روايات رومانسيهرواية تعافيت بك

رواية تعافيت بك الفصل 12

رواية تعافيت بك الفصل 12 رواية تَعَافَيْتُ بِكَ” ‏مـن لـم يزُرنا والديارُ مُخيفـةٌ
لا مرحباً بهِ والديارُ أمانُ ..
_______________

وقعت الجملة على الجميع كوقع الصاعقة، أما «خديجة» جحظت عيناها للخارج من طلب«ياسين»
وكل ما يدور برأسها هل ما طلبه صحيح؟ هل يريد عقد قران بتلك السهولة من خلال رؤيتها مرات قليلة إن وضعت في حد التعبير أن هذه تعتبر رؤية، كيف يطلب مثل هذا الطلب وهو لا يعرف عنها شيئًا، كيف تخبره بمخاوفها من نفسها ومن العالم بأجمعه، فاقت من شرودها على حديث والدها وهو يقول:

“معلش يا بني بس كتب كتاب إزاي بالسرعة دي؟ أنتَ لسه متعرفناش وبرضه من خلال قعدتك مع خديجة معتقدش إنك عرفت تحدد مصير الموضوع كله”

نظر «ياسين» إلى «وليد» لكي يعاونه في طلبه ثم تحدث قائلًا:
“أنا مع حضرتك في اللي قولته يا عمي، بس في حاجة كمان حضرتك مش واخد بالك منها، إن الجواب باين من عنوانه،وأنا من عنوان حضراتكم الجواب باين قدامي، ولو عليا حضرتك تقدر تسأل عليا وتطمن”

رد عليه والدها بإحراج من حديثه وهو يقول:
“لأ يا بني متقولش كدا، ربنا يعلم أنا قلبي مطمنلك إزاي، بس برضه هتكلم مع خديجة هي اللي من حقها تقرر، ولا إيه يا خديجة؟”
نظرت«خديجة» له بخوف، فتحدث والدها قائلًا:
“ها يا خديجة إيه رأيك؟”

وأيضًا لم يصله منها رد، فرفع صوته قائلًا:
“أنا مش بكلمك ما تردي عليا”

انتفضت نتيجة لصوت أبيها، وأغرورقت أعينها بالدموع، من يراها يظن أنها لا تريد التحدث وكأنها لا تبالي ولكن في الحقيقة هي كانت تحارب ذاتها ليخرج صوتها، عندما رأى «ياسين» تبدُل حالها، نظر لـ«وليد» وكأنه يقول له:
“دلوقتي بس أتأكدت”

فتحدث قائلًا:
“معلش يا عمي بعد إذنك، أنا عاوز أتكلم مع الآنسة خديجة لوحدنا لو مش هيضايق حضرتك”

نظر لها والدها بقوة ثم قال:
“ماشي يا حبيبي، وصلهم البلكونة يا أحمد يتكلموا براحتهم فيها”

أومأ له «أحمد» ثم امسك يد أخته وأخذها إلى الشرفة وياسين خلفه، قام بإضاءة المصباح لهم ثم نظر لأخته،وجدها خائفة وعيناها لم ترتفع من الأرض، فنظر إلى «ياسين» ثم قال له:
“معلش يا أستاذ ياسين، هي متوترة شوية، براحة عليها بس”

قال جملته ثم ضحك ليقنعه أنه يمازحه، بادله «ياسين» الضحك ثم قال:
“ولا يهمك يا أحمد وبعدين أنتَ شايفني واقفلها بعصاية؟ أنا هحاول أقنعها على قد ما أقدر وأتمنى إنها  تفهمني”

قال جملته ثم ابتسم له بإطمئنان، نظر له أحمد بتعجب ثم خرج لوالده و وليد في ردهة الشقة، استأذن والده ودخل المرحاض، فجلس أحمد بجانب وليد ثم قال له:
“هو إيه اللي بيحصل يا وليد أنا مش فاهم حاجة؟”

ابتسم له «وليد» ثم قال:
“واضح كدا يا أحمد إن اللي بيحصل كل خير”

شعر«أحمد» بالضيق من الامبالاة التي يتحدث بها «وليد» فرفع صوته قائلًا:
“خير إيه يا بني أدم أنتَ،أنتَ عارف لو دا عرف خديجة طبعها إزاي ولا بنتعامل معها إزاي هيبقى ردة فعله إيه؟، طب مجاش في بالك لو سابها هنتصرف إزاي؟”

وضع «وليد» قدمًا فوق الأخرى بتكبر ثم قال:
“كل اللي أنتَ بتقوله دا ملوش لازمة، عيب عليك أنا وليد”

أخذ «أحمد» نفسًا عميقًا ثم قال:
“طب أنا معاك إنك وليد وإنك مفيش منك اتنين، تقدر تقولي رد فعله إيه لما يعرف”

رد عليه بإستفزاز:
“والله رد فعله كلنا شوفناه دلوقتي، أهوه”

نفخ «أحمد»وجنتيه بضيق منه ثم قال:
“يا بني أنتَ هتنقطني بالكلام؟ يعني إيه اللي أنتَ بتقوله دا؟”

وضع «وليد» يده على كتف «أحمد» ثم قال ببسمة رُسمت على وجهه:
“يعني يا غبي ياسين عرف كل حاجة، ومش بس كدا لأ قابل دكتورة هناء كمان.”
_________________

داخل الشُرفة كانت خديجة على وضعها ولم تتحدث بحرفٍ واحدٍ أما ياسين كان ينظر لها بقوة وثبات، أخذ نفسًا عميقًا ثم قال:

“أنا عارف إنك إتفاجأتي باللي أنا قولته، وعارف إنك من حقك ترفضي، بس أنا عاوز أطمنك إني مش عاوز في الدنيا دي غير إنك تكوني مرتاحة، وياريت لو حضرتك تتكلمي معايا ونتناقش براحتنا”

يبدو أنها لم تسمع ما قاله، لذلك لم يتغير في وضعها شيئًا ولا تحركت من الأساس، هذا ما ظهر له، ولكن في الحقيقة هي كانت تُعد الأرقام في سرها كما أخبرها وليد، نظر لها ياسين وهو ينتظر منها أن تتحدث، كان على وشك الحديث مرة أخرى ولكنها أوقفته بسؤال غير متوقع حينما قالت:
“لــيـه”
رد عليها مُتعجبًا:
“ليه إيه مش فاهم”

أخذت نفسًا عميقًا ثم قالت:
“ليه أنا، وليه عاوز تكتب الكتاب بالسرعة دي”

كان يعلم صراعاتها مع نفسها ويعلم مخاوفها، لذلك حاول أن يبثُ الطمأنينة بداخلها، فقال بهدوء:

“علشان أنا إرتحتلك يا أنسة خديجة، وعاوزك تكوني زوجة ليا، وواضح إن حضرتك شخصية خجولة يعني من الصعب تتكلمي بسهولة، والخطوبة دي ليها ضوابط كتير من الصعب إني أقدر ألتزم بيها، وعلشان ربنا يكرمني بيكِ لازم يكون كل شيء في موقعه الصح”

ردت عليه بهدوء دون أن تنظر إليه:
“ولو أنا رفضت؟”

كل حديثها يخرج منها بسرعة كبيرة وكأنها تتحدث وهي تركض على الرغم من جلوسها ثابتة إلا أنه يكاد يُجزم أن سرعة ضربات قلبها يسمعها بقوة كما لو أنها لم تنبض من قبل، لذلك رأف بحالها ثم قال:
“هكون خسرت كتير أوي يا خديجة”

كانت جملته بها حديث مُبطن لم تفهمه فوجهت بصرها له وجدته ينظر لها بإطمئنان، ثم تبدلت نظرته و نظر لها بقوة وكانت هذه المرة الثانية التي تلتقي بها العيون، إبتسم لها ثم قال:
“أنا واثق إنك هتحسبيها صح، وإنك هتعرفي تاخدي القرار”

ردت عليه معقبةً:
“ولو أنا وافقت هتبقى خسرت أكتر”

رد عليها مُعقبًا:
“ولو الخسارة بوجودك أنا مستعد ليها”
قال جملته ثم  تركها وخرج إلى والدها و أخويها، وكانت والدتها جالسة معهم، أول من تحدث هو والدها حينما قال:
“ها يا أستاذ ياسين أتكلمتوا سوا؟”

كان بداخل ياسين شيء ينبهه من ردة فعل أبيها لذلك إبتسم له ثم قال:
“أيوا يا عمي اتكلمنا سوا، وإن شاء الله خير، ولو كدا هكلم حضرتك علشان أجي أنا وأهلي ونحدد المعاد سوا”

خرجت خديجة على جملته الأخيرة من الشُرفة، خوفًا من أبيها، نظرت لهم جميعًا ثم قالت:
“هرد عليكم بكرة إن شاء الله عن إذنكم”

قالت جملتها ثم ركضت من أمامهم جميعًا، شعر والدها بالإحراج فتحدث قائلًا:
“معلش يابني هي بس متوترة أنتَ عارف بقى البنات بتتكسف في المواقف دي “

رد عليه «ياسين»:
“ولا يهمك يا عمي دا شيء طبيعي، أنا هستنى رد حضرتك عليا وهحدد معاد تاني”

تحدثت والدتها قائلة:
“أنا أسفة على التدخل بس دا كتب كتاب مش خطوبة، يعني لو خطوبة اتفشكلت عادي، لكن كتب كتاب، هتبقى مطلقة؟ صعب أوي يا بني”

ابتسم مطمئنًا لها ثم قال:
“أنا مش عاوز حضرتك تقلقي خالص، إن شاء الله الموضوع مش هيوصل للطلاق، يعني أنا إبن أصول برضه و عمري ما هقدر أقلل منها أو أزعلها وعلشان أنا فاهم كويس يعني إيه خطوبة ويعني إيه طلاق بطلب بكتب كتاب علشان كل حاجة تكون برضا ربنا سبحانه وتعالى”

من خلال حديثه بث الطمأنينة في قلوب الجميع حتى خديجة التي وقفت بالمطبخ تستمع لما يدور في الخارج، تعجبت من حديثه وابتسمت بخفة ولكن سرعان ما وأدت تلك البسمة وهي تهز رأسها، حينما تذكرت موقف مشابهًا لذلك بَدر من «راشد» فكان أيضًا يتصف بكثرة الكلام المعسول وطريقته الجيدة في الحديث، خرجت من شرودها على صوت والدها وهو يقول:

“تمام يا بني هرد عليك بكرة علشان نحدد المعاد”

وافقه ياسين في الحديث ثم وقف لكي يغادر، ألقى تحية الوداع على الجميع، فتحدث «وليد» قائلًا:
“طب أنا هوصل ياسين معايا عن إذنكم بقى”
خرجا سويًا من الشقة وركبا المصعد، خرجا سويًا من البيت أوشك ياسين على ركوب السيارة حينها أوقفه «وليد» وهو يقول:

“ممكن أعرف ليه طلبت كتب كتاب يا ياسين؟”

زفر «ياسين» بقوة ثم قال:
“علشان دا اللي المفروض يتعمل يا وليد، أنا لازم أساعدها بس تقدر تقولي هساعدها إزاي وبصفتي مين؟”

رد عليه ببساطة:
“بصفتك خطيبها يا ياسين”

اجابه «ياسين»:
“برضه مش كفاية يا وليد، الخطوبة دي ولا ليها أي لازمة دي مجرد وعد بالجواز يعني أي حاجة هعملها في فترة الخطوبة هتبقى ذنب عليا، يبقى إزاي أقدر أساعدها وأقدم ليها الدعم اللي الدكتورة قالت عليه وأنا برضه بشيلها ذنوب معايا؟”

نظر له «وليد» بتفحص ثم قال:
“يعني هو دا بس سبب إنك تطلب كتب كتاب؟”

تنهد «ياسين» بإرتياح ثم قال:
“لأ يا وليد مش علشان كدا بس، علشان خديجة أجمل وأنضف من إنها تتساب كدا، هي تستحق إنها تفرح وحاجة جوايا مطمناني إن فرحتها هتبقى بوجودي”

نظر له «وليد» بقوة ثم تحدث فجأة وهو يقول:
“طب استناني هنا يا ياسين، متمشيش هرجعلك تاني”

صعد «وليد» إلى شقته ودخل غرفته أخذ منها شيئًا ونزل مرة أخرى إلى ياسين، كان يتنفس بسرعة كبيرة فنظر له ياسين بتعجب ثم قال له:
“إيه يا وليد في أسد بيجري وراك ولا إيه؟”

حرك«وليد» رأسه سلبًا ثم مد يده بدفتر صغير مدون عليه شيء من الخارج، نظر له ياسين مُستفسرًا، فتحدث وليد قائلًا:

“كلامك دلوقتي خلاني أتأكد إن مندمتش على إني أحكيلك عن خديجة وحياتها، ودا فيه حاجات كتير عن خديجة لو عاوز تعرف عنها أكتر، أنا كنت واخده معايا علشان الإنسان اللي يستحق خديجة”

مد «ياسين» يده وأخذ الدفتر من وليد نظر به مُتفحصًا ثم فتح الغلاف وجد في أول صفحة عبارة مدونة بخطٍ كبير:
“أمنيات لم يكتب لها أن تتحقق”

نظر له «ياسين» مندهشًا، فقال له «وليد»:
“لو فعلًا زي ما بتقول إنك عاوزها تفرح، وإنها تستحق دا، يبقى تقرأ الدفتر دا”
ابتسم له «ياسين» ثم أخذ الدفتر منه وركب سيارته.
_______________

في واحدٌ من الكافيهات العامة كانت هدير تجلس بصحبة منة إبنة جارتهم معها وكل واحدة منهما تتصفح هاتفها كعادة الجميع في الآونة الأخيرة، حتى أتى «شهاب» أحد الشباب الذي يجلس معهم دائمًا و يُعد رفيقهم،
جلس مقابل هدير ثم نظر حوله يبحث عن أحدًا ما وعندما لم يجدها تحدث قائلًا:
“هي عبلة مش هنا يا هدير؟”

قلبت هدير عينيها بمللٍ ثم قالت:
“لأ مش هنا ياشهاب، خير؟”

رد عليها مُردفًا:
“لا أبدًا أنا بس كنت عاوز أقولها حاجة، المهم يا هدير أنتِ فاتحتيها في الموضوع اللي قولتلك عليه؟”

تدخلت «منة» في الحديث قائلة:
“معلش يا شهاب هي عند بنت خالتها علشان في عريس جايلها وهي واقفة معاها وموضوعكم هدير هتقولها عليه لما تيجي إن شاء الله”

أومأ لها ثم تحدث موجهًا حديثه لـ «هدير»:
“تمام بس متنسيش يا هدير أنا مستني ردك عليا”

أومأت له«هدير» ثم قالت بمللٍ:
“حاضر يا شهاب لما تيجي هكلمها وهرد عليك، بس متعشمش نفسك أوي كدا”

أومأ لها ثم تركها وغادر، انتظرت «منة» حتى اختفى طيفه تمامًا ثم تحدثت قائلة:
“صعبان عليا والله دا كله متعشم، وهي بتحب وليد، ووليد شكله كدا بيحب حد تاني دا إيه اللغبطة دي؟”

ردت عليها «هدير» بعدما تركت هاتفها قائلة بلامبالاة:
“هي دي الدنيا اللي أنتِ تعوزيه مش عاوزك، واللي يعوزك أنتِ مش عاوزاه يا منة”

ردت عليها«منة»:
“بس بجد أنا بحس إن وليد بيحبها فعلًا مش عارفة هي ليه قالت إنه بيحب واحدة تانية غيرها”

هزت «هدير» كتفيها بلامبالاة ثم قالت:
“والله مش عارفة هي أدرى ممكن تكون شافت حاجة أو حد وصلها حاجة عنه.”

ردت عليها «منة»:
“طب هتعملي إيه مع شهاب ماهو هيفضل يزن كدا كتير”

نظرت «هدير» أمامها بخبثٍ ثم قالت:
“ناوية على كل خير يا منة”
_____________

وصل «ياسين» بيته، خرجت والدته على صوت مفاتيحه، و رحبت به ثم قالت
“أجبلك تتعشى يا حبيبي؟”

حرك رأسه نفيًا ثم قال:
“لأ متتعبيش نفسك يا ماما، مش جعان”

نظرت له وهي تتفحصه ثم قالت:
“ياسين مالك في إيه؟ أنا حساك متغير أو شكلك قلقان من حاجة مالك يا حبيبي؟”

ابتسم مطمئنًا لها ثم قال:
“أنا تمام أوي متقلقيش عليا”

نظرت له وهي تتفحصه مرة أخرى ثم قالت:
“أتمنى تبقى كويس فعلًا مع أني مش حاسة بكدا”

أوشكت على الرحيل لكنه أمسك كفها وأوقفها وهو يقول:
“أستني يا ماما أنا عاوزك ضروري”

جلست بجانبه مرة أخرى ثم قالت:
“إيه يا ياسين في إيه يا حبيبي؟”

أخذ نفسًا عميقًا ثم قال:
“أنا مش عاوز أخطب خديجة”

صرخت والدته بوجهه فور إنتهاء جملته قائلة:
“الله يسامحك يا ياسين على كسرة خاطري، الله يهديك يا بني، ليه تعمل فيا كدا؟”

رد عليها مُعقبًا:
“أنا عاوز أكتب كتاب علطول”

ابتهج وجهها ثم قالت:
“الله يعمر بيتك ويجبر بخاطرك يارب يا نور عيني”

تلبسته الدهشة من تغير حالها، فقال بسخرية كبيرة:
“ودا من إيه دا إن شاء الله، ما كان الله يهديني من شوية وليه بعمل فيكي كدا كأني معذبك؟”

ردت عليه قائلة:
“كل دا مش مهم، المهم هو إنك فرحتني، بس ليه القرار دا بالسرعة دي؟”

رد عليها مُردفًا:
“أصل الخطوبة ملهاش لازمة وأنا على رأيك كبرت أهو وممكن أتحجج في فترة الخطوبة وأسيبها الله أعلم”

كان حديثه يشوبه شيءٌ من الخبث حتى يقطع على والدته كل سُبل السؤال والإستفسار، عندما وصلت والدته لنقطة ترك خديجة تحدثت بسرعة قائلة:

“لأ يا حبيبي إن شاء الله مش هتسيبها ولا حاجة، المهم هنروح إمتى؟”

رد عليها بإبتسامة:
“بكرة هيردوا عليا في موضوع كتب الكتاب، ولو كدا هاخد ميعاد معاهم ونروح نتفق كلنا على تفاصيل الجواز”

ربتت على كتفه ثم قالت:
“خلاص يا حبيبي أدخل إرتاح أنتَ وأنا لما رياض يرجع من تحت هقوله إن شاء الله”

أومأ لها ثم تركها ودخل غرفته بدل ثيابه ثم أرتمى على الفراش، ولكنه تذكر أمر ذلك الدفتر الخاص بها، وقف وأخرجه من جيب سترته أمسكه بين كفيه ثم مرر أصابعه على تلك الكلمة المزخرفة على مجلد ذلك الدفتر باحتراف شديد بواسطة خديجة، فتح أول صفحات الدفتر وجد تلك الجملة التي كتبتها وهي:
“أمنيات لم يكتب لها أن تتحقق”

فتح الصفحة التالية وجد بها خاطرة مدونة من قبلها:

“لم يكن الخطأ خطئي، كانت حياتي كورقةً بيضاء وقعت في أشخاص مُلطخةٌ بالحبر فأصبحت غير قادرة على إزالة حبرهم ولا أنا بقادرةٌ على الكتابة بها من جديد”

نظر لتلك الخاطرة وعلى قوة التعبير الذي استطاعت أن تفصح عنه، انتقل إلى الصفحة التالية وجد بداخلها:

“أود أن يحبني أحدهم كحبي للغة العربية الفصحى، أن يغرق بتفاصيلي كما أغرق بنصوص الغزل، وكلمات الشعر، أريده أن يلقيها على مسامعي فأشعر كأن قلبي أخرج فراشته بعدما كان كالصندوق المغلق.
ظل يقرأ في الدفتر وما دونته بيدها عن أحلامها وأمنياتها ولكن ما لفت نظره هو حبها الشديد للشِعر وكلمات الغزل الفصحى لذلك هاتف وليد وقال له:

“بقولك إيه وليد الدفتر دا كله كلمات باللغة العربية الفصحى، أنا حسيت إني رجعت ثانوية عامة تاني”

ضحك «وليد» على حديثه ثم قال:
“هي خديجة بتحب اللغة العربية الفصحى أوي دي كانت ساعات بتفضل تكلمنا بيها كأننا في قناة كارتون، لو عاوز تفرحها كلمها لغة عربية فُصحى”

رد عليه «ياسين» بسخرية:
“أكلمها لغة عربية فُصحى ليه خاطب شجرة الدُر يا وليد؟”

ضحك «وليد» على حديثه ثم قال:
“بقولك إيه أنتَ مش عاوزها تكون فرحانة يا ياسين؟”

رد عليه موافقًا ثم قال:
“بس يا وليد هي ليه كل طلباتها بسيطة كدا؟ دي حاجات تتنفذ في يوم وليلة، معقولة في شخص ابسط الحاجات اللي في الدنيا دي ميقدرش عليها”

رد عليه «وليد»:
“للأسف هي بتخاف من كل حاجة وعمي من كتر ماكان شديد في معاملتها كانت بتخاف من كل حاجة حتى الخروج مكانش بيرضى عليه”

رد عليه «ياسين» بخوف:
“بقولك إيه يا وليد الوضع هيبقى إيه لو اتجوزنا؟”

رد عليه «وليد»:
“ماهو علشان كدا طلبت مساعدتك وجودك هيفرق كتير أوي معايا

رد عليه «ياسين»:
“ربنا ييسرها يا وليد، وبالنسبة للغة العربية الفُصحى دي أنا هدور على حد خبرة كدا يديني فيه دروس ماهي مش هتيجي غير كدا”

ضحك«وليد»على حديثه ثم أغلقا المكالمة سويًا، عاد ياسين إلى الدفتر مرة أخرى وهو يتصفح صفحاته وكل مرة يتعمق به أكثر بكثير، أما عند«وليد» وقف في شرفة غرفته وهو يتنفس بعمق ثم وقف يتضرع إلى الله سبحانه وتعالى وهو يقول:

“يارب ساعدني وساعدها، أنا عارف إني من سنين وأنا مش قايم بدوري كأخ ليها وعارف كمان إنهم ساعات كانوا بيفتروا عليها من غير ما أنا أساعدها بس أنا طمعان في كرمك تسامحني وتعوضها خير يارب وتنسيها كل اللي فات”

انتهى من الدعاء ثم وقف ينظر من الشرفة وأثناء وقوفه وجد عائلة عمه «محمد» تنزل من سيارتها صعد الجميع عدا طارق الذي ذهب بالسيارة لمكانٍ ما، أما عبلة فذهبت لمحل البقالة تشتري بعض الأشياء، نظر «وليد» بخبث أمامه ثم قال:
“وماله نلعب شوية مش عيب يعني”

خرج «وليد» من شقته ونزل على قدميه وقف أمام باب البيت وعند رؤيته لعبلة تقترب إختبأ خلف إحدى بوابات البيت، دخلت «عبلة»البيت وركبت (المِصعد) نظر «وليد» بخبثٍ وهو يتابع لوحة الأرقام وعند اقتراب(المصعد) للطابق الرابع المخصص للشقة التي يسكن بها قام بتعطيل المِصعد وهو يبتسم بشر ثم قال:

“يا أنا يا أنتِ يا بنت عم محمد”

عبلة لم تكن بفتاةٍ جريئة ولكنها دائمًا ترسم شجاعة زائفة للجميع عن نفسها، وفي المِصعد، كانت تشعر بالخوف ولكنها تمالكت نفسها وهي تقول:
“اهدي يا عبلة، اهدي فيها إيه يعني مش أول مرة، حاولي متصرخيش عشان ميضحكوش عليكي”

كانت تُصبر نفسها بتلك الكلمات حتى لا تتسرع وتصرخ وتفزع الجميع، وخارج المصعد في الطابق الرابع كان «وليد» يقف بجانب المِصعد وكان يسمع حديثها لنفسها ويضحك عليها بهدوء، وعندما بدأت تطرق على باب المصعد ظهر صوت «وليد» وهو يقوم بفتح باب شقته ليتقن التمثيل بعدما زحف على قدميه حتى لا تشك عبلة بأمره، وقف وهو يقول:
“في إيه يا جماعة معقولة كدا الإنسان مش عارف يرتاح في بيته؟”

عند وصول صوته إلى مسامعها شعرت بالطمأنينة تجتاحها، فقالت بسرعة كبيرة:
“وليد علشان خاطري شوفلي حل الأسانسير عطل بيا”

اتقن الإندهاش فقال بتمثيل متقن:
“إيه دا عبلة!؟ بتعملي إيه هنا في الوقت دا؟”

ردت عليه بضيقٍ من حديثه قائلة:
“هكون بعمل إيه يا وليد بصيف يعني؟ أكيد كنت طالعة الشقة”

تحدث بصوتٍ منخفض حتى لا تسمعه:
“خفة دم أهلك دي اللي مودياكِ في داهية”

ثم رفع صوته قائلًا:
“طب يا عبلة أنا كنت هنام أساسًا  ولما سمعت خبطك على الأسانسير طلعت، بس طالما لسانك شغال وبتتكلمي كويس أسيبك أنا بقى”

ردت عليه بفزع قائلة:
“لأ يا وليد علشان خاطري متسبنيش وتدخل أنا مطمنة بس علشان أنتَ واقف”

حديثها جعله في حالة من الرضا التام لذلك ابتسم بعذوبة وهو يعيد حديثها مرة أخرى وكأنه نسيْ أمرها، أما هي عندما لاحظت صمته قالت بصوتٍ عالٍ:

“وليد أنتَ دخلت وسبتني؟ علشان خاطري شوفلي حل أنا بخاف يقع بيا ولا حاجة”

عاد من شروده على حديثها فقال بهدوء:
“مش قادر أنزل يا عبلة والله، كلمي طارق ينزل يساعدك”

ردت عليه بعصبية:
“طارق مش فوق يا وليد، علشان خاطري عندك انزل شوفلي حل في لوحة الكهربا اللي تحت”

رد عليها بمللٍ:
“صدقيني جسمي مكسر مش قادر وبعدين يعني يا عبلة أنتِ عارفة طريقتنا مع بعض عاملة إزاي يبقى أساعدك بصفتي إيه؟”

ردت عليه قائلة برجاء:
“علشان خاطري لو ليا خاطر عندك وأنا أوعدك هكلمك كويس بعد كدا”

ظل يفكر لثوانٍ ثم قال:

“مش وحش يلّا موافق، بس مش دا اللي أنا عاوزه، أنا عاوز أعرف إيه اللي غيرك عليا كدا؟”

رد عليه بصوتٍ عالٍ وعصبية:
“قول كدا بقى، أنتَ اللي عملت كدا علشان تردهالي”

رد عليها مُردفًا:
“لأ يا عبلة أنا مش بنتقم منك أنا بس عاوز أفهم ليه كل دا حصل بينا، ليه بعد ما جيتلك كل الطريق دا رجعتيني أكتر من الأول ليه كسفتيني ورفضتيني قدام طارق؟ ردي عليا يا عبلة ليه؟”

ظهر البكاء جليًا على صوتها حينما قالت:
“علشان أنا مش بديل لحد يا وليد، علشان كنت غبية لما افتكرتك عاوزني أنا طلعت بتنسى بيا حد تاني”

صفع باب المصعد بقوة ثم قال بصوتٍ عالٍ:
“يا بنتي بديل إيه وبديل لمين؟ أنا معرفش حد غيرك أصلًا، أسألي طارق أخوكي هو معايا علطول أكيد مش هيكذب على أخته ولا أسألي خديجة خليها تسمعك كلامي عنك”

مسحت دموعها ثم قالت:
“وأنا مش عاوزة أسمع حاجة من حد يا وليد ولو سمحت شغل الأسانسير زي ما عطلته”

حرك رأسه موافقًا قم قال:
“بس خليكي فاكرة يا عبلة إن أنتِ اللي بتخسرينا إحنا الأتنين”

تركها ونزل على قدميه لكي بقوم بتشغيل المصعد مرة أُخرى، اقترب من لوحة الكهرباء ثم قام برفع زر المصعد لكي يتحرك، انتظر وصولها، ثم ركب المصعد لكي ينقله إلى الطابق الخاص به .
______________

وصلت «عبلة» شقتها وجدت والدها ينتظرها وأول ما لمحها اقترب منها وهو يقول بقلق واضح:
“إيه يا عبلة أنتِ كنتِ فين قلقتيني عليكِ يا بنتي وبكلمك موبايلك مقفول”

رسمت بسمة زائفة على ملامحها ثم قالت بهدوء:
“أنا كويسة يا بابا متقلقش عليا”

نظر لها متفحصًا ثم قال:
“كويسة إزاي بس أنتِ معيطة ولا إيه؟”

نفت برأسها ثم قالت:
“لأ الأسانسير عطل بيا وخد وقت لحد ما وليد حركه”

ربت والدها على كتفها ثم قال بحنان بالغ:
“طب يا حبيبتي ادخلي أنتِ ارتاحي وأنا هجبلك كوباية عصير علشان الخضة”

أومأت له ثم دخلت غرفتها وهي تفكر في كلام وليد مرة أخرى، أما وليد دخل غرفته وجد صوت هاتفه يصدح عاليًا برقم «أحمد» شقيق «خديجة» قام «وليد» بالرد عليه فوجد «أحمد» يقول:

“إيه يابني بقالي نص ساعة بكلمك فينك؟”

رد عليه «وليد» والضيق واضح على صوته:
“مفيش كنت برة في الصالة والموبايل في الأوضة”

رد عليه«أحمد»:
“طب تمام تعالى عاوزك معايا ضروري”

رد عليه «وليد»:
“طب هشوف ماما فين وأجيلك”

رد عليه «أحمد»:
“متتعبش نفسك مامتك هنا مع ماما تعالى أنتَ بس”

في خلال ثواني وصل «وليد» شقة عمه ألقى عليهم التحية ثم دخل غرفة «خديجة» وجد بها أخواتها معها جلس بجانب أحمد ثم قال:

“أنا أهوه طلعت خير يا ولاد طه؟”

تكلمت «خلود» قائلة:
“خديجة مش موافقة على كتب الكتاب يا وليد”

مسح«وليد» وجهه بكفيه بقوة شديدة ثم قال:
“ليه يا أستاذة خديجة؟ خير”

تكلمت «خديجة» بسرعة كبيرة قائلة:
“يعني أنتَ مش عارف ليه يا وليد أنتَ هتستعبط؟”

رد عليها مُعقبًا:
“اتكلمي بالراحة يا خديجة علشان أفهمك”

أخذت نفسًا عميقًا ثم قالت:

“طيب… دلوقتي أنتَ عارف أنا بخاف إزاي، عاوزني إزاي أوافق على كتب كتاب واحد معرفش عنه حاجة و شوفته ٣ مرات بس؟”

رد عليها«أحمد»:
“يا بنتي ماهو فترة كتب الكتاب اعتبريها خطوبة، يعني تتعرفوا على بعض أكتر”

ردت عليه بهدوء كعادتها:
“طب تمام افرض بقى طلع مش مناسب ليا أعمل إيه ابقى مُطلقة وخلاص؟”

تدخلت «خلود» قائلة:
“يابنتي ماهو ممكن أي حد يكون مش مناسب ليكِ، فترة الخطوبة دي هتخليكم مناسبين”

عقب «وليد» قائلًا:
“أهيه خلود قالتلك، وافقي يا خديجة علشان ياسين لو ضاع منك عمرك ما هتلاقي واحد زيه تاني، ودا مش شغل زي اللي بتهربي منه ولا كورسات زي اللي بتخافي تروحيها، لأ دي حاجة بتيجي في العمر مرة واحدة ويا ناخدها يا نندم العمر كله على ضياعها”

كانت على وشك البكاء لذلك قالت بصوت مليء بالحزن:

“أنا بخاف أنتم ليه مش عاوزين تصدقوا أني بخاف من كل حاجة، بخاف من الناس وبخاف وأنا لوحدي، بخاف حد يدخل حياتي تاني، فاكرين شكلي كان إيه وأنا كرامتي بتتهان قصادهم من راشد؟ فاكرين لما وقف قال قصاد الكل إني معنديش ربع مواصفات البنت اللي بيحلم بيها، أنا معنديش استعداد أجرب الاحساس دا مرة تانية”

تنهد «وليد» بقوة ثم قال:
“وأنا أضمنلك برقبتي إن دا كله مش هيحصل، ياسين محترم ومتفاهم وكل كلامه بالعقل يعني عمره ما هيقدر يجرحك يا خديجة”

تدخل «أحمد» قائلًا:
“مش علشان تجربة فاشلة ولا شخص مش كويس يبقى كل الناس كدا، صوابعك مش زي بعضها يا خديجة”

نظر لها «وليد» بإطمئنان ثم قال:
“وافقي يا خديجة متخليش الفرصة دي تضيع من إيدك، وافقي برضاكي قبل ما عمي طه يتدخل وتوافقي وأنتِ مغصوبة”

نظرت له تفكر في حديثه وفي «ياسين» وحديثه معها وتلك الجملة التي خرجت منه حينما سألته عن رفضها، على الرغم من مخاوفها إلا أنها لمست الصدق في حديثه ونظراته، كان أخواتها ينظرون إليها فتحدثت قائلة:

“أنا موافقة يا وليد”
صرخ الشباب بقوة كأن فريقهم المفضل ربح المباراة، أما خلود اقتربت من أختها وهي تحتضنها وتبارك لها، دخلت «زينب» و «مروة» غرفة خديجة نظرًا لإرتفاع الصوت فسألت «زينب» الجميع قائلة:
“في إيه أنتَ وهو وهي صوتكم والناس نايمة”
اقترب منها «وليد» وأمسكها من ذراعيها ثم قال:
“خديجة وافقت على كتب الكتاب”
صفق النساء بفرحة عارمة استيقظ على أثرها «طه» دخل الغرفة وهو يقول:

“في إيه يا جماعة مش عارف أنام”
صمت الجميع أما «وليد» حمحم بإحراج ثم قال:
“إحنا أسفين يا عمي على قلة أدبنا دي بس خديجة وافقت على كتب الكتاب”

نظر لها والدها ثم قال:
“هي مكانتش عاوزة توافق ولا إيه؟ على العموم مبروك، كلم ياسين يا وليد و عرفهُ”

قال جملته ثم تركهم وغادر الغرفة، تبدلت نظرة الجميع خلال ثواني أما خديجة فنظرت في أثره بحزن شديد هي تعلم أن علاقتها به جافة ولكنها لم تتوقع أن يكون رد فعله بهذا الفتور”
_______________

نزل «وليد» ووالدته شقتهم ثم دخل غرفتهُ أخرج هاتفه ثم هاتف «ياسين»، اندهش «ياسين» من اتصال «وليد» به في ذلك الوقت لكنه رد عليه بسرعة كبيرة فوجد وليد يقول:

“معلش يا ياسين صحيتك ولا حاجة؟”

رد عليه«ياسين»:
“لأ أبدًا يا وليد أنا منمتش ولا حاجة”

ضحك «وليد» ثم قال له:
“إيه بتفكر في حد ولا إيه؟”

ضحك «ياسين» ثم قال:
“يعني حاجة زي كدا يا وليد”

رد عليه «وليد»:
“طب يا سيدي أنا قولت أرحمك من عذاب التفكير وأقولك إن خديجة وافقت على كتب الكتاب”

انتفض«ياسين» من فراشه ثم قال:
“بجد يا وليد؟ خديجة وافقت”

ضحك «وليد» ثم قال:
“أيوا والله وافقت، أنتَ بقى كلم عمي طه وحدد معاه معاد علشان الاتفاق”

وافقه «ياسين» في الحديث ثم أغلق الهاتف معه، امسك دفترها في يده ثم قال:
“أوعدك يا خديجة طول ما أنا موجود في حياتك هخلي كل صفحات كتابك متلونة، ربنا يقدرني وأسعدك”

يُتبع
#الفصل_الثاني_عشر
#رواية_تَعَافَيْتُ_بِكَ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى