الفصل العاشر
“رواية تَعَافَيْتُ بِكَ”
__________________
وقِيلَ في معنىٰ الزَّواجِ ، أن تَختارَ مَن يستحقُّ الاطّلاعَ علىٰ عيُوبِكَ ، فيَقبلُها ثمّ يَستُرُها .
– الرَّافعيُّ .
_________________
في المقهى حيث مكان جلوس «ياسين» و «وليد» سويًا، إندهش «ياسين» مما وقع على مسامعه فسأله قائلًا:
“يعني إيه إضطرابات نفسية مش فاهم يا وليد؟”
أرجع «وليد» رأسه للخلف ثم أعادها مرة أُخرى وهو يقول:
“بُص كل اللي أقدر أقوله إن خديجة غير كل البنات اللي في الدنيا ومش بقول كدا علشان هي أختي، لأ هي فعلًا قلبها جميل شخص مُسالم مش مؤذي، ودا اللي خلاها تتعب في حياتها أو يمكن دا اللي مخليها جميلة وتتحب بسرعة”
زاد تَعجُب «ياسين» فتحدث قائلًا:
“تتعب في حياتها إزاي مش فاهم برضه؟”
أخذ «وليد» نفسًا عميقًا ثم تحدث قائلًا:
“بُص بسبب مشاكل في العيلة عندنا هحكيلك تفاصيلها بعدين، الملخص بتاعها إن عمتو مُشيرة جوزها خد بنتها وطفش، صحيت من النوم لقيته سايبلها ورقة طلاقها وجواب إنه خد بنته ومشي، هي مُقتنعة إن السبب طنط زينب والدة خديجة، قررت إنها تنتقم من طنط زينب في خديجة مرة تقلل منها ومن تربية خديجة، تعمل مشاكل وتخلي خديجة تتعاقب، وعمي طه طبعه عصبي وعلشان كان مقتنع إن مراته غلطانة في حق أخته كان بيسمع كلامها ويعاقب خديجة، لحد ما خديجة طلعت شخصية إنطوائية بتخاف تخرج وتخاف من الناس وتخاف تدخل علاقة، بسبب كلام عمتو وعمو ومش هما بس لأ في كام فرد في العيلة كمان كانوا سبب في آذية خديجة”
نظر له«ياسين» مُندهشًا ثم تحدث قائلًا:
“أيوا ليه برضه تنتقم من حد ملهوش ذنب؟ يعني تنتقم من بنت أخوها؟”
هز «وليد» كتفيه ثم قال:
“هي مُقتنعة إن كدا بتنتقم من زينب وبتعيشها اللي هي عاشته، ولحد دلوقتي هي نجحت في دا، أنا مش بحكيلك كدا علشان خديجة تصعب عليك ولا علشان تفهمها غلط، أنا محتاجك تساعدني”
نظر له «ياسين» مُستفسرًا ثم أردف قائلًا:
“أساعدك إزاي مش فاهم؟”
تنهد«وليد» بإرتياح ثم قال:
“الأول قولي أنتَ عاوز خديجة في حياتك ولا لأ؟”
نظر له «ياسين» بعمقٍ ثم أخذ نفسًا عميقًا وقال:
“بُص يا وليد أنا مش عيل صغير ولا مراهق علشان أقولك حبيتها من أول نظرة، بس هقولك إني روحت اتقدمت لبنات كتير جدًا مفيش واحدة فيهم حسيت براحة ناحيتها زي اللي حسيتها ناحية خديجة، حتى بعد اللي أنتَ قولته مش شايف إن دي حاجة تقلل منها، بالعكس أنا فخور إنها مبقتش شخص مؤذي بيضر اللي حواليه”
تنهد«وليد» بإرتياح ثم قال ببسمة رُسمت على وجهه:
“طمنتني الله يطمن قلبك، يعني هتساعدني أخلي خديجة تتعالج وتنسى الماضي كله؟”
أومأ له«ياسين» موافقًا، ثم إبتسم وهو يقول:
“قولي عاوز مني إيه وأنا معاك في أي حاجة”.
_____________________
في منزل آلـ«رشيد» تحديدًا الطابق الخامس حيث تقع شقة «مُحمد» عم «خديجة» كان جالسًا برفقة زوجته وابنته الكبرى «عبلة» دخل عليهم فجأة «طارق» من عمله ألقى عليهم التحية ثم جلس بجانب والدته قائلًا:
“قاعدين كلكم سوا يعني؟ اومال فين البت سلمى؟”
ردت عليه «عبلة»:
“سلمى قاعدة مع خلود فوق في شقة عمك طه”
إبتسم لها ثم أردف قائلًا:
“طب سلمولي عليها بقى وأنا هدخل أنام وأرتاح علشان وليد مكانش معايا وطلع عيني النهاردة”
تحدثت «عبلة» بسرعة كبيرة وإندفاع قائلة:
“أومال كان فين إن شاء الله؟”
نظر لها والديها بإندهاش، فشعرت بالإحراج أما «طارق» نظر لها بخبثٍ ثم قال:
“وأنتِ مالك أنتِ كان فين؟ خليكي في حالك”
قال جملته ثم دخل غرفته، وكزتها والدتها في يدها ثم قالت لها:
“روحي كلميه يلا، بس فاتحيه بالراحة”
أومأت لها«عبلة» ثم تركتها ودخلت له غرفته، طرقت الباب وانتظرت ثوانٍ حتى فتح لها، نظر لها مندهشّا ثم تحدث قائلًا:
“خير يا عبلة في حاجة؟
اومأت له برأسها ثم دخلت الغرفة، جلست على الأريكة في غرفته، نظر لها لثوانٍ ثم قال:
“ماتقولي يا بنتي فيه إيه؟خير عاوز أنام”
نظرت له بعمقٍ ثم قالت:
“بصراحة إنجي بنت خالتك بتسأل لسه مفيش أمل منك؟”
تبدلت ملامحه إلى الضيق فتحدث قائلًا:
“لأ مفيش أمل، قوليلها تطلعني من دماغها أحسن، يا جماعة قولتلكم مش هتجوز لا إنجي ولا غيرها يارب ترتاحوا”
نظرت له بعتاب ثم قالت:
“ليه يا طارق؟ وبعدين أنتَ مستني إيه؟ مستني واحدة مش عارفين هي عايشة ولا لأ، وحتى لو عايشة إحنا منعرفش مكانها فين أصلًا؟”
أخرج زفيرًا قويًا ثم قال:
“يا ستي مش مستني حد ريحوا نفسكوا بقى وسيبوني في حالي”
تحدثت قائلة:
“يعني خلاص أقولها تشوف العريس اللي جايلها وتوافق عليه؟”
هز رأسه بقوة موافقًا ثم قال:
“ياريت والله توافق عليه علشان أخلص من زن أمك وخالتك عليا”
هزت رأسها موافقة ثم قامت لكي تُغادر الغرفة ولكنه أوقفها حينما قال:
“وأنتِ سيادتك بقى مش موافقة على طلب وليد ليه؟ طب أنا ليا أسبابي، أنتِ لكِ أسبابك برضه؟”
أغرورقت أعينها بالدموع فقالت:
“أيوا ليا أسبابي يا طارق، قولوا ينساني وينسى طلبه”
نظر لها«طارق» متفحصًا ثم قال:
“وإيه هي أسبابك يا عبلة بقى؟”
ردت عليه بصوت قوي قائلة:
“أيوا ليا أسبابي الخاصة يا طارق، عن إذنك”
قالت جملتها ثم انصرفت من أمامه، نظر في أثرها بإندهاش ثم قال:
“دي مجنونة رسمي والله، ربنا يهديكي يا عبلة”
دخلت«عبلة» غرفتها واغلقت الباب خلفها، ثم جلست على الفراش وهي تبكي وحينما تذكرت ماحدث من فترة سابقة والحديث الدائر بينها وبين «هدير» إبنة عمها زاد بكائها أكثر
**عودة إلى وقتٍ سابق**
كانت«عبلة» جالسة مع «هدير» فوق سطح المنزل، ذلك المكان الذي قام شباب العائلة بتزينه ووضع ما يلزمه للإستخدام وتزويده بإضاءات خافتة ولكنها تترك أثرًا جميلًا في النفس، أخذت «عبلة» نفسًا عميقًا ثم قالت:
“طيب أوي يا هدير حنيته عليا الفترة الأخيرة بتفكرني بحنيته على خديجة، بصراحة أنا بطمن لما بشوفه، الأول كنت فاكرة إني بحبه زي طارق أخويا بس الموضوع طلع أكبر من كدا”
قالت جملتها ثم أخفضت بصرها وهي تبتسم، نظرت لها «هدير» بلؤمٍ ثم قالت:
“طب كويس والله إنه خد باله منك، وإن أنتِ كمان حاسة بحاجة ناحيته”
نظرت لها «عبلة» مستفسرة ثم قالت:
“يعني إيه مش فاهمة كلامك يا هدير؟”
تبدلت نظرة «هدير» إلى نظرات مدروسة جيدًا ثم قالت:
“أصل بصراحة وليد من فترة كدة لمحلي بإعجابه، بس أنا قولتله إن العلاقة دي مستحيل تتم”
نظرت لها«عبلة» مُتعبجة ثم قالت:
“إزاي وأنتِ أكبر منه يا هدير؟ وبعدين باين للكل إن أنتِ ووليد دايمًا في خلاف بينكم، أنا ساعات بحس إن أنتم هتموتوا بعض”
نظرت لها«هدير» بقلة حيلة ثم قالت:
“مش المثل بيقولك القُط مبيحبش إلا خناقه، وبعدين أنا قولتله على موضوع السن دا قالي إنه مش فارق معاه، إستني أوريكي حاجة”
قالت جملتها ثم أخرجت إحدى الرسائل القديمة المُرسلة إليها من رقم «وليد» ولكنها كانت رسائل مُزيفة ورغم ذلك إنطوت الحيلة على «عبلة» وصدقتها، أغرورقت أعينها بالدموع، وهناك دمعة متمردة فرت من أعينها مسحتها بسرعة كبيرة، ثم نطقت قائلة:
“يعني إيه يا هدير؟ يعني هو بيضحك عليا”
هزت «هدير» كتفيها ثم قالت:
“أنا آسفة يا عبلة بس شكلها كدا أيوا، أو ممكن يكون واخدك بديل…أنا أسفة يعني”
نظرت لها «عبلة» وهي على وشك الانفجار في البكاء ثم قالت لها:
“طب أعمل إيه طيب يا هدير؟”
قالت لها «هدير»:
“أنا لو منك أنساه خالص، وأرفضه اللي زي وليد عامل زي الطير ملوش ماسكة يا عبلة”
أومأت لها «عبلة» ثم تركتها ونزلت شقتها، نظرت«هدير» في أثرها وهي تبتسم بخبثٍ.
** العودة إلى الوقت الحاضر**
هزت «عبلة» رأسها بقوة ثم قالت:
“الله يسامحك يا وليد على كسرة قلبي، دا أنا كنت هوافق عليك وأنا فاكرة إنك بتحبني، طلعت بتنسى هدير بيا”
قالت جملتها ثم إرتمت على الفراش وهي تجهش في البكاء
_____________________
في الطابق السادس في شقة «طه» كان جالسًا مع زوجته وابنته«خلود» بعدما نزلت «سلمى» إبنة أخيه شقتها نظر حوله ثم تحدث بسخرية قائلًا:
“أومال البهوات التانين فين؟”
ردت عليه«خلود»:
“أحمد قاعد مع صحابه، وخديجة كالعادة في أوضتها”
هز رأسه ثم تحدث موجهًا حديثه لـ زوجته قائلًا:
” المهم أنا موافق على ياسين وشايف إن الولد مناسب وهي كمان هتوافق”
نظرت له زوجته بتعجب ثم قالت:
“يعني إيه يا طه هنفرض عليها توافق إفرض هي مش موافقة؟”
تحدث بلامبالاة قائلًا:
“أنا مليش فيه هتوافق وخلاص، الولد ميترفضش أصلًا وبعدين بنتك لو هترفض ، هترفض علشان خايفة”
ردت عليه «خلود» قائلة:
“يعني إيه يا بابا مش فاهمة؟”
رد عليها:
“يعني الولد وأهله هيحددوا معاد تاني علشان نتكلم في الخطوبة والتفاصيل، وأنا مش هقدر أقول للناس بعد ما تيجي أصل بنتي بتخاف فـ مش هتقدر تأمن لإبنكم”
نظرت «خلود» إلى والدتها، فهزت والدتها كتفيها كأنها تقول لها:
“لا مفر من ذلك”
______________________
على المقهى حيث مكان «وليد» و «ياسين» تحدث «وليد» قائلًا:
“بص يا ياسين كل اللي أنا عاوزه منك إنك تساعدني أخلي خديجة تتعالج، هي متعرفش إنها عندها إضطراب نفسي هي فاكرة إنها طبيعية أو إن طبعها كدا، أنا عاوزها تتعالج وتخرج وتشوف الحياة اللي هي حابسة نفسها عنها دي”
رد عليه«ياسين»:
“ماشي وأنا معاك، بس أنا لازم أعرف تفاصيل أكتر عنها يعني طالما هيبقى فيه ارتباط بيننا وهي شكلها خجولة أوي وصعب تتكلم عن نفسها”
رد عليه «وليد» ثم قال:
“أنا هقولك كل اللي أنتَ عاوزه، بس في مشوار ضروري لازم نروحهُ سوا بكرة”
رد عليه«ياسين» مُتعجبًا:
“هنروح فين يعني مش فاهم؟”
ابتسم له «وليد» ثم قال:
“متستعجلش بكرة هتعرف كل حاجة، المهم أنا هسألك تاني، مُتأكد إن أنتَ موافق على خديجة، علشان لو دخلت حياتها يا ياسين وخرجت منها تاني هيبقى الوضع صعب أوي”
ابتسم له «ياسين» ثم أجابه بهدوء:
“وأنا مش عاوزك تقلق، أنا قولتلك إني مش مراهق ولا أنا عيل صغير، أنا عارف أنا عاوز إيه كويس ومع ذلك هرد عليك برضه لما أفكر تاني”
ربت«وليد» على يده ثم قال:
“أكد عليا بليل علشان لو كدا أنتَ اللي هتساعدني نخليها تتعالج”
تحدث «ياسين» وكأنه تذكر شيئًا للتو فتحدث قائلًا:
“صحيح يا وليد هي متعالجتش من بدري ليه؟ يعني لو هي فعلًا زي ما أنتَ بتقول ليه أهلها ميسعوش إنها تتعالج؟”
زفر «وليد» بقوة ثم قال:
“محدش يعرف غير عمي، وساعتها قولتله أنا وأحمد وهو مرضاش وقال إنها معندهاش مشكلة ومش مستعد إن بنته يتقال عليها مجنونة”
تحدث «ياسين» بدهشة قائلاً:
“بنته مجنونة علشان تعبانة نفسيًا؟ هو كل واحد نفسيته تتعب شوية يبقى مجنون؟ دا بدل ما يسعى ويشوف حل لمشكلة بنته؟”
تحدث «وليد» قائلًا:
“علشان كدا قولتلك أنتَ اللي هتساعدني، أنا محتاجك تقف معايا يا ياسين”
أومأ له «ياسين» موافقًا ثم قال:
“وأنا معاك متخافش”
_____________________
في شقة «طه» طُرق باب الشقة تحدث «طه» قائلًا:
“افتحي يل خلود تلاقيه أحمد نسي مفتاحه”
قامت «خلود» بفتح باب الشقة وجدت «مُشيرة» في وجهها تفاجأت بها أمامها، فتحدثت «مشيرة» بسخرية وهي تقول:
“إيه ياختي شوفتي عفريت قُصادك؟”
تحدثت«خلود» بصوتٍ منخفض قائلة:
“كويس إنك عارفة نفسك”
نظرت لها «مُشيرة» بشك ثم قالت:
“أنتِ بتقولي إيه يا بت يا خلود؟”
هزت «خلود» كتفيها ثم قالت:
“مبقولش حاجة اتفضلي بابا جوا”
دخلت «مُشيرة» الشقة ألقت التحية على أخيها ولم تلقيها على زوجته، نظرت لها «زينب» بتعجب ثم نظرت لزوجها، فتحدث قائلًا:
“إيه يا مُشيرة مش هتسلمي على زينب ولا إيه؟”
تحدثت بتمثيل متقن قائلة:
“معلش والله يا زينب أنا علشان كنت عاوزاه ضروري مخدتش بالي منك”
ردت عليها«زينب» بهدوء:
“لأ ولا يهمك عن إذنك هقوم أجيبلك حاجة تشربيها”
إبتسمت لها «مُشيرة» بإستفزاز ثم قالت:
“يكون أحسن برضه”
رفعت «زينب» إحدى حاجبيها ثم إنصرفت من أمامها، نظرت «مُشيرة» إلى أخيها ثم قالت:
“أنا طلعت علشان أقولك إن بكرة مفيش تجمع علشان خالك إبنه راجع من السفر والعيلة كلها هتكون عنده، وأنا بكرة هروح أسلم عليه أنا ومحمود أخوك”
رد عليها بهدوء:
“أحسن برضه يا مشيرة، الاسبوع دا كان ضغط شغل علينا خلينا نرتاح شوية”
نظرت له بخبثٍ ثم قالت:
“مع إني زعلانة منك، بس يلا حصل خير”
نظر لها مُتعحبًا ثم قال:
“من إيه بس يا مُشيرة؟ أنا عملتلك حاجة؟”
أتقنت التمثيل في حديثها ورسمه على تعابير وجهها قائلةً:
“يعني خديجة يجيلها عريس وأنا معرفش؟ يجي مرتين من غير ما أعرف هي خديجة مش بنتي يا طه؟”
تفاجأ«طـه» من حديثها لكنه لم يُبالي فتحدث مُردفًا:
“هو جه مرة واحدة بس يا مُشيرة، اتقدم هو وأهله والمرة التانية هو لوحده، أنا محبتش أعمل شوشرة غير لما أتأكد إنه هو عاوزها فعلًا”
تحدثت بنفس طريقتها:
“حصل خير يا طه ولا يهمك ربنا يفرحك بيها يارب، يلا أسيبك أنا بقى وربنا يجعله من نصيبها”
وقفت لكي تُغادر، وقف «طه» في مقابلتها ثم قال:
“رايحة فين بس يا مُشيرة؟ اقعدي اتعشي معانا”
ردت عليه بهدوء:
“لا أنا هنزل علشان أجهز لمشوار بكرة دا”
قالت جملتها ثم غادرت الشقة، نظر في أثرها ولم يتحدث، أتت زوجته من المطبخ وهي تحمل العصير في يدها نظرت بإندهاش عندما وجدت مكان «مُشيرة» خالي منها تحدثت إلى زوجها قائلة:
“هي مُشيرة راحت فين يا طه؟”
رد عليها بهدوء:
“نزلت”
تعجبت أكثر فقالت:
“أومال هي كانت طالعة ليه؟”
تحدث ببعضٍ من التوتر قائلًا:
“هي كانت طالعة علشان تقولي إن بكرة مفيش تجمع علشان خالي ناصر إبنه جاي من السفر وهي هتروح تسلم عليه هي ومحمود”
نظرت له بتعجب ثم قالت:
“بس كدا؟ هي كانت طالعة علشان كدا بس مش علشان حاجة تانية؟”
نظر لها بهدوء ثم تحدث مُردفًا:
“كانت طالعة كمان علشان تسأل عن عريس خديجة”
تعجبت من حديثه فقالت:
“وهي عرفت منين موضوع العريس يا طه؟”
هز كتفيه كإشارةً منه على جهله فقال:
“والله ما أعرف هي عرفت منين ومكانش ينفع أسألها، هي كانت زعلانة إننا مقولناش ليها”
تحدثت بسخرية قائلةً:
“والله؟ هي هتزعل علشان معرفنهاش؟”
رد عليها بضيق من حديثها:
“معرفش والله يا زينب، أنا هعمل إيه يعني”
نظرت «زينب» أمامها بشرود ولم تتحدث مرة أخرى.
____________________
أتى يوم الجمعة وكالعادة استيقظ «ياسين» على صوت هاتفه لكي يجلس برفقة أصدقائه في شقة «ميمي» إرتدى ثيابه وهي عبارة عن عباءة للصلاة وأخذ معه ملابس أخرى عملية لكي تعاونه في مشواره مع «وليد» وعلى ذكر وليد كان ياسين يُفكر مليًا في ذلك المشوار وفيها هي تحديدًا، فحدث نفسه قائلًا:
“ياترى أخرتها إيه يا خديجة، دا أنا عمري في حياتي ما سهرت كدا ويوم ما أسهر أفكر فيكي دا إيه الحيرة دي”
ودع والدته فسألته قبل أن يرحل:
“أنتَ واخد الهدوم دي ليه يا ياسين؟”
توتر قليلًا ثم أردف قائلًا:
“رايح مشوار مهم إنهاردة مش هينفع أروحه بالعباية بتاعة الصلاة ولا بترنج من اللي عند ميمي”
تعجبت والدته فقالت:
“مشوار إيه دا يا ياسين؟”
ضم شفتيه على بعضهما كأنه يقول لها:
“لا أعلم” ثم تحدث قائلًا:
“بصي والله مش عارف هو مشوار إيه بس هو حاجة مهمة، المهم أنا هاجي أحكيلك كل حاجة”
اقترب منها ثم مال عليها مُقبلًا قمة رأسها وهو يقول:
“ادعيلي علشان أنا محتاج دعوتك دلوقتي أوي”
نظرت له بتفحص ثم قالت:
“مالك يا ياسين؟ شكلك متوتر أو قلقان من حاجة في إيه؟”
أومأ برأسه سلبًا ثم قال:
“لأ أدعيلي بس متخافيش عليا أنا ماشي بدعواتك والله”
تركها وغادر الشقة وهو يفكر في ما هو قادم هل سيستطيع أن يعاونها في حياتها القادمة، وهل هي سوف تقبل بوجوده في حياتها، ولكن ما جعله مُتعجبٌ من حاله هو أنه كلما فكر بها وجد راحة غريبة تجتاحه حتى ذِكر إسمها على شفتيه يجعله يبتسم دون إرادة منه وهو في طريقة لبيت «ميمي» ابتسم حينما تذكر تفاصيل ملامحها ونظرة عيناها له وذلك الدفء الذي إنبعث منهما إليه على الرغم من توترها وقلقها وأنها لم تنظر له سوى مرةً واحدة، وصل الشقة وجد الشباب مع «ميمي» في إنتظاره ألقى عليهم التحية فتحدث «عامر» قائلًا:
“ما بدري يا أستاذ ياسين إيه اللي أخرك كدا؟”
رد عليه «ياسين» بضحكة واسعة:
“يابني هو حد مسلطك عليا؟ ما تسيبني في حالي”
رد عليه «عامر» بسخرية:
“أسيبك في حالك؟ دا بإمارة إيه إن شاء الله؟ إنسى يا حبيبي أنا قدرك في الحياة خلاص إتدبست فيا”
رد عليه «خالد»:
“طب هو اتدبس فيك، أنا مال أمي بيك يا عامر لازق فيا ليه”
رد «عامر»:
“إنسوا يا حبيبي أنا مش هسيب واحد فيكم في حاله، دا حتى بعد الجواز”
تدخل «ياسر» قائلًا:
“ماهي دي المصيبة الفرق بين كل واحد فينا ٥ دقايق يعني كارثة يا عامر فعلًا”
ضحك «ياسين» ثم أردف قائلًا:
“كل ما أفتكر إن أنا مضيت بإيدي دي على عقد الشقة اللي في نفس شارع شقة عامر بيجيلي ضيق تنفس”
تحدث «عامر» بفخرٍ وهو يقول:
“عيب عليك دا أنا عامل جدول تجمعات لينا لما نتجوز والله
ما هفوت يوم من غيركوا”
صرخ الثلاث شباب في وقتٍ واحد بقولهم:
“لأ، أبوس رجلك بلاش”
قال الثلاثة نفس الجملة في نفس الوقت ثم انفجر الجميع في الضحك بعدها حتى «ميمي»
تحدث «عامر» قائلًا:
“المهم دلوقتي هجيب هدية إيه لسارة علشان عيد ميلادها، دا أول عيد ميلاد وإحنا كاتبين الكتاب؟”
وضع «ياسر» يده على كتف «عامر» ثم قال له:
“واد يا عامر أنتَ بتحبها؟”
رد عليه«عامر» ببسمة حالمة وهو ينظر إلى السقف:
“بحبها أوي يا ياسر”
وهما علي نفس وضعهما تحدث «ياسر» قائلًا:
“يعني عاوز تفرحها بجد؟”
رد «عامر» وهو على وضعه:
“أوي أوي يا ياسر أعمل أي حاجة بس علشان أضحكها”
مال «خالد» على أذن «ياسين» ثم قال له:
“شوف الكذب مش دا اللي متجوزها علشان يشحططها في محكمة الأسرة؟”
نظر له «ياسين» وهو يبتسم قائلًا:
يا عم دا كداب دا ميقدرش يعيش من غيرها”
تحدث «ياسر» قائلًا لـ «عامر»:
“يعني قدامهم كلهم أهوه هتعمل أي حاجة علشان تفرحها؟”
أومأ له «عامر» بقوة ثم قال:
“أعمل أي حاجة علشانها حتى لو أفتح لها مصنع إبر وزراير”
ابتسم الجميع على حديثه فتحدث «ياسر» قائلًا:
“لأ مش هتوصل للدرجة دي يعني، كل الحكاية أنتَ هتجيب لها ماكينة خياطة تساعدها في شغلها”
رد عليه «عامر»:
“طبعًا أجبل……إيه يا أخويا ماكينة خياطة؟ دا أنا ابعتلها ورقة طلاقها أسهل”
شهقت«ميمي» بقوة ثم قالت:
“شوف الواد الكداب, أومال إيه أفتح لها مصنع إبر وزراير وأنتَ مستخسر تدفع حق ماكينة خياطة؟”
رفع «خالد» أحد حاجبيه ثم تحدث قائلًا:
“اعمل حسابك أنتَ هتجيب ماكينة خياطة جديدة أنا كلمت مراتي تكلمها وهي عرفت منها إنها محتاجة ماكينة خياطة جديدة علشان اللي عندها كل شوية عاوزة تتصلح”
رد عليه «عامر» بإنفعال قائلًا:
“الكلام دا على جُثتي، وأنا كلمتي متنزلش الأرض أبدًا”
__________________
“الحساب ٣٧٠٠ جنيه بعد الخصم ٣٤٣٠ جنيه”
هذا ما نطقه العامل بمحل بيع ماكينات الخياطة بعدما ذهب الشباب برفقة «عامر» ليشتري الماكينة لزوجته بعدما انتهوا من صلاة الجمعة، وقف «عامر» ينظر لهم ببلاهة فتحدث «ياسين» قائلًا:
“ادفع يا حبيبي ادفع مستني إيه؟”
أخرج «عامر» الأموال من حاويته وظل ينظر لها ضحك الشباب عليه فتحدث «ياسر» قائلًا:
“دي أول مرة في حياتي أشوف جُثة واقفة تدفع فلوس”
رد عليه «خالد»:
“لأ وإيه جُثة لابسة قميص جينز وكوتشي أبيض وحاجة منتهى الروقان”
نظر لهم «عامر» بإستفزاز قائلًا:
“إيه يا ولا أنتَ وهو الروقان وخفة الدم دي”
دفع النقود ثم أخذ الماكينة وخرجوا جميعًا من المحل ركبوا سيارة «ياسين» وأثناء حديثهما صدح صوت هاتف «ياسين» أخرج الهاتف وجده رقم«وليد» رد عليه فوجده يقول:
“ها يا ياسين هتعمل إيه؟ هتيجي معايا المشوار اللي قولتلك عليه؟”
تنهد «ياسين» ثم أردف قائلًا:
“أيوا يا وليد هاجي معاك”
فرح «وليد» حتى ظهرت تعابير الفرحة على صوته حينما قال:
“الله يفرح قلبك يا ياسين زي ما أنتَ مفرح قلبي كدا، خلاص اكتب العنوان دا عندك هستناك هناك بعد ساعة”
أومأ له «ياسين» وكأنه يراه ثم قال:
“تمام مسافة الطريق مش هتأخر عليك”
أغلق الهاتف مع «وليد» ثم قال موجهًا حديثه لـ الشباب:
“طب يا شباب أنا هوصلكم وهمشي علشان أنا عندي مشوار مهم مش هينفع أتأخر عليه”
أومأ له الجميع بينما عامر نظر له بعمقٍ، أوصل «ياسين» الشباب عند بيت«ميمي» ونزل وأخرج الماكينة من السيارة أعطاها لـ«عامر» وذهب ليركب السيارة مرة أخرى ولكن «عامر» أوقفه قائلًا:
“خُد هنا ياض يا ياسين، أنتَ مشاويرك كتير ليه؟ ولا أنا بقيت شاكك فيك”
نظر له «ياسين» هو يضحك بشدة ثم قال له:
” بعينك يا عامر والله ما هريحك، يلا سلام”
تركهم ثم ركب سيارته ورحل من أمامهم، نظر «عامر» لأصدقائه ثم تحدث قائلًا:
“تفتكروا الواد دا بقى بيتاجر في حاجة حرام؟”
نظر الشباب إلى بعضهم البعض ثم أنفجروا في الضحك سويًا.
_______________
وصل «ياسين» إلى العنوان الذي دونه من «وليد» هاتف وليد وقال له:
“أنا وصلت يا وليد أنتَ فين؟”
رد عليه«وليد»:
“هتلاقي يافطة مكتوب عليها عيادة دكتورة هناء، أنا واقف عندها”
نظر «ياسين» أمامه ثم قال:
“آه خلاص شوفتك يا وليد”
صف سيارته ونزل وتبادل التحية مع وليد، نظر أمامه ثم قال:
“دكتورة نفسية؟”
ربت«وليد» على كتفه ثم قال:
“يلا نطلع وهجاوبك على كل أسألتك يا ياسين”
وصلوا إلى طابق العيادة الخاصة بالطبيبة الذي يتابع معها «وليد» حالة «خديجة»
رحبت بهما الطبيبة ثم قالت:
“أنا مبسوطة إن حضرتك جيت يا أستاذ ياسين تقابلني”
أومأ لها «ياسين» ثم قال:
“كان نفسي أقولك وأنا كمان يا دكتورة بس أنا مش فاهم حاجة”
ابتسمت له الطبيبة ثم قالت:
“دا طبيعي يا أستاذ ياسين، أنا عارفة إن حضرتك هنا علشان تعرف تفاصيل عن خديجة”
أومأ لها فقالت:
“أنا متواجهتش مع خديجة ولا مرة للأسف كل اللي أعرفوا عنها من خلال معلومات وليد”
نظر لها «ياسين» مندهشًا ثم قال:
“أومال حضرتك عرفتي منين؟”.
نظرت له«الطبيبة» ثم قالت:
“قبل أي حاجة يا أستاذ ياسين خديجة كل اللي هتحتاجه هو الدعم المعنوي وعلشان كدا قبل ما أطلع أسرار المريض حضرتك هتقدر تساعدها؟لأن اللي جاي كله متوقف على وجود حضرتك”
نظر لها بعمقٍ وهو يُفكر، أما وليد فنظر للطبيبة وهز كتفيه كإشارةً منه على عدم معرفته بالأمر، أما ياسين فظل ثابتًا على وضعه ولم يتحدث.
يُتَبَع
#الفصل_العاشر
#رواية_تَعَافَيْتُ_بِكَ