من أقوال عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- : الدنيا خضرة قد شهّيت إلى الناس، ومال إليها كثير منهم فلا تركنوا إلى الدنيا، ولا تثقوا بها، فإنها ليست بثقة واعلموا أنها غير تاركة إلاّ من تركها
١٨– ” ندم خادع “
إجتاح إعترافه بما يكنه فى قلبه لها حواسه بأكملها ، فما بال ما فعله بعقل تلك الصغيرة ، التى لم تعى بعد كونه زوجها ، وأنه أغرم بها بتلك المدة القصيرة ، التى تقابلا بها ، فهو لم يلقى منها معاملة حسنة ، بل دائما ما كانت تقذفه بحديثها الذى كان أشد قسوة من الحجارة ، ولا تنمق قولها معه أبداً ، ولكن ربما هذا هو سبب إنجذابه السريع لها ، كأن عينيها بها أكسير الحياة ، أو أنها بحر من خمر تستلذ به الأعين وتشتاق له النفس
إرتجافها الذى أنتقل من يديها إلى كتفيه كالعدوى ، بعد سماعها ما قاله ، جعله يحل وثاقه عنها ، ويطلق سراحها ، ففتحت عيناها ببطئ ، ولكن حرصت على ألا تصطدم برؤية عيناه ، بل علقت بالظلام خلفه ، فجف حلقها وهى تقول:
– ببتحبى إزاى يعنى دا أنت لسه عارفنى من كام يوم بس لحقت تحبنى
رفع يده وغمر وجنتها ، ليجعلها تنظر له ، فإبتسم لها وخرج صوته صادقاً وهو يقول:
– حبيتك من أول نظرة من ساعة ما فتحتى الباب ودخلتى وقليتى أدبك عليا ، لقيت الموضوع بيزيد ، حاولت أسيطر على نفسى وقلبى بس مقدرتش كل دقيقة كانت بتمر عليا كنت بحس أن بحبك ، عارف أنك ممكن متكونيش مصدقة اللى بقوله بس والله هو ده اللى حصل أنا فعلاً بحبك يا ليان
– لاء لاء
تلك الصيحات المحتجة هى ما خرجت من جوفها ، رغبة منها فى ألا تصدق ما يقوله ، أو أن تأخذ حديثه على محمل الجد
فأكملت حديثها برعونة :
– أنت بتكذب عليا ، عايز تمثل عليا الحب علشان تكون حققت إنتصارك كامل ، أخدت الأرض وأخدتنى أنا كمان فوق البيعة ، ومفيش مانع أنك تعمل نفسك بتحبنى علشان تبقى كسبت زوجة عيلة ممكن متكونش لسه فاهمة حاجة فى دنيتها ، فأنت بقى تعيشها فى كذبة حبك علشان تضمن وصايتك وسيطرتك عليها ، لاء بجد شاطر يا دكتور رفيق
فغر فاه من حديثها الذى تقذفه من فمها بسرعة بدون أن تلتقط أنفاسها ، فهل هذا ما أهتدت إليه بتفكيرها من تصريحه لها ، فهى حقاً حمقاء ، بل ربما هو الأحمق أنه فقد برودته سريعاً أمامها ، وهو من كان يفتخر بكونه أن لا أنثى تستطيع مساس قلبه ثانية
فحاول الحفاظ على البقية المتبقية من كبرياءه المهدور أمامها ، فإن كانت تظن أن حبه لها ماهو إلا خداع ، فليتركها بمعتقدها ، فربما لن تلتقى طرقهما سوياً ، وربما أيضاً مازال قلبها متعلق بوشائج حب قديم ، ذلك الحب الذى أخطأت مرة وصرحت عنه
وضع يديه بجيبى بنطاله قائلاً ببرود :
– طلعتى شاطرة يا ليان ولماحة أبهرتينى بذكاءك الصراحة يلا علشان ندخل جوا شكلنا فعلاً إحنا الاتنين مننفعش لبعض بس لازم استنى على ما توصلى لسن ٢١ سنة علشان أسلمك ورثك وفلوسك ، فأعصرى على نفسك لمونة طول الوقت اللى مضطرة تعيشى معايا فيه
تحركت قدماه وبدأ بالسير ليعود للداخل ، فبعد أن وجدت المسافة بينهما زادت عدة أمتار ، تحركت قدميها وتتبعت خطاه
فبالداخل بعدما تعرفت ليلى بباقى أسرته ، رفضت الرحيل قبل رؤيته يعود من حديقة المنزل ، فعيناها علقت بالباب أكثر من مرة تنتظر عودته ، فماذا يفعل برفقة تلك الفتاة التى صرح بأنها زوجته ؟ فهل مثلاً يتبادلان العناق أو ماشابه ؟ فبتخيلها الأمر ، تجهمت ملامح وجهها وفركت يديها بتوتر وعصبية ، ولم تكن هى وحدها من تفكر بذلك الأمر ، فماهيتاب التى جاءت منذ ما يقرب من العشر دقائق ، لدعوتهم لحفل ذكرى ميلادها ، ولكنها لم تجد رفيق أو ليان ، كانت هى الأخرى ، حالها لا يفرق عن حال ليلى ، تود لو تقوم من مكانها وتبحث عن ليان ، وتغرز أظافرها بوجهها ، وربما تقتلع عيناها ، على أنها إستطاعت أخذ الرجل الوحيد ، الذى لا ترى غيره
صاحت والدته بصوتها قليلاً :
– أنتوا كنتوا فين يا حبيبى تعال دى مدام ليلى جارتنا الجديدة ، وماهيتاب جت علشان تعزمنا على عيد ميلادها
– اتعرفت عليها فى الجنينة برا أنا وليان ، منورة يا ماهيتاب
قالها رفيق ببرود وجفاء ، بينما عادت ليان للجلوس بجانب رهف
فمالت برأسها إليها وهمست لها :
– رهف أنتى كنتى فين مرجعتيش الجنينة تانى ليه
إصطبغ وجه رهف بلون قانى وهى تقول بتلعثم :
– مما هو ااصل يعنى جيت أدور عليكى ملقتكيش
سكنت الريبة بقلب ليان من حديث رهف المتلعثم ، فهل من الممكن أنها رأتها هى ورفيق بعناقهما الحميمى ، فغاصت أكثر بمكانها ، وألتهب خديها من فرط خجلها ، فلم تشأ رهف بأن تزيد من حالتها
فحولت بصرها لليلى وهى تقول :
– هو حضرتك يا مدام ليلى قولتى أنك عندك أتيليه للملابس عندك ملابس محجبات
أماءت ليلى برأسها وهى تقول:
– أيوة طبعاً عندى كل أنواع الملابس محجبات وغير محجبات كمان حتى كنت بدور على موديل لعرض الأزياء الجديدة اللى ناوية أعمله قريب وأنتى وليان حلوين أوى ومناسبين إيه رأيكم تعملوه، منكم تتسلوا ومنكم هتاخدوا من كل موديل هتعرضوه قطعة هدية ، دا العرض هيتحط صورة الموديل فى الجرايد ومجلات الموضة
نظرت رهف وليان لبعضهما البعض ، فصفقت رهف بحماس:
– بجددد أه أنا موافقة
ران الصمت على باقى الحضور ، فشعرت رهف برعونة قولها ، فأول من وقع بصرها عليه هو شقيقها ذو الوجه العابس ، فأرادت الحصول على موافقته بألطف طريقة ممكنة ، فنظرت إليه وقالت بوداعة :
– ممكن يا أبيه توافق بليز أنا قاعدة فى البيت طول النهار مش بعمل حاجة أرجوك توافق
أنتظرت ليان سماع رأيه ، فهى تعلم أنه سيبدى رفضه ، فهو لابد أن يفرض رأيه المستبد عليهما ، حتى وإن كانت هى رافضة ولا تريد ذلك ، فهى تنتظر سماع رفضه ، لتعلن هى موافقتها
ولكن جاءت إجابته مخيبة لكل أمالها بشن حرب جديدة معه إذ سمعته يقول :
– أوك مفيش مانع بس هيبقى العرض ده وبس ومش هتعرضوا أى لبس يا لبس محجبات يا بلاش غير كده مش هخليكم تخرجوا من البيت
بعد أن أنهى حديثه ، ترك مكانه وصعد الدرج ذاهباً لغرفته ، فهو لن يستطيع الجلوس أكثر من ذلك ويراها أمامه ، فحتى هو لم ينتظر سماع قبولها أو رفضها للأمر ، فهو يريد أن يختلى بنفسه قليلاً ، حتى يستطيع لملمة شتات أمره ، ويجلد ذاته بسياط الندم على أنه إعترف لها بحبه
_______________
تجلس سارة هائمة وسابحة فى بحر أحلام ، ستجلب عليها كوارث كبيرة فيما بعد ، ولكن لما قلبها السخيف لا يستجيب لعقلها ، فعقلها يحذرها من الانجراف فى ذلك الطريق ، الذى سيكون طريقاً وعراً وربما تصل إلى نهايته بحياة تشبه الجحيم وقلب محطم ،أليس هناك رجال غيره ، حتى لا يستجيب قلبها إلا لرجل ليس حراً ولديه طفلة أيضاً
أفاقت من محاسبة قلبها على سخافته على صوت أمها تناديها :
–:” سارة ايه يا بنتى فينك كده بكلمك مبترديش”
ألتفتت لها سارة برأسها وهى تقول :
–:” ايوة يا ماما معلش كنت سرحانة فى الشغل خير فى ايه عايزة حاجة يا حبيبتى”
جلست والدتها بجانبها ، فمدت يدها السليمة وطوقت كتفها وأدنتها منها وهى تقول بإبتسامة :
–:” هو الصراحة الموضوع ان الست روحية جارتنا جاتلى النهاردة”
قطبت سارة حاجبيها وقالت:
–:” خير يا امى فى حاجة ولا ايه عايزة إيه الست روحية”
قبلت والدتها جبينها لتطمأنها وهى تقول:
–:” خير يا حبيبتى هى بس جاتلى عايزة تخطبك لإبنها”
وكأن والدتها توجه حديثها لأحد غيرها ، فهى تنظر حولها لعلها ترى لمن توجه والدتها حديثها ، فرفعت يدها تشير لنفسها وهى تقول ببلاهة :
–:” انتى بتكلمينى انا ياماما”
رفعت والدتها حاجبها الأيسر قائلة بتعجب :
–:” هو أنا بكلم نفسى يا سارة هو فى حد قاعد معانا”
أعادت سارة القول بدهشة :
–:” ابن الست روحية عايز يتجوزنى انا”
ربتت والدتها على وجنتها وهى تقول :
–:” لا حول ولا قوة إلا بالله مالك يا بنتى فيكى ايه والعريس ماله فى حاجة ولا ايه أنا حسيت أن قولت حاجة غلط”
حكت سارة فروة رأسها وهى تقول:
–:” لا ابدا مش الفكرة بس اصلاً ابن الست روحية مش عايش هنا يا ماما “
إبتسمت والدتها وهى تقول:
–:” اه ما هو بيشتغل مدرس فى الكويت ، بسم الله ماشاء الله عليه اشترى شقة وعربية وحالته متيسرة وهيعيشك فى مستوى كويس يا حبيبتى”
أنتفضت سارة من مكانها وهى تبدى رفضها :
– :” بس أنا مش موافقة يا ماما”
تعجبت والدتها من إنتفاضتها المفاجئة وابداء رفضها القاطع من قبل رؤية العريس المنتظر ، فهتفت بها قائلة:
–:” ليه بقى يا سارة دا عريس زى الفل ويشرح القلب”
عقدت سارة ذراعيها وهى تشيح بوجهها عن مرمى بصر والدتها وقالت :
–:” مش علشانى يا ماما ، قوليلها مش موافقة”
تركت والدتها مكانها وأقتربت منها ، فمدت يدها تدير وجهها لها وهى تقول :
–:” ليه يا بنتى كده هو انتى شوفتيه وقعدتى معاه على العموم هو هييجى كمان يومين شوفيه واتكلمى معاه يمكن يا بنتى يعجبك وانا يا سارة عايزة اطمن عليكى قبل ما يجرالى حاجة أنا مش هعيش ليكى العمر كله”
ألقت سارة برأسها على صدر والدتها وهى تقول :
–:” بعد الشر عليكى يا ماما حاضر هقابله واقعد معاه بس متقوليش كده تانى”
انهت سارة كلماتها وأوت الى فراشها ، ولكنها من داخلها تعلم نهاية تلك المقابلة من قبل أن تبدأ ، فقلبها لن ينصاع لها ، بل سيعلن تمرده الغبى عليها ، ولكنها يجب أن تفيق من كل هذا فما تراه فى مخيلتها لن يحدث ، حتى لو عاشت حياة أخرى على حياتها التى تحيى بها ، فهو من المحال أن يكون لها
فسمعت صوت والدتها تدعو لها بصلاح الحال وهى تقول :
–:” ربنا يصلح ليكى الحال يارب يا بنتى وأفرح بيكى”
أثرت بها كلمات والدتها ، فهى مثلها مثل اى أم تريد أن تطمئن عليها مع رجل يصونها ويحفظها ويكون معين لها فى حياتها ، فخشيت أن تكسر تلك الفرحة ، التى رأتها على وجه والدتها واستشعرتها بنبرة صوتها ، فظلت تدعو الله أن يريح قلبها وان يرزقها راحة البال والقلب ، وأن يدلها على الدرب الصحيح الذى يجب أن تسلكه
______________
تتمايل بجسدها على أصوات تلك الأغنية ، التى تصدح فى الغرفة ، ولكن هو يجلس ينفث سيجاره ، تكسو سحابة من الدخان وجهه ، فعقله يفكر كيف سيقضى ليلته تلك ، فتلك الليلة لن تختلف عن سابقيها ، فهو بمجرد ما ينتهى منها سيلقيها كزجاجة فارغة ليست لها أى أهمية
سيجاره بين أصابعه وينقر بيده الأخرى على طرف مقعده ، فما أن تراه يفعل ذلك ، تظل تبتلع ريقها مرة تلو الأخرى
فتلك المرأة التى أتت للملهى الخاص بفاروق وأنتقتها من بين عدة فتيات ، أخبرتها أن ذلك الرجل ذو مزاج سادى ، فلا يعلم أحد ما يفكر به ، قبل الشروع فى انتهاك حرمة جسدهن ، فلا تعلم لماذا وقع حظها اللعين والعثر معه تلك الليلة ، فهى علمت أنه كل ليلة ، ينتقى فتاة يصطحبها معه ، وما يمر بضع ساعات حتى تكاد تلك الفتاة ، التى قام باختيارها تلفظ أنفاسها الأخيرة ، من بشاعة ما يفعله ذلك الرجل ، الذى لا يصدق من يراه أنه يفعل ذلك ، فهيئته تدل على انه رجل ذو سلطة وهيبة ووقار ، ولكن دائماً ما يكون هناك الجانب الخفى فى حياة كل البشر ، وهذا هو جانبه المظلم الذى سيؤدى به يوماً إلى أن يكون ملعون خاسراً دينه ودنياه وآخرته التى ستكون فيها ميعاده
ولكن كيف سيكتشف أمره فى دنياه وهو يحيط نفسه بالسرية والحيطة والحذر فحتى اسمه لا يعلمه احد ، فيطلقون عليه لقب الباشا نظراً لسخاءه وثراءه
رفع يده يشير لها بالإقتراب وهو يقول:
–:” كفاية كده اقفلى البتاع ده وتعالى هنا”
قامت تلك الفتاة باغلاق المسجل ، والتفتت اليه بخوف يتعاظم بداخلها ، تتمنى حدوث معجزة الآن ، تخلصها من بين براثن ذلك الرجل الغريب
اقتربت منه فأمرها بالجلوس أمامه ، فركعت أمام مقعده تنظر اليه بعينان تنشد الرحمة مما ينوى فعله
قبض على فكها بشئ من القسوة وهو يقول:
–:” انتى اسمك ايه”
ازدردت لعابها قبل أن تقول:
–:” اسمى فوفا يا باشا”
إبتسم إبتسامة جانبية وهو يقول :
–:” عندك كام سنة يا فوفا”
رمقته بحذر وهى تقول:
– :” ععندى 25 سنة يا باشا”
جذب خصيلاتها وأدنى بوجهه منها قائلاً :
–:” دى أول مرة ليكى ؟ أنا طلبت من توحة واحدة بنت”
تلعثمت قائلة :
–:” ااايوة يا باشا بنت طبعاً”
تشعر بأن صوتها كاد يفضح حقيقتها ، فالمرأة أوصتها بأن تخبره أنها ما زالت فتاة عذراء ، حتى أنها بمساعدة طبيب معدوم الشرف والضمير ، إستطاعت أن تخضها لتلك الجراحة ، التى تعيدها فتاة بكر ثانية ، حتى تتقى غضب ذلك الرجل فهو دائماً ما يصر على أن تكون الفتاة بكر ،ولم يلمسها رجل غيره حتى يتفنن هو بتعذيبها ، ويطلق العنان لعقله اللعين بتعذيب الفتيات بدون وخزة ضمير أو خوف من الله على ما يفعله
