روايات رعب

رواية ترب اليهود الفصل السادس

خرج الشيخ عياش من عندي.. وقولت لنفسي يغور الكنز بس المهم أخرج من المصيبة السودة دي، بس مين البنت اللي كانت معاه فى الاوضة دي ؟! ممكن تكون قريبته أو بنته.. أو ممكن تكون مش من البشر أصلًا، بلعت ريقي وقولت ربنا يعدي الحكاية دي على خير، قفلت نور الأباجورة وريحت راسي على المخده، حاولت أنام ماعرفتش.. عدت ساعة وأنا دماغي بتدور حوالين نفسها، ومش عارف أوقفها، سمعت صوت خطوات بتقرب ناحية باب أوضتي واتفتح الباب، فتحت نور الأباجورة بسرعة ولقيت اللي فتح الباب ودخل عليا كانت البنت الصغيرة اللي شوفتها في الأوضة مع عياش، حسيت ان الدم بيتصلب في عروقي جمعت كلمتين بالعافية وقولتلها…
-انتي مين؟
حطّت ايديها على بوقها…
-هوووش وطي صوتك.. أنا روح.
-سلامًا قولًا من رب رحيم .. روح إزاي يعني أنتي إنس ولا جن ولا إيه بالظبط؟!!
-وطي صوتك والنبي وماتخافش.. أنا اسمي روح، وأنا بني آدمة زيك مش حاجة تانية صدقني، وقاعدة هنا في الأوضة اللي أنت كنت عايز تقعد فيها والشيخ عياش منعك.
-بس أنا شوفتك في أوضة عياش.. انتي دخلت إزاي عنده والأوضة اللي انتي بتقولي إنك قاعدة فيها دي مقفولة وفضلت مقفولة وماحدش خرج منها.
– ما هو أصل في باب داخلي بين أوضتي وأوضة الشيخ عياش.
– اااه ..فهمت ..وهو انتي بقى بنته ولا شغالة معاه؟
– أنا مش بنته ولا شغالة معاه.
– امال إنتي مين ..وهو مخبيكي ليه؟
– لأني هربانة وهو منبه عليا مخرجش برة أوضتي.
– هربانة من إيه أنا مش فاهم حاجة؟
– أنا هحكيلك حكايتي من اولها عشان تفهم أنا جيت هنا إزاي، وهربانة من إيه؟
قربت من السرير بتاعي.. لميت رجلي وعدلت قعدتي
عشان هي تقعد على طرف السرير، شبكت صوابع إيدها الاتنين في بعض وضمت رجليها جنب بعض بخجل، كانت جميلة وملامحها هادية ونظرت عينيها مريحة غير النظرة اللي شوفتها من فتحة الباب .. بَصت روح للأرض وبدأت تتكلم…
-أنا حياتي كانت عادية جداً ولكنها إتشلقبت فجأة ومرة واحدة،
أنا كُنت عايشة مع بابا وماما في شقة بسيطة وبظروف مادية أبسط، ولكن حياتنا كانت عمرانة بالحب والرضا.. من قبل دخولي الحضانة وأنا كنت شاطرة جدًا وحافظة الحروف والأعداد عربي و انجليزي كمان وبكتب كلمات وجمل، والكل كان بيقول اني سابقة سني وبيحسدوا بابا وماما عليا.. الفترة دي الأيام كانت بتمرعلينا وهي مليانة سعادة وفرح، لحد ما سني وصل 6 سنين وماما تعبت فجأة.. روحنا بيها المستشفى عشان نطمن عليها، أنا كنت واعية لكل حاجة حواليا برغم سني الصغير، ماعرفش ليه كنت خايفة وقلبي مقبوض، فاكرة الإحساس ده وكأنه حصل النهاردة، الدكتور خرج من الأوضة اللي فيها ماما وبلغ بابا إنها طلعت عند ربنا، زي ما بابا قالي وقتها، أنا كنت قاعدة على ديسك بعيد عنهم أوي بس كنت سمعاهم معرفش إزاي؟!، كنت شايفة حركة شفايفهم بس الصوت ماكنش مسموع بالنسبة لي.. كلامهم كُنت بسمعه في ودني وكأن في شخص تالت بيبلغني باللي بيقولوه.. أنا فاكرة صوته، فاكرة كل تفصيلة في اليوم ده، بابا كان بيحب ماما جداً وفضلت آثار الحزن والألم مرسومين على ملامحه لفترة طويلة، ماكنش فراقها سهل عليه أبدًا، بس أنا كنت فاكرة إنها هتطلع عند ربنا شوية وهترجع تاني، عقلي الطفولي صورلي كده، وكُنت منتظرة رجوع ماما بس هي ماكنتش بترجع ، غيابها طول ووحشتني والإحساس ده خلاني سألت بابا…
-هي ماما هترجع امتى من عند ربنا؟
بابا بصلي وهو مرسوم على وشه علامات الحزن وقالي…
– اللي بيروح عند ربنا مابيرجعش يا روح.
