-قصة جزيرة الهيكل يعني إيه البوصلة مش شغّالة؟!
-مش البوصلة بس.. دا حتى جهاز الجي بي إس كمان عِطِل فجأة!
-أنت مش المفروض متمّم على المركب قبل ما نتحرّك؟
-كُل حاجة كانت تمام.. مُش عارف العطل المفاجئ ده حصل ازّاي!
أنا بدأت انتبه؛ لمّا الوقت اللي كان متوقّع إننا نوصل فيه جزيرة “أبو رمادة” فات وكنا لسّه موصلناش، عشان كِده بدأت أسأل “إبراهيم” لأنه هو سوّاق المركب، واللي دايمًا بنختاره في رحلات الصيد اللي بنطلعها، وكُنت بستفسر منّه ليه كُل الوقت ده لا وصلنا ولا الجزيرة ظهرت، واللي لمّا بدأ يشوف البوصلة عشان يعرف إذا كُنّا ماشيين صح ولا لأ، اتفاجئ إن أجهزة الملاحة اللي في المركب عطلانة!
أي نعم هو شغلته البَحر، وإحنا روحنا معاه “أبو رمادة” قبل كِدَه، بَس البحر زي الصّحرا بالظبط، مينفعش تمشي فيه من غير دليل، وإلا هتضيع فيه ومش هتعرف تخرج منّه، إلا لو الصدفة خدمِتك.
أنا بقيت على يقين إننا تايهين، وإحنا معندناش خبرة نِعمل إيه في المواقف اللي زي دي، ولا عندنا فكرة إننا ازّاي نهتدي بالنجوم ونحسب الاتجاهات، حتّى تليفوناتنا لمّا بصّينا فيها اتفاجئنا إن مفيهاش شبكة، يعني كمان مش هنعرف نشغّل الجي بي إس عليها، وده معناه إننا وصلنا منطقة بعيدة في البحر، مفيهاش أي تغطية شبكة اتصال.
أنا اسمي “إسلام”، في كلية علوم، هاوي صيد، ودايمًا بطلع أنا و “عماد” و “ممدوح” أصحابي وفي نفس الكلية معايا، وبنروح الغردقة في الأجازات، إحنا أصحاب من زمان وعائلاتنا تعرف بعضها من أيام جدودنا، عشان كده مبنطلعش غير مع بعض، ولازم نطلع نصطاد وإلا الرحلة هيكون ناقصها حاجة، ومن سنتين اتعرّفنا على “إبراهيم”، شاب جدع شغّال على مركب صيد، وعارف أماكن فيها الصيد ممتاز، عشان كِدَه أوّل ما وصلنا الغردقة اتّصلت عليه وبلّغته إننا موجودين، وقولتله يعمل حسابنا في الجدول بتاعه عشان نطلع رحلة معاه، والمرة دي هو اللي اقترح علينا نروح جزيرة “أبو رمادة” وقال لنا…
-الصيد الفترة دي هناك ممتاز جدًا.
بَس أنا قلبي مش مطّمن من ساعة ما بدأت أحس إننا تايهين، حاجة كده بتقولّي إن في حاجة مش طبيعية!
إحنا في الصيف، لكن مُش عارف ليه الجَو بدأ يبرّد، كُلنا كُنّا بنرتعش، إحنا كُنا متحركين بالمركب من بعد المغرب علطول، عشان الإحداثيات كانت بتقول إن أنسب وقت للصيد هيكون بالليل في اليوم ده، الجو كان دافي والدُّنيا زي الفل، بَس من ساعة ما بدا الطريق يتوه بينا والدُّنيا تعطل وأنا حاسس إن في حاجة مش مظبوطة، واتأكّدت من ده لمّا لقيت في سحاب بدأ يتجمّع في السما، السحاب كان لونه قريّب من الأسود، وكان بيتحرّك بسرعة كُنا مستغربين لها، وفجأة، بدأ صوت الرعد يظهر والبرق كان بيظهر في السّما زي ما تكون شجرة ضخمة فروعها كتير ومفيش فيها أوراق، المنظر مُش طبيعي ويخوّف، واللي كان يخوّف أكتر إن البحر بدأ يهيج، إحنا في توقيت أصلًا مفيهوش عواصف، ومُش عارف العاصفة دي اتكوّنت ازّاي وامتى!
ولقيتني ببُص ناحية “ابراهيم” اللي كان ماسك الدَّفة وبيتهزّ معاها يمين وشمال وبيحاول يتحكّم في اتجاه المركب، لكن حركة المركب كانت أقوى من إنه يسيطر عليه، ولقيتني بقولّه…
-إيه الجَو الغريب ده.. وازّاي أصلًا ده يحصل؟!
ولقيته بيقولّي بصوت عالي…
-دي أغرب حاجة ممكن أشوفها في حياتي!
بصّيت ناحية “عماد” و “ممدوح” اللي كانوا قاعدين في أرضية المركب ومذهولين من اللي بيحصل، تقريبًا جالهم دوار البحر، ولمّا شافوني ببُص ناحيتهم وانا بحاول احفظ توازني من شدة ما المركب بيتهزّ لقيت “عماد” بيصرخ وبيقولّي…
-المَركب هتتقلب بينا!
وساعتها كان “ابراهيم” بيرُد عليه وبيقولّه…
-متقلقش.. المركب عمرها ما تتقلب.. العاصفة تِخلص بس والدُّنيا هتستقر.
لكن اتفاجئت إن “ممدوح” بيزعّق وبيقول حاجة كانت على لساني…
-إحنا لازم نِرجع.. أنا عن نفسي مش عايز اصطاد ولا طالع رحلات تاني!
وساعتها المطر بدأ ينزل بطريقة مخيفة، كُنا أوّل مرة نشوف مطر بالشدة دي، دا غير إننا مكنّاش عارفين هو ازّاي أصلًا الدنيا بتمطّر دلوقت، سيول كانت نازلة في المايّة والضباب بدأ يملا المكان، لدرجة إننا مكنّاش شايفين الدُّنيا من حوالينا، بقينا حاسّين إننا وسط دُخان، لكن في وسط الرعب اللي كُنّا فيه، لقينا “ابراهيم” بيحدف لكل واحد فينا لايف جاكيت، عشان لو المركب اتعرّض لغرق.
مش عارف أوصف ازّاي الصعوبة اللي قابلت كل واحد فينا وهو بيلبس اللايف جاكيت، يمكن الواحد فينا وقع خمس أو ست مرّات لحد ما لِبس، وسمعنا “ابراهيم” بيقول…
-أنا مفيش عندي تفسير للي بيحصل.. لكن عشان لو المركب غرقت أو حد وقع في المايّة يلاقي حاجة تساعده إنه ميغرقش.
لكن فجأة الدُّنيا بدأت تهدا، المطر بدأ يِقِل واحدة واحدة لحد ما راح خالص، الموج بدأ هو كمان يهدا، والضباب اللي كان حوالين مننا بدأ يروح، لكن اتفاجئنا إننا في مكان غير اللي كُنّا فيه!
لمّا الضباب راح من حوالينا اتفاجئنا إن في جِبال حوالينا، لكن جِبال كان شكلها مُش طبيعي، كُنا شايفينها على شكل نُص دايرة، دا غير إن كان ليها بوّابة، كانت عبارة عن هضبة عملاقة لكن كان فيها فراغ من تَحت فالمنظر من بعيد كان باين على إنه بوابة، لكن الهضبة من فوق كانت واخدة شَكل الراس أو الجمجمة عمومًا، معرفش الجزيرة دي ظهرت منين ولا امتى في البَحر، بَس اللي كان يهمّني هو إحنا إيه اللي جابنا عندها؟! وهي أصلًا اسمها إيه!
كُنا كلّنا بنبُص ناحية “ابراهيم” بما إنه هو اللي عارف أماكن الجُزر، في اللحظة دي لقيت “عماد” بيسأله…
-الجزيرة دي اسمها إيه؟!
إحنا كُنا بنبُص لمنظر “ابراهيم” اللي كان واقف مذهول من شكل الجزيرة، واللي حاله كان بيقول إنه أوّل مرة يشوف حاجة زي دي، وإحنا برضو نفس الحكاية، اللي حصل معانا ده زي مشهد شوفناه في فيلم في التليفزيون مش أكتر، عشان كده لقيته بيرُد على سؤالي بعد وقت من الذهول وبيقولّي…
-أنا أوّل مرة أشوف حاجة زي دي!
بمجرد ما قال كِدَه لقيت “ممدوح” بيصرُخ فيه وبيقولّه…
-مش عايزين نسمع البوصلة عطلانة والجي بي إس مش شغّال.. أكيد المركب فيه خريطة للبحر وتقدر تعرف منها إحنا فين.
“ابراهيم” سمع كلام “ممدوح” ودخل على الكابينة، واحنا لقينا نفسنا رايحين وراه، كان بيدوّر في خزانة ورق فيها أوراق كتير لحد ما طلّع ورقه كبيرة لونها أصفر، وفردها على ترابيزة كانت موجودة في الكابينة، كانت خريطة بتوضح كل الجُزر اللي موجودة في البحر، لكن مكنش فيها أي حاجة عن الجزيرة اللي ظاهرة قدّامنا دي!
وفجأة سِمعت “عِماد بيقول…
-أنا عارف إنك مش هتلاقي حاجة في الخريطة عن الجزيرة دي.
كُلّنا كُنا بنبُص ناحيته باستغراب، ولقيتني بقولّه…
-أنت بتتكلّم زي ما تكون متأكّد من معلومتك.. إيه اللي مخلّيك متأكّد كده؟!
-لأن ببساطة فكروا في اللي حصل.. هتعرفوا إن اللي كُنا فيه من شويّة مُش طبيعي.. لمّا العاصفة بدأت والضباب زاد المركب متحرّكتش من مكانها.. كانت بتطلع وبتنزل مع الموج لكن مكنِتش ماشية.. دا غير إننا في الصّيف.. يعني مفيش تفسير لكل ده غير إن في حاجة مش مفهومة بتحصل ومش عارفين هي إيه.. دا حتى الجزيرة نفسها غريبة.. شكلها يرعب!
-ولمّا أنت متأكّد من كلامك كده.. شايف ممكن نخرج ازّاي من الورطة اللي احنا فيها دي؟!
-أنا معنديش حل للي إحنا فيه.. بَس الأكيد إننا لازم نِرجع.
كُلّنا بصينا ناحية “ابراهيم” عشان نشوف رد فعله على كلام “عماد”، لكن كُنا في حالة صدمة واحنا سامعينة بيقول…
-إحنا هندخل الجزيرة!
إحنا كُنّا في حالة غضب، يعني بدل ما يشوفلنا طريقة نرجع بِها بيقولّنا ندخل الجزيرة! وساعتها لقينا “ممدوح” بيقول وهو متعصّب…
-إحنا مُش هندخل الجزيرة دي.. لا عارفين هي إيه ولا فيها إيه!
لكن لقيت “ابراهيم” بيهدّي فينا وبيقولّنا…
-مفيش قدّامنا غير الحل ده.. الأجهزة معانا عطلانة.. والخريطة مش موضّحة حاجة.. وخايف اتحرّك نتوه أكتر والبنزين اللي فاضل معانا يخلص وتبقى مشكلة جديدة.. الحل إننا نقرّب من الجزيرة ونفضل هناك لحد ما النهار يطلع.. يمكن نلاقي مركب تاني معدّي ولا أحاول أصلّح الأجهزة اللي عطلت في المركب فجأة دي.
كلامه كان مقنع، عشان كِدَه لقيتني بقولّه…
-مفيش مشكلة نروح لو أنت شايف إن ده الصح.. لكن متطلبش منّنا ننزل من المركب ولا ندخل الجزيرة لحد ما نشوف حل في الحكاية دي.
ويادوب ثواني وكان بيشغّل مُحرّك المركب، وبدأ يقرَّب من الجزيرة، لكن لاحظنا إن حركة المركب كانت بطيئة، يمكن عشان الواحد لما يضطر إنه يقرّب من حاجة مجهولة بيبقى خايف وماشي بحذر، كُل ما كُنا بنقرّب بنلاحظ أن الجو بيبرّد أكتر، وبدأنا نلاحظ إن في ضباب بسيط حوالين الجزيرة مكَنش باين من بعيد، كُنّا واقفين في المركب وعينا على بوّابة الجزيرة، اللي كانت من فوق تفاصيل ملامحها زي جمجمة عملاقة، لحد ما حسّينا بهزّة جامدة في المركب حصلت فجأة فوقعنا، لكن سمعنا “ابراهيم” بيقول…
-المركب آخره هِنا لأن شكل المايّه بيقول إن في جَذر ومستوى المايّة بسيط.. عشان كده المركب دخل في الصخور.. هننتظر لحد النّهار ما يطلع يكون مستوى المايّة اترفع واكون شوفت حل في الأجهزة العطلانة دي.
قعدنا وجسمنا بيترعش من البرد، لكن لقينا “ابراهيم” بيحدف لنا بطاطين وبيقولّنا…
-دفّوا نفسكم.. البطاطين دي موجودة في المركب عشان لو احتجتها في أي ظروف.. وطبعًا مش هيكون في ظروف زي اللي احنا فيها.
لفّينا نفسنا بالبطاطين وبرضو مكَنتش عاملة حاجة، ولقيت “عماد” بيبُصّلنا كده وبيقول…
-حد يصدق إن ده يحصل في عِز الصيف وكمان نتغطى ببطاطين من البرد؟!
ولقيت “ممدوح” بيقولّه…
-ياما بيحصل يا صاحبي.. أهو كلّها شوية وقت والنهار يطلع والشّمس تقوم بالواجب.
لكن دَه محصلش، إحنا فضلنا قاعدين في الجَو ده والدنيا ليل، فات وقت طويل جدًا كان “ابراهيم” بيحاول يصلّح البوصلة أو جهاز الجي بي إس، لكن مفيش فايدة من اللي كان بيعمله، كُنا سامعين صوته كل شوية وهو طالع من الكابينة متعصّب وبيخبط في الحاجة اللي قدّامه، قومت من مكاني وانا ملفوف في البطانية وروحتله الكابينة وقولتله…
-اللي بتعمله ده مفيش منّه فايدة.. حاول تبقى هادي عشان أنت اللي في إيدك ترجّعنا.
-يا “إسلام” الجهاز مش عايز يشتغل.. دا حتى البوصلة اللي هي لا بتشتغل بأسلاك ولا بأي حاجة مش راضية تشتغل.. أنا هتجنن.
-لا وخدك عندك بقى.. المفروض دلوقت تكون الشمس طالعة ونكون الضُّهر كمان.
لقيته ساب اللي في إيده ووقف يبُصّلي كده وبيقولّي…
-أنت بتهزّر صح؟!
-لا أنا مُش بهزر خالص.. إحنا متحرّكين من امتى وفات وقت قد إيه؟
كان بيبُص على السّما من إزاز الكابينة وهو بيقولّي…
-ده معناه إيه؟!
لقيته بيبُص ناحية “عماد” و “ممدوح” اللي مش عارف ازّاي راحوا في النوم واحنا في المشكلة دي وبعدها بصّلي وقالّي…
-إيه التخريف اللي بتخرّفه ده يا “إسلام”.. أنت راجل في كلية علوم ازّاي بتقول حاجة زي دي من غير دليل؟!
-دليل؟!.. أنت عايز أكتر من كِدَه دليل؟!.. العاصفة اللي حصلت فجأة وبدون مقدّمات دي مُش دليل؟!.. البحر لما يهيج فجأة في وقت أصلًا المفروض المايّة تكون فيه واقفة مفيهاش حركة ده مش دليل؟! ولمّا نتوه عن المكان اللي أنت بتروحه علطول معانا ومع غيرنا ده مش دليل؟! ولمّا البوصلة والجي بي إس يتعطّلوا فجأة ده مبيخلّكش تفكّر في حاجة؟!
-حاجة زي إيه بس؟! أجهزة وعطلت عادي!
-طيّب وتليفوناتنا اللي الشبكة فصلت فيها فجأة؟!
-أكيد إحنا بعدنا وروحنا مكان مفيهوش تغطية شبكة عادي.
-أو روحنا زمن مفيهوش أصلًا لا شبكات ولا أي حاجة من دي!
-أنت تُقصد إيه؟!
-أنا أقصُد إن الجزيرة دي مُش في الزمن اللي احنا عايشين فيه.. إحنا خرجنا من الزمن بتاعنا كده لزمن تاني مفيهوش تكنولوجيا.. الطقس فيه مختلف.. دا يمكن كمان وقت الليل والنهار فيه مختلف.. بدليل إن النّهار مطلعش لحد دلوقت ولا الشَّمس ظهرت.
-يا “إسلام” أنا طول عمري في البَحر عايزني أصدق اللي بتقوله ده؟
-طيّب ياللي طول عمرك في البَحر.. شوفت اللي بيحصل ده قبل كده؟!
مكَنش عارف ينطق ولا يرُد عليّا، لكن بعد شويّة لقيته بيقولّي…
-ولو افترضنا يعني إن اللي بتقوله صح.. تقدر تقولّي نرجع ازّاي؟!
المَركِب كانت واقفة في منطقة قريّبة من بوّابة الجزيرة، والدُّنيا كانت ساكتة مفيش أي صوت، حتى البَحر لمّا العاصفة راحت كانت المايّة هادية والموج بتاعها ضعيف جدًا، وفجأة سمعنا صوت حركة فوق الصخور اللي في الجزيرة، الصوت زي ما يكون في حاجة خلّت الصخور تخبط في بعضها، بس احنا كُنّا سامعينه بوضوح!
وعشان اتأكّد من ده لقيتني بسأل “ابراهيم” وبقولّه…
-أنت سمعت حاجة؟!
ولقيته بيقولّي…
-صوت حاجة بتتحرّك!
الصوت اتكرّر أكتر من مرّة، ولقيت “ابراهيم” بيجري على الكابينة وبعد شوية بيرجع وفي إيده طبنجة، ولقيتني بقولّه…
-أنت هتعمل إيه؟!
-أنت مُش سامع الصوت؟! افرض ديب ولا أي حاجة مفترسة!
كُنت بسمعه وانا مذهول وبعدها قولتله…
-ديب إيه ومفترسات إيه اللي هيجيبها جزيرة زي دي؟! يا “ابراهيم” أنا متأكّد إننا في مكان وزمان غير اللي كُنّا فيهم!
ولقيت “عماد” و “ممدوح” بيقوموا من النوم على صوتي لأنه كان عالي شويتين، ولقيت “عماد” بيقولّنا…
-إيه اللي حصل؟!.. وإحنا ازّاي نِمنا أصلًا!
وساعتها كان “ممدوح” بيأمّن على كلامه وبيقول…
-أنا نمت غصب عنّي مُش عارف ازّاي!
لكن لقيت “عماد” بيقترح علينا اقتراح غريب لمّا قالّنا…
-إحنا لازم ندخل الجزيرة!
وقفنا مذهولين من اللي بيقوله، وبعدين لقيت نفسي برُد عليه وبقولّه…
-أنت أكيد مجنون.. محدش فينا عارف إيه اللي جوّه.. دا غير إننا سمعنا صوت من شوية ومش عارفين صوت إيه!
لكن لقيت “ابراهيم” بيقول…
واتفقنا ننزل، وأوّل واحد نزل فينا هو “ابراهيم”، بما إنه هو اللي معاه الطبنجة وكده، وبعدين نزلنا واحد ورا التاني.
مشينا بحذر ناحية البوابة، وبما إني في كلية علوم أحب أقولّكم إن تقريبًا تخميني طلع صح، الصخور اللي موجودة في الجزيرة دي مش بالشكل اللي المفروض تكون عليه دلوقت، دي مفيهاش لا خدوش ولا نحت من عوامل تعرية، زي ما تكون اتكوّنت حالًا.
ولقيت “عماد” بيقولّنا…
-واخدين بالكم من الصخور؟! دي متكوّنة لسّه.
بدأنا نكمّل طريقنا، لحد ما وصلنا للبوابة، وساعتها سمعنا الصوت تاني، حاجة بتتحرك فوق الصخور، زي ما تكون بتزحف، بدأنا نلتفت ناحية الصوت، واتفاجئنا بدودة كبيرة، كان شكلها مرعب ولونها أسود، مكَنش في وشّها حاجة غير بوق فيه أسنان مخيفة، وكان طالع حوالين راسها حاجة زي التَّعابين كده!
أوّل ما شوفناها لقينا “ابراهيم” بيسحب أجزاء الطبنجة وبيستعد عشان لو حصل منها أي حاجة يضرب عليها نار، لكن هي مكنتش حاسة بينا، كانت في دنيا تانية، ومع الوقت عرفنا إن مفيش منها ضرر، سيبناها وكمّلنا طريقنا، عدّينا من البوابة، ودخلنا الجزيرة وبدأنا نبُص حوالينا، الجو كان برد جدًا، غير المكان برّه.
الجِبال من جوّه الجزيرة كانت عبارة عن كهوف، كانت كلها ضلمة من جوّه، ومكنّاش عارفين إحنا داخلين نعمل إيه في جزيرة كلها صخور وجبال وكهوف ومفيش فيها أي حاجة ممكن تثير فضول حد إنه يدخلها، بَس أهو اللي حصل حصل واحنا دلوقت جوّاها، بس التفتنا فجأة على صوت “عماد” اللي كان بيشاور ناحية كهف موجود في جبل كان بعيد عننا شوية، وكان بيطلع منّه حاجة زي البرق كده.
ولقيت “ابراهيم” بيسأل سؤال أكيد كان في بالنا كلنا وبيقول…
-إيه اللي بيعمل النور ده؟!
وكانت إجابة “ممدوح” عليه إنه قالّه…
-ممكن تكون صخور مُشعّة ولا حاجة!
لكن أنا اتدخلت في الكلام وقولتلهم…
-الصخور المُشعة محتاجة ضوء شمس عشان تتشبّع به وتبدأ تطلّعه على شكل طاقة ضوئية.. لكن معتقدش مكان بالبرودة دي وبالضلمة اللي موجودة من ساعة ما جينا تكون في شمس بتوصله أصلًا.
لكن “عماد” بدأ يتحرّك ويسبقنا وهو بيقول…
-إحنا هنضيع وقتنا ليه.. إحنا نروح بنفسنا نشوف فيه إيه.
وبدأنا نتحرّك ناحية الكهف، اللي كل كام ثانية كان بيخرج منه شعاع نور فجأة وبينطفي، أرض الجزيرة كلها صخور وده اللي خلى حركتنا صعبة وخدنا وقت لحد ما وصلنا للكهف، كان في مكان عالي شوية من الجبل، لكن حافة الجبل مكنتش مستحيلة إننا نطلعها، محتاجة شوية مجهود لكن قدرنا نوصل فوق، لكن أوّل ما وقفنا قدام الكهف كان ضلمة، وبمجرد ما النور ظَهر اتفاجئنا بكيان غريب قاعد في الكَهف!
الكيان ده كان شبه القِرد، لكن شكله كان مُرعب جدًا، عينه واسعة وبوقه كبير ومش متناسق، أسنانه طويلة وخارجة بره لدرجة إنك تحس إنه مشوّه، دا حتّى رجليه مكنتش في حجم بعضها، واحدة تخينة والتانية رفيّعة، دا غير إن صوابع إيده مكَنِتش بنفس الطول، دا كان في صوابع قصيرة وصوابع طويلة لدرجة إنه لمّا شافنا وقام وقف كان في صابع منهم واصل للأرض!
إحنا أوّل ما لقيناه بيقوم من مكانه بدأنا نرجع لورا، ومش عارف إيه السبب في إننا من ساعة ما شوفناه والنّور اللي كان بيروح وبييجي كان موجود متقطعش، وفجأة بدأت ملامحه تتغيّر، زي ما يكون اتضايق من وجودنا، وبعدها فتح بوقّه زي ما يكون بيصرُخ، لكن اتفاجئنا إن صوته كان غريب، زي ما يكون صوت صخرتين بيخبّطوا في بعض، كان صوت فَرقَعة، وفجأة سمعنا صوت ضرب نار، في اللحظة دي، كان “ابراهيم” بيضرب الكائن ده برصاصة في صدره!
الكائن ده وقع في الأرض، والغريبة إن مفيش دَم نِزِل منّه، دا كان بينزل منّه سائل أبيض عامل زي السائل اللي بينزل من الصبّار.
انتظرنا إنه يتحرّك أو يعمل أي حاجة، لكن الرصاصة كانت خلّصت عليه، أنا اتأكّدت من ده لمّا خدت صخرة صغيّرة من الأرض وحدفتها في جسمه، كان جثة مفيهاش نَفَس، وفجأة لقينا جسمه بدأ يتشقَّق، وبعدها بدأ يتفتّت ويتبَعتر في الأرض، اللي كانت مبلولة من المَطر اللي كان موجود قبل ما الجزيرة تظهرلنا، ماهو مفيش تفسير غير كده، وبعدها جسم الكائن ده بدأ يتحوّل لِتُراب، ولمّا دَاب في المايّة اللي في الأرض بقى عامل زي بركة الطين، اللي فجأة بدأت كل حتة منها تتحوّل لدودة، واتفاجئنا إن المكان حوالينا بدأ يتملى دود، زي اللي شوفناها على بوابة الجزيرة واحنا داخلين!
الدود بدأ يخرُج من الكهف، ويمشي في الجزيرة من برّه، ومع الوقت بدأ شكله يتغيّر، زي ما يكون بيتحوّل، بيبدأ يطلعله رجلين وإيدين، وبعدها بتبدأ مشيتهم تكون قريّبة من طفل بيحبي، وبعدها بتبدأ أجسامهم تتطوّر لحد ما بيقفوا على رجليهم، وبيبقوا نفس شكل الكائن اللي “ابراهيم” ضربه بالنار قبل ما يهجم علينا في الكَهف!
إحنا لو في حلم مش هنشوف اللي شايفينه دَه، لدرجة إننا دخلنا الكهف عشان نستخبى فيه، ماهو لو قرّروا يهاجمونا وهما بالعدد ده الطلقات اللي في المسدس مُش هتكفّي إننا ندافع عن نفسنا، ساعتها كام كائن هيموت، لكن في الآخر هنبقى فريسة للباقيين، وساعتها سمعت صوت “عماد” بيتكلّم بصوت واطي وبيقول…
-هو إيه اللي إحنا بنشوفه ده؟!
مفيش حد فينا كان عنده تفسير للي بنشوفه، لكن كُلّنا قطعنا النَّفس، لمّا لقينا كام كهف بيطلع منهم نور بيروح وبييجي، لكن المرة دي مفيش حد فينا قرَّر إنه يخرج من الكهف، ولقيتني بلوم “ابراهيم” وبقوله…
ولقيته بيرد عليا وبيقول…
-يعني أنا كنت أعرف إيه اللي في الجزيرة ولا ازّاي ظهرتلنا؟!
صوته كان بدأ يعلى، لدرجة إن “ممدوح” كان بيقولّه…
-وطّي صوتك إحنا مش عايزين نحسّسهم بوجودنا هنا لحد ما نشوف هنعمل إيه.
وللمرة التانية، كان “عماد” بيشاور ناحية الكهوف اللي كان بيطلع منها النور وبيقولّنا…
-شايفين؟
الكهوف كانت منوّرة من جوّه، وزي ما تكون في مكان تاني برّه الجزيرة دي، كانت عبارة عن طين وطالع منّه عشب وأشجار صغيّرة، زي ما تكون الكهوف دي موجودة في غابة مُش في جزيرة صغيرة ظهرت فجأة محدش فينا عارف قصّتها، مُش ده الغريب، لكن الأغرب هو اللي بيحصل دلوقت!
الأشجار الصغيرة اللي في الكهوف بدأت تكبر، لكن كانت بتكبر بشكل غريب، كان بيطلع لها راس، الراس دي فيها عيون واسعة، وكانت الفروع بتاعتها تحسها زي ما تكون قرون مُخيفة، وبعدها بتتشكل لها إيدين ورجلين، دا غير إن جذوعها كان داخل في تكوينها الطين اللي كان في الكهوف، وبعدها بتبدأ تتحرّك، تخيّل أنت كده إنّك شايف قدّامك شَجر بيمشي!
بمجرد ما بدأت تتحرّك الجزيرة بدأت تتزلزل، لدرجة إن الكهف اللي احنا فيه بدأ يقع من السقف بتاعه صخر صغيّر فوق راسنا، لكن مكنش عندنا الجرأة إننا نخرج منه، دا غير إننا بدأنا نلاحظ إن لون الصخور اللي في الجزيرة بدأ يتغيّر ويبهت كل ما الكائنات دي كانت بتمشي في الجزيرة!
ولقيت “عماد” بيقولّنا…
-هو اللي إحنا شايفينه ده حقيقة؟!
ردّيت وقولتله…
-كلنا شايفين اللي أنت شايفه.. ازّاي مش هيبقى حقيقة؟!
وفجأة لقيت “ممدوح” بيقولّنا…
-دول بيتحرّكوا ناحية الكائنات اللي شبه القرود!
وفعلًا كانوا رايحين ناحيتهم، ولمّا قرّبوا منهم الكائنات اللي شبه القرود بدأت تهرب، لكن الكائنات اللي على هيئة أشجار دي بدراعاتها اللي على هيئة فروع كان عندها المقدرة إنها تلحق بيهم لمّا كانت بتمد دراعاتها لحد ما توصل لفريستها، لدرجة إننا حسينا إنهم عندهم القدرة يمدوا إيديهم إلى مالا نهاية!
كل حاجة بتحصل هنا كانت غريبة أكتر من اللي قبلها، الكائنات دي بدأت تفترس الكائنات اللي على هيئة قرود، لدرجة إنهم فتكوا بيهم والجزيرة اتملت بالسائل الأبيض اللي زي السائل اللي بينزل من الصّبار من المذبحة اللي حصلت!
لكن الكائنات دي كل ما كانت بتفترس الكائنات اللي على هيئة قرود كانت أطرافها بتقوى، وجذوعها كان شكلها بيتغيّر، لحد ما شكلها اتغيّر تمامًا، وبدأ ينفصل عن أجسامها كائنات صغيّرة زي الدّود بالظبط، لكن شكلها كان مختلف تمامًا عن شكل الدود اللي شوفناه في الجزيرة قبل كده، الدود ده بدأ يكبر بسرعة جدًا، كان بيتشكّل في صورة مختلفة تمامًا لأشكال المخلوقات اللي شوفناها هنا، كان لها رجلين كفوفها عاملة زي كفوف رجلين النسور، وإيدين فيها مخالب، كانت أجسامها عملاقة جدًا وكلها مليانة عضلات، وكان طالع لها شَعر في نُص راسها من ورا وفي ضهرها، وبتبدأ فجأة تهاجم الكائنات اللي هي خرجت منها وكانت على هيئة أشجار، وساعتها حصلت مجزرة تانية، بعدها أرض الجزيرة كانت غرقانة باللون الأخضر، من السائل اللي كان بينزل من أجسام الكائنات اللي على هيئة أشجار، واللي افترستها وقضت عليها كائنات مرعبة عملاقة مُش عارفين لو حسّت بوجودنا هنا هتعمل فينا إيه!
أنا أعصابي مبقتش مستحملة اللي بشوفه، كُنت بقولّهم…
لكن لقيت “ابراهيم” بيقولّي…
-الكائنات دي كلها نامت بعد المجزرة اللي حصلت.. دول أكلوا الكائنات اللي على هيئة أشجار!.. إيه المكان اللي كل ما كائن ييجي أقوى من اللي قبله ياكله ده؟!
قرَّرنا نخرج من الكهف ونمشي من غير ما في حاجة تحس بنا، لحد ما نوصل للبوابة ونخرج من الجزيرة، لكن يادوب لسه بنخرج من باب الكهف ولقينا الجزيرة بتتزلزل، الأرض بتتهز والصخور بتاعتها بتتحرّك، والكائنات العملاقة اللي كانت نايمة بعد المجزرة اللي عملتها بتقوم مفزوعة وكأنها خايفة من حاجة، وفجأة بتبدأ تظهر من الأرض مخلوقات غريبة، كانت في حجم الضفادع أول ما ظهرت، لكنها كانت بتكبر بشكل غريب، لما بدأت تتطوّر شكلها اتغيّر تمامًا، بقت شبيهة بالعقارب، رجلين على اليمين والشمال، حتّى لها ديل مخيف ملفوف ومتني لفوق، دا غير إن رجليها اللي قدام كانت زي دراعات البني آدم، بَس فيها مخالب مخيفة، دا غير إن راسها مكنش باين لها ملامح ولا تفاصيل، كان نازل منها حاجة زي التعابين.
الكائنات دي أجسامها كانت أضخم من أجسام الكائنات اللي كانت موجودة، واللي بدأت تهاجمهم وحصلت بينهم حرب شرسة، كان بينزل من أجسامهم سوايل لونها أسود وأزرق، مجزرة بتتكرر بين سكان الجزيرة اللي عليها وبين أي كائن جديد بيظهر، وكالعادة الكائن الجديد بينتصر!
الغلبة كانت للكائن الجديد اللي ظهر، وبعدها حصل استقرار رهيب في الجزيرة، الكائنات دي كانت عايشة في هدوء، والغريبة إنهم كانوا بيتصرفوا زيّنا بالظبط، دول كانوا بيخرجوا من بوابة الجزيرة يصطادوا من البحر، لكن المخلوقات اللي كانت بتطلع من البحر كانت غريبة عقلك حتى ميتخيّلهاش، وكانوا بياكلوها وهي حية وبتتحرّك، لحد ما في لحظة كانت الكائنات دي نايمة، والجزيرة اتملت غبار، كان بيتراكم حوالين الكائنات دي وهي نايمة لحد ما دفنها، وفجأة لما الغبار ده بدأ يطير تاني ويختفي من الجزيرة، ظهرت الكائنات دي وهي عبارة عن هياكل عظمية!
كُنّا بنبُص لبعض وإحنا مذهولين، زي ما نكون بنتفرج على فيلم في سينما، لكن لقيتني بقولّهم…
-إحنا لازم نخرج من هنا.. الموضوع معدش متحمّل.
ولقيت “ممدوح” بيقولّي…
-مش معنى إن الجزيرة فاضية دلوقت إننا هنلحق نخرج منها.. ما أنت شايف اللي بيحصل.
وهنا رد “عماد” عليه وقالّه…
-ماهي دي فرصتنا دلوقت.. محدش عارف إيه اللي هيظهر بعد كده!
كان “ابراهيم” مع رأي “عماد” ورأيي إننا لازم نتحرك، لكن اللي خلّانا نتراجع لما بدأنا نتحرك وندخل للكهف تاني، هو المخلوق اللي ظَهر قدامنا في مكان قريّب، وبعدها بدأت تظهر مخلوقات بنفس شكله وبدأت تخرج من كهوف كانت في جبل بعيد وتتحرّك في الجزيرة، إحنا وقفنا مذهولين، المخلوقات دي كان فيها شبه كبير منّنا، زي ما يكونوا بني آدمين، مفيش إختلاف غير إن أجسامهم عملاقة، لكن أغلبهم كان عندهم 3 عيون، وشويّة منهم كان شكل ودنهم قريّب من ودن الفيل، لكن باقي التكوين كان زينا!
الحياة بتستمر على الجزيرة بشكل طبيعي، وبيبدأوا يصطادوا من البحر اللي حوالين الجزيرة، في المرة دي بيبدأ الصيد اللي بيلاقوه في البحر شكله مألوف بالنسبة لنا شوية لأنه كان قريّب من شكل السمك العادي بتاعنا، لكن فجأة بتحصل خلافات بينهم على الصيد وبيبدأوا يحاربوا بعض، لدرجة إنهم في منهم بدأ يقتل التاني، وهنا ظهر الدَّم لأول مرة على الجزيرة دي!
وهنا لقيت “ابراهيم” بيقول…
-مُش دَه دَم؟!
كُلنا بصينا وقولنا في صوت واحد…
-أيون.
وبعد شوية لقيتني بقول…
-دَم يعني في روح.. يعني المخلوقات اللي فاتت دي مكَنش فيها روح؟!
ساعتها “عماد” رد عليا وقالّي…
-مُمكن كانوا كائنات حية عايشين بنفس طريقة النبات ولا حاجة.. يعني دي اللي أنت مستغربها أوي وكل اللي حصل ده عادي؟!
لكن في حاجة غريبة بدأت تحصل، السما بدأت يتكون فيها سحاب لونه أسود من تاني، لكن المرة دي مكنش سحاب بالظبط، دا عبارة عن دخان أسود بيتحرّك في السما، ومعاه كان في صوت هوا فظيع بيرن في الكهوف وفي الجزيرة، وفجأة الدخان الأسود اللي في السَّما ده بيبدأ يهاجم الجزيرة، وكل ما الدخان يدخل في جسم كل كائن من الكائنات دي كان بيقع في الأرض وهو غرقان في دمه، والمجزرة ايّاها بتحصل تاني، بس المرة دي من حاجة مش ظاهرة غير على شكل دخان أسود!
المجزرة فضلت شغّالة لحد ما خلّصت على الكائنات كلها، والجزيرة اتملت دَم، لحد ما كل اللي ساكنين فيها انتهوا، ومعدش في غير الدُّخان الأسود، اللي كان مخيّم فوق الجزيرة عشان كده بقت ضلمة زي الأول!
لحد ما فجأة البرق بدأ يضرب الجزيرة، وساعتها زي ما يكون الدخان الأسود اللي مخيّم فوقها اتفزع، وبدا يطير في كل مكان، لحد ما بِعد عن الجزيرة ومبقاش له أثر!
بعدها المطر نزل غسل الجزيرة، وبعده الجزيرة رجعت زي الأوّل!
لكن الموضوع منتهاش لحد هنا، دي الجزيرة بدأت تتزلزل تاني، انتظرنا أي كائن يظهر مفيش حاجة ظهرت، استغربنا ليه الجزيرة اتهزّت الهزّة القوية دي، لكن فهمنا سبب الهزّة لما لقيت “ممدوح” بيشاور على مكان في الجزيرة وبيقولّنا…
-شايفين اللي هناك ده؟!
التفتنا للمكان اللي كان بيشاور عليه، كان فيه حاجة زي تابوت كبير، استغربت وجوده لكن قولت يمكن مخدناش بالنا منّه، لكن لقيت “ابراهيم” بيقول…
-التّابوت ده لسه ظاهر دلوقت.. أنا عيني جت على المكان ده أكتر من مرة ومكنش فيه حاجة!
وساعتها لقيت “عماد” بيأكّد على كلامه وبيقول…
-فعلًا.. المكان كان فاضي!
في المرة دي قرَّرنا نخرج، خرجنا من الكهف وكنّا ماشيين بحذر، كنا متفقين إن عند أي خطر يقابلنا نجري ناحية البوابة ونطلع المركب و “ابراهيم” يشغل المحركات في أقرب ونتحرك، لكن مفيش حاجة حصلت، الدنيا كانت أمان لحد ما وصلنا عند التّابوت.
بدأنا نلف حوالين التابوت، مش عارف تابوت بالحجم ده ازّاي ممكن نفتح الغطا بتاعه أو إيه اللي ممكن يكون موجود فيه، بدأت أتجرأ وامد إيدي ناحيته، وبدأت المس الغَطا، وبمجرد ما لمست الغَطا الجزيرة بدأت تتهز، لكنها كانت هزّة خفيفة مُش زي اللي فاتوا، وبعدها غطا التابوت بدأ يتحرّك ويظهر اللي فيه!
كان هيكل عظمي ضخم، مقدرش اقول إنه لبني آدم لأن الجمجمة كان تكوينها غريب شوية، فيها مكان 3 عيون، وفي بروز في الجبهة، لكن لو استبعدنا الحاجات دي تقدر تقول إنه هيكل عظمي لبشري عملاق!
وقفنا مستغربين اللي شايفينه قدّامنا، لدرجة إن “ابراهيم” سألني وقالي…
-أنت مش في كلية علوم.. تقدر تقولّي ده هيكل إنسان ولا إيه؟!
-إحنا التلاتة في علوم لكن والله كلنا علمنا علمك.. منعرفش ده إيه!
لكن “ممدوح” كان بيشاول في نهاية التابوت وبيقول…
-مُش ده كتاب؟!
لما بصّينا لقيناه فعلًا كتاب، بدأت أروح عند نهاية التابوت وأقرب إيدي من الكتاب وامسكه، ولقيتهم بيتلموا حواليا عشان يشوفوا إيه اللي في الكتاب.
بدأت افتح الكتاب، اللي كانت صفحاته لونها أصفر، وكان كلها صور وكتابات مكتوبة بخط مش واضح أوي لكن قدرنا نقرأه، وكان كالتالي…
“جزيرة الهيكل.. ظهور الجزيرة لبني آدم معناه اقتراب نهاية سلالتهم على الكوكب”
كُلّنا كُنّا بنبص لبعض، لكن بدأت أكمل قراءة في الكتاب…
“الجِن مُش أول من سكنوا الكوكب.. دا كان في كائنات البِن.. كائنات بدائية بتبدأ تتشكل في هيئة دودة وبتتطور لحد ما بتبقى كائن بدائي.. ولما بيموت خلاياه بتمتزج بالأرض وبيبدأ يتكون من تاني على شكل دودة”
في اللحظة دي افتكرنا أول مخلوق شوفناه على الجزيرة، وبدأت أكمل قراءة في الكتاب…
“لكن مخلوقات الحِن اللي ظهرت بعده كانت أقوى منه.. وقدرت تقضي عليه عشان تاخد فرصتها على الكوكب.. كانت كائنات قويّة تكوينها كان فيه من الأشجار والطين”
وفي نفس اللحظة اللي قرأت فيها ده، لقيت خيالنا بيروح للمخلوقات اللي كانت على هيئة شجرة!
وبدأت أكمل قراءة من تاني…
“بعد ظهور مخلوقات الخِن، اللي كانت مفترسة وعملاقة.. بدأت تقضي على الحِن.. عشان تسيطر وتاخد فرصتها الأقوى في الحياة.. لكن مع الوقت.. ظهور مخلوقات المِن كان سبب في هلاك مخلوقات الخِن.. واللي بعدها ظهرت مخلوقات السِّن.. اللي بيعتبروا أجداد الإنسان الأوائل.. وفي الفترة دي كان أول تواجد للدماء على الكوكب.. وبالتالي الروح!”
الكتاب كان بيفسّر كل الأحداث اللي شوفناها، أنا كده اتفسر قدامي حاجة مكنتش فاهمها، لمّا الملائكة قالت لربنا عز وجل ” أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء” لكن الجِن مالوش دماء لأنه مخلوق من نار! وده معناه إن كان في مخلوقات قبله أو على الأقل مخلوق واحد كان تكوينه بيحتوي على الدم!
وفعلًا زي ما الكتاب بيقول إن المخلوق ده هو السِّن، إحنا أوّل مرة شوفنا الدَّم على الجزيرة لمّا بدأوا يسفكوا دَم بعضهم! يبقى أكيد الدخان الأسود اللي قضى عليهم ده كان الجِن، زي ما التاريخ بيقول!
الكتاب صفحاته مكنِتش كتيرة، كانت يادوب الشرح اللي قرأتهولكم وصور الكائنات اللي شوفناها جنب اسم كل كائن فيهم، لكن آخر صفحة في الكتاب كان مكتوب فيها، الخليفة القادم هو “آدم”!
والأغرب من كل ده، لمّا كانت الجملة الأولى بتتكرر بشكل تاني، وساعتها قرأت…
“ظهور هيكل السِّن لبشري من بني آدم.. هو موعد انتهاء وجوده والإذن بوجود خليفة آخر”
ولحد هنا بدأت أحس بالمكان بيتهز من حواليّا، قلبي وقع في رجلي ولقيت نفسي بفتّح عيني، كُنت في المركب، وكان “عماد” و “ممدوح” بيجهّزوا حاجة الصيد، وساعتها سمعت صوت “ابراهيم” بيقولّي…
-قوم يا عم “إسلام” ياللي نايم.. خلاص وصلنا “أبو رمادة”!
أنا مكُنتش مركّز، ولا عارف أنا فين ولا كُنت فين ولا ازّاي شوفت اللي شوفته، لكن لقيت نفسي بدون ما احسّ بقولّهم…
-على فكرة إحنا عايشين آخر فترة من حياة البشرية!
وساعتها لقيت “عماد” بيزقني في كتفي وبيقولّي…
-بقولك إيه يا “إسلام”.. أنت غريب أوي الرحلة دي.. أحسن حاجة إنك تكمّل نوم بدل ما تنكّد علينا وتقفل لنا اليوم بتاعنا!
***
#جزيرة_الهيكل
#محمد_عبدالرحمن_شحاتة