قصة بيت السلخانة
-ياوله ريشة، الشاي بتاعي.
قعدت على كرسي القهوة اللي متعود اقعد عليها وانا بقول للقهوجي كده بصوت عالي، جه ناحيتي وقالي وهو باين على وشه الضيق..
-اهلًا يا اوساذ شعبان، بس لا مؤاخذة يعني مش هينفع.
بصيتله باستغراب وانا بطلع علبة سجايري الكيلوبترا اللي فيها سيجارتين فرط..
-يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم، انت اتلبست ياض!.. هو ايه ده اللي مش هينفع، انا طلبت منك شاي.
قرب مني اكتر وقال لي بصوت واطي عشان ماحدش يسمعه..
-المعلم صاحب القهوة، قالي ماتنزلش مشاريب لحد عليه فلوس متأخرة، وبصراحة كده يا عمنا انت حسابك تقل اوي، والحالة زي ما انت شايف، نايمة على الكل.
اتضايقت طبعًا لما قال لي كده ورديت عليه بصوت عالي وانا بقوم اقف..
-يا عم انت محسسني ان انا قاعد في كافيه.. دي قهوة معفنة ووديني ما انا قاعدلك فيها يا عم، ولو على شاي الاصطباحة، هطلع اطفحه في بيتنا، ثُم هو انا بتنيل اقعد على القهوة ليه يعني، ماهو عشان تيجيلي مصلحة كده ولا كده، وبفلوسها ابرشط عليك.
قصة بيت السلخانة
لما زعقتله، زعقلي هو كمان..
-يا عم ولا تبرشط ولا تعمل بقى، انا مش عاوزك تبرشط، انا عاوزك بس تدفع حق المشاريب اللي عليك ومش عاوز اشوف وشك فيها تاني.
اتدخل وقتها عم طاهر وقال لريشة بهدوءه المعتاد..
-جرالك ايه ياض يا ريشة، بتزعق للزباين على أخر الزمن؟!
-انا مابزعقش لحد يا عم طاهر، بس الجدع ده حسابه تقل اوي، ولما جيت اكلمه بالهدوء وبالحُسنى، زعق في وشي وفضل يهلل وماعمليش أي اعتبار عدم اللامؤاخذة.
بص لي عم طاهر وقال لي وهو بيقعد على الكرسي اللي جنبي وهو بيشدني من دراعي..
-روق ياض يا شعبان واقعد عايزك في مصلحة.
وكمل كلامه وهو بيبص لريشة..
-اجري ياض يا ريشة هات لنا اتنين شاي على حسابي، وبالنسبة للفلوس المتأخرة عند شعبان، فهيديهالك النهاردة او بكرة بالكتير اوي.
رد علي
ه ريشة وهو بيمشي من قدامنا..
-وجب يا عم طاهر.. ومعاك اتنين شاي اصطباحة لعم طاهر وشعبان.
وقتها بصيت لعم طاهر وسألته باستغراب..
-ازاي يعني يا عم طاهر، هدفعله الفلوس منين وانا جايب سجاير فرط، ما اديك شايف الحال نايم ازاي، لا حد بيجي يطلب شقة ولا محل ولا…
قصة بيت السلخانة
قطع عم طاهر كلامي..
-اكتم بقى وخليني اقولك ازاي.
سكتت، فمد ايده في جيبه وطلعلي مفتاح اداهولي وهو بيقولي..
-ده مفتاح بيت في الحدايق، حدايق المعادي، هوصفلك عنوانه بالظبط وهديك رقم ناس هيروحوا يقابلوك قصاده وهيتفرجوا عليه لأن انا تعبان ومش قادر اطلع الطلعة دي، ولو البيت عجبهم هيشتروه وهيبقالك عمولة كويسة.
خدت منه المفتاح وبوست على راسه..
-ينصر دينك يا عم طاهر يا شيخ سماسرة المنطقة، طب عليا الطلاق انت اجدع من ابويا.
بص لي من فوق لتحت..
جه ريشة وحط الشاي قدامنا ومشي بسرعة، فمسكت كوباية الشاي وخدت منها بوق وانا بقوله..
-هتجوز منين بس يا حسرة، هو انا لاقي آكل لما هتجوز يا عم طاهر.
-ماشي يا عم الغلباوي، اشرب شايك بقى وخد رقم الراجل اللي هيقابلك، وبعد كده خُد مني العنوان واطلع طيران على البيت، الراجل مستني مني تليفون.
وفعلًا.. شربت الشاي وخدت منه رقم الراجل اللي كلمه وقال له إن انا اللي هفرجه على البيت، وبعد كده خدت منه العنوان وطلعت على موقف الميكروباصات عشان اركب من منطقتي دار السلام، للمنطقة اللي فيها البيت وهي حدايق المعادي، وبمجرد ما ركبت الميكروباص ووقت ما كنت في الطريق، بصيت للشباك وسرحت في حياتي والدنيا وهمومها، اه معلش دخلت في الحكاية على طول ونسيت اعرفكم بنفسي، انا شعبان رمضان.. عندي ٣٠ سنة، شاب من منطقة شعبية، عايش لوحدي في شقة محندقة كده إيجار قديم بعد ما ابويا وامي ماتوا، معايا دبلوم صنايع حاولت اشتغل بيه في وظيفة محترمة او حتى في اي مكان عِدل، بس الحقيقة ماعرفتش.. وعشان كده اشتغلت شغلانتي دي، سمسار.. وسيط، بتوسط في بيع وشرا اي حاجة لأي حد وباخد عمولتي، يعني اللي عنده محل او شقة او بيت وعاوز يبيعيهم او يأجرهم، بيجيلي وانا اشوفله مشتري ومستأجر، بس هنعمل ايه في قلة الحيلة وضيق الحال، السوق بقاله فترة نايم وماحدش لا بيبيع ولا بيشتري.. انا بقالي فترة بنزل اقعد على القهوة على أمل ان حد يجي يعرض عليا حاجة او يطلب مني مكان يأجره او يشتريه، لكن مافيش… انا بقالي مُدة عامل زي خيبتها، قاعد على القهوة وعمال اشرب في مشاريب على الفاضي، لحد ما حصل الموقف اللي حكيت عنه في الاول ده، الموقف اللي بعده على طول طلعت ركبت وروحت البيت، البيت اللي من عنده بتبدأ الحكاية تاخد شكل تاني خالص، شكل مرعب كان السبب في إنه فتح عليا بوابة من بوابات جهنم.
وقتها اول ما وصلت للبيت.. بصيتله باستغراب، انا ماخدتش وقت عشان اوصله لأن عم طاهر كان مديني العنوان بالتفصيل، بس الغريب في البيت بقى او الشيء اللي خلاني واقف مستغرب هو منظره.. كان بيت من دورين، مساحته كبيرة، بابه حديد ومقفول بقفل كبير، بصيت على القفل وانا ماسك المفتاح في إيدي، وقبل ما اقرب من الباب، طلعت موبايلي واتصل على الراجل اللي هيجي يشتريه..
-الو.. ايوة يا استاذ حسن، انا واقف قصاد البيت اهو.
لما قولتله كده رد عليا..
قصة بيت السلخانة
-طب تمام يا استاذ شعبان، انا بلبس اهو ونازل من البيت، تلت ساعة بالكتير اوي وابقى عندك.
-تلت ساعة!.. طب بص يا عمنا، انا هفتح البيت وهستناك جواه، وانت اول ما توصل ادخل على طول هتلاقيني جوة، تمام؟!
-تمام يا استاذ شعبان، عن اذنك بقى عشان هكمل لبس.
قفلت مع الراجل وحطيت الموبايل في جيبي وروحت فتحت الباب، دخلت البيت وابتديت ابص شمال ويمين، البيت دورين زي ما قولت، كل دور من شقة واحدة.. والشقة اللي في الدور الاول او الدور الارضي يعني، بابها كان مفتوح!
واربت باب البيت وروحت ناحية الشقة، دخلت من بابها وانا بتفحص المكان بعيني، التراب مالي الأرض، والعنكبوت فارد خيوطه على أركان الجدران!
(المكان ده مقفول او مهجور كده من امتى، وبعدين حد يسيب بيت واسع زي ده؟!.. يلا.. الله أعلم بقى بحال الناس)
فضلت اكلم في نفسي لحد ما وصلت عند باب أوضة من الأوض، الأوضة بابها كان متشال وكانت ضلمة جدًا، قربت منها وطلعت موبايلي ونورت بكشافه عشان اشوف مفتاح اي لمبة تنورلي الكحل ده، بس بمجرد ما نورت الكشاف ووجهته جوة الأوضة، حسيت ان في حاجة او حد جري من قدامي بسرعة!
وقفت مذهول لثواني وانا مش مستوعب اللي لمحته، ده زي ما يكون بني ادم، جه من اول الأوضة لأخرها ودخل جوة الحيطة واختفى!
(اعوذ بالله من الشيطان الرچيم.. البيت ده مسكون ولا انا اللي بيتهيألي ولا ايه؟!)
تمالكت اعصابي وحاولت اهدى عشان ابقى ثابت قدام الزبون، مسكت التليفون كويس وفضلت ادور في الحيطان على مفتاح النور لحد ما لقيته، روحت ناحيته ودوست عليه.. مرة والتانية والتالتة ومافيش اي حاجة، ضلمة.. الظاهر كده إن الكهربا فيها مشكلة، او النور قاطع في البيت، وعشان اعرف اللمبة بتاعت الاوضة اللي كانت موجودة بالمناسبة يعني، مانورتش ليه، فانا خدت بعضي وخرجت ووقفت في الصالة اللي كان شباكها متوارب ومدخل شوية نور بسبب الشمس، وعن طريق النور ده.. شوفت مفتاح لمبة الصالة اللي لما دوست عليه لمبة الصالة نورت، وده معناه ان لمبة الاوضة محروقة، عادي يعني. لمبة في أوضة جوة بيت شكله مهجور، عادي لما تكون محروقة يعني، بس اللي مش عادي بقى هي الاصوات اللي ابتديت اسمعها اول ما نور الصالة اتفتح!
قصة بيت السلخانة
انا في نفس الثانية اللي اللمبة نورت فيها، ابتديت اسمع من الاوضة اللي كنت فيها أصوات همس، ناس كتير بيتكلموا بعض بصوت واطي اوي لدرجة ان انا مابقتش قادر احدد هم بيقولوا لي!
اتمشيت بالراحة ناحية الأوضة وانا عمال اقرا في سري كل اللي انا حافظه من قرأن، لحد ما فجأة وقفت، رجلي اتثبتت في الأرض لما سمعت مع الأصوات دي صوت حد كان واضح إنه مريض او بيتألم، وده لأنه كان بيآن بصوت مسموع!
سكت الصوت اول ما اتكلمت بصوت عالي، ومع سكوته ابتديت اسمع أصوات خبط على الحيطان، ومش اي خبط وخلاص، لا.. دي اصوات كفوف ناس عمالين يخبطوا على حيطان الأوضة من جوة، في الوقت ده شجعت نفسي وجيت ادخل للأوضة، بس فجأة وقبل ما رجلي تخطي جوة، اتنفضت من الفزع اللي اتفزعته لما موبايلي رن…
بلعت ريقي بصعوبة ورديت..
-ايوة يا أستاذ حسن، انا جوة اه.. اتفضل ادخل.
قفلت معاه، كان هو المشتري، بس ثواني.. ايه ده، انا فات من عمري تلت ساعة في حوالي خمس دقايق، ازاي ده، وبعدين الأوضة.. انا اديتها ضهري وانا بتكلم في التليفون، ولما بصيت عليها بعد ما قفلت، لقيت النور اللي جواها نَور لوحده!
(سلام قول من رب رحيم.. ايه ده بقى، هو البيت ده فيه ايه بالظبط يا عم طاهر الله يخرب بي..)
وقبل ما اكمل كلامي سكتت فاجأة لما لاحظت حاجة مهمة اوي جوة الأوضة على الأرض، حاجة لونها أصفر قربت منها وخدتها، كانت مُفكرة لونها أصفر وشكلها غريب، لما جيت افتحها اكتشفت انها تقريبًا فاضية، ولما بقول انها فاضية ماقصدش انها فاضية من الكلام.. لا دي كانت فاضية من الورق، المُفكرة ورقها كله كان متقطع وماكنش متبقى فيها غير ورقة واحدة بس، مكتوب فيها كلام بالحبر الزرق على الوش وعلى الضهر، بصيت في الورقة بتركيز وابتديت اقرا..
(الموت اقرب من الحياة، والحياة بقت أصعب من الموت.. الدم بيجيب دم، وولاد أدم ريحتهم موت.. موت بيجري في عروقهم مجري حبهم للشهوات، الناس كلها لازم تموت.. انت كمان لازم تموت)
اول ما قريت الجملة دي جسمي اتخشب، لأن معاها حسيت بأيد لمست كتفي..
-استاذ شعبان؟!
المُفكرة وقعت من إيدي اول ما قال كده، كان هاين عليا اعيط من الرعب اللي اترعبته، لكني جمدت اعصابي ولفيت وبصت له..
قصة بيت السلخانة
-حمد لله عالسلامة يا استاذ.. يا استاذ حسن.
مسحت جبهتي وانا بقوله..
-اه كويس كويس.. ماتاخدش في بالك، يلا عشان افرجك على البيت.
شاورتله لبرة الأوضة، فخرج.. لكن انا بقى قبل ما اخرج وراه، وطيت وجيبت المُفكرة وحطيتها في جيبي، بعد كده مشيت وراه ولففته البيت كله أوضة أوضة، بس في كل أوضة كنا بندخلها، كنا بنشم ريحة غريبة اوي، مش ريحة مكان مقفول او مكان معفن زي ما بنسمع.. لا، دي ريحة زي اللي بنشمها كده وقت الدبح في العيد الكبير، ريحة دم غريبة ماكناش عارفين مصدرها، ومش بس كده، ده احنا كمان كنا بنلاحظ ساعات ان أنوار البيت، او بالتحديد يعني المكان اللي احنا واقفين فيه، بتنور وتطفي بسرعة لوحدها، وكأن حد عمال يدوس على المفاتيح بتاعت اللمبات!
ويمكن كل اللي حصل ده كان هو السبب في كلام الراجل اللي قالهولي بعد ما اتفرج على البيت…
-معلش يا استاذ شعبان، انا البيت معاجبنيش، ماقصدش انه وحش او فيه حاجة يعني، لا والله.. بس المشكلة فيا انا، انا اللي مارتاحتش وانا بلف فيه.. مش حاسس ان ده المكان اللي ممكن اعيش فيه انا ومراتي وعيالي، يعني من الاخر كده انا قلبي مش مرتاحله، بس لأنك قدرتني وجيت لي لحد هنا، فاتفضل.. شايك.
مد ايده ب ١٠٠ جنيه، خدتها منه وانا بشكره، بعد كده خرجنا انا وهو من البيت وكلمت عم طاهر وحكيتله اللي حصل من الراجل، بس الغريب اوي بقى إن انا لما كلمت عم طاهر وقولتله نتقابل في القهوة عشان اديك المفتاح بتاع البيت.. رد عليا وقال لي إنه تعبان وقاعد في بيته، وقال لي كمان إن انا اخلي المفتاح معايا لأن تاني يوم، في واحد تاني عاوز يتفرج على البيت واحتمال يشتريه، فمن الأخر كده خليت المفتاح معايا وخدت بعضي وطلعت على شقتي، عملتلي فنجان قهوة بعد ما كلت لقمة من التلاجة وولعت سيجارة، وقعدت بقى اقرا الكلام اللي المكتوب في الورقة اللي لقتها جوة المُفكرة.. يتبع
(ده الجزء الأول من قصة بيت السلخانة)
قصة بيت السلخانة
٢
خليت المفتاح معايا وخدت بعضي وطلعت على شقتي، عملتلي فنجان قهوة بعد ما كلت لقمة من التلاجة وولعت سيجارة، وقعدت بقى اقرا الكلام اللي المكتوب في الورقة اللي لقتها جوة المُفكرة..
(الموت اقرب من الحياة، والحياة بقت أصعب من الموت.. الدم بيجيب دم، وولاد أدم ريحتهم موت.. موت بيجري في عروقهم مجري حبهم للشهوات، الناس كلها لازم تموت.. انت كمان لازم تموت، بس قبل ما تموت لازم تخلص على اللي تقدر عليه..)
وبعد كده كان في فراغ، وبعده كلام تاني..
(حقها مش هيروح.. كلهم لازم يتعمل فيهم زي ما عملوا فيها، انا هجيب حقك يا نشوى.. هجيب حقك وهريح الدنيا منهم)
ولحد هنا بتخلص الورقة، او بالتحديد يعني بيخلص الكلام اللي في وش الورقة الاولاني، ولما خلصته وقلبت الورقة، لقيت مكتوب في الناحية التانية..
(مافيش حد صالح ولا نضيف، كل البشر قتلة، بكرههم.. بكره ريحتهم وطريقة كلامهم، كل ولاد أدم جواهم بشاعة وغريزة قذرة.. بس البشاعة دي مابتظهرش إلا لما الواحد يتحط في موقف مُعين يظهره على حقيقته، الشهوة هي اللي بتتحكم فيهم وفي تصرفاتهم، لازم يموتوا كلهم..او على الأقل، اللي هقدر اموته منهم..)
ولحد هنا بيخلص الكلام اللي مكتوب كله، بس ايه ده.. انا مش فاهم حاجة، اللي كتب الكلام ده تقريبًا كده بيكلم نفسه، وتقريبًا برضه شكله كده واحد مجنون.. لكن ثواني كده، انا وانا ماسك المُفكرة لاحظت حاجة غريبة اوي على الغلاف البلاستيك بتاعها من جوة، دي زي بصمة صباع، بس بصمة بالدم، والدم ده دم ناشف وظاهر اوي!
هو البيت ده ايه حكايته او ايه المصيبة اللي وراه، لا لا لا.. انا مش مرتاح وحاسس ان في مصيبة سودة حصلت فيه، بس المصيبة دي هعرفها ازاي..
مالحقتش افكر كتير لأن قطع تفكيري صوت رنة موبايلي..
-الو.. ايوة يا عم طاهر، ازي صحتك دلوقتي؟!
لما قولتله كده، رد عليا عم طاهر..
قصة بيت السلخانة
-تعبان لسه والله يا ابني، وعشان كده بتصل بيك، في واحد هيكلمك والمفروض انكوا هتتقابلوا على الساعة عشرة عند بيت الحدايق، هتدخله وهتفرجه على البيت وبأذن الله هياخده، وبرضه زي ما قولتلك.. لو البيت اتباع انت ليك عمولة كويسة، ولو ماتباعش، فانت كده كده بتاخد شايك من الزبون.
كنت محتار بصراحة، هل ارفض واقوله انا هجيلك البيت واديك المفتاح بسبب اللي شوفته، ولا اقبل لأني شخص مفلس ومحتاج لكل جنيه ممكن اخده في المشوار ده!
وخليني اقولك ان تفكيري وحيرتي ماداموش كتير، انا وافقت وقولت لعم طاهر ماشي لأني حقيقي محتاج فلوس، وفعلا بعد ما قفلت معاه، لقيت رقم غريب بيتصل بيا.. كان هو الشخص اللي انا هقابله عند البيت الساعة عشرة بالليل، ظبطت معاه واتفقنا اننا هنتقابل وقفلت.. بعد كده خدت بعضي ونزلت اقلب رزقي وادور لي على أي زبون او اي مصلحة اعملها لحد الساعة تسعة، ومع دقة الساعة تسعة بالليل بالظبط.. كنت راكب ورايح على البيت، المفكرة والمفتاح كانوا معايا، ومع وصولي وقفت قصاد الباب واتصلت بالراجل وقولتله اني هستناه جوة.. ايوة انا قررت ادخل تاني والمرة دي بالليل، ما انا لازم اعرف البيت ده حكايته ايه، انا اساسًا شخص مابيصدقش في وجود العفاريت والكلام ده كله، هو اه في جن وشياطين ومذكورين في كل الكتب السماوية، لكن انهم يظهروا ويأثروا على حياتنا.. دي حاجة كنت بشوفها تخريف بصراحة، او بمعنى اوضح.. فضلت شايفها كده لحد اللي حصل لي جوة البيت.
انا لما دخلت ونورت نور الصالة وطلعت المفكرة ومسكتها في ايدي، بقيت واقف وانا عامل زي العيل الصغير اللي تايه وبيدور على اهله، ماعرفش كنت عمال ابص شمال ويمين على ايه، هل يعني انا مستني الجن او العفريت اللي هيطلعلي ويقولي هموتك، ولا مستني الشخص المجنون اللي كتب الكلام اللي في المفكرة ده يظهرلي!
بس الحقيقة إن اللي في البيت ماخلونيش استنى كتير، انا وانا واقف مرة واحدة، سمعت صوت من حمام الدور اللي كنت واقف فيه، كان صوت حد بيآن شبه نفس الصوت اللي سمعته الصبح في الاوضة، سميت الله وطلعت موبايلي ونورت الكشاف وابتديت ادور على مصدر الاصوات.. ايوة الاصوات لأنهم مابقوش صوت واحد، دول بقوا اصوات كتير لكذا حد، انا كنت حاسس اني واقف في عنبر مستشفى مش في بيت!
قصة بيت السلخانة
اصوات كتير متداخلة، ده بيتألم، وده بيصرخ، وناس كتير بيخبطوا بإيديهم على حيطان المكان، كل ده وانا مش شايف حاجة.. البيت فاضي ومافيهوش اي حد، او فضل كده لحد ما لمحت قصادي حاجة غريبة اوي، كانت عصاية طويلة شبه عصيان المقشة، بس الغريب فيها بقى انها كانت مليانة دم!!
بعدت عنها وابتديت ارجع لورا بالراحة وبخطوات ثابتة، بس وانا برجع رجليا خبطت في حاجة ورايا على الأرض، حاجة لما لفيت عشان اشوفها ووجهت كشاف الموبايل ناحيتها، اكتشفت انها جثة!
(يا ليلة مكعبرة زي وش عم طاهر.. ايه ده، دد.. ددي جثة بني أدم)
في لحظة خوفي قل وقدرت اقرب من الجثة وبصيتلها كويس، دي جثة حديثة لراجل من غير اي هدوم، وتحته بقعة دم كبيرة ماعرفش جت ازاي ولا لحقت تظهر امتى، وفجأة ومن غير أي مقدمات.. لقيت الجثة دي ابتدت ايديها تتحرك!!
رجعت لورا بسرعة وبخوف، واللي انا ماخدتش بالي منه إن انا كنت برجع ناحية العصاية، العصاية اللي اتعثرت فيها وغصب عني اتكعبلت ووقعت على ضهري، ومع وقعتي الموبايل وقع من إيدي، بسرعة تداركت الموقف ومديت ايدي ناحيته ومسكته وبدأت انور قدامي، الجثة اختفت، بس ايه ده.. انا حاسس إن في حاجات بتمشي عليا، رجلين صغيرة بتدوس على جلدي تحت الهدوم، حطيت الموبايل على الأرض ووجته ناحياتي عشان ينور…
(ايه ده!… دي صراصير!!!)
صرخت بعلو صوتي اول ما شوفتهم، صراصير ماليين المكان حواليا وعمالين يتمشوا على جسمي، وياريتها جت على الصراصير وبس.. انا المكان كله من حواليا اتملى جثث، جثث كتيرة اوي شبه جثة الشاب اللي شوفتها بالمللي، كلهم من غير هدوم وكلهم مليانين دم لزج.. دي جثث طازة!
قومت في مكاني وخدت موبايلي وابتديت انور قصادي وانا بدور على الباب، لكن.. الباب اتقفل، وقصاده، قصاده كان في جثة شبه الجثث اللي في الارض، الجثة واقفة وبتقرب عليا وهي مليانة صراصير!!
جمدت قلبي وضربتها برجلي وروحت ناحية الباب، فتحته وبسرعة خرجت برة البيت كله وانا عمال انفض في هدومي زي المجانين، لحد ما سمعت صوت راجل عجوز بيقولي..
-مالك يا ابني.. عمال تلطش في روحك كده ليه؟!
قصة بيت السلخانة
بصيت للراجل العجوز اللي كان بيتكلم وقولتله وانا عمال اضرب في نفسي عشان ابعد الصراصير عني..
-الصراصير يا عم الحاج، الصراصير جوة وبتمشي على جثث و..
قرب مني الراجل وهو بيبص عليا باستغراب..
-صراصير ايه يا ابني، ما انت زي الفل اهو، مافيش لا صراصير ولا حاجة، وبعدين جثث ايه تاني اللي جوة.
بصيت على جسمي وحواليا وانا مذهول، الصراصير اللي كانت ملياني اختفت، بس ثانية واحدة وقفت فيها وفكرت، الراجل ده قال جثث تاني!..
-انت قولت جثث تاني يا عم حاج، هو كان في جثث اولاني؟!
-اه كان في.. دي كانت سلخانة، المهم دلوقتي تعالى نشوف الجثث دي ايه اللي جابها للبيت.
دخل معايا الراجل واتفاجأت لما لقيت نور الصالة مفتوح، ومافيش أي اثر لأي حاجة من الحاجات اللي شوفتها جوة من ثواني، بعد كده خرجت انا والراجل وطفينا النور، وطبعًا بعد ما خرجنا من البيت الراجل سألني انا مين، فجاوبته.. جاوبته وقولتله انا بعمل ايه هنا ومستني مين وحكيتله كل حاجة اتعرضتلها من اول اليوم، وساعتها الراجل هداني وقال لي انه عنده سوبر ماركت قريب من البيت، وعرض عليا اني اروح معاه واشرب حاجة لحد ما المشتري يجي، وبالمرة يحكيلي حكاية البيت والجثث اللي كانت فيه، وفعلًا سمعت كلامه وروحت معاه لأنه راجل طيب عنده محل بقالة صغير كده مسميه هو سوبر ماركت، جاب لي مايه وحاجة ساقعة، وبدأ يحكيلي..
-البيت ده يا ابني كان بيت قديم ومافيهوش حاجة، اهله بنوه عشان يعيشوا فيه وفعلًا عاشوا فيه فترة، لكنهم بعد الفترة دي عرضوه للبيع لأن جت لهم شغلانة برة مصر…. ولما البيت اتباع، اشتراه راجل مقتدر لعياله، كان عنده ولد وبنت، وعشان كده اشترالهم بيت بدورين عشان يتجوزوا فيه، كان راجل صاحب محلات سجاد، بعد ما اشترى البيت فضل قافله لحد ما عياله يتجوزوا، بس العيال ماتجوزوش.. العيال ضاعوا، وبداية الضياع كانت في يوم خرجت فيه بنت الراجل لجامعتها ومارجعتش، البنت اختفت لفترة فضل فيها اخوها اللي كان في ثانوية عامة وقتها يعيط زي العيال الصغيرة، اه يا ابني ماهو كان متعلق بالبت اخته نشوى اوي، لان امه ميتة وكان بيعتبرها هي امه التانية، والكارثة الكبيرة ان الحكومة لقت جثة البت بعد كده في مكان مقطوع، البت كانت هدومها متقطعة ومقتولة، ولما ودوها الطب الشرعي اكتشفوا انها اتقتلت بعد ما تم اغتصابها، وطبعًا مش محتاج اقولك ان ابوها انهار ووقع من طوله وجت له جلطة واتشل، اما الواد ابنه بقى واللي كان اسمه نور.. ففضل منعزل وعايش لوحده لحد ما فجأة كده بقى يخرج ويقف على النواصي، وساعات كان بيجي البيت هنا مع اصحابه الصيع بالليل ويسهر معاهم للصبح، ولأنه كان بيخرج من البيت الصبح، فماحدش كان بيكتشف انه بيخرج لوحده.. ايوة، الواد جت له حالة نفسية واتصاحب على العيال الصيع اللي بيشربوا ويقفوا على النواصي، عشان بس يستدرجهم للبيت ويموتهم، وده احنا كأهالي اكتشفناه لما لاحظنا ان في صراصير كتير بتخرج من البيت، ومعاها كان في ريحة وحشة ابتدت تخرج، ولما بلغنا البوليس وجه، لقى جوة حوالي ٨ جثث لشباب مقتولين ومرشوش عليهم مواد تمنع الريحة، ولا مؤاخذة يعني يا ابني تم تعذيبهم عن طريق عصاية مقشة، ومش محتاج افسرلك اتعذبوا ازاي يعني.. اكيظ انت استشفيت، ماهو اصل نور كان بيحاول يعمل فيهم زي ما اتعمل في اخته لانه شَيِل كل الشباب زنبها، وطبعًا بعد كده اتقبض على نور اللي اتعدم بالمناسبة لأنه كان واعي ومدرك للجرايم اللي عملها كلها وكمان اعترف بيها، اما ابوه بقى فمات والبيت خدوه الورثة اللي فضلوا عارضينه للبيع وماحدش كان بياخده، واهو.. اديك قولت انك لما دخلت عشان تفرجه لحد يشتريه مارتاحش، ودلوقتي اديك برضه شوفت اللي انت شوفته.
في الوقت ده وبعد ما الراجل خلص كلامه، اتصل بيا الراجل اللي المفروض هقابله وقال لي..
-انا اسف جدا يا استاذ شعبان، انا كنت جايلك والله بس مراتي تعبت فجأة وجالها نزيف غريب من الانف، احنا.. احنا ممكن نأجلها ليوم تاني.. او ممكن نأجلها خالص، سلام دلوقتي معلش عشان انا في المستشفى مع مراتي.. سلام سلام، وابقى اعتذر لعم طاهر نيابة عني.
قصة بيت السلخانة
خلصت المكالمة وسيبت الراجل وقومت، روحت البيت وفضلت صاحي لحد الصبح، واول ما النهار طلع، نزلت وفضلت قاعد على القهوة لحد مع عم طاهر جه، عم طاهر اللي اول ما شوفته اديته مفتاح البيت وقولتله اني متنازل عن الشغلانة دي خالص ومش عاوز منها مليم واحد، بص لي وهو مستغرب وخد مني المفتاح وقال لي..
-براحتك.. انا كنت خايف على مصلحتك وعاوز افتح لك باب رزق.
رديت عليه وانا باصص قدامي بضيق..
-ده باب سلخانة، باب جهنم، باب من ابواب عزرائيل، انما تقولي باب رزق!.. مستحيل البيت ده يكون باب رزق ابدًا، انا ماصدقت خلصت من ام المُفكرة ووقعت مني جوة و..
كنت بقوله كده وانا بمد ايدي في جيبي، المُفكرة.. دي لسه معايا، بس ازاي.. انا فاكر كويس انها وقعت مني جوة واني ماجبتهاش!
استغربت وفضلت مبرق وانا مرعوب لحد ما سمعت صوت واحد جه وقف قدامي وقال لي والابتسامة على وشه..
– انت استاذ شعبان السمسار؟!
-ايوة!.. انا راجل عندي عربية وعاوز ابيعها، تعالى اوريهالك واوريك مواصفاتها واعرفك سعرها كويس عشان تعرضهالي على زباينك.
حطيت المفكرة في جيبي ونسيتها ونسيت كل حاجة ومشيت وراه لحد العربية.. العربية اللي صدقوني حكايتها ابشع وافظع بكتير من حكاية البيت، وقريب.. قريب اوي اوي هرجع تاني وهحكيهالكوا، بس خليكوا فاكرينني كويس وفاكرين اسمي.. شعبان.. شعبان رمضان السمسار.. سلام.
تمت
محمد شعبان
قصة بيت السلخانة