فهو مغيب يركض خلف رغباته الدنيوية متناسى ذلك اليوم الذى يقف فيه بين يدى الله يحاسبه على الصغيرة قبل الكبيرة يحاسبه على عصيانه واتباع شهواته
فرد قائلاً ببرود:
–:” انتى بتكذبى عليا يا فوفا صوتك بيقول انك بتكذبى عليا يا حلوة فقولى الحقيقة والا مش هتعرفى اللى هيجرالك منى”
نبرته تحمل تهديداً مباشراً ، فهى يجب ان تنجو بنفسها فهى ستخبره الحقيقة وليحدث ما يحدث
فبدأت قولها وصوتها يرتجف من الخوف :
–:” الصراحة يا باشا انا كدبت عليك بس بالله عليك ما تعمل فيا حاجة هى المعلمة توحة هى اللى قالتلى اعمل كده والله ما ليا ذنب إن أنا اكذب عليك وأقولك إن أنا بنت”
أنتظرت عقابه بين الفينة والأخرى ، فلم لم تستمع لحديث ذلك الغبى بالملهى وتمارس خدعتها على فاروق ويستوليان على الملهى عوضاً عن وقوعها بقبضة ذلك الرجل ، الذى ربما لن يجعلها تخرج من هنا حية
فزفر من أنفه قائلاً بغضب :
–:” بقى كده حسابى معاها عسير على كدبها عليا يلا اخرجى برااا”
هدر بها بصوته ، فركضت تفر هاربة من الغرفة ، فهى تحمد الله ، انها استطاعت ان تخرج من هذا المكان ، قبل ان يحدث لها ما حدث لسابقيها
فالتقط هاتفه وقام بالاتصال على تلك المرأة المدعوة توحة ، فجاءه صوتها على الطرف الأخر وهى تقول:
–:” اهلا يا باشا اتمنى تكون البت عجبتك”
فرد قائلاً بغيظ :
–:” انتى بتستغفلينى يا توحة انتى مفكرانى اهبل دا حتى يبقى عيب على سنى”
شاب صوتها الخفوت وهى تقول:
–:” ماهو ماهو يا باشا اصل …
ضحك بصوت عالى وقال :
–:” اصل ايه يا توحة انتى مفكرة نفسك هتعرفى تضحكى عليا وتستغفلينى”
أسرعت توحة بالرد قائلة:
–:” لا ابدا يا باشا لا عشت ولا كنت بس انا معنديش بنات زى ما انت عايز يا باشا كلهم بقوا مستعملين”
رد قائلاً ببرود وعدم إكتراث :
– ” مش شغلى يا توحة وحسك عينك تفكرى تعملى الحركة دى تانى وتفتكرى نفسك انك ممكن تستغفلينى وتضحكى عليا الفلوس اللى بتاخديها دى مش شوية ماشى يا توحة خليكى حلوة كده علشان منخسرش بعض وأخر دفعة من الفلوس وصلتلك ممكن أخليكى تدفعيها قرش قرش وأهد الدنيا على دماغك أنتى واللى معاكى “
أرتجف صوتها وهى ترد قائلة:
–:” وانا مقدرش على خسارتك يا باشا بس الصراحة البنت اللى انت بتاخدها مبنشوفهاش تانى انت بتوديهم فين”
أجابها قائلاً بتحذير:
–:” ده مش شغلك يا توحة انتى تعملى اللى بقولك عليه وبس تبعتيلى بنات على الفرازة من كله انتى فاهمة يا توحة وفين البنت اللى كنت وعدانى بيها وبتقولى قريب هتكون عندى”
ردت توحة قائلة بطاعة :
–:” فاهمة يا باشا فاهمة من عنيا حاضر والبنت إن شاء الله فى أقرب وقت وتكون عندك”
أنهت توحة المكالمة معه ، والتقطت أنفاسها بصعوبة ، فنظرت الى ذلك الرجل الجالس بجوارها وهى تقول:
–:” وبعدين يا فاروق فين البت اللى انت عشمتنى بيها وخليتنى اقول للباشا عليها اهو رجع وسأل عليها تانى”
تجرع فاروق مشروبه دفعه واحدة وهو يقول بصوت خشن :
–:” ماهى خلاص طارت من ايدى اعملك ايه يعنى يا توحة”
شدت توحة على كف يده وهى تقول بصوت مرتفع :
–:” تعملى ايه! انت بتسألنى ، مش انت اللى قعدت تعشمنى وتقولى خلاص قربت تجبها وقبضت على حسها فلوس من الباشا وانت رجعت ايد ورا وايد قدام”
نفض يدها عنه وهو يقول :
–:” اعمل ايه يعنى ما هى خلاص اتجوزت أنا فاكر أن بعد موت جدتها القرشانة أنها خلاص هتبقى تحت إيدى ، أتاريها جوزتها قبل ما تموت علشان تبقى ضامنة أن معرفش أخدها”
نفخت توحة بضيق وهى تقول بتبرم :
–:” مليش فيه ، اتصرف يا فاروق انت عارف الباشا بكل مليم خدناه منه على حس ان هنجبله البنت دى هيطلعه على جتتنا بلاا ازرق ومش بعيد يقتلنا دا ما بيتفاهمش يا فاروق والا هتلاقى الصالة بتاعتك دى مهدودة فوق راسك وراسى ، وحتى الفلوس اللى اخدناها اتصرفت حتى مش هنقدر نرجعلهاله يعنى ممكن يبقى موت وخراب ديار”
لا يعلم كيف ينجو بنفسه من ذلك المأزق الذى وقع فيه ، فهو كان يحلم بأن الأمور ستئول الى ما كان يتمناه ، ولكن إنقلبت الموازين كلها فى وقت دقيق ، فجدة تلك الفتاة قد اضاعت عليه الفرصة ، ولكنه يفكر الآن كيف يجعل الأمور لصالحه ، حتى وان كان ذلك سيتحقق بالمكائد والتخطيط الخبيث منه، ولكن عليه أولاً أن يضع خططه التى ستمكنه من جعل تلك الفتاة تحت يده وتصرفه
_______________
أشرقت شمس يوم جديد على قاطنى ذلك المنزل الأنيق ، فربما لم يجافى النوم عين أحد سواه ، فبعد أن ترك مجلسهم ،وذهب لغرفته ظل ليله بأكمله جالساً على الفراش ، فهو لا يعلم أين نامت ما تسمى زوجته ، فهو أنتظر من وقت لأخر ، أن يجدها تلج الغرفة ، فلا مكان أخر بالمنزل تستطيع المكوث به سوى غرفته ، فليلتها الأولى بالمنزل لم يمعن التفكير بالأمر ، لكونه تلقى مكالمة هاتفية إستطاعت صرف تفكيره عن كل شئ ، ولا يفكر إلا فى إيجاد حل لإنقاذ عمله من الخسائر ، وها هو قد سافر للإسكندرية وعاد البارحة ، وأنتظرها أن تأتى إليه ، ولكن لم يحدث شئ من هذا
يأس من حالته وتفكيره ، فذهب للمرحاض وأغتسل وخرج أدى صلاته ، وبعدما أنتهى أرتدى ثيابه العملية ، لكى يذهب لمقر عمله ، فأثناء خروجه لم ينتبه لها وهى قادمة ، فأصطدم بها غير متعمداً ، فيبدو عليها أنها خرجت للتو من غرفة شقيقته ، التى لا تبعد كثيراً عن غرفته ، فحاول تدارك الموقف قبل أن يراها تسقط من على الدرج
– حاسبى يا ليان هتقعى مش تبصى قدامك
قالها رفيق بخوف ، فتطلعت إليه وهى مائلة بين ذراعيه ، ينحنى بها قليلاً ، فشعره رطباً وممشطاً بأناقة ، وعطره فواح ، وثيابه أضفت عليه مظهراً وسيماً ، فبديهياً كورت قبضتى يديها ، حتى لا تفقد السيطرة عليهما وتعمل على إزاحة تلك الخصلة المتمردة على جبينه من أثر إنحناءه المفاجئ
فتهدج صوتها وهى تقول:
– وليه متبصش أنت قدامك
بعد لحظات معدودة ، كان جاعلاً إياها تستقيم بوقفتها ، فتحاشى كل منهما النظر لوجه الأخر ، فقبل أن تقول شيئاً أخر ، أسرع بتعديل هندامه ، وهبط الدرج ، بينما هى ظلت مكانها تنظر لأثره بهدوء ، فتعجبت من تضارب مشاعرها ، فبلحظة تشعر بكرهها له ، وعندما تشعر بلمسته ، يتبخر كل ما كانت تشعر به من ضيق ومقت له ، لتعود وتحاول جاهدة بأن تجعل كرهها له يأخذ من قلبها حيزاً، فتفشل بفعل ذلك ، فهى تحسده على هدوءه المميت ، بأنه لم يقدم مثلاً على عقابها بالضرب على ما تقوله أو تفعله
فأستندت على الجدار خلفها وهى تقول بصوت هامس :
– وبعدين فى الجنان اللى بعمله وبفكر فيه ده
أجتمعوا جميعهم على مائدة الطعام ، يجلسون كأنهم يخشون أن يتحدثوا ، فكل منهم لديه ما يقوله ولكنهم لا يستطيعون الحديث كأن أصابهم الخرس فجأة
فأم تريد معرفة سبب زيجة أبنها الأكبر ، وفتاة لا تعلم كيف أن أخيها أصبح زوج صديقتها ؟ وفتى ينظر الى الحاضرين ويطوف بنظراته بينهم بشئ من الخجل ، و شقيق لم يعى بعد أن أخيه تزوج وجلب معه زوجة الى المنزل
جلس رفيق ينظر إلى تلك الفتاة ، التى تحاشى النظر لعينيها لكى لا يرى نظراتها الكارهة وكأن عينيها تخبره انها ستريه أياماً ستكون بمثابة الجحيم بالنسبة له ، ولكن التوى ثغره بسخرية من عناد تلك الصغيرة ، التى تظن انه سيتأثر بما تفعله ، ولكن ما شغله أنه لم يتذكر أنه رأها من قبل ، وأنها بالأساس طالبة بتلك الكلية ، التى يعمل بها محاضرا ، بل الأدهى أنه قام بطردها من إحدى محاضراته ، فهل ذلك عائد إلى أنه بذلك اليوم ، الذى تم به خروجها من القاعة الدراسية لم يمعن النظر بوجهها ؟ ولذلك قد نسى الموقف ونسيها أيضاً ولكنها صدفة عجيبة أن بين يوم وليلة تصبح تلك الفتاة زوجته
أكتفت والدته من الصمت ، فأرادت الحديث معه قبل إنصرافه لعمله ،فأشارت له قائلة :
–:” رفيق خلص فطارك و تعال معايا عايزة اتكلم معاك شوية قبل ما تروح الشركة”
رد رفيق بأدب جام :
–:” حاضر يا أمى أنتى تؤمرى “
ولجا سوياً الى غرفة المكتب ، فهى تريد منه أن يفسر لها سبب تلك الزيجة وان تعرف كل شئ ، فإن مررت ذلك حتى الآن ، فهى لن تمرره اليوم بدون أن تعلم الحقيقة كاملة
فجلست بمقعد مقابل له وأنحنت للأمام قليلاً وهى تقول :
–:” أنا بقى عايزة اعرف كل حاجة يا رفيق وايه سبب جوازتك دى بالظبط لأن أنا لحد دلوقتى مش عارفة أستوعب اللى حصل وأنت تانى يوم ما جبتها سافرت ورجعت إمبارح ، فلازم بقى أعرف كل حاجة دلوقتى “
حرك رفيق رأسه قائلاً بهدوء :
–:”حاضر يا أمى هقولك كل حاجة بس مش عايز رهف ومالك يعرفوا حاجة عن اللى هقولهولك ده “
نظرت إليه والدته وتساءلت :
–:” ليه مش عايزهم يعرفوا “
أطلق رفيق نهدة عميقة وهو يقول :
–:” علشان لو رهف عرفت ممكن تقول لليان وأنا مش عايزها تعرف السبب الحقيقى من جوازى منها علشان لو عرفت هتضايق وتكره أمها أكتر”
–:” تكره أمها ! ليه هى أمها دى فين ؟ وليان متعرفش سبب جوازك منها؟”
قالت والدته عبارتها وأنتظرت أن يجيبها على ما سألته إياه
فرد رفيق قائلاً :
–:” كل اللى ليان تعرفه ان انا اتجوزتها علشان ابقى واصى عليها لحد ما توصل سن ٢١ سنة، لكن ما تعرفش السبب الحقيقى لجوازى منها وده سر جدتها أاتمنتنى عليه ، وأنها خافت عليها هى وأخوها من جوز أمها ومن أمها وخصوصاً أنهم كانوا السبب فى موت أبوهم الله يرحمه”
______________
يتبع ….!!!!!!
اترك رد