جفت الدماء بعروقها فأستدارت إليه تزدرد لعابها بخوف شديد وتجمعت حبات العرق على جبينها فركت يدها بتوتر بالغ تبحث عن سبب مقنع تخبره به فهتفت قائلة :
–أصل كنت كنت يعنى
طالعها أيسر بغرابة من تلعثمها الواضح بالحديث فهتف بها بصرامة:
–كنتى ايه ما تردى بسرعة ومالك بتهتهى ليه كده أنت بتعملى ايه هنا بالظبط قولتلك أنطقى أحسن ليكى
نظرت تمارا من خلف كتفه فربما تستطيع الفرار من الغرفة قبل أن يضيق عليها الخناق بسؤاله إياها عن ماذا كانت تبحث بغرفة مكتبه؟
أغمضت عينيها أخذت نفساً عميقاً كمن تهيأ نفسها لسباق للركض أطلقت لساقيها الريح ولكنها كانت تعيسة الحظ لإلتقاطه إياها قبل خروجها من الباب
–أنتى مفكرة نفسك راحة فين أنتى
هدر أيسر بجملته بصوت جهورى أثار الرجفة ببدنها
زاغت بعينيها تبحث عن مخرج لمحت تمارا قدوم صافى فوجدتها فرصة سانحة فصرخت بصوت عالى:
–ألحقوووونى
تعجب أيسر من صراخها فوجدها تقترب منه تدفعه بيدها قائلة بدموع زائفة:
–حرام عليك هو علشان أنا غلبانة وفقيرة مفكرنى أن أنا رخيصة وعايز تعتدى عليا
سمعت صافى هذا الحديث وهى تقف على الباب فهى رأت المكتب بحالة عارمة من الفوضى وفتاة تحاول الفكاك من أيسر
–هو فى إيه يا أيسر
هتفت بها صافى رغبة منها فى معرفة ما يدور بينهم فأبتعدت تمارا عنه سريعاً تقترب من صافى بعينان باكيتان:
–كويس أنك جيتى دا كان عايز يعتدى عليا وأنا فضلت أهرب منه
أستند أيسر على حافة مكتبه يعقد ساعديه يستمع لما تقوله تمارا فرد قائلاً:
–ها وإيه تانى كنت عايز أعمل ايه تانى قولى متخافيش
أشار لصافى باغلاق الباب فأغلقته تستند عليه فصافى تعلم أخلاقه جيداً وفكرت فإذا كان يريد الإعتداء عليها لماذا ترك الباب مفتوح على مصراعيه؟ فأيقنت أن تلك الفتاة كاذبة
شعرت تمارا بأنها محاصرة بينهم فالباب تستند عليه صافى وأيسر يستند على حافة المكتب فهى كفأر وقع بالمصيدة
إذدردت لعابها تقول بصوت متحشرج:
–أااانتوا عايزين منى إيه سيبونى أمشى
ردت صافى قائلة ببرود:
–لما تقولى الحقيقة هنسيبك تمشى غير كده أنتى مأنسانا ولا أقولك أطلبلها البوليس يا أيسر
سمعت تمارا ذلك شعرت بالخوف يحتل أوصالها والرعب يدب بعروقها فهى لا تريد العودة للسجن مرة أخرى ولا تريد أن تبوح بحقيقتها ظل عقلها يدور تبحث عن حل حتى ألتمعت فكرة برأسها
–كان شهاب بيه طلب منى أجيب ملف مهم من المكتب هنا وكنت بدور عليه وغصب عنى المكتب اتبهدل بس كنت هروقه هى دى كل الحقيقة صدقونى
فاشلة هى حقاً فى الكذب فأيسر رأى معالم التيه على وجهها ومحاولتها إختراع أسباب لا تمت للواقع بصلة فترك مكانه حتى أقترب منها فظلت تتراجع حتى أصطتدمت بصافى خلفها ظلت تطالعهم برعب وهى ترى نظراتهم تكاد تعرى روحها حتى تقول الحقيقة ،فُتح الباب ليولج شهاب الغرفة بابتسامة فشكرت تمارا تلك الظروف التى أتت بشهاب فى ذلك الوقت فهى بمجرد رؤيته فرت هاربة من الباب الذى دلف منه للتو
رأى شهاب فعلتها فسأل بغرابة:
–هو فى إيه ومالها بتجرى ليه كده
حاول أيسر الركض خلفها ولكنها أختفت بلمح البصر أختبأت خلف تلك الأعمدة الضخمة بالرواق تتوارى عن أنظاره وعندما رأته يعود أدراجه للداخل أسرعت فى الفرار من المكان وأشارت لسيارة أجرة وهى تلتفت خلفها خشية أن يكون أيسر عاد ثانية فحثت السائق على أن ينطلق بسرعة تدلى له بالعنوان المفترض به إيصالها إليه فعاد أيسر ثانية إلى مكتبه فمازال شهاب يقف مكانه ينتظر تفسيراً لما يحدث فصافى أيضاً خرجت خلفه ولكنها عندما رأته عائداً عادت هى الأخرى،بات أيسر ذهنه مشغولا ً بما حدث إلا أنه لم يريد تعكير صفو مزاجه فاليوم سيذهب لجلب ثراء ومليكة لمنزله
_____________
عَلت وتيرة أنفاسه الحانقة وأصدر صوتاً متأففاً بعد سماع صوت ذلك الحذاء الأنثوي فعلم من تكون قبل أن يرفع رأسه ويراها ومن يكون غيرها تلك الفتاة المدعوة أيتن والتى لا تنفك عن المجئ للمعرض منذ شراء تلك السيارة متعللة بأن السيارة بها بعض العيوب
أقتربت أيتن من مكتب حسام قائلة بغنج :
–هاى يا باشمهندس حسام
زفر حسام بضيق قائلاً:
–خير يا أنسة أيتن العربية فيها حاجة تانية
تجاهلت صوت زفراته الحانقة وجلست على المقعد أمام المكتب تضع ساق على الأخرى قائلة ببراءة:
–هو أنت مضايق منى يا باشمهندس حسام
وضعت قناع البراءة على وجهها ولكنه لم يتأثر بذلك بل ظل ينقر سطح مكتبه بذلك القلم الذى يحمله بين أصابعه قائلا:
–وهضايق منك ليه بس عايز أعرف كل العيوب اللى بتقولى عليها فى العربية دى جت منين العربية أنتى وخداها فبريكة والصراحة دى أول مرة حد يشتكى أنه أخد من عندى عربية بس هقولها لحضرتك تانى لو العربية مش مريحاكى ممكن أبدلهالك أو حتى أرجعلك تمنها ويادار ما دخلك شر مع أن كده هتسببلى خسارة بس مش مهم المهم حضرتك ترتاحى وتريحينى معاكى
علمت أنه وصل لحافة صبره وهذا ما تريده أن تجعله يتخلى عن سلوكه المهذب فربما ستكون فرصتها بالتقرب منه
أستندت بمرفقها على طرف المكتب تضع يدها على وجنتها قائلة بصوت ناعم:
–وأنت يهمك راحتى أوى كده أنا كمان نفسى أريحك ومتبقاش مضايق وعصبى كده على العموم المرة دى كنت جيالك علشان تبصلى على العربية مش أنت مهندس ميكانيكا برضه وبتفهم فى العربيات تشوفلى الموتور بيقطع ليه
–حاضر أتفضلى معايا
قالها حسام وترك مقعده يسبقها فى الخروج حتى وصل لسيارتها التى قامت بصفها أمام المعرض فتح الغطاء الامامى ليرى ما بها ظل ينظر بتمعن ولكنه لا يجد أى عطل بمحرك السيارة
رفع رأسه إليها بعد أن وصلت إليه تقف بجوار السيارة تستند عليها بدلال ظاهر:
–العربية كويسة ومفيهاش أى حاجة يا أنسة أيتن فى أى حاجة تانية علشان هقفل المعرض ومروح دماغى صدعت وتعبان شوية
فتحت أيتن باب السيارة ترمقه بنظرة ذات مغزى قائلة:
–تمام يا باشمهندس حسام أشوفك بخير أبقى سلملى على ميرا وريان
أدارت محرك السيارة تنطلق بها فجز حسام على أنيابه قائلا بغيظ:
–البت دى شكلها مش هتجبها البر إلا لو قطمت رقبتها أصحاب إيه دى اللى ميرا مصحباهم دى الزبالة أنضف منهم ربنا يكفينا شر الغواية
ولج حسام للداخل ثانية يلملم أغراضه راغباً فى الذهاب للمنزل اليوم باكراً وزادت رغبته خاصة عندما رأى تلك الفتاة التى تصيبه رؤيتها بالضيق والغضب فهو يتحين الفرصة المناسبة لإخبار زوجته بأخلاق تلك التى تزعم أنها صديقتها المقربة ولكنها ليست سوى فتاة متجردة من معانى الأدب والحياء تمارس دلالها على زوج صديقتها متغافلة عن أنه يعلم مدلول تلك الأفعال التى تفعلها وأنه متيم بحب زوجته وأم طفله عاد للمنزل قابل زوجته التى تلهو برفقة ريان ومليكة ثم توجه رأساً إلى غرفته راغباً فى نيل قيلولة حتى يستعيد نشاطه قبل مجئ أيسر ، أرتمى على الفراش وعقله يدور بعدة إتجاهات حتى غفا أخيراً بنومه
_____________
طالعت مايسة هاتفها تنظر لصور هؤلاء الأطفال فدمعت عيناها فهى حتى الآن لم يأذن لها الله بالإنجاب فقد مر على زواجها أكثر من خمسة أعوام ولم تحمل بأحشاءها طفل حتى الآن، فكل شهر تأمل بأن يحدث الحمل ليخيب أملها دائماً فهى لا تعرف سبباً لذلك فهى إرتادت هى وزوجها عفيفى عيادات كثير من الأطباء مؤكدين أنهم بحالة جيدة ولا يوجد عائق لمنع الإنجاب
ولج عفيفى الشقة بعد عودته من الورشة وأغلق الباب خلفه سمعت مايسة صوت إغلاق الباب فنهضت من مكانها بغرفة النوم وخرجت إلى الصالة وجدته قد عاد من عمله باكراً اليوم
شقت إبتسامة خفيفة شفتيها قائلة:
–حمد الله على السلامة يا عفيفى رجعت بدرى النهاردة يعنى مش عوايدك
رد عفيفى قائلا ً ببشاشة:
–خلصت اللى ورايا بدرى النهاردة علشان عايز أروح أنا وأنتى نروح نزور الأسطى حسام علشان وحشنى فحضريلنا الأكل على ما اخد دش وأغير هدومى يا مايسة
أومأت مايسة برأسها وذهبت للمطبخ لإعداد الطعام وقفت أمام الموقد تقلب الطعام ولكنها شردت فيما كانت تفكر به وتريد إخبار زوجها بشأنه لم تنتبه لما تفعل إلا عندما سمعت صوت عفيفى يمازحها:
–إيه يا مايسة الأكل خلاص هيتحرق ريحته طلعت
أجفلت مايسة بعد سماع صوته وارتعد جسدها بخفة لترمقه بابتسامة قائلة:
–الله يسامحك يا عفيفى خضتنى
أقترب منها عفيفى يسحب الملعقة من يديها يديرها إليه تفرس بملامحها لبرهة قبل أن يقول:
–فى إية يا مايسة مالك سرحانة كده ومش على بعضك فى حاجة حصلت ومخبياها عليا
زفرت مايسة تشعر بالوهن فخانتها دموعها فخفضت رأسها فشعر عفيفى بالقلق فماذا حدث أصابها بالحزن؟
–بجد إيه اللى حصل أنتى كده قلقتينى
رفعت مايسة يدها تمسح وجنتيها من الدموع تحاول رسم إبتسامة على ثغرها :
–عفيفى أنا عيزاك تتجوز
قطب عفيفى حاجبيه بغرابة من مطلبها فبما تهذى هى الآن؟ فهتف بصوت مصدوم:
–أتجوز ! أنتى أتجننتى يا مايسة عيزانى أتجوز عليكى أنتى فى وعيك وإيه اللى خلاكى تقولى كده أصلاً
أبتسمت مايسة من بين دموعها قائلة:
–حقك يا عفيفى تتجوز وتخلف طالما أنا مش قادرة أخلفلك عيال أنت برضه عايز عيال وعزوة
لم تستطيع إكمال حديثها فهطلت الدموع غزيرة على وجنتيها فقربها منه يربت عليها بحنو :
–بطلى هبل يا مايسة ومش عايز أسمع منك الكلام ده تانى مرة ثم الدكاترة كلهم أكدوا أن احنا مفيش مانع ان نخلف بس ربنا لسه مش رايد وإيش ضمنك أن لو أتجوزت واحدة غيرك هخلف متقوليش ليه أسيبك أنا علشان تتجوزى واحد تانى وتخلفى
رفعت رأسها عن كتفه ترمقه بغضب مما تفوه به فهدرت بضيق:
–يعنى إيه أتجوز واحد غيرك وأخلف منه يا عفيفى إزاى تقول كده أنا عمرى ما أفكر أسيبك أبدا
أفتر ثغره عن ابتسامة قائلا :
–شوفتى أنتى حسيتى بإيه لما قولتلك كده هو ده نفس اللى حسيته عايزة واحدة تانية تشاركك فيا هتستحملى كده أصلاً
خفضت رأسها ثانية فهو محق فهى لن تتحمل رؤية أنثى أخرى تأخذ منها ماهو لها بالأساس،قبل رأسها قائلا بحنان:
–أخر مرة أسمع منك الكلام ده يا مايسة مفهوم ويلا بينا بقى خلينا ناكل ونلحق نروح للأسطى حسام بقالى فترة مشفتوش هو والحاج رضوان ومين عارف يا مايسة مش يمكن ربنا يكرمنا قريب بالخلفة لكل حاجة وقتها وربنا يرزقنا الخلف الصالح
عادت لتكمل إعداد الطعام تشعر بالإطمئنان من تمسك زوجها بها تنشد من الله أن يمن عليهم بالذرية الصالحة حتى تكتمل سعادتهم سوياً،بعد إنتهاءهم من تناول طعامهم وإرتداء ثياب أنيقة أخذ عفيفى زوجته متجه إلى منزل جمال الرافعى لزيارة حسام وعائلته فهو يفعل ذلك من الحين للأخر ويجد ترحاب من جميع سكان المنزل
فى منزل جمال الرافعى
صعدت جليلة تطرق باب غرفة حسام لتخبره بشأن مجئ عفيفى وزوجته وأنهم بانتظارهم بالطابق السفلى برفقة رضوان وسميرة ،فتحت ميرا الباب بعد سماع تلك الطرقات المهذبة من جليلة:
–أيوة فى إيه
إبتسمت جليلة بتهذيب قائلة:
–ست ميرا الأسطى عفيفى ومراته تحت وعايز يشوف الباشمهندس حسام
ردت ميرا قائلة بابتسامة:
–تمام ثوانى ونازلين ضيفيهم وإحنا جايين وراكى
أنصرفت جليلة وعادت ميرا للداخل لتوقظ حسام من نومه فهو منذ عودته اليوم مبكراً من عمله وهو مازال نائماً مدت ميرا يدها توكزه بكتفه برفق قائلة:
–حسام سمسم حبيبى إصحى بقى كل ده نوم
تململ حسام بنومه يهتف بنعاس:
–فى إيه بس يا ميرا سبينى أنام يا مهلبية أحسن أقوملك
رنت ضحكة عالية من بين شفتيها ففتح حسام عيناه بنظرة متكاسلة يستطرد قائلاً:
–مش قولتلك بلاش هتجبيه لنفسك
مدت يدها تقرص وجنته بلطافة قائلة:
–بطل بقى وقوم عفيفى تحت هو ومراته وكمان شوية هتلاقى أيسر جاى أنت مش راجع من شغلك بدرى النهاردة علشان تشوفه
أزاح حسام الغطاء وترك الفراش يستقيم بوقفته يرمقها بمشاكسة:
–طب هاتيلى هدوم يا مهلبية على ما أخد شاور
ولج للحمام وذهبت ميرا لغرفة الثياب تنتقى له ما يرتديه وضعت الثياب على حافة الفراش وخرجت من الغرفة هبطت للطابق السفلى تقترب من غرفة الصالون تهتف بترحيب:
–أهلا بيكم نورتونا
تركت مايسة مكانها تقترب منها تقبلها على وجنتيها قائلة:
–دا نورك يا حبيبتى
ألقت ميرا التحية على عفيفى والجالسين وجلست بجوار مايسة يثرثرن بمرح حتى مجئ حسام الذى ولج العرفة يهتف بصوت عالى ومزاح كعادته:
–عفيفى منورنى منور يا روميو
إحمرت وجنة عفيفى كعادته فضيق حسام ما بين عينيه قائلاً بمكر:
–لسه زى ما أنت يا عفيفى تيجى سيرتها وشك يجيب ألوان
رد عفيفى قائلا بصوت خافت مبتسم:
–خلاص بقى يا أسطى حسام كفايا فضايح أحسن أقول للحاجة سميرة
وضع حسام يده على فمه قائلا بجدية مصطنعة:
–لاء يا عم هسكت أهو أحسن تقوم تجرى ورايا بالشبشب ولا تقولى يا واد يا حسام قدام إبنى وتضيع هيبتى
إبتسم عفيفى على ماقاله فأجلسه حسام بجواره يسأله عن أحوال معيشته فمرت ساعتين فهب عفيفى واقفاً هو وزوجته لينصرفوا عائدين إلى منزلهم بعد قضاء وقت ممتع برفقة حسام وزوجته وطفلهم
____________
أغلقت ثراء سحاب حقيبتها وحقيبة صغيرتها فكل شئ على ما يرام الآن فكرت فى الذهاب لأخذ حمام دافئ قبل مجئ زوجها فولجت للمرحاض ملأت المغطس بالمياه الدافئة وعطور الإستحمام كأنها تريد اليوم أن تكون بمظهر لائق ومميز كعروس بإنتظار فارس أحلامها للمجئ لإختطافها على فرس الأحلام ،لم تمنع نفسها من الإبتسام على سخافة تفكيرها فتذكرت ذلك الوعد الذى أعطاه هو لها وكأنه بذلك أعلن راية المهادنة بينما ،ولكن هى حقاً لا تريد هذا فهى تريد ذلك العاشق الذى لم يكن يمهلها فرصة للرد أو التفكير فهو كان كالعاصفة التى لا تبقى ولاتذر من صمودها ومبعثراً لعنادها ومحطماً لحصون قلبها التى لم تكن بالأساس سوى جدران هشة صنعتها هى من وهم نسيانه ليأتى هو بمجرد نظرة واحدة أو عناق ليجعل قلبها هو من يهدم تلك الجدران راغباً فى الخضوع لسلطان العشق فأى سحر ألقاه هو عليها ليجعلها أسيرة عشقه هكذا فحتى بخضم نفورها منه وإقناع ذاتها بكرهها له كانت تشتهى لقياه ،خرجت من الحمام رأت والداتها تلج الغرفة
أقتربت فيروز من الفراش تجلس عليه قائلة بهدوء:
–خلصتى يا ثراء
أومأت ثراء برأسها وهى تمشط خصلات شعرها أمام المرآة:
–أيوة يا ماما خلاص خلصت كنتى عايزة منى حاجة
تنهدت فيروز لا تعرف ماذا تقول ؟ فهى حقاً ليس لديها ما يقال الآن فإبنتها لم تجعل لها مجال للحديث بما فعلته ومازالت تفعله إلا أنها خرجت عن صمتها عندما وجدت ثراء تلتفت إليها ترمقها بإهتمام ظاهر
–ثراء أنتى متأكدة أنك خلاص هتروحى تعيشى مع أيسر وبنتك
ألقت ثراء فرشاة الشعر من يدها تقترب من والداتها تجلس بجوارها على الفراش:
–أيوة يا ماما ليه بتسألى وأنتى عارفة أنا هروح أعيش معاه علشان بنتى وأنا مش عيزاه يبعد بينتى عنى ولا ياخدها منى
لم تمنع فيروز نفسها من أن تبتسم على كذبة إبنتها الواضحة للعيان فهتفت قائلة بهدوء:
–هو ده السبب يا ثراء متأكدة
زاغت بعينيها عن وجه والداتها تهتف بصوت مهزوز:
–أه طبعا هو ده السبب مفيش سبب تانى
مدت فيروز ترفع وجه ثراء تنظر بعينها تردف بهدوء:
–بتكذبى عليا يا ثراء اللى متعرفهوش أن أيسر ممكن ميقدرش ياخد مليكة منك علشان البنت بتفضل فى حضانة أمها
تعلم ثراء كل هذا وتعلم أنها تستطيع مجابهة أيسر بالمحاكم وتنال حضانة إبنتها ولكنها تذرعت بتلك الحجة حتى تخفى السبب الحقيقى لفعلتها تلك وهى أنها تريد أن تذهب لمنزل زوجها يسبقها شوقها فى رؤية ذلك المنزل الذى شيده لها كما أرادت فهى تريد أن تحيا به برفقته تريد أن تعوض مرارة فقده تلك الأعوام الماضية ،أن تستيقظ من نومها وتراه حاضراً بنفس المكان ،أن لا تغفو بنومها إلا وهى تشعر بأنفاسه تحيطها تجعلها تنام بإطمئنان عوضاً عن تلك الأيام التى كانت تتحايل على عينيها لتجلب لها النوم ويظل قلبها يأن بين ضلوعها
مدت يدها ترفع شعرها خلف أذنها تهرب من مطالعة والداتها المتفحصة فهتفت بصوت حاولت أن يكون رزيناً:
–أيسر مبقاش زى زمان وكان هيفضل مصمم على اخد مليكة منى ومكنتش حابة أعرض بنتى لمشاكل ونفسيتها تتأثر أنتى مش شيفاها لما عرفت أن أيسر أبوها بقت عاملة إزاى دى تقريباً بتسألنى فى الدقيقة يجى عشر مرات إمتى هيجى ياخدها
هزت فيروز رأسها تربت على كتف إبنتها :
–وأنا برضه عارفة يا ثراء أنك لسه بتحبى أيسر حتى لو حاولتى تنكرى عينيكى فضحاكى ومش عيب أن الواحدة تحب جوزها لأن هو ده المفروض اللى يحصل بس مكنتيش عذبتى نفسك السنين دى كلها وبعدتى عن الكل ورجعتى برضه لنفس نقطة البداية إحنا أه أضيقنا من اللى عمله وأنتى بنتنا كان لازم هنقف جمبك ونساعدك ونساندك ولما كنت بشوف حزنك كنت بضايق من أيسر أكتر لأنه زعل بنتى الوحيدة وأنتى عارفة غلاوتك عندى أنا وباباكى عاملة إزاى فلو فعلا يا ثراء حابة ترجعيله كزوجة عايزة تعيش معاه على الحلوة والمرة متتكرريش غلطك تانى يا ثراء حكمى عقلك قبل ما تتصرفى جايز زمان كنتى لسه برضه صغيرة وقراراتك إنفعالية لكن دلوقتى كبرتى وبقيتى أم وحاجات كتير أتغيرت فيا حبيبتى حاولى على قد ما تقدرى متتصرفيش من غير ما توزنى الأمور
بعد أن أنتهت من حديثها اقتربت تقبل إبنتها على جبهتها تربت على كتفيها بحنان ثم نهضت من مكانها وخرجت ظلت ثراء تفكر فى مغزى حديث والداتها فربما الأيام الماضية أوضحت لها أن لكل إنسان طاقة على التحمل والصبر فربما إذا وصل إلى حافة صبره صارت الأمور أسوء
لمحت ولوج مليكة الغرفة فرمقتها بحب وإبتسامة قائلة:
–تعالى يا روحى
ركضت مليكة إلى ذراعيها تطوق عنقها تقبل على وجنتها عدة قبلات تهتف بحماس شديد:
–مامى خلاص يلا بابى زمانه جاى دلوقتى حلو فستانى يا ماما
نظرت ثراء لذلك الثوب الذى ترتديه صغيرتها قائلة بإعجاب:
–جميييييل أوى يا كوكى وأنتى قمراية قلب ماما أنتى يلا بقى علشان ألبس هدومى أنا كمان
ظلت ثراء تقبل الصغيرة بنهم تتطلع لعينيها التى تشبه عيناه هو تلك العينان التى ظلت تذكرها بتلك اللحظات القليلة التى عاشتها برفقته فعندما كان يغلبها شوقها وحنينها إليه بغربتها كانت تظل تتأمل عينان صغيرتها ،تركت مكانها وذهبت لغرفة ثيابها أرتدت ذلك الثوب باللون الأبيض منقوش بورود صغيرة حمراء تشبه إحمرار وجنتيها من تدفق الدم الحار بهما وهى تترقب وصوله بين الفنية والأخرى ،بعد أن أنتهت من إرتداء ثيابها أقتربت من ذلك الصندوق الصغير الذى يحوى بداخله على كافة مصوغاتها الذهبية والماسية ظلت تبحث عن ذلك السوار الفضى حتى وجدته رفعته أمام وجهها قائلة:
–الظاهر أنت وصاحبك هتفضلوا ملازمينى لحد أخر نفس فيا
أبتسمت ووضعت السوار حول معصمها تحكم إغلاقه فتذكرت ذلك اليوم الذى أهداها به ذلك السوار وكان يحوى بداخله على جهاز تتبع وتذكرت أيضاً أن بعد زواجهم بعدة أيام أصاب جهاز التتبع التلف وعندما أخبرت أيسر بذلك تذكرت تلك المقولة التى قالها لها:
–أنتى مبقتيش محتاجة جهاز تتبع فى الأسورة الفضة يا ثراء لأن أنا هبقى ملازمك زى ضلك هتبقى زى ضلع من ضلوعى ومش هخليكى تبعدى عنى أبداً يا أغلى ماليا
تنهدت ثراء شوقاً فهى إشتاقت لسماع حديثه المفعم بالحب وفى إنتظار أن يعود إليها عاشقاً محباً فهى تأمل فى قضاء ليلتها الأولى بمنزله تحت السماء المرصعة بالنجوم التى تبرق كقطع الألماس النادرة وأن يتلو على مسامعها عبارات العشق التى كان لا ينفك عن أن يسمعها إياها سابقاً وعند عودتها إلى مصر ورؤيتها ولكنها تذكرت بحزن أنه قطع عهداً لها بأن لا يقترب منها حتى وأن كانت تقيم معه يجمعهم سقف واحد ومنزل واحد
__________
رأها منير تتململ بجلستها كأنها تريد قول شئ ولكن ليس لديها الشجاعة الكافية لفعل ذلك فهو يعلم جيدا تلك الحالة عندما تنتابها تظل حائرة تزوغ بنظراتها وتبتسم بتوتر وتفرك يدها كتلميذة تقف بحضرة مدرسها
هتف منير باسماً:
–فى إيه يا ضحى مالك بتفركى ليه كده حصل حاجة
رفعت ضحى يدها تمسح وجهها وجبهتها كأنها تغرق بعرق غزير فى ذلك الجو اللطيف فتلعتمث قائلة:
–ها لا أبدا يا بابا مفيش حاجة
ترك منير مقعدة وجلس بجوارها على الأريكة مد يده يربت على كفيها المضمومتين قائلاً بتشجيع:
–قولى يا حبيبتى فى إيه متقلقتيش عليكى حصل حاجة فى شغلك أو حد ضايقك
–هو الصراحة يا بابا فى عريس عايز يتقدملى
قالتها ضحى جملتها ونظرت لوالدها بتوجس كأنها فعلت أو قالت شئ خاطئ
فأرتد رأس منير ضاحكاً بصوت عالى ممازحاً:
–اللى يسمعك كده يقول كأن فى مشكلة كبيرة كفى الله الشر حصلت دا كله علشان جايلك عريس وفيها إيه يعنى يا ضحى هى حاجة عيب علشان تتوترى أوى كده
شعرت ضحى ببعض الراحة من حديث والدها فأستطرد هو قائلاً:
–بس هو مين العريس ده حد أعرفه
–إسمه شهاب يبقى إبن عم ثراء يا بابا
هكذا أجابت ضحى على سؤال والدها ،فحك منير ذقنه بتفكير قبل أن يقول:
–بس أنتى بتقولى الناس دى أغنيا أوى يا ضحى وأخاف يا بنتى يحصل مشاكل بعدين وأنتى عارفة أن إحنا على قد حالنا أه ربنا فتحها عليكى وسيبنا الشقة القديمة وعيشنا فى شقة حلوة وبقى عندك محل بس برضه ده ميجيش حاجة فى اللى عندهم واللى حكتيلى عنه
أرتسم الحزن على وجهها فربما والدها محق بما يقول فكيف غفلت هى عن ذلك ؟ ولكن أكدت لها ثراء على أن شهاب لم يعد كما كان بالسابق فما حدث منذ خمس سنوات أحدث تغيير بداخل كل أفراد هذه العائلة
رأى منير الحزن الذى أرتسم بداخل عينيها فلم يشأ أن يحطم فرحتها فهتف قائلا:
–بس برضه مفيش مانع ييجى ونشوفه واللى فيه الخير يقدمه ربنا
أفتر ثغرها عن إبتسامة وضاءة فعينيها أبدت موافقتها على ماقاله وقلبها يأمل أن تسير الأمور على ما يرام فهى لا تنكر شعورها نحو شهاب فإن كان جاداً فسيبذل قصارى جهده ليظفر بها
__________
ترقب جميع ساكنى منزل جمال الرافعى وصول أيسر فما هى إلا دقائق حتى ولجت جليلة تعلن عن مجيئه
–دكتور جمال الأستاذ أيسر وصل برا
أشار اليها بإدخاله فولج أيسر لغرفة الصالون وما أن رأته مليكة حتى قفزت من مكانها تركض إليه فأنحنى بجزعه قليلا يتلقاها بين ذراعيه يرفعها عن الأرض
فتعلقت الصغيرة بعنقه تحيطه بذراعيها الصغيرتين تقبله على وجنته قائلة:
–بابى
زاد أيسر من ضم الصغيرة إليه كأنه تناسى وجود الحاضرين الذين يرمقونهم بصمت فرد قائلاً بحب:
–قلب بابى يا كوكى
حول بصره إليهم قائلا بهدوء:
–السلام عليكم
رد الجميع التحية فنهض حسام يقترب منه باسماً فهو لا يصدق حتى الآن أن ربما الأمور بين شقيقته وزوجها ستسير على ما يرام فربت على كتفه قائلا بابتسامة:
–أهلا يا أيسر أتفضل
جلس أيسر على مقعد مجاور لمقعد جمال يُجلس مليكة على ساقه تضع رأسها على صدره فهى رافضة أن تتركه أو تبتعد عنه
جلى صوته قبل أن يقول:
–طبعا يا عمى أنت عرفت إن أنا جاى أخد مليكة وثراء بس برضه مش هاخدهم إلا لو أذنتلى أن أخدهم لأن هى دى الأصول
ترك جمال مقعده يشير لأيسر بالنهوض قائلاً:
–تعال معايا يا أيسر عايز أتكلم معاك لوحدينا شوية
نهض أيسر فتعلقت مليكة بعنقه تقول بخوف:
–بابى أنت رايح فين مش هتاخدنى معاك
قبل الصغيرة على وجنتها قائلا بابتسامة:
–هاخدك معايا يا قلبى بس هتكلم مع جدو شوية خليكى مع ماما وهرجعلك تانى
أقترب أيسر من ثراء يناولها مليكة فمنذ مجيئه وهو يتجنب النظر إليها عندما رفعت وجهها تحدق به تشابكت نظراتهم فظل منحنياً لبرهة وهو يضع مليكة بأحضانها حتى أستقام بوقفته وسار خلف جمال حتى وصلا إلى غرفة مكتبه
ولج جمال ومن خلفه أيسر يغلق الباب خلفه جلس جمال أخذ نفساً عميقاً قبل أن يقول:
–أيسر أنت عارف أن اللى حصل ساب أثر فى نفس كل واحد فينا عارف أن عزام ظلمك باللى عمله وأنا مكنتش أعرف عنه حاجة وأنت ظلمت ثراء وظلمتنى لما خبيت عننا ومصارحتناش بالحقيقة بس برضه إحنا بشر أنكتب عليا أن احنا نغلط ونتوب ودايما باب التوبة مفتوح وربنا بيسامح متفتكرش أن مجاش عليا لحظة كان نفسى أجيلك وأخدك فى حضنى أه متستغربش لأن أنت من ريحة هاشم أخويا اللى كانت محبته فى قلبى كبيرة ومتتقدرش ولما مات أتوجعت على موته لما أشوف أخويا الكبير راح منى بتبقى كسرة وحسرة فى القلب مش هتصدق لو قولتلك أنك بس لما قولت إن أنت إبن هاشم أخويا فرحت جدا بس فى نفس الوقت زعلت واضايقت على بنتى واللى جرالها وأنت عارف ثراء إيه بالنسبة ليا ولأمها دى فرحتنا فى الدنيا علشان كده زعلت وأضايقت و كان نفسى أجى أديك قلمين على وشك على اللى عملته
إبتسم أيسر على جملة عمه الأخيرة فهو يعلم أنه محق بكل ما يقول فها هو يعاتبه الآن ولكن عتاب محبين فلو أحد أخر ربما لن يتوانى عن صفعه وسبه ولعنه على ما فعله بهم
فهتف أيسر قائلاً:
–معاك حق فى كل اللى قولته وعارف أن أنا غلطت وأعترفت قدام الكل بس زى ما أنت قولت إحنا بشر ومش ملايكة فى تصرفاتنا فاللى حصل كان رد فعل طبيعى بس دلوقتى حابب أن الخلافات كلها تنتهى وبالنسبة ليا فأنا مش هحاول أن أزعل ثراء أو أضايقها يا عمى أنا عايز أربى بنتى فى حضنى لأن من ساعة ما عرفت أن مليكة بنتى وأنا حسيت كأن الدنيا فرحتلى أخيراً وأكيد أنت هتحس بيا وبشعورى علشان أنت كمان عندك بنت
أستقام جمال بوقفته فترك أيسر مكانه وأقترب منه يحتضنه ربما فوجئ جمال بما فعله إبن شقيقه إلا إنه ربت على ظهره بحنان فهو الآن يشعر بالشوق إلى شقيقه الراحل الذى ترك لهم ذكرى منه تجسدت فى أيسر
بعد إنتهاءهم من حديثهم خرجا سوياً من غرفة المكتب ولكن قبل أن يطلب من زوجته ان تتهيأ للإنصراف سمع صوت فيروز قائلة:
–يلا علشان نتعشى كلنا مع بعض العشا جاهز
إلتفوا جميعاً حول المائدة التى زخرت بمختلف أنواع الطعام الشهية تناولوا طعامهم بجو أسرى لم يخلو من الضحكات والفكاهة من حسام وشعور الفرح من ميرا بأن أمور ثراء ستتحسن قريباً وبعد الإنتهاء أستأذن أيسر بأخذ زوجته وطفلته فوضعت جليلة وإحدى الخادمات حقائب ثراء ومليكة بسيارة أيسر فرفضت مليكة ترك أباها وظلت متعلقة بعنقه حتى وهو يقود السيارة جلست ثراء بالمقعد المجاور له وهى صامتة منذ مجيئه وأنصرافهم فهو لم يوجه لها كلمة واحدة
___________
عاد أمير إلى منزله اليوم كطائر مهيض الجناح فمنذ علمه بالأمس أن ثراء ومليكة سيذهبن للعيش برفقة أيسر وتلبسته حالة من الحزن لأنه يعلم أن ليس بإمكانه رؤيتهن ثانية إلا عن طريق الصدفة فلن يسمح له أيسر برؤيتهن وهو كان يعلم أنه كان يريد الزواج منها فهم يعيشون بمجتمع شرقى تحكمه عادات وضوابط أخلاقية ودينية فهو يعلم أنه ليس من حقه التدخل بحياتهن ثانية وهى مازالت زوجة أيسر فهو كان يمنى نفسه طوال تلك الأعوام السابقة أن بإمكانها الحصول على الطلاق وبذلك تتاح له فرصة الاقتران بها ولكن عاد كل شئ لما كان عليه
ولج للداخل وجد والداته فى إنتظاره فهتف بسعادة لرؤيتها:
–ماما حمد الله على السلامة مقولتيش ليه انك جاية النهاردة كنت جيت أخدتك من المطار هو بابا جاى معاكى
أبتسمت سوزان وهى تقترب من أمير تحتضنه قائلة :
–أنا رنيت على تليفونك كتير غير متاح وأنا جاية لوحدى باباك خلاص هيرجع مصر فسبقته علشان أجهز البيت أنت عارف مقفول بقاله كتير
ضم أمير حاجبيه قائلا بغرابة:
–تجهزى البيت ليه مش هتعيشوا معايا هنا ولا إيه يا ماما
سحبت سوزان يد أمير يجلسوا سوياً على أحد الأرائك قاىلة بجدية:
–باباك حابب يرجع يعيش فى بيتنا الاولانى ثم البيت ده هيبقى ليك أنت ومراتك ثم أنت مش عايز تتجوز يا أمير العمر بيجرى يا حبيبى وأنت شايف أهو ثراء لسه على ذمة جوزها
زفر أمير بقلة حيلة قائلا:
–خلاص يا ماما ثراء هترجع لجوزها وتعيش معاه هى وبنتها يعنى ثراء عمرها ما هتكون ليا فى أى وقت من الأوقات
ربتت سوزان على يد أمير بتفهم حاولت أن تواسيه قائلاً:
–أمير الدنيا عمرها ما بتقف على حد وأنت من جواك كنت مقتنع أن ثراء عمرها ما هتكون من نصيبك بس كنت بتكابر وأرجع واقول برضه جايز أنت حبيت ثراء علشان كانت مختلفة عن أى بنت أنت عرفتها ويمكن أنت حبيت الاختلاف ده حبيت رفضها ليك زمان حبيت إلتزامها بالرغم من أنها كانت زعلانة من جوزها بس كانت بتدافع عنه ومن جواها لسه بتحبه أنت حبيت حب ثراء لجوزها كنت بتتمنى أن أنت تكون مكانه وتلاقى واحدة تحبك كده من غير ما تكون عايزة منك حاجة أو طمعانة فيك أنت محتاج الحب ده يا أمير مش محتاج ثراء نفسها
قطب أمير حاجبيه يفكر فى مغزى حديث والدته وإصرارها سابقاً والآن على أن ما جذبه لثراء هو أختلافها عن الأخريات اللواتى تعرف عليهن عندما كان غارقاً بحياة اللهو والمفاسد
أفتر ثغر سوزان عن إبتسامة هادئة قائلة:
–بتفكر فى كلامى صح يا أمير صدقنى يا أبنى لسه البنت اللى هتستحوذ على قلبك وعقلك لسه مظهرتش وإلا مكنتش تتقبل الموضوع كده برحابة صدر زى ما بيقولوا هسألك سؤال ورد عليا بصراحة يا أمير لو كانت فعلا ثراء أنفصلت عن جوزها وأتجوزتها كنت هتبقى مبسوط وأنت عايش معاها وأنت عارف ومتأكد أن قلبها ملك لحد تانى كنت هتقبل ده على كرامتك ورجولتك
أجفل أمير من حديث والداته فهو حقاً لن يتقبل ذلك فالحب مشاركة بين طرفين يعطى كل منهم الآخر الحب اللازم لسير الحياة الزوجية
أومأ أمير برأسه رافضاً:
–لاء طبعا مكنتش هقبل كده يا ماما ولا أنها تشوف فيا راجل تانى ويمكن كلام حضرتك مظبوط بس جايز حزين علشان فراق مليكة هى أتولدت على إيدى وربيتها وكانت بتناديلى بابا دلوقتى خلاص الكلمة هتبقى من نصيب حد تانى ربنا يسعدهم عن إذنك هطلع أرتاح شوية علشان من إمبارح مكنتش نمت
أرتقى أمير درجات السلم بخطوات وئيدة حتى وصل إلى غرفته وأرتمى على الفراش حملق بسقف الغرفة لعدة دقائق حتى زحف النوم إلى عينيه وهو مازال متذكراً حديث والدته معه فربما هى محقة فتلك الفتاة التى ستخلبه قلبه وعقله ربما لم تظهر بعد ففكر هل سيأتى ذلك اليوم ويعثر عليها أم سيظل وحيداً برفقة ذكرياته مع من أرشدته إلى طريق الهداية جاعلة منه رجل أخر غير ذلك العابث الذى كان عليه قبل مقابلتها ،فربما هو ممتن أشد الإمتنان لثراء أنها كانت سبباً فى توبته عن مصاحبة الفتيات وإرتكاب تلك الأفعال المشينة التى كان يفعلها برفقتهن فهو الآن يطلب العفو والمغفرة من الله على ما أقترفه سابقاً
_____________
أراحت رأسها على طرف مقعدها تنظر من النافذة فتذكرت تلك الأوقات التى كان يدنيها منه أثناء قيادته للسيارة فإستدارت برأسها إليه تحدق به وجدته يضع تركيزه بالقيادة يبتسم لمليكة التى لا تنفك تداعب ذقنه بأناملها فسمعت صوته يهتف بها قائلاً:
–بس يا كوكى بقى مش هعرف أسوق كده هتخلينى أفقد تركيزى بطلى شقاوة
رد الصغيرة عليه كان قبلة وضعتها على وجنته بخفة قائلة:
–أسفة يا بابى
هتفت بهم ثراء قائلة:
–هاتها عنك علشان تعرف تسوق إحنا ماشيين على طريق
تلك هى المرة الأولى التى يسمع بها صوتها اليوم فهتف بهدوء:
–خلاص إحنا دقيقتين ونوصل البيت خلاص قربنا
فُتحت بوابة المنزل فولج أيسر بالسيارة حتى وصل أمام باب المنزل الداخلى ترجل من السيارة وترجلت ثراء هى الأخرى نظرت حولها بإعجاب فتصميم المنزل حقاً يشبه ذلك البيت الرملى الذى شيدته على رمال الشاطئ بشهر عسلهم وسمعت أيضاً صوت صهيل الجياد وجدت نفسها تذهب حيث توجد حظيرة الخيول طالعتهم باهتمام فهى لم تظن أنه يقتنى كل هذا العدد فهى ظنت أنه ربما جواد أو أثنين ولكن رأت جياد صغيرة أيضاً تضرب الأرض بحوافرها ولكن أكثر ما أسترعى إنتباهها جواد أبيض لم ترى بجماله فصهل بصوت عالى يعلن عن وجوده أو ربما لرؤياه أيسر يأتى خلفها ،فأقترب الجواد من السياج الخشبى يهز رأسه تتدلى شعيراته الطويلة على جسده اللامع مدت ثراء يدها بتردد تتلمس وجهه
–عجبك
قالها أيسر وهو يقترب منها يقف بجوارها فالتفتت ثراء إليه وهى مازالت تتحسس وجه الجواد بحنان
–شكله جميل أوى إسمه إيه
أجابها أيسر قائلا:
–إسمه رهوان
زوت ما بين حاجبيها من غرابة الاسم إلا انها لم تعقب على ذلك بل هتفت بابتسامة:
–أهلا رهوان أنا ثراء
–أنا حكيتله عندك كتير هو تقريبا عارف مين هى ثراء
قالها أيسر ومد كف يده له بقطع السكر كعادته فالتهمها الجواد بسعادة فأنطلق يعدو كأنه يعرض مهارته بالركض والعدو
رمقها أيسر بنظرة طويلة إلا أنه كسر جمود الصمت قائلاً:
–تعالى علشان تشوفى البيت من جوا وعلشان ترتاحى أنتى ومليكة زمانها جوا بتدور علينا
تبعته ثراء بدون كلمة حتى وصلا إلى الداخل وجدت إمرأتين يقف بجوار بعضهن البعض علمت ثراء أن أحدهما مربية والأخرى خادمة رحبن بها وبالصغيرة ووضعت الخادمة حقائبها بالغرفة التى خصصها أيسر لها ،ولجت ثراء الغرفة تنظر بكل ركن من أركانها فجدران الغرفة تم طلاءها بلونها المفضل يتوسط الغرفة فراش كبير نظرت إليه فحولت بصرها سريعاً لأيسر وهى تشعر بأن وجهها أصبح يلتهب بلهيب الخجل إلا أنها وجدته يقول:
–الأوضة دى هتبقى بتاعتك خاصة بيكى والأوضة اللى جنبها أوضة مليكة
ربما لم يكن لديها الوعى الكافى لفهم مغزى تلك الجملة التى قالها فهل تفهم من ذلك أنها لن تقيم معه بغرفة واحدة؟
فأزدردت لعابها تحاول إضفاء نبرة هادئة على صوتها فهتفت قائلة:
–أوضتى ! وأنت هتنام فين؟
رد أيسر يجيبها على سؤالها وهو يهم بمغادرة الغرفة:
–هنام فى أوضتى أنا عارف أنك مش حابة تقعدى معايا فى أوضة واحدة فمحبتش أضايقك
فكرت أنه ربما أتخذ كافة الاحتياطات اللازمة ليتجنب أى إحتكاك بها أو ربما مازال مصر على أن يفى بذلك الوعد الذى وعده لها
فتسلل الحزن إلى صوتها وهى تهتف به:
–بس أنا يا أيسر مش عايزة أقعد فى الأوضة دى أنا عايزاك…..
اترك رد