روايات شيقه

رواية سر غائب الفصل 37


فغرت ثراء فاها وتدلى فكها بعدما استمعت لما قاله حتى أمير نظر اليه نظرة أقرب للصدمة بعد سماع تصريحه بأنه سيكون الحارس الشخصى لمليكة أبتسم أيسر على محياها المصدوم وأقترب منها يتحسس فكها بحنان فغمره بكف يده الدافئ قائلا بهمس مثير:
–أقفلى بوقك الحلو ده يا نور عيونى مالك مستغربة ليه كده

اذدردت لعابها تكاد عينيها تخرج من محجرهما حمحم أمير بصوت مسموع فأنتبهت ثراء على حالها فأزاحت كف يده عن فكها

طالعته بشرار يتطاير من عينيها :
–ااايه اللى بتقوله ده يعنى إيه أنت الحارس اللى جاى علشان مليكة

انحنى برأسه اليها يهمس فى أذنها:
–أنتى خايفة علشان هكون موجود قدامك وجمبك خايفة تضعفى وقلبك يضعف قصادى ومتقدريش تكملى فى تمردك ده يا ثراء

نفخت بغضب وضيق من ثقته بنفسه التى تكاد تصل إلى حد الغرور طحنت أسنانها من خلف شفتيها قائلة من بينهما:
–بلاش ثقة زايدة فى نفسك وغرورك ده أنا لا هضعف قدامك ولا قدام غيرك أنت بقيت صفحة وقطعتها من زمان

تجاهل شعوره بالألم لحديثها فهو يعلم أن استرضاءها لن تكون مهمة سهلة ولكنه لن يتراجع فزاد همسه لها:
–بس أنا عارف أن هضعف قدامك وقلبى هيضعف شوفتى أنا بعترف إزاى

كأنهما تجاهلا وجود أمير والصغيرة إلا أن الصغيرة نادت بصوتها الطفولى:
–مامى مين ده

نظر أيسر لمليكة يطالعها باهتمام يحدق بقسمات وجهها فالصغيرة تشبه والداتها كثيرا ولكن عيناها لا تشبهها فتلك العينان الخضراوتين بلونهما الفاتح ورموشها الكثيفة تشبه عيناه هو إلى حد كبير

فقطب حاجبيه بتفكير :
–أنتى اسمك ايه يا حبيبتى

لم تدع ثراء مليكة تخبره باسمها فالتفتت لأمير قائلة:
–يلا يا أمير خد مليكة على ما أعرف ايه حكاية الحارس ده كمان

أبتسم لها أمير ابتسامة متوترة فهو كان يظن بعد كل تلك الأعوام أن ثراء قد برأت من عشق غريمه ولكن ما رأه اليوم هدم هذا المعتقد برأسه

داعب وجنة الصغيرة قائلا:
–يلا بينا يا مليكة

لفت مليكة ذراعيها حول عنق أمير قائلة:
–يلا يا بابى بس نرجع بسرعة علشان عايزة ألعب مع ريان

لوحت مليكة بيدها لأيسر قائلة بابتسامة عريضة:
–باى باى يا عمو

وجد أيسر نفسه يرفع يده لها تلقائياً يبادلها ابتسامتها قائلا :
–باى يا حبيبتى

ذهب أمير ومليكة ولكن قبل ذهابه نظر لأيسر نظرة تحدى قابلها أيسر بنظرة باردة فهم مازال الجو بينهم مشحون بالعداوة والبغضاء

أدار أيسر رأسه لثراء قائلا :
–ايه حكاية البنت دى يا ثراء البنت فعلا فيها شبه كبير منك

أجابته ثراء بنبرة غير مكترثة باردة:
–طبعا لازم تبقى شبهى مش بنتى من لحمى ودمى

غلى الدم بعروقه فإن كانت طفلتها فلا بد ان يكون هو والدها، والد تلك الطفلة فهى مازالت زوجته ولا يصح لها الزواج من غيره
–تمام لو هى بنتك يبقى مين أبوها يا ثراء أكيد أنا ما أنتى مراتى ولسه على ذمتى بس أنا أبوها إزاى بقى وأنا ملمستكيش ولا حصل بينا حاجة

أرادت تعذيبه بأفكاره وأن يظل يدور حول نفسه فهى لا ترغب فى تهدئة عواصف أفكاره

هتفت ثراء ببرود:
–مليكة بنتى أنا وبس ومتسألش علشان مش هديك جواب يريحك يا أيسر ولو عايز تبقى حارس مليكة تمام مفيش مانع أنا موافقة تعال بكرة أكون حضرت جدول مواعيدها علشان تعرفه لكن دلوقتى أمشى علشان أنا رايحة الشركة ومش فاضية

بعد أن أفرغت ما فى جعبتها تركته وذهبت لسيارتها أدارت محركها لتنطلق بها سارت بجواره تنظر إليه نظرة عابرة قبل أن تتجاوزه متغافلة هى عن ذلك البركان الثائر الذى بدأ يهدر بداخله يشعل نيران بعروقه من حديثها الفج معه
_________
ولجت زهرة المشفى تتأبط ذراع زيزو الذى يحمل طفلاً صغيراً ربما فى الثالثة من عمره، وصلا إلى باب غرفة مكتب جمال قبل أن تطرق زهرة الباب نظرة لزوجها بوجل فابتسم لها مطمئناً يشجعها بعينيه أن تفعل ما جاءت من أجله فدقت الباب عدة دقات حتى سمعت صوت جمال من الداخل يأذن للطارق بالدخول،دلفت زهرة باستحياء يليها زيزو

اذدردت لعابها قبل أن تقول بصوت هادئ:
–السلام عليكم أزيك يادكتور جمال

رفع جمال رأسه عن تلك الأوراق التي يطالعها فضم حاجبيه بغرابة من رؤيتها بعد كل تلك السنوات إلا أنه لم يمنع نفسه من الابتسام قائلا بترحيب:
–أهلا زهرة أتفضلى عاش من شافك

اطمأنت قليلاً من نبرة صوته الهادئة والمرحبة بها فهى ولا شك كانت تظن أنه سيرفض مقابلتها أو أنه سيثور بوجهها لدى رؤيتها ولكنه مازال بشوش الوجه حتى مع من أساء معه التصرف

أفتر ثغرها عن ابتسامة قائلة براحة:
–تسلم يا دكتور جمال أقدملك ده عزيز جوزى وشهرته زيزو وده جمال أبنى

رفع جمال حاجبه قائلا بدهشة:
–ألف مبروك ربنا يباركلك فيهم يا زهرة

أبتسم زيزو قائلا بمزاح:
–والله يا دكتور جمال أن بشكرك أنك مرضيتش تحبسها علشان أحبسها أنا فى بيتى وأتجوزها بجد أحنا متشكرين لأن بسبب اللى عملته إحنا عرفنا غلطنا وتوبنا وأتجوزنا وخلفنا وأصرينا نسمى ابننا جمال اعترافا بجميلك ومسامحتك لزهرة

ترك جمال مقعده يقترب من زيزو مبتسما اخذ منه الصغير يقبله على وجنته :
–ربنا يباركلكم فيه ويجعله ذرية صالحة

اقتربت زهرة رغبت فى تقبيل يده امتنانا لما فعله معها إلا انه شعر بالضيق من فعلتها:
–بس يا زهرة أنا قولتلك مبحبش بوس الايادى ده

اغرورقت عيناها بدموع الندم قائلة:
–لولاك يا دكتور جمال كان زمانى مرمية فى السجن وعلشان كده من ساعتها وأنا الحمد لله توبت عن أى حاجة غلطت واتجوزت أنا وزيزو وهو فاتح ورشة حدادة بناكل منها بالحلال الحمد لله

ربت جمال على ظهر الصغير قائلا بابتسامة:
–الحلال مفيش أحسن منه ومن يتق الله يجعل له مخرجا وخليكوا فاكرين أن الحرام عمره ما بيدوم وسكته قصيرة وأخرتها وحشة

أخرج من جيبة عدة أوراق نقدية ناولها للصغير بكف يده قائلا بابتسامة:
–ودى حاجة صغيرة علشان جمال الصغير

ناوله جمال لزهرة فأثنت عليه قائلة:
–تسلم يا دكتور جمال وأتمنى أن ابنى يبقى فى يوم زيك فى شهامتك وكرم أخلاقك وطيبتك وحنيتك على الناس

أمضت زهرة وزيزو وصغيرهم بعض الوقت برفقة جمال وبعد ذلك ذهبوا فعاد جمال لاستكمال عمله يشعر بالسعادة بأنه ساهم فى تقويم أخلاقهم ولو بشئ يسير
_______
وصلت ثراء إلى الشركة لم تتخلص بعد من انزعاجها مما فعله أيسر هذا الصباح ولجت إلى مكتبها تتبعها نور فاستدارت إليها ثراء قائلة بشئ من الإرهاق:
–نور هاتيلى فنجان قهوة بسرعة لو سمحتى

اومأت نور برأسها احتراماً ولكن قبل انصرافها وضعت ملف يحوى أوراقاً خاصة بالعمل:
–تمام يا افندم وده ورق الصفقة اللى المفروض هتتعمل مع عملاء جنوب أفريقيا واللى المفروض هيعقدها الشريك التالت فى مجموعة الشركات الدكتور أيسر الرافعى

رفعت ثراء رأسها بعد سماع أسم زوجها قائلة بضيق:
–وليه هو اللى يعملها مش المفروض أنا ولا شهاب اللى نعملها

ردت نور قائلة بتوضيح:
–أنتوا حضراتكم هتكونوا موجودين بس اللى عليه الدور فى الصفقة المرة دى دكتور أيسر لأن الصفقات بتتقسم على مجموعة الشركات كل جزء بيعقد صفقة بس ده ميمنعش أن الطرفين الاخرين يكونوا موجودين بحكم أنكم شركاء فى مجموعة الشركات

زفرت ثراء قائلة بقلة حيلة:
–تمام يا نور هاتيلى فنجان القهوة

خرجت نور فجلست ثراء خلف مكتبها ألقت نظرة على الأوراق التى تركتها مساعدتها الشخصية ظلت ثراء تنقر بأصابعها على حافة مكتبها حتى وجدت طرق على الباب فأذنت للطارق بالدخول ففُتح الباب ووجدت أيسر يقف مبتسماً رأته يدلف ويغلق الباب خلفه تركت مقعدها وغضبها يتفاقم أكثر
استدارت حول المكتب ووقفت قريبة منه عقدت ذراعيها امام صدرها

هدرت به بصوت عالى:
–أنت أيه اللى جابك هنا يا أيسر

أقترب منها وضع سبابته على شفتيها قائلا بهدوء:
–هششش وطى صوتك يا نور عيونى كده عيب لما تعلى صوتك على جوزك وأنا جاى شركتى عادى يعنى هو حرام أنا دلوقتى شريكك مش أيسر الحارس

ضغط بأصبعه على شفتيها فقضمته بين أسنانها مسببة له بذلك ألماً فسحبه سريعاً:
–أى إيه ده أنتى كمان بقيتى عضاضة

كلما تراه يشعر بالألم تشعر هى بانتشاء وسعادة كبيرة فاستندت على حافة مكتبها قائلة بانتصار:
–متتصورش يا أيسر السعادة اللى ببقى فيها وأنت بتتوجع أو تحس بألم ببقى فى قمة سعادتى زى ما أنت وجعتنى لازم تحس بالوجع أنت كمان

ران الصمت عليهم حتى وجدته يقترب منها لم يكن لديها الوقت الكافى للابتعاد فاستند بذراعيه على حافة المكتب يحاصر إياها فاتسعت حدقتيها وهى تكاد تشعر بأنفاسه الغاضبة على وشك حرقها إلا أنها تسلحت بعنفوانها وظلت تنظر اليه بتحدى سافر

قطع الصمت قائلا بألم:
–ده كله ومتوجعتش يا ثراء لما عشت السنين اللى فاتت اكلم نفسى فى غيابك لما مبقتش أعرف أنام لما مبقتش شايف حاجة حلوة فى حياتى لما أعيش زى الالة بشتغل وبس ده كله ومحستش بالوجع أنا اتوجعت أكتر منك وأنتى لسه مكملة تعذببك فيا حتى مش راضية تقوليلى مليكة بنتى ولا لاء ولو بنتى حصل ده إزاى

رأت بوضوح الألم المرتسم بخضراوتيه إلا أن عقلها لم يسمح لها بأن تأخذ بحديثه ولكن ذلك الأحمق بين ضلوعها ظل يخفق ويتسارع وجيبه حتى شعرت بألم نبضاته،غفى عقلها فى تلك اللحظة فرفعت يدها داعبت وجنته لم يصدق أنها تفعل ذلك

مررت يدها على لحيته قائلة :
–أنت لسه بتستعمل البريفيوم ده مغيرتوش

أغمضت عينيها تستنشق رائحته بتلذذ وكل هذا وهو لا يفقه شئ مما يحدث كأنه بحلم فهل هى ثراء التى كانت منذ برهة وجيزة تتحداه قبض على كفها يقبل باطنه :
–لاء مغيرتوش علشان عارف أنك بتحبى ريحة البريفيوم دى أنا عايش بكل حاجة أنتى بتحبيها يا حبيبتى

اقتنص من الزمن دقيقة ليعود فيها برفقة معشوقته فتمنى لو تظل على رقتها هذه وينعم بقربها بلحظات من السعادة التى هجرت حياته

ظلا على هذا الوضع بضع لحظات لم يعلم أى منهم كم مر من الوقت وهم يحدق كل منهم بوجه الآخر

همس أيسر بصوت ملتاع:
–أنا بحبك يا ثراء ووحشتينى أوى أوى لازم تقوليلى الحقيقة يا ثراء وإلا كده أنا هتجنن لازم تقوليلى كل حاجة عن مليكة لو لسه فى شوية حب فى قلبك ليا ريحينى يا نور عيونى وقوليلى

ردت ثراء قائلة:
–أيسر أنا…
بترت جملتها بعد سماع طرق على باب الغرفة فقامت بدفعه عنها كأن عقلها عاد إليها الآن ،لعن أيسر بداخله من تسبب فى افساد تلك اللحظة بينهما

ولج الطارق ولم يكن سوى صافى التى بادرت قائلة:
– أيسر انت فين عمالة ادور عليك وتليفونك شكله فاصل شحن دوختنى وراك

اختتمت حديثها بابتسامة حملقت ثراء بوجهه وعينيها تشبعه اتهاما فهى لم تنسى وجه تلك الفتاة والتى حاول هو اقناعها بأنه يساعدها ليس أكثر من ذلك

فابتسمت ثراء قائلة بسخرية:
–معلش أصل أيسر على طول كده دائماً ينسى تليفونه فاصل شحن

علم من صوتها أنها تظن به الظنون الآن عندما حاول الكلام سبقته هى القول :
–ممكن لو سمحتوا تخرجوا برا علشان ورايا شغل كتير

أولتهم ظهرها حتى لايرى أحد منهم تجمع الدموع بعينيها فالتفت أيسر لصافى:
–صافى معلش استنينى برا وأنا جاى وراكى

خرجت صافى اغلقت الباب خلفها وضع يده على كتف ثراء فنفضت يده عنها بحدة سحبها من مرفقها يديرها إليه رفع وجهها قائلا بحنان:
–أكيد برضه هتفهمينى غلط

نظرت إليه باذدراء ربما تلك هى المرة الأولى التى تنظر اليه هكذا فصرخت بوجهه:
–أفهمك غلط ولا صح خلاص أنا مش عايزة أفهم حاجة ولا عايزة اى حاجة تربطنى بيك انا بكرهك يا أيسر بكرهك

خشى أن يصيبها مكروه من انفعالها الزائد فحاول أن يهدأ من روعها
–طب اهدى يا حبيبتى مش كده

أشارت إليه بالانصراف تحاول جاهدة السيطرة على دموعها:
–اخرج يا أيسر وياريتك تخرج من حياتى كمان ولو مصر تبقى حارس مليكة يبقى تلتزم حدودك وكلامك معايا يبقى فى الحدود المسموح بيها اه وحاجة كمان أنا هرفع عليك قضية طلاق لو مش عايز تتطلقنى بالذوق هطلق منك بالمحكمة والقانون وأنا عندى محامين شاطرين أوى هيطلقونى منك بسرعة لأن خلاص مش حابة أبقى على ذمة واحد كداب وغشاش وخاين زيك أنا سكت السنين اللى فاتت لكن دلوقتى خلاص عايزة أعيش بهدوء أنا وبنتى ونعيش مع حد يقدرنى مش واحد شاطر غير أنه يضحك عليا

فى حديثها إشارة واضحة لأمير تجاهلها أيسر إلا أنه لم يمنع نفسه من هز جسدها بسبب غيرته الشديدة

هدر بها بصوت غاضب:
–صدقينى مش هطلقك يا ثراء ولا هخلى اللى اسمه أمير ده ياخدك منى لو حتى أخر يوم فى عمرى هتفضلى مراتى وعلى ذمتى حتى لو قتلتينى برضه مش هطلقك

أخرج سلاحه النارى من خصره وضعه بيدها يصوب به إلى قلبه ارتعدت هى من فعلته فوجدته يستطرد قائلا:
–لو عايزة تبعدى عنى وتبقى لحد غيرى يبقى تضربينى بالمسدس ده وتقتلينى يا ثراء لأن على جثتى لو شيلتى إسم حد غيرى

ألقت السلاح من يدها أرضاً وهى تشعر بالخوف إرتعدت أوصالها ظلت تأخذ أنفاسها بصعوبة فأقترب منها يحتضنها يربت عليها بحنان :
–أنا مش قصدى أخوفك يا نور عيونى بس هتبقى دى النتيجة يا ثراء هخليكى تقتلينى بايدك لو فكرتى تبعدى عنى تانى

لامت نفسها كثيراً على عودتها إلى مصر فماذا كانت تظن ؟ أنها ستحيا بهدوء مع صغيرتها ،وأنها ستتجنب رؤيته ومقابلته ولكنها علمت الآن أنها واهمة ضيقة الأفق فهو يحاصرها يحيطها كالهواء وربما تلك السنوات الماضية قد أظهرت به جانباً أخر لم تختبره هى من قبل ذلك الجانب المتمرد و القاسى ببعض تصرفاته
_________
تنقلت مليكة بمرح من مكان لآخر بغرفة مكتب أمير نظر إليها بابتسامة ليعاود توقيع الأوراق التى بين يديه بعد الإنتهاء ترك مقعده وأقترب منها يجلس بجوارها يريد سؤالها عن وجود أيسر بالمنزل فمنذ رؤيته وعقله لاينفك عن التفكير فى الأسباب التى جعلت ثراء تلجأ إليه فهى لم تخبره بهذا الشأن

مد يده يزيح تلك الخصلة الحريرية من على وجهها يبتسم لها قائلا:
–كوكى أنتى تعرفى الراجل اللى كان موجود الصبح ده شوفتيه جه عندكم البيت قبل كده

حركت مليكة رأسها نفياً وهى تقضم من الحلوى التى بيدها:
–لاء يا بابى مشفتوش قبل كده النهاردة أول مرة أشوفه
مامى بتقول هيبقى الحارس بتاعى

انزعج أمير من فكرة كون أيسر سيصبح حارس لمليكة فلماذا دائماً يكون حاضراً بأى شئ يخص ثراء ففكر أنه ربما يتحدث معها بشأن ذلك الأمر ويجعلها ترفض أقتراحه ولكنه يعلم أنها من الممكن أن لن تستمع له فهو رأى بعينيها اليوم نظراتها إليه حتى وأن حاولت أن توارى ذلك خلف قناع البرود والجمود وعدم الاكتراث الذى ترتديه وتجابه به الآخرين

تأففت مليكة قائلة بضجر:
–بابى أنا عايزة أمشى أنا زهقت

–ايه رأيك نروح لماما يا كوكى
قالها أمير ينتظر إجابة الصغيرة فصفقت مليكة بحماس

هبت واقفة تقفز مكانها بسعادة:
–يلا يا بابى بسرعة أنا عايزة أشوف مامى

سحبت يد أمير تجعله يترك مكانه هو الآخر فحملها بين ذراعيه حتى وصل إلى سيارته اجلسها بجانبه يغلق لها حزام الأمان الخاص بمقعدها ،أنطلق بالسيارة حتى وصل إلى الشركة ترجل من السيارة ،حمل أمير الصغيرة التى غفت بالطريق فوصلا إلى غرفة مكتب ثراء طرق الباب بخفة فلم يسمع رداً منها فتح الباب إلا أنه تسمر بوقفته فهو رأى ثراء بين أحضان أيسر يتعانقان بشوق بالغ ولكن رأها تقاومه بضعف كأنها ممزقة بين رغبتها بوجودها معه وبين نفورها منه

سمع صوت أيسر وهو يلفظ أنفاسه بصعوبة يتنهد شوقاً:
–ثراء صدقينى أنتى حبيبتى أنتى نور عيونى وأغلى مافى حياتى كلها

أنتظر يستمع لردها هى الأخرى فوجدها قائلة :
–أنت كداب يا أيسر والدليل أنك لسه معاها ومستنياك برا وكمان بتقول عليها أنها مديرة أعمالك

قطب أمير حاجبيه بتفكير فمن تقصد ثراء بحديثها فأغلق الباب ثانية لم ينتبه لقدوم صافى التى أصابها السأم من أنتظار أيسر فأقتربت من الباب فوجدت من يقف على الباب كمن يتلصص على من بالداخل

فهتفت به صافى قائلة بتفكير:
–هو أنت واقف كده ليه وبتبص على إيه

ارتعد أمير بخفة بعد سماعه صوت صافى فنظر إليها مطولا قبل ان يرد عليها:
–خضتينى أنتى مين أنتى كمان

لوت صافى شفتيها قائلة :
–أنا أبقى مديرة أعمال دكتور أيسر الرافعى

علم أمير من تكون تلك الفتاة التى كانت تقصدها ثراء بحديثها فابتسم ابتسامة خفيفة:
–اه أهلا بيكى دى تبقى مليكة بنت ثراء وأنا يعتبر خطيبها أسمى أمير الصواف

لم تفقه صافى شئ مما قاله إلا أنها لم تجادل معه بذلك الشأن فطرقت هى الباب تلك المرة لتدلف بعدها قائلة باستياء:
–أيسر حرام عليك أنا زهقت من القاعدة برا وكمان فى عملاء كتير مستنينك فى شركة الحراسة

ولج أمير خلف صافى وهو يحمل مليكة التى بدأت تستفيق من نعاسها فركت عينيها تبتسم لثراء:
–مامى أنا جيت مع بابى علشان نشوفك

فتحت ثراء ذراعيها لتضم الصغيرة تقبلها على وجنتها:
–حبيبة قلب مامى يا كوكى

أشارت صافى لأمير قائلة بابتسامة عريضة:
–أنا قابلت خطيب حضرتك على الباب هو وبنتك ربنا يباركلك فيها

زادت النيران بقلب أيسر بعد سماع ما تفوهت به صافى فعن أى خطيب تتحدث؟ قبل أن يفه بكلمة واحدة وجد ثراء قائلة :
–أه أمير يبقى خطيبى يا أنسة عقبالك إن شاء الله

نظرت إليه بتحدى فكل الظروف تحالفت ضده فهى تصرح الآن بكون أمير خطيبها ولكن هل تناست أنها ما زالت زوجته حاملة إسمه قبل أن تراه صارخاً بوجهها فاستطردت قائلة بهدوء:
–أتفضل يا دكتور أيسر علشان متعطلش نفسك وأنا مش ناسية الصفقة بتاعة النهاردة وهكون موجودة أنا وشهاب فى الميعاد علشان نخلص الصفقة دى

تحدثت بنبرة علمية بحتة كأنها ليست ثراء التى كانت ترتجف بين ذراعيه منذ دقائق والتى صرحت له عيناها بأنها تشعر بالغيرة كباقى بنات حواء فغيرتها من وجود أنثى اخرى قريبة منه دليل قوى على أنها مازالت تحبه ولكن لماذا تضع العراقيل بطريقهم؟ ولماذا أصبحت الظروف والمواقف تعانده؟ فكلما حاول إصلاح ما بينه وبينها يزداد الأمر سوءاً فماذا يفعل هو الآن؟ فهو يرغب في الصراخ حتى يتلاشى صوته وتنقطع أحباله الصوتية فهل سيظل هكذا طوال حياته ؟يركض خلف سعادته وهى تفر من بين يده كالماء التى تتسرب من بين الأصابع

طالعها قائلا بابتسامة صفراء:
–هتخلص الصفقة وهيخلص معاها حاجات كتير متقلقيش

حدجها بنظرة مشتعلة فقابلتها بنظرة باردة متحدية:
–عارفة أنها هتخلص معاها حاجات كتير وياريت تكون بشكل نهائى لأن لما الشئ بيطول زيادة عن اللزوم بتبقى حاجة بايخة أوى وخصوصا لو الطرفين عارفين أنهم وصلوا لنهاية الطريق وملهاش لازمة المماطلة فى حاجة خلاص أنتهت

فمن يراهم الآن لا يصدق أنهم عندما يكونون بمفردهم يذهب كبرياءهم أدراج الرياح ويتعلق كل منهم بالآخر كأثنان ضلوا طريقهم بغابة كبيرة ووجدوا الأمان برفقة بعضهم البعض فتلك العناقات الصغيرة التى يحصل عليها منها هى من تجعله يتجلد بالصبر حتى ينجلى سوء التفاهم بينهم ولكن كلما شعر بوصوله إلى مبتغاه يعود إلى نقطة البداية من جديد ولكنه لن يجعل اليأس يتسرب لنفسه فهو سيظل يحاول إعادتها إليه حتى لو أستغرق ذلك عمره بأكمله فهو لن يتركها ولن يترك أحد أخر ينعم بقربها غيره فظل واقفاً مكانه لا يريد الإنصراف قبل أن ينصرف ذلك المدعو أمير فنقلت ثراء بصرها بينهم فهو كأنهم على بدء معركة حامية بينهم فأرادت صرفهم فهى لديها من ألام الرأس ما يكفيها ،فأقتربت من مكتبها تدق الجرس الخاص بنور فدلفت سريعاً قائلة:
–أفندم حضرتك

فأفتر ثغرها عن إبتسامة خفيفة قائلة:
–نور معلش خدى مليكة وخلى السواق يوصلكم وروحيها البيت لماما علشان هتأخر فى الشغل شوية

أومأت نور برأسها إحتراماً لتأخذ الصغيرة من يدها بعد تقبيل ثراء لها بعد خروج مليكة برفقة نور

رفعت ثراء يدها تشير للحاضرين بالإنصراف:
–أتفضلوا أنتوا علشان عايزة أخلص الشغل اللى ورايا من فضلكم

أقترب أيسر من صافى فأردف بصوت هادئ:
–صافى إسبقينى على شركة الحراسة فى شوية شغل هنا هخلصه وأجى وراكى

رحلت صافى يتبعها أمير وأيسر الذى خرج من غرفة مكتب زوجته مسرعاً يغلق الباب خلفه ليلحق بأمير قبل ذهابه

فنادى بصوت صارم:
–أنت يا أبن الصواف

أستدار أمير إليه يحدق به يضع إحدى يديه بجيب بنطاله قائلاً :
–عايز إيه يا أبن الرافعى

لم يمهل أيسر نفسه وقتاً للتفكير فأقترب منه يقبض على ياقة قميصه قائلاً بنزق:
–أحسنلك تبعد عن مراتى إنت فاهم علشان أنا مش هسمحلك لا أنت ولا غيرك أنه يقرب منها مفهوم

هز أيسر جسد أمير كأنه بذلك يرسخ ما قاله بعقله فأزاح أمير يده عن ثيابه بغضب:
–شيل إيدك وأعرف أنت بتتكلم مع مين نسيت أنا مين ثم ثراء خلاص كرهتك ومبقتش طيقاك ولا عايزة تبص فى وشك بعد اللى عملته فيها

–الظاهر إنت اللى نسيت أنا دلوقتى مين

سدد له أيسر لكمة قوية بأنفه نزف على أثرها رأى أمير الدم على أطراف أصابعه بعد تحسس مكان تلك اللكمة فزاد جنونه فلكمه هو أيضاً بفمه فأصاب جانب شفتيه فنشب بينهم عراك تجمع العاملين بالشركة لرؤية على ماذا يتعارك هذان الرجلان؟

سمعت ثراء صوت الجلبة أمام غرفة مكتبها فخرجت لترى ماذا يحدث فأتسع بؤبؤ عينيها وفغر فاها وهى ترى أيسر وأمير يتعاركان فيما بينهم يحرص كل منهم على النيل من الآخر فأنف أمير مخضب بالدماء وكذلك جانب فم أيسر عوضاً عن تمزيق كل منهم لملابس الاخر

سمعت صوت أيسر يزمجر بتهديد:
–أنت عارف لو مبعدتش عنها هقتلك فاهم هقتلك

–أنت واحد همجى وتربية شوارع فعلاً
قالها أمير وأقترب منه راغباً فى تسديد المزيد من اللكمات له

لم ينهى هذا القتال والعراك بينهم سوى صراخ ثراء بهم قائلة:
–بااااااااااااس أسكتوا انتوا بتعملوا إيه فاكرين نفسكم فين هنا

أقتربت تسحب زوجها من ذراعه ليكف عن لكم أمير وأشارت لأمير قائلة برجاء:
–بليييز يا أمير أمشى دلوقتى

عدل أمير من هندامه المبعثر قليلاً وغادر الشركة بينما سحبت هى زوجها من مرفقه تدخله معها غرفة مكتبها وأشارت للعاملين بالإنصراف

وصلت لأحد الارائك دفعته بلطف حتى جلس عليها دارت هى حولها نفسها بغيظ قائلة:
–أقدر أعرف إيه شغل العيال بتاعكم ده بتتخانقوا على إيه ولميتوا الموظفين وخلتوهم يتفرجوا عليكم وزمانهم دلوقتى بيألفوا قصص علينا يارب تكون مبسوط يا أيسر باللى عملته والفضيحة اللى أنت عملتها لنفسك ولينا معاك

مد يده بعدم إكتراث يشمر عن ساعديه كأنه لم يستمع لما قالته أخرج من جيبه محرمة قطنية لمسح تلك الدماء النازفة من جانب فمه ، عندما رأت ذلك وجدت نفسها تذهب لأحد أركان المكتب تفتح أحد الأدراج تخرج علبة خاصة بالإسعافات الأولية أقتربت منه بدون أن تفه بكلمة سحبت قطنة صغيرة تقترب منه تمسح هى دماءه لتعاود الكرة ولكن أستخدمت محلول معقم وبعد الإنتهاء وضعت له لاصقة طبية صغيرة عليها وكل هذا وهو يحدق بها صامتاً فهى حتماً ستؤدى به إلى مشفى الأمراض العقلية فتارة يجدها تصرخ بوجهه وتارة يجدها تتعامل معه بلطف ورقة

قبل أن تبتعد وجدته ممسكاً بيدها قائلاً:
–أنتى خوفتى عليا يا ثراء

زفرت ثراء قائلة بسماجة:
–لاء مخوفتيش عليك يا أيسر ويلا قوم أمشى بقى كفاية عطلتنى عن الشغل وعملتلى فضيحة بسلامتك

رد أيسر قائلا باهتمام:
–طالما مش خايفة عليا عملتى ليه اللى عملتيه من شوية

جلست ثراء على مقعدها خلف المكتب قائلة:
–عادى حالة إنسانية أعتبرنى ممرضة شافت مصاب فحبت تساعده

أخذ أيسر سترته يغلق الباب خلفه بعنف شديد فأرتعدت هى من ذلك الصوت ولكنها لم تمنع إبتسامتها على ملامح وجهه الحانقة التى بالرغم من شجاره مع أمير وتبعثر شعره وهندامه إلا أنها لم تمنع نفسها من إلإفتتان بملامحه الوسيمة فهى بمجرد النظر لعيناه تشعر كأنها غرقت بمحيط عميق ولا تجد السبيل للوصول إلى حافة الأمان فهى تشعر بالغرق أكثر فأكثر بالرغم من تحذير عقلها لها مراراً وتكراراً من أن لاتنزلق بتلك الهوة التى زلت بها قدميها سابقاً
_________
وصلت تمارا إلى مقر الشركة تحمل بيدها ملف السيرة الذاتية التى لا تعلم هى شئ عنه سوى ما قرأته به شعرت بتردد وهى مقبلة على الولوج للداخل أخذت نفسا عميقا تزفره ببطئ لتتخلص من ذلك الخوف والتوتر الذى بدأ يؤثر على حركة قدميها فهى كلما تقدمت خطوة تتراجع أخرى حتى أنها أثارت أنتباه حارس الأمن

فطالعها قائلا باهتمام:
–مالك يا أنسة فى حاجة

ردت تمارا بابتسامة متوترة:
–ها لاء مفيش حاجة أنا كنت جاية علشان أعلان السكرتيرة اللى موجود فى الجرنال

رفع الحارس يده يشير إليها بالطريق الذى يجب أن تسلكه:
–أمشى أخر الطرقة دى هتلاقى الاسانسير اطلعى الدور التالت وأسالى

ضمت تمارا الملف بذراعيها قائلة:
–متشكرة

ذهبت إلى حيث دلها الحارس وهى تتمتم بصوت خافت:
–هو إيه اللى خلانى أسمع كلامها أنا كنت عايشة حياتى وميت فل وعشرة اياك بس الموضوع يعدى على خير وملقيش نفسى مطرودة فى الشارع دلوقتى

وصلت تمارا للطابق الثالث سألت أحد العاملين عن مكتب شهاب الرافعى وصلت أمام غرفة المكتب دقت الباب عدة
دقات متتالية فولجت بعد سماعها صوته

رفع شهاب رأسه لرؤية من دلف للتو وجدها فتاة تقف على الباب تبتسم له بوجل فقطب حاجبيه قائلا:
–أيوة مين حضرتك

تقدمت تمارا حتى وقفت بمنتصف الغرفة قائلة بصوت منخفض:
–أنا حضرتك كنت جاية بخصوص وظيفة السكرتيرة

أشار إليها شهاب بالجلوس وهو لايعرف لماذا يشعر بوجود خطب ما بها فهى تفرك يدها بتوتر تزوغ نظراتها بكل مكان كأنها مجبرة على المجئ

هتف بها قائلا:
–طالما مش عايزة تيجى جيتى ليه غصب عنك

أتسع بؤبؤ عينيها من حديثه فكيف علم بذلك؟ قبل أن تهم بالرد عليه وجدته يضحك بصوت مسموع يستطرد قائلا:
–أنا كنت بهزر معاكى لأن شكلك كده زى ما تكونى راحة القسم

ابتسمت تمارا بتوتر:
–قسم إيه ربنا ما يجيب أقسام ده ملف السيرة الذاتية بتاعى وفيه كل مؤهلاتى

أخذ شهاب الملف من يدها يطالعه باهتمام واعجاب :
–أنتى معاكى شهادات تعليم لغات كويس جدا وكمان خبرة فى شغل الكومبيوتر والبرمجيات

استمعت تمارا لما يقوله بذهول فهى لا تفقه شئ مما يقوله فهى حتى لاتتحدث سوى العربية فقط وبعض الكلمات الدارجة والشائعة باللغة الإنجليزية والفرنسية

فأومات برأسها قائلة بتأكيد:
_أه أه أنا كويسة جدا فى الشغل حضرتك هتشغلنى بقى

بالرغم من عدم شعوره بالراحة إلا أنها تحمل شهادات تؤهلها لشغل هذه الوظيفة

فابتسم لها إبتسامة خفيفة:
–تمام تعالى بعد بكرة يكون العقد بتاعك جاهز يا أنسة أتفضلى أنتى دلوقتى

خرجت تمارا تتنفس الصعداء كمن خرجت لتوها من أحد أقسام الشرطة
__________
صوت نصوت نقرات ذلك الحذاء الأنثوي جعله يرفع رأسه ليرى من القادم لم ينكر حسام استياءه من رؤية تلك الفتاة المدعوة أيتن صديقة زوجته المقربة لايجد مبرر لذلك الضيق الذى يصيبه من رؤيتها أو سماع صوتها فهى لم تفعل له شيئاً ولكن كلما حاول أن يضع ضيقه منها جانباً يعود إليه بغير إرادة منه

أقتربت أيتن من مكتبه تخلع نظارتها الشمسية قائلة بغنج أنثوى:
–هاى يا باشمهندس حسام أنا جيتلك علشان أشوف الموديلات الجديدة للعربيات

رفع حسام يده يشير إليها بالجلوس قائلا بتهذيب:
–أتفضلى يا أنسة أيتن شرفتينى

جلست أيتن تستريح بجلستها تضع ساق على الأخرى حتى ربما انكشف نصف ساقها باغراء ،ضغط حسام على زر بمكتبه دلف العامل بالمعرض طلب منه حسام جلب مشروب لأيتن فذهب العامل سريعاً لتنفيذ ما طُلب منه

أنحنت أيتن بجزعها قليلا تستند على حافة المكتب قائلة بصوت ناعم:
–مش هنشوف العربيات يا حسام أوبس سورى قصدى يا باشمهندس حسام

رفع حسام حاجبه ولوى شفته العليا باستنكار إلا أنه حاول أن يخرج صوته هادئاً:
– لا ولا يهمك يا أنسة أيتن أتفضلى معايا أتفرجى على العربيات

نهض حسام من على مقعده من خلف المكتب يسبقها للخارج ظلت أيتن تتبعه بنظراتها تتأمل هيئته الجسمانية قضمت شفتها السفلى باغراء حتى أنتبهت على صوته يناديها
–أنسة أيتن أتفصلى

أقتربت أيتن تتفحص السيارات حتى وقع أختيارها على سيارة باللون الأحمر فهتفت باعجاب:
–واووو العربية دى تحفة ولونها جميل أوى ممكن أجربها

هز حسام رأسه بالموافقة فجلست أيتن بداخل السيارة تتأكد من خلوها من أى عيب فترجل منها ثانية واغلقت الباب تستند عليها قائلة:
–العربية دى خلاص عجبتنى ولونها الأحمر مثير جدا لون الشغف ده لونى المفضل

وضع حسام يديه بجيبى بنطاله قائلاً :
–مبروك عليكى يا أنسة تحبى نكتب العقد بتاعها ولا تحبى تاخدى وقتك تفكرى هى سعرها……لو مش هيناسبك ممكن تشوفى عربية تانية

أزاحت أيتن شعرها خلف أذنها قائلة بغرور:
–العربية مش غالية ولا حاجة أنا أقدر أشتريها وأشترى أغلى منها كمان أنت مش عارف أنا بنت مين فى البلد

ذكرته بذلك الغرور القمئ الذى كان يكرهه من ذوات الطبقة المخملية فهو بالرغم من كونه أصبح شاباً ثرياً تعود أصول عائلته لأرقى العائلات وأكثرها ثراءاً بمصر إلا إنه لا يحبذ ذلك التعالى والغرور
رد حسام قائلاً بعدم أكتراث:
–لاء عارف مش أنتى صاحبة ميرا أكيد يعنى اهلك ناس أغنيا

إبتعدت أيتن عن السيارة فصارت بالقرب منه فأرتد هو بخطواته للخلف ليتجنب أى احتكاك مباشر بها فابتسمت بمكر عندما علمت أنه فعل ذلك حتى لا تقترب منه

هتفت أيتن قائلة بنعومة:
–مش يلا علشان نكتب العقد وكمان هكتبلك الشيك بتمن العربية يا حسام

ضمنت أسمه الكثير من رقة صوتها و حركت شفتيها انبأته بأن تلك الفتاة لاتريد منه شراء السيارة وحسب فتمنى أن تذهب سريعاً حتى لا يتخلى عن تهذيبه ويقوم بطردها حركت شفتيها انبأته بأن تلك الفتاة لاتريد منه شراء السيارة وحسب فتمنى أن تذهب سريعاً حتى لا يتخلى عن تهذيبه ويقوم بطردها
أسرع الخطى إلى مكتبه أخرج بعض العقود وتم امضاءها تمنى ان تقفز عقارب الساعة حتى يحين رحيلها

بعد عدة دقائق نهضت أيتن تريد مصافحته قبل ان تغادر:
–سلام يا حسام

نظر إلى يدها الممدودة وعاود النظر إلى وجهها قائلا بجدية:
–أسف مبسلمش على ستات

علم أنه سبب لها الإحراج ولكنه يريد أن تعلم مع من تريد أن تعبث فليس هو من سيجلب الأسى والحزن لقلب زوجته ،سحبت يدها بضيق قائلة باستياء:
–ولا يهمك عن أذنك

رحلت وصوت خطواتها الغاضبة يرن بأذنيه فزفر بارتياح بعد ذهابها نظر بهاتفه فوجد الوقت قد حان لعودته إلى حبيبته فهو أول من يعايدها بذكرى يوم مولدها فأخذ سيارته وذهب لشراء أجمل باقة من الورود والزهور تحسس جيبه ليتأكد من وجود ذلك الخاتم الذى أوصى به من أجلها فهو أخبر ثراء بنيته لشراء خاتم لزوجته لتوصى هى بعمله من أرقى المشغولات الماسية الجديدة للشركة

وصل إلى المنزل وذهب إلى غرفته يناديها بشوق:
–ميرا ميرا أنتى فين يا مهلبية أنتى

خرجت ميرا من غرفة الثياب بعد سماع صوته أتسعت حدقتيه وهو يراها تقترب تردى ذلك الرداء الابيض التى يصف جمالها بشكل أخاذ أطلق صفيرا عاليا من إعجابه برؤيتها

فاقترب منها يناولها باقة الورود قائلا بحب:
–كل سنة وأنتى طيبة يا حبيبتى أنا عارف ان عيد ميلاد لسه بكرة بس طبعا لازم أكون اول واحد يحتفل بيه معاكى قبل أى حد

تناولت باقة الورد من يده تضمها إلى صدرها تستنشق رائحة الورود العطرة فتطلعت لوجه قائلة:
–تسلملى يا سمسم يا حبيب قلبي

أخرج الخاتم من جيبه فتح العلبة الصغيرة وتناول يدها يلبسها إياه ثم قبل وجنتيها قائلا بنظرة متكاسلة:
–مهلبية سمسم أنتى ليلتنا بيضة ان شاء الله

أشواق تتحدث ونبضات تخفق وقلوب تتلهف للقاء يخيم الصمت الجميل على الأجواء فتلك اللحظات لايتحدث بها سوى صوت الغرام الذى شب بقلبين قلب زوجة ترى به مرساة الأمان وقلب زوج يرى فتنة جميع النساء بها هى فقط
_________
عاود شهاب النظر بالملف إلا انه انتبه على رنين هاتفه فتح الهاتف مردفا:
_أيوة يا ثراء

ردت ثراء قائلة بهدوبسببىه
شهاب فى عشاء عمل علشان صفقة الألماس

–أه أنا فاكر الميعاد وعارف أن أيسر هو اللى هيعقد معاهم الصفقة حصل حاجة جديدة
قال شهاب جملته فى إنتظار سماع ردها

تنهدت ثراء قائلة بهدوء:
–هو مينفعش تروح أنت يا شهاب وبلاش أنا أنا تعبانة ومش قادرة أروح

رد شهاب قائلا باهتمام:
–مالك يا ثراء ولا علشان مش عايزة تقابلى أيسر بس المشكلة أن لازم أنا وأنتى لازم نمضى على العقود كطرف تانى فى الصفقة بعد أيسر وإلا كده الصفقة مش هتم والصراحة هنخسر كتير دى صفقة كتير كانوا بيجروا وراها

عاودت ثراء الحديث تشعر بثقل يجثم على قلبها :
–خلاص يا شهاب هاجى أنا برضه ميرضنيش أن الشركات تخسر بسببى أشوفك هناك

أنهى مكالمته مع ثراء وتذكر أن ذكرى مولد شقيقته قريباً فهو اعتاد أن يرسل إليها الهدايا بهذا اليوم المميز ففكر أن يذهب تلك المرة لينتقى لها ثوباً جديداً من أجلها فأشارت إليه السكرتيرة بالذهاب لأحد دور الأزياء الحديثة فى صنع ثياب المحجبات وصل الى العنوان الذى أدلت به سكرتيرته ركن سيارته أمام المتجر وترجل منها نظر حوله فوجد العديد من النساء يترددن على المكان فربما سكرتيرته محقة بشأن تلك المصممة ولج للداخل تقابل مع إحدى الفتيات

فابتسم لها إبتسامة خفيفة :
–لو سمحتى كنت عايز فستان محجبات بمشتملاته

قبل أن ترد الفتاة لمح ضحى تخرج من الداخل تهتف بالفتاة:
–الفساتين اللى خلصت ابعتيهم على العنوان ده

لم يفه شهاب بكلمة فهو ظل يحدق بها وهى غير منتبهة فنظرت اليه بغرابة:
–استاذ شهاب هو أنت خير فى حاجة

وضع شهاب يده بجيبه يطالعها بهدوء:
–أنا كنت جاى عايز أشترى فستان بس معرفش ان المحل ده بتاعك مبروك

ابتسمت ضحى قائلة:
–الله يبارك فيك مقولتليش عايز الفستان بمناسبة إيه ولمين

رد شهاب قائلا بابتسامة:
–عيد ميلاد ولميرا أختى

أشارت إليه بالجلوس قائلة:
–أتفضل حضرتك أرتاح تحب تشرب إيه وهجبلك كتالوج اخر الموديلات اللى عندنا أنا كنت النهاردة هبعت لثراء فستان محتجاه لو عجبك حاجة هبعتهم الاتنين مع بعض

جلس شهاب يستريح بجلسته :
–متشكر مش عايز أشرب حاجة يا أنسة ضحى ولا أنتى اتجوزتى دلوقتى أنا بقالى سنين مشوفتكيش من ساعة ما ثراء سافرت

احمرت وجنة ضحى من حديثه فهتفت بصوت خافت:
–لاء أنسة عن أذنك هجبلك الكتالوج

أسرعت الخطى فى الهروب من أمامه وهو لا يعرف لماذا أتسعت ابتسامته منذ رؤيتها هل لأنه تذكر تلك المواقف التى جمعتهم سويا والتى كانت تنتهى بالمشادات الكلامية بينهم ،دقائق وعادت ضحى وضعت أمامه الكاتالوج ظل يطالعه باهتمام حتى وقع اختياره على ثوب رآه مناسباً

فهتف بصوت هادئ:
–الفستان ده كويس جدا و هيبقى جميل على ميرا هو تمنه كام

ابتسمت ضحى قائلة :
–تمام بالنسبة للسعر خليها عليا المرة دى أنت من طرف ثراء ومتعرفش ثراء ايه بالنسبالي وأى حد من طرفها مش بعاملة زى احد حد بيبقى ليه معاملة مميزة والفستان أن شاء الله هيوصل النهاردة البيت لو حابب تبعت معاه كارت أوى حاجة نبعته مع الفستان مفيش مانع

ربما لم يستمع لنصف ما تفوهت به فهو لا يعلم لماذا يحدق بها هكذا؟ كأنه يراها أول مرة بحياته حتى هى ضمت حاجبيها بغرابة من حملقته بها

فأردفت برنة صوت هادئة:
–مالك يا أستاذ شهاب فى حاجة
يتبع….!!!!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى