روايات شيقه

رواية سر غائب الفصل 47


ارتسمت إبتسامة على ثغره ،فأنحنى إليها قليلاً يمسد على رأسها فوجد عقد يتدلى من عنقها يحمل إسمها فرفعه بين أصابعه يتأمله فهتف قائلاً:
–أنتى بقى مليكة

إبتسمت الصغيرة قائلة :
–أيوة أنا مليكة أنت مين بقى يا عمو

أستدار أيسر برأسه للخلف ليرى صغيرته فوجدها تتحدث مع رجل غريب لم يراه من قبل فأسرع الخطى إليهم قائلاً:
–مليكة

سمعت الصغيرة نداء أبيها فالتفتت إليه تلوح له بيدها أقترب منهم قبض على كتف الصغيرة يقربها منه فتشبثت بساقه تنظر إليه بوداعة

حدق أيسر بوجه ذلك الرجل الذى مازال جالساً القرفصاء فهتف به بصوت صارم:
–أنت مين وعايز إيه من بنتى

سكنت الريبة بداخله فما يحدث لهم بتلك الآونة الأخيرة جعله يخاف من أن يصيب إبنته أو زوجته أى مكروه أو سوء

إستقام الرجل بوقفته ومازال يبتسم للصغيرة قائلا:
–متقلقش يا دكتور أيسر أنا طارق سعد رائد بمديرية أمن القاهرة

أخرج طارق هويته الخاصة به وناولها لأيسر ،فدقق أيسر النظر بها ثم أعادها إليه فسأله بقلق:
–أهلا حضرتك بس كنت عايز إيه من بنتى

همس له طارق بصوت منخفض قائلاً:
–دكتور أيسر لو سمحت كنت عايز اتكلم معاك فى أمر ضرورى على إنفراد

أومأ أيسر برأسه موافقاً فنادى على ثراء لأخذ مليكة أشار أيسر لطارق بأن يتقدمه إلى غرفة جانبية خاصة بالأطباء ،فجلس خلف إحدى المكاتب الموضوعة بالغرفة وجلس طارق على المقعد أمام المكتب

أظهر طارق بعض اللطف قبل أن يقول:
–هو الموضوع أن بنت حضرتك فى حد مخطط لخطفها النهاردة من المستشفى هنا

أنتفض أيسر بعد سماع ما قاله طارق فصرخ بصوت جهورى:
–إيه بنتى أنا هتتخطف وإزاى وليه ومين اللى عايز يعمل كده

ترك مكانه مسرعاً يريد الخروج من الغرفة فأستوقفه طارق وهو يقول:
–دكتور أيسر أهدى حضرتك مش كده وخلينى أكمل كلامى

ألتفت أيسر برأسه إليه ويده على مقبض الباب فهتف بإستنكار :
–أنت عايزنى أهدى وأنا عرفت أن بنتى هتتخطف أنت بتتكلم إزاى

سحبه طارق من مرفقه يديره إليه قائلاً بصوت رزين:
–مقدر قلقك وخوفك على بنتك بس متقلقش أنا مأمن المستشفى كلها أنا بس عايز حضرتك تتصرف بشكل طبيعى علشان أقدر أقبض على اللى هيعملوا كده صدقنى بنتك هتبقى فى أمان وأنا قولتلك وعرفتك علشان تساعدنى لأن لو المجرم اخد باله أنه أنكشف هيهرب وأكيد هيحاول يخطفها تانى وجايز المرة الجاية ينجح فى خطفه ليها فخلينا ننهى الموضوع ده النهاردة علشان حضرتك تبقى مطمن

كيف له بأن يهدأ باله وهو علم بشأن من يريد السوء بصغيرته التى إذا حدث لها شئ سيئ ،فهو لن يرحم من سيفعل ذلك ،فكل العالم بكفة وزوجته وطفلته بكفة أخرى فهو على إستعداد أن يتخلى عن ذوقه وكياسته وتهذيبه من أجلهن من أجل جواهره الغالية

أزدرد أيسر لعابه بخوف ولكنه رأى أنه من الأفضل أن يستمع له فرد قائلاً:
–وإيه المطلوب منى دلوقتى، بس يا حضرة الظابط لو بنتى جرالها حاجة أنا عندى إستعداد أن أهد الدنيا دى على دماغ اللى هيعملها بس عندى سؤال أنت عرفت إزاى أن فى حد عايز يخطف بنتى

–اقعد يا دكتور أيسر وهحكيلك على كل حاجة
قالها طارق وهو يشير له بالجلوس ليتسنى له إخباره بكل ماحدث فأستطرد قائلاً:
–الموضوع كله حصل لما فى واحد جه إمبارح المديرية يقدم بلاغ أن فى واحد إسمه عباس ناوى يخطف بنتك النهاردة وعامل خطة أن يخطفها أثناء حفلة الإفتتاح اللى قدم البلاغ ده إسمه متولى هو عايش هو وعباس فى بيت واحد وعرف ان عباس متفق مع واحد تانى علشان يخطفوا مليكة واللى عرفته كمان إن عباس ده بيكرهك من زمان وأنهم أتحبسوا بسببك

قطب أيسر حاجبيه بدهشة قائلاً:
–عباس ومتولى هم ممكن يكونوا دول اللى أتحبسوا فى قضية خطف ثراء مراتى زمان حتى عباس ده ضربنى برصاصة قبل كده ،معقولة يكون هو