وقتها اتصدمت وقولتله…
ليه مابيرجعش؟ هي وحشتني هو أنا موحشتهاش؟
عصر عينه من دموعه اللي كان حابسها جواه وقالي…
– ربنا بيحبنا ، فاللي بيروح عنده بيحب يفضل معاه على طول، وإحنا لما نروح عنده مش بنبقى عايزين نسيبه ابدًا.
ساعتها حزنت، ونزلت دموعي لإني مش هشوفها تاني،
وفضلت ملازمة أوضتي فترة كبيرة مابخرجش منها، بس
بابا ماسبنيش.. كان بيهتم بيا جداً وبيحاول يملى عليا الدنيا عشان أتخطى فكرة عدم رجوع ماما تاني لينا، وهو قدر يساعدني بشكل كبير، أنا ماكنش ليا حد غيره ، جدودي من بابا وماما ماتوا من زمان، فكان هو السند الوحيد، وشوية شوية نعمة النسيان خلتنا قدرنا نكمل حياتنا وترجع الابتسامة تزور وشوشنا.
كُنت مستغرب من كلامها الموزون برغم سنها الصغير، وبقيت على يقين إنها سابقة سنها فعلًا.
– بابا كان بيحبني جدًا، وأي حاجة كنت بطلبها منه كان بيجبهالي فساتين، ألعاب، كل حاجة، وأنا كنت بحب الكلاب أوي وكان نفسي يبقى عندي كلب، فضلت اتحايل عليه عشان يجيبلي كلب، بس هو كان رافض لأنه بيقول مينفعش نربي كلب معانا في نفس الشقة، لأنه هيمنع دخول الملايكة، ولأن بابا كان بيحب يصلي كتير فكان بيخاف إنه يصلي في مكان مش طاهر أو مش نضيف.. بس هو وعدني انه هيعمل بيت للكلب فوق السطح وأول ما يخلصه هيشتريلي الكلب على طول، وفعلًا نفذ بابا وعده ليا زي ما بيعمل دايمًا، وفي يوم عيد ميلادي، بابا جابلي كلب جولدن لون شعره دهبي وملمسه ناعم وجميل أوي، كُنت طايره بيه من الفرح، سميته روكي كان بيعشق اللعب وكنت معظم الوقت معاه، كُنت بتكلم معاه دايمًا وهو كان بيسمعني باهتمام ويحرك راسه كأنه فاهمني،
كتير كُنت أكلمهُ عن ماما وأنا ماسكة صورتها، ماما كانت جميلة أنا فكراها كويس وفاكرة حنيتها عليا، كان نفسي تكون معانا بس زي ما بيقول بابا هي في مكان أحسن دلوقتي،
كملت روح كلامها وقالت….
– بابا كان بيحبني جدًا، وأي حاجة بحبها هو كان بيجبهالي فساتين، ألعاب، كل حاجة، وأنا كنت بحب الكلاب أوي وكان نفسي يبقى عندي كلب، فضلت اتحايل عليه عشان يجيبلي كلب، بس هو كان رافض لأنه بيقول ملينفعش نربي كلب معانا في نفس الشقة، لأنه هيمنع دخول الملائكة، ولأن بابا كان بيحب يصلي كتير فكان بيخاف إنه يصلي في مكان مش طاهر أو مش نضيف.. بس هو وعدني انه هيعمل بيت للكلب فوق السطح وأول ما يخلصه هيشتريلي الكلب على طول، وفعلًا نفذ بابا وعده ليا زي ما بيعمل دايمًا، وفي يوم عيد ميلادي، بابا جابلي كلب جولدن لون شعره دهبي وملمسه ناعم وجميل أوي، كُنت طايره بيه من الفرح، سميته روكي كان بيعشق اللعب وكنت معظم الوقت معاه، كُنت بتكلم معاه دايمًا وهو كان بيسمعني باهتمام ويحرك راسه كأنه فاهمني،
كتير كُنت أكلمهُ عن ماما وأنا ماسكة صورتها، ماما كانت جميلة أنا فكراها كويس وفاكرة حنيتها عليا، كان نفسي تكون معانا بس زي ما بيقول بابا هي في مكان أحسن دلوقتي،
ومرت الأيام والسنين وروكي بقى جزء أساسي من عيلتنا الصغيرة ، كان بيحب بابا وبيبان في عينه مشاعر الحب إتجاههُ أول ما يشوفه ، وبابا كان بيبادله نفس المشاعر، وده بعد ما روكي بدأ يعمل حاجة غريبة..
كان بعد مايخلص أذان الفجر يفضل ينبح بقوة لفترة ..ماكانش حد فاهم هو بينبح في الوقت ده ليه بالذات كل يوم، بابا كان بيطلع السطح على صوت نباحه ليكون في حد بيأذيه أو في حرامي مثلًا.. ولكنه لما كان بيطلع ماكنش بيلاقي حد غير الكلب ، وأول ما روكي يشوفه، يهدى خالص ويوقف نباحه وكأنه كان عنده هدف أو مهمة وهو كده خلاص أداها بنجاح، فضل الموضوع ده يتكرر كل يوم بعد أذان الفجر مباشرةً وماحدش فاهم إيه سببه؟!، الجيران بقت مستغربة وبتشتكي من الصوت العالي لنباح الكلب وكأنه قاصد يعمل كده فى الوقت ده بالذات، لأنه مابيوقفش غير لما بابا يطلعله ويطمن انه صحي، طبعا بابا بيكون طار من عينه النوم فينزل يصلي الفجر ومع تكرار الحكاية دي، بابا بدأ يحس أن اللي بيحصل ده إشارة عشان ينبهه للصلاة، هو حس بكدة وأنه هدفه يصحيه عشان يصلي لأنه كان دايما بتفوته صلاة الفجر حاضر، وعشان يتأكد من إحساسه ده، قرر انه يظبط المنبه قبل أذان الفجرعشان يصحيه وبعدها يطلع لروكي قبل الأذان على طول، ويفضل معاه لحد ما الأذان يخلص، وفعلاً بابا عمل كده، وفضل معاه لحد ما خلص الأذان وبعدها نزل، وفضل منتظر نباح روكي ولكنه المرادي مانبحش خالص ، فضل مُستكين وهادي .. وهنا بابا اتأكد ان إحساسه مظبوط وان روكي حالة فريدة من نوعها.. ومن وقتها بدأت حالة الحب تنشأ بينهم، وإحساسهم ببعض يبقى أقوى.. كنا بنحبه وكأنه من جنسنا، بني آدم زينا مش مجرد كلب، كانت الأيام دي من أجمل فترات حياتي .. ولكن الأوقات السعيدة معايا مش بتطول دايمًا وحصلت حاجة شقلبت الدنيا كلها.. رجع عمي من السفر وهو أخو بابا التوأم ، كان شبه بابا جدًا بس هو كان شبهه في الشكل بس .. عمي كان مديون وعليه فلوس كتير، بابا بقى بيساعده باللي يقدرعليه ولكن هو كان دايمًا يتخانق معاه عشان عايز منه فلوس أكتر وبيقوله أنت خدت حقي في ورث أبويا وخليته يكتبلك المحل بإسمك، وبابا يقسم له انه ماخدش حاجة وإن المحل ده من تعبه وعرقه، ولكن هو كان مصمم لدرجة انه في مرة اتعصب ومد إيده على بابا ..زقه في صدره وضربه بالقلم على وشه، أنا كنت واقفة وشايفة اللي حصل، بابا كان مصدوم وحس بالإهانة، أنا حبست دموعي في عيوني وجريت على بابا عشان أحميه أو أتحامى بيه، كنت شايفة عمي قدامي نسخة تانية من بابا بس في هيئة شيطان، بابا زعق فيه و قاله…
