#عربية_العيش
#الجزء_الاول
وقت ما كان عم جاد موجود عندي في القاهرة، وبعد ما اتغدينا سوا وقعدنا على قهوة بلدي في السيدة زينب، طلبنا المشاريب، طلب هو شاي تقيل وانا طلبت قهوة كعادتنا، بس وقت ما كنا بنشرب الشاي والقهوة، بصيتله وانا ساكت شوية وبعد كده سألته..
-ها ياعم جاد، ايه رأيك في اكلة السمين اللي ضربتها على حسابي من عند بحة؟!
شرب شوية من شايه وبعد كده حطه قصاده ورد عليا وهو بيضحك..
-من عند مين؟!
-بحة ياعم جاد.. المطعم اللي اكلنا من عنده اسمه بحة.
-بحة!.. ياخي…
-ايييه ياعمنا.. اييه.. هنأبح ولا ايه؟!.. عارف انا الأفيه ده، صلي عالنبي كده ياعم جاد، القهوة زحمة وشكلي هيبقى وحش.
-ده على أساس ان شكلك كده حلو يعني وانت بتقول بحة ومش مكسوف!، وبعدين البحة دي عندنا في البلد يعني البطة الصغيرة.
-اهو.. بدأنا بقى درس في المصطلحات، عم جاد، سيبك من اسم المطعم خالص وقولي ايه رأيك في السمين اللي ضربته على حسابي.
-سمين وعلى حسابك!، هو انت ياواد بتسمي الممبارتين وحتتين الكفتة دول سمين؟.. لا وبتنجعص اوي وبتقولي على حسابك!، حساب ايه ياابو حساب، ياض دي السلطة كانت ماتتاكلش والعيش كان بايت.
-استغفر الله العظيم… هو انت مابيعجبكش العجب ابدًا؟!، لا الاكل عاجبك، ولا السلطة عاجباك، ولا اسم المطعم عاجبك، حتى العيش يامؤمن بتقولي انه كان بايت، مع انه والله كان طري وزي الفل.
-العيش برضه اللي طري!
-عم جاد.. قصدك ايه؟
-اقصد ان مش العيش هو اللي طري، انتوا اللي جيلكوا كله طري ومدهنن، بالظبط زي الأكلة المشمومة اللي أكلتهالي.
-ياعم هو انت مابتقولش شكرًا ابدًا، ماعندكش الكلمة دي في قاموسك؟.. لا وطبعًا هتقولي ان زمان، او على ايامكوا يعني، الاكل كان مليان خير والسلطة كانت فتة والعيش كان عامل زي الفطير.
-انت بتقول فيها، طب والله انا كنت هقول كده فعلًا.. حاكم احنا في البلد زمان، العيش عندنا كان بيتعمل في البيوت، اصل وقتها ماكانتش لسه ظهرت الافران بتاعت دلوقتي، طب تعرف، حتى لما الافران بتاعت زمان فتحت، كان عيشها يتاكل حاف.. اااه.. الله يمسيه بالخير الواد مظهر المصراوي، كان يعدي بعربية العيش الصبح ويلف عالبيوت وينادي بعلو حسه.. ايوووه اعييييش.
-وانتوا كنتوا بتشتروا منه بعد ايووه اعيش دي!، ثم ايه عربية العيش دي، انت مش قولت ان كان في افران وقبلها كنتوا بتعملوا العيش في البيت!
-ياجاهل، ما اهي عربية العيش دي، هي اللي كانت زمان بتاخد العيش من الافران وتوزعه
الجزء_الثاني
عالبيوت.
-والله!، انا اول مرة اسمع الحوار ده.
-ما انت عشان من جيل الفيس توك والمحمول، اكيد ماتسمعش عن عربية العيش، ياااه.. كانت ايام، الله يمسيك بالخير يامظهر، كان شاب طيب، ورغم انه مش من بلدنا، الا اننا حبيناه واعتبرناه واحد مننا، ولما حكى حكايته لابو جدي، صدقه طوالي واتعاطف معاه كمان.
-حكاية ايه ومين مظهر ده اساسًا؟
-مظهر ده كان اول واحد اشتغل على عربية عيش في بلدنا، وعلى فكرة، الشغلانة دي كانت شغلانة ابوه وورثها عنه، والحمد لله انه ورث عنه الشغلانة ونقلها لنا وبس، ايوه، الحمد لله انه ماجابش معاها عربية العيش المسكونة.
-عربية عيش ومسكونة!، لا ده الحوار شكله كبير، استنى بقى، انا هطلب قهوة دوبل غير اللي بردت دي عشان اسمع منك بمزاج… ياريس، قهوة زيادة بس دوبل.
بعد ما طلبت القهوة وجتلي وبدأت اشرب منها، ابتدا عم جاد يحكيلي حكاية مظهر وعربية العيش المسكونة، الحكاية اللي لما تسمعوها، هتتأكدوا ان مش كل الشياطين مكانهم تحت الأرض، لا، ده في منهم كتير اوي وعايشين وسطنا.. وكانت بداية الحكاية من عند كلام عم جاد اللي قرب مني عشان اسمعه كويس، وبعد ما قرب اتكلم وقالي..