إستند طارق بمرفقيه على ساقيه ينحنى للأمام قائلاً:
–هو فعلا متولى حكالى على كل حاجة بس لما خرجوا من السجن عباس حب يرجع يشتغل شغل السرقة والخطف بتاعه ده تانى بس متولى الظاهر عليه أنه تاب بدليل أن هو اللى جه وبلغ عنه بعد ما عرف وسمع كل حاجة وطبعاً يا دكتور أيسر حضرتك رجل أعمال معروف وموضوع خطف أولاد الناس الاغنيا ده بيحصل كتير علشان طلب الفدية وأنا طبعاً أمنت الحفلة من غير ما حضرتك تعرف وقولتلك دلوقتى علشان تساعدنى أقبض عليه ولو سمحت مش عايز حد غيرك يعرف وخلى كل حاجة تمشى طبيعى هو أكيد موجود هنا دلوقتى ومراقب بنتك وكل تحركاتها بس برضه إحنا عينينا عليها وأى حاجة تحصل هنقبض عليه فوراً فعايز تتصرف بشكل طبيعى علشان محدش يشك فى حاجة وكويس أن المحافظ والحراسة بتاعته مشيوا علشان كان ممكن الموضوع يكبر وتبقى شوشرة جامدة فحضرتك يلا بينا نخرج وأتصرف بشكل طبيعى

غرز أيسر أصابعه بشعره يشد عليه حتى شعر بألم وظل صدره يعلو ويهبط بغضب وخوف فماذا سيحدث له أو لزوجته إذا نجح مخطط عباس فى خطف مليكة؟ ، أو كيف سيواجه ثراء ؟
____________
وضعت لبنى ذلك الوشاح باللون الأبيض على رأسها ،كأنها تمهد بذلك لإرتدائها الحجاب بشكل فعلى ،أخذت حقيبتها وخرجت من غرفة نومها ،هبطت درجات السلم بتأنى حتى وصلت إلى غرفة مكتب زوجها ،دقت الباب دقات متتالية حتى سمعت صوته من الداخل أدارت المقبض وولجت الغرفة بإبتسامة ،بادلها إياها عزام وهو يرى زوجته قد تغيرت طباعها المتعجرفة تغيراً جذرياً

حدق بها عزام بإهتمام قائلاً:
–خير يالبنى عايزة حاجة ولابسة وراحة فين كده

تدلى ذراعها تقبض على طرف حقيبتها قائلة بهدوء:
–كنت جاية أقولك أن أنا هروح أشوف ضحى فى المحل بتاعها

لم يمنع القلق من أن تظهر بوادره على وجهه فلماذا تريد الذهاب لرؤية عروس إبنها اليوم؟ فهتف قائلا:
لبنى..!!

علمت بما يظن فأقتربت تجلس على المقعد أمام المكتب فأنفرجت شفتيها بإبتسامة ولكن لا تنكر شعورها بالسوء لظنه أنها تريد مقابلة ضحى لأمر سيئ أو أن تفتعل معها بعض المشاحنات التى لم تكن تكف عن إثارتها مع من حولها

أزدردت لعابها بخفة قائلة:
–متخافش يا عزام أنا رايحة أزورها عادى وكمان ميرا قالتلى أنها بتعمل لبس محجبات حلو فكنت عايزة أشوفه بس هو للدرجة دى مش واثق أن أنا أتغيرت يا عزام ومفكر أن أنا رايحة أضايقها

شعر عزام بالحرج من سوء ظنه فبادر بالقول:
–لاء يا لبنى مش قصدى أنا بس كنت عايز أعرف رايحالها ليه بس وعلى العموم متزعليش منى لو كنت ضايقتك من غير قصد

كمن كانت ترتدى غمامة سوداء على عينيها لم تجعلها ترى الأمور من البداية بمنطق سوى وانغمست بحياتها الرغيدة فهى تعلم أنها سبب أساسى لأفعال زوجها بحقها فهى لو كانت أعطته الحب والاهتمام الكافى ربما لم يكن فعل ما فعله من زيجات بالخفاء وأمور مشينة لاهثاً خلف البحث عن الحب الذى كان من المفترض أن تكون هى منبعه، ولكنها تراه اليوم من منظور الاحترام فعزام الذى لم يحاول يوماً تبرير قول أو فعل لها تراه يبدى أسفه وأعتذاره إذا جعلها تشعر بالضيق

تركت مقعدها تومأ برأسها إيماءة خفيفة قائلة:
–مش زعلانة منك يا عزام وسلام بقى علشان الحق مشوارى

خرجت من غرفة المكتب وصلت لحديقة القصر وجدت السائق ينتظرها بجوار السيارة فتح لها الباب الخلفى ،فأتخذت مقعدها وأخذ هو مقعده خلف المقود ينطلق بالسيارة حيثما أخبرته

وصلا أمام المتجر الخاص بضحى فترجل السائق يفتح الباب قائلاً بأدب جم:
–أتفضلى يا لبنى هانم وصلنا حضرتك

ترجلت لبنى من السيارة ترمقعه بإبتسامة وولجت للداخل تقدمت من الفتاة التى تعمل لدى ضحى قائلة:
–هى ضحى موجودة

إبتسمت الفتاة قائلة:
–أيوة حضرتك عيزاها بخصوص فستان عادى ولا سهرة ولا إيه

خلعت لبنى نظارتها الشمسية قائلة بإبتسامة:
–قوليلها بس لبنى الرافعى حماتك

رحبت الفتاة بها قائلة:
–أهلا وسهلا بحضرتك مكنتش أعرف أنك حماة الانسة ضحى أتفضلى حضرتك تحبى تشربى إيه

ردت لبنى بهدوء:
–لو فنجان قهوة مظبوط يبقى تمام

قالتها لبنى وهى تكمل سيرها حتى وصلت غرفة مكتب ضحى دقت الباب وولجت بسرعة وجدت ضحى منكبة على مكتبها تراجع بعض الأوراق

–أزيك يا ضحى
قالتها لبنى وهى تتقدم بخطواتها فرفعت ضحى رأسها فهبت واقفة مكانها قائلة بترحيب:
–أهلا وسهلا بحضرتك أتفضلى إيه النور ده

أقتربت منها ضحى بتردد فوجدتها تقترب منها تقبلها على وجنتيها تربت على ذراعيها بحنان ،أشارت إليها بالجلوس وزاد فضولها لمعرفة سبب زيارتها لها

رأت لبنى ملامح القلق عليها التى رأتها على وجه زوجها قبل المجئ فحاولت أن تلطف ذلك الجو المشحون بالقلق فهتفت بصوت رزين:
–وحشتينى قولت أجى أشوفك وكمان علشان كنت جاية أشوف موديلات المحجبات الجديدة اللى عندك

أقتربت ضحى من الكاتالوج الموضوع على مكتبها فأخذته وناولتها إياه قائلة ببشاشة:
–أتفضلى حضرتك أتفرجى على اللى هيعجبك يا لبنى هانم

إبتسمت لبنى قائلة:
–إيه حضرتك ولبنى هانم دى أنا أبقى مامت جوزك دلوقتى لو تحبى ممكن تقوليلى يا ماما

زفرت ضحى براحة من لطافتها معها بالحديث فأطرقت برأسها خجلاً قائلة:
–حاضر

مدت لبنى يدها ترفع وجهها تتفرس بملامحها الرقيقة فخفضت يدها تربت بها على يديها المضموتين فتبسمت قائلة:
–أنا برضة مجتش النهاردة علشان أشوف لبس المحجبات بس، أنا جيت علشان كنت عايزة أقولك كلمتين يا ضحى

أنصتت إليها بإهتمام فعقبت لبنى قائلة:
–أنا جاية أقولك أن عيزاكى تحبى إبنى وتهتمى بيه خليه دايما نمرة واحد فى حياتك ولما تخلفى متنشغليش عنهم خليهم هم أهم حاجة فى حياتك قبل أى حاجة تانية ومتتغريش بمظاهر الدنيا اللى ممكن تضيع منك أقرب الناس مش عيزاكى تغلطى غلطتى يا ضحى لما انا أنشغلت عن جوزى وولادى وكانت النتيجة إيه ضيعتهم من إيدى زمان وجيت ندمت دلوقتى فمش عيزاكى تندمى ،شهاب إبنى ممكن يكون عملى شوية وبيحب شغله بس فى نفس الوقت راجل زى أى راجل بيدور على السعادة مع واحدة تفهمه وتقدر تسعده أنا سعيدة أن ميرا لقيت الحب اللى كانت بتدور عليه وسعيدة أكتر إن شهاب هو كمان لقاكى أنتى بنت جميلة ومحترمة وهتحافظ عليه وعلى بيته أنا بس حبيت أنصحك النصيحة دى علشان أنا مريت بتجربة أتمنى ان محدش يجربها أبدا لما يلاقى فجأة أن الدنيا كلها فضيت من حوليه فخلى بالك من إبنى يا ضحى

إستمعت ضحى لكل كلمة قالتها بأهتمام بالغ وأعطتها عهداً بالحفاظ على تلك النصيحة التى نصحتها إياها فهى أيضاً لاتريد سوى أن تسعد بحياتها مع زوجها
___________
منذ سماعه بموافقتها على خطبته لها والإبتسامة أصبحت لا تفارقه فاليوم هو اليوم الموعود بذهابه لخطبتها ولج لغرفة ثيابه لينتقى منها ما يناسبه وقع إختياره على قميص أزرق فاتح اللون وبنطال باللون الأسود تأكد من حسن مظهره بعد تمشيط شعره ووضع عطره المفضل

هبط الدرج بخطوات سريعة قائلاً بحماس:
–بابا ماما يلا بينا خلاص خلصت

نظرت إليه سوزان بتقييم قائلة بإعجاب:
–إيه الشياكة والوسامة دى كلها يا أمير

إبتسم أمير من إطراء والدته له فهتف ممازحاً:
–يارب بس يا ماما الموضوع يعدى على خير وميجراش حاجة تانى علشان المرة دى لو حصل حاجة خلاص هعيش عازب ومش هتجوز ولا هفكر فى الجواز لأن خبطتين فى الراس توجع

رد فهمى قائلاً:
–والتالتة تعور يا أمير بس اتفائل يا أبنى علشان كمان عايز أنا ومامتك نروح بيتنا بدل ما أنت رابطنا جمبك هنا ومحكم رأيك منمشيش إلا ما تتجوز

أقترب أمير من والده قائلاً:
–يعنى عاوزنى أعيش فى البيت ده لوحدى بطولى كده ادعيلى بس الموضوع يمشى على خير

ربتت سوزان على كتفه بحنان قائلة:
–إن شاء الله يا حبيبى هيتم على خير وهنفرح بيك وبأولادك كمان يلا بينا بقى هنتأخر كده على الناس

خرجوا من المنزل ،يستقلوا إحدى السيارات الفارهة المصفوفة بالمرآب ،قاد أمير السيارة بحماس حتى وصل أمام تلك البناية التي تسكن بها سما برفقة والداتها ،وصلوا أمام باب الشقة دق أمير الجرس
فتحت الباب والدة سما يرافقها شقيقها فهتفت قائلة:
–أهلا وسهلا بيكم أتفضلوا ده الاستاذ حسن أخويا

ولج أمير خلف والديه فمد يده بباقة الورود التى يحملها قائلاً:
–أتفضلى يا طنط

أخذت والدة سما الورد من يديه تبتسم له قائلة:
–تسلم على ذوقك أتفضل على ما أنادى لسما

ولجت والدة سما إلى غرفة إبنتها فوجدها تقف أمام المرأة تنهى إرتداء حجابها فتبسمت قائلة:
–بسم الله ماشاء الله زى القمر يا حبيبتى

أستدارت سما لوالداتها وأعتلت ملامح وجهها الخجل قائلة بصوت منخفض:
–تسلمى يا ماما هو العريس وصل هو وأهله

أومأت والداتها برأسها إيماءة خفيفة قائلة:
–أيوة يا حبيبتى وصلوا وقاعدين مع خالك حسن فى الصالون وهو ماشاء الله عليه باين عليه أصل وذوق وأخلاق وكمان شكله حلو أهو الجزمة خطيبك الاولانى ميجيش شعره فى راسه

أدركت والداتها فداحة قولها إلا أنها عندما حدقت بسما وجدتها هادئة فهى لم تثور عند ذكر خطيبها السابق

أفتر ثغر سما عن إبتسامة هادئة قائلة:
–خلاص يا ماما هو راح لحاله وأنا مش عايزة أفتكره ولا أفكر فى اللى حصل

خرجت سما من الغرفة ترافقها والداتها حتى وصلت لباب غرفة الصالون أخذت نفس عميق زفرته ببطئ تحاول تنظيم أنفاسها للتخلص من التوتر الذى بدأ يؤثر على قدميها التى بدأت تشعر برجفة خفيفة بهما

ولجت للداخل قائلة :
–السلام عليكم
رد الجالسين التحية فتركت سوزان مكانها تقترب منها تقبلها على وجنتيها قائلة:
–أهلا بيكى يا عروستنا

جلست سوزان وجلست سما بمقعد مجاور لها، دققت بملامحها تستحسن إختيار أمير، فسما جميلةو هادئة وخجولة فتمنت من الله أن تتم الزيجة تلك المرة بخير بدون أى عراقيل

حمحم فهمى يجلى صوته قائلاً:
–أختيارك رائع يا أمير باين على عروستنا الأدب والأصل الطيب فحضرتك إيه رأيك فى إبنى أمير يا أستاذ حسن شايفه أنه يستاهل بنت أختك ولو موافقين ده يشرفنا

قالها فهمى فى إنتظار سماع رأى والدة سما وشقيقها فنظر حسن لإبنة شقيقته بأبتسامة فرد قائلا:
–تسلم على ذوق حضرتك هو إبنك زينة الشباب و سما موافقة وأحنا طبعاً يهمنا سعادتها

–وأنا هشيلها فى عينيا يا عمى
قالها أمير مبتسماً وهو يرى سما تخفض رأسها خجلاً ،فشرعوا بقراءة الفاتحة وتم الإتفاق على أن الزواج بعد خطوبة ستدوم ثلاثة أشهر فقط،فعوضاً عن الطلب أن تمد فترة الخطوبة وجدت نفسها توافق عن طيب خاطر أن تصبح زوجته بعد تلك المدة القصيرة ،وأمير لا يصدق أن تلك المرة سيحصل على مبتغاة ستكون له زوجة ورفيقة وضياء لدربه
_________
حل المساء…تم إنارة حديقة المشفى بالكامل لبدأ الحفل الخاص بالأطفال الذى أقترحته ثراء لإدخال السرور على قلوب الصغار إلا إنها تسرب القلق بداخلها وهى ترى زوجها يلتفت حوله كمن أضاع شيئاً ، فمنذ أنصراف المحافظ وبدأ حفل الافتتاح وهى تراه متجهم الوجه فأقتربت منه تربت على ذراعه قائلة:
–أيسر فى إيه مالك

أرتعد أيسر بخفة بعد سماعه صوت زوجته وشعر بملمس يدها على ذراعه فحاول أن يوارى قلقه خلف تلك الابتسامة المرتجفة:
–لا أبداً يا حبيبتى مفيش حاجة بتسألى ليه

نظرت إليه بعينيها تخبره صراحة عن مدى قلقها وشعورها بحدوث شئ مبهم فألحت عليه بسؤالها:
–لا بجد فى إيه أنت زى ما يكون حصل حاجة كبيرة ومش عايز تقولى

حول بصره لطفلته التى تلهو برفقة ريان وبعض الأطفال ،فبما يخبرها ،فهى لو علمت ربما سيجدها تقع مغشياً عليها الآن فمن الأفضل عدم إخبارها حتى تمر تلك الليلة بسلام

أفتر ثغره عن إبتسامة خفيفة قائلاً:
–أبدا يا حبيبتى بس أفتكرت أمى ويمكن كمان علشان جعان ممكن تجبيلى أى حاجة من البوفية أكلها علشان عصافير بطنى بتصوص
رفق حديثه بإبتسامة جذابة ليبعث بداخلها الإطمئنان فأومأت برأسها موافقة فذهبت لتجلب له الطعام

بينما طارق يتابع جميع الحاضرين وجد بعض الأفراد يرتدون زى مهرجين وبعض الشخصيات الكارتونية الشهيرة فعلم أن ربما عباس وشريكه أحد هؤلاء الأفراد

أجتمع الأطفال حولهم يمرحون ويصفقون بأيديهم بحماس شديد فأقترب عباس من مليكة يرتدى الزى الخاص” بميكى ماوس” ، حرص على أن يكون الزى خفيف حتى يستطيع الركض به ،فحمل الصغيرة على ذراعه وهى تضحك بصوت عالى تشعر بالسعادة ،تعرق جسده بالكامل داخل ذلك الزى الذى يرتديه فحتى أنفاسه صارت ثقيلة فهو يجب عليه الخروج من هنا مسرعاً فأرتد بخطواته للخلف ينسحب بهدوء ليصل لباب المشفى بالباحة الخلفية فتقدم شريكه يلهى باقى الأطفال والحضور

اصتطدم عباس بطارق الذى أشهر مسدسه قائلا:
–رايح بيها على فين كده يا عم ميكى ماوس

جفت الدماء بعروق عباس بعد سماعه صوت طارق فأستدار إليه وجده يشهر المسدس بوجهه ،فتململت الصغيرة بين ذراعيه تحاول الفكاك منه فصرخت قائلة برعب:
–باااااابى

سمع أيسر صوت صراخ طفلته أثناء ركضه بعد أن رأى طفلته تبتعد برفقة عباس، فركض إليها سريعاً حتى وصل للباحة الخلفية للمشفى فلم يجد سوى طارق وعباس يحمل الصغيرة التى بدأت بلبط الهواء بقدميها وهى تنتحب فنظرت لأبيها قائلة ببكاء:
–بااابى ألحقنى أنا خايفة

لم يجد عباس وسيلة ليجعلها تكف عن الحركة سوى ضربها على مؤخرة رأسها حتى فقدت وعيها وأخرج سلاح نارى من جيب رداءه يضعه برأس الصغيرة قائلاً:
–أبعدوا كده زى الشطار علشان ميبقاش أخر يوم فى حياتها النهاردة

حتى إذا لم يحقق مبتغاه فسيتخذها وسيلة للهروب من قبضة الشرطة ، فأخرج أيسر سلاحه النارى هو أيضاً فشكل ثلاثتهم مثلث بثلاثة أضلاع خائفة فأيسر مرتعب على صغيرته ، وعباس خائف من القبض عليه وأن يزج به فى السجن ثانية ،وطارق يخشى إخفاقه بمهمته و بحماية الصغيرة

حاول طارق كسب المزيد من الوقت لصالحه فهتف بعباس قائلاً:
–أهدى يا عباس وسيب البنت ومتوديش نفسك فى داهية

رفع عباس يده يزيح قناع الوجه الذى يرتديه فإبتسم بسخرية:
–ما أنا كده كده رايح فى داهية هتفرق إيه يعنى

أزدرد أيسر لعابه يهتف به قائلاً بنبرة أقرب للتوسل:
–أنت عايز إيه وأنا مستعد أدهولك بس سيب بنتى هى مالهاش ذنب فى حاجة

طالعه عباس من رأسه لأخمص قدميه زاجراً إياه بنزق:
–أنا مش عارف إيه يا أخى الحظ بتاعك ده اللى بيخليك كل مرة تنفد منها كان الأول مراتك ودلوقتى بنتك حتى نفدت من الرصاصة اللى ضربتهالك إنت إيه بسبع أرواح

نبرة صوته الحاقدة أنبأت أيسر أنه يمكن أن يصل به الأمر إلى إيذاء إبنته ولكن ماذا يفعل هو الآن؟ فهو يشعر بالعجز فهو لو حاول إطلاق النيران لن يضمن سلامة مليكة وخاصة أن عباس يحملها على ذراعه

أومأ طارق برأسه إيماءة خفيفة لذلك الشرطى المتسلل من خلف عباس ولكن شعور عباس بوقع أقدام خلفه جعله يستدير برأسه ليرى من القادم عندما رأى أحد يتقدم إليه يحمل سلاح نارى يصوبه تجاهه ،حاول إطلاق النار عليه ولكن كان طارق أسرع منه فأصابه بطلق نارى بمنتصف ظهره عندما أستدار بكامل جسده ليصوب تجاه ذلك الشرطى ، فسقطت مليكة من يده وسقط سلاحه أيضاً

أقترب أيسر منه بسرعة يحمل صغيرته يضمها إليه ونظر لعباس الذى صار يلفظ أنفاسه الأخيرة بصعوبة فتحشرج صوته قائلاً بصوت منخفض:
–حتى المرة دى نفدت منها وروحت أنا بلاش

ظلت عيناه مفتوحة على إتساعها بعد مغادرة روحه لجسده تقدم متولى الذى كان متواجداً بالمكان منذ مجيئه برفقة طارق ولكن كان يتوارى عن أنظار عباس حتى لايراه

جثى متولى على ركبتيه بجوار جسد عباس ،فأنزلقت دمعة من إحدى عينيه فهتف بصوت حزين:
–ليه عباس فضلت راكب دماغك لحد ما خسرت حياتك وعلشان إيه الله يرحمك ويغفرلك

مد يده وأغلق عينيه ونهض من مكانه فأقترب منه طارق قائلاً:
–دكتور أيسر ده متولى اللى بلغ عن عباس

نظر إليه أيسر بإمتنان قائلاً:
–أنا مش عارف أشكرك أزاى أنك كنت السبب فى إنقاذ بنتى قولى اكفأك إزاى

زفر متولى بثقل قائلا:
–لا مكافئة ولا حاجة أنا كمان عندى أولاد وعارف ازاى الضنا غالى ولو بعدوا عننا قلبنا بيوجعنا إزاى أنا كمان قلبى موجوع على غياب مراتى وولادى ومش عارف ليهم طريق لدلوقتى فمش عايز حد يجرب النار اللى فى قلبى

قبل أن يفه أيسر بكلمة لمح مجئ أفراد عائلته فركضت إليه ثراء التى وضعت يدها على فمها مشدوهة وهى ترى جسد عباس المسجى بدماءه

فتلعثمت قائلة بخوف:
–ااايه ده يا أيسر ومين ده دا قتيل فى المستشفى مين اللى قتله وليه

أنتبهت ثراء على إبنتها الغافية على كتف أيسر فاقتربت منها تتحسس جسدها بلهفة:
–هى مليكة نايمة ليه كده هو كان فى إيه بالظبط يا أيسر عايزة أعرف

مد أيسر يده الحرة وجذبها إليه يحاول أن يهدأ من روعها فهتف بصوت هادئ:
–إهدى يا ثراء وهقولك على كل حاجة يلا بينا دلوقتى وأنت يا متولى عايزك إن شاء الله تبقى تجيلى على عنوان الشركة دى

ناوله أيسر بطاقته التعريفية وأخذ زوجته وطفلته وباقى أفراد عائلته التى أصابها الذهول مما رأوه ولكنهم ظلوا صامتين ليسمعوا تفسير أيسر لما حدث

قضى متولى ليلته متنقلاً بين قسم الشرطة والمشفى التى تم إيداع جثمان عباس بها لإنهاء إجراءات الدفن ، ومع طلوع الشمس وبتمام الساعة العاشرة صباحاً ،اتجهت السيارة التى تحمل الجثمان إلى المقابر ،تم دفن عباس ورحل من كان موجود

جلس متولى بجوار القبر فتساقطت دموعه من عينيه قائلاً:
–الله يرحمك يا عباس متفتكرش يا صاحبى أن أنا ندل أنا مكنتش عايز غير أنك ترجع عن الطريق اللى كنت ماشى فيه بس شيطانك كان قوى عليك يا عباس حاولت معاك كذا مرة بس كنت دايما ترجع لنفس الطريق كأنك كنت بتجرى ورا موتك الله يرحمك يا صاحبى

نهض متولى من مكانه يمسح عينيه بكف يده ونفض ملابسه من التراب العالق بها من جلوسه أمام القبر ،رحل ولكن لم يمنع نفسه من أن يلتفت خلفه يلقى نظرة على تلك القبور التى ملأت المكان فهذا ما يناله إبن أدم بنهاية سعيه ركضاً خلف الدنيا فمن سعى للخير جزاه الله بسعيه ومن سعى للشر لن ينل سوى العذاب والغضب من الله ، وصل لذلك الحى الذى كانوا يقيمون به يجر قدميه ولا يعرف ما سيكون مصيره مع ذلك العجوز مدبولى إذا علم بما حدث لعباس فهو قريبه بالنهاية فربما لن يتوانى عن طرده فهو وضع كل إحتمال برأسه فإذا فعل مدبولى ذلك سيأخذ ثيابه ويبحث عن محل إقامة أخر

ولج للشقة بالمفتاح الذى يستخدمه ، أصدر الباب صوت صرير قوى جعل مدبولى يخرج من الغرفة مسرعاً

حدق بمتولى قائلاً:
–متولى أنتوا كنتوا فين وعباس فين من إمبارح وأنتوا مختفيين ومشفتش وش حد فيكم

رد متولى قائلاً بثقل:
–عباس مات يا عم مدبولى

تلك الجملة جعلت ذلك العجوز يرتمى على المقعد خشية من خذلان ساقيه بالوقوف فخرج صوته خافتاً متلعثماً:
–ممات إززاى يعنى يا متولى

روى له متولى ما حدث منذ البداية ومنذ معرفته بشأن هوية تلك الطفلة التى كان ينوى عباس إختطافها وأخبره أيضاً بشان تقدمه بعمل بلاغ للشرطة وإخبارهم بما كان ينوى عباس فعله

رفع مدبولى راسه بعد سماع حديثه فحدق به قائلاً:
–يعنى أنت اللى بلغت عنه يا متولى

أومأ متولى برأسه بالموافقة ولكن سارع بالقول:
–بس والله ما كنت عايزة يتقتل يا عم مدبولى أنا بس كنت عايز يبطل اللى بيعمله مجاش فى بالى أن هيجراله كده

لمس مدبولى الصدق بصوته فظل يومأ برأسه فرد قائلا:
–أنت ملكش ذنب هى دى كانت هتبقى نهايته طول ماهو كان مسلم دماغه لشيطانه الله يرحمه

–أنا دلوقتى هاخد هدومى وأمشى أكيد أنت مش هتحب ان أقعد معاك وكنت السبب فى موت قريبك
قالها متولى وتحرك ذاهباً لغرفته فأوقفه صوت مدبولى قائلاً:
–هتروح فين يا متولى خليك قاعد وياريت تكون أتعلمت درس من اللى حصل أن الشر أخرته وحشة يا سجن يا موت

فهو تلقن درساً لن ينساه طوال حياته بأسرها ،ذهب للغرفة وأرتمى على الفراش فأخرج تلك البطاقة التعريفية الخاصة بأيسر وهو يفكر جدياً فى الذهاب إليه لعله يبدأ من جديد فى البحث عن ذاته الضائعة والعالقة بين ماضِ مؤلم ومخزى تسبب فى دمار حياته وخرابها وضياع زوجته وأولاده فكم يشتهى هو لقياهم الآن وأن يطلب منهم الصفح عما فعله بحقهم وأن يعدهم بأن يصبح مثلما يريدون ولكن أين سيجدهم ؟ فكل سبيل أستطاع أن
يسلكه للوصول إليهم لم يفضى بالنهاية سوى لفشله فى إيجادهم
_________
سمعت ضحى صوت طرق على باب غرفة مكتبها فأستدارت برأسها لترى من الطارق الذى لم يكن سوى شهاب زوجها

فولج مبتسماً وهو يقول:
–إيه يا ضحى فينك كده ومش بتردى على التليفون

تركت ضحى ما تفعل وسحبت غطاء توارى أسفله ذلك الثوب الذى تحيكه من أجل حفل زفافها ولكن لا تريد لأحد أن يراه قبل أن تنتهى منه

فتبسمت قائلة:
–معلش التليفون فاصل شحن بس مالك كده بتدور عليا ليه فى حاجة ولا ايه

جلس شهاب على أحد المقاعد قائلاً:
–كنت بدور عليكى علشان نروح نشوف الفندق اللى هنحجز فيه لفرحنا وعلشان كمان أخذت إذن من باباكى علشان نتعشى برا النهاردة فيلا بينا بقى

أخذت حقيبتها تسبقه للخارج ،فرأته يتجه نحو غطاء الثوب ففضوله يقتله لرؤية ما خبأته تحت ذلك الغطاء

فسارعت الخطى تحول بينه وبين الغطاء قائلة بإبتسامة:
–رايح فين أنت مش يلا بينا

أفتر ثغره عن ابتسامة خفيفة قائلا:
–ما هو أنا هموت وأعرف خبيتى إيه تحت الغطا ده أكيد ده فستان الفرح لو كده خلينى أشوفه

أومأت برأسها نافية قائلة بإصرار:
–لاء يا شهاب مش هتشوفه ده مفاجأة ولسه كمان مكملش هتمشى ولا أروح البيت أتعشى مع بابا

أمام رفضها القاطع ،أذعن لأمرها بالأخير فهى على ما يبدو عنيدة،لم يشأ إزعاجها أكثر من ذلك فخرجا من الغرفة حتى وصلا لسيارته أتخذت مقعدها بجواره ولكنها أيضاً تشعر بالقلق والتوتر فتلك هى المرة الأولى التى تذهب معه إلى مكان بمفردها

نظر اليها قائلا:
–مالك خايفة ليه كده متخافيش يا ضحى مش هاكلك

أزدردت لعابها قائلة بصوت خافت:
–أصل الصراحة دى أول مرة أخرج معاك لوحدينا من غير ما يكون معانا حد فأنا مش متعودة على كده

زاد إعجابه بخُلقها ،فهى من ستؤتمن على عرضه وماله ،هى من ستنجب له أطفالاً تنشأهم على الاحترام والتحلى بالاخلاق والصفات الحميدة

رد قائلاً بإعجاب:
_أنا كل يوم يزيد إعجابى بيكى وبأخلاقك يا ضحى وأنا محظوظ أن ربنا كتبك من نصيبى مراتى وحبيبتى وأم ولادى إن شاء الله

هى تريد شئ يلطف من حرارة وجهها المشتعلة فتحت النافذة بجوارها تجعل نسمات الليل تلفح وجهها ترطب من لهيب الخجل المشتعل بوجنتيها .وصلا إلى احد الفنادق المقامة على النيل ،ولج شهاب وضحى لغرفة مدير الفندق

هتف شهاب قائلا بهدوء:
–أحنا جايين علشان نشوف القاعة فى الفندق هنا علشان فرحنا أنا شهاب عزام الرافعى

وقف المدير يمد يده مصافحاً له بحرارة:
–أهلا شهاب بيه طبعا غنى عن التعريف أتفضل حضرتك معايا هنا فى ٣ قاعات شوف اللى يناسبك وتقولى الميعاد علشان الحجز

تقدمهم المدير للخارج وتبعه شهاب ترافقه ضحى حتى وصلا للقاعات تجولوا بها لاختيار أفضلها بعد إنتهاء جولتهم

حدق شهاب بضحى قائلاً:
–ها أى قاعة فيهم عجبتك يا ضحى

وقعت ضحى بحيرة من أمرها فالقاعات الثلاث جعلت أختيار أفضلهم أمراً صعباً للغاية بالنسبة لها ولكنها حسمت أمرها قائلة:
–القاعة رقم ٢ جميلة

اثنى المدير على أختيارها قائلاً:
–أختيار حضرتك ممتاز دى أفضل قاعة فيهم وكمان أتعمل فيها افراح مشاهير كتير

شقت إبتسامة شفتاه وهو يقول:
–خلاص احجزلنا القاعة والميعاد…..تمام

أومأ المدير برأسه احتراماً:
–أوامرك يا شهاب بيه

بعد الإنتهاء خرج شهاب وضحى من الفندق ،عادا إلى السيارة من جديد يهتف شهاب بحماس:
–هنروح نتعشى فى مطعم حكاية هيعجبك أوى

لمعت فكرة برأس ضحى فهتفت قائلة:
–طب بقولك أيه تعال انت معايا بقى هأكلك فى مكان عمرك ما أكلت فيه قبل كده وأتحداك أنه ميعجبكش

رد شهاب قائلا بحماس:
–تمام ماشى أمشى منين طيب علشان نوصل

أخبرته بالطريق الذى يجب أن يسلكه حتى يصلا للمكان الذى أشارت عليه بتناول العشاء به ،وصل شهاب إلى أحد الأحياء السكنية الشعبية

قطب حاجبيه بغرابة قائلا:
–هو فين المطعم ده يا ضحى مش شايف مطاعم هنا خالص

ترجلت ضحى من السيارة تشير إليها أن يتبعها قائلة:
–تعال بس واقفل العربية هو المطعم جوا بس مش هتعرف تدخل بعربيتك فاركنها هنا

ترجل شهاب من السيارة يغلقها ، سار خلف ضحى وهو يلتفت حوله يميناً ويساراً حتى وصلا أمام أحد المطاعم ، ولجت ضحى يتبعها شهاب جلست على مقعد لاحدى الطاولات وجلس شهاب مقابل لها ينظر حوله بغرابة

هتف شهاب بها قائلاً:
–إيه الريحة دى يا ضحى

إبتسمت ضحى قائلة:
–متقلقش دى ريحة الكبدة وهتعجبك متخافش

جلس شهاب صامتاً ،طلبت ضحى الطعام الذى جاءهم على وجه السرعة فنظر شهاب للأطباق الموضوعة وعاود النظر لضحى قائلاً:
–ضحى إيه الأكل ده أنا أول مرة أشوفه

ردت ضحى قائلة وهى تشير للأطباق الموضوعة على الطاولة :
–دى كبدة وده ممبار ودى فتة كوارع وده مخ ودى شوربة كوارع وسلطة وطحينة وعيش

حملق شهاب بالأطباق مشدوهاً فهو بحياته لم يذق مثل هذا الطعام ،رفع الملعقة لفمه بتردد ولكنه أعادها مكانها ثانية

إبتسمت ضحى على فعلته فأخذت من الطبق الموضوع أمامها قائلة:
–خد بس جرب دى ومتخافش

أخذها من يدها يضعها بفمه شيئاً فشيئاً شعر بمذاقها الطيب فأردف قائلاً:
–طعمها حلو فعلاً

بدأ بتناول الطعام بشراهة لم يكن معتاد عليها فهو دائماً متأنفاً بما يأكله ولكن اليوم يأكل كأنه لم يذق الطعام منذ وقت طويل

هتفت به ضحى قائلة:
–شهاب بلاش تعك فى الاكل كتير أنت مش واخد على كده لتتعب أنا قولتك تاكل أه بس بلاش تملا معدتك على الآخر

رد وفمه ممتلئ بالطعام قائلاً:
–طعمه حلو أوى يا ضحى أول مرة اكل حاجة زى دى فى حياتى طعمه لذيذ

–بألف هنا وشفا بس برضه بلاش تدوس جامد فى الأكل لأجرى بيك على المستشفى دلوقتى بعد الشر يعنى
قالتها ضحى متفكهة فزادت إبتسامته إتساعاً فربما تلك الفتاة لديها الكثير مما تسعده به فلطافتها وجمالها وخجلها وأحياناً مشاكستها تتحالف جميعاً لتنتج بالأخير حظه السعيد فى العثور عليها وإقترانه بها
__________
بعد مرور يومين ….
مازالت متعلقة بعنقه تبكى على صدره يهتز جسدها المتشنج بفعل شهقاتها المتلاحقة فظل يربت عليها بحنان ليجعلها تهدأ وتكف عن ذلك البكاء الذى رافق عينيها منذ ماحدث لها بيوم إفتتاح المشفى ،فهى تغفو على أن تقوم صارخة تنادى أبيها من شدة فزعها

هتف أيسر قائلاً بحنان:
–كوكى حبيبة قلبى إهدى يا روحى أنا معاكى أهو متخافيش

تتابعت أنفاس الصغيرة قائلة ببكاء:
–كان هياخدنى يا بابى وهيخطفنى أنا خايفة يا بابى خايفة

أنكمشت مليكة بأحضانه فنظر لزوجته الجالسة على طرف الفراش صامتة لم تفعل شئ سوى أنها تمسد على رأس الصغيرة وعينيها ممتلئتان بالدموع هى الأخرى

فهتف بصوت هادئ:
–ثراء

رفعت ثراء رأسها تحدق بزوجها بعد منادته لها قائلة :
–نعم

–مالك أنتى كمان يا حبيبتى
قالها أيسر رغبة منه فى أن يجعلها تتحدث بما يدور بخلدها فهو لا يريد أن تتشنج قدماها وتعجز هى عن تحريكها مثلما يحدث معها دائماً فآفة الخوف إذا تملكت منها تجعلها غير قادرة على الحركة

شعرت بثقل الكلمات على لسانها وتلك الظنون السوداء تُطل من رأسها تعبث بأفكارها فعلا صوتها بصياح قائلة:
–هيكون مالى يعنى يا أيسر لما أعرف أن بنتى كانت هتتخطف ولما بنتى تتعرض للى أتعرضتله زمان لما كانوا عايزين يخطفونى أنا كمان هنفضل لحد أمتى كده ها قولى هنخلص من البلاوى والمصايب دى إمتى عملنا إيه لده كله عايزة أعرف

وضعت يدها على فمها تكتم صوت شهقاتها وعينيها تذرف الدموع حزناً وقهراً

ندت عنه زفرة يائسة قائلاً:
–مش عارف أقولك إيه أو أعمل إيه أنا زيك بالظبط مش عارف كل ده بيحصلنا ليه يا ثراء

عاود النظر لصغيرته التى بدأ النعاس يداهم عينيها الباكية فمسد على رأسها وربت على جسدها حتى سمع صوت إنتظام أنفاسها ،وضع رأسها على الوسادة ودثرها بالغطاء، فقبلها على رأسها وخرج من الغرفة يجر زوجته خلفه ،وجد المربية تنتظرهم أمام الباب فخاطبها قائلاً:
–مليكة نامت خلى بالك منها لو صحيت وعيطت نادى علينا

ردت المربية قائلة:
–حاضر يا دكتور أيسر

أكمل سيره إلى غرفته ،ولج للداخل فأطلق سراح يد زوجته التى كانت تسير بجواره كالدمية لا تفعل شئ سوى ذرف الدموع، وقفت بمنتصف الغرفة متحجرة الساقين والعينين كأنها تنظر بالفراغ

دار أيسر حول نفسه ومسح وجهه بيديه قائلاً بثقل:
–ثراء أرجوكى تفوقى كفاية اللى أنا فيه

تساقطت دموعها غزيرة على وجنتيها قائلة بصياح:
–أنا خلاص هتجنن أحنا هنعيش زى الناس الطبيعيين أمتى أنا عايزة أعيش معاك أنت وبنتى من غير قلق وخوف ولا كل شوية تطلعلنا مصيبة وحد يتأذى أنا خلاص أعصابى متستحملش أكتر من كده

أندفعت إليه تبكى على صدره فطوقها بذراعيه فتركها تبكى على سجيتها مكتفياً بتأرجحها بلطف بين ذراعيه ،يستند بذقنه على رأسها يغمض عينيه هو الآخر يشعر بالإرهاق فغمغم لها قائلاً:
–حبيبتى طول ما أنا معاكى متخافيش مش هسمح لحد أن يأذيكى أو يأذى بنتنا أنا أفديكم بروحى يا نور عيونى وكفاية بقى عياط غرقتى القميص

قال جملته الاخيرة يمازحها لعله يخفف من وطأة ذلك الحزن الذى سكن بداخلها ،فأبتسمت رغما عنها قائلة:
–هو ده اللى همك القميص بتسخر من أحزانى يا أيسر

رفع وجهها إليه ماسحاً بعينيه كل إنش بوجهها فعينيها أصبحت بلون الدم من كثرة بكاءها ووجنتيها رطبتان من أثر عبراتها ،فأخرج محرمته القطنية من جيبه يجفف دموعها ،فأخذتها منه تمسح أنفها تتمخض بها فصدر عنها ضحكة عالية من ذلك الصوت الذى أصدرته تهتف قائلة:
–لما بعيط مبعرفش أسيطر على مناخيرى بيبقى شكلى زبالة لما بعيط مش كده

برغم ما يثقله من هموم لم يفلح فى كبت ضحكته هو الآخر فرد قائلا:
–لا يا قلبى أنتى عسل فى كل حالاتك بغض النظر عن الصوت الغريب اللى سمعته من شوية ده

لكمته بخفة بمنتصف بطنه قائلة:
–بس بقى متفكرنيش أنا مضايقة لوحدى أحسن أكمل وهصدعك النهاردة

رفع أيسر كفيه بإستسلام قائلاً:
–وعلى إيه اللى فيا مكفينى بلاش وحياتك

تنهدت بصوت مسموع فعاد إليها وجومها مرة أخرى عندما تذكرت ما حدث فوجدته يربت على وجنتها مواسياً:
–حبيبتى خلاص اللى حصل حصل والحمد لله عدت على خير وأظن كده إن شاء الله مفيش حاجة وحشة هتحصل تانى إحنا مكنش لينا اعداء ،وعباس ده كان بيكرهنى بسبب أن دايما كنت أبوظ خططه فى خطفك ،فمظنش فى حد تانى عايز يضرنا

تمنت ثراء أن يكون محقاً بما قاله ،فهى سأمت هذا الحزن الذى طالما طاردهم كثيراً كمطاردة أحد الوحوش الضارية لفريسته فكلما فرت منه ركض خلفها يلهث يريد النيل منها ، فدنت منه قائلة بحيرة: :
–أنت متأكد يا أيسر إن إحنا خلاص ملناش أعداء تانى أصل أنا …..
يتبع….!!!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى