إيه اللي بيحصل؟
-أنا ممكن على فكرة أشتكيك للحاكم!
-للسلطان مرة واحدة؟
-لا مش السلطان، الحاكم الفعلي.
-محب؟
-اه “محب” هروحله بنفسي واشتكيك ليه.
بقيت اتلفت زي المجن.ون لحد ما لقطت الاتنين اللي بيتكلموا، كانوا بيبصوا لبعض بتحدي، لكن في واحد فيهم كان شكله مهزوز شوية، أظن ده اللي بيتهدد بالراجل اللي إسمه “محب”، وبرضه أظن إنه هو الجاني، عمل عملة مش تمام…
كملوا كلام…
-بقى بتخنصر من دخل الشعير والعدس، بقى دي وصية أبويا، بتاكل حقي وحق إخواتي اليتامى، إنما نصيبك بقى اللي مشغله عندك يطلع أمين بخلاف كل اللي سبقوه، دون كل الإيراد وورهوني وطبعًا في اختلاف رهيب ما بين الإيراد اللي قبضتهولنا والإيراد الحقيقي، إنما أقسم بالله لو عدت الليلة من غير ما تدفع الفرق لهشتكيك عند “محب” ولا هيفرق معايا إنك عمي، مش هسيب حقي وحق إخواتي…
وبس.. سكوت…
المرة دي الناس الغريبة مكنتش مشلولة أو فاصلة زي التانيين، هم سكتوا عشان حضور معين، عنيهم كلها كانت متجهة لشخص ظهر، صوت النعل بتاعه كان بيرن في الشارع، اتحركت عشان اقدر أشوفه بس للأسف ملحقتش وده لإني صحيت…
أيوه، ده كان حلم!….
“يتبع”
“الجزء الثاني”
صحيت وأنا بشهق، مش عارف أخد نفسي، قال إيه روحت الحسين والمعز واتمشيت لحد قرب باب الفتوح والناس بقت تماثيل وظهر ناس تانية غريبة وكإنهم من عصر مختلف، واتنين منهم كان ما بينهم مناقشة عجيبة كده عن حاكم رسمي وحاكم فعلي وحد ظهر، الكل سكت من هيبته واحترامًا ليه، واضح إن الأكلة اللي أكلتها قبل ما أنام كانت تقيلة شوية، غريب أوي العقل الباطن ده، مكنتش متخيل إن ده موجود في اللاوعي بتاعي، كإنها أفكار حد تاني!
لبست بسرعة وروحت للمصحة واتطمنت على “جواد” وبعدين اتوجهت لبيت العيلة، كنت على اعصابي وانا في الطريق، لقيت نفسي بدعي ربنا ملقيش حد من اخواتي هناك، ايًا كان موقفهم هيوترني، لو مستنكرين قراري إني أمشي ومبقاش جزء من الشركة أو لو مش فارق معاهم أو مبسوطين، في كل الأحوال هزعل، من ناحية أنا فعلًا كان عندي رغبة أعتزل الحياة دي وأعيش في هدوء من وناحية تانية هتصدم وهتصعب عليا نفسي لو اتأكدت إنهم فرحانين بانسحابي وبيفضلوا القرش والمجد عليا…
الحمد لله ملقتهمش، أمي بس اللي كانت موجودة، قعدت معاها كام ساعة وبعدين خدت بعضي ومشيت، طبعًا قعدت تترجاني حبه حلوين أفضل لكن أنا اصريت، من هنا ورايح إقامتي الأساسية كانت هتبقى في البيت بتاع الرحاب، بيتي لوحدي…
مرجعتش البيت علطول، قابلت صديق وقضيت معاه اللي متبقي من النهار وبعدين روحت…
الساعة كانت قرب 9 بليل، وجاتلي نفس الحالة بتاعة اليوم اللي قبله، مش عارف أقعد مع نفسي! إحساس بالخنقة رهيب، ده إيه اللي أنا في ده! لا قادر أقعد مع حد ولا قادر أقعد مع نفسي، وكل مدى بحس بخنقة أكتر، مش عارف أتنفس عدل…
لكن الاكت.ئاب اتبدل بحاجة تانية، خوف!
وده لإني سمعت نحيب، في حد بيعيط، والمصدر أوضة النوم، السرير…
الساعة كانت 9 بالظبط، نفس المعاد…
المرة دي جريت على الأوضة، عايز اشوف صاحب الصوت، وبرضه الصوت سكت لما قربت من السرير…
طلعت عليه، بقيت بلمس السرير بإيدي، بحاول أمسك الحاجة اللي مش شايفها، أو الحد، اتلفت حواليا، نزلت وقعدت أدور في الأوضة كلها، مفيش حد، مفيش حد!
بصيت من الشباك، يكون العياط جي من تحت، في حد مثلًا بييجي كل يوم في نفس المعاد وبيعيط قريب من العمارة بتاعتي؟
لكن ملقتش حد، وبعدين؟ هفضل اضحك على نفسي؟! الصوت مكنش من تحت، كان قريب، قريب أوي، الصوت مصدره السرير، أنا متأكد…
شلت صوابعي من على الستارة ونزلت راسي عشان ابعد عن الشباك لكن رجعت رفعتها تاني بسرعة لما اتهيألي إني لمحت حاجة…
شكل الشارع كان مختلف!
الاسفلت، والعمارات، الاسفلت مكنش اسفلت، دي بلاطات صغيرة مرصوصة جنب بعض وبدل العمارات كانت محلات صغيرة كتير وهناك على بعد كان في بوابة، وقرب البوابة راجل مديني ضهره، مش عارف، هدومه وهيئته مش واضحين عشان الضلمة لكن ميزت عمة لابسها، عمة ضخمة طرفها مدلدل ورا الراس!
غمضت عيني جامد وبعدين فتحتها ملقتش غير عمارات!
لا كان في الحوانيت ولا الراجل الغامض…
أنا بفقد عقلي، بفقد عقلي…
مكنتش عارف المفروض أعمل إيه، الجأ لحد، لصديق، دكتور، أرجع للمهدئات؟
لأ مش هرجع، مش هاخدها تاني، دي، دي أكيد أعراض الغيبوبة، الغيبوبة هي اللي أثرت على دماغي ، قعدت اقنع نفسي بالكلام ده، إني بس هاخد وقتي وهرجع كويس…
صحيت تاني يوم بمود إيجابي، قررت إني لازم أخرج نفسي من الوهم والاكتئاب اللي عايشه، هنزل اجري، بقالي كتير مكنتش عملت كده…
شربت قهوتي وفتحت الدولاب عشان أخرج هدوم الرياضة ولمحتها هناك…
هناك وسط الهدوم، الجلابية القصيرة اللي لقتها من يومين وشلتها ورمتها…
نفس الوضعية، نفس التطبيقة، مدت إيدي اللي بتترعش وشلتها وفردتها، دي…مألوفة، مش بس عشان كانت موجودة عندي في الدولاب من كام يوم، متهيألي إني شفتها على الراجل اللي ظهر الليلة اللي فاتت قدام العمارة، كان لابسها، دي بتاعته…
سمعت صوت عيال بتضحك وبتجري ورايا، لفيت وانا مخضوض، الجلابية وقعت من إيدي، وبعد الضحكات كان صوت همس، همس كتير لناس كتير وخطوات رايحة وجايه، في زحمة رهيبة في البيت، حياة كاملة سامعها ومش شايفها…
اخدت المفتاح والمحفظة والموبايل وجريت على الباب بالبيجامة اللي كنت لابسها ونزلت…
يمكن، يمكن متبقاش الغيبوبة، الشغل، بُعدي عن الشغل، صحيح نوع الشغل بتاعنا بوظ أعصابي وبوظ حياتي لكن بعدي عنه فكرة مكنتش تخطر في بالي، يمكن البعد مج.نني، كان لازم اتأكد إذا كان ده السبب في اللي بيحصل لي، ومكنتش هعرف غير بطريقة واحدة، إني أرجع تاني…
روحت الشركة…بالبيجامة…
أكيد، أكيد الكل لما شافني قال إن عقلي خف، كنت شايف ده في عيونهم ومقدر، أنا لو مكانهم هشوفني بنفس الطريقة، محدش يتخيل إني جريت بالبيجامة وملحقتش أغير عشان كان في أطياف كتير في البيت، أطياف مسموعة ومش مرئية، وموقف إخواتي الأربعة مكنش مختلف عن موقف الموظفين، في الأول سكتوا تمامًا وعنيهم مكنتش بتنزل من عليا، بعدين دخلوني مكتب من مكاتبهم وكانوا بيتعاملوا معايا بمنتهى اللطف، كإني طفل صغير…
=أنا كويس، متقلقوش، حصل لي بس مشكلة بسيطة…امم، خرجت من الشقة عشان أجيب الجرايد اللي بتتحط قدامها، أنتوا عارفين أنا لسه متمسك بالعادة دي وبعدين.. الباب اتقفل ورايا، نسيت المفتاح جوه الشقة وكنت ناوي أغير طبعًا وأجي، بس اهو، ولما… أروح هجيب نجار وأكسر الباب
طبعًا قصة أي كلام، والعيل ميصدقهاش، بس هم عملوا كإنهم مصدقين…
اللي خلاني أروح هو إني كنت عايز اعرف إحساسي لما أدخل الشركة تاني، هل أنا مفتقد الشغل للدرجة دي، ولا مش فارق معايا، الإجابة طلعت لأ، مش فارق معايا ولا عايز أرجع…
اتكلمت في أي كلام معاهم وبعدين استأذنتهم إني امشي…
خرجت من المكتب، كالعادة كان في حركة جامدة، موظفين رايحين وجايين، زحمة رهيبة، وفي وسط الزحمة شفت وش مش معتاد على الشركة، لكنه بدأ يبقى معتاد بالنسبة لي…
وش الراجل أبو عمة كبيرة!
أقسم إني شفته، كان ماشي هايم كإنه تايه، مربوك، ميعرفش إيه اللي جابه هنا، بيبص في كل الاتجاهات، وبعدين لف ولمحني…
عينه ضاقت، بوقه اتفتح، لأول مرة بشوف ملامحه بوضوح، وزي ما أنا بتأمل فيه، هو كمان بيتأمل فيا، بيدرسني وبيحاول يحللني، زيي بالظبط!
وفي لحظة اختفى…
وأنا فضلت أدور حوالين نفسي، بدور عليه…
كده مبقاش البيت بس، أنا بيجيلي التهيؤات جوه البيت وبراه، السؤال بقى، هل فعلًا هي تهيؤات؟ الإجابة بالنفي أو الإيجاب مرع.بة، في الحالتين مرع.بة، يأما عقلي بيروح وقريب هروح مصحة زيي زي “جواد”، باختلاف نوع المصحات، يأما بشوف…أشباح…
الأكيد إنه وبرغم خو.في، مينفعش كنت ارجع بيت العيلة، مينفعش يشوفوني بالحالة دي، مش هيصدقوا لو شرحتلهم، هيشوفوا واحد بيجيله نوب.ات، عنده صر.ع أو ج.نون، كان لازم اواجه مخاوفي لوحدي…
رجعت البيت، فضلت قاعد في الصالة، مش بتحرك من مكاني، شوية أفتح التليفزيون، شوية اقفله، عمال أراقب الساعة المتعلقة، مستني الساعة 9…
وأول ما دقت عقارب الساعة، فتحت المسجل على الموبايل واتوجهت لأوضتي…
وقفت عند باب الأوضة واستنيت…
النحيب بدأ، العياط المكتوم، أول مرة أركز بالشكل ده، العياط رهيب، بيعبر عن أل.م رهيب، كإن صاحب الصوت في سك.ينة محشورة في قلبه…
كنت موجوع أكتر ما خايف، الصوت غرقني في حالة اكت.ئاب بشعة، ده إحساسي بالظبط، كإني بغرق في ميه تقيلة من السواد والإح.باط…
بعد شوية سكت، مشيت للسرير ووقعت قاعد، مددت جسمي وقفلت عيني ونمت…
مش قادر، مفيش هوا، مش قادر أتنفس!
فتحت عيني من الخضة، مكنتش قادر أخد نفسي وده لإني كنت جوه صندوق…
الصندوق ضيق، حاسس إن عضمي هيتكسر، من الصدمة والتعب مكنتش قادر حتى أص.رخ، بالقوة المتبقية عندي رفعت إيديا الاتنين وقعدت أخبط، وفي الآخر قدرت أصرخ…
=الحقوني، الحقوني، خرجوني من هنا، الحقووونيي… يارب..
رفعت غطا الصندوق بالعافية وخرجت منه، الصندوق كان على السرير، وأنا لسه في أوضتي.. اترميت على الأرض، قمت بصعوبة وبصيت على الصندوق المفتوح، كان لسه هناك…
مشيت لحد الحمام، كنت لسه مخنوق، مش بس باخد نفسي بصعوبة، في حاجة كانت في جوفي…
كحيت، كحيت جامد في الحوض، وكل مرة كنت بكح فيها بينزل تراب من بوقي، تراب كتير، غامق، رطب…
خرجت من الحمام بعد ما كل التراب طلع من زوري، مشيت في الطرقة للصالة، وفي نص الطريق رجعت خطوتين لورا وده لإني لمحت المراية الطويلة بطرف عيني، مش المراية في حد ذاتها اللي لفتت إنتباهي، المراية موجودة من ساعة ما الشقة اتعملت، اللي شدني حاجة تانية، انعكاسي…
انعكاسي مكنش انعكاسي…
ببطء لفيت وبقيت في مواجهة المراية، الراجل إياه كان موجود فيها! كان لابس المرة دي قميص بإيدين واسعة وسروال واسع وكان حافي ومكنش لابس عمة، حركت راسي، حركها معايا، رفعت إيدي، رفعها في نفس الوقت، زي ما عيني كانت مبرقة من الخضة هو كمان عينه كانت مبرقة، زي ما بترعش هو كان بيترعش كإنه متفاجيء زيي بالظبط!
جريت على أوضتي وقفلت عليا الباب واترميت على السرير، غمضت عيني وبقيت أقرا قرآن وأنا بقطع وبتلخبط في الكلام، كان فاضل ساعتين تلاتة على ما النهار يطلع، المشكلة إني كنت سامع وحاسس بنفس جنبي، نفس عالي، بيقول إن صاحبه متوتر أو خايف وفضل موجود، مزاحمني لحد ما النهار جه، هو مختفاش، أنا اللي اختفيت، خرجت من الأوضة على الصالة وأخدت معايا اللاب توب…
استجمعت تركيزي وخرجت نفسي من حالة الهلع اللي كانت عندي وبدأت أعمل بحث دقيق بمواصفات اللبس اللي شفتها، أزياء الناس في الحلم بتاع شارع المعز وأزياء الراجل اللي بقى يلاحقني…
والأزياء طلعت بتاعة عهد المماليك…
ده معناه إيه؟ أنا بشوف شب.ح لراجل كان عايش في الوقت ده؟
طب ليه اختار البيت بتاعي أو نقول ليه اختارني عشان هو مظهرليش في البيت بس؟
عمري ما كنت هوصل للإجابات لوحدي، كان لازم مساعدة، مفيش غيره كان يقدر يساعدني، صاحبي “ريان” المهووس بالتاريخ، احتمال يفيدني واحتمال لأ، بس الأكيد إنه كان أملي الوحيد…
مكنتش عارف أجيبهاله إزاي، أفتح معاه الموضوع من فين، أقول له على اللي بيحصل لي ولا أسأله أسئلة عامة وأحاول أفهم منه من غير ما أعرفه بالأحداث المريبة..
قررت اجره في الكلام من غير ما أعرفه…
بعد ما اتقابلنا ودردشنا شوية سألته:
=هو بما إنك مهووس بالتاريخ وموسوعة وكده، تقدر تقول لي أيام المماليك كان في حاجة إسمها حاكم رسمي وحاكم فعلي؟
ده اللي افتكرته من الحلم بتاع المعز، كان في اتنين بيتكلموا عن حاكم فعلي بيحل مشاكل الناس…
رد عليا:
-إيه اللي بتقوله ده؟ يعني إيه؟ زي نظام ملك بريطانيا ورئيس الوزرا، لأ طبعًا..
=يا “ريان” ركز شوية، مفيش حاجة زي كده حصلت في أي مرحلة من عصر المماليك؟
“ريان” عينه وقعت على صوابعي اللي بتترعش وبعدين بصل لي وهو بيضيق عينه كإنه بيحللني، واضح مهما حاولت أخفي إن كان فيا حاجة مش طبيعية، ده غير إهتمامي المفاجيء بالتاريخ…
-احكيلي يا “مرتضى”، إيه الموضوع بالظبط؟
مخدتش في إيديه غلوة، انهرت، حكتله على كل حاجة، من وقت ما فقت من الغيبوبة، والأحلام والرؤى اللي بشوفها، الأصوات اللي بسمعها في البيت، الراجل اللي بيظهرلي في الشقة وبراها وشفته في المراية، الصندوق اللي صحيت لقيت نفسي فيه، التراب اللي خرج من جوفي ومن رئتي، العياط اللي بسمعه في نفس المعاد، إحساسي إن في حد عايش معايا في البيت ومش شايفه…
متوقع طبعًا! نظرته ليا كانت طبيعية، لو كان حكالي الكلام ده ومعشتش التجربة بنفسي كنت هبصله بنفس النظرة، لكن كان في حاجة محيراه، الأزياء اللي وصفتها كانت دقيقة أوي وأنا عمري ما كان عندي معلومات عن المماليك أو التاريخ بشكل عام…
-أنت…أكيد تعبان يا “مرتضى” والغيبوبة أثرت فيك، في خلايا مخك مثلًا، بس الوصف بتاع الهدوم وهيئة الناس…أنت قلت إنك سجلت صوت الراجل الغريب؟
=أيوه صح، سجلت…
-خلاص شغل التسجيل وأنا معاك، مفيش صوت عياط ولا أنفاس هيطلع، ده أنا متأكد منه وأنت كمان، وهتطلع من عندي على دكتور نفسي وتبدأ علاجك، آمين؟
-أيوه، برافو عليك…
طلعت الموبايل وحطيته على الطرابيزة قدامنا وشغلت التسجيل…خطوة واحدة كانت ما بيني وبين الخلاص، مواجهة نفسي، التسليم بإني بعاني من هلاوس، وهبدأ خلاص رحلة علاجي…
وانطلق صوت عياط مكتوم!
التسجيل كان فيه صوت العياط ، الصوت موجود، موجود!
“ريان” بصل لي وهو مبرق، هو كمان سمع الصوت، مش انا بس…
-أ…أكيد في تفسير للي بنسمعه، ده صوتك أنت، أكيد صوتك أنت..
رقبتي اتحركت للجنب التاني من الكنبة، سرحت…وده عشان شفته، الراجل المملوكي كان قاعد جنبي…
قلت بصوت واطي ل”ريان” وأنا لسه باصص على الراجل:
-الراجل…هنا…
اتنفض من مكانه، عينه جت على الشباك قصاده، قرب منه وعينه مش بتتحرك، وده لإنه شاف في الانعكاس حد قاعد جنبي…
-ده مش…طبيعي، مش طبيعي…
لفلي وهو بيترعش وقال:
-أرجوك يا مرتضى حاول تفتكر، افتكر إسم الراجل اللي كانوا بيتكلموا عليه في الحلم، الحاكم الفعلي.
هزيت راسي:
=مش فاكر، مش فاكر.
-طيب لما قمت ولقيت نفسك جوه صندوق وفتحته وخرجت من أوضتك وشفته في المراية، مشفتش ساعتها أي حاجة تانية..
=لأ مشفتش، مشفتش…
سكتت…وده لإني افتكرت…
أنا شفت حاجة تانية ومن الرعب سقطت، سقطت مشهد كامل، خلال المسافة ما بين أوضتي والحمام، أنا كنت وقتها بتخن>ق من التراب اللي جوه جسمي، في مشهد شفته، لكن الأل>م كان رهيب لدرجة خلاني أنسى…
“يتبع”
“الجزء الثالث والأخير”
كان في ساحة فخمة، حمام من الحمامات القديمة، مغطس ضخم جواه حد واضح إنه مهم، شخصية ليها وزن، كان حوالين المغطس عدد من الأشخاص، شكلهم خدم للي في المغطس، ماسكين أقمشة زي فوط وأدوات تانية، الراجل المهم ده كان بيشتكي من الحاكم الفعلي!
قال لواحد تاني موجود معاه في المغطس بس على مسافة منه:
-وبعدين في الراجل اللي الناس عاملاله اعتبار وصدقوا إنه حاكم وليه الأمر، هنسيبه لحد إمتى؟
-الناس عارفة كويس مين الحاكم الحقيقي، هو بس…
-راجل مبروك وقريب من ربنا والناس بتلجأ ليه عشان حكمته، وملوش طمع في سلطة ولا فلوس، وكلنا بنخاف منه وشفنا بعنينا كراماته وتأثيره، عارف كل الكلام ده وحافظه وزهقت منه! حتى ولو مكنش طمعان في السلطة ولا عمره هيبقى على عرش مصر، أنا بقيت عبارة عن ضل ليه، الناس بتِكبرهُ هو، بتخاف على زعله وبتعمل له حساب، أنا مليش اعتبار وأنت عارف كده كويس…
-مولاي طب إيه العمل؟ أدي الله وأدي حكمته..
-مين سلطانك؟
-الله ثم أنت، أنت ولي الأمر.
-يعني أوامرك هتخدها من مين، مين اللي هتنفذ كلمته؟ والأهم مين اللي لو منفذتش كلمته سكنك الجديد هيبقى تحت التراب وفي نفس اليوم؟
-أنت…أنت يا مولاي..
-“محب” لازم يموت، مش بتكلم عن جسده، لازم تأثيره يموت، يبقى عايش من غير عازه، الناس متشوفوش ولا تهتم بكلمته وحكمته ورأيه، هو اللي يبقى مجرد ضل، معايا يا وزير؟
-معاك، يا مولاي.
-البركان الخامد هيفضل بركان، الخمود مش هيغير طبيعته، في أي وقت ممكن يثور ويدمر اللي حواليه، هو بس بيبقى عايز محفز، هزة من الأرض تفوره وتخليه يشيل الأخضر واليابس، وإحنا هنبقى الهزة دي…
لما خلصت “ريان” قال لي وهو مذهول:
-أنت بتقول “محب”، سيدي “محب”؟؟
-تعرفه؟
-في مشوار لازم نروحه، عشان أنا شاكك في حاجة…
ولقيته وداني على المعز، كان عندي مشاعر مختلطة حادة، وكل مدى تتركز لما أقرب أكتر من المعز، حب، اشتياق، تقل وكآبة رهيبة…
وقفت هناك…
جنب باب الفتوح علطول، عند قبر صغير..
لقيت نفسي بقعد على ركبي وبميل على القبر وبعيط عياط مكتوم…
مديت إيدي، لمست التراب قرب القبر، الراجل المدفون فيه صعبان عليا، ده غير إني حاسس أنه قريب مني أوي، في رابط ما ما بيني وبينه..
“ريان” قال لي:
-أطلع بره يا “مرتضى”.
اتلفت ليه وأنا مستعجب، مش فاهمه…كمل وقال:
-إطلع بره باب الفتوح…
قمت ومشيت لحد الباب لكن مقدرتش أطلع!
وده لإني حسيت بتقل رهيب في صدري، قلبي، قلبي…
اترميت على الأرض، مش قادر أخد نفسي، صدري قافش، الدنيا بدأت تتهز حواليا، وساعتها المشهد اتبدل…
بدل البلاط والأسفلت، بلاط مختلف، بدل الناس بتوع دلوقتي، ناس تانيين بأزياء المماليك…
حانوت من الحوانيت اتفتح على آخره واللي فتحه صرخ صرخة هزت المعز كله، وده لإن ابوه اللي هو صاحب الحانوت كان جسمه سايب، راسه مرفوعة ومسنودة على البضاعة وفي قماشة لافه حوالين رقبته، لسانه خارج بره بوقه وعنيه مبرقة على الآخر والبياض بتاعها حمار، شبه الد.م، الأب…اتق.تل…
الإبن صرخ:
-أنا عارف مين اللي عملها، عارفه، “محب” هو اللي كان حايشنا عن بعض، بس اتسعروا، هم كده، حيوانات متوح.شة، ميقدروش يبقوا نضاف ويحفظوا كلمتهم..
خرج من الحانوت وكمل زعيق:
-يا حداد أخوك اتق.تل غدر، قت.لوه اللي ادعوا إن الأرض اللي عليها الحانوت ملكهم وملك جدودهم، هتعمل إيه يا حداد؟
خرج واحد عينه بتطق شرارة من محل قريب، كان معاه سيف لسه خارج من النار، لونه لون الشمس في قوته، جري واختفى، رجع بعد دقايق وهو جارر واحد وماسكه من راسه…
“محب” ظهر، جري وهو بيلهث، زعق وهو بيبص على الجهتين، الحداد واللي جارُه من ناحية والشاب اللي أبوه اتق.تل والناس المتجمعة، قال:
-لأ، إحنا لسه متأكدناش، لأ يا أحفاد عزيز، استنوا، محدش يمد إيده على حد..
كلامه كان زي محفز بيخلي أخو الق.تيل يقبض أكتر بإيده على راس المجرور وشعره.. لما “محب” شاف كده اتحرك بسرعة عليه ووقف قدامه، مد إيده ومسكه، الأخ زق “محب” بكل قوته ووقعه على الأرض، خبطته كانت جامدة، حسيت بيها! كإني أنا اللي وقعت.
الحداد مرر السيف المحمي على رقبة اللي في إيده، صرخ صرخة رهيبة، نافورة د.م خرجت من رقبته وجسمه وقع على الأرض، فضل ين.زف وبقى فيه بحيرة من الدم حوالين الجثة..
“محب” رفع راسه بصعوبة، عينه اتغرغرت بالدموع، مكنش قادر يقف…
ظهر بسرعة أربعة تانيين حاوطوا الحداد ومسكوه، حاول يقاوم، لوح بالسيف بتاعه لكنهم قدروا عليه والسيف وقع من إيده، فضلوا يضربوا فيه لحد ما م.ات، واتدوروا على إبن القت.يل وقت.لوه، وفي دقايق بقى فيه تجمع كبير، ناس تبع دول وناس تبع دول والمجز.رة اشتغلت…
بحور من الد.م روت الأرض، وناس كتير اتاخدت في الرجلين، “محب” نفسه كان هيموت، اتداس من نعال واتضرب من كفوف لحد ما كذه واحد جروه من وسط المعركة عشان ينقذوه…
يمكن نجي بجسمه بس كنت شايف النور في عيونه بيتطفي، “محب” اتكسر، حس إنه مبقاش ليه كلمة ولا قيمة وسط ناس كانوا بيقدروه قبل كده، وكان عنده يقين إن نهايته قربت…
بعد العياط المكتوم انفجرت في العياط، حاسس إني عاجز وأنا بشوف الجث.ث والجرحى و”محب”، مش قادر أعمل حاجة، مش قادر أغير المشهد…
في جسم كان بيهزني جامد، مكنش باين في الأول، شوية شوية المجز.رة والجث.ث والجرحى والد.م اختفوا وبدالهم رجع المشهد العادي، اللي كان بيهزني “ريان”، فضل يهديني، يقول لي إن كل حاجة هتبقى تمام وإني كويس…
ساعتها حكالي قصة “سيدي محب”..
“محب” مكنش مصري، جه من المغرب العربي على مصر من بداية شبابه عشان ياكل عيش، كان عنده فرن، وكان راجل طيب أوي، محدش عارف إزاي كان بيكسب، كان بيوزع كل شوية من المخبوزات بتاعته على الحيوانات والفقرا، مش بيغير جلابيته غير كل فين وفين، بياكل من اللي بيعمله، ده لو اتبقاله حاجة…
بجانب طيبته ورحمته الناس لقت فيه حكمة وذكاء، بقوا يلجأوله ويستشيروه في الخلافات وغيره، ومع الوقت مبقتش مجرد استشارات، كلمته بقت سيف على رقاب الخلق كلهم، شعب قاهرة المعز، ولما كان بيغيب المدة المعتادة في السنة عشان يرجع لمراته وعياله في بلده بالمكسب اللي قدر يحوشه على مدار السنة، حواري المعز كانت بتبقى كئيبة ليل نهار، كإن الشمس مخاصمة الشوارع والميادين والحوانيت لحد ما يرجع من تاني، كبر في السن وكل مدى الناس تحبه وتقدره أكتر، سلطان ورا التاني حضروه وكانوا برضه بيقدروه، راضيين بكونه حاكم فعلي بيحكم بين الناس، وبيساعدهم من غير مقابل ولا طمع في سلطة وفلوس، برغم أن عصور المماليك كانت د.موية، السلطان من دول ييجي يتشال بالسيف أو الس.م وييجي اللي بعده، لكن “محب” وضعه كان خاص، ده اللي ميتلمسش، لحد ما جه السلطان البعيد، اللي حس بالغيرة من زاهد الدنيا، في كلام اتقال عن بركات لمحب، الله أعلم بصحة الكلام ده بس الأكيد إنه كان راجل طيب، الخير بيضخ منه وبيملى أي مكان يروحه، كإن دي رسالته في الحياة، إن الحياة تجري في أي حاجة تتنفس حواليه وهو كان بيحرص على ده، مهمته يروي وينشر السلام والحب…
السلطان الأخير اللي شفته مع وزيره قرر ينهي عهد “محب” بأبش.ع وسيلة، الغدر…
أمر وزيره اللي أمر واحد من المرتزقة يقتل صاحب حانوت البخور والروايح وده لإن العداوة ما بين عيلته وعيلة المراكيبية من أكبر العدوات وأشدها شراس.ة لكنها كانت خامدة من وقت بفضل الله ثم “محب” اللي أجبرهم على معاهدة سلام قعدت فوق التلاتين سنة، العيلتين خلافهم كان على الأرض اللي شايله حانوت البخور، عيلة المراكيبية بيدعوا إن الأرض في الأصل أرضهم ومعاهم الصك اللي يثبت ده والتانيين بيقولوا إنه مش حقيقي ولو الصك حقيقي هم بقوا أحق بالأرض لإن مكنش عندهم علم ومعاهم المحل من أجيال…
المهم إنهم جنبوا خلافاتهم وعاشوا على نفس الأرض سنين وسنين لحد ما السلطان أشعل فتيل الفتنة وحصلت المج.زرة اللي حتى السلطان مكنش يتوقعها، مكنش في باله كل دول يم.وتوا وغيرهم من الناس الأبرياء وتحصل هستيرية د.م….
أولاد “محب” اصلًا كانوا زاروا أبوهم قبل الحاد.ثة بشهر وقالوله يرجع المغرب وإن كده كفاية، لازم يرجع لأهله ووطنه، مينفعش أرض تانية تضم بدنه لما ربنا يأذن…
“محب” رفض تمامًا، قال لهم إن مصر هي وطنه وإن عمره ما حس إنه غريب، محسش بالغربة غير بعد المجز.رة وبعد ما أهله، أهل المعز معملولهوش اعتبار وداسوا على خاطره وعلى جسمه بالنعال…
“ريان” قال بعد ما خلص:
-أنا شفت حاجة في انعكاس الإزاز لما كنت عندي، “محب” كان مذهول، خايف، وأنت حكيت لي إنك لما شفته في المراية كان برضه مخضوض ولما شفته في الشركة نفس الحكاية، وإنه بيبطل عياط لما تقرب من السرير، كإنه أدرك وجودك…وده لإنك يا “مرتضى”…أنت كمان بالنسبة له شب.ح!
=يعني إيه؟
-زي ما هو بالنسبة لك شب.ح إنت كمان بالنسبة له شب.ح، إنتوا الاتنين عايشين في نفس الأماكن والأزمان برغم اختلاف أماكنكم وأزمانكم، الجلابية اللي بتلاقيها في دولابك كل يوم، العياط المكتوم اللي في نفس المعاد كل يوم، المشاهد اللي شفتها، المحلات تحت بيتك، النقاش الحاد ما بين اتنين مختلفين على إيراد، الناس الغريبة اللي سمعتها في بيتك وشفتها في الحلم، العوالم بتاعتكم أنت ومحب لسبب ما تداخلت مع بعض، أنت عفري.ته وهو عفري.تك..”محب” يا مرتضى قرر بعد الواقعة يهجر المعز ويرجع بلده، مقدرش يبات يوم واحد بعد كده جوه أسوار القاهرة، مشي بليل وهو بيجر رجله جر عشان كان مليان جروح، منهك، ده غير إنه كان كبير أوي، شاف البوابة، كانت قدامه، على بعد خطوات، لكنه قبل ما يخرج وقع وم.ات! مقدرش يخرج من مصر، برغم إنه حس بالق.هر والغربة مقدرش يسيبها، الناس الصبح لقت جث.ته مرمية جنب البوابة وقرروا يدفنوه في مكانه، وهنا قبره…
بعد كلامه سمعت صوت آلة موسيقية، أنين، أنين رهيب، الصوت كان جي من كل مكان، ده كان ناي، مش قادر، الناي، ذبدبات الحزن والألم والحسرة، كل الأحاسيس دي، كلهم بينخروا فيا، كإني أنا محب ومحب أنا…
كلام “ريان” صح، إحنا الاتنين أشب.اح، عوالمنا دخلت في بعض بسبب صلة اتكونت ما بينا، أنا ومحب كان عندنا نفس الوجع، عشنا نفس الموقف المر، إحنا الاتنين اتولدنا في أوطان لكن اخترنا وطن تاني، اخترنا وطن محسناش فيه بالغربة، لحد ما أهالينا طع.نونا، داسوا على كرامتنا وهيبتنا، واحنا الاتنين قررنا نسيب مصر واحنا الاتنين مقدرناش…
فتحت عيني ولقيتهم كلهم حواليا، كنت في المستشفى، اخواتي الخمسة وأمي بيبصوا ليا ما بين قلق ورع.ب وتعاطف، صعبان عليهم وخايفين ليفقدوني…أنا كنت لسه في المستشفى، يدوبك فقت من الغيبوبة…
يعني كل اللي فات ده عشته جوه الغيبوبة نفسها، مكنتش فقت قبل كده، فضلت نايم 3 أيام، اتهيألي اني قمت ورجعت بيتي وحصلتلي ظواهر غريبة، كان في طيف معايا في البيت وبراه، طيف بتاع راجل إسمه “محب” عاش في عصر المماليك، وقال إيه لجأت لريان ووداني المعز وشفت مج.زرة وقعدت على قبر محب وشفته بي.موت، وقلبي كان هيقف زي ما قلبه وقف على أبواب المعز…
الغريبة إني وقعت وأنا في المطار زي ما محب وقع على البوابة، احنا الاتنين مقدرناش نخرج من مصر، الشخصية الخيالية دي ما.تت قبل المخرج وأنا كنت هم.وت، جسمي دخل في سبات، رفضت أكمل الحياة…
واحد من إخواتي علق بصوت ممزوج فيه السخرية بالوجع:
–إيه يا أخي هوننا عليك، ده الذوق مخرجش من مصر.
ركبت العربية وكنت في الطريق مع أهلي لبيت العيلة، كنت حاسس بطاقة حب رهيبة، صحيح النفوس البشرية معقدة، بعد ما كنت حاسس إنهم مستبيعين، هاممهم الفلوس عن صلة الدم ما بينا، حسيت في حالتي دي إني أغلى من أي اعتبار، وأكيد نفس الوضع بالنسبة لأخونا المدمن، أكيد خايفين عليه بنفس القدر…
من باب الفضول فتحت الموبايل وعملت سيرش على “سيدي محب” المملوكي ولقيت نتايج!
لقيت قصته بكل التفاصيل اللي شفتها في الغيبوبة، ده في الغيب.وبة شفت تفاصيل أكتر، مش مكتوب في النتايج “محب” حس بإيه بالظبط، مش مكتوب إن قلبه كان بيتخلع من مكانه، وإنه كان حاسس إنه بيعيط د.م مش دموع، بين.زف من الألم، من الشرخ اللي حصل جواه…
قضيت شوية وقت مع أهلي لما رجعنا البيت، وفي آخر اليوم دخلت أوضتي، كنت ناوي أنام علطول بس في حاجة خلتني أفتح الدولاب…
فتحت الدرفتين وأنا قلبي بيدق بسرعة، بصيت بصة عابرة على هدومي، ملقتش حاجة مختلفة، ساذج! فاكر يعني هلاقي إيه؟
لكن قبل ما أقفل رجعت ركزت تاني، اتهيألي إني لمحت حاجة، هناك… كانت موجودة، مدفونة وسط الهدوم، جلابية متطبقة! جلابية قصيرة ، لونها بني باهت، شكلها دايب من كتر الاستخدام….
“تمت”
ياسمين رحمي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى