أنا مُش عارِف الظّل الأسود ده؛ هيِفضَل يطارِدني لحد امتى؟!
البداية؛ كانت في ليلة بَعد أذان المَغرب، لمّا سِمِعت صوت عَرَبيّة النّاموس وهي بتقرَّب، كالعادة كُنت بنتَظِر اللحظة دي؛ وساعِتها بنزِل من البيت وأخرج الشّارع، وأوّل ما بتعدّي من قُدّامي؛ كُنت بَجري وراها، زي عيال كتير كانِت بتِعمل نَفس اللي بَعمِلُه.
أنا اسمي “محمود”، طَفل زي أي طِفل مَهووس بالدّخان اللي بيخرُج من عَربيّة النّاموس، إحساسي وأنا بَجري وراها جوّه الدُخّان؛ كان بيحسّسني إني من عالم تاني، والأكتر مِن كِدَه، إن ريحته كانت عاجباني، برغم إن أمّي حذّرتني كتير وقالتلي:
-الدُّخان دَه هَيمرِضَك!
بَس أنا مكُنتِش بترَدِّد إنّي أعمل دَه كُل يوم، دا أنا وَصَل الموضوع معايا؛ إني بقيت أروح وراها أماكِن بعيدة؛ ولمّا بَرجَع البيت، كانت أمّي بتِعرَف اللي أنا عملتُه من ريحة هدومي، لِحَد ما في ليلة رِجعت متأخّر، كُنت عَرقان جدًا ومَنظري مِتبَهدِل، وساعِتها أمّي عَمَلِت معايا مُشكلة كبيرة جدًا؛ لِدَرجِة إنّها عَمَلِت حاجة مكُنتِش مُتخيّل إنّها تعملها، دي قالت لأبويا!
لمّا أبويا عِرِف باللي بَعمِلُه ضَرَبني، مُش عَشَان بَجري ورا عَرَبيّة النّاموس؛ لأ، دا عَمَل كِدَه لأنّه لمّا سألني وقالّي:
-أنت ليه رِجِعت امبارح متأخّر عن كُل يوم؟
ولأنّي مَتربّتش على الكِدِب قولتله:
-أنا جريت زي كُل يوم ورا عَرَبيّة النّاموس، في كُل مرَّة لمّا كنت بَحِس إنّي بِعِدت كتير عَن البيت بَرجَع تاني، بَس النّهاردة مُش عارِف ليه رِجلي أخدِتني وكمّلت.
ولقيت أبويا بيبُصّلي أوي وبيقولّي:
-رِجلك أخَدِتك لِحَد فين؟
أنا بَصّة أبويا ليّا؛ خلَّتني معرِفتِش أهرَب من سؤاله، وقولتله:
-أنا روحت وراها لِحَد الكوبّانيّة!
نَظرة أبويا ليّا لمّا سِمع إجابتي خلّتني أترِعب، ولقيته بيقولّي:
-أنت عارِف يعني إيه الكوبّانيّة؟!
-يعني إيه؟
-يعني أنت عدّيت من المَقابِر، ووصلت لِحَد المَنطِقة الفاضية اللي وراها، ماهو مَفيش طريق للكوبّانيّة غير دَه.
قولتله وأنا مُرتَبِك:
-أيون، دَه صحيح.
-مَخوفتِش حاجة تحصلّك؟
ردّيت وأنا بحاوِل أبيّن إني مُش خايف؛ وقولتله:
-هَيحصَلّي إيه يعني؟
وِدَه كان السَّبب اللي خلّى أبويا ضَرَبني! أنا كُنت بمثّل الشَّجاعة قدّامه، لكن الحقيقة؛ كنت غير كِدَه خالص، دا أنا رِجعت من هناك وجوّايا خوف عُمري ما حسّيت به قبل كِدَه!
***
في الليلة اللي بعدَها، وفي نَفس الوَقت بَعد المَغرب، سِمِعت صوت العربية، لكن مَكَنش عندي استعداد إن يِحصَل معايا زي ما حَصَل امبارح، عَشان كِدَه مَخَرَجتِش؛ اكتَفيت بإني بَصّيت من ورا شبّاك أوضتي، شوفت العيال وهي بتجري وراها، وبعدها رجِعت على سريري، اتمَدِّدت، ومِن الزَّعَل اللي كُنت فيه، روحت في النّوم.
صوت العَرَبيّة هو الحاجة الوحيدة اللي كنت سامِعها وأنا نايم، وبرَغم إنّي كُنت مغمَّض، وقافِل نور الأوضة، بَس كُنت شايف نَفسي بَجري، الدُّنيا ضَلمة، مُش شايف حاجة حواليّا، كُل اللي حاسس به هو صوت أنفاسِي، وصوت العربيّة اللي جاي مِن بعيد، وأنا بَجري بكل قوّتي عشان أحصَّله، لكِن الطريق انتَهى بيّا في المقابِر، في نَفس الشّارع اللي بيوصّل للكوبّانيّة، وهناك الصوت اتقَطَع عنّي، ومَكَنش حواليّا غير القبور، كُنت تايه؛ لدرجة إني مُش عارف فين أوّل الشّارع من آخره، بدأت أحِس بنفس الإحساس اللي مَرّيت به امبارح، أنا سامِع صوت بيِهمِس في وِدني، بيناديني، نَفس اللي حَصَل معايا في المقابر لمّا كُنت راجِع، بَس أنا داريت ومقولتِش لِحَد، بدأت أحِس إن اللي عمله أبويا معايا صح، في كل الأحوال؛ مَكَنش المفروض آجي المَكان دَه، وخصوصًا بالليل؛ ولوحدي.
أنا قومت مفزوع، إحساس صَعب لمّا تِحس إنك محبوس بين قبور والدنيا ليل، وصوت مُخيف بيندَه اسمَك، وبالرَّغم من إن دَه حِلم؛ لكن هو حصل في الواقع معايا، بَس أنا دلوقت صاحي خايف، خرَجت من أوضتي وجريت على أمّي، دوَّرت عليها؛ لحد ما لقيتها قاعدة قدّام باب البيت، وساعتها قولتلها:
-أنا خايف.
شَدَّتني من إيدي عشان أقعد جنبها، وقالتلي:
-أبوك كان عنده حَق في اللي عَمله، إنت ازّاي تِجري ورا عَرَبيّة النّاموس وتوصَل لِحَد الكوبّانيّة؟!
-مُش عارف أنا عملت كِدَه ازّاي، بَس أنا نسيت نَفسي، مَحسِّتش غير وأنا راجِع.
-مَفكّرتش إن مُمكن أي حَد يخطَفَك بالليل هناك؟!
مُش عارف ليه كلامها خلَّى شريط الأحداث يتعاد قدّامي، ورجَّعني للحِلم، اللي أنا بحاول أهرب منّه، ولقيتني بقولّها والخوف كان باين في صوتي:
-أنا شوفت نَفسي في حِلم من شويّة، كُنت في المَقابِر، تايه ومُش عارِف أخرج!
-شوفت! عشان تروح ورا العربية بالليل، كِسِبت إيه دلوقت غير إنّك شوفت نَفسك تايه هناك؟!
أنا بدأت أفتِكر حاجة غريبة، لمّا روحت هناك، افتَكرت إن كُل العيال اللي كانت بتجري جَنبي؛ رِجِعِت بمجرَّد ما قرَّبنا من المَقابِر، لَكِن أنا اللي مَرجِعتش، حاجة غريبة كانت مخلّيّاني أكمّل وراها، أنا لِحَد ما رجِعت البيت، مكُنتِش مستوعب أنا عملت إيه، بَس كُل اللي أقدَر أقوله، إن اليوم دَه، كان بداية تحوّل مُخيف في حياتي.
***
مكُنتِش أتخيّل؛ إن طفل عنده 10 سنين حياته تتقلِب لجحيم؛ لمجرّد إنه عَمَل تصرّف متهوّر وبشكل تِلقائي، بدأت أخاف من كل حاجة، انعَزَلت عن كل النّاس، في كل مرّة عيني كانت بتغمّض فيها، كُنت بَسمع صوت العَربيّة، وأشِم ريحة الدّخان، وأشوف نَفسي بَجري في الضّلمة، وأسمع الصوت بيناديني وأنا تايه في المقابر، وأشوف الظِّل الأسود.
الحِكاية مَوَقفِتش لحد هنا، دا أنا بدأت أسمع وأشوف كل دَه وأنا صاحي، دا غير إني بدأت أسمع حد بيكلّمني، لكن من غير ما أكون شايفه، بَس حاجة جوّايا كانت مخوّفاني من إنّي أحكي.
فجأة؛ حسّيت بِرَغبة في إني أنعزِل أكتر، واستَسلِم لِهاجِس مُخيف جوّايا، أبويّا وأمي بدأوا يحسّوا إن فيّا حاجة غريبة، كُنت بَهرَب دايمًا من الكلام معاهم، وفي مرّة، لقيت أبويا بيكلّمني بهدوء، عَكس ما هو متعوّد، وِدَه حَصَل لمّا باب أوضتي خبَّط، وبعدها لقيته داخل، وبيُقعد جَنبي على السرير، وبيقولّي:
-إنت حاسس بِحاجَة تَعباك يا “محمود”؟
كُنت سامِع كلامه بوضوح؛ لكن حاجة أقوى منّي كانت مَنعاني أجاوبه، عَشان كِدَه بدأ يكمّل كلامه:
-أنا مَعُدتِش هَمِد إيدي عليك تاني، لو دَه يعني اللي مزعّلك ومخلّيك مُنعَزِل، أنت مهما كان كِبِرت، عندك 10 سنين دلوقت، بقيت راجِل، يلا شِد حيلك كِدَه، عاوزك تخرُج وتلعب، وتِجري مع العِيال ورا عَرَبيّة النّاموس من تاني، دا أنت ابني الوحيد؛ ولمّا تِكبر هَتُقف مكاني في المَحِل.
أنا حَسّيت بِصاعِق كَهربا لَمَس دِماغي لمّا سِمعته بيقولّي عن العربية، وِدَه اللي خلّاني صَرَخت وقولتله:
-لأ، مَتجِيبش سيرتها قدّامي.
رَد فِعلي، والاندِفاع اللي كُنت فيه، خلّوه يِحِس إني فيّا حاجة غريبة؛ لِدَرجة إنه سألني:
-مالك؟ اتفّزَعت ليه كِدَه؟!
-أنا مَعُدِتش بَطيق أسمع سيرتها، حتّى لمّا بتعدّي من الشّارع، بَحُط إيدي على وِدني، وِبَدفِن راسي تَحت المِخَدّة؛ لأنّي ساعِتها بشوفه، بَسمَع صوته، وبَشوف نَفسي مَحبوس هناك.
كان مِستَغرب من كلامي، وِدَه كان باين في عينه وهو بيبُصّلي وبيقولّي:
-بتشوف إيه؟ وصوت مين اللي بتِسمعه؟!
ردّيت بصوت مخنوق وقولتله:
-أنا مُش فاهِم حاجة، بَس في كُل مرّة بيِحصَل دَه؛ بَشوف نَفسي محبوس في الشّارع اللي بيوصَّل للكوبّانيّة!
وهِنا، أبويا مَرَدِّش غير بِكلمة واحدة، وهو بيبُص ناحيتي بخوف:
-المَقابِر!
بَرضُه مَقدِرتش أحكي اللي بَشوفه؛ مُش خوف من أبويا، لكنّه كان خوف من اللي بَحِس بُه في الوقت دَه، بَس لقيت أبويا بيطَبطَب عليّا بدون ما يتكلّم، وبيسيبني وبيخرُج من الأوضة.
مُش عارف إيه اللي جرالي، قضّيت وقت طويل في صمت، مَحَسّيتش بنفسي غير وباب الأوضة بيتفِتح، وبعدها بيدخُل أبويا من تاني وبيقولّي:
-تعالى معايا يا “محمود”، هنروح مشوار.
غيّرت هدومي ومشيت معاه، ولمّا خرجنا ركبنا العربية، مَكَنش بيتكلّم معايا في حاجة، بَس أنا لاحظت إنه رايح على شارع في بَلدنا كلّه دكاترة، مَفكّرتش أسأله هو جايبني هنا ليه، لكن لقيته بيِركِن قدّام عمارة، كان مكتوب عليها، دكتور “إياد التعلب” للطب النّفسي!
العيادة كانت في الدّور الأرضي؛ ولمّا دخلنا كانت فاضية، وبمجرّد ما السكرتيرة شافتنا رحّبت بنا، وسألت أبويا عن سَبب زيارتنا، وسمِعته بيقولّها إنّه جاي يطّمن عليّا، وساعِتها قالتلنا على تَمن الفيزيتا بتاعة الكَشف، أبويا دَفعها، وبعد ما قعدنا ننتَظر حوالي خَمس دقايق، وبعدها لقيتها بتقولنا:
-اتفضلوا، الدكتور مِنتظركم.
لمّا دخلنا أوضة الكَشف، كان نورها هادي، في البداية؛ أبويا اتكلّم مع الدكتور شويّة بصوت مَكُنتِش سامعه، وفي الوقت دَه؛ أنا كُنت واقِف لسّه عند الباب، واتفاجئت بالدكتور بعد ما خلَّص كلامه مع أبويا بيقولّي:
-تعالى يا “محمود”، خايف ليه؟
أنا بدأت أقرَّب وعيني بتلِف في الأوضة، ولمّا جيت أقعُد على الكُرسي اللي قدّام مكتب الدكتور؛ لقيته بيقولّي:
-لأ يا بَطل، أنا عايزك تِمَدّد على الشيزلونج دَه.
عملت اللي الدكتور طَلَبُه، وبعدها لقيته بيقرَّب منّي وبيُقعد على كرسي جنبي، ومعاه أجندة وقلم في إيده، وبيقولّي:
-احكيلي بقى؛ أنت إيه المُشكلة معاك بالظَّبط؟
يِمكن الهدوء اللي في المكان، هو اللي خلّاني أقاوم الخوف اللي عَندي؛ عَشان كِدَه بدأت أتكلّم:
-كُل حاجة بدأت من ساعة ما نسيت نَفسي، في الليلة دي؛ جريت ورا عربيّة النّاموس، الوقت كان متاخّر، ومُش عارف ليه المرّة دي كمّلت ودخلت وراها المقابر، في الطريق اللي هي بترجَع منّه على الكوبّانيّة.
لقيت الدكتور بيِسمعني باهتِمام وبيقولّي:
-كَمّل يا “محمود”.
-في نُص الطريق وأنا راجِع، حسّيت بهوا سُخن، جِسمي كُله بدأ يِعرَق، وحسّيت قلبي بيتهَز، المكان كان زي المتاهة، مُش عارف أوّله من آخره، ومَكَنش فيه حاجة واضحة غير القبور، كانت كلّها مقفولة ماعدا واحد، كان بابُه مكسور وشكله قديم، مَعرفش ليه وَقفت قدّامه وبدأت أبُصّله، بَس في وِسط الضَّلمة لَمَحت جوّاه ظِل أسود، في البداية افتَكرت إن دي تهيّؤات، لكن لقيت الظِّل بيخرج من القَبر وبيقرّب منّي، في اللحظة دي سِمعت صوت العربية وشمّيت ريحة دخّانها، وسِمعت اللي بيهمِس في وِدني وبيقولّي: “كُنت منتظرك يا “محمود”. كُل اللي فكّرت فيه إنّي أجري، لكن رِجلي كانت تِقيلة، زي ما يكون متعلَّق فيهم صخور، بَس رغبتي في الهروب من الخوف خلَّتني مَستَسلِمش، من كُتر ما حاولت أهرب لقيت خطواتي بدأت تساعِدني، الطريق بدأ يتفَتح من تاني قدّامي؛ لحد ما رِجعت البيت متأخّر، كان جِسمي عرقان وهدومي مِتبهدِلة، ومن وقتها وحياتي اتقَلبِت، بقيت منعزل، ولأوّل مرّة هقول إنّي بَقيت بَشوف الظِّل الأسود كل ليلة في أوضتي، بيطارِدني من وقت للتاني، ومُش عارِف هو عاوز إيه منّي.
لِحَد هِنا مَكنش في حاجة تانية أقولها للدكتور، اللي كان بيسمعني وهو مِستغرب كلامي، ودَه خلّاه يقوم ويروح عند أبويا ويقولّه:
-أنا شايف إنّه مَر بموقف عَمَل له رَهبة، وِدَه اللي مخلّي عنده هلوَسة وبيتخيّل إن في حاجة بتطارده، هَكتبله على شويّة مهدّئات، وهَشوفه بَعد أسبوعين.
خَرجنا من عيادة الدكتور، وأبويا أخدني على صيدلية قريّبة اشترى منها العلاج، ولمّا روّحنا طلب من أمّي إنّها تجهّزلي أكل؛ عَشان آكل وأبدأ آخد علاجي، في الليلة دي العلاج خلَّاني أنام، بَس صحيت فجأة في نُص الليل، ومُش عارف ليه لقيت نَفسي بَخرج من أوضتي وبَفتح باب الشَّقة وبنزِل الشارع، مِن غير ما حد يِحِس بيّا.
مَكُنتِش في وعيي، بَس كُل اللي أنا عارفه، إنّي سامِع صوت العربيّة؛ وعاوز أروح عَند القَبر اللي الظِّل خَرج منّه!
مَحسِّتش بنفسي غير وأنا هناك، وبمجرَّد ما وَقفت قدّامه، سِمعت صوت بيناديني من جوّاه، وبيقولّي:
-تعالى يا “محمود”!
لقيتني بَستَجيب للصّوت، بدأت أقرَّب من القَبر، ولَمَحت إيد بتتمد ناحيتي من الجزء المكسور في الباب، كان لونها أسود، ولمّا قرَّبت منها حسّيت إنّي غِبت عن الوعي، مَعُدتِش حاسِس بأي حاجة.
***
“لا حول ولا قوَّة إلا بالله، أنت مين يابني وإيه اللي جابَك هنا في الوَقت دَه؟!”
كان صوت حَد بيصحّيني وهو بيقوِّمني من الأرض، ولمّا بدأت أفوق لقيته واحد بجلّابيّة ومعاه كشّاف نور، وبمجرّد ما فتَّحت عيني سألني:
-أنت مين يابني؟!
بَلعت ريقي بالعافية وقولتله:
-أنا “محمود”.
-إيه اللي جابك هِنا في وقت زي ده؟
-أنا مُش فاكِر حاجة، مَعرفش أنا هِنا ازّاي!
-طيّب مين أبوك؟
-أبويا “سالِم التّهامي”.
-مُش دَه تاجر القُماش؟!
-أيون.
-طيّب عارف عنوان بيتكم؟!
-بيتنا قدّام المَسجد الكبير اللي في البلد، لونه أزرق وفيه محِل تليفونات صغيّر من تَحت.
-طيّب قوم معايا.
مِشيت معاه وأنا سانِد على دراعه؛ لِحَد ما خرجنا من المقابِر، وساعِتها دَخلت معاه أوّل بيت قابِلنا، كان دور واحد، ولمّا دخلنا لقيته بيِندَه على واحِد اسمه “عَوض”، كان ابنه، لأنّه لمّا خَرَج من أوضته قالّه:
-روح عند المَسجد الكبير، وخبَّط على البيت اللي لونه أزرق وفيه محِل تليفونات، قولّهم أنا ابن “محروس” التُّربي، وإنّنا لقينا ابنِكم واقِع في المَقابِر، خلّيهم ييجوا ياخدوه.
الحكاية كلّها مكمّلِتش ساعة زَمن، وسِمعت صوت أبويا وهو داخِل وبيقول:
-يا حج “محروس”.
كُنت نايم على كَنبة في أوضة، وساعِتها سمِعت عم “محروس” وهو بيطلب من أبويا يدخُل، كان بيسأل عليّا، وبعدها لقيته داخل عندي الأوضة، مَكُنتِش عارف نَظرته ليّا كانت خوف ولا غضب، بَس لقيته بيقولّي:
-أنت خَرجت إمتى وروحت هناك ازّاي؟!
مَكُنتِش عارف أجاوب على سؤاله، لأنّي أصلًا مَعرفش أنا عملت دَه ازّاي وإمتى، لَكن اتفاجئت بصوت عم “محروس” وهو بيقول لأبويا:
-ابنك مُش أوّل واحد ألاقيه واقِع في المقابِر وفاقِد الوعي، في كُل مرّة بتِحصل الحكاية دي، بيكون الشَّخص مَمسوس، مَبيكونش مستوعِب هو عَمل دَه ليه وازّاي.
لكن أبويا رد بغضب وقالّه:
-أنت تُقصد إيه بإنه مَمسوس؟ إيه التَّخاريف دي؟!
-حِلمَك عليّا، إزّاي تخاريف وأنت شايِف اللي حاصِل بعينك، أبنك مُش عارِف خَرج إمتّى ولا راح هناك ازّاي، اللي ماسِس إبنك بيندَه عليه، بيغيّبه عن الوَعي.
-الحكاية كلّها إن الوَلد عنده شويّة هلاوس، بدأت تِحصل معاه لمّا دَخل المقابِر ورا عربيّة النّاموس وهي راجعة الكوبّانيّة، الدكتور كَتبله على علاج وهيكون كويّس.
-يا حاج “سالِم”، الدكتور على عيني وراسي؛ بَس أنا بقولّك إن ابنك علاجُه مُش عند دكاترة، ابنَك عاوِز حَد يعالجه من المَس.
أبويا مَسمِعش كلام عم “محروس”، أخَدني ومِشي، بَس مَنساش يشكُره على إنّه شالني من المقابِر وأخدني البيت عنده، ولمّا وصلنا البيت كُنت خايف من أبويا، بمجرَّد ما دخلنا جريت على أمّي اللي كان مَنظرها يقطَّع القلب عشاني، وانتظرت أبويا ياخُد أي رد فعل؛ لكن دَه مَحصَلش، دا أنا لقيته بيقول لأمّي:
-خلّيه ياخُد شاور ويغيّر هدومه اللي مليانة تُراب دي!
أخدت شاور ولبِست هدوم غير اللي كانت عليّا، الوقت كان مقرَّب على الفَجر، دَخلت أوضتي عشان أنام؛ بعد ما رَفضت الأكل اللي أمّي كانت جهّزته، قفَلت الباب ودخلت على سريري بعد ما طفيت النّور، لكن بعد شويّة؛ سِمعت باب الشَّقة برَّه بيتقفِل بالمفتاح، وصوت أبويا وهو بيقول لأمّي:
-الباب بَعد كِده يتقفل بالمُفتاح؛ وتشيلي المُفتاح تحطّيه في مكان “محمود” مَيعرفش عنّه حاجة.
بعدها سِمِعت صوت باب أوضتهم وهو بيتِقِفِل، ولَمحت نور الصّالة بينطِفي من إزاز باب الأوضة، استسلمت للضّلمة عَشان أنام، لَكن بعد ما عيني بدأت تغمَّض؛ فتَحتها على صوت باب أوضتي، التَفَتت ناحيته ولقيته بيتفَتح ببطء، ولمّا اتفَتح لِنُص المسافة، حَرَكته وَقفت، قُمت من خوفي وقعدت على السرير وعيني كانت عليه.
الخوف له صوت، مَبنسمعوش غير جوّانا، لمّا جِسمِنا يتهَز، وإحنا مُنتظرين حاجة مُش عارفين هي إيه إنها تِحصل، دَه كان مُلخَّص حالي وأنا مِستني أعرف الباب اتفَتح ازّاي.
بَس اللي حَصل؛ هو إني لقيت نَفسي بنزل من السرير، وبَروح ناحية الباب بالرّغم من إن خطوتي كانت مَهزوزة، الصوت اللي بيِهمس في وِدني وبيقولّي: “محمود”، كان مِسيطر عليّا، لِحَد ما خَرجت من الأوضة، واتفاجئت إنّي مُش في الصَالة، أنا لقيت نَفسي بَسمع صوت عربية النّاموس، وبَجري وراها في الضَّلمة، نَفس الحِلم المُخيف، وبلاقي نَفسي فجأة قدّام القَبر، وقَفت وكنت زي اللي غايب عن الوَعي، عيني كانت على الظِّل الأسود، اللي لَمَحته من الجزء المكسور في باب القَبر وكان قاعِد جوَّه.
ساعِتها حسِّيت بنار في صوابع إيدي، ولمّا رفعتهم قدّام عيني؛ لقيت إن ضوافري طِولِت بطريقة غريبة، المَوقِف كان أكبر من إنّي أتحمّله؛ فَصَرَخت، وغَصب عنّي بدأت أقطَّع في جِلد وشّي بضوافري، كُنت بصرُخ بشكل هيستيري، وحاسِس بالدَّم وهو نازِل من وشّي على إيدي، مَكُنتِش عارف أنا بَعمل في نَفسي كِدَه ليه، بَس في الآخر، لقيت نَفسي بَقع على الأرض قدّام القَبر!
بعد شويّة؛ لقيتني بَفوق على صوت أبويّا وهو بيقول لأمّي:
-هاتي مايّه بسرعة عشان نفوَّق الوَلد.
بدأت أفوق؛ في اللحظة دي لقيت نَفسي واقِع في أرضيّة الصالة، كُنت حاسس بألم رهيب في وشّي، ولمّا الرؤية بدأت توضَح قدّامي؛ لقيت أبويا وأمّي جنبي، وبصوت مهزوز لقيتني بقولّهم:
-إيه اللي بيحصل؟ أنا فين؟!
أمّي كانت مخنوقة بالعياط مَقدرِتش ترُد، لكن أبويا كان بيقوّمني من الأرض وبيقولّي:
-أنت فيك إيه؟ وإيه اللي مجرَّح وشّك كِدَه؟ وليه كُنت بتصرُخ!
اضطرّيت أقول لأبويا عن كل حاجة، لأنّه غالبًا مَكَنش سامِع التفاصيل اللي حكيت عنها للدكتور، ولمّا خلَّصت كلامي، لقيت أمي بنبرة صوت كلّها خوف، بتقول لأبويا:
-أوّل ما النّهار يطلع لازم تودّيه للدكتور.
بَس لقيت أبويا مَبيردّش عليها، دا سابنا وخَرَج، أمّي ساعدِتني أقوم من الأرض وأقعد على الكنبة، وبعد أقل من ساعة، لقيت أبويا راجِع ومعاه عم “محروس”!
كُنت مستغرب من تَصرُّف أبويا، لكن لقيت عم “محروس” بيبُصّلي وبيستعيذ، في اللحظة دي؛ لقيت أبويا وأمّي بيبصّولي وبيستعيذوا هُمّا كمان!
أنا مَكُنتش فاهِم إيه اللي بيحصل، لكن لقيت عم “محروس” بيقول لأبويا:
-خليكم جنبه متخافوش، أنا هَوصل أجيب الشّيخ “إدريس” وراجع علطول!
لاحظت إن أبويا وأمّي واقفين بعيد عنّي، كان باين عليهم الخوف، كان عندي فضول أعرف سبب خوفهم، قُمت ومشيت لِحَد مِراية متعلَقة على حيطة في الصالة، وقفت قدّامها، واتصَدَمت من شكلي، أنا شوفت نِن عيني ظاهر بالطول، وشّي مليان جروح، دا غير حوالين عيني كان لونه أسود جدًا.
بدأت أرجَع لِورا من الصَّدمة، مَحاوِلتش أقرّب من أبويا وأمّي، اللي كانوا بيبصّولي ومذهولين، في اللحظة دي الباب خبَّط، وسمِعت صوت عم “محروس” بينده على أبويا، اللي جِري ناحية الباب وفَتَحه، وساعتها دَخل عم “محروس” ومعاه الشِّيخ “إدريس” اللي قال عليه، واللي أوّل ما بَصّلي حسّيت بنار بتحرقني في جِسمي، في اللحظة دي، لقيت عندي رغبة في إنّي أهاجمه؛ لمجرّد إنّه كان بالنسبالي شَخص غير مرغوب فيه؛ بالرَّغم من إنّي أول مرَّة أشوفه.
ويادوب بدأت أتحرَّك ناحيته؛ ولقيت عم “محروس” بيكتّفني، في نَفس اللحظة دي، لقيت الشيخ “إدريس” بيطلَّع من جيبه إزازة صغيَّرة فيها مايّه، فَتح غطاها وأخَد منها على صابعه وبدأ يِدهن جَبهتي، وساعتها حسّيت إنّي اترميت في فُرن والِع، مَكُنتِش طايق الألم اللي حَصَلّي!
بَس بعدها حسّيت إن جِسمي زي الحَبل الدَّايب، وقَعت في الأرض، بَس كُنت واعي بُكل حاجة بتِحصل من حواليّا، وحاسس بالشِّيخ “إدريس” وهو بيقعد جَنبي على الأرض، وبيحُط إيده على جَبهتي، بَس المرَّة دي كان بيقرأ آية الكُرسي، حسّيت إن كل حرف عبارة عن شوكة من نار بتدخل في جِسمي، كُنت بصرُخ، وأبويا و عم “محروس” كانوا بيكتّفوني من إيدي ورجلي، وبَعد ما الشِّيخ خلَّص قراءة لقيته بيسألني:
-أنت مين وعايز إيه من “مَحمود”؟!
ساعِتها حسّيت إن في حاجة مولَّعة بتتحرَّك جوّايا، وإن صوتي كان زي الصَّهد وهو خارج منّي وأنا بقولّه:
-أنا “دَنهَش”.
كُنت أنا اللي بتكلّم، لَكن مَكَنش صوتي، بَس حسّيت إن الشِّيخ بيِبلع ريقُه، وانتَظر كام ثانية كده وقال:
-اخرُج من جِسمه، وإلا هَحرَقك.
لقيت نَفسي بَضحك بطريقة كُنت مستغربها، وبقولّه بنفس الصوت الغريب اللي مُش عارفة جِبته منين:
-لو خَرَجت مُش هخرج إلا من عينه، وأنت عارف إيه اللي هَيحصل بعدها، عينه هَتنتِهي.
ولقيت الشِّيخ بيقول بصوت مليان غيظ:
-أنت ملعون، هَتُخرج، ومن المكان اللي أنا هختاره.
بعدها بدأ يقرأ سورة الصَّافات (والصَّافّات صفَّا)، مَع كل آية كُنت بحِس بكرابيج نازلة على جسمي، ولمّا خلَص السورة بدأ يقرأ آية الكرسي تاني، ويكرَّرها، وأنا خلاص كُنت حاسس روحي بتخرج من جسمي، كان جوّايا زلزال أقوى من إنّي أتحمّله، لحد ما الشِّيخ كان بيحط إيده في بوقّي، وبيقول:
-اخرُج من المَكان اللي شاوِرتلك عليه.
في اللحظة دي، حسّيت بكُتلة نار بتتحرَّك من بطني وطالعة على صدري، وبعدها لقيت كمّية دَم نازلة من بوقّي، لكن كان فيها حاجات لونها أسود، وساعِتها الشِّيخ بدأ يقرأ “قَالَ فَٱخۡرُجۡ مِنۡهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٞ (34) وَإِنَّ عَلَيۡكَ ٱللَّعۡنَةَ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلدِّينِ”.
بعدها؛ مَكَنش عندي القدرة إنّي أتكلّم، كُنت باخُد نَفَسي بالعافية، بَس كُنت سامع عم “محروس” وهو بيقول للشّيخ:
-كان مَس صح؟
رد الشّيخ على كلامه بكل ثقة وقالّه:
-اتمَس في المَقابر.
-أنا فعلًا لقيته واقع هناك ليلة امبارح قدّام قَبر قديم.
-هو اتمَس هناك فعلًا؛ لكن من فترة، والمَس دَه مُش صدفة، دا بفعل فاعل، واللي كان معاه هو اللي خلَّاه يروح المقابر بالليل، اللي مَسّه كان مؤذي جدًا.
وهنا سِمعت صوت أبويا وهو بيقولّهم:
-من ساعِة ما راح ورا عربية النّاموس لِحَد الكوبّانيّة، ودَخَل المقابر بالليل وهو حاله كِدَه.
-الحَمد لله، ربّنا عَفا عنه.
كانت آخر حاجة سِمِعتها، قَبل ما أحِس بحرارة شديدة، ومعاها جِسمي كلّه تِعِبني.
بعدها غِبت عن الوَعي، ولمّا فوقت، لقيت كانيولا في إيدي، ومتعلَّق لي محاليل، أمّي كانت جَنبي، أوّل ما شافتني بَفوق لقيتها مبسوطة وبتقرَّب منّي وبتقولّي:
-كانِت غُمّة وانزاحِت، جالك بَعدها دور حُمّى، كُنت غايب عن الوَعي بقالك 3 أيام، بتاخُد علاج والشّيخ كان بيزورك يطّمن عليك، كان بيقول إن دي توابع وهتروح لحالها، حَمدِالله على سلامتك!
***
كُنت فاكرِ إن الحكاية انتَهِت، خصوصًا إنّي مِن بعد ما اتعالِجت على إيد الشيخ “إدريس”؛ مَشوفتش أي حاجة من اللي كُنت بَشوفها، فات 12 سنة لِحد دلوقت، بقى عندي 22 سنة، اتخرَّجت من كليّة تجارة واستَلَمت المَحل مكان أبويا، لكن في الفترة اللي فاتت؛ اتعرَّضت لِحَدَث صعب وهو موت أمّي، اللي أثَّر فيا جامد، بقيت عايِش أنا وأبويا اللي تِعِب بشكل مفاجئ في الفترة الأخيرة، وبقيت أنا اللي مسؤول عن كل حاجة.
النهاردة السَّبت، والمفروض إني بَفتَح المَحِل بدري، قومت من النّوم جهّزت نَفسي وفَطرت، وطبعًا فطَّرت أبويا وفضِلت جَنبه لِحَد ما أخد دواه، وبَعد ما اطَّمّنت عليه خرجت.
العربية مَكَنِتش راضية تدور، حاولِت معاها وبعد ما طلَّعِت عيني دارِت، ومِن ساعة ما اتحرَّكت وكُل حاجة كانت مِعكساني، كُنت حاسِس إن الطُّرق ضيَّق والدُّنيا زحمة، وأي حاجة كانت بتخلِّيني أتخِنق بسرعة، أوّل مرَّة أمُر بالحالة دي، بَس حاولت أهدّي أعصابي على قَدّ ما أقدر؛ لِحَد ما وصلت المَحِل.
ويادوب فَتحت وبشِد الكُرسي عشان أقعُد، وأفتح دفاتري أشوف إيه اللي لِنا برَّه وإيه اللي علينا، ولقيت واحِد داخِل عليّا المَحِل، كان راجِل كبير في السّن، وبيقولّي:
-لو سَمحت، أنا عاوز قُماش كَفن رِجالي.
أنا قولت في بالي الاصطباحة كَفن يعني! لكن بالرَّغم من كِدَه؛ قومت وجِبتِلُه عِلبة فيها قُماش كَفن، لاححِظت إنّها آخر علبة عندنا، عشان كِدَه افتكرت أكلّم التّاجر اللي بنجِيب منّه الشّغل يبعتلنا كَام علبة جديدة، ولمّا سألني على تَمنها قولتله عليه، وبدون ما يتكلّم حَط إيده في جيبه وطلَّع رُزمة فلوس، عَد منها تَمن الكَفن وحطّهوملي على المكتب، وبعدين أخَد العلبة وخَرج، بدون ما ينتظر حتّى إني أعطيه شنطة يشيل فيها العلبة.
وقفت قدّام المَحِل، كانت عيني عليه لحد ما خرَج من الشارع، وبعدين دَخَلت عشان أقعد على المَكتب، وأشوف كُنت بَعمل إيه، وساعِتها اتفاجِئت بإن الفلوس اللي الرّاجل سابها مُش موجودة!
بصّيت في الأرض ودوَّرت في كُل حتّة؛ لكن مَكَنش لها أي أثر، بَس اللي كان صادِم بِجَد، إنّي لقيت علبة الكَفي في مكانها على الرَّف!
كُنت بَلِف حوالين نَفسي ومُش مستوعب، أنا لسّه بايعها دلوقت! إزّاي رِجِعِت وراحِت فين فلوسها؟!
مُستحيل يكون بيتهيّألي، الرَّاجل كان قدّامي بِشَحمُه ولَحمه، كان عقلي هَيطير، لَكن الرِّجل اللي بدأت تيجي على المَحِل، والزَّباين اللي بدأت تروح وتيجي؛ خلَّتني انشَغَلت عن التَّفكير في الموضوع، مَكَنش عندي وَقت إنّي آكل حتى، وعلى العَصر كِدَه، الزَّباين بدأت تِخِف، كانت فُرصة إنّي أريّح رِجلي شويّة، قَعدت على المَكتب، ومدّيت إيدي على إزازة المايّه، فَتَحتها ولسّه بَرفعها عشان أشرب؛ ولقيت نَفس الرّاجل اللي كان هِنا الصُّبح دَاخل عليّا المَحِل، بمجرَّد ما شوفته نزّلت الإزازة وفضِلت باصِصلُه وأنا مَذهول، وبسأل نَفسي هو إيه اللي بيحصَل بالظَّبط؟!
لكنّه لمّا وَقف قدَّامي ابتَسملي وقالّي:
-مساء الخير يابني، ألاقي عندك كَفن رِجالي ضروري؟!
بَلعت ريقي، وبعدها بصّيت على الرَّف عند علبة الكَفن وقولتله:
-عندي واحد بس!
-طيب عاوِز الكَفن ضروري، ربّنا يسترك.
جِسمي كان متخشِّب في بعضه، قُمت بالعافية من على الكُرسي وروحت جِبتله العلبة، ولمّا أخدها سألني:
-تَمنه كام يابني!
كُنت لسّه بَبُصّله وأنا مَصدوم، لكن قولتله تَمَنه، وساعِتها مَد إيده في جيبه وطلّع منها لفّة فلوس صغيّرة ناولهاني وقالّي:
-الحمد لله، نَفس اللي كُنت عامل حسابي عليه بالظَّبط!
أخَدت الفلوس وحطّيتها في جيبي، وقولتله:
-أنت من البلد هِنا يا حاج؟!
ولقيته بيقولّي:
-أيون يابني، كُنت شغّال في مَجلِس المدينة، بَس طلِعت معاش من كام سنة، والنّهاردة أعز صديق ليّا مات فجأة، اسمه “سيّد”، كان معايا في الشُّغل الله يرحمه، كان بيسوق عربيّة النّاموس، وأنا كُنت بَساعده.
أسوأ حاجة؛ لمّا تتعرَّض لِموقِف يخلّي جزء من شريط حياتك القديم يعدّي قدّام عينيك، افتَكرت كل اللي مرّيت به؛ لمّا حصل معايا اللي حَصل في المقابر، بِسبب حاجة اتعوّدت عليها وأنا طِفل، وبالرَّغم من إن نادِرًا لمّا بقت عربيّة النّاموس تعدّي زي زمان، إلا إن بمجرّد ما اسمِها جِه قدّامي فكّرني بخوف كُنت قدِرت أتجاوزه مع الوقت، بَس ليه دَه حَصَل النّهاردة، وحَصل بالشَّكل الغَريب دَه؟!
-أنت سَرَحت في إيه يابني؟!
كان صوت الرَّاجِل اللي اتفاجئت بإنه لسّه واقِف، حاوِلت أنسى كل اللي افتكرته وقولتله:
-لا أبدًا، سَرَحت في شويّة ذكريات من وأنا طِفل كِدَه.
لقيته بيبتِسم وبيقولّي:
-كُنت بتجري ورا العربية؟!
-مين مَكَنش بيجري وراها زمان؟!
-يلا يابني، أهي أيّام بتسلّم أيّام، ربنا يخرَّجنا منها على خير.
لمّا الرّاجل سابني ومِشي، قعدت على المكتب دماغي عمّالة تودّي وتجيب، أنا ليه شوفت اللي حَصل دلوقت دَه قبل ما يِحصَل؟!
مِن بَعد ما الرَّاجِل مِشي، ومفيش ولا زبون دَخل المَحِل، الوقت فات والليل قرَّب يدخُل، وساعِتها سِمعت صوت مسمعتوش من زمان جِدًا، كان صوت عربيّة النّاموس، قومت مفزوع من على الكرسي وطلعِت قدّام المَحِل، وساعِتها شوفتها جاية من أوّل الشّارع، فضَلت واقِف لِحَد ما فاتِت من قدّامي، الدُّخان كان مالي المكان، بَس طبعًا مفيش حد كان بيجري وراها زي زمان!
اليوم بالنّسبالي قَفَل، يعني إن كُل دَه يَحصل النهاردة، ويفكّرني باللي فات مَكَنِتش حاجة بسيطة، قرَّرت أقفِل المَحِل وأروَّح، مِن عادتي إني بطفي الأنوار كلّها؛ وبَسيب لَمبة صغيرة قايدة، قفَلت دفاتري وخرجت وبَشِد الباب عشان أنزِّلُه، لكِن اتفاجئت بالظِّل الأسود موجود جوَّه المَحِل!
الخوف اللي كُنت فيه خلَّى أعصابي تسيب، مَكُنتش عارف أكمّل نزول الباب ولا أرفَعه تاني، لكن مُش عارف ليه فَتَحته ودخلت المَحِل، وبمجرَّد ما بقيت جوَّه؛ لقيت الباب اتقفل عليّا، وفجأة النّور انطَفى، وساعِتها سِمعت الصّوت اللي كان بينادي عليّا زمان، لكن أنا إزّاي ملاحِظتش إن الصوت دَه، كان هو نَفس صوت الرَّاجل اللي اشترى منّي الكَفَن؟!
في الوَقت دَه؛ لاحِظت إن نَفسي مَكتوم، كُنت بتنفِّس بالعافية، الدُّنيا ضَلمة ومَكُنتِش شايف حاجة، بَس حسّيت بإيد بتِمسِكني من رِجلي، بتحاول تشدّني، كُنت بحاول أفلِت منها، حسّيت بحرارة في جِسمي، لكن كُنت بقاوم، وفجأة شيء ألهَمني إنّي أستعيذ، وساعِتها كُل حاجة انتَهت.
النَّور رِجع من تاني، كُنت قادِر أتنفّس بشكل طبيعي، لَكن كانت رِجلي بتحرَقني، ولمّا بصّيت عليها؛ لقيت أثر صوابع!
قُمت من الأرض عشان أخرُج من المَحِل، اتفاجئت إن الباب مَفتوح زي ما كُنت سايبه بالظَّبط، خَرَجت وأوّل حاجة عملتها هي إنّي شدّيت الباب، قَفلته بالقِفل، وبعدها رِكبت العربية ومشيت.
بمجرد ما وصلت عند البيت؛ لقيت جنازة خارجة من المَسجد الكبير اللي قدّامنا، مُش عارف ليه حسّيتها جنازة عم “سيّد” اللي الراجل قالّي عليها، ركَنت العربية قدّام البيت ومشيت وراها، بَعد ما اتأكّدت فعلًا إن دي جنازته، لكن عيني كانت على كُل اللي موجودين، كُنت عاوز ألمَح الرَّاجل اللي اشترى منّي الكَفن، ماهو أعز أصدقائه زي ما قالّي، يعني لازم يكون موجود.
لمّا وصلنا المقابر، كانت الجنازة داخلة نَفس الشّارع، اللي حَصلت معايا فيه المشكلة لمّا كُنت صغيّر، دا الأغرب من كِدَه، واللي كان صادِم، إن اللي شايلين النَّعش، وقفوا قدّام نَفس القَبر، بَس كان متجدّد شويّة، وجاهِز عشان جثّة عم “سيّد”!
من وقت اللي حَصل وأنا صغيّر، وأوّل مرَّة أشوف عم “محروس”، أنا فاكِر ملامحه كويّس، كُنت واقِف قريّب من القَبر، وشايفه وهو جوّه بيجهّز الرَّمل ومعاه كلوب نور، عشان الجثّة تدخل، في اللحظة دي سِمِعت اتنين واقفين جَنبي بيتكلّموا، لكن كلامهم كان غريب بالنسبالي، كان واحِد فيهم بيقول للتاني:
-الأيام فاتِت وعم “سيّد” اندَفن جَنب صديقه، الاتنين كانوا شغّالين على نفس العربيّة، مكانوش بيسيبوا بعض، وجمّعوا مع بعض واشتروا القبرين اللي قدّامك دول، اللي مقفول ده عم “دسوقي”، واللي هيتقِفل كمان شويّة ده قبر عم “سيّد”، شوفت الدّنيا!
الدُّنيا لفَّت بيّا، لمّا عرِفت إن صديق عم “سيّد” ميّت ومدفون في القبر اللي جنبه، دَه كان أبسَط مبرّر للي حَصل معايا الصُّبح، ماهو لو مُش هو اللي قصدهم عليه، ليه مُش موجود في جنازة أعز أصدقائه!
بَس السؤال اللي كان محيّرني، ليه القَبر دَه بالذّات حصل معايا قدّامه كِدَه زمان، وليه الأيام بتلِف وبرجع لِنفس القَبر دلوقت!
في اللحظة دي؛ سِمعت صوت عم “محروس” بيصرُخ في القبر وبيقول:
-لا إله إلا الله، لا حول ولا قوّة إلا بالله.
صوته خلَّى كل اللي واقفين ينتبهوا، عيونهم راحت ناحية القَبر عشان يشوفوا اللي بيحصل، في الوَقت دَه، كان عم “محروس” بيخرج من القَبر في إيده كيس أسود، كان قديم ومتربّط بِحبال كتير.
قدام القَبر، عم “محروس” نزِل على الأرض وحَط جنبه كلوب النّور، وبدأ يفتح الكيس وينفض الرمل اللي عليه، اتفاجئت إنه بيطلَّع منّه صورة، والمفاجأة الأكبر، إن الصورة دي كانت صورتي، حد مصوّرهالي بدون ما آخد بالي وأنا واقِف قدّام المَحِل!
لقيت نَفسي بَصرُخ وأنا مُنهار، خصوصًا لمّا شوفت الرموز والحروف اللي على الصورة، والكلمات اللي مكتوبة بلون أحمر، جنون، مرض، كُنت بقرَّب من الكيس وأنا بقول:
-دي صورتي أنا!
كل اللي واقفين نظراتهم اتحوّلت ناحيتي، لكن عم “محروس” كان بيشاورلي عشان أهدى وبيقولي:
-خلّينا نِكرم الميّت، وبعدين نشوف الحكاية.
لمّا الجنازة خِلصِت، أخدني عم “محروس” على بيته، كُنت فاكره لسّه، ولمّا دخلنا نفس الأوضة اللي دخلتها وأنا صغير، قولتله:
-أنا الطّفل اللي لقيته مَرمي قدّام نفس القبر بالليل من 12 سنة، وجبتني نَفس الأوضة دي، واتعالِجت على إيد عم “إدريس” من مَس، والنّهاردة حَصلت معايا حاجة غريبة.
لقيته بيسمعني وهو بيحاول يفتِكر، ولمّا اتأكّد منّي قالّي:
-أنت ابن “سالم التّهامي” بتاع القماش؟!
-أيون أنا.
-إيه اللي حصل معاك النّهاردة؟!
حكيتله على اليوم من أوّله، لحد ما طلَّع الكيس من القَبر، وساعِتها أخدني من إيدي وقالّي:
-تعالى نروح للشيخ “إدريس”، ناخُد معانا الكيس دَه، ونحكيله، أنت حظَّك حلو إنه لسّه عايش.
بيت الشِّيخ “إدريس” مَكَنش بعيد، كان يادوب شارع، لمّا وصلنا ودخلنا وعم “محروس” فكَّره بيّا افتكرني علطول، حكيناله اللي حصل، وعطيناله الكيس، كان بيشوف اللي جوّاه وهو غضبان، وكان اللي طالع على لسانه “سلام قولا من رب رحيم، سلام قولا من رب رحيم، إن الله سيبطله”.
وهِنا بدأ يِحكي ويقولّنا:
-دَه عَمل معمول من فترة قريّبة، ويصادِف إن مفعوله يشتغل النهاردة، والغريبة إن اللي عامله مات في اليوم ده.
أنا كُنت مصدوم من اللي بسمعه وبقول لنفسي:
-وأنا عم “سيّد” بتاع عربية النّاموس هيعملّي عمل ليه؟! إيه اللي بيني وبينه عشان يأذيني؟!
لكن متكلِّمتش، عشان كنت بَسمع اللي الشّيخ بيقوله:
-أنت اتعملّك عمل لمّا كُنت طِفل، كان الغرض منّه إن يصيبك مَس، واترَمى في نفس القَبر اللي العمل دَه اترمى فيه، دَه اللي أنا عالجتك منه زمان.
في اللحظة دي، لقيت عم “محروس” بيقولّه:
-أنت عارف دَه قَبر مين؟
لكن الشّيخ رد عليه وقالّه:
-خلاص، اللي سَتره ربنا مَنفضحوش!
وبعدها بصّلي وقالّي:
-أنت ربنا لَطف بِك، عشان كِدَه لقيت العَمَل دَه؛ لأن لو كان القَبر اتقفل عليه، كانت حياتك هتتدمّر، أنت ربّنا بيحبّك.
ردّيت عليه وأنا برضُه لسّه مش مستوعب وقولتله:
-وهو كِدَه العَمل اتفَك؟!
لقيته بيبتسم بيقولّي:
-طالما اتفَتح يبقى اتفَك، وأنا عليّا الباقي، وكله على ربنا في الآخر.
خرجنا من بيت الشّيخ “إدريس” بعد ما قرأ عليّا آيات تِحفظني من السِّحر، وبعدها سِيبت عم “محروس” ومشيت عشان أرجع بيتنا، ولمّا وصلت دخلت عشان أطَّمن على أبويا، كان باين عليه التَّعب أكتر من كل يوم، بَس سألني وقالّي:
-اتأخرت ليه يا “محمود”؟
معرفش ليه سؤاله خلّاني افتكر يوم ما رِجعت متأخر؛ لمّا جريت ورا عربية النّاموس ووصلت للكوبّانيّة، عشان كِدَه قولتله:
-كُنت في جنازة.
كان بيبُصّلي باستغراب كِدَه وبيقولّي:
-جنازة مين؟!
-عم “سَيّد”، اللي كان بيسوق عربيّة النّاموس.
أنا لقيت أبويا وشّه اتغيّر وقالّي:
-وأنت إيه علاقتك به، ليه روحت الجنازة؟!
اضطريت أحكيله عن كل حاجة، كان بيسمعني وهو مصدوم والدموع بتنزل من عينه، وبعد ما خلَّصت كلامي لقيته بيبكي وبيقولّي:
-كان بينتِقم منّي.
كلمته خلَّتني أتنِفض من مكاني، وقولتله:
-بينتِقم منّك فيّا؟! أنت بينك وبينه إيه؟ وتِعرفه منين؟!
-المَحل بتاعنا كان وِرث مراته، وموقعه كان داخل دماغي، قدِرت وقتها إنّي أوصل لأخوها وأطلب منّه المَحِل، عرضت عليه مبلغ مغري، وساعتها أخوها كمان طِمع، أخد الفلوس وأكل وِرث أخته، أجبرها تِمضي على عقد بيه المَحِل، وفي الآخر أنا اشتريته، وأخوها أخد الفلوس.
كُنت بسمع وأنا مُش مصدّق، لكنه كان بيكمّل وبيقول:
-بَعد فترة مراتُه ماتِت من الصّدمة، جاتلها جلطة، وبعد كام شهر، عرفت إن أخوها جاله صَرع، محدّش قِدِر يعالجه، وبعد كام شهر من المرض لقوه غرقان في التّرعة، وناس قالت إنهم شافوه نازِل ياخُد غُطس، وحالة الصّرع جَتله وهو في المايّه وغِرق، وتقريبًا كده ولله العِلم، كان “سيّد” ورا الموضوع دَه، وبعدها لمّا قرَّر ينتِقم منّي، اختار بينتِقم منّي فيك!
خَرجت من الأوضة وأنا حاسس إن الدُّنيا مغيّمة من حواليّا، إحساس صَعب لمّا تلاقي كل اللي أنت، فيه جاي نتيجة إن واحد قوي ظَلَم واحد ضعيف، في اللحظة دي كِرِهت المَحِل، حتّى أبويا مبقِتش عاوز أشوفه، ماهو اللي عمله كان مُمكن يتسبب في إن حياتي تتدمّر؛ لولا ربنا سَتَر.
الأيام بدأت تعدّي، وأنا كُل اللي كُنت بعمله إنّي براعي ربّنا في أبويا بَس، لمجرّد إنها صِلة رَحِم، كُنت باخُد فيه ثواب، لكن الكوابيس بدأت تِمسِكني في نومي، بدأت أشوف المَحِل وهو فاضي ومتدمّر، كُل حاجة كانت واقعة في الأرض، وبدأت أشوف الظِّل الأسود وهو قاعِد مكاني على المكتب، دا غير إنّي بدأت أحلم بعربيّة النّاموس، لكن المرّة دي؛ كانت بتجري ورايا، وكُنت بحاول أهرب منها، لكن الغريبة إنّي كُنت دايمًا بهرب منها ناحية المقابِر!
وفي ليلة، لقيتني رايح بيت الشّيخ “إدريس”، ولمّا قعدت معاه حكيتله الموضوع، وقولتله على كل اللي بشوفه في كوابيسي، ولقيته بيقولّي:
-أنت مفيش سِحر صايبك ولا مَس، كُل ده انتَهى، لكن اللي أنت فيه مُش هيروح؛ غير لمّا تتخلَّص من السبب اللي خلَّاه يحصل من الأوّل.
كُنت فاهِم قَصده إيه، عشان كِدَه شَكرتُه ومشيت، ومن تاني يوم الصُّبح، علَّقت على المَحِل يافتة مكتوب عليها إنه للبيع، خلاص قرَّرت أتخلَّص منه، خصوصًا وإن أبويا المَرض زاد عليه.
وبعد كام يوم بِعت المَحِل لأوّل مشتري، مدقَّقتِش في السِّعر، كُنت حاسس إنه غُمّة وانزاحِت من طريقي عشان أكسب حياتي، كان بالنسبالي عبارة عن لعنة، في اليوم دَه، رِجِعت البيت ومعايا الفلوس، وكان تفكيري إنّي أبدأ مشروع جديد، يخلّيني أنسى المرحلة اللي فاتت، لكن لمّا وصلت، اتفاجِئت إن أبويا ميّت، كانت راسه نازلة على صدره، ونازل من بوقّه دَم وفيه حاجات لونها أسود!
مَكَنش قدّامي غير إنّي أترحَّم عليه، خصوصًا إنّي بَعد كام يوم من وفاته؛ ولمّا العَزا خِلِص، زُرت الشّيخ “إدريس” وحكيت له على اللي حَصَل، غمَّض عينه شويّة وهو بيتمتم بكلام أنا مُش سامعه، وبعدها قالّي:
-أبوك مَكَنش مَريض مَرض عضوي، اللي كان مرقَّد أبوك وخلَّاه يموت بالطريقة دي هو عَمَل برضُه، لكن العَمل دَه مدفون من فترة طويلة، ومَشتَغَلش غير من سنتين تقريبًا.
لمّا ركّزت في المدّة، لقيتها نفس الوقت اللي أبويا فعلًا بدأ يِتعب فيه، ولأنّي مَبقِتش مِستَبعد حاجة سألته:
-العَمَل دَه مدفون فين؟!
وبعد ما غمَّض عينه شويّة وهو بيقول كلام في سرَّه قالّي:
-في القَبر اللي جَنب اللي اندَفن فيه “سيّد”!
ولقيتني بقولّه وأنا مَذهول:
-معقول؟! في قَبر صديقه اللي كان شغّال معاه على العربية؟!
وساعِتها الشِّخ هز راسه كده وقالّي:
-بالظَّبط.
كُل ردود الأفعال اللي مُمكن أتوقّعها؛ مَكَنِتش تكفّي الصّدمة اللي كنت فيها، لكن مِلقِتش على لساني غير إنّي قولتله:
-أنا هحاول أفتَح القَبر بأي طريقة، وأطلَّع العَمل دَه.
لكن ساعِتها الشِّيخ ابتَسم كِدَه وقالّي:
-مالوش لزوم يابني، العَمل بيِفسَد؛ بمجرَّد ما اللي مقصود منّه يموت.
***
تمَّت…