-مظهر حامد العربي، شاب غلبان جه من القاهرة لبلدنا هو وامه مراته، ووقت ما جه، ماكنش لاقيله شغلانة ولا عارف يتصرف، ولما حاول يشتغل في الفلاحة او في حاجة تانية، ماعرِفش، ومن هنا جتله الفكرة.. بنى زي مكان كده جنب البيت اللي خده، وفتحه مخبز، ولأنه كان ساكن بعيد عن بيوت البلد المترصصة جنب بعض، عمل عربية خشب وبقى يحط عليها العيش اللي بيخبزه هو واهله، ومن النجمة، كان يفوت عالبيوت ويبيعلهم العيش المخبوز وهو جاهز.. في الأول اهل البلد كانوا مستغربينه وكارهين شغلانته، اللي يقولك انه بكده بيخلي الحريم يريحوا دماغهم ومايخبزوش، واللي يقولك بس، احنا بقينا في اخر الزمن، حتى العيش بقى يتباع جاهز، بس مع الوقت، ولما اهل البلد عاشروا مظهر، ابتدوا يحبوه واتعودوا على العيش بتاعه، ومش بس اتعودوا عليه، دول كمان حبوه وبقوا يستنوه عشان يعدي كل يوم الصبح عليهم ويبيعلهم العيش، وبس، لحد هنا الدنيا كانت ماشية والحياة كانت زي الفل، لكن مظهر نفسه بقى، كان وراه حكاية، وحكاية كبيرة اوي كمان، قصة وحياة سابهم وراه في القاهرة وجه بسببهم لبلدنا، والحكاية دي ماحدش كان يعرفها لحد ماهو بنفسه حكاها لابو جدي زي ما قولتلك، وانا بقى، هحكيهالك على لسانه، زي ماهو حكاها بالظبط…
عربية_العيش
الجزء_الثالث
كنت واقف قصاد البيت بتاعنا، الدنيا كانت ليل، عمدان النور ماكانتش منورة، بصيت حواليا للشارع الفاضي وبعد كده بصيت لعربية العيش المحطوطة جنب باب البيت، ومع بصتي ليها، سمعت من جواها أصوات خبط!.. ازاي ده؟!، معقول يكون حد دخل ونام جواها؟!، بس ازاي؟، العربية اصلًا هي عربية كارو، وفوقها، في صندوق خشب كبير وجواه أرفف عشان يترص عليهم العيش اللي بلف وبوزعه على الناس، سواء انا او ابويا الله يرحمه قبل مني.. الله!، ده خبط تاني، والمرة دي أوضح!
قربت من العربية وفتحت الشنكل بتاع بابها الخشب الصغيى، كنت خايف وببلع ريقي بالعافية لا الاقي قطة نطت في وشي ولا حاجة، بس لأ، الخبط اللي انا سمعته ده خبط بني أدم، كأن حد قاعد جواها وبيخبط بكفوف ايديه الاتنين!.. انما وبرغم من اني كنت خايف، الا اني قربت بهدوء وابتديت ابص جوة العربية، ماكنتش شايف حاجة، الدنيا ضلمة ومافيش حاجة واضحة، لكن في اللحظة دي، سمعت من ورايا صوت خطوات.. خرجت راسي من العربية ولفيت، ومع لفتي اتفزعت ورجعت لورا، اللي شوفته قصادي على نور القمر، خلاني اتنفضت وكأن عقربة قرصتني، اللي قصادي كانت جثة واحدة ست لابسة فستان مليان دم، بس المشكلة مش في ظهورها المفاجئ ولا في فستانها ولا في الدم اللي عليه، المشكلة الأكبر ان الست دي.. كانت من غير راس!
قربت مني بخطوات ثابتة، كانت رافعة ايديها قصادها وكأنها زي الضرير، بتلوش بايديها شمال ويمين عشان توصلي، ومع خطواتها البطيئة وحركتي اللي ثبتت واتشلت فجأة، وصلتلي، او بالظبط يعني، ايديها طالت رقبتي وابتدت تخنق فيا.. نَفسي اتكتم وحسيت ان انا بموت، لكن الحمد لله، قبل ما تموتني، سمعت صوت مراتي..
-مظهر.. يامظهر.. قوم يااخويا.
فتحت عيني وانا باخد نَفسي بالعافية، بصيت حواليا وانا مبرق، انا كنت على سريري ونور الشمس داخل من شباك الأوضة المفتوح، ومراتي، الحمد لله كانت جنبي.. لما استوعبت ان انا كنت نايم وبحلم، حمدت ربنا في سري، اما مراتي نفسها، فطبطبت عليا وهي بتحاول تهديني..
-جرى ايه ياابو حامد، مالك؟!، انت كنت بتنازع وانت نايم ولا ايه؟!
-كابوس ياغالية، كابوس غتيت ومالوش معنى.
-خير اللهم اجعله خير، طب بقولك ايه، ماتحكيهوش بقى لا يتحقق.
-لأ، يتحقق ايه، ده لو اتحقق تبقى مصيبة سودا.
-طب انسى بقى وروق كده ويلا قوم، انا حضرت الفطار.
سمعت كلامها وقومت غسلت وشي وقعدت فطرت معاها هي وامي، وبعد ما فطرت، دخلت بوست الواد حامد ابني اللي عنده ٦ شهور، وبعد كده غيرت هدومي وخدت بعضي ونزلت، خدت الحمار بتاع العربية من العربخانة اللي بيبات فيها كل ليلة، ورجعت عالبيت تاني.. ربطت الحمار في عربية العيش اللي كنت ببصلها وانا قلقان، ماعرفش ليه كنت خايف منها، ومش بسبب الحلم، لأ، انا من وقت موت ابويا، ومن بعد ما اشتغلت مكانه عليها، وانا بقيت بخاف منها، ده بالنسبة للعربية، اما بقى عن موت ابويا، عم حامد بتاع العيش، فدي قصة كبيرة، بس لازم تعرفها.
من كام يوم وعلى العصر كده، ابويا كان رجع من شغله، وانا كمان كنت رجعت من شغلي في فرن العيش اللي بشتغل فيه، وبعد ما اتغدينا وريحت شوية، صحيت على العشا كده، بس وقتها، ولما مالقتش ابويا في البيت وسألت عليه، امي قالتلي انه نزل من المغرب وراح مشوار بالعربية!.. لما قالتلي كده استغربت، مشوار ايه ده اللي هيروحه بالعربية وقت المغرب؟!، وقبل ما الأسئلة تكتر في دماغي وابدأ افكر في هو فين، او راح بالعربية ليه، سمعت من الحارة صوت دوشة، في اللحظة دي قولت بيني وبين نفسي ان وقت المصيبة جه، ايوه، مصيبة، ماهو من فترة، (الريس كيال) كبير المشاديد، خرج عن طوع الريس بتاعه، (المعلم كارع)، والمعلم كارع ده يبقى هو فتوة حارتنا، او مش فتوة بالمعنى المعروف، كده كده الفتوات وقتهم راح من سنين، بس هو، كان لسه شايف انه فتوة زي جده وابو جده، ولأنه راجل كبير والحارة كلها بتخاف منه، وكمان عنده اكبر محل جزارة في منطقة الغورية كلها، فالناس كانوا بيسمعوا كلامه وكان هو اللي بيحميهم هو ورجالته من أي حرامية، او حتى ناس مش تمام من برة المنطقة، لكن الوضع ماستمرش على كده.. ده من فترة، الصبي بتاعه، او زي ما كان كارع مسميه (كبير المشاديد)، اتقلب على كارع نفسه وقاله انه خلاص، مش هيشتغل عنده تاني، لا وايه، ده كمان وقف قدامه واتحداه لما رفض انه يجوزه بنته، وبعد ما اترفض، قاله انه هياخد كل الرجالة وهيفتح محل جزارة كبير وهيضاربه في السوق، وبس، من هنا جت المصيبة، الرجالة القُدام اللي كانوا شغالين مع كارع قبل ما كيال يبقى دراعه اليمين، وقفوا في صف المعلم الكبير، وطبعًا الرجالة او الشباب اللي سنهم صغير، واللي اتربوا على ايدين كيال، خدوا صف المعلم الصغير، ومن هنا لهنا الدنيا كانت هتهدا والحال كان هيمشي، عادي يعني، مش اول اتنين جزارين يضاربوا في بعض، لكن اللي حسسني وحسس اهل الحارة ان في مصيبة هتحصل، هي معاملة رجالة كيال لرجالة المعلم كارع، كانوا بيتلككوا لهم في الرايحة والجاية
#عربية_العيش
#الجزء_الرابع
وامبارح بالليل، اتلموا رجالة كيال على واحد من رجالة كارع ونزلوا فيه ضرب لحد ما عدموه العافية، ومن بعد اللي حصل، كلنا كسكان للحارة، كنا عارفين ان المصيبة هتحصل هتحصل، واهي، حصلت، وبدايتها كانت من عند صوت الدوشة اللي سمعته بعد ما عرفت ان ابويا راح مشوار بالعربية.
وقتها خدت بعضي وخرجت ابص من شباك البيت عالحارة، واللي توقعته لقيته بيحصل قدامي، رجالة كيال ورجالة كارع عمالين يدغدغوا في بعض، بالسلاح الابيض والنبابيت والشوم، مافيش تفاهم، ولا تفاهم ايه، دي مافيش اي كلام ممكن يهدي اللي بيحصل، وفي نفس الوقت برضه، مافيش حد من الأهالي كان يقدر يخرج من بيته او يحوش، بس فجأة، ووانا واقف بتفرج عالعركة، لمحت عربية العيش بتاعت ابويا وهي جاية من على أول الحارة، ركزت شوية وحاولت انده عليه واقوله ارجع، بس ماسمعنيش، ولا حتى كان مركز معايا، ده كان ماشي بالعربية لحد ما وقف في نص العركة بسبب الضرب الشديد، ومع الضرب، وقف ابويا يحمي العربية ويبعد اللي بيتخانقوا عنها.. وفي اللحظة دي، حسيت بالخوف عليه، وبسبب احساسي، دخلت اغير هدومي ونزلتله، وعقبال ما غيرت ونزلت، مالقتش حد من اللي بيتخانقوا، انا.. انا لقيت الأفظع من الخناقة، ابويا كان مرمي جتة جنب العربية ودماغه حرفيًا مفتوحة، ولما بقول حرفيًا، فانا اقصدها، ابويا راسه كانت متكسره لدرجة ان مخه كان طالع لبرة!
قعدت جنبه وفضلت اصرخ زي العيل الصغير، ابويا وكل ما ليا في الدنيا، راح، اتقتل في وسط الخناقة على ايد حد من رجالة كيال، او رجالة كارع، طب مين في دول ولا دول اللي قتله، مش عارف، طب هل لو عرفت، هقدر اخد بتاره!؟.. اكيد لأ، انا اقل بكتير من انا اعمل ده، طب ايه العمل، اسيب الأمر للحكومة وهم اللي يجيبوا اللي عملها؟!، ماشي، هسيب الحكومة تتصرف، بس مع الأسف، الحكومة ماتصرفتش، ده ابويا بعد ما اتشال من اهل المنطقة اللي نزلوا ووده عالمستشفى، وبعد ما اتأكدنا انه مات وغسلناه ودفنناه، الحكومة وبتوع النيابة جم يحققوا ويسألوا، وياريتهم عرفوا يوصلوا لحاجة، مافيش حد، لا من رجالة ده كان بيتكلم، ولا من رجالة ده كان بيعترف على اللي عملها، واخرتها، حق ابويا تاه وسط الاتنين، اما انا، فانا كنت مغلوب على أمري، الغُلب ومسؤولية مراتي وابني، خلوني سيبت الفرن اللي كنت بشتغل فيها، وخدت عربية العيش بتاعت ابويا واشتغلت عليها، كنت بروح الفرن كل يوم الصبح اجيب منها العيش، وبعد كده الف وابيعه للناس جوة الحواري، وبعد كام نقلة، ارجع للبيت وانا معايا فلوس من مكسب العيش، وفلوس من الفرن اللي كان صاحبها بيراضيني بأي قرشين، وهو ده اللي حصل يومها، بعد ما خرجت من الحارة وانا راكب العربية اللي كنت مقلق ومتشائم منها، روحت الفرن وبدأت اشوف شغلي، وبعد ما خلصت، رجعت الحارة بالعربية وانا ببص لرجالة كيال وكارع اللي كانوا اتلموا شوية بعد موت ابويا، نظراتي ليهم كانت مليانة غل وكره، كان نفسي اولع فيهم واحد واحد، لكن اهو.. ماباليد الحيلة، انا فضلت ساكت لحد ما وقفت العربية في مكانها جنب باب البيت، وبعد كده فكيت منها الحمار ووديته العربخانة، ولما ظبطت كل حاجة وطلعت البيت وغيرت هدومي، مراتي قالتلي حاجة غريبة اوي..
-اسكت يامظهر، مش احنا طابخين النهاردة لحمة.
-لحمة!، ودي جيبتوها منين دي، ده البيت ماشي بالزق!
-لأ، احنا ماجيبنهاش، دي امك لما فتحت الباب بعد ما انت نزلت، ووقت ما كانت رايحة السوق، لقت قصاد الباب ورقة فيها لحمة، فخدتها ودخلتهالي ونزلت اشترت الحاجات اللي ناقصانا، ولما رِجعت، عملتهالك على الخضار اللي هي جابته.
-هو ايه اللي لقت ورقة لحمة وعملتهالك على خضار، هي الحداية بتحدف كتاكيت ولا ايه!.. يامااا.. ياام مظهر.
-ايوه ياحبيبي.. مالك.. بتزعق كده ليه؟
-ايه قصة اللحمة اللي انتي لقيتيها قصاد الباب دي؟!
-ده رزق ياابني، رزق وربنا بعتوهولنا، نقول للرزق لأ؟
-رزق ايه ده اللي بيتحط قدام الباب من غير ما يبقى معروفله صاحب؟
-الله اعلم مين صاحبه، بس ربنا هو اللي عالم بحالنا وغني عن سؤالنا.. وبقولك ايه، ماتشغلش بالك وتفكر كتير، غَير انت هدومك وروق نفسك ويلا عشان تتغدا، دي البت غالية عاملالك بامية باللحمة، تاكل صوابعك وراها.
بعد كلام امي مابقتش لاقي كلام اقوله، او بمعنى أصح، انا كان جوايا كلام كتير بس ماينفعش يتقال، ومن ضمن الكلام ده مثلًا، ان ممكن يكون كيال هو اللي بعت اللحمة دي، وده معناه حاجة واحدة بس، اكيد واحد من رجالته هو اللي قتل ابويا، وعشان كده بيحاول يريح ضميره بورقة اللحمة اللي بعتهالنا، انما لأ، مين ده اللي يريح ضميره بلحمة ولا يعمل خير من اساسه حتى لو كان قاتل!، الكيال ده من زمان وهو راجل ناقص، ايديه متعاصة دم وافترا وإتوات من الناس الغلابة، طب لو مش كيال، يبقى مين؟!، عم كارع!، معقول يكون واحد من رجالته هو اللي قتل ابويا، ولما عرف وشاف حالتنا الكرب، بعتلنا لحمة عشان يتصدق بيها علينا؟!
#عربية_العيش
#الجزء_الخامس
وطيت ومسكته وفتحته، وبمجرد ما فتحته، برقت، كان جواه فلوس كتير، بالتحديد خمسة جنيه.. خدتهم ودخلت بيهم لامي وحكيتلها اني لقيتهم قصاد الباب، وطبعًا امي بما انها ست كبيرة وغلبانة، وبما ان برضه حالتنا على القد اوي، فهي خدت الخمسة الجنيه ورفعت ايدها للسما وفضلت تحمد ربنا وتشكره على الرزق اللي بيتبعتلنا من غير ما نعرفله صاحب ده، وفي وقت ما كانت امي بتدعي، فجأة سمعت من الحارة صوت دوشة، زعيق وشتيمة وخبط رزع، فطبعًا ومن غير ما افكر كتير، عرفت ان العركة بين رجالة الكيال ورجالة كارع، رجعت تشتغل.
جريت ناحية الشباك وفتحته وبدأت اتفرج، كنت مركز معاهم وانا بدعي ربنا في سري ان كلهم يخلصوا على بعض، بس مع الوقت ولما الخناقة اتفضت، كان في كسبان وخسران، واحد هيفرض سيطرته على الحارة، والتاني هيعيش الباقي من عمره مشلول، وده بعد ما اتضرب على رجله ضرب شديد اوي، وبسببه، حرفيًا مابقوش نافعين.. طب مين اللي كسب ومين اللي اتوكس؟!، كارع.. العضمة الناشفة بتاعت الحارة واساسها، هو ورجالته كلوا كيال واللي معاه، علقة موت، ومن بعدها، الحارة بقت ساكتة، المولد اتفض، حتى الحكومة لما جت، مالقتش حد موجود، ولما مالقوش حاجة وعرفوا ان كان في خناقة واتفضت، سابوا الحارة ومشيوا، ومع الهدوء والسكوت وضلمة الليل، الناس قفلوا ابوابهم وشبابيكهم وابتدوا يناموا عشان يشوفوا اشغالهم الصبح، وفي نفس الوقت برضه، عشان يستعدوا لليوم الطويل اللي هيبقى مليان حكايات عن العركة وعن رجوع كارع لمكانته اللي يستحقها من تاني، طب وانا؟!، انا زيي زي بقية اهل الحارة، قفلت الشبابيك وباب بيتي، ودخلت على فرشتي وسرحت في السقف، دماغي مابطلتش تفكير عن اللي جاي وعن اللي قتل ابويا، ومن كتر التفكير وشقى اليوم اللي حَل عليا، غمضت عيني وروحت في النوم.
صوت هوا شديد، ومعاه، صوت كلاب كتير من حواليا.. فتحت عيني بالراحة وابتديت ابص، انا ماكنتش في بيتي ولا على سريري ولا في الحارة حتى، انا كنت في حتة ارض فاضية، وقصادي، كان في حد واقف من بعيد، ماكنتش مجمع ملامحه ولا عارف هو مين بسبب الضلمة، يادوب بس كنت شايف هيئته هو وال.. ايه ده؟!، اللي قدامي وعلى مسافة بعيدة ماكنش الراجل لوحده، ده كان الراجل ومعاه ست، كانوا ماشيين جنب بعض وكأنهم بيتكلموا، ومع مشيتهم البطيئة، الراجل وقف مرة واحدة ولف ورا الست ودبحها، ومش بس دبحها، ده زي ما يكون فصل راسها عن جسمها، لأ، زي ما يكون ايه.. ده هو فعلًا فصل راسها، ايوه، واكبر دليل على كده انه وطى ومسك الراس بإيد، وبالإيد التانية كان بيسحب جثة الست الميتة.. مشي بالعافية وهو بيجرجرها، كان بيقرب مني، وفي اللحظة دي جسمي كان بيترعش وبيتنفض لوحده، ماعرفش ليه حسيت ان اللي انا شايفه ده بشوفه لسبب معين او فيه حاجة تخصني، ورغم احساسي بأني لازم اعرف مين الراجل ده، الا إني خوفت وابتدت ارجع لورا، ووقت رجوعي، اتخبطت في حاجة او في حد، غصب عني لفيت وبصيت عشان اشوفها قدامي، نفس الجثة اللي شوفتها في الحلم اللي فات، بنفس هيئتها، جثة بس من غير راس!
رجعت لورا من تاني بس بخطوات اسرع، كنت عايز اهرب منها بس ماعرفتش، كانت هي اسرع مني، ولما قربت وانا لسه برجع وبحاول ابعدها عني، ومن غير أي سابق إنذار، زقتني بكل قوتها عشان لورا، ولما وقعت، ماوقعتش عالأرض، انا وقعت جوة قبر!
حاولت اقوم واعافر عشان اخرج، ماعرفتش، القبر او الحفرة اللي انا اتحدفت جواها دي، كانت غويطة اوي، غويطة لدرجة ان وانا واقف جواها بطولي، ايديا ماكانتش جايبة نصها، ضلمة ترعب، صوت هوا شديد ومعاه اصوات كلاب، وفوق ده كله، القبر ابتدا يتردم.. ايوه، في حد ظهر من فوق وابتدا يحدف عليا التراب، كان بيدخل في عيني وجوة بوقي، حاولت اصرخ واستنجد بحد يلحقني، مافيش، انا خلاص، كنت بموت، ووقت صرخاتي وتلويشي شمال ويمين، صحيت من النوم، كنت باخد نَفسي بالعافية، والمرة دي، غالية ماكانتش جنبي ولا حد صحاني، انا صحيت لما كنت خلاص بتخنق من التراب اللي دخل في بوقي.
بلعت ريقي ومسحت وشي بإيدي وقعد على السرير، استغفرت ربنا وشربت شوية مايه من القُلة اللي جنبي وبعد كده خرجت، امي كانت قاعدة على الكنبة اللي في الصالة، فصبحت عليها، ولما سألتها على غالية وابني، قالتلي انهم نايمين في أوضتها من وقت الفجر عشان الواد كان بيعيط وغالية كانت عاوزاني انام براحتي، بوست ايديها وبعد كده دخلت الحمام وخرجت فطرت انا وهي، وبعد كده نزلت على أكل عيشي، وبعد ما اليوم خلص، ووانا راجع الحارة، بصيت للي واقفين، كانوا رجالة المعلم كارع مالين الحارة، اما كيال ورجالته، فدول اختفوا والمحل اللي خدوه كان مقفول.. اتمشيت وانا ببص حواليا بقرف وضيق لأن دي الحارة اللي اتقتل فيها ابويا، وقبل ما ادخل من باب البيت، سمعت صوت من ورايا.
#عربية_العيش
#الجزء_السادس
-استنى يامظهر.. عايزك.
لفيت وبصيتله، كان كارع!
-خير!
-مش هينفع نتكلم في الشارع، خلينا نطلع عندك عشان نتكلم على راحتنا.
جاريته في الكلام وخدته وطلعت على البيت، لكن واحنا طالعين ولحد ما قعدنا، كان جوايا احساس بيقولي ان حد من رجالته او هو نفسه اللي قتل ابويا، بس الاحساس ده اتبخر لما هو بدأ يتكلم..
-شوف يامظهر ياابني، انا..
-بس ماتقولش ابني، انا مش ابنك وعمري ما هبقى زي ابنك.
-كنت عارف ان شيطانك هيقولك ان انا او حد من رجالتي اللي كنا السبب في موت ابوك، لكن لأ، انت ابوك كان صاحبي وحبيبي، انا وهو متربين سوا، ولو كان حد من رجالتي هو اللي عملها، كنت جيبت رقبته في يومها وعلقته على باب الحارة، إنما لأ، مش انا ولا رجالتي لينا يد في اللي حصل، ده ابوك لما دخل الحارة وقت العاركة، اتخض، وبسبب خضته وخوفه عالعربية لا تتدغدغ، نزل من عليها وحاول يحميها ويعدي وسط الرجالة، ولما كان بيعدي، حد من رجالة المدعوق اللي اسمه كيال، نزل بالكذلك على دماغه، ولما شاف الدم هو وبقية الرجالة وانا معاهم، جرينا، اه، دي جناية قتل، يعني الكل كان هيجي في الرجلين، بس تعرف، انا ماسكتتش، انا جيبت حق ابوك والواد اللي عمل كده مات في العاركة بتاعت امبارح، جيبت أجله بإيدي، وهو كده كده زيه زي باقي رجالة الكيال، عيال مقاطيع وصيع ومالهمش أهل، يعني لا حد هيسأل عليه ولا هو ولا اللي وقعوا امبارح، واخرتها ايه، كلهم اندفنوا في مقابر الصدقة والكيال بعد ما اتشل، ساب الحارة، وماحدش بقى يعرفله طريق… وصدقني ياابني، انا مابكدبش عليك، ولو مش مصدق، هاخدك من ايدك واخلي رجالتي كلهم يحلفوا لك عالمصحف ان ده اللي حصل.
-طب واللحمة والفلوس اللي..
-انا اللي بعتهم لما لقيت انكوا محتاجين، وزي ما قولتلك، ابوك كان زي اخويا الله يرحمه بالظبط، وعشان كده انا مايخلصنيش انكوا تفضلوا في الزنقة اللي انتوا فيها دي، وعشان كده كمان، انا فكرت في حاجة هتعوضك انت والحاجة والمودام وحتة العيل الصغير عن المر اللي انتوا شاربينه.. انا هاخدلك الدكانة بتاعت كيال وضع يد، اه، ماهي مابقالهاش صاحب دلوقتي، وبعد ما اظبطلها شوية ورق عن طريق معارفي في الدفترخانة، هفتحهالك فرن، وفي نفس الوقت برضه هديك قرشين تبدأ بيهم حياتك وتجدد البيت.
-بس انا…
-مابسش.. انا عارف انت هتقول ايه، هتقولي مابقبلش العوض وابويا ماتعوضهوش كنوز الدنيا، بس لأ، كل ده كلام، هو اه ابوك مايتعوضش، بس الحي ابقى من الميت، ومهما كان، ابوك كان جاري وابن حتتي، وزي ما قولتلك، احنا متربين سوا، ده غير انه كمان مات في عاركة كانت بيني وبين الكيال، وعشان كل ده، هتسمع كلامي وتبدأ من جديد، وماتخافش، من هنا ورايح مافيش كيال ولا في كبير للحارة دي غيري، ومن النهاردة، هبدأ اشوف احوال الناس ومشاكلهم، يلا، فوتك بعافية، هنزل انا عشان الحق الست عواطف ام البت نرجس اللي بيدلعوها بغوايش، حاكم بنتها مش ظاهرة بقالها أيام وعاوزاني ادورلها عليها، بالأذن.
قبل ما ارد على كلامه او اقوله اي حاجة، سابني وقام، راح ناحية باب الشقة وفتحه وخرج، سابني قاعد مسهم زي المخبوط على دماغه، ماكنتش لاقي كلام، حتى الأسئلة اللي كانت جوة راسي، مابقالهاش مكان، انا كنت تايه، لا عارف هقدر اعيش ازاي بعد ما عرفت اللي عرفته، ولا عارف هبدأ حياتي ازاي من أصله في الحارة اللي اتقتل فيها ابويا، ومع سكوتي وسرحاني، باب البيت خبط.
قومت وفتحت، ماكنش كارع هو اللي رجع، ده كان عم سامي التُربي..
-ازيك يامظهر.
-اهلًا ياعم سامي، اتفضل.
-هتفضل، لازم اتفضل عشان عندي كلام مهم.
-خش طيب.. خطوة عزيزة.
دخل وقعد، وبعد ما قعد، بص لي من فوق لتحت..
-خير ياعم سامي، في ايه؟!
-كل خير يانن عين عمك سامي، بس قبل ما تعرف ايه هو الخير اللي انا جاي اخده، جاوبني على سؤالي… انت ماتعرفش ابوك كان راجع منين ليلة ما اتقتل؟!
-في الحقيقة لأ، ماعرفش، انا كل اللي اعرفه انه قال لامي انه رايح مشوار وراجع على طول، بس مشاور فين ولمين، ماقالش.
-لا اقولك انا بقى، ابوك الله يسامحه بقى، كان ماشي مع البت غوايش بنت عواطف.
-انت بتقول ايه؟!
-اللي سمعته يااخويا، ماهو لما عرف انها بتروح لكيال البيت وبتاخد منه فلوس، عرف انها لا مؤاخذة ماشية في البطال، ولأن عينيه كانت زايغة، فاتقرب للبت وبقى يقابلها عندي في الأوضة اللي جنب الترب.. ترب الإمام، ما انت عارفها، بس البت بقى كانت لافة ودايرة، لما لقت ابوك مدلوق وحست ان كيال زهق منها، حبت تعمل مصلحة وتقاسمك في ورث البيت، سابت روحها لحد ما حملت من ابوك وكانت عايزاه يكتب عليها وألا هتفضحه في الحارة، ولأن ابوك كان بيخاف من امك، وفي نفس الوقت بيخاف على سمعتك، اتفق معايا انه هيستدرجها للأرض اللي ورا الترب ويقولها انه عاوزها في موضوع، وحصل، والبت جت له، ولما جت، كان هو مخطط ومدبر، كان شايل جوة العربية سلاح ابيض، ولما بقى هو وهي لوحدهم، دبحها، والراجل من غله وجبروته، غوط وفصل دماغها عن جسمها، وبعدما خلص جرجرها لحد قبر كنت.انا فاتحوله ورماها جواه وردم عليها، وانا عشان راجل طيب، قولت اني هسكت ومش هفتح بوقي باللي حصل، بس كل حاجة وليها تمن.. ابوك كان قايلي انه هيستلف فلوس من كيال لأنهم كانوا عارفين بلاوي بعض، وبعد ما يستلفها كان هيديهالي، بس اديك شايف، لا كيال بقى موجود في الحارة، ولا ابوك بقى موجود في الدنيا من اصله، بس دلوقتي، انا وانت موجودين، وانا ليا حق، وحقي ده لو ماخدتوش، هبلغ وهقول عن اللي حصل وهخلي الولية عواطف تتعرف على جتة بنتها وعلى اللبس اللي كانت لابساه ليلتها واتدفنت بيه، وتخيل بقى لو اهل الحارة عرفوا اللي فيها، ابوك سيرته هتبقى عاملة ازاي، ومش بس ابوك، انت ومراتك وامك وابنك اللي طالع، شكلكوا وسيرتكوا هتبقى عاملة ازاي؟، طب بلاش، المعلم كارع لما يعرف اللي فيها، هيعمل معاك ايه، تفتكر انه هيديك الدكانة بتاعت كيال زي ما بيقول لكل الناس من الصبح، ولا هيعاملك معاملة الكلاب وهيطردك من الحارة؟!.. يااخي دي مش بعيد عواطف نفسها تاكلكوا بسنانها، ومش حبًا في بنتها، لأ، دي عشان كانت هي الفرخة اللي كل يوم بتبيضلها بيضة دهب بسبب مشيها البطال.
لما وصل لحد هنا، قومت ومسكت فيه..
-انت بتقول ايه؟!، انا ابويا…
-نزل اييدك.. ابوك كان راجل ديله نجس وقتال قُتلة، ولو ماعملتليش اللي انا عايزه، هفضحك، ومش بس هفضحك، ده انا كمان هخلي عيالي يطربقوا البيت ده فوق نفوخك.
بعد كلامه وبعد ما ربطت الأحلام اللي بشوفها بكل اللي اتقال، سكتت شوية وبعد كده سألته..
-طب وايه ده اللي انت عايزه؟!
-حُجة المطرح ده، كونتوراتوا البيت، وعدم اللامؤاخذة انت والعيِلة الكريمة، تشوفوا لكوا مطرح تاني.
-وانا اضمن منين ان كلامك صدق؟!
-تعالى معايا وانا اوريك جتة نرجس بنفسك.
واللي عرضه عليا، نفذته، نزلت معاه وروحنا المدافن واتأكدت بنفسي ان جتة نرجس مدفونة هناك، وبعد ما اتأكدت، قولتله اني هعمله اللي عاوزه، يعني هروحله لحد عنده وهديله حُجة البيت بس بالليل، اكون شوفت مطرح ليا ولأهلي، بس وانا ماشي من قرافة الإمام ومروح للغورية، كنت بكلم نفسي، طب ما انا ممكن اكدبه لو جه يفضح ابويا واقول ان هو اللي عمل كده، بس لأ، انا مش قده لا هو ولا عياله ولا قد المعلم كارع، المعلم كارع اللي لما يسأل ويتأكد ان كلام سامي مظبوط، مش بعيد يرميني في الشارع انا وامي ومراتي وابني.. ومع تفكيري في اي حلول، جه في دماغي حل واحد بس، حل هيريحني وهيريح أهلي ويخلي بالي هادي.
بعد ما وصلت الحارة وطلعت البيت، قعدت مع امي ومراتي وقولتلهم ان انا خلاص، مش عايز اعيش في الحارة دي ولا في القاهرة كلها، انا هبيع البيت وهاخد فلوسه وهاخدهم، وهروح لواحد صاحبي في بني سويف، اهو منها بلد رايقة وفيها رزق وناس طيبين، وفي نفس الوقت بعيد عن المكان اللي اتقتل فيه ابويا، وكمان بعيد عن كارع وعن المشاكل اللي بنصحى عليها كل يوم والتاني، ولما امي اعترضت وقالتلي ان البيت ده فيه ريحة ابويا، قولتلها ان انا مابقتش طايق البيت ولا طايق الحارة ولا طايق نفسي طول ما انا هنا، وبعد كلام ورغي كتير، سمعت امي كلامي، ومراتي هي كمان طاوعتني وخدت انا الحُجة بتاعت البيت ونزلت للمعلم كارع، وبعد ما وقفت قدامه وقولتله ان انا مش عايز حاجة وعايز اسيب الحارة وامشي وابيع البيت، حاول يهديني ويقولي ان اللي جاي خير وانه هيقف جنبي، بس انا رديت وقولتله اني خلاص، مابقتش قادر اعيش هنا من بعد اللي حصل لابويا، وبعد ما اتكلمت معاه لفترة وشاف ان انا مصمم على في دماغي، عرض عليا انه يشتري البيت بمبلغ كويس، وفعلًا، بيعتهوله، وبعد ما بيعته بالعفش اللي فيه، خدت عربية كارو ولميت فيها الحاجات المهمة اللي تخصنا، وبعد كده خدت مراتي وابني وامي وسافرت على بني سويف، وبعد ما وصلت، روحت لواحد كنت اعرفه من ايام ما كان بيشتغل في الفرن اللي انا كنت شغال فيها، ولما ابوه مات وورث عنه حتة أرض، ساب الفرن وبقى بيزرع في الأرض واتجوز واستقر في البلد، وانا كمان، بعد ما روحتله، اشتريت حتة أرض متطرفة وبنيت عليها بيت وسيبت كل حاجة ورايا، سيبت الحارة والبيت والناس، وحتى عربية العيش، هي كمان سيبتها، ولحد النهاردة، اهلي مايعرفوش اي حاجة عن اللي حصل لابويا، بس هقول ايه، اكيد في يوم هقولهم واكيد هيعرفوا، وساعتها، هيعرفوا ان كان معايا حق لما سيبت الغورية وجيبتهم على هنا وبدأنا حياة جديدة.
**
-ولحد هنا ياابني، بتخلص حكاية مظهر، حكاية مظهر اللي حكاها لابو جدي هو وكام واحد يتعدوا على صوابع الإيد الواحدة، والكام واحد دول، هم اللي كان مصاحبهم في البلد.
-طب وأهله ياعم جاد، عرفوا باللي ابوه عمله؟!
عربية_العيش
الجزء_الاخير
يعني معني الحكاية دي، ان مظهر ده كان طيب اوي، عاش ومات وهو في حاله وعمره ما أذى حد، يلا، الله يرحمه.
-الله يرحمه ويغفرله، بس قولي ياعم جاد، انت شايف مين اللي غلطان في الحكاية دي كلها؟!
-والله ياابني معظم اللي في الحكاية ظلمة، وفي برضه مظلومين، بس خليك فاكر دايمًا، الظالم في حكاية، جايز يبقى مظلوم في حكاية تانية، واللي يبان مظلوم في حكاية، جايز اوي يبقى ظالم في حكاية تانية، اصل الدنيا كده ياابني، دواير، وطول ما احنا عايشين، هنفضل نلف فيها لحد ما نقابل وجه كريم.
-بعد الشر عليك ياعم جاد، بس بقولك ايه، الأكلة كانت طرش.
-اللهي تنطرش ما تسمع تاني يابعيد، قوم يالا، يلا، قوم خلينا نروح، القهوة ابتدت تفضى من حوالينا.
ومن بعد كلام عم جاد، ضحكنا سوا وقومنا، وبعد ما قومنا، حاسبنا القهوجي ومشينا، ولما مشينا وروحنا على البيت عندي، لأني أصريت انه يبات في بيتي ليلتها، حكالي حكاية تانية، حكاية هرجع قريب اوي وهحكيهالكوا.. واوعدكوا اني مش هتأخر، سلام …
حكايات_عم_جاد
عربية_العيش