اخيرًا تقنية الذكاء الاصطناعي خلتني اسمع صوت ابويا الميت!
الأمر بالنسبة لي كان معجزة، اول ما اكتشفت البرنامج اللي بيحول الكلام، لصوت أي شخص انت عايزه، انبهرت، وقتها طلعت فيديو ليا ولأهلي كنا مسجلينه واحنا في مصيف مطروح، فلترت منه صوت ابويا ودخلته على البرنامج وكتبت.. (وحشتني اوي ياحسام) ودوست تشغيل، وبعد ما دوست برقت وانا عنيا بتدمع، صوت ابويا المتوفي خرج من سماعة اللاب توب!
غصب عني عليت صوتي وندهت على أمي..
-ياأمي.. ياام حسام.. تعالي بسرعة.
دخلت امي الأوضة وهي مستغربة..
-في ايه ياواد.. مالك، بتزعق كده ليه؟!
-تعالي اقعدي ياماما.. هسمعك معجزة.
قعدت امي جنبي على السرير وابتديت اكتب وانا بكمل كلامي..
-انا اكتشفت برنامج ممكن تكتبيله الكلام ويطلعه بصوت أي حد انتي عايزاه، وعن طريق البرنامج ده، انا دخلت صوت بابا وممكن نكتب اللي احنا عايزينه ونخليه يقوله.. يعني مثلًا انا هكتبله دلوقتي (ازيك ياحسام.. ازيك يانعمة.. وحشتوني اوي.. احكوا لي عاملين ايه.. احكيلي يانعمة الواد ده مغلبك ولا بيسمع الكلام من بعد موتي؟.. انا عارف انه وحيد وعشان كده انتي مدلعاه)..
وبعد ما خلصت كتابة دوست تشغيل، لكن الغريب ان اللاب توب ماطلعش منه أي صوت!.. وقتها امي بصت لي باستغراب..
-جرى ايه ياواد.. هو انتي بتشتغلني؟!
-لا والله ياامي، مش بشتغلك ولا حاجة، ده انا حتى لسه مجربه، هو تلاقيه بس لسه بيحلل الكلام اللي كتبته عليه وبيحوله ل..
قطع كلامي صوت ابويا اللي خرج من اللابتوب..
(ازيك ياحسام.. ازيك يانعمة.. ازيك يانعمة ياللي قتلتيني بالسم وجيبتي دكتور عشان يطلعلي تصريح دفن من غير ما اروح المستشفى عشان جريمتك ماتتكشفش).
في اللحظة دي بصيت لأمي وانا مبرق..
-ايه ده!.. انا ماكتبتش الكلام ده على البرنامج؟!
ارتبكت امي وبلعت ريقها وهي بتشوح بإيدها..
-ايه البتاع الخربان ده!.. ده.. ده بيقول أي كلام.. ابوك ايه اللي انا قتلته.. انا.. انا ماقتلتوش.. جرى ايه ياض انت.. انت بتبصلي كده ليه؟!
بصيت للاب توب ومسحت الكلام وكتبته هو هو تاني، بس اول ما دوست تشغيل، سمعت صوت ابويا..
(ماتكدبيش عالواد يانعمة.. تنكري انك حطتيلي سم عشان تخلصي مني؟!.. وحتى لو انكرتي، فده مش هيغير من الحقيقة.. الحقيقة انك قتلتيني، بدليل ان انا وشي كان ازرق وانا ميت).
بعد ما الصوت سكت، غصب عني دموعي نزلت مني وانا باصص في شاشته..
-انا مش عارف اللي بيحصل ده بيحصل ازاي.. بس لو الكلام ده حقيقي، انا هروح وهبلغ وهطالب بتشريح جثة ابويا.
بمجرد ما قولت اللي قولته، النور اتقطع، حسيت بأمي وهي بتلف ايديها حوالين رقبتي من ورا وبتخنقني، ومع خنقها ليا، بدأت تزعق..
-مش ده اللي كان بيضربك وبيعذبك بعد ما بيرجع معمي من الشرب كل ليلة؟.. مش ده اللي كان مورينا والويل ومن بعده عايشين انا وانت في جنة!.. عاوز توديني في داهية عشانه!.. لكن لا ياحسام، لا، انا هعمل فيك زي ما عملت فيه.
حاولت افك ايديها من عليا، بس هي كانت اقوى، نَفسي ابتدا يتخنق، حسيت بروحي بتتسحب مني، وقبل ما اغيب عن الوعي، النور رجع، ومع رجوعه قامت امي تجري من مكانها وخرجت برة الأوضة!.. اتنفضت من مكاني وطلعت اجري وراها، قلبت عليها الشقة، دورت في كل الأوض، مالهاش أي أثر، ومع يأسي وإدراكي انها هربت، سمعت صوت التليفون في جيبي وهو بيرن، الساعة كانت ٨ بالليل بالدقيقة، وده صوت المنبه.. طفيته ودخلت على المطبخ، شربت وخدت حاجة ورجعت للصالة، بصيت على الصورتين المتعلقين فيها، صورة ابويا وصورة امي، الصورتين كان عليهم شرطتين لونهم أسود، عنيا دمعت ورجعت أوضتي، فلترت صوت امي من فيديو مطروح ودخلته في البرنامج، بالظبط زي ما عملت في صوت في ابويا، وبعد ما خلصت، كتبت على البرنامج..
(وحشتني ياحسام.. سامحني ياابني.. انا عملت كده علشانك.. عشان تعيش من غير ضرب وأهانة).. ودوست تشغيل، خرج صوت امي من اللاب بنفس الكلام، ماقدرتش امسك نفسي، اتكومت على السرير، افتكرت كل حاجة، ضرب ابويا ليا كل ليلة، خناقات امي معاه بسبب شربه، اخر خناقة بينهم بالليل، وتاني يوم الصبح وامي بتصوت وبتقول ان ابويا مابيصحاش، وبعدها صوت الدكتور اللي كان جاي يطلع لابويا تصريح الدفن وهو بيقول لامي انه مات متسمم وانه هيبلغ، وبعد كده صوت الحكومة وهي بتاخد امي وصوت صراخها وهي بتقول انها عملت كده عشان مستقبلي، وبعد صوتها افتكرت صوت القاضي وهو بيحكم عليها بالأعدام.. واخر حاجة افتكرتها كانت صوت الدكتور النفسي اللي بيعالجني وهو بيقولي.. (الخيالات مش هتروح الا لو التزمت بالعلاج، كل ١٢ ساعة حباية، وخليك فاكر واظبط المنبه، يعني لو خدتها ٨ الصبح، لازم تاخدها الساعة ٨ بالليل.. وألا.. وألا الخيالات والأصوات هتفضل تطاردك بسبب اللي اتعرضتله من صدمات.. ماتنساش ياحسام.. العلاج يتاخد في معاده عشان الهلاوس ماتكملش معاك وتأذي نفسك).
أنكمشت على نفسي، غمضت عيني، وفي لحظة سمعت صوتهم، في الأول كان صوت أمي.. (ماتخافش ياحسام.. انا جنبك ياحبيبي).. وبعد صوت امي، سمعت صوت ابويا.. (هي اللي قتلتني ياحسام.. بس برضه انا هفضل جنبك).. ومع نهاية كلامه حسيت بايديهم وهي بتطبطب عليا عشان انام.. انا.. انا عايش لوحدي، كل يوم بنزل شغلي وارجع اعيش نفس المآساه، خيالات مابتنتهيش بقالها سنين، هي بس بتغيب على فترات لما باخد العلاج، لكن انا.. انا بحاول ماخدوش عشان افضل اشوف الخيالات، ما هو الأفضل من اللي الواقع اللي حاصلي، أن اعيش على خيالات ووهم وجود عيلتي حواليا، حتى لو كان وجودهم مجرد مرض انا مُصاب بيه، او حتى لو كان صوتهم مُجرد ذكاء اصطناعي بيسيب جوايا صدى كبير.. بس في النهاية هو صوت مش حقيقي، هو بس مُجرد.. صدى صوت!
تمت
محمد_شعبان