قصص

قصة محطة المياه

قصة محطة المياه انا عيشت ابشع ليلة في حياتي جوة محطة رفع المايه!
بلال.. ده انا، عندي ٢٨ سنة، معايا دبلوم صنايع، عايش مع ابويا اللي كان شغال موظف وطلع عالمعاش، ولأن معاش ابويا كان ملاليم ويادوبك بيقضي مصاريف البيت بالعافية، فكان لازم ادور على شغلانة اقدر ادخل منها دخل ثابت بدل المرمطة في محلات العتبة وشغلي فيها كبياع، ومن هنا، وبسبب توصية واحد صاحب ابويا، اشتغلت موظف في شركة أمن، والشركة دي بعد ما اتعينت فيها، نزلتني فرد أمن في وردية بالليل على واحدة من محطات رفع المايه، في منطقة نائية من مناطق القاهرة.. وتفاصيل الشغل كانت كالأتي؛ انا هروح محطة الرفع وهفضل قاعد بحرسها من الساعة ١٢ بالليل، لحد الساعة سبعة الصبح، والساعة سبعة بالدقيقة، هيجي فرد أمن تاني وهيستلم مني، وبس، اشتغلت فعلًا واستلمت ورديتي من اللي قبلي، بعد ما عرفني على كل حاجة، وكل حاجة دي كانت ولا حاجة.. انا المفروض هفضل قاعد في أوضة جنب باب المحطة من جوة، ولو حسيت بأي خبط على الباب الحديد الكبير من برة، اخرج واشوف مين، وبس.. استلمت الشغل، وف أول ليلة ليا وبعد ما زميلي مشي واستلمت منه، قعدت في الأوضة اللي كان فيها تلفزيون وسرحت مع فيلم اجنبي كان شغال عليه، عادي يعني، ليلة شتوية عادية وهقضيها في الشغل مع الشاي والبن والتلفزيون، والأكل اللي اشتريته وانا جاي، انما تفتكر بقى ان سوء حظي هيخلي الليلة تعدي على خير؟!، لأ طبعًا.
بعد ما قعدت وعملت كوباية الشاي المتينة، ووانا سرحان مع الفيلم التاني اللي اشتغل بعد الفيلم الأولاني ما خلص، فجأة سمعت من جوة المحطة صوت غريب، كان زي صوت أنين وحد بيعيط بصوت واطي، ماخدتش في بالي وقولت ان أكيد بيتهيألي وركزت مع الفيلم، بس انا كنت غلط، لأ، انا مابيتهيأليش ولا حاجة… صوت الأنين ابتدا يعلى ويزيد، ومعاه، ابتديت اسمع صوت كلب بيهوهو بطريقة غريبة، ومش كده وبس، دي الأصوات ابتدت تعلى وتزيد بشكل ملحوظ لحد ما بقت واضحة بشكل مستفز!
في الثانية دي قومت من مكاني وخرجت من الأوضة، روحت ناحية مصدر الصوت، كان جاي من جوة المحطة، بالتحديد من ورا الأجهزة.. اتمشيت بهدوء وببطء، وكل ما كنت بقرب من المكان اللي جاي منه الصوت، كان بيعلى اكتر واكتر لحد ما قدرت اتوقع اللي هشوفه.. صوت العياط والأنين كان لطفل صغير، وصوت الكلب كان واضح بطريقة بشعة، وده بالتقريب كده وزي ما عقلي توقعه، ممكن يكون كلب مسعور بيعض ولد صغير!
استنتاج غبي ومرعب، ماهو لو كلب بيعض ولد صغير جوة محطة رفع ماية الساعة واحدة وشوية بالليل، اكيد يبقى استنتاج مرعب، ايه اللي جاب الواد المحطة في وقت زي ده؟!.. عادي، سؤال طبيعي وبديهي، بس انا ماسألتوش لنفسي، انا زي الاهبل كده روحت ناحية الصوت عشان اتفاجئ بالولا حاجة حرفيًا!
مافيش لا كلب ولا عيل صغير ولا أي حاجة غريبة، المكان اللي ورا الأجهزة واللي كان لسه جاي من عنده الصوت، مافيهوش حد.. لكن الصوت، الصوت لسه موجود، صوت الواد والكلب، لأ وبيعلى وبيزيد كل دقيقة اكتر واكتر!
لفيت حوالين المكان وبدأت ادور بتركيز اكتر، مافيش حد، ومن كتر تدويري واستغرابي، وقفت مكاني وحاولت اركز عشان اشوف الصوت دي جاي منين بالتحديد، من انهي نقطة بالظبط، وهنا كانت الحاجة الغريبة، الصوت زي ما يكون طالع من تحت الأرض اللي انا واقف عليها!، حاجة غريبة ومالهاش تفسير خلتني الف حوالين نفسي تاني وانا بفكر، ازاي كلب بيهاجم عيل صغير تحت الأرض!، وازاي انا سامعهم من أصله!… لكن وقت تفكيري وحيرتي، سمعت من عند الأوضة صوت راجل بيصرخ!
جريت من مكاني وروحت جري على الأوضة، وهنا بقى كانت المصيبة الأكبر.. اول ما قربت عند الأوضة وقبل حتى ما اوصل لبابها، لمحت راجل مولع، خارج بيجري ناحيتي!.. اول ما شوفته ماستنتش ولا فكرت مرتين، انا خدت بعضي بسرعة وروحت ناحية باب المحطة وفتحته وطلعت جري لبرة، ماكنتش شايف اي حد ولا أي مكان في المنطقة المقطوعة دي، إلا كشك بقالة صغير موجود على الرصيف التاني.. كان منور، ولما لمحت حد قاعد جواه، اطمنت وروحت ناحيته بسرعة.
اللي جواه كان راجل عجوز قاعد ومشغل قصاده تلفزيون، اول ما شافني قام من مكانه وسألني باستغراب وبقلق…
-انت!!!.. انت مين؟!.. انت حرامي؟!
خدت نفسي بصعوبة من الخوف والجري وهزيتله راسي بالنفي..
-لأ.. انا مش حرامي.. انا.. انا بشتغل فرد أمن في محطة رفع الماية اللي قدامك دي.
-ولما انت فرد أمن ومكانك محطة المايه، جاي هنا ليه وبتجري من ايه؟!
-في.. في جوة راجل مولع، خرجلي من الأوضة اللي كنت قاعد فيها، واول ما شوفته طلعت اجري على برة.
-استهدا بالله كده واستنى، انا خارجلك… مافيش راجل ولا حاجة.
قام من مكانه ولف وخرجلي، كان شكله راجل غلبان وطيب، جاب لي كرسي وازازة مايه وخلاني شربت، وبعد ما شربت وهداني وطلب مني اني احكيله على اللي شوفته، حكيت فعلًا على كل حاجة، وبعد ما خلصت، بص ناحية المحطة وبدأ يتكلم وهو سرحان..
-اللي ظهرلك ده يبقى عبد الظاهر الغفير.. الله يرحمه، كان راجل غلبان، بس للأسف، مات محروق من حوالي ٢٤ سنة.
-يانهار اسوح!، مات محروق من ٢٤ سنة وجاي يطلعلي انا دلوقتي؟!
-لأ.. هو ماطلعلكش انت لوحدك ولا طلعلك دلوقتي بالذات، هو ظهر لغيرك كتير وف اوقات مختلفة، وبالنسبة للي جراله، فحكهيولك..
طلع علبة سجايره وعزم عليا بسجارة، ولما قولتله اني مابدخنش، ولع هو وخد نَفس وابتدا يحكي وهو لسه باصص عالمحطة..
-من يجي ٢٤ سنة كده، كانت حتة الأرض اللي مبني عليها المحطة دي، فوقها بيت تلات تدوار، يعني، تقدر تقول انه فيلا ومش فيلا في نفس الوقت، اصله كان بيت فخم وصاحبه راجل من الأغنيا، بس الراجل ده بقى، ماكنش بيجي البيت ده كتير، هو اصلًا كان ساكن في مصر الجديدة وكان عامل البيت ده زي استراحة كده وبيجيه كل فين وفين، بس ولأن البيت كان فخم وكان مليان عفش غالي، كان لازمله غفير او حارس يقعد يحميه، وده اللي كان حاصل، الراجل صاحب البيت جاب حد من الصعيد وشغله حارس للبيت، كان اسمه عبد الظاهر وكبير في السن.. راجل طيب ووشه بشوش، بس صحته مش قد كده، يعني لو دخل عليه حرامي وضربه قلمين، هيجيب أجله، ومن هنا بقى كانت الفكرة، عبد الظاهر خلى صاحب البيت يشتريله كلب كبير وفضل قاعد جنبه، او بالظبط يعني، على باب الأوضة اللي بينام فيها، واللي كانت جنب باب البيت الخارجي بس من جوة، في مكان اوضتك كده بالظبط.. وف يوم بالليل، كان عبد الظاهر نايم، ليلتها عيل من ولاد الأهالي اللي كانوا ساكنين في المساكن اللي ورا البيت قبل ما تتشال عشان يعملوا مكانها طريق سريع، فضوله ساقه وخلاه يدخل البيت.. فتح الباب بالراحة ودخل، واول ما دخل، شاف البيت وشكله الفخم وساعتها فضوله زاد، اه، ماهو كان عيل عنده يجي ١٢ سنة كده، ولأنه كان صغير وبسبب فضوله زي ما قولتلك، اتسحب وكان عاوز يلعب جوة البيت المنور، لكن وقتها، الكلب اول ما لمحه، جري من عند باب الأوضة ومسك فيه بسنانه، ولأن الدنيا عند الحتة اللي فيها الأوضة، كانت ضلمة، ولأن برضه الواد اتخض اول ما لمح الكلب، فالواد يا ولداه لا شافه وهو نايم عند باب الأوضة في الأول، ولا لحق يجري منه اول ما جري ناحيته، وساعتها، كانت ساعة القدر.. الكلب فضل يقطع في الواد والواد يصرخ لحد ما عبد الظاهر صحي وخرج من الأوضة جري، ومع خروجه بَعد الكلب عن الواد وحاول ينقذه، انما للأسف، عبد الظاهر كان اتأخر لأن الواد كان مات، ومن بعد موته وبعد ما عبد الظاهر بلغ والحكومة جت خدت جتة الواد، الأهالي اتجمعوا ومن غير كلام ولا أي تفاهم، قفلوا الباب الحديد اللي كان جنبه من جوة أوضة عبد الظاهر، وولعوا في البيت وفي الأوضة، كانوا بيرموا مشاعل وجاز لحد ما النار مسكت في كل حاجة والبيت ومحيطه بقوا حتة من جهنم، وطبعًا وسط ده كله، عبدالظاهر اتحرق وماعرفش يخرج لأن الباب الكبير كانوا الأهالي قافلينه بالجنازير من بره.. وبس، مات عبد الظاهر وبعد كده الراجل ساب البيت مهجور فترة لحد ما مات وولاده هدوه وباعوا الأرض اللي كان مبني عليها، وحتى المساكن اللي الناس كانوا عايشين فيها، اتشالت من بعد الموضوع ده بفترة بسيطة عشان الطريق اللي اتمد، ومع الأيام والسنين، الحكومة خدت حتة الأرض دي وعملت عليها محطة رفع الماية اللي انت بتشتغل فيها دي بس اللي انا عاوز اقولهولك بقى ان قبل ما انت تيجي وتشتغل هنا بالليل، جُم قبلك كتير ومشيوا، وقبل ما يمشوا، قالوا نفس الكلام اللي انت قولته تقريبًا، بيسمعوا في اول الليل صوت الواد والكلب، وبعد كده بيشوفوا الراجل وهو مولع وبيطلعوا يجروا.
-وبعدين؟!
-ولا قبلين، ما انا قولتلك، بيمشوا.
-وانا بقى اللي المفروض اقعد، لا ياعم، الله الغني، انا مش هكمل الشيفت ده وهغور.. هروح بيتنا.
-تغور فين؟!.. ده انت تروح في داهية، افرض حرامي جه وسرق الأجهزة من جوة ولا سرق حاجة مهمة، دي تبقى كارثة!
-طب والعمل؟!.. عاوزني يعني ادخل جوة واقعد مع عفريت الراجل المحروق؟!
-انا ماقولتش كده، بص، انت تفضل قاعد معايا لحد الصبح وعينك على المحطة، ولما يجي زميلك اللي هيستلم منك، روح سلمه وبعد كده ابقى امشي براحتك، انما تمشي دلوقتي!.. مايصحش، ده انت ممكن تتحبس!
سرحت في كلامه لثواني وانا باصص عالمحطة وبعد كده بصيتله..
-انت صح، انا هفضل قاعد هنا لحد الصبح، وبعد ما اسلم ورديتي، همشي ومش هرجع هنا تاني مهما حصل، ايوه، اومال ايه، هو العمر بعزقة ولا ايه!.. قال عبد الظاهر قال، هو انا ناقص!
واللي قولته للراجل نفذته، فضلت قاعد لحد ما جه واحد الصبح واستلم مني، وطبعًا قبل ما يستلم هراني اسئلة عن سبب قعتدي برة وعن سبب شكلي المخضوض، لكن انا مارغتش معاه في اي حاجة، انا خدت بعضي ومشيت ومارجعتش تاني، ومش بس مشيت من المكان، انا مشيت من الشركة كلها وروحت دورت على شغل في مكان تاني، واهي.. الدنيا مشيت معايا والحمدلله، اما عن المحطة واللي بيحصل فيها، فصدقني ماعرفش، انا ماروحتش هناك تاني وماحاولتش اروح ولا اسأل عن حاجة.. انا عمري غالي ومش مستغني عنه.. واللي غريم عقله بس هو اللي لو راح هناك مرة وشاف اللي انا شوفته ممكن يرجع تاني، وانا عاقل وماروحتش ومش هروح.. انا كده تماام.. سلام.
تمت
#محمد_شعبان
#محطة_المياه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى