أرادته هى أيضاً قررت اطلاق العنان لمكنونات قلبها فلم يعد يجديها نفعاً إخفاء شوقها اليه فازدادت التصاقا به ولم تعد بحاجة الى الكلام واخذت تفكر كيف لها مقاومة شغفه الذى ظهر بوضوح فى عينيه الملحتين التى اصرت على ان تلقى كافة مقاومتها جانباً
فسمعته يكمل حديثه قائلاً:
–ثراء أنا عارف أنك محتارة بين أنك عايزة تقربى منى وأنك تبعدى عنى لسه خايفة منى يا ثراء مش كده بس عقوبتى دى هتخلص أمتى
حركت رأسها بعنف تنفى ما يقوله فتهدج صوتها بشوق:
–أنا مش خايفة منك يا أيسر أنت وحشتنى أوى يا حبيبى
جملة كفيلة بالقضاء على ما تبقى له من صمود ومقاومة ظل يدنو بوجهه منها حتى كان قاب قوسين أو أدنى من عناقها فعاد التيار الكهربائي فارتعدت بخفة فهى الآن تراه بوضوح ترى ما أرتسم بعينيه من عشق وشوق فخشيت أن يفسر إرتعادها بأنها عادت إلى عنادها مرة أخرى فهى تراه يحدق بها وهو صامتاً ولكنها لا ترغب فى العودة لنقطة البداية من جديد فأقتربت هى منه تلك المرة تعانقه تباغته بفعلتها التى جعلته يحملها على أجنحة الشوق يسافر بها إلى عوالم أخرى عالم لم تدخله برفقته سوى مرة عن طريق المصادفة ولم يكن هو واعياً أما الآن فهو يشعر بكل لمسة وهمسة منها يسمع صوتها الشجى وهى تردد إسمه بكل محبة وذلك التوق الذى أطل من عينيها يأسر عيناه فى عناق شغوف ،أغرقته ببحور رقتها ،فأغلقت أبواب الهجر ،لتفتح أبواب الشوق ذلك الشوق بداخل قلبين ذاقوا مرارة الفقد ومُر التعلق
ألقت برأسها على كتفه تغمغم بخفوت قائلة:
–بحبك
تساقطت حروف الكلمة على مسامعه كترقرق الماء العذب على شفاه أصابها الضمأ والجفاف لم يكن رده عليها سوى أن طوقها بذراعه يدنيها منه حتى كاد يشعر بدقات قلبها المتلاحقة تتسارع فقبلها على جبينها يدمدم لها بعشق:
–وأنا بعشقك يا نور عيونى
رفعت عينيها إليه ترمقه بعشق لم يخلو من الخجل وهى ترى نفسها أصبحت أسيرته من جديد ولكن تلك المرة بإرادتها الحرة فدائما ما يكون هو بدايتها ونهايتها ،فعشقه آسر لها لا تستطيع الفكاك منه فأملت أن تحمل أيامهم القادمة تلك السعادة التى كانت تنشدها منذ أن دق قلبها له فهى لن تستطيع أن تتحمل حزن أخر
فهتفت به بصوت خافت :
–أيسر عيزاك توعدنى أنك متخبيش عنى حاجة تانى ولا أن يحصل بينا حاجة تفرقنا تانى لأن صدقنى لو ده حصل تانى أنا ممكن ….
لم تستطع إكمال حديثها فعلم بما كانت تنوى قوله فتخلل أصابعها بأصابعه يتشابكان سويا يطمئنها قائلا:
–أوعدك يا حبيبتى أن مش هحاول أزعلك تانى لأن أنا مقدرش اعيش من غيرك ولا من غير بنتنا يا ثراء بس توعدينى أنتى كمان أن متتسرعيش فى الحكم عليا إسمعينى الأول
أومأت برأسها إيماءة متكاسلة وتلك الإبتسامة تزين ثغرها الفاتن فظلوا وقتاً لا بأس به وهم يتعاتبون عتاب المغرمين راغبين فى تصفية نفوسهم لبدء أوقات جديدة تحوى تلك السعادة التى هجرت حياتهم أعوام قضوها فى البكاء على أطلال الحب ،إبتسم إبتسامة خفيفة وهو يراها ناعسة بمنتصف حديثهم فدثرها بالغطاء وهو يتحسس بيده ذلك السوار الفضى الذى عادت وأرتدته من جديد فذلك السوار رمز للحب
__________
نقرت بأصابعها على تلك الطاولة التى تجلس عليها منذ ما يقارب النصف ساعة تقريباً فى إنتظار مجئ صديقتها المقربة وزوجها ذلك الرجل الذى لم يدخر جهد فى صد محاولاتها المستميتة فى التقرب منه وكل رفض منه يزيد التحدى لديها كأنثى تأبى أن تجد من يحط من شأنها وكبرياءها وغرورها كانثى على قدر من الجمال والفتنة
فتمتمت بإبتسامة جانبية قائلة بهمس:
–صبرك عليا يا باشمهندس حسام كان غيرك أشطر خليك كده متمنع علشان اللعبة تحلو أكتر
مدت يدها تزيح شعرها التى حرصت هى اليوم على إكسابه مظهر جديد فجعدته بتسريحة غجرية وطلت شفتيها بلون أحمر داكن وأرتدت ثوب ضيق كأنها تفننت اليوم فى جمع كل مظاهر الاغواء بها تنتظر فقط مجيئه،شردت بتفكيرها كيف سيكون الحال لو أصبحت زوجة حسام عوضاً عن ميرا فهى تريد أن تشعر بتلك الأحاسيس التى كانت لا تنفك ميرا عن ذكرها وذكر عشق زوجها ودلاله لها فبالرغم من أن ميرا لم يصل بها الأمر ان تخوض بتفاصيل حياتهم الزوجية الدقيقة إلا أن مدحها لتلك الصفات التى يتحلى بها زوجها من قوة وشجاعة وإقدام وأخلاق حميدة جعلتها هى تتمنى أن تتقرب منه
رفعت أيتن رأسها عندما سمعت صوت خطوات تقترب منها فوجدت ميرا تتأبط ذراع زوجها فشعرت بالغيرة إلا أنها رسمت إبتسامة منمقة على شفتيها قائلة:
–أتأخرتوا ليه كده أنا بقالى حوالى نص ساعة مستنياكم
جلست ميرا على المقعد المجاور لها بينما أتخذ حسام المقعد المقابل لها نظرت إليها ميرا قائلة:
–معلش بقى يا أيتن على ما ريان نام تعبنى أوى كل سنة وأنتى طيبة يا أيتن
ردت أيتن بإبتسامة وهى تطالع وجه حسام:
–وأنتى طيبة يا ميرا
رأت حقاً تحديقها بزوجها فحاولت أن تحافظ على رابطة جأشها فهى طوال الطريق لهنا وهى تحاول أن تظبط أعصابها وأن تتصرف بروية حتى ينفذ حسام ما برأسه ويبرهن لها عن مدى حقارة صديقتها
إبتسم لها حسام على غير العادة قائلا بصوت جذاب:
–كل سنة وأنتى طيبة يا أنسة أيتن عقبال ١٠٠ سنة إن شاء الله
لم تصدق أيتن أذنيها أنه يحدثها هكذا بهدوء فدائما كانت تلمس تأففه وضجره من رؤيتها ولكن ربما خطتها التى رسمتها اليوم ستأتى بثمارها فربما علم الآن مدى جاذبيتها وفتنتها
تهدج صوت أيتن قائلة بصوت ناعم:
–وأنت طيب يا باشمهندس حسام مبسوطة أنكم قبلتوا دعوتى على العشا
إستغل حسام إنشغالها بالحديث مع النادل فأشار لزوجته بالنهوض على حسب ما هو متفق عليه بينهم قبل المجى
تركت ميرا مقعدها قائلة :
–عن إذنكم هروح الحمام
ذهبت ميرا فسحب حسام هاتفه يهاتف زوجته فترك الإتصال مفتوح بينهم ووضع الهاتف على الطاولة فعاود النظر لأيتن يبتسم لها
وضعت أيتن يدها على وجنتها قائلة بغنج:
–تصدق كنت فاكرة أنك مش هترضى تيجى النهاردة مع ميرا
ضم حسام يديه ينحنى للأمام قائلاً:
–ليه بتقولى كده يا أيتن علشان يعنى مقابلتنا اللى قبل كده مكنتش ظريفة بس ليه متقوليش أن أنا كنت فاهم وعارف قصدك إيه بس أنتى صاحبة مراتى وأنا الصراحة مليش فى الشمال فمكنتش عايز أتعلق بيكى يا أيتن يحصل إزاى ده وهيبقى موقفك إيه من ميرا لو حست أن فى حاجة بينا
مدت أيتن يدها تضعها على يده قائلة:
–بس الحب مش بإيدينا يا حسام أنا بحسد ميرا أنها متجوزة واحد زيك كل مرة كنت بقابلك فيها مبقدرش أشيل عينى من عليك ولا أمنع نفسى أن أتخيل أن أكون مكان ميرا
سحب يده من أسفل يديها يحاول الحفاظ على هدوءه فكم يرغب هو فى صفعها على وجهها الآن ولكنه لابد أن يكمل ما بدأه فهتف بها متسائلاً:
–يعنى تقبلى تتجوزينى عرفى و فى السر يا أيتن
فغرت فاها وهى لا تعى بعد ما سمعته منه ألتقطت أنفاسها مردفة بتلعثم:
–ننتجوز ! أنت بتعرض عليا الجواز يا حسام
أومأ حسام برأسه فى إنتظار ما ستتفوه به فوجدها تستطرد قائلة :
– وأكيد أنا موافقة دا هيبقى أسعد يوم فى حياتى أن أتجوزك يا حسام أنا
لم تستطيع التفوه بكلمة من تلك الصفعة التى تلقتها على وجنتها من يد ميرا التى حدقت بها بغضب عارم تهدر بسخط:
–بقى أنتى يا أيتن تعملى فيا كده عاملة صاحبتى وأنتى عينيكى من جوزى وكمان عايزة تتجوزيه حتى لو فى السر دا أنتى طلعتى زبالة أوى أنا ميشرفنيش أعرف واحدة زيك وبحذرك أهو أبعدى عنى وعنى جوزى وإلا همحيكى من على وش الدنيا أنتى فاهمة
لم تتجاوز أيتن صدمة ما فعلته ميرا فوضعت يدها على وجنتها التى تركت ميرا آثار اصابعها عليها فحدقت بها بذهول:
–أنتى عرفتى ده كله إزاى يا ميرا
أفتر ثغر حسام عن إبتسامة يرفع هاتفه يشير به أمام وجهها قائلاً:
–أصل سمعت ميرا كل اللى إحنا قولناه وأنا خليتها تيجى النهاردة علشان تعرفك على حقيقتك ومكدبش عليكى كنت قاعد قرفان وأنا بتكلم معاكى وخصوصاً أنك واحدة معندهاش أخلاق حتى لو مكنتش جوز صاحبتك مكنش عندك مانع أنك تسلمى نفسى لأى راجل زى أى سلعة رخيصة
يلا بينا يا ميرا
أخذ حسام زوجته يرمقها بإشمئزاز وهى ما زالت جالسة مكانها ترى نظرات الزبائن إليها يتهامسون فيما بينهم فأخذت حقيبتها تفر هاربة وهى من داخلها تقسم على ألا تمرر ما فعلوه بها مرور الكرام وستثأر منه ولكن سيكون ثأرها مروعاً ستحرص على أن تجعل حياتهم جحيماً بكل ما تحمله الكلمة من معنى
__________
علا صوت الهاتف بجانبه عدة مرات ففرك جمال عينيه ليرى من يهاتفه بهذا الوقت المتأخر من الليل فهو يخشى أن يكون هناك مريضاً بالمشفى بحاجة لمساعدته الآن ولكن قطب جبينه عندما وجد رقم دولى فلم يشأ أن تدوم حيرته طويلاً
ففتح الهاتف يرد بصوته الرزين:
–ألو أيوة مين معايا
جاء الرد على الطرف الآخر قائلا بهدوء:
–حضرتك أنا من السفارة المصرية بالنمسا حضرتك دكتور جمال الرافعى
اعتدل جمال بجلسته بالفراش يرد قائلا:
–أيوة حضرتك خير فى إيه
–البقاء لله حضرتك
قالها ذلك المتحدث على الطرف الآخر فضم جمال ما بين حاجبيه لا يعلم عن ماذا يتحدث؟ ومن توفى؟ وما صلته به؟
هتف جمال بتساؤل:
–ونعم بالله بس مين اللى مات وعلاقتى بيه إيه
رد الرجل موضحاً:
–بنت عم حضرتك ثريا الرافعى أتوفت وبالصدفة لقينا فى شقتها أرقام تليفونات حضرتك هى ماتت بعد ما جالها ذبحة صدرية مفاجئة والسفارة هتبعت الجثمان فى طيارة بكرة إن شاء الله فإتصلت بحضرتك إنك تستلم الجثمان وكمان كانت سايبة وصية أن املاكها كلها اللى يورثها حضرتك
إستمع جمال لكل ما قيل لم يمنع نفسه من الحزن على تلك المرأة المدعوة إبنة عمه بالرغم من تلك الجريمة النكراء التى فعلتها بحقهم ولكنها الآن أصبحت بين يدى الله
فرد جمال بصوت شابه الحزن:
–تمام حضرتك هى الطيارة هتوصل الساعة كام
–إن شاء الله الساعة ٢ العصر بتوقيت مصر السلام عليكم
أنتهت المكالمة ووضع جمال الهاتف على الكومود ثم ترك فراشه ،تململت فيروز بنومها ألقت يدها بجوارها فلم تجد زوجها ففتحت عينيها على الفور لترى أين ذهب بذلك الوقت ؟ أزاحت الغطاء عنها تترك الفراش نظرت بالغرفة فلم تجده ففكرت أنه ربما يجلس بالشرفة فأقتربت منها وجدته يجلس على أحد المقاعد ولكن يبدو على وجهه الحز
أقتربت منه قائلة بقلق:
–مالك يا جمال فى إيه وقاعد كده حصل حاجة
رفع جمال رأسه ينظر إليها قائلا:
–فى واحد إتصل عليا من السفارة بالنمسا وقالى أن ثريا ماتت
ربما شعرت فيروز بإرتعادة خفيفة بعد سماع ما تفوه به زوجها فجلست على مقعد مجاور له قائلة بأسف:
–إن لله وإن إليه راجعون ربنا يرحمها ويغفر لها
زفر جمال بثقل قائلاً:
–الله يرحمها بالرغم من اللى عملته فينا بس زعلت لما سمعت خبر موتها ماتت متغربة فى بلد غير بلدها وعاشت أخر كام سنة فى حياتها بعيدة عن الكل جايز كانت حست بغلطها علشان كده بعدت
مدت فيروز يدها تربت على يده تواسيه :
–وحد الله يا جمال بس هى هتدفن هناك ولا هترجع هنا تدفن فى مصر
رد جمال قائلاً بهدوء:
–لاء هترجع مصر بكرة فى طيارة الساعة ٢ عايز أبقى أكلم عزام ونروح نستلم الجثمان هى ملهاش حد غيرها لأنها لا أتجوزت ولا خلفت ولا ليها حتى أخوات يلا بينا ننام علشان أصحى بكرة بدرى وأروح لعزام ونجهز لدفنها
ترك جمال مكانه يولج للغرفة تتبعه زوجته فعاد للفراش من جديد وهو يُقن بأنه لن يستطيع جلب النوم لجفنيه الليلة بعد ذلك الخبر الذى سمعه منذ دقائق قلائل
__________
فى اليوم التالى..ملأت أشعة الشمس المنبعثة من النافذة أرجاء الغرفة وصوت ذلك المنبه جعلها تفتح عينيها بصعوبة فزحفت ببطئ على الفراش لتغلقه ولكن عندما نظرت للهاتف قطبت ثراء حاجبيها فهذا ليس هاتفها ففتحت عينيها على إتساعها وهى تنظر حولها فتلك الغرفة ليست غرفتها أيضاً فتلك الصور المعلقة على الجدار بغرفة زوجها إستدارت على الفور بجانبها فرأت أيسر يغط بنوم عميق كأنه لم ينام منذ عقود فملامح وجهه الوسيم مسترخية كأن حل مكان الوجوم والعبوس الذى كان يلازمه ملامح الراحة والاسترخاء لا تعرف لما شعرت برغبة فى الغناء
فبدأت تدندن بصوت عذب هامس وهى تمرر يدها بخفة على وجنتيه ولحيته
الغربة توهتنى لكن ما غربتنى عنك طول السنين
شايلاك في نن عيني يا عينى واللى بينك و بينى
اشواق كل الاحِبة وحنين المحرومين يا عيني وحنين المحرومين آه يانا م الحنين
لو حد بينسى روحه انا كنت نسيت هواك
لو قلب بينسى حبه انسى الحياة معاك
يا زماني و الاماني آه ياللى مالكش تانى ويا حبى الاولاني شايلاك في نن عيني يا عينى واللى بينك و بينى اشواق كل الاحِبة وحنين المحرومين يا عيني وحنين المحرومين آه يانا م الحنين
يا اعز واغلى حب لفيت الدنيا بعدك مالقتش فيها قلب
يا كل ما بتمنى الجنة نار في بعدك والنار في قربك جنة انا منك وانت مني انا توهني البعد عنك انا من غيرك ابقى مين
شايلاك في نن عيني يا عينى
واللى بينك و بينى اشواق كل الاحِبة
وحنين المحرومين يا عيني وحنين المحرومين آه يانا م الحنين
رجعالك يا حبيبي انا بالهوى مش بالامر
جايالك وحنيني انا جيالك
و حنيني ده احر من الجمر
وانا شوقي يا حياتي شوق الموج للبر
خدني ف حضنك شوية
و امسح دمعة عنيا خليني انسى اللي بيا
وجدت إبتسامته تزداد إتساعاً فربما لم يكن غافياً وإستمع إليها وهى تغنى لا تعرف لما شعرت بالخجل وخاصة عندما وجدته يطالعها بعينيه الناعستين تلك العينان التى أشبعتها غراماً بالأمس وتركتها غارقة في بحور الشوق جذبها إليه يدنيها منه وهو يراها كمن تريد الفرار بعد إحمرار وجنتيها وشعورها بالخجل
فقبلها على مقدمة رأسها قائلاً :
– صباح الخير يا نور عيوني صوتك حلو أوى يا ثراء وكلمات الأغنية كمان حلوة
ازدردت ثراء لعابها تحاول التخفيف من وطأة ذلك الخجل الذى تشعر به عندما حاولت الكلام خرج صوتها ضعيفاً هامساً
–صباح النور بس صوتى مش حلو أوى ولا حاجة أنا بس أفتكرت الأغنية فحبيت أغنيها
أفتر ثغره عن إبتسامة قائلا بمشاغبة:
–يعنى مكنتيش بتغنيلى يعنى يا ثراء
أغلق إحدى عينيه يحدق بها بتكاسل ، فشعرت بنبض عنيف بأذنيها من فرط ذلك الخجل الذى تشعر به ومن نظرات عينيه التى أصبحت أشد جرأة ،لم يرغب فى إزعاجها أكثر من ذلك فأعتدل بجلسته يستند بظهره إلى الوسائد خلفه فأنحسر الغطاء عن جزعه العلوى فأرادت الفرار ولكن قبل ان تقوم جذبها إليه قائلاً:
–راحة تجرى على فين كده ها
تلعثمت ثراء قائلة:
هههروح أشوف كوكى صحيت ولا لاء
دنا بوجهه منها قائلاً:
–أنتى مش عايزة تشوفى كوكى أنتى شكلك عايزة تهربى منى أنا بعد كده هجبلك كلبشات علشان متعرفيش تجرى وتهربى
لم تكبح ضحكتها التى خرجت من جوفها بصوت عالى وهى تستمع إليه يهددها ويحذرها بلطف لا يخلو من المشاكسة سمع رنين هاتفه تأفف قليلاً ولكنه رد بالأخير فسكرتيرته بشركة الحراسة تهاتفه لأمر هام بعد الإنتهاء من المكالمة نظر لزوجته قائلاً :
–ثراء أنا مضطر أروح شركة الحراسة دلوقتى فى مشكلة هحاول متأخرش ماشى يا حبيبتى
أومأت ثراء برأسها موافقة وهى ترمقه بمحبة فأقترب منها يعانقها قبل أن يغادر الفراش وبعد مرور نصف ساعة تقريباً كان أيسر يستقل سيارته ينطلق بها إلى حيث وجهته ،ظلت ثراء بضع دقائق بشرفة الغرفة تراقب رحيله ثم عادت ثانية للداخل بعد أن رأته يخرج بسيارته من البوابة الرئيسية للمنزل
___________
تسللت عبراتها من بين أهدابها وضعت رأسها بين يديها فهى لا تنفك تفكر فى حياتها مع زوجها التى يهددها عدم إنجابها بالرغم من حرصه على أن تترك التفكير بذلك الموضوع رفعت رأسها عندما سمعت صوت خطوات قادمة ولم تكن سوى والداتها
اقتربت روحية منها تربت على ظهرها المنحنى بحنان:
–مالك بس يا مايسة فى إيه يا بنتى وحدى الله مش كده
حدقت مايسة بوجه والداتها فأقتربت منها تلقى برأسها على صدرها لتربت عليها بحنو وهى تشعر بالحزن على حالة إبنتها
قالت مايسة من بين شهقاتها الخافتة:
–تعبت يا ماما من التفكير فى موضوع الخلفة ونفسيتى تعبت مش عارفة أعمل ايه
ردت روحية قائلة:
–العمل عمل ربنا يا مايسة هتعملى إيه أنتى وجوزك الحمد لله كويسين ومفيش حد فيكم عنده مانع للخلفة بس ربنا لسه مش رايد دلوقتى فأصبرى يا بنتى
مسحت مايسة عينيها بكف يدها قائلة:
–أصبر لحد أمتى تانى بقالى أكتر من خمس سنين ومحصلش حمل أصبر لحد أمتى تانى يا ماما
أعطتها روحية محرمة ورقية تجفف بها دموعها قائلة:
–الصبر مفتاح الفرج أستغفرى ربنا كتير الاستغفار بركة دا ربنا سبحانه وتعالى قال بسم الله الرحمن الرحيم: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً” صدق الله العظيم
ربتت روحية على كتف إبنتها قائلة ببشاشة:
–قومى يلا غسلى وشك ووحدى الله وأتوضى وصلى وأعملى زى ما قولتلك وأستغفرى كتير وربنا إن شاء الله هيرزقك وخلى أملك فى ربنا كبير
شعرت مايسة بإطمئنان من حديث والداتها معها فلتستغفر الله ولترى كيف سيكون عطاء الله لها ، تركت مايسة مكانها ولجت للمرحاض فتحت صنبور المياة وظلت تغترف من الماء ترشق وجهها وهى مازالت تتذكر نصيحة والداتها لها فتوضأت وخرجت تؤدى صلاتها تدعو الله بسجودها أن يمن عليها بالذرية الصالحة ،بعد ان فرغت من صلاتها سمعت بالخارج صوت والداها يبدو عليه أنه عاد للمنزل برفقة زوجها الذى سمعت صوته بوضوح هو الآخر وهو يمازح أشقائها الصغار خرجت من الغرفة فأشارت إليها والداتها بتجهيز العشاء ليتناولوا طعامهم بجو أسرى لطيف فبعد الانتهاء تجهزت مايسة للعودة مع زوجها إلى شقتهم وهى ما زالت تفكر فيما أخبرتها به والداتها فعزمت على العمل بتلك النصيحة التى نصحتها إياها ،وصلا إلى الشقة فولجت لغرفتها يتبعها عفيفى فهو قد لاحظ تورم عينيها وهى ببيت والدها
فسألها بقلق قائلاً:
–مايسة أنتى كنتى بتعيطى عليه
إستدارت إليه تقطب حاجبيها قائلة بغرابة:
–هو أنت عرفت أن كنت بعيط إزاى يا عفيفى ماما اللى قالتلك
أومأ عفيفى برأسه رافضاً:
–لاء مش هى عينيكى باين عليها ووارمة من كتر العياط كمان أكيد كنتى بتعيطى على موضوع الخلفة صح يا مايسة ماهو مفيش موضوع غيره بتفكرى فيهبتفكرى فيه
خرج صوته حاداً فتلك ليست عادته ولكنه ربما سأم تفكيرها المستمر فى ذلك الأمر فهو لا يريدها أن تظل باكية على شئ بيد الله وحده فهم لا يملكون سوى الدعاء والانتظار لمح تجمع الدموع بعينيها ثانية فعلم أن ذلك رعونة من جانبه أن يعاتبها على غريزة الأمومة التى خلقها الله بها
أقترب منها يبدى أسفه على ما تفوه به:
–مايسة متزعليش منى أنا مش قصدى أزعلك بس بجد أنا بقيت أضايق من تفكيرك الكتير فى الموضوع ده وزعلك أنتى كده ممكن تخلى حياتنا نكد أحنا مش فى إيدنا حاجة اللى علينا عملناه والرزق من عند الله وهو القادر على كل شئ ولو ربنا ما أرادش يا مايسة أن إحنا نخلف هتعيشى عمرك كله معايا كده حزينة ومتنكدة كده مينفعش يا حبيبتى ماشى
هزت رأسها موافقة فهى تعلم مدلول حديثه جيداً ومتيقنة من حبه لها ولكن ذلك الشعور بداخلها لا تستطيع التغلب عليه بسهولة وخاصة أنها هى من ساعدت والداتها فى تربية أشقاءها الصغار فهى تعشق الأطفال
_______
وقف عزام يستند على عصاه بجواره جمال فى إنتظار وصول تلك الطائرة التى تحمل جثمان ثريا فبعد معرفة جمال بما حدث لها أخبر عزام وذهبوا لإستلام الجثمان فثريا لم يكن لديها سوى أبناء عمومتها
نظر عزام لساعة يده الثمينة قائلاً:
–هم قالولك الطيارة هتوصل إمتى يا جمال
رد جمال قائلاً:
–قالوا هتوصل الساعة ٢ بتوقيت مصر يعنى خلاص المفروض هتوصل دلوقتى
دقائق وأُعلن عن وصول الطائرة فتح بابها وخرج إثنان من الرجال يحملون الجثمان أقترب جمال منهم قائلاً:
–أنا الدكتور جمال الرافعى إبن عم المرحومة
تقدم أحد الرجال ببذلة أنيقة يرتدى نظارة شمسية رفعها لمنتصف رأسه قائلاً:
–أهلا دكتور جمال أنا من السفارة فى النمسا حضرتك ده ورق الوصية للمرحومة وكمان ورق أسباب الوفاة فحضرتك أمضلنا على الورقة دى أنك أستلمت الوصية والجثمان
أخرج جمال قلماً من جيب سترته يوقع على تلك الورقة فأشار الرجل للرجلين الواقفين خلفه بوضع الجثمان بتلك العربة الخاصة بنقل الموتى ،خرج عزام وجمال من المطار يتبعون تلك السيارة بسيارتهم حتى وصلوا إلى مقابر العائلة فوقوا أمام إحدى تلك القبور التى تحمل إسم الرافعى ،تم دفن ثريا وبعد الإنتهاء بحث جمال عن عزام الذى أختفى منذ دقائق بعد دفن الجثمان ظل يبحث عنه حتى وجده أمام القبر الخاص بوالدهم وشقيقهم هاشم
هتف جمال قائلاً بقلق:
–إيه يا عزام روحت فين كنت بدور عليك واقف هنا ليه
إستدار عزام برأسه لجمال قائلا ببسمة حزينة:
–كنت بقرأ الفاتحة وبدعى لأبونا وهاشم يا جمال وبفكر يا ترى يومى قرب ولا لاء بس مش عايز أموت يا جمال ولسه فى دين فى رقبتى
شعر جمال بالقلق أكثر من صوت شقيقه المتعب :
–بعد الشر عليك يا عزام ليه بتقول كده ربنا يديك الصحة وطولة العمر بس دين إيه ده اللى لسه فى رقبتك
زفر عزام قائلاً:
–أيسر يا جمال لسه أيسر مطلبتش منه يسامحنى على اللى عملته فيه وفى أمه زمان
تأبط جمال ذراع شقيقه يسيرون بخطوات متمهلة فهتف جمال قائلاً بهدوء:
–لسه فى إيدك يا عزام أن تخلى أيسر يسامحك أيسر ورث أبوة فى طيبة قلبه حتى لو كان عمل اللى عمله بس برضه هو مش وحش هو كان مجروح وعايز يشفى غليله من اللى شافه
ربت عزام على يد شقيقه بإبتسامة :
–أنت كمان قلبك كبير وطيب يا جمال انا اللى كنت وحش كنت فاكر جبروتى هيفيدنى بس عرفت أن الحياة أقصر من أن الواحد يفضل يظلم وياكل حق غيره وهو مش ضامن اصلا أنه يلحق يتنعم بيه الموت بيبقى قريب مننا زى النفس اللى بنتنفسه ممكن نفس يدخل منلحقش نتنفس غيره
شعر جمال بشئ من السعادة لأعتراف شقيقه بأفعاله ورغبته بالتكفير عما فعل ،وصلا إلى السيارة التي كان ينتظرهم بجوارها السائق الذى أنحنى أحتراماً لسيده وفتح له الباب يتخذ مكانه وبجواره شقيقه جمال ينطلق بالسيارة حيث وجهتهم
كسر عزام حاجز الصمت قائلاً:
–جمال عايزك تخلى أيسر وثراء ييجوا البيت عندك بكرة
رد جمال قائلاً:
–حاضر بس عايزهم ليه
نظر عزام من نافذة السيارة بجواره ثم رد قائلاً:
–عايز أتكلم معاهم وأصفى الخلاف بينى وبينهم يعنى زى ما تقول نتقابل على أرض محايدة
تبسم عزام ضاحكاً من كلمته الأخيرة فربت جمال على يده قائلاً:
–بس كده من عينيا يا عزام هات لبنى وشهاب ونتعشى كلنا مع بعض بكرة كلنا محتاجين القعدة دى ولازم كل النفوس تصفى أحنا فى الأول والآخر دم واحد
فكر عزام أن ربما هذا هو الحل الأمثل فربما تصبح عائلة الرافعى عائلة متحابة مترابطة و يد واحدة بعد تلك السنوات التى خيمت عليها المشاحنات والخصام فربما الجيل الجديد من تلك العائلة يتفادى أخطاء السابقين
__________
زفر بإرهاق بعد إنتهاءه من حل تلك المشكلات العالقة بالعمل وضع رأسه بين يديه يضغط بأصابعه على جانبى رأسه فعوضاً عن مكوثه بجوار معشوقته ها هو يقضى يومه بالعمل الذى شعر أنه لن ينتهى
دلفت السكرتيرة قائلة بتهذيب:
–دكتور أيسر فى عميل عايز يقابل حضرتك ضرورى
أغلق عينيه بتعب يشير إليها بيده قائلاً:
–خليه يدخل وأطلبيلى فنجان قهوة كمان دماغى هتنفجر
ولج ذلك الرجل وبعد الإتفاق بينهم على أن يرسل إليه أيسر أحد الحراس الشخصيين أنصرف الرجل ،دقائق وولجت صافى التى أصابها التعجب من ملامح وجهه المتشنجة فهتفت قائلة:
–مالك فى إيه باين عليك مطحون جامد النهاردة
لم تمنع صافى ضحكتها التى سمعها أيسر فضيق ما بين عينيه قائلاً:
–أنتى جاية تضحكى عليا كمان مش كفاية بقالك كام يوم مبتجيش الشغل
إبتسمت صافى قائلة بهدوء:
–كنت بظبط كل حاجة علشان خلاص حمزة حجزلى أنا وتيتة فى طيارة بكرة وهنسافرله وعلشان كده كنت جيبالك كل الملفات والأوراق المهمة اللى كانت معايا وعلشان أقولك أشوف وشك بخير يا أيسر
وضعت صافى الأوراق أمامه فحدق بها بصمت لم يدم سوى ثوانى فتمتم قائلاً:
–توصلى بالسلامة يا صافى وربنا يسعدك وإن شاء الله أنا هاجى أوصلك المطار بكرة بنفسى علشان أودعك أنتى وجدتك
أومأت صافى برأسها إيماءة خفيفة فهى سعيدة الحظ إذ جعلها القدر تقابل رجل مثله يتحلى بأخلاق دمثة فهو لم يتركها بمحنتها هى وجدتها فكان سند لهن حتى صارت أمورهن إلى الأفضل فهى تدعو الله أن يرزقه السعادة فقليل من الرجال يمتلكون تلك الأخلاق الحميدة
ركضت ثراء خلف مليكة بحديقة المنزل والصغيرة ظلت تقفز فرحاً تشعر بالحماس للفرار حتى لا تستطيع ثراء الإمساك بها
هتفت مليكة قائلة بضحكة عالية:
–هااااا مامى مش هتعرف تمسكنى
وقفت ثراء تلتقط أنفاسها من كثرة الركض خلف صغيرتها قائلة:
–الله يسامحك يا كوكى قطعتى نفسى حرام عليكى يا بنتى
–بعد الشر عليكى يا نور عيوني
قالها أيسر الذى يبدو أنه وصل لتوه من الخارج بعد قضاء عمله الطارئ الذى جعله يتركها هذا الصباح بغير إرادته
إستدارت إليه ثراء تركض إليه قائلة بإبتسامة عريضة:
– حمد الله على السلامة يا حبيبى
تعلقت بعنقه فطوقها بذراعيه يشدد من ضمه لها حتى إلتحمت نبضات قلبيهما قبلها على مقدمة رأسها قائلاً:
–الله يسلمك يا حبيبتى مالك بتجرى ورا كوكى ليه كده
ردت ثراء قائلة :
–كنا بنلعب مع بعض أصل بنتك غاوية لعب إستغماية وتقطع نفسى وراها من الجرى
أقتربت الصغيرة منهم راكضة تصرخ بسعادة لرؤية والدها:
–بابى
وصلت إليهم عقدت ذراعيها تمط شفتيها بتبرم تستطرد قائلة:
–بابى أنا زعلانة منك أنت شايل ماما وأنا لاء
أتسع بؤبؤ عينيها من حديث صغيرتها ففكرت بوضعها الحالى فهى حقاً متعلقه بعنقه يطوقها بذراعيه وقدميها لا تلامس الأرض فسحبت ثراء يدها سريعاً قائلة بصوت منخفض:
–أيسر نزلنى بنتك هتفضحنا كده
أرخى أيسر ساعديه عنها فأرتدت بخطواتها للخلف وهو يضحك من كل قلبه على ما تفوهن به فلا سعادة تضاهى سعادته الآن عندما يعود من عمله يجدهن بإنتظاره تتسابق كل منهن فى الحصول على مودته
أقتربت الصغيرة متصنعة الوجوم فتقدم هو منها يحملها يقبلها على وجنتيها المكتنزتين يخاطبها بمودة :
–قلب بابى أنتى زعلانة منى يا روحى
أومأت مليكة برأسها قائلة:
–أيوة زعلانة منك علشان حضنت ماما وأنا لاء مش تحضن ماما تانى تحضن كوكى بس
وضعت الصغيرة يديها حول عنق والدها تلقى برأسها على كتفه بعد تقبيله على وجنته تستطرد قائلة:
–بابى أنا عايزة أركب الحصان تانى
ظل أيسر يمسد على رأسها وجسدها بحنان يزيد من ضمها له ودقات قلبه تقفز فرحاً فهمس للصغيرة قائلا:
–من عينيا يا قلب بابى كل حاجة كوكى عيزاها هنعملها بس دلوقتى نتغدا علشان بابا جعان أوى وبعدين نركب الحصان ماشى
أنزل الصغيرة من بين يديه تسبقه فى الدلوف للمنزل فمد يده لثراء فوضعت يدها بكف يده الدافئ يغلق أصابعه على يدها يأخذها معه وصلا إلى غرفته وجد ثراء نقلت كل ثيابها وأشياءها إلى غرفته فإبتسم قائلاً:
–أنتى نقلتى كل حاجتك من أوضتك لهنا
أومأت برأسها إيماءة خفيفة ومازالت مبتسمة المحيا:
–إيه مكنتش عايز كده يعنى
أقترب منها يمطرها بعبارات الغزل حتى أصبح وجهها اشد إحمراراً من تلك الورود الحمراء اليانعة
–إزاى يعنى مبقاش عايز كده أنتى لو مكنتيش عملتى كده كنت هروح أنا أجيب كل حاجة من أوضتك وأحبسك هنا علشان أنا مش عايز فى دنيتى غيرك أنتى وبنتنا أنتوا حياتى وأغلى ما فيها وبالمناسبة أنتى وحشتينى أوى يا نور عيونى
أراد عناقها وجدها تضع إصبعها على شفتيه تحذره من الإقتراب قائلة :
–يلا علشان نتغدا علشان هتلاقى كوكى دلوقتى داخله عليا زى المخبرين وهتقلنا بتعملوا إيه والصراحة بتسأل أسئلة مبعرفش أجاوب عليها وخصوصاً لما كانت بتقولى يا ماما عايزة نونو زى أصحابى
زادت إبتسامته إتساعاً فقال بدهاء:
–بنتى ومش لازم نزعلها لازم ننفذلها كل طلباتها يا ثراء مش لازم نحرمها من أى حاجة
ربما أصبح وجهها الآن متوهجاً كأنها وضعت أمام أشعة الشمس الحارقة فأزدردت لعابها بخجل تخفض وجهها عن مرمى عينيه المتفحصتين
فهتفت بصوت هامس:
–أيسر بطل كلامك ده وبطل تبصلى كده علشان علشان…
تاهت منها الكلمات عندما وجدته يضع رأسها على صدره يسمعها دقات قلبه التى تناغمت بصخب كأن خفقات قلبه أنغام تتغنى بعشقها فالحب كنسمات الهواء العليلة التى تلامس وجنتيها لايمكن رؤيتها ولكنها تشعر بها كموجات دافئة المشاعر تسرى بعروقها تحمل الدم حاراً إلى وجنتيها ،زحفت يديها بنعومة حتى وصلتا إلى عنقه فأغلقت عينيها بأنهزام وهى تتنهد بضعف فهى لن تستطيع مقاومة عواطفها إذا بلغت الحد الذى ينسيها أى شئ سوى أنها عادت إلى ملجئها من جديد بين ذراعيه ،صوت أنفاسه اللاهثة أنبأتها أنه ربما فى الدقيقة التالية لن يجعلها تخطى خطوة واحدة خارج تلك الغرفة
فهمست له بصوت منخفض:
–أيسر يلا علشان زمان كوكى مستنيانا على السفرة تحت علشان نتغدا
–ها
قالها أيسر ومازال مستمر فى عناقها فهو كعابر ضل طريقه بالصحراء وبلغ العطش منه منتهاه فوجد ماء عذب فظل يرتشف منه حتى يروى ذلك الظمأ الذى أنهك قلبه وروحه فهو حتى يخشى عليها من فرط إشتياقه لها الذى يجعله يهفو إليها بكل وقت ،يريدها أن تظل قريبة منه فحاول بقدر الإمكان أن يعاملها بحنان فهى كالبلور تريد أن يكون مراعياً لها رقيق بتصرفه فحواء خلقت من ضلع أعوج فإذا قسوت عليه إنكسر وإذا حننت عليه ظل محتضناً قلبك
رأى أنه من الأفضل الابتعاد عنها الآن ليجعلها تلتقط أنفاسها التى تكاد تتلاشى فداعب وجنتيها ففتحت عينيها فرأى عسليتيها الصافيتين تخبره صراحة عن مدى إشتياقها إليه رفع وجهها يتفرس بملامحها الفاتنة، يريد أن يشيد لها منزلاً بين أضلعه تتخذ من قلبه متكئاً ومن نبضاته ألحاناً ومن عينيه زاد العشق ومن ساعديه حصناً و ملجئاً
ظل يحدق بها وقتاً طويلاً حتى قطبت حاجبيها بغرابة قائلة:
–فى إيه مالك بتبوصلى كده ليه وساكت
تنهد بشوق قائلاً:
–مش عايز عينى تشوف حاجة غيرك يا نور عيونى مش مصدق أن ممكن تكون الدنيا أخيرا هتدينى السعادة اللى عشت محروم منها عمرى كله أول مرة شوفتك فيها لما كنتى بتجرى وخايفة من اللى كانوا بيجروا وراكى حسيت بوخز فى قلبى ساعتها كانت أول مرة أحس الإحساس ده
أسندت رأسها على صدره تطوقه بذراعيها قائلة :
–لاء صدق يا حبيبى فى اليوم ده أتحاميت فيك ومن ساعتها معرفتش أشوف أى حد يبقى حمايتى وأمانى غيرك أنت أنا معاك وهفضل معاك على طول لأن مقدرش اعيش من غيرك لأن قلبى فى إيدك أنت سعادتى وجنتى أنت حب حياتى
ربت عليها بعشق قائلا:
–وأنتى كل حياتى وعلى فكرة ياثراء فى حراسة هتبقى على البيت هنا وحراسة ليكى ولمليكة كمان
رفعت رأسها عن صدره تطالعه بتساؤل:
–ليه ده كله يا أيسر
أفتر ثغره عن ابتسامة خفيفة قائلا:
–علشان أنتوا أغلى ما ليا وعلشان محدش يضايقكم ولا أن فى حاجة بعد الشر تحصلكم وأنا مش موجود معاكم بعد كده مش هتروحى فى أى مكان إلا لو كان فى عربية حراسة وراكى وكمان هيبقى فى حرس هنا على البيت بإستمرار
تذكرت تلك الأيام الخوالى عندما أتخذته حارساً لقلبها منذ تلك الوهلة الأولى التى وقع بصرها عليه، أومأت برأسها موافقة فهى وضعت زمام أمورها بين يديه ،فخريف الفراق قد رحل،وحل ربيع الغرام ،وتفتحت أزهار الشوق، ولمعت نجوم الاشتياق بسماء العشق
___________
بأحد النوادى الليلية تجرعت أيتن كأسها لتقذفه بعد ذلك ليسقط متحطماً على الأرض ويتناثر زجاجه بكل مكان فيعتمل بصدرها مشاعر الكره منذ ذلك اليوم الذى مارس عليها حسام خدعة ليكشف حقيقتها أمام زوجته لتنقطع أواصر الصداقة بينهن ،رفعت رأسها لترى من جلس على الكرسى المجاور لها على البار
هتف مجدى قائلاً :
–مالك يا أيتن مزاجك متعكر أوى ليه كده صاحبك سابك ولا إيه
رمقته بنظرة عابرة لتعود وتتجرع ذلك الكأس الذى وضعه أمامها ذلك النادل الشاب لتسحب من دخان سيجارتها التى أوشكت على الإنتهاء
فهتفت به بإقتضاب:
–وأنت مالك أنت يا مجدى ملكش فيه خليك فى حالك ماشى
ثم دمدمت بصوت وصل لأذنيه:
–أنا وأنت والزمن طويل يا حسام يا ابن الرافعى مبقاش أيتن إلا لو خربت حياتك
سمع مجدى إسم حسام فقطب حاجبيه بتفكير قائلا:
–حسام الرافعى أنتى قصدك أبن الدكتور جمال الرافعى
رمقته أيتن بغرابة قائلة:
–وأنت تعرفه منين يا مجدى
تذكر مجدى محاولاته التى كانت تبوء بالفشل من النيل من حسام طوال تلك السنوات الماضية فهو لم يستطيع مجابهته وخاصة بعد علمه بمن يكون وعلم أيضاً أن أى ضرر يريد أن يلحقه به سيعود عليه بمصائب لا حصر لها وخاصة أن عائلة الرافعى تتمتع بالثراء والنفوذ الواسع
إبتسم مجدى بخبث يهتف بكره:
–إلا أعرفه أنا أعرفه لما كان حتة ميكانيكى فى ورشة وعايش فى حارة قبل ما يعرف مين أهله
أستدارت أيتن بمقعدها تجلس مقابل له تهتف بإهتمام :
–أنا مش فاهمة حاجة بس عيزاك تحكيلى كل حاجة تعرفها عنه يا مجدى
قص عليها مجدى كل شئ من بداية معرفته به مروراً بإرغامه على خوض سباقات السيارات إنتهاءاً بتلك المشاجرة التى حدثت بينهم بعد معرفة حسام من تكون عائلته ومحاولاته المستميتة فى أن ينتقم منه ،لاحظ ملامح السرور على وجه أيتن فعلم أن ربما تستطيع مساعدته فى تحقيق إنتقامه من حسام
فأفتر ثغرها عن ابتسامة خبيثة قائلة:
–بقى الباشمهندس حسام الرافعى كان حتة ميكانيكى لا راح ولا جه والعز ده كله جاله كده على طبق من دهب وكمان مخلى ميرا متشوفش غيره لاء بجد محظوظ إبن الايه ده فرصة مبتجيش غير مرة واحدة فى العمر بس أنا مش هسيبه فى حاله لازم أدفعه تمن اللى عمله معايا ده هو ومراته غالى أوى وأندمهم ندم عمرهم
إحتسى مجدى مشروبه قائلاً بدهاء:
–واللى يخليكى تحققى إنتقامك ده منهم تعملى إيه
حدقت به أيتن باهتمام فهتفت قائلة:
–أزاى يا مجدى أنتقم منهم قولى وأوعدك اللى تطلبه هنفذهولك فوراً
مرر مجدى إصبعه على ذراعها العارى قائلاً بإبتسامة قائلاً:
–كلك نظر بقى يا أيتن
علمت ما يرمى إليه مجدى بتلميحه هذا فنأت بجسدها عن مرمى يده قائلة بإبتسامة :
–أه فهمتك يا مجدى أوك معنديش مانع بس تقولى الأول ايه خطتك علشان ننتقم من حسام
انحنى مجدى بجزعه قليلاً للأمام ولكنه ظل صامتاً لبرهة فزوت ما بين حاجبيها بغرابة فهى بإنتظار سماع ما سيقوله طال الصمت لمدة دقيقة كاملة حتى هتف مجدى بإبتسامة بشعة:
–إحنا مش هننقم منه بس لاء هنقتله…
يتبع….!!!!!
روايات جميلة لكنها تتوقف في بعض الفصول