صحيت من النوم مفزوع كأن البيت بيتهد، مالحقيتش أغمض ساعتين بعد ما رجعت من الشغل، كنا قُرب صلاة العشاء، زعيق وتخبيط وأصوات خناقة كبيرة، جاية من الشقة اللي تحتنا، وفهمت من ضمن الكلام، إنهم جابوا شيخ أو معالج عشان جمال جارنا، لأنه بقاله مدة كبيرة منعزل عن الناس، بيحبس نفسه في أوضته بالأيام، لا بياكل ولا بيشرب – زي ما أمه بتقول – ومؤخرًا بقت تدخل عليه، فتلاقيه عريان كما ولدته، وكاتب حاجات على الحيطة، لحد ما قالت إنه ملا الحيطة كلها كلام غريب، أرقام، وحروف، وآيات قرآنية مكتوبة بالعكس، ورسومات شكلها غريب، وكانت ناوية تشوف حد يقرأ عليه ولا يعالجه، وشكلها فعلاً نفذت كلامها.
نزلت جريت على تحت بسرعة، ولقيت كل جيران العمارة في شقتهم، ودخلت، ولأول مرة أكون مصدوم بالصورة دي، حيطان أوضة جمال كلها طلا.سم، بالكامل، مفيش فراغ يذكر، زي ما أمه قالت فعلاً، وزيادة على كلامها، إن الرسومات دي منها عين بشرية واحدة داخل مثلث، أو مثلثات ودواير متقاطعين ومتداخلين، والرسومات متقنة جدًا، كأن رسام عالمي اللي رسمهم، كمان الأرقام ليها طابع غريب جدًا، مكتوبين آه بشكل عشوائي، لكن ليهم انطباع إن كتابتهم بالطريقة دي، ما هي إلا لغرض ما مدروس ومعمول حسابه كويس أوي، الأغرب إن كل مجموعة أرقام، مجموعهم فيه رقم ١٣، يعني ١٣، ١١٣، ٢١٣، ٣١٣ .. وهكذا، وأعتقد على حد علمي، إن الرقم ١٣ ليه علاقة مباشرة بالsحر والتحضير وخلافه، ناهيك بقى عن الآيات القرآنية المكتوبة بالعكس، أو بحروف مقطعة، أو لفظ الجلالة بالعكس “استغفر الله العظيم”.
جميع ما على الحيطان بالحبر الأحمر، فكأنك دخلت أوضة حيطانها مليانة د.م، إحساس يقبض القلب ويرعب اللي مايترعبش.
وكان جمال قاعد على سريره، وضهره للمعالج، والمعالج بيقرأ آيات بصوت عالي ومنفر، فقاطعتهم بغضب:
– صدق .. صدق، هو إيه ده؟ في إيه بيحصل؟
كان بيني وبين جمال دايمًا الخير، وبصراحة عمري ماشفت منه حاجة وحشة، وكمان أسلوب المعالج ده كان غريب، على الأقل عليا، فده خلاني أدخل واخليه يوقف اللي بيعمله، فقالي بأسلوب استفهام واستغراب:
– مين أنت؟
وبص للست والدة جمال وأخواته وبعض الجيران وقال بنفس الأسلوب:
_ مين ده يعني؟
قولت له بزعيق:
_ ده أسلوب قارئ للقرآن، وهل العلاج يكون بالطريقة المنفرة دي؟ وكلكم بتتفرجوا عليه كأنه حيوا.ن جوه قفص، اتق الله يا عم.
جمال التفت ومعاه مصحف في إيدخ، وبدأ يزعق له:
_ أنا حافظ لكتاب الله، وأكتر من ألف حديث، أنا لا ملبوس ولا ممسوس، اخرجوا، ابعدوا عني، غوروا في داهية.
بدأ يتشنج ويتلوى، فاضطرينا نتجمع كلنا ونسيطر عليه لحد ما منعنا الغضب اللي جواه أنه يخرج، قوته ضعفت وبقى في حالة هدوء، وخرجت الناس بره الأوضة، وطلبت من أخواته يلبسوه حاجة نضيفة، بدل الجلابية اللي كان لابسها، واللي كان باين عليها الاتساخ والعفونة، وكأنه ماغيرهاش من أسبوع!.
قعدنا بره، الراجل يبص لي بقرف، وأنا أبص له بهدوء، لحد ما قطعت النظرات وسألته:
_ منين يا مولاهم؟
قال بغضب:
_ اتكلم كويس وبأدب. اتكلم مع اللي أكبر منك بأدب.
_ أيوه يعني سيادتك منين؟
خرج من الأوضة جمال وأخواته معاه، فقطع ظهورهم كلامنا، كان باين على جمال الهدوء والاتزان، وقعدوا على الأرض، فقال المعالج لجمال يسأله:
_ ممكن تقولي اسم الشيطان اللي رسم الطلاسم دي؟
ضحك جمال وقال له:
_ أسأله أنت، مش أنت معالج روحاني، وبتعرف لغة الجن والنمل البنفسجي، كلمهم بقى وأسألهم.
ضحكت أنا، وده خلى المعالج يشيط ويغضب أكتر:
_ رد عليا، اسمه إيه الشيطان اللي رسم الطلاسم، أمك بتقول أنت يا دوب كنت بتقرأ وتكتب بالعافية، وسيبت المدرسة من الإبتدائية، يبقى اللي رسم الحيطان كده جن بيساعدك، وهو اللي بيجيب لك أكل، لأنك برضو مابتاكلش الأكل اللي هي بتعملهولك.
جمال سكت شوية، ومعاه كلنا سكتنا، كان مبتسم ووشه للأرض وبيهز دماغه بسخرية، وبعد دقيقة، رفع وشه وقال بثقة المعالج:
_ زي ما قولت لك، أسأل الجن.
وبص لي بسرعة وقال:
_ مش هحكي إلا لكريم، ونكون لوحدنا.
بعد مهاترات كتير، الكل امتثل لرغبة جمال، وقاموا وسابونا لوحدنا، قبل ما أسأله هو اتكلم بصوت مخنوق ساخر كئيب:
_ أنا آه ماكملتش بعد الإبتدائية، بس هما السبب، خرجوني من المدرسة لأني الأصغر، والفلوس اللي بتدفع لي، أخواتي الكبار أولى بيها، واجبروني أنزل الشغل مع أبويا، مقاولات ومعمار، شقى وتعب على الرجالة، فتخيل عيل عده ١٠ ولا ١١ سنة، بس رضيت، واشتغلت، ومن وراهم كنت بروح عند مدرس في السر يعلمني، اكتب واقرأ، ولما كبرت بقيت اشتري كتب واقراها، وكل كتاب اقراه احر.قه عشان مايعرفوش اني بقرأ وبعلم نفسي.
ولما كبرت وحبيت اتجوز، وعرفوا إني محوش لي قرشين، خدوهم مني وقالوا اخواتك الكبار أولى، أنت لسه صغير على الجواز، يا دوب ٢٤ سنة، إنما إخواتي داخلين على الأربعين، من يومها وأنا مش أنا، فيا حاجات عكس حاجات، بقيت أحب اقعد لوحدي، وقررت اتجنن، قررت أخرج كل اللي جوايا بطريقة ترعبهم، وتخليهم يندموا إني موجود، وأهو تيجي منهم ويمكن يموتو.ني، ويشيلوا ذ.نبي في كل حاجة.
جمال مكنش مستني مني أي رد، لأن أي رد كان هيعتبره إهانة ليه، هو بس كان عايز يتكلم، يتكلم وبس .. سلمت عليه وندهت اخواته، وقولت لهم يسيبوه في اوضته براحته، وهو ماكدبش خبر ودخل اوضته بسرعة وقفل الباب، وقبل أي مناهدة، قولت لهم:
_ جمال ضحيتكم، وانتوا كلكوا مشتركين في وصول حالته للمرحلة دي، جمال حكى لي كل حاجة، جمال مريض نفسي، عنده كوكتيل أمراض وعُقد، وفوبيا من صح حاجة، أولها أنتم، وانفصا.م في الشخصية، جمال عايش بشخصيتين، شخصيته الأساسية والشخصية اللي أنتوا صنعتوها، وللأسف شخصيته الأساسية مش قادرة تقاوم الشيطان اللي جواه، بس مش شيطان لبس ومس، ده شيطان نفسه … أنا كمان كام يوم هكلم حد معرفة شغال في مسحة نفسية عشان يقول لدكتور يجي يشوفه، أو نرتب إزاي ممكن نوديه المصحة .. سلام.
عشان أكون أمين، جمال من يومه منطوي وفي حاله، وأنك تقابله من النوادر، ولو قابلته فمش هتفتكر له إلا الخير، الناس في مجتمعنا بتعمل كل حاجة تخلي غيرها بتجنن ويكره الدنيا ياللي فيها ونفسه، بيحولوا الإنسان من شخص سوي مقبل على الحياة، لشيطان، أو مجنو.ن، أو سجين جوه الدنيا نفسها لحد ما يتحرر بالموت، جمال استخدم اللي يعرفه بالغلط، بس وهو مغيب اصلًا، وهو خلاص كان فقد عقله، ومش هنكر إن يكون في وسوسه من الشيطان علمته بطريقة ما يكتب الحاجات دي، زي أنه يشتري كتب وينقش اللي فيها على الحيطان، عشان زي ما قال يخوفهم، بس من معرفتي وقناعتي الراسخة، إن الممسوس والملبوس – ده لو افترضنا إن ده حقيقي يعني – عمره ما يصلي ولا يقرأ قرآن ولا يمسك مصحف، ده بمجرد ما هيسمع حرف واحد من القرآن هينهار.
جمال النهارده ما.ت، وعشان كده حبيت أحكي حكايته، دخلوا عليه الأوضة لقوه ميt، أزمة قلبية نتيجة اكتئا.ب حاد.
تمت..