قصة ميكروفيكش بيصرخوا جوَّه عقلي، وبيحكوا لي حكايات مخيفة، والمشكلة إن محدش مصدَّق إنهم موجودين، لأن أنا بس اللي بسمعهم، على شان كده بيقولو عني مجنونة.
من فترة طويلة وأنا حاسَّه بيهم، أصواتهم؛ حركاتهم، وبعرف إنهم قريّبين مني لما بحس إن الجو صَهد، كل ده مكانش حد بيلاحظ رد فعلي عليه، إلا رد فعلي في حالة لما بيكلِّموني، وده بسبب إني بقيت أرُد عليهم بصوت مسموع، لأني لما برُد عليهم في عقلي بيقولوا لي: “علِّي صوتك؛ إحنا مش سامعين يا نارمين”.
في البداية؛ حاولت أتجاهل الرَّد عليهم، بس لما بدأت أتجاهلهم بدأوا يجبروني على الرَّد، الصداع كان بيزيد في دماغي ومكنتش برتاح غير لما أرُد عليهم بصوت مسموع، وبعدها بطلب منهم يبعدوا عنّي، كل اللي حواليا بقوا مستغربين أنا بكلم مين، وبيسألوني مين دول اللي بطلب منهم إنهم يبعدوا.
_ها يا نارمين، بتحسِّي بإيه تاني؟
_امبارح بالليل الحكاية بدأت تتطوَّر معايا.
_تقصدي إيه؟
_كنت ماشية في الصالة، وفجأة سمعت صوت منهم بيصرخ جوه دماغي، كان بيعنِّفني وبيقول لي: اللي بتعمليه ده انتهاك لحرمة الأموات، جسمي اتلبِّش ومبقتش مستوعبة اللي بسمعه، وبعدها حصلت حاجة غريبة، كل ما أنقل رجلي في مكان أسمع صوت صرخة مختلفة، حسيت إن الأرض آلة عزف بعزف عليها برجلي والموسيقى بتطلع في هيئة صرخات، وفجأة الأصوات كلها صرخت جوَّه عقلي، اللي بيقول ابعدي، واللي بيقول اخرجي من هنا، واللي بيقول الموت له حُرمَة، لقيت نفسي بهرب من البيت كله وبجري في الشارع؛ وأنا بصرُخ وبقول ابعدوهم عنّي.
_وحصل إيه تاني؟
_أبويا وأخويا خرجوا ورايا، ولما لقوا إن اللي بعمله ممكن يقلِب بفضيحة قدام الناس جابوني المستشفى هنا، بيقولوا فترة لحد ما أتعالج، وبعدها هرجع تاني البيت، بس أنا مش تعبانة، أنا متأكدة إني مش مريضة، هُما موجودين فعلًا.
_بصي يا نارمين، عايزك تعتبري المستشفى هنا مكان للاستجمام، يعني اعتبري نفسك جايَّه فندق يومين، ولما ترتاحي هترجعي البيت.
_بس دي مستشفى أمراض نفسية.
_إيه المشكلة، النفس أغلى حاجة بيمتلكها الإنسان، لها حق علينا ولازم نهتم بها، مش عيب إننا نشوف إيه اللي بيتعب نفسيتنا ونتعالج منه، ودي حالة فصام، هتقعدي معانا أسبوع تحت الملاحظة، ولما تبقي كويسة هنكتب لِك على خروج.
دي كانت أول مقابلة بيني وبين الدكتور اللي هيتابع حالتي، بعد ما أهلي جابوني المستشفى، وبعد ما خلصنا كلام؛ طلب من الممرضة تنقلني أوضة لوحدي لأن حالتي خاصة شوية، وساعتها الممرضة قالت:
_مفيش أوضة فردية فاضية غير أوضة ١٣.
ساعتها الدكتور قال لها:
_خديها الأوضة هي محتاجة ترتاح، وخلوا عينكم عليها.
بعدها ناولها ورقة وقال لها:
_العلاج ده تاخده حسب المواعيد اللي أنا محددها.
بعد أول حباية من العلاج حسيت بدماغي تقيلة، وبرغم إن ستاير الأوضة كانت مفتوحة ونور الشمس كان داخل، لكن لقيت نفسي بنام، ولما الممرضة لاحظت رغبتي في النوم سابتني وخرجت وقفلت الباب عليا، حطيت راسي على المخدة وأنا حاسة بدماغي وكأنها متخدَّرة، بدأت أغمض عينيا؛ بس فتحتهم تاني لما حصلت حاجة غريبة، ستاير الأوضة اتقفلت من نفسها، ولأن الستاير تقيلة وغامقة الأوضة بقت شِبه ضلمة، قعدت على السرير والأصوات بدأت ترجع في عقلي من تاني، لكن المرة دي الكلام مكانش واضح، كان تشويش “شششش سسسس ششششش”.
حطيت إيدي على ودني لما الصداع ضرب دماغي، في الوقت ده بدأت ألاحظ خيالات في الأوضة، كان عددهم سِتّ خيالات، ظهروا من العدم وبدأ شكلهم يوضَح بالتدريج، لحد ما لقيت قدامي سِت أشخاص أشكالهم بشعة، شعرهم مخيف وهدومهم مُريبة، حتى أطرافهم كانت عبارة عن عَضم، ووشوشهم هياكل عظمية.
بمجرد ما ظهروا قدامي سمعتهم بيصرخوا، هُما أصحاب الأصوات الستة، بس المرة دي شيفاهم قدامي، لو حد من أهلي هنا كان شافهم وصدَّقني، أنا مش مجنونة، بس ده ميمنعش إني مرعوبة منهم، نزلت من السرير وقعدت في الأرض من الخوف، شوفتهم بيقربوا منّي، وكل ما المسافة بيني وبينهم كانت بتقِل، كنت بحِس بالصداع بيزيد في دماغي، وصوت التشويش كان بيرتفع، الغريبة إنهم كانوا فرحانين فيا، كانوا بيقربوا وبيضحكوا ضحكات كلها سخرية منّي، مقدرتش أتحمّل، بدأت أصرخ، بس في اللحظة دي باب الأوضة اتفتح والممرضة دخلت عليا، وبمجرد ما دخلت كل حاجة انتهت؛ الأصوات اختفت وهُما كمان اختفوا، حتى لقيت ستاير الأوضة مفتوحة زي ما هي، ومعرفش ده حصل إزاي.
الممرضة ساعدتني أقوم من الأرض، قعدت على السرير وبعد ما كلمت الدكتور، طلب منها تعطيني حقنة مهدئة، وبعدها نِمت، ومحستش بنفسي غير تاني يوم.
صحيت من النوم وبدأت أمارس حياتي بشكل طبيعي، قعدت مع الدكتور وبعدها أخدت العلاج، لحد ما الممرضة سابتني في الأوضة وقفلت الباب عليا، ساعتها ظهروا تاني، شوفتهم قدامي وأصواتهم رنَّت في دماغي، اللي منهم كان بيطلب مني أقطع حبل الستارة، واللي طلب مني أجيب كرسي وأحطه في نُص الأوضة، واللي طلب أربُط الحبل في مروحة السقف بعد ما أعمل فيه حلقة من تحت، الغريبة إني كنت بنفِّذ كل اللي بيطلبوه، لحد ما لقيت نفسي واقفة على الكرسي، الحبل مربوط في المروحة وملفوف من تحت حوالين رقبتي، وبعدها كانوا بيلحّوا عليا: “يلا يا نارمين؛ زُقّي الكرسي برجليكي، اتحرري من الكُرسي”.
كنت لسه هنفِّذ بس لقيت باب الأوضة اتفتح، ساعتها شوفت مجموعة دكاترة وحواليهم ممرضين، أول ما شافوني جريوا ناحيتي وخلَّصوني من اللي كنت هعمله، وبعدها سمعت دكتور منهم بيقول:
_أنا مُش قولت الأوضة دي تتقفل نهائيًا؟
بعدها نقلوني لأوضة تانية، مكانتش فردية، كان معايا واحدة قريبة منّي في السن، بيقولوا إن حالتها نفس حالتي بس على أسوأ، بتسمع أصوات وبترُد على ناس مش موجودة، بس لما اتكلمت معاها وعرِفِت إني جاية من أوضة ١٣ قالت لي:
_الأوضة مسكونة، انتحرت فيها حالات كتيرة قبل كده، الأوضة هي السبب؛ لأنها بتدفعهم للانتحار، إحنا بنيجي هنا على شان نتعالج من الهواجس، ونتخلَّص منها، بس الأوضة دي بتخلي الهواجس تتجسِّد قدام اللي فيها، بيشوفها حقيقة، وساعتها بيصدقها وبيمشي وراها، لحد ما يلاقي نفسه خرج من الدنيا، الدكاترة هنا بيقولوا عليها وشها نَحس على المرضى، وعلى قد ما يقدروا مش بيخلوا فيها حد، لكن الحقيقة هي مسكونة بأرواح اللي انتحروا فيها، دا غير إن ١٣ الرقم المُحبَّب للشيطان، يعني الشيطان ساكنها، كل اللي نجا من الأوضة حكى عنها حاجات زي اللي حصلت معاكي، إحنا مُش مرضى ولا عندنا فصام زي ما بيقولوا، إحنا عندنا حاسة بتخلينا نحِس باللي مش بيقدروا يحسّوا به؛ فبيقولوا علينا مجانين.
بعدها نقلوني أوضة تانية فردية، ومشيت على العلاج لمدة أسبوع وحالتي اتحسِّنت، واتكتب لي على خروج، بشرط إني أكمل علاجي في البيت، وأتابع في المستشفى مرة كل شهر.
الأصوات اختفت؛ معدتش بسمع حاجة، معدتش بحِس بيهم، معادوش موجودين، أنا خلاص مبقِتش مريضة انفصام، أنا بكذِب؛ أي نعم معدتش بسمعهم باستمرار زي الأول، بس بسمعهم على فترات، ولو حد سألني عنهم بكذب، لأني مستحيل أقول الحقيقة، وإنهم لسه بيكلموني من وقت للتاني، لأني ساعتها هرجع المستشفى، وأنا مستحيل أقول حاجة تخليني أروح المكان ده، وأكون قريبة من الأوضة الفردية اللي دخلتها، أو الأوضة رقم ١٣.
تمت…
#الأوضة_الفردية
#محمد_عبدالرحمن_شحاتة
#ميكروفيكش