– أخرج برة ماشوفش وشك تاني يا…
وبدأت نبرة صوته تقل حدتها وهو بيتكلم لحد ما وقع على الأرض، بابا كان مريض قلب وماستحملش وفقد الوعي
عمي شافه وهو مرمي، ولكنه ما حاولش يساعده، بصله وبصلي بغل وخرج من الشقة وسابني لوحدي مش عارفة أعمل إيه؟ فضلت اصرخ لحد ما الجيران اتلمت عليا، وواحد من الجيران حاول يفوقه ولكنه ماكانش بيرد، قلبي اتقبض نفس القبضة اللي حاستها يوم موت أمي.. جارنا شال بابا وجري بيه على عربيته. واتحركنا للمستشفى..كانت نفس المستشفى، السنين ماغيرتش فيها حاجة، نفس المستشفى الكئيبة ونفس الديسك اللي كنت قاعدة عليه يوم موت ماما، ولما حسيت ان المشهد بيتكرر، اتحركت من مكاني بسرعة وغيرت الديسك وأنا قلبي بيتعصر، كنت بحاول أغير في المشهد عشان ماسمعش اللي سمعته قبل كده واللي انا حاسه بيه وقابض قلبي، ولكن المشهد بيتكرر كل مرة والنتيجة دايما بتكون مُرة، خرج الدكتور وبلغ جارنا ان بابا مات .. كلامه عدى عليا وكأنه سكاكين تلمة بتدبح كل حتة في جسمي.. جريت عليه وأنا مش مدركة، مش مستوعبة، اترميت عليه وقولتله …
انت مش هتسيبني صح .. انت وعدتني إنك هتبقى معايا، وانت عمرك ما خلفت معايا وعد، لو انت قررت تسيبني انا مش هسيبك، قوم يلا روح معايا وانا هخلى بالي منك أنا بقيت كبيرة.
رفعوني عنه وأنا بجر رجلي في الأرض ومش قادرة أقف، ماكنتش مصدقة فكرة أنه يموت بالبساطة دي، الخبر كان زي الكابوس، كابوس مش عارفة افوق منه لحد النهاردة.
روح عضت على شفايفها و شها ظهر عليه علامات الحسرة والوجع، وعيونها غرقت في الدموع ، طبطبت عليها وحاولت أهديها وقولتها…
-هوني على نفسك يا بنتي ..صدقيني هو في مكان جميل دلوقتي ، هو عند حبيبه اللي بيحبه الي احسن من أي حد، وانتي ممكن تعتبريني زي ابوكي لاني شايف فيكي بنتي.
روح ردت عليا وهي لسه بتبكي …
– أنا شايفة دموع في عينك يا عمو سليم ..أنا متأسفة.
-لا لا أنا بس اتأثرت بحكايتك وافتكرت بنتي، هي دلوقتي سنها من سنك تقريبًا.
روح مسحت دموعها وقالت …
-هو انت عندك بنت؟
– ايوه بس أنا معرفش مكانها فين.
ليه كده.
– أنا كنت متجوز وعندي بنت.. بس مراتي ماكانش عاجبها شغلتي كانت عايزاني اشتغل بشهادتي بس، أبقى موظف يعني، وأنا ماكُنتش عايز أحرم بنتي من حاجة .. فكنت بشتغل شغل إضافي، كنت في الشركة الصبح وبالليل بنزل أشتغل على التاكسي، بس هي كانت شايفة ان الشغلانة دي هتقلل من وضعي الإجتماعي قدام الناس، ماعرفش ليه وإزاي؟، كنت بتجنن من كلامها ده.. أنا لا بسرق ولا بمد إيدي، أنا شغال شغلانة شريفة أي حد يتشرف بيها، بس
هي كانت إنسانة نرجسية متعالية مناخيرها في السما، فضلت المشاكل بينا على إني أسيب شغلانة السواقة، بس أنا كنت مُصر إني مش هسيب شغلتي اللي أنا في الأساس بحبها، أنا بحب الشوارع .. بحب الناس.. بحب التاكسي، بحب ريحة الكراسي اللي داب فرشها من قعدة الناس عليها، بكون
مرتاح ومبسوط وأنا في الشارع ومع الناس .. يمكن لاني ملاقتش راحتي في بيتي؟ ، لحد ما فـ يوم ركب معايا زبون كان عارفني بس أنا ماكُنتش عارفه قالي انه زميل مراتي في الشغل، وصلته وشكرني والموضوع خلص ، ولكن هو لما شافها تاني يوم في الشغل بلغها إنه ركب معايا التاكسي وإني وصلته ..وقتها هي كتمت غضبها قدامه ولما روحت البيت إنفجرت زي البركان في وشي وقالت…
-انت ليه متعمد تِعرني قدام زمايلي؟
أنا سمعت كلمة تِعرني وقولت جملة واحدة …
-إنتي طالق ..أنتي طالق.
اللي تشوف جوزها بيعرها يبقى ماينفعش تفضل على ذمته ثانية واحدة وخسارة فيها اللقمة اللي بتاكلها في بيته، انفصلنا وإديتها كل حقوقها وكنت بشوف بنتي على فترات..كُنت متعلق بيها جدًا وكنت بستنى اليوم اللي هشوفها فيه بفارغ الصبر..كانت بتاخد روحي معاها وهي ماشية .. كانت شبهي مش شبه أمها وده كان شيء مفرحني أوي ..نفس حركاتي وانفعالاتي وعقدت حواجبي وأنا متعصب كانت نسخة مني
كنت بحاول أعوضها واجبلها كل اللي نفسها فيه ..لحد ما بنتي بقى عندها ٧ سنين واختفوا فجأة ، ولما سألت عليها قالوا المقربين من مراتي إنها سافرت ..سافرت فين وإزاي ؟محدش يعرف ..وأكيد بطريقة غير قانونية لأن لازم السفر يكون بإذني، بس ده اللي حصل.. ناس تقولي سافروا العراق واللي يقولولي لبنان مابقتش عارف أحدد لهم مكان، كانت النار بتاكل قلبي لأني مش هشوف بنتي تاني ومش عارف احدد مكانها.. وأنا دخلت في الحكاية بتاعت الكنز دي اصلًا عشان آخد نصيبي وأدور على بنتي، كنت ناوي ألف العالم كله لحد ما ألقيها بس اللي حصل لا كان على البال ولا على الخاطر.
سندت راسي على ضهر السرير وإتنهدت وقولت…
– معلش يا روح دخلتك في مشاكلي وإنتي مش ناقصة، .بس إحساسك بالفقد أنا حسيته زيك بالظبط وكلامك حرك المشاعر دي جوايا.. أنا آسف إني قطعتك، كملي.
– لأ ولا يهمك ربنا يجمعك بيها على خير يا رب.
– اللهم امين.. كملي يا روح أنا سامعك.
كملت روح كلامها وقالت…
– بعد ما مات بابا عمي عمل إعلان وراثة ونقل كل ممتلكات بابا ليه وبقى واصي عليا، اضطريت إني أسيب بيتي بعد ما ودعت ذكرياتي الجميلة اللي فيه وودعت روكي بالدموع، لأن عمي رفض إني آخده معانا فضلت اتحايل عليه ولكنه رفض.. رفض تام، فطلبت من عم أنس جارنا، ده راجل طيب إنه يخلي باله منه ويحطله الأكل كل يوم وهو وعدني انه هيعمل كده، وفعلًا روحت بيت عمي عشان أعيش معاه، وأنا مغصوبة، كنت بكرهه وبكره وشه على الرغم انه شبه أغلى حد في حياتي، بس هو كان وشه غير ، كانت ملامحه قاسية ، تفاصيلها مليانة غل، عصبي على طول، مش طايقني وكأنه شايلني على أكتافه وأنا ماكُنتش طايقاه وشايفاه الشيطان اللي موت بابا، وكنت بقولهاله في وشه، كان يفضل يشتم ويضرب فيا بإيده ورجله لحد ما أفقد الوعي من الألم والوجع، كنت بفوق ألاقي جسمي كله علامات من الضرب،
ماعرفش إزاي كانوا تؤام، ماعرفش إزاي بطن واحدة شالت كمية الغل والشر اللي في عمي مع كمية الطيبة والحنية اللي كانت في بابا، فضلت أطلب منه إني أزور قبر بابا ..وهو يرد ببرود
– مش وقته.
كنت عايزة أهرب منه، وكنت برتب لده، أنا كنت في الوقت ده عندي 14 سنة، كان عندي إدراك لكل حاجة وكنت حافظة كل الطرق وذاكرتي عمرها ما خذلتني، المكان اللي اروحه مانسهوش ابدًا، كنت عايزة أزور قبر بابا وكمان أطمن على روكي وهو كل ما اطلب حاجة يقولي لا، كأني في سجن وهو سجاني، وفعلا بدأت أخطط للهروب..استنيته لما ينام ماكانش الوقت متأخر الساعة كانت 11 بالليل ، اتسحبت ودخلت سرقت المفاتيح من جيبه لأنه بيقفل الباب وراه وهو خارج وقبل ما ينام، خدت المفاتيح وقربت من باب الشقة وفتحته وجريت على السلم وأنا جسمي بيترعش من الخوف خايفة ألاقيه ورايا..جريت في إتجاه شقتنا القديمة أنا كنت عارفة الطريق للبيت ماكانش بعيد أوي عن بيت عمي ..فضلت أجري وأجري وأنا شايفة على وشوش الناس علامات الاستغراب وبيقولوا بينهم، هي بتجري كده ليه دي؟ لاني كنت بجري بطريقة هستيرية وبتلفت كل شوية ورايا زي المجنونة ، واحد من الناس حاول يوقفني عشان يفهم مالي ؟، بس أنا زقيته وموقفتش وكملت جري، ووصلت أخيرًا عند بيتنا نزلت بإيدي على ركبتي وبدأت اخد نفسي وطلعت جري على السطح.. الجو كان ضلمة إلا من نور القمر اللي كان مخليني شايفة كويس إلى حد ما.. ناديت على روكي وقربت من بيته بالراحة ..بس هو ماكانش موجود فضلت أنادي عليه ودورت عليه في كل مكان ولكن بدون فايدة مكانش ليه أثر، نزلت جري على شقة عم أنس، خبطت عليه لحد ما فتح لي.. سألته بسرعة…
– فين روكي يا عم أنس؟!
بص في الأرض وقالي
– روكي بعد ما إنتي مِشيتي اتغير حاله، فضل ينبح ليل نهار، ماكانش بيوقف نباح لحظة، وكأنه أتوجع من فراقكم، السكان مابقتش عارفة تنام وأي حد يقرب منه كان بيزمجر بغضب ويهاجمه، لحد ما جه واحد من السكان وحطله أكل ..فضل رافض ياكل لاكتر من يوم ..ولكنه تعب وانتهت طاقته وقرب من الأكل وكل ..وبعدها صوت نباحه وقف خالص واتضح انه كان حاطط له سم في الأكل.. الراجل قتله يا بنتي.
أنا نزلت عليا الكلمة ووقعتني من طولي .
– لا إله إلا الله .. لا حول ولا قوة إلا بالله.
قالها عم أنس وشالني ودخلني شقته، قعدني على الكنبة وجاب مايّة وحطها على وشي عشان أفوق، فتحت عيني وأنا برجع للواقع الأسود اللي قاعد يجلدني من غير رحمة، كنت مصدومة، عيني مش بتوقف دموع ..قولت لعم أنس وأنا ببكي…
– أنا عايزة أزور قبر بابا يا عم أنس.
رد عليا بقلة حيلة…
– ماينفعش دلوقتي إحنا بالليل أول ما النهار يشقشق هخدك ونروحله، هوني على نفسك يا بنتي.. ربنا يصبرك.
فضلت مستنية الليل الطويل المُمل يعدي وأول ما النهار زار شقة عم أنس خدني وطلعنا على المقابر، وقفت قصاد قبر بابا وقولت بصوت مسموع…
– كلكم سيبتوني ليه مرة واحدة ؟، أنا مابقاش ليا حد هنا ، المكان ده مابقاش مكاني، أنا عايزة أبقى معاكم.
عمي أنس طبطب على كتفي وقالي…
-ربنا ليه حكمة في كل حاجة بتحصل لينا يا بنتي حتى لو كانت وحشة من وجهة نظرنا ، بس أكيد في خير ربنا شايله لينا احنا مش مُطلعين عليه.
كنت بسمع كلام عمي أنس وأنا ببصله في وشه اللي مليان طيبة، وهنا لمحت من ورا عم أنس الشيطان بيقرب ناحيتنا، أنا شوفت عمي، جريت بسرعة وهو بيسرع حركة رجله عشان يجري و يلحقني ، دخلت بين الأحواش، كان قلبي بيدق جامد، كنت بقول لنفسي وأنا مرعوبة ، عايز يرجعني لسجنه تاني، بس أنا مش هارجع تاني أعيش مع الشيطان ده، وفي وسط جريي لمحت من وسط الأحواش حوش مفتوح، بصيت ورايا ماكنش عمي لسه حصلني، وده بسبب جسمه المليان عكس جسمي الخفيف، دخلت استخبيت ورا الباب.. وبعد لحظات حسيت بحركة رجله بتقرب ناحيتي.. بلعت ريقي وحسيت إنه هيشوفني مابقتش عارفه اعمل ايه ؟.. بصيت حواليا لقيت عين من عيون القبور مفتوحة ماترددتش لحظة قربت منها ونطيت فيها، وقعت على إيدي ورجلي بس كتمت أنفاسي وصوت الألم اللي سمع في كل جسمي.. أنا سامعة خطوات رجليه فوق مني .. بيتحرك يمين وشمال ببطء ..وفجأة لقيته بيرمي نظرة على العين المفتوحة اللي أنا فيها، ماتحركش، كتمت نفسي وأنا شايفة عينه وهي بتدقق النظر جوة القبر واعتقدت انه شافني خلاص ولكن في اللحظة دي حسيت ان في حاجة اترمت على جسمي ،اتخضيت.. بس ماتحركتش فضلت ثابتة.. وبعد لحظات سمعت صوت خطوات عمي بتبعد عني..حسيت إني رجعت للحياة من تاني، استنيت شوية ورفعت الشئ اللي اترمى عليا كان زي ملاية لونها أسود، فضلت قاعدة جوة القبر ومستغربة مين اللي رمى عليا الملاية دي، دققت النظر للضلمة بس ماكانش فيه حد، فضلت منتظرة أكتر من ساعتين وماتحركتش عشان خايفة أطلع ألاقيه في وشي، وماعرفش إزاي ولا أمتي نِمت، نمت برغم إني كنت في قبر ولكن كان قلبي مطمن، وهنا شوفت حلم غريب وجميل في نفس الوقت .. شوفت روكي بيلعب مع بابا في بيتنا كان فرحان جدًا وبينط برجله على صدر بابا، قومت عشان ألعب معاهم بس وأنا بقوم رجلي خانتني وكنت هقع على وشي، ولكن روكي جري عليا بسرعة غريبة وحط جسمه قدامي فنزلت على ضهره ولحقني قبل ما أقع، بص في وشي وهو بيبتسم.. ابتسامة إنسان لإنسان مش حيوان أبدًا.. بعدها بابا قرب علينا ورفعني من على ضهر روكي، وقفني وحضني حضن طمني أوي
فوقت من النوم بعد اللي شوفته ده وأنا سعيدة جدًا برغم المكان المفزع اللي أنا نايمة فيه.. بس حسيت إني مرتاحة في المكان ده بشكل لا يوصف، وقررت إني مش هفارق المكان ده أبدًا بعد الطمأنينة اللي حسيت بيها ..حسيت ان المكان هنا هيحميني، بس مش معقول هفضل قاعدة في القبر، خرجت منه بهدوء وقولت أنا هخلي الحوش ده بيتي، خدت كام خطوة لباب الحوش بحذر، وهنا شوفت عم أنس بيتلفت عليا، ظهرت قدامه وأول ما شافني قالي…
– يلا بينا يا روح، عمك مشي.
رديت عليه بهدوء …
– لو رجعت معاك هيقدر يوصلي، وماحدش هيقدر يمنعه من انه يسجني تاني في شقته.
عم أنس بص في الأرض
كملت كلامي وقولت …
– أنا هفضل هنا.
بصلي بذهول وقالي بصدمة …
-إزاي يا بنتي ؟!
– ماتقلقش عليا أنا هبقى كويسة، ومن وقت للتاني ابقى تعالى زورني وأنا هبقى أعدي عليك وأزورك لما اقدر.
عم أنس ماكانش عارف يقولي إيه بس في الآخر قال…
– أنا خايف عليكي، المكان هنا الصبح مش زي بالليل.
– صدقني يا عم أنس الميتين هيكونوا أحن عليا من عمي.
طبطب على كتفي وقالي…
– أنا مش عارف أقولك إيه، كلامك في كتير من الصح بس…
– من غير بس يا عم أنس متقلقش عليا.
– خلاص أنا همشي، بس هاجي كل يوم عشان أطمن عليكي.
– وأنا هكون في إنتظارك.
مرت أيام وعم أنس كان كل يوم الصبح يجي يزورني ومعاه شنطة مليانة أكل وفاكهة وحاجات حلوة كمان.. كنت بشوف فيه طيبة أبويا اللي اتحرمت منها، بس كنت حاسة إني حمل تقيل عليه، وكنت عايزة أرفع عنه الحمل ده وأصرف على نفسي، بس إزاي؟، فكرت كتير لحد ما اهتديت لفكرة، أنا بحب الرسم وكنت متميزة فيه من زمان فقررت أستغل الموهبة دي، بقيت أرسم على وشوش العيال الصغيرة اللي ساكنين الأحواش اللي جنبي أشكال لـ نمر أو قطة وآخد مقابلها أكل، فلوس، هي اه ماكنتش كتير بس أهي نواية تسند الزير، وبدأت أتعِرف في المكان والناس تعرف قصتي وتتعاطف معايا، وبقت كل العيال اللي ساكنين مع أهاليهم في المقابر يجوا يرسموا وشهم عندي، كُنت بقعد عند مصطبة الحوش اللي إختارت إنه يكون بيتي وأرسم فيه، وبقيت مُتمكنة أكتر وقدرت ارسم وشوش الأطفال نفسهم على اسكتشات رسم، وكمان وشوش الفنانيين والمشاهير.. بس موهبتي فضلت مدفونة في المقابر، وفي يوم كنت قاعدة كعادتي وماسكة ورقة فاضية وجنبي الأقلام والألوان، وكان في الوقت ده في ناس شايلين نعش ميت ليهم وداخلين بيه في الحوش اللي جنبي عشان يدفنوه، أنا سرحت شوية ومسكت الورقة وفضلت أرسم عليها ماكُنتش عارفة أنا برسم إيه بالظبط، شوية شخبطة وخطوط غيرمنتظمة ولكن الخطوط الغير منتظمة فجأة كونت وش، وش ملامحه واضحة جدًا، ولكن أنا ماعرفش مين ده؟ فضلت أدقق في ملامحه يمكن كنت أعرفه قبل كده!، بس أنا عمري ما شوفت الشخص ده، حطيت الورقة جنبي وأنا مستغربة اللي رسمته، وهنا واحد من أهل الميت خرج من الحوش بعد ما دفنوه وهو مُنهار.. قرب ناحيتي وسند دراعه على الحيطة وحط راسه عليه وقعد يبكي، وهنا الراجل جسمه اتنفض فجأة وبص على الرسمة اللي كانت محطوطة جنبي واتصدم وقالي وهو عينه حمرا ومليانه الدموع…
– إنتي تعرفي عبد الحميد أخويا؟
ماردتش عليه، لأني ماكنتش فاهمة سؤاله، هو مسك الرسمة اللي كانت جنبي وقال…
– البنت دي رسمت عبد الحميد.
وبدأ يفرج الموجودين على الرسمة، كنت قاعدة ومش فاهمة حاجة وبقول في نفسي، عبد الحميد مين؟! وبعدها لقيت واحدة بتقرب عليا و بتقول البنت دي مبروكة ودي إشارة هو بعتهالنا، فتحت البوك بتاعها وخرجت منه فلوس كتير وحطيتهم في إيدي، كنت بَبُصلها وأنا مصدومة ومش فاهمة حاجة ؟.. الناس اللي في الأحواش اللي جنبنا قربوا منهم وده لأن أصواتهم كانت عالية، وسمعت بين كلامهم المتداخل، البنت دي رسمت أخويا عبد الحميد اللي مات النهاردة من غير ما تشوفه، البنت دي مبروكة
يُتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى