رواية سر غائب الفصل 50 و الاخير ، بدأ حفل الزفاف ملأت السعادة قلوب الحاضرين ، أخذ شهاب يد ضحى لمنتصف القاعة وبدأ بالتمايل على أنغام الموسيقى الهادئة ليتبعهم كل زوجين من الحضور
وضعت ثراء يديها حول عنق زوجها تقترب من أذنه هامسة:
–أيسر فى حاجة عايزة أقولهالك
قبل أن تكمل قول ما تريد سمعا صوت يأتيهم من جوارهم يهتف بهم قائلا:
–أزيكم أخباركم إيه..
حدق أيسر وثراء كل منهم بالآخر ليعاودا الاستدارة برؤوسهم لمصدر الصوت،فهتف كلاهما بصوت واحد:
–صافى
إبتسمت صافى على ملامح وجههم المشدوهة فهم لم يعلموا بشأن مجيئها اليوم فهى أرادت مفاجئتهم
إبتعدت ثراء عن أيسر تقترب من صافى تقبلها على وجنتيها قائلة:
–حمد الله على السلامة مقولتيش أنك جاية النهاردة
رد صافى قائلة بلطف:
–حبيت أعملهالكم مفاجئة بس إيه رأيكم أنا لما عرفت أن النهاردة فرح إبن عمكم جيت أشوفكم
حدق بها أيسر قائلاً:
–أنتى اخبارك إيه وجاية لوحدك فين جوزك وجدتك
–قاعدين هناك على التربيزة اللى ورا دى
قالتها صافى وهى تشير بيدها لإحدى الطاولات فى أحد زوايا القاعة
رفع حمزة زوجها يده يلوح لهم بها وتبسمت فريدة فأخذ أيسر زوجته وأقتربوا منهم يرحبون بمجيئهم جلسوا معهم بعض الوقت حتى أعلن زوج صافى عن رغبته في العودة للمنزل ،فذهب حمزة برفقة صافى وفريدة
إستند أيسر بمرفقيه على طرف الطاولة قائلاً بإبتسامة جذابة:
–مقولتليش بقى كنتى عايزة تقوليلى إيه
تذكرت ثراء ذلك الأمر الذى كانت تريد إخباره به فدنت قليلاً للأمام قائلة:
–كنت عايزة أقولك أن أنا عايزة نسافر نعمل شهر عسل جديد وكنت حاجزة تذاكر طيران لليونان لأن بصراحة مروحتهاش قبل كده وعايزة أروحها معاك
وضع يده على يدها الموضوعة على الطاولة قائلاً:
–بس كده الجميل يؤمر بس أظبط الشغل قبل ما نسافر علشان الصراحة محتاج وقت أفصل فيه من الشغل وكويس إنك عملتى كده
جددت العيون عهد الغرام بينهم فأخذها عائداً لتلك الطاولة التى تجلس حولها عائلة جمال ورضوان وسميرة
فهتف حسام قائلاً:
–أنت كنتوا فين تعالوا افرحوا معايا مش ميرا حامل
حدق أيسر بثراء التى علت صوت ضحكتها قائلة:
–ألف مبروك يا حسام يتربى فى عزك إن شاء الله وعقبال عندنا
ربت أيسر على كتف حسام مهنئاً إياه:
–ألف مبروك يا صاحبى
سحبت سميرة حسام من ساعده تهتف قريباً من أذنه:
–بقى كده يا واد أنت متقوليش أن مراتك حامل اللى دلوقتى
أخذ حسام يدها الموضوعة على ذراعه يقبلها بحنان قائلاً:
–وحياتك عندى يا تيتة معرفتش أن ميرا حامل إلا وإحنا خلاص جايين على القاعة ثم يعنى أنا أخبى عنك حاجة يا مرمر دا انا مبيتبلش فى بوقى فولة
علت صوت ضحكة سميرة من محاولته أن يصرف ضيقها منه فهو لم يعلم بشأن حمل زوجته إلا منذ ساعات قلائل فقط
شعرت ميرا بالخجل وهى ترى تلك الوجوه المحدقة بها فإبتسم إبتسامة خفيفة قائلة:
–أنتوا بتبوصولى كده ليه
رد رضوان قائلا:
–فرحانين بيكى يا بنتى علشان هتجبيلهم حفيد تانى ربنا يزيد ويبارك
قبض جمال على كف زوجته بسعادة فطالع كل منهم الآخر بسرور من تلك الأنباء السارة التى سمعاها للتو
فدمدمت فيروز بدموع السعادة قائلة:
–ألف مبروك يا حبايبى الأخبار الحلوة كلها بتيجى ورا بعض
أومأ جمال برأسه قائلا:
–فعلا رينا يسعد أيامكم يارب وتفضلوا سعداء على طول
ليس من اليسير الحصول على الحب ولكنهم محظوظون بالعثور عليه فلا معنى للحياة دون وجود الحب فكل شئ يصبح على ما يرام عندما تجد من يظل بجانبك فى أتراحك قبل أفراحك
تكللت وجوه عزام ولبنى بالسعادة من رؤية الفرح الذى بانت بوادره على وجه شهاب وتلك الإبتسامة التى لا تفارقه منذ بدأ حفل الزفاف
حدقت لبنى بعزام قائلة :
–النهاردة أجمل يوم فى حياتى وأنا شايفة إبنى حبيبى بيتجوز وبيحب عروسته ،عمرى ما شوفت شهاب سعيد قد النهاردة
حاوط عزام كتفيها بذراعه قائلاً:
–وأنا كمان فرحان يا لبنى أن الدنيا أبتدت تبقى كويسة بين الكل وأنهم عايشين مبسوطين
دام حفل الزفاف عدة ساعات حتى تم الإعلان عن إنتهاءه وأنصرف الحاضرين ،فصعدت ضحى برفقة شهاب للغرفة التى تم حجزها لقضاء ليلتهم ،ولجت للغرفة وصوت دقات قلبها تعلو على صوت نقرات حذاءها على تلك الأرض الرخامية فحلقها أصبح جافاً من كثرة إزدراد لعابها ،جلست على طرف الفراش وسمعت صوت إغلاق الباب بعد أن ولج شهاب بعد توديعه لأهله
أقترب شهاب منها وجدها تعبث بقماش ثوبها تكاد تمزقه بين أصابعها التى بدأت تشعر بالرجفة تسرى بهما وبساقيها المتواريين أسفل ثوبها
مد يديه يسحبها من مرفقيها حتى أستقامت بوقفتها وعينيها مازالت عالقة بالأرض فأنحنى برأسه قليلاً حتى تتمكن من رؤيته فهتف ممازحاً:
–على فكرة شكلى أحلى من السجادة اللى مش شايلة عينك من عليها دى
تناهى إلى سمعه صوت ضحكتها المكبوتة مما قاله فرفع وجهها مستطرداً:
–ما أنتى بتضحكى أهو بس إيه الجمال والحلاوة دى كلها عروسة قمر يلا بينا علشان نصلى
دفء أصابع يده الموضوعة أسفل فكها وصوته الهادئ جعلا الأمان يسكنها ،فرفعت ثوبها قليلاً ليتسنى لها السير بدون أن تتعثر به ،ولجت لغرفة ملحقة بغرفتهم وجدت ثراء وضعت لها حقيبة ثيابها ففتحتها تخرج منها ما سترتديه وظلت عيناها عالقة بالباب خشية من أن يلج شهاب الغرفة وهى لم تنتهى بعد
زفرت براحة قائلة:
–الحمد لله خلصت وكويس أنه مدخلش الأوضة دى
ولجت للحمام توضأت وخرجت وجدته ينتظرها بعد إرتداءه ثياب مريحة ، أستقام بوقفته يشير إليها بالوقوف خلفه لبدأ صلاتهم قائلاً
–خلصتى يا حبيبتى نصلى بقى
أجابته ضحى بصوت خافت:
–أه خلاص يلا بينا
إستمعت ضحى لصوته وهو يرتل القرأن الكريم فهو حسن الصوت بتلاوته ،بعد فروغهم من الصلاة رفع شهاب كفيه يتضرع بالدعاء لله والثناء على ما أكرمه به ثم وضع إحدى كفيه على رأسها يدعو لها ،بعد إنتهاءه نهض من مكانه يمد يده لها فوضعت كفها الرقيق بها تستقيم بوقفتها، فأبى أن يترك يدها وكيف له ذلك ؟ وهو أنتظر تلك اللحظة بشوق ،فرفعت عينيها تحدق بوجهه ،فصرحت له نظراتها بأنها لا تريده أن يترك يدها لما تبقى من عمرها فهى تريد أن تحيا بهذه الدنيا بكنفه ،تستظل بحنانه من نوبات الدهر ،أمواج الشوق ماجت بقلبيهما وحطت طيور الغرام على أغصان اللقاء
___________
ولج متولى غرفة مكتب أيسر بعد طرقه للباب وسماع صوته يأذن له بالدخول ،أغلق الباب خلفه وتقدم من المكتب بثيابه الرسمية والتى تحمل شعار شركة الحراسة،فمتولى يعمل حارساً للعوائل العربية التى تأتى لمصر من أجل السياحة ،وبعد سفرهم يعود للشركة مرة اخرى لمعرفة من تكون العائلة الجديدة التى سيصبح حارساً لها
أبتسم أيسر يشير إليه بالجلوس قائلا:
–تعال أقعد يا متولى إيه الاخبار
رد متولى وهو يجلس على المقعد قائلاً:
–كله تمام يا دكتور أيسر والشيخ أبو عبد الله سافر هو وعيلته النهاردة الصبح وبعتلك السلام مخصوص
أنحنى أيسر للأمام قائلاً:
–هو كمان طول الفترة اللى كنت شغال فيها عنده كان بيكلمنى وبيشكر فيك وسايبلك كمان مبلغ كويس نظير خدماتك
شعر متولى بالفخر والاعتزاز بالنفس مما يفعله فهو الآن يحصل على قوت يومه بالحلال فمنذ عمله هنا منذ ما يقارب الثلاثة أشهر وتحسنت أحواله المادية ولكن تذكر بحزن وفاة العجوز مدبولى فهو من كان يأنسه بعالمه الموحش ولكن توفى تاركاً إياه يعانى من الوحدة
فرد متولى بحزن طفيف:
–تسلم يا دكتور أيسر حضرتك أى أوامر ليا
نهض أيسر عن مقعده ودار حول المكتب حتى أصبح يقف مقابل له فنهض متولى إحتراماً له فربت أيسر على كتفه قائلا:
–أنت ليك عندى مفاجئة وعارف أنها هتعجبك يا متولى بس ثوانى
إتجه أيسر إلى الغرفة الملحقة بغرفة مكتبه فتح الباب قائلا:
–تعالوا يلا
إستدار متولى ليرى مع من يتحدث فلمح خروج ثلاثة أطفال يركضون إليه قائلين بصياح :
–باااااابا
لم يصدق متولى ما تراه عيناه فهؤلاء هم أطفاله الثلاثة تأتى من خلفهم أم أولاده تمشى على إستحياء ،أرتمى الأولاد الثلاثة بين ذراعيه فأنحنى إليهم يركع على إحدى ساقيه ودموعه تتساقط من عيناه من شوقه ولهفته لرؤياهم ،ظل يقبلهم بفرح مجنون لايصدق إنهم عادوا إليه ثانية
فأستقام بوقفته يحدق بأيسر بإمتنان قائلاً:
–دكتور أيسر أنا مش عارف أقولك إيه أو أعمل إيه أنا مش مصدق نفسى أن انا شايفهم قدامى
رد أيسر بابتسامة عريضة قائلاً:
–ومش بس كده وكمان جبتلك المأذون علشان تتجوزوا تانى أنا قولتلها على كل حاجة وأزاى أنت اتغيرت وبقيت كويس وعايش بالحلال دلوقتى
خفضت وجهها خجلاً وحياءاً ، فنادى أيسر المأذون والشهود لعقد قران متولى على أم أولاده لتصير زوجته من جديد وبعد الانتهاء مد أيسر يده بمظروف أبيض له قائلا:
–خد يا متولى ده المبلغ اللى كان سايبهولك ابو عبدالله وكمان هدية منى وليك أسبوع أجازة علشان تقعد مع مراتك وولادك
تناول متولى المظروف من يده ولسانه يعجز عن إبداء إمتنانه وشكره له على ما فعله إلا أنه استطاع القول:
–جميلك ده هيبقى فى رقبتى طول العمر يا دكتور أيسر ربنا يباركلك يارب
أخذ متولى زوجته وأولاده وخرج من الشركة يتجه إلى تلك الشقة التى أشتراها حديثاً بعد بيعه الشقة التى تركها مدبولى إرثاً له
جلس أيسر على مقعده يستند بظهره إليه يزفر بإرتياح ،فهو سعيد بدخول السرور على قلب إنسان أخر ،فتلك السعادة لا يضاهيها سعادة أخرى عندما يجد من يدعو له بالخير
تذكر أن غدا سيسافر برفقة زوجته وابنته إلى اليونان فهو رأى حماسهن لتلك الرحلة التى ستكون أول رحلة تضم ثلاثتهم زوج عاشق وزوجة محبة وطفلة جميلة عاد للمنزل يزفه شوقه لمعشوقته التى لا تدخر جهداً في إشعال نيران العشق بداخل قلبه
__________
ولج عفيفى غرفة نومه يحمل بين يديه الطعام لزوجته التى حرص هو على راحتها منذ علمهم بشأن حملها فالطبيبة أوصتها بضرورة الراحة لإنتهاء الشهور الأولى بخير فوالداتها تأتى فى الصباح لتعتنى بها ويعتنى بها عفيفى بالمساء بعد عودته من عمله
أقترب من الفراش يضع الطعام أمامها قائلاً:
–يلا يا حبيبتى الأكل أهو بالهنا والشفا
حدقت مايسة بالطعام فثارت لديها رغبة القئ ،فوضعت يدها على فمها قائلة:
–عفيفى شيل الأكل ده مش قادرة هجيب كل اللى فى بطنى
نظرت عفيفى بغرابة للطعام قائلاً:
–ماله الأكل دى فراخ وأنتى بتحبيها نسيتى ولا إيه يلا بلاش دلع خدى دى
تركت الفراش تهرول مسرعة للمرحاض أفرغت ما بجوفها وتعالت أصوات أنينها فشعر عفيفى بالقلق ولج إليها وجدها تغسل وجهها لتعود وتجففه بالمنشفة الموضوعة بجانبها
خرجت من الحمام بخطوات بطيئة قائلة بوهن:
–الله يسامحك يا عفيفى قولتلك بلاش الأكل ده دلوقتى مش قادرة أبص بس للفراخ مش أكلها كل أما اشم ريحتها معدتى بتقلب
شعر عفيفى بالقلق فهتف بصوت حانى:
–حبيبتى لو تعبانة تعالى نروح للدكتورة وأكشفى ونشوف أنتى قرفانة من الأكل ليه كده
تبسمت مايسة ضاحكة :
–عفيفى يا حبيبى ده شئ طبيعى فى الحمل ماما بتقول أنها شهور الوحم وخلاص هانت قربت تخلص
أقترب منها عفيفى يضمها إليه قائلاً :
–ألف سلامة عليكى يا حبيبتى تقومى بالسلامة إن شاء الله طب أجبلك إيه تاكليه
أفتر ثغرها عن ابتسامة قائلة:
–أنت عارف نفسى فى إيه يا عفيفى نفسى أكل درة مشوى
أنفجر عفيفى ضاحكاً:
–درة مشوى يا مايشة ودلوقتى بس كده من عينيا حظك أن ده الموسم بتاعه هنزل أجبلك وأجيلك على طول
أرتدى عفيفى ثيابه وخرج من الشقة للبحث عما تشتهيه زوجته من طعام تسوقه فرحته العارمة فى تلبيه أمانيها من أجل أطفالهم القادمين فهم علموا بشأن حمل مايسة بتوأم
جلست مايسة على الفراش ثانية مبتسمة المحيا تمسد على بطنها بحنان قائلة:
–أبوكم ده أحن راجل أنا شوفته ربنا يباركلنا فيه وتيجوا أنتوا بألف سلامة وتنوروا حياتنا
أستندت على الوسائد خلفها ليداهمها النعاس فهى منذ حملها وهى تنام بكثرة وبرغم إنزعاجها من تلك الحالة التى تصيبها فهى على إستعداد تحمل كل شئ من أجل إنجاب أطفالها بصحة جيدة
_____________
فى اليونان تلك البلاد الساحرة صاحبة الباع والصيت فى الأساطير الإغريقية القديمة تنقلوا ثلاثتهم بين المزارات السياحية بها تقضى ثراء كل دقيقة بسعادة مع زوجها وطفلتها
وضعت ثراء مليكة على أحد الاحجار الكبيرة تقف بجوارها قائلة:
–يلا بقى يا أيسر صورنا كده
مالت مليكة برأسها تستند على جانب رأس ثراء قائلة بحماس:
–يلا بقى يا بابى شكلى حلو كده
–قمر يا روح بابى
قالها أيسر وهو يرفع الكاميرا التى بحوزته لإلتقاط الصور لهن ،التقط عدة صور جميلة كذكرى لهم عندما يعودون إلى بلادهم بالغد ،أستوقف أيسر احد المارة يريد منه أن يلتقط لهم صور لثلاثتهم سوياً ،فوقف بجوار زوجته ومليكة خلفه على الصخرة تضع ذراعيها حول عنقه تستند بوجهها على رأسه ،بعد إنتهاءهم عادوا للفندق المقيمين به فغفت مليكة فحملها أيسر للغرفة المتصلة بغرفتهم وضعها بالفراش وعاد لغرفته وجد ثراء تستلقى بنصف جسدها على الفراش وتتدلى قدميها على الأرض
فحدقت به ثراء قائلة:
–كانت رحلة جميلة بس يا خسارة الأيام خلصت بسرعة وبكرة هنرجع البيت تانى ونرجع للشغل
خلع أيسر ساعة معصمه ينظر اليها بالمرآة أمامه:
–فعلا كانت أيام جميلة بس هنعمل ايه لازم نرجع بيتنا بذمتك مش واحشك
أعتدلت ثراء قائلة:
–لاء طبعا وحشنى ووحشنى بابا وماما وحسام وكلهم وحشونى بس لما ببقى معاك بنسى نفسى
ضحكت ثراء بصوت عالى عندما تذكرت وصف ضحى لها عندما وصفتها بمسلوبة الإرادة بحضرته
قطب حاجبيه بغرابة قائلا:
–بتضحكى على إيه يا ثراء
أستقامت ثراء بوقفتها قائلة:
_لاء بس أفتكرت حاجة وضحكت متشغلش بالك
رأته يقترب منها قفزت دقات قلبها وأصبح تقرع كالطبول بأحد الحروب القديمة التى كانت تُدق من أجل إعلان الحرب فهو سيشن على قلبها حرباً لن تستطيع ردعها وكيف لها ذلك وهى من أعلنت راية السلام منذ رأت تلك العينان التى ترمقها بعشق خالص
باليوم التالى…حزمت ثراء أمتعتهم وأتجهوا صوب المطار للعودة لديارهم بعد قضاء أيام تمنت ثراء أن يظل عبير سحرها عالقها بعقلها وقلبها وأن ترى ذلك اليوم الذى تروى لأحفادها عن تلك الأماكن التى زارتها برفقة حبيبها
__________
شعرت ضحى بوهن شديد وهى تترك فراشها اليوم فهم عادوا البارحة من إحدى الدول الأوربية بعد قضاء شهر عسلهم فحتى قدميها تشعر كأنها ثقيلتين ولا تعرف لما تشعر هكذا؟ فبالأيام الماضية شعرت بتلك الأعراض ولكنها كانت طفيفة سرعان ما تعود لطبيعتها ولكن اليوم زاد تعبها فجلست على طرف الفراش ثانية ،وضعت رأسها بين يديها تضغط على جانبيها لعلها تخفف وطأة ذلك الألم الذى تشعر به برأسها
خرج شهاب من الحمام وجدها جالسة هكذا فشعر بالقلق فهتف قائلا بقلق:
–مالك يا ضحى فى إيه وقاعدة ليه كده
رفعت ضحى رأسها تحدق بوجهه باسمة تتمتم قائلة:
–مفيش حاجة بس حاسة كأن رجلى مش قادرة تشيلنى وجسمى واجعنى أوى
أقترب منها مسرعاً يضع يده على كتفها قائلاً:
–طب تعالى نروح للدكتور نشوف فى إيه
ربتت ضحى على يده الموضوعة على كتفها قائلة:
–دى حاجة بسيطة ودلوقتى هبقى كويسة متقلقش أنت يا حبيبى
حاولت الوقوف فشعرت بدوار خفيف فجلست ثانية زاد شعوره بالقلق فأصر عليها بالذهاب للطبيب فأنصاعت لأمره وذهبا سوياً إلى مشفى عمه جمال لرؤية الطبيب لفحصها ففضل شهاب أن من سيفحصها طبيبة فولجوا لغرفة الطبيبة التى قامت بفحصها وعادت لمكتبها تجلس على مقعدها وتركت ضحى ذلك السرير الصغير الذى كانت تستلقى عليه من أجل الفحص
هتف شهاب بقلق قائلا:
–هى مالها يا دكتورة فيها إيه
تبسمت الطبيبة قائلة:
–متقلقش حضرتك هى شكل المدام حامل بس لسه الحمل فى الأول فمش باين أوى فإحنا نعمل تحليل دم ونشوف أنتوا متجوزين بقالكم أد إيه
ردت ضحى قائلة بخجل:
–من حوالى شهر يا دكتورة
أومأت الطبيبة برأسها بتفهم فربما حدث الحمل منذ اليوم الأول لزواجهم ، حدقت ضحى بشهاب الذى جلس صامتاً وتراقصت السعادة بعيناه مما سمعه من الطبيبة ،فخرجا من الغرفة وذهبا لعمل إختبار الدم الذى وضح وجود حمل فأوصتها الطبيبة بأخذ بعض الأدوية اللازمة وإلتزام الراحة بعد إنتهاءهم عادوا للمنزل فأخبروا عزام ولبنى بذلك النبأ السار ففرح كل منهم بأن القصر سيولد به حفيد منذ وقت طويل ،عندما أختلى شهاب بها فى غرفتهم
حدق بها شهاب بسعادة غامرة قائلاً:
–ألف مبروك يا حبيبتى متوقعتش أن ممكن أبقى أب بالسرعة دى أنتى أرتاحى دلوقتى وهنزل تحت أجبلك حاجة تاكليها
أبتسمت ضحى بخجل فهى حتى الآن لم تعتاد على حياتها لتعلم اليوم بشأن حملها بطفل منه فهى لا تنكر شعورها بالفرح مما رأته من سعادة على وجهه منذ علمه بأنها ستنجب له طفلاً
سحبت ضحى هاتفها تريد إخبار ثراء بذلك النبأ السار فجاءها صوت ثراء على الطرف الآخر قائلة:
–حبيبة قلبى وحشتينى كنت هجيلك النهاردة أشوفك بعد ما رجعتى من شهر العسل ورجعت أنا كمان من اليونان
ردت ضحى قائلة بابتسامة:
–وأنتى كمان وحشانى أوى أوى يا ثراء وعندى ليكى خبر حلو أنا عرفت النهاردة أن انا حاملصاحت ثراء بسعادة قائلة:
–بجد يا ضحى مليون مبروك يا حبيبتى لاء أنا هاجيلك النهاردة مش هينفع كده أباركلك على التليفون أن شاء الله هجيلك بالليل
ردت ضحى قائلة بابتسامة:
–ماشى يا حبيبتى هستناكى
أنهت ضحى مكالمتها مع ثراء ،وذهبت لغرفة ثيابها لأرتداء ملابس بيتية لتنال قسط من الراحة حتى يحين مجئ ثراء بالمساء
صف أيسر سيارته بحديقة قصر الرافعى ،فتبطأت قدميه فى الترجل من السيارة، فقدميه لم تطأ القصر منذ ذلك اليوم الذى تركه به بعد مغادرة ثراء ،جاشت بصدره ذكريات أليمة
حول رأسه لزوجته التى ترجلت من السيارة فظلت تحدق به صامتة ،لم يخرجا من صمتهم وتفكيرهم سوى على صوت مليكة قائلة:
–بابى مامى يلا
تحركت قدميه بخطوات وئيدة فسارت ثراء بجواره ولكن عندما مر من أمام تلك الغرفة التى كان يقطنها بالقصر فتحرك بألية مد يده على مقبض الباب ففتح الباب ،جالت عيناه بالغرفة فوجد الغبار يكسو كل أثاث الغرفة فعلى ما يبدو لم يسكنها أحد منذ تركها هو
ولجت ثراء خلفه فهتفت به قائلة:
–أيسر أنت جيت هنا ليه
أستدار برأسه إليها قائلا بتنهيدة حارة:
–مش عارف يا ثراء رجلى جابتنى لحد هنا وكأن كل اللى حصل ، حصل إمبارح
وضعت يدها على كتفه تضغط عليه برفق قائلة:
–اللى فات مات يا أيسر خلينا فى حياتنا دلوقتى ويلا بينا
خرج من الغرفة فتأبطت ثراء ذراعه تبتسم له ودلفوا لداخل القصر ،رأى عزام أيسر فشعر ببعض الراحة من مجيئه فربما الأيام قادرة على إذابة كل الخلافات بينهم ،هبطت ضحى الدرج برفقة زوجها
فأقتربت منها ثراء تحتضنها بسعادة غامرة تهتف قائلة:
–حبيبتى الف مبروك فرحتيلكم أوى
ردت ضحى قائلة بصوتها العذب:
–ثراء تسلميلى يارب يا حبيبة قلبى
بعد قضاء وقت طويل بقصر الرافعى ، أدار أيسر محرك السيارة وعيناه عالقة بتلك الغرفة وكأنها صندوق من الذكريات أُغلق بابها على ذكريات الماضي
بعد مرور أسبوعين…
عاد أيسر إلى المنزل وصف سيارته بالمرآب وضع المفتاح بالباب ليلج بخطى ثابتة وقع بصره على تلك الورود التى تناثرت على الأرض من خلف الباب تتخذ شكل سهم كأنه يشير إليه بأن يتبعه
أتسعت إبتسامته قائلاً:
–يا ترى يا ثراء محضرالى إيه
تتبع الورود حتى وصل لغرفتهم وجد ورقة معلقة على الباب كتب عليها ” غمض عينيك قبل ما تدخل”
نفذ ما قرآه فأغلق عيناه وولج للداخل ينادى بإسم زوجته :
–ثراء أنا جيت أهو ومغمض عينيا زى ما كتبتى أنتى فين
أتاه صوتها قائلة بهمس ناعم:
–أنا قدامك أهو أفتح عينيك بقى
فتح عيناه يحملق بذلك الثوب الأبيض والتاج الذى ترتديه فذلك الثوب والتاج إبتاعهم هو هدية لها بأحد أعياد ميلادها
فهتف بإعجاب قائلاً:
–الفستان جميل أوى عليكى يا ثراء أنا أشتريته ومكنتش متخيل أنه هيبقى حلو أوى كده عليكى هو والتاج بس إيه مناسبة الورد والجو الجميل ده ثم فين كوكى
أقتربت ثراء منه قائلة:
–كوكى هتبات عند ماما النهاردة والجو الحلو ده له مناسبة وخبر حلو هقولك عليه
أنصت إليها أيسر بإهتمام فأستطردت ثراء قائلة:
–أيسر أنا حامل
كف أيسر عن الحركة يحدق بها كأنه لم يعى ما ألقته على مسامعه فرد قائلاً:
–ححامل أنتى بتتكلمى جد يا ثراء
إبتسمت ثراء على ملامح وجهه التى شابتها الصدمة وعدم التصديق فهم لديهم طفلة ولكن تلك هى المرة الأولى التى تستمتع بإلقاء ذلك الخبر على مسامعه وترى خضراوتيه يزداد بريقها بسروره بأنه سيصبح أباً للمرة الثانية
أومأت برأسها ومازال ثغرها الفاتن مبتسماً فعاودت همسها الناعم:
–أيوة يا حبيبى بتكلم جد طبعاً هو ينفع أهزر فى حاجة زى دى يعنى كمان كام شهر هيشرف أخ أو أخت لمليكة
قالتها وهى تمسد على بطنها بحنان فتتبع حركة يدها فسحبها من يدها يطوقها بذراعيه بتلك الحميمية فطفق يردد بسعادة:
–ثراء أنا بجد فرحان أوى إحساس أن هعرف أن هبقى أب وأسمع أنك حامل مش قادر اوصفه وخصوصاً أنك لما كنتى حامل فى مليكة أنا معشتش اللحظات دى معاكى ولا شوفتها لما أتولدت ولما أبتدت تكبر وتزحف وتمشى وكل اللحظات الحلوة اللى بتبقى فى حياة البيبى فى أول حياته
رفعت يدها تمررها على لحيته بحب قائلة:
–كل اللحظات الحلوة دى إن شاء الله هنعيشها سوا فى الحمل ده وعلشان كمان عيزاك تدلعنى فى الحمل وتنفذلى طلباتى الغريبة دا أنت ربنا بيحبك علشان محضرتش حمل مليكة ماما جت قعدت معايا جننتها فى الوقت ده لحد ما ولدت
أحتضن وجهها بين كفيه قائلاً:
–كل طلباتك أوامر يا نور عيونىسيلبى مطالبها وكل ماتريد، سيعيش معها تلك اللحظات السعيدة والمترقبة حتى تضع جنينها ويرى طفلاً أخر له غير مليكة و سيصبح منزله جنة بوجود زوجته وأطفاله
__________
أناقته المعهودة ووسامته بدوا على أكمل وجه وكيف لا واليوم هو يوم زفافه ،اليوم الموعود له بالحصول على طبيبته الحسناء ،وقف بمنتصف القاعة فى إنتظار ولوجها دقيقة واحدة وفتح الباب تلج سما القاعة تتأبط ذراع خالها وولى أمرها حتى وصلا لأمير فتناول يدها منه يضعها بكف يده ،شعر هو برجفة أصابعها بين كفه
فإبتسم مشجعاً لها قائلاً:
–إيه العروسة القمر دى
أطرقت سما برأسها أرضاً قائلة بصوت خافت:
–شكراً يا أمير
تخشى أن يلاحظ إرتجاف جسدها وخوفها فالفرحة التى ملأت قلبها لم تستطيع القضاء على ذلك الخوف اللعين القابض على قلبها من فكرة كونها ستصبح بمفردها معه ولديه كل الحق بها
جعلها تتأبط ذراعه يربت على كفها الموضوع على ذراعه فهمس لها قائلاً بحنان:
–إهدى يا سما وحاولى تفرحى معايا النهاردة الليلة ليلة العمر زى ما بيقولوا فلازم نحس بالفرحة ومش عايزك تقلقى منى
حاول إستجماع شجاعتها وثباتها فهتفت قائلة:
–حاضر يا أمير
تدريجياً بدأ خوفها يتلاشى وبدأت الاندماج بأجواء السعادة التى ملأت المكان
ولج أيسر القاعة تتأبط ثراء ذراعه يحمل طفلته التى تأبى أن تتركه بأى مكان بدون أن يحملها ، أقتربوا من أمير الذى إبتسم بإتساع وهو يرى مليكة تلوح له بيدها
نظرت إليه ثراء قائلة:
–ألف مبروك يا أمير ربنا يسعدكم إن شاء الله
رد أمير قائلا:
–الله يبارك فيكى يا ثراء مبسوط أن أنتوا جيتوا النهاردة ازيك يا أيسر
رد أيسر قائلا بهدوء:
–تمام الحمد لله ومبروك فرحتلك بجد
رفع أمير إحدى حاجبيه بغرابة قائلا:
–أشك يا إبن الرافعى
إلا انه لم يستطيع منع إبتسامته من مزحته فهو لا يعرف الآن رغبته فى إثارة غضب أيسر إلا انه وجده هادىء يبادله إبتسامته فرد قائلا:
–ليه يا أبن الصواف مش مصدقنى يعنى
أخذت ثراء مليكة لتهنئ سما فسحب أيسر أمير من مرفقه يبتعدوا قليلاً ،تعجب أمير من فعلته ولكنه لم يعقب وانتظر سماع تفسير ما فعله
حمحم أيسر يجلى صوته قائلاً:
–أنت عارف طبعا إن انا وأنت مكناش طايقين بعض ومفيش حد أضايقت من وجوده فى حياتى غيرك بس بجد عايز أقولك شكراً على أنك اهتميت ببنتى لما تولدت وخدت بالك منها وراعتها شكرا ً
علم أمير أنه يتجنب ذكر الجزء الخاص بثراء ولكنه محق فلا يوجد زوج سيقدم الشكر لمن كان غريمه سابقاً
أومأ أمير برأسه مبتسماً:
–الشكر لله المهم خلى بالك منهم وعن أذنك علشان اشوف عروستى
عاد أمير لسما وأقتربت ثراء ومليكة من أيسر نظرت اليه زوجته بإبتسامة قائلة:
–تحب نقعد شوية ولا نروح يا حبيبى
بادلها إبتسامتها قائلاً:
–خلينا شوية كده ونمشى على طول
جلسوا على إحدى الطاولات فتتبع أيسر أمير بعينيه فرأه كيف ينظر لعروسه فتلك النظرة يعرفها هو جيداً ، كمن عيناه تآبى النظر لأحد أخر فتعلق مصير قلبه بها ،نظر أيسر لزوجته الجالسة تداعب مليكة وتمزح معها ،فتحولت عيناه سريعاً إلى ذلك الانتفاخ الطفيف ببطنها من الحمل ،فهو يشعر اليوم بأنه حصل على مايريد لديه زوجة عاشقة وطفلة جميلة وبإنتظار مولود جديد يعيش معهن بسعادة فماذا يريد أكثر من ذلك ،فربما إستطاعت روحه الخروج من تلك المتاهة السوداء للإنتقام ،ليدعها بمتاهة أخر ولكن لايريد منها التحرر أو الخروج وهى متاهة العشقلمحها بعدما رفع رأسه فحدق بوجهها بدهشة لا تخلو من ضيقه لرؤيتها بعد كل تلك السنوات فهى من تسببت فى حدوث خلاف بينه وبين زوجته فكانت أحد العوامل فى إفساد حياتهم الزوجية
وجدها تقترب منهم قائلة:
–أزيك يا أيسر أنت وثراء
زفرت ثراء بضيق قائلة:
–عايزة مننا إيه تانى يا جيسكا
سحبت جيسكا أحد المقاعد تجلس عليه لاحظت ثراء ملامح
وجهها المرهقة كأنها ليست جيسكا التى عرفاها بالماضى
تبسمت جيسكا بوهن فمدت يدها تمسح تلك الدمعة التى فرت من عينيها قائلة:
–ليكوا حق مترضوش تبوصوا فى وشى على اللى حصل بس أنا عيزاكم تسامحونى أنا دلوقتى مريضة بمرض خبيث بقالى سنتين بتعالج منه حتى شعر رأسى ده مش شعرى لأن العلاج خلى شعرى وقع وفلوس بابا منفعتنيش فى حاجة فسامحونى علشان لو مت أموت مرتاحة
أجفلت ثراء بعد سماع ما قالته جيسكا فوجدت نفسها تمد يدها تربت على يدها بشفقة فرفعت جيسكا يدها الأخرى تحتضن يد ثراء قائلة:
–سامحينى يا ثراء وخلى أيسر يسامحنى
حدق بها أيسر قائلاً بهدوء:
–مسامحك يا جيسكا وربنا يشفيكى
غادرت جيسكا الطاولة وهى تجفف دموعها المتساقطة فتتبعتها ثراء بعينيها فندت عنها زفرة قوية ترثى لحالها مما أصابها ،فكأن كل الكره الذى خصتها به سابقاً تبخر ولم يبقى سوى شعور الشفقة
أصبحت سما وجها لوجه مع أمير بعد إنتهاء حفل الزفاف الذى دام لساعات طويلة، وبعد فروغهم من أداء صلاتهم ،ظلت قدميها متيبسة كأنها رافضة الحركة وعينيها متسعة لايخلو منها الخوف أو الرعب مما يدور بعقلها الآن من تفكيرها فى إقدام أمير على مغازلتها فتذكرت تلك الذكرى المأساوية فملأت عينيها الدموع وظلت ترتد بخطواتها للخلف ،تعجب أمير مما تفعل فماذا تظن هى الآن ؟ فهو لن يجبرها على قبول شئ لا تريده ،فهو ليس همجى
حدق بها أمير قائلاً بهدوء:
–سما حبيبتى إهدى ماشى مش عايزك تخافى منى أنا طبعاً عمرى ما هجبرك على حاجة وخليكى براحتك خالص لحد ما تحسى أنك كويسة أنا طبعا يعنى مش هتهجم عليكى فإهدى خالص
ذهب أمير للفراش فجلس عليه قائلاً:
–تعالى نامى علشان ترتاحى لأن أكيد تعبتى من الدوشة بتاعتة الفرح
تمدد أمير على الفراش يغلق عيناه فحاول ترك مساحة كافية لها لتنام براحة فأغلق الأضواء وأشعل نور خافت بجوار الفراش
مازالت هى واقفة مكانها تقبض على ثوبها الخاص بالصلاة كأنها لاتعرف ماذا تفعل ؟ شعرت بوخز خفيف من أنها ربما هدمت أحلامه بقضاء ليله عُرسه كما يتمنى ،وجدته يستلقى على شقه الأيمن فأولاها ظهره ، تمددت على الفراش بحذر بعد أن خلعت رداءها ، تشابك أصابع يدها وهى تستند بهم على بطنها فإستدارت برأسها تحدق به علمت أنه لم يغفو حتى الآن ، اقتربت منه حتى أصبحت ملاصقة له تقربيا سحبت ذراعه لتجعله يستدير إليها ،شعر أمير بجذبها له فإستدار إليها قائلاً
–مالك يا سما فى حاجة يا حبيبتى
رفعت سما يدها تمسح تلك الدمعة التى فرت من عينيها قائلة:
–أنا عارفة أن أنت أكيد زعلان منى بس والله العظيم مش بمزاجى يا أمير أنا فعلا حبيتك أوى بس الخوف اللى جوايا ده مش عارفة أخلص منه بس لو أنت حابب تقرب منى مش همنعك ده حقك
ربت على وجنتها ومسح دموعها العالقة برموشها فتبسم بوجهها قائلاً:
–حبيبتى أنا مقدر اللى أنتى فيه وزى ما قولتك مش هغصبك عليا فسيبى كل حاجة تيجى لوحدها أعتبرى نفسك لسه خطيبتي بس بإمتيازات تانية زى أنك يعنى ممكن تنامى فى حضنى كده
قال جملته الأخيرة وجذبها إليه يطوقها بذراعيه ،فإستكانت فلم تبدى إعتراضها على ما فعل ،بل شعرت بالأمان والطمأنينة يغزوها فزحف النعاس لعينيها فغطت بنوم عميق إبتسم أمير وقبلها على جبينها وغفى بنومه هو الآخر وهكذا أنقضت ليلة عُرسه
___أنقضت ثلاث ليال بعد ليلة زفافهم ، حاول أمير إسعادها بشتى الطرق وليجعلها تأمن جانبه، حتى حلت الليلة الخامسة فأخذت سما قرارها بأن تبدأ حياتها مع زوجها ، طلبت من خدمة الغرف بالفندق بتحضير عشاء خاص بهم بالغرفة وأرتدت ثوباً جميلاً كعربون للمحبة بينها وبين أمير
فأنتظرت مجيئه ،فولج الغرفة يجيل ببصره بالإضاءة الخافتة والشموع المضاءة وتلك الروائح الزكية التى ملأت المكان
فتبسمت سما قائلة بخجل:
–أنت أتأخرت كده ليه من ساعة ما خرجت
أقترب أمير يخرج من جيبه علبة صغيرة فتحها أمام عينيها قائلاً:
–علشان كنت بشتريلك الخاتم ده
أخذ يدها يضع الخاتم به فوجدها تتشبث بيه تبادر بالوصال بينهم فقرأها صريحة بعينيها، فأضاء نور العشق قلبين يهفوا للقاء على أجنحة الشوق ، تنتظرهم السعادة على جزيرة الغرام ليسبحوا بنهر الحب
______
وضع حسام يده على بطن ميرا ليتحسس حركة الجنين فشعر به يتحرك أسفل يده فنظر إليها قائلاً :
–البنت دى شكلها هتتطلع كده بتحب لعب البالية
ضحكت ميرا حتى تأوهت قائلة:
–الله يسامحك يا حسام بتضحكنى وبحس بوجع بعد ما أضحك
لف إحدى خصلات شعرها حول إصبعه قائلاً بحنان:
–إن شاء الله تعيشى العمر كله بتضحكى ومبسوطة يا مهلبية
قبضت بيدها على يده تشد عليها قائلة:
–ربنا ما يحرمنى منك يا سمسم أبدا يلا بقى أنزل هاتلى أكل من تحت
رفع شفته العليا قائلاً:
–يعنى أنا قاعد بقولك كلمتين حلوين تقوليلى هاتلى أكل ثم أنتى فاضل شوية وتأكلينى يا ميرا ما أنا جايبلك أكل من نص ساعة بس
أشاحت بوجهها عنه فعلم أنها ربما أصابها الضيق من إشارة لشراهتها فى تناول الطعام أثناء حملها فحاول التخفيف عنها قائلاً بحب:
–حبيبة قلبى متزعليش منى أنا هنزل أجبلك التلاجة وأجى
لا تستطيع الاستمرار بكأبتها عندما يكون هو بجوارها فهو مصدر سعادتها وبهجتها بهذه الحياة
مرت أشهر الحمل حتى وضعت ميرا فتاة جميلة تحمل الكثير من ملامحها الرقيقة
صوت صراخ ثراء ملأ أرجاء المشفى وهى تأخذ أنفاسها بصعوبة تحاول تنظيمها مثلما نصحتها والداتها بأن تفعل ،ولكن زاد الألم أكثر فلم تمنع نفسها من أن تطلق تأوهات وصرخات عالية،تعرق وجهها بالكامل فقالت بأنفاس متلاحقة:
–ماما أيسر إلحقونى مش قادرة هموت يا ماما اااااه
أخذ أيسر يدها بين يديه وهو يواسيها قائلاً:
–إهدى يا ثراء إهدى يا حبيبتى خلاص هانت
حاولت كتم صيحاتها ولكن ذلك الألم المبرح الذى شعرت به يمزق جسدها جعلها تتأوه بصوت عالى حتى حانت اللحظة ووضعت طفلها ظلت تأخذ أنفاسها بقوة ووجها تتسابق حبات العرق على جبينها للنزول على وجنتيها
فهتفت بصوت هامس:
–أيسر البيبى كويس
حمل أيسر الصغير يضمه إليه قائلاً:
–أه يا حبيبتى كويس أهو بس أستنى أأذن فى ودنه
بعد أن أَذن بأذن الصغير وضعه بين ذراعيها فضمته بشوق تقبله على رأسه وهى تشعر بسعادة العالم أجمع برؤية طفلها الثانى ولكن تلك المرة كان هو بجانبها فطوال أشهر الحمل كان يحرص على دلالاها وتلبية كل ما تريد ،كان من المتفق عليه أن يسمى الصغير بإسم آسر فهى ترغب بأن يأخذ الكثير من إسم أبيه
مرت سنوات فأصبح لدى شهاب وضحى ولدين ، وحسام وميرا ولد وبنتين ،ومايسة وعفيفى ولد وبنت وأمير وسما لديهم ثلاثة بنات وولد
و خلال تلك السنوات أنجبت ثراء طفل أخر أسمته مالك ليكون بذلك الطفل الثالث لهم فأصبحت مليكة فى الخامسة عشرة من عمرها وأسر فى العاشرة ومالك فى السابعة من عمره
عاد أيسر من عمله مثلما أعتاد كل يوم ولكن تأخر اليوم كثيراً بالعودة ،ولج بخطى ثابتة وجد المنزل فى حالة سكون فربما خلد الجميع للنوم ولكن عندما وضع قدمه على أولى درجات السلم سمع صوت خلفه قائلاً
–حمد الله على السلامة يا دكتور أيسر أنت أتأخرت النهاردة كتير
تبسم أيسر ضاحكاً فأستدار لتلك التى تحدثه وهى تضم ذراعيها أمام صدرها تحدق به بتذمر ،فأقترب منها قائلاً
–أنتى إيه اللى مصحيكى لحد دلوقتى الوقت أتأخر
–كويس أنك عارف أن الوقت أتأخر وأنك المفروض تكون هنا الساعة ٩ بالظبط
هدرت مليكة بجملتها بوجه أبيها تعاتبه على تأخره فهى من تحاسبه على عودته المتأخرة للمنزل
طوق كتفيها بذراعه يجعلها تسير بجواره قائلاً:
–كوكى كان ورايا شغل كتير وخلصت متأخر ثم مش هتبطلى عادتك دى تفضلى مستنيانى وتحاسبينى حساب الملكين كده علشان أتأخرت دا أمك مبتعملهاش
إبتسمت مليكة على حديث والدها فمازحته قائلة:
–أعمل إيه لماما إزاى تسيب قمر زيك كده يابابى يتأخر برا
شد على كتفها بحب قائلاً:
–طب يلا يا بكاشة علشان تنامى أخواتك فين أسر ومالك ناموا
–من بدرى بس أنا اللى مجاليش نوم إلا لما أنت تيجى
قالتها مليكة وهى ترمق والدها بحب فمازالت مثلما كانت طفلة صغيرة تعشق دلاله لها وإستئثارها بمكانة خاصة لديه وكيف لا وهى مدللته
أخذها معه حتى وصل إلى غرفتها فقبلها على جبينها يهتف بصوت حنون:
–طب يلا يا روحى أدخلى نامى تصبحى على خير
ردت مليكة قائلة وهى تقبله على وجنته:
–وأنت من أهله يا بابى
ولجت مليكة لغرفتها وذهب أيسر لغرفتهم وجد ثراء تقف بالشرفة تضم رداءها إليها تحدق بالنجوم فأقترب منها يطوقها بذراعيه فتبسمت هى قائلة:
–حبيبى ، أنت واصل بقالك شوية كنت فين
إستند برأسه على كتفها قائلاً:
–كانت كوكى عملالى كمين فى الصالة وبتستجوبنى
علت صوت ضحكتها وإستدارت بين ذراعيه فرفعت يدها تداعب وجنته قائلة:
–يعنى أفرجت عنك بعد التحقيق
أومأ برأسه إيماءة متكاسلة قائلاً:
–أه الحمد لله وإلا كان زمانها حبسانى فى الحبس الانفرادى
مدت يدها تعبث برابطة عنقه التى أرخاها، فهتفت به قائلة بصوت ناعم:
–المهم حمد الله على سلامتك وأنك رجعتلنا بخير دى أهم حاجة يا حبيبى
أستند بجبينه على جبينها يخرج صوته هامساً:
–أنا اللى أهم حاجة أن أشوفكم كويسين وبخير ومالين عليا حياتى ودنيتى وبالمناسبة دى وحشتينى أوى يا نور عيونى
لبت نداء قلبه الذى يهتف بإسمها عالياً بنبضات تتسابق فى إخبارها عن مدى شوقه ،فلو مر ألف عام سيظل يجعلها تشعر أنها تلك الفتاة التى وقعت بغرامه بطريقة تجهلها فالله أراد لها أن تلقاه وأن يصبح هو مرساة الأمان لها وأن تدون أمنياتها على جدران قلبه الذى يشدو بعشقه لها فعندها أصبح لايوجد بينهما ” سر غائب “
تمت بحمد الله
مبدع