“لعنة المراية: صفقة مع الجحيم”
قصة صفقة مع الجحيم اسمي ميار، بنت عادية عايشة في بيتنا القديم في أطراف القرية. الحياة هنا بسيطة، زي ما كنت متعودة عليها من طفولتي، بيت قديم جدرانه بيحملوا أصوات الحكايات اللي كبرت عليها. أمي الله يرحمها كانت دايمًا بتحذرني من الحاجات القديمة، كانت تقول إن أي حاجة قديمة ممكن تكون شايلة ذكريات مش كلها حلوة. لكن عمري ما كنت بصدق الكلام ده، لحد ما حصل اللي حصل.
في يوم من الأيام، وأنا ماشية في السوق الشعبي اللي بيقام كل أسبوع في قريتنا، شدني شكل مرآية قديمة جدًا، كانت موجودة على طاولة راجل كبير في السن، ملامحه غريبة والشر بينعكس في عينيه. المراية كانت لها إطار أسود منقوش، تحس إن نقشاته دي ليها قصة قديمة مرعبة، وكانت بتلمع رغم إنها قديمة. من أول نظرة ليها حسيت بحاجة غريبة، زي ما يكون في حاجة بتشدني ليها بشكل مش طبيعي، لدرجة إني نسيت نفسي وسألت الراجل بكم المراية. ابتسم ابتسامة غريبة وقال لي بسخرية: “مش أي حد يقدر ياخدها، هي مش مجرد مرآية. اللي يمتلكها لازم يعرف إزاي يتعامل معاها.”
سألته: “إيه اللي فيها عشان تقول كده؟ دي مجرد مرآية!”
رد عليّ بصوت خافت وكأنه مش عايز حد يسمع: “لو قررت تاخديها، لازم تبصي فيها بس الصبح. وبالليل؟ بلاش تفكري حتى تقربي منها.”
ضحكت وأنا فاكرة إن كلامه ده نوع من الترويج عشان يبيعها، لكن الغريب إنه رفض ياخد فلوس كتير. ذى ما يكون عايز يخلص منها
أنا من الناس اللي ما بتصدقش بسهولة في الكلام ده، خدت المراية ورجعت بيها البيت. علقتها في أوضتي، وكنت فخورة بالقطعة الفنية اللي جبتها. الليل جه، وكل حاجة كانت هادية كالعادة، لحد ما حسيت بشعور غريب. كنت قاعدة على السرير، لكن كان في صوت همس خفيف، حاجة زي هواء بيمر جوه الأوضة رغم إن الشباك كان مقفول. اتلفت حواليّا وما لقيتش حاجة، حسيت بشوية برودة، وقمت أقفل الشباك كويس، لكن لما كنت راجعة على السرير عيني جات على المراية. وهنا كانت البداية.
في الأول كنت شايفة صورتي، بس بسرعة الصورة بدأت تتغير. وشّي في المراية كان مشوش وغامق، وكنت شايفة ظلال بتتحرك ورايا، كأن في حد واقف وراي وأنا مش شايفة. خفت وقربت أكتر عشان أتأكد، بس لما قربت، لقيت عينين سودا بتبص لي من ورا الإطار، بوضوح… عينين مش بتاعتي، مش بتاعة أي حد أعرفه.
اتراجعت بسرعة، حاولت أهدي نفسي، لكن قلبي كان بيدق بسرعة، وكأن الخوف بيمسك في روحي. الليلة دي ما نمتش، وكل شوية أسمع نفس الهمسات، همسات بتزداد وضوح كل ما الليل كان بيعدي. الصوت كان جاي من المراية، كأنه بيناديني.
تاني يوم حاولت أتجنبها، ما كنتش عايزة أبص فيها ولا أفتكر اللي حصل. لكن الليلة التانية كانت أسوأ. وأنا نايمة، صحيت فجأة على صوت خشخشة، زي ما يكون في حد بيتحرك في الأوضة. فتحت عيني وكنت متأكدة إني لو بصيت ناحية المراية هلاقي حاجة مرعبة. حاولت مابصش، لكن ما قدرتش. كنت متخيلة حاجات بتتحرك، أنفاس قريبة مني، زي ما يكون في حد واقف جنب السرير،
لما بصيت، لقيت إيد طالعة من المراية. إيد سودة، شكلها ميتة، عروقها نافرة، وكانت بتتحرك ببطء شديد. كنت متجمدة في مكاني، مش قادرة أصرخ ولا أتحرك. الإيد دي بدأت تمسك في إطار المراية، كأنها بتحاول تطلع أكتر.
قمت من مكاني أخيرًا وجريت على الباب، بس كان مقفول، رغم إني متأكدة إني قفلته بس مش بالمفتاح. صرخت، لكن ما حدش كان بيسمعني. الصوت اختفى فجأة، ومرّ الليل بأمان، لكن كنت عارفة إن اللي شفته مش مجرد حلم، إنه حقيقة.
بدأت أحكي لأقرب صحابي عن اللي حصل، لكنها ضحكت وقالت لي إني متوترة زيادة عن اللزوم. اقترحت إننا نعمل اختبار ونبص في المراية بالليل مع بعض، عشان نثبت إنها مش ملعونة. وده كان أغبى قرار أخدته في حياتي.
في الليلة اللي اتفقنا فيها، جت صاحبتي عندي، وقررنا نجرب. هي كانت متحمسة وبتضحك، وأنا قلبي مليان خوف. أول ما بصت في المراية، فجأة بقت عيونها متسعة بشكل غير طبيعي، واتجمدت مكانها، كأنها شايفة حاجة مرعبة. حاولت أهزها، لكن مفيش استجابة، وبعد كده بقت تصرخ، صرخة عالية جدًا.
فضلت تصرخ لمدة ثواني، وبعد كده وقعت على الأرض فاقدة الوعي. لما فاقت بعد كده، كانت مدمرة نفسيًا، ورفضت تتكلم معايا تاني أو تيجي ناحيتي. حاولت أنساها، لكن شعورها بالخوف لسه مطبوع في ذاكرتي.
بعد اللي حصل، الأمور بدأت تتعقد أكتر. كل ليلة كانت أصعب من اللي قبلها. كنت كل ما أقرب من المراية، أشوف حاجات أكتر وأكتر. في ليلة من الليالي، وأنا بصلي، حسيت بحد بيتنفس جنب ودني، قومت بسرعة، لكن اللي شفته كان أسوأ من أي كابوس. الشبح اللي كان محبوس جوا المراية، كان واقف قدامي. عيونه السودة كانت بتخترقني، وصوته كان واطي لكنه واضح: “انتى اخترتى. ما فيش رجوع دلوقتي.”
بعد الليلة دي، بقيت عايشة في رعب مستمر. الشبح ده بقى جزء من حياتي، بيظهر لي كل ما يحس إني ضعيفة. بقيت أشوفه في كل مكان، حتى في الحلم. كان بيقولي إنه مش هيسيبني لحد ما أوافق أساعده.
كان بيعرض عليّ صفقة بشعة، قال لي: “لو خلتِ غيرك يبص في المراية، هتتحرري. لكن لو رفضتي، هفضل معاك للأبد.”
رعبني العرض ده، لكن ما كنتش أقدر أأذي حد زي ما اتأذيت. حاولت أرجع المراية للراجل اللي باعها لي، لكن لما رجعت السوق، ما لقيتش الراجل ولا الطاولة، وكأنهم اختفوا تمامًا من الدنيا.
فضلت في الكابوس ده شهور، كل ليلة أسوأ من اللي قبلها، لحد ما قررت في يوم إني أكسر المراية. خدت المراية ورحت عند الجبل القريب من القرية، كان المكان مهجور ومظلم، وكأني كنت مستنية اللحظة دي. رفعت حجر كبير وضربت المرآية بكل قوتي. أول ما المراية اتكسرت، حسيت بدوار غريب، كأن الأرض نفسها بتتحرك.
لكني فهمت الحقيقة في اللحظة دي. المراية كانت حبس للشبح ده، وكسرها حرره.
بعد ما كسرت المراية، حصل شيء أكبر من أي حاجة كنت متخيلها. الصوت اللي طلع من كسر الزجاج كان زي دوي رعد، وكأن الكون كله بينهار لحظة واحدة. الأرض اهتزت تحت رجلي، والسماء اتحولت للون أسود مظلم بطريقة غير طبيعية، رغم إن كان الوقت لسه الصبح. حسيت بهواء بارد بيضرب في وجهي، بس البرودة دي ما كانتش طبيعية، كانت زي نفس شيطان بيقرب مني.
أول ما الأرض استقرت، بصيت حواليا لكن ما كانش في حد. كنت لوحدي في الجبل، مع بقايا المراية المتناثرة على الأرض. لكن ما كنتش لوحدي فعلًا. حسيت بوجود الشبح، أقرب من أي وقت قبل كده. فجأة، شفت ضباب أسود بيتشكل حواليا، الضباب ده كان بيتحرك بسرعة وبيشكل صورة، صورة نفس الشبح اللي كنت بشوفه في المراية، لكنه دلوقتي قدامي، بوضوح مرعب. كان أطول من البشر، وشه معالمه ضايعة ما بين الظلال، لكن عيونه… العيون دي كانت نفس العيون اللي شفتها في المراية، سوداء، فارغة، لكن مليانة شر.
اتكلم بصوت عميق ومخيف، صوته كان بيدخل في عقلي، بيهزني من جوا:
“دلوقتي، اتحررت… ومصيرك بقي معايا.”
ما قدرتش أتحرك، كنت متجمدة في مكاني. حاولت أجري، لكن رجلي ما كانتش بتتحرك. كأن في حاجة مسكتني، مش محسوسة، لكن قوتها كانت بتشلني تمامًا. الشبح ده كان واقف قدامي، بصلي بنظرة باردة، وحسيت وكأن روحي بتنسحب مني.
قال لي بصوت مرعب: “إنتِى السبب. لما كسرتي المراية، فتحتى باب ما كانش لازم يتفتح. وأنا دلوقتي حر. لكن انتي هتبقي سجينتي.”
في اللحظة دي، كل حاجة في دماغي بدأت تتلخبط، ما بقيتش قادرة أفكر، وبدأت أشوف مشاهد قديمة، صور متقطعة من حياتي، لحظات مؤلمة، مخاوف دفنتها من زمان. كان بيغذي على خوفي، على ألمي. حاولت أصرخ، لكن ما فيش صوت بيطلع من حلقي.
فجأة، حسيت بحاجة غريبة، حاجة بتشدني من العالم ده لعالم تاني. كان في طاقة غريبة حواليا، زي دوامة بتسحبني ببطء ناحية الكيان. الدنيا حواليا كانت بتضلم أكتر وأكتر، والبرد بقى أشد، والهمسات في ودني كانت بتزداد رعب. حسيت إن النهاية قربت، وإن ما فيش مفر. لكن فجأة، افتكرت حاجة…
افتكرت كلام أمي زمان لما كانت بتحذرني من الحاجات القديمة، وافتكرت صوتها وهي بتقول لي إن التمسك بالإيمان هو الحل الوحيد ضد الشر. رغم خوفي، فضلت أردد أدعية في قلبي، كنت بتعلق بأي حاجة تحميني. الشبح بدأ يتراجع شوية، لكن ما كانش كفاية. كان لسه واقف قدامي، بس زي ما يكون في حاجة بتمنعه إنه يقرب أكتر.
في اللحظة دي، سمعته بيضحك ضحكة مخيفه وقال:
“إيمانك ضعيف… مش هتنقذي نفسك.”
لكن رغم الكلام ده، استجمعت آخر ذرة قوة فيا، وبدأت أقرأ بصوت أعلى. الدنيا حوالي بدأت تهتز، الأرض نفسها كانت بتهتز تحتي. الشبح بدأ يتراجع أكتر، لكن ما اختفاش. كل ما كنت أزيد في الدعاء، كان بيختفي جزء من الضباب حواليه، بس ما كانش بيختفي تمامًا.
وفجأة، سمعت صوت من بعيد، زي ما يكون حد بينادي عليا، صوت كان دافئ وحقيقي، مش زي الهمسات اللي كانت بتلاحقني. كان صوت أمي! الصوت كان بيقولي:
“ميار، قاومي، ما تخافيش. إيمانك هو السلاح الوحيد ضد الشر.”
حسيت بدفء غريب، زي نور صغير بينبعث جوايا، وده أعطاني القوة أكمل. فضلت أردد الأدعية، لحد ما الشبح بدأ يتلاشى ببطء، وكأن النور اللي جوايا كان بيطرده. وفي اللحظة الأخيرة قبل ما يختفي تمامًا، سمعته بيقول:
“لسه ما خلصتش… لسه هرجع.”
وبعدها اختفى الضباب، والأرض هدأت، وكل شيء رجع لطبيعته.
رجعت البيت وأنا منهارة تمامًا، جسدي متعب وروحي منهكة. كنت متأكدة إن اللي حصل مش مجرد كابوس أو هلوسة. كان حقيقي، وكل لحظة منه كانت محفورة في ذاكرتي. حاولت أعيش حياتي بعد كده بشكل طبيعي، لكن الرعب اللي عشته فضل يطاردني في كل لحظة. كل ليلة، كنت أحس إن في عينين بترقبني من الضلمة، وكل مرة كنت أفتكر كلام الشبح إنه هيرجع.
مرت شهور وأنا بحاول أرجع لحياتي الطبيعية، لكن الرعب كان ملازمني في كل تفصيلة من يومي. كل ما الليل يدخل، كنت بحس بنفس البرد اللي ضربني يوم ما كسرت المراية. ساعات كنت أصحى على صوت خطوات في الشقة، خطوات هادية لكن تقيلة، وكأن في حد بيتحرك وبيراقبني.
في ليلة من الليالي المظلمة، وأنا واقفة قدام المراية بتاعتى العاديه، حسيت بالكيان أقرب من أي وقت مضى. البرد كان بيلف المكان، المراية كانت بتعكس ضباب غريب. فجأة سمعت صوته، لكن المرة دي كان أوضح، كأنه بيكلمني بشكل مباشر:
“ميار، أنا عندي عرض ليكي.”
تجمدت في مكاني وسألت بتوتر:
“عرض؟ إيه هو العرض؟”
رد الشبح بصوت هادي لكن مشبع بالرعب:
“أنتِ عارفة إني عندي القدرة على كشف الغيبيات. أقدر أخليكي تعرفي كل أسرار الناس، كل مخاوفهم، ومستقبلهم. لكن في المقابل، أنا عايز حاجة منك.”
قلبى كان بينبض بسرعة، وأنا بدأت أفكر في إيه اللي ممكن يطلبه. قلت له وأنا مترددة:
“إيه اللي عايزه مني؟”
رد عليا بصوت فيه قوة غريبة:
“أنا عايزك تقبلي الزواج مني. تكوني ملكي للأبد. لو وافقتي، هخليكي أشهر قارئة طالع في المدينة. الناس هتيجي من كل مكان عشان يعرفوا مصيرهم، وهتقدري تكسبي فلوس كتير جدًا. لكن الثمن هو إنك هتبقي ليّا… وبس.”
الصدمة شلتني. فكرة الزواج من كيان مش بشري كانت أكبر من قدرتي على الاستيعاب. بس في نفس الوقت، العرض كان مغري جدًا. القدرة على معرفة الغيب، التحكم في مصير الناس، والمال اللي ممكن أكسبه من الموضوع ده… كل ده كان بيشدني ناحية الموافقة.
فضلت واقفة للحظات، وأنا بفكر في اللي بيتعرض عليا. الشبح كان منتظر إجابتي، وصوته الهادي كان بيغرق المكان:
“قرري يا ميار. إما تقبلي وتبقي ملكي، أو ترفضي وتعيشي في الرعب اللي مش هيخلص.”
في اللحظة دي، حسيت إن عندي اختيارين بس: يا إما أعيش في خوف مستمر، أو أقبل العرض وأتحكم في قوة مخيفة، لكن مقابلها هخسر حياتي الطبيعية.
وبكل تردد، قلت بصوت واطي:
“موافقه.”
في اللحظة اللي قلت فيها الكلمة دي، حسيت ببرودة غير عادية بتغمرني. المراية اهتزت، وكأن الكيان دخل فيها بالكامل. سمعت همساته بتقول:
“دلوقتي… انتي بقيتي ليَّا، وأنا هخليكي تشوفي اللي مفيش حد غيرك يقدر يشوفه.”
ومن هنا بدأت الصفقة. كل ما حد ييجي عشان يعرف مصيره، الكيان كان بيديني الإجابات، وأنا كنت بترجم ده للناس مقابل الفلوس. كنت بشوف كل حاجة: المستقبل، الماضي، والمخاوف اللي مستخبية في قلوبهم. لكن مع كل مرة، كنت بحس إن حياتي بتبعد أكتر عن الطبيعي، والشبح بيقرب أكتر من روحي، كأنه بيسحبني ليه ببطء.
وفي كل مرة أخلص جلسة قراءة الطالع، كان ييجي لي في الليل ويقول:
“متنسيش يا ميار، أنتي بقيتي ملكي… ومهما كنتي بتعملي، هفضل معاكي للأبد.”
ومرت الأيام، وأنا بعيش تحت سيطرة الكيان. كانت الحياة ظاهريًا بقت سهلة جدًا، الناس كانت بتجيلي من كل مكان، وكل واحد منهم كان عايز يعرف مصيره، أو خايف من حاجة في المستقبل. الفلوس بقت تتدفق عليا بشكل غير طبيعي، والشبح كان بيديني كل المعلومات اللي عايزاها، وكأن عنده قوة غير محدودة.
لكن في نفس الوقت، كل جلسة كنت بعملها كانت بتسيبني مرهقة أكتر من اللي قبلها. كنت بحس إني بخسر جزء من نفسي في كل مرة. وجوايا كان في خوف بيكبر، خوف من إن النهاية اللي مستنياني مش هتكون مجرد فلوس وسلطة.
وفي ليلة من الليالي، بعد ما خلصت آخر جلسة في اليوم، حسيت بوجود الشبح جوا الغرفة بشكل أقوى من العادة. المراية اللي كانت دايمًا المكان اللي بيظهر منه، بقت مضيئة بضوء غريب، ضبابي وساحر.
صوته جالي زي ما تعودت، بس المرة دي كان فيه نبرة مختلفة، نبرة مليانة سيطرة وسخرية: “دلوقتي بقى وقت الوفاء بالوعد، يا ميار.”
حسيت برجفة باردة بتجري في جسمي، وعرفت إنه الوقت اللي كنت خايفة منه جاي. قلتله بصوت متهدج: “وفاء بوعد؟ أنت مش لسه واعدني بالقوة والسيطرة؟ إيه اللي عايزه تاني؟”
الشبح ضحك ضحكة شيطانية، ورد عليا بصوت عميق: “أنتى نسيتي يا ميار… أنا وعدتك بالقوة، بس دلوقتي أنتي ملكي. ودلوقت جاي عشان تبقي بتاعتي للأبد.”
الضباب اللي حواليا بدأ يشتد، وبقيت محبوسة في دوامة من الخوف والرعب. فجأة، لقيت نفسي قدام المراية، والشبح بدأ يظهر قدامي بكل وضوح، شكله كان مرعب أكتر من أي مرة قبل كده. عيونه كانت زي هاوية من السواد، وجسمه كان ضبابي، لكنه ثابت وكأنه بيقترب مني بخطوات محسوبة.
ابتدى يمد إيده، وحسيت ببرودتها وهي تلمس إيدي. كان شعور مميت، وكأن البرودة دي بتسحب مني كل طاقتي وكل قوتي. صوته كان بيهمس في ودني: “استعدي يا ميار… الزفاف قرب.”
كنت مرعوبة جدًا، لكن في نفس الوقت كنت عاجزة. كل قوة كنت فاكراها عندي، كل سيطرة ظننت إني حصلت عليها، اتلاشت قدام الرعب ده. كان واضح إن الكيان ده كان بيلعب بيا طول الوقت، وإنه كان مخطط لكل حاجة.
ومع كل لحظة، كنت بحس إني بغرق أكتر في الظلام اللي بيحيط بيا. ووسط الضباب، سمعت همسات الكيان بتتردد في أذني: “مهما هربتي، مهما حاولتي، أنتي ليَّا… للأبد.”
في اللحظة اللي المراية اتحطمت فيها، حسيت إن العالم اللي حواليا كله بيتكسر. بس الشبح ما كانش هينسحب بالسهولة دي. وقبل ما أستوعب اللي بيحصل، الضباب اللي كان بيحيط بيه ابتدى يتجمع حواليا بسرعة، زي دوامة بتسحبني لجواها. الصوت المخيف بتاعه اتغير وبقى مليان غضب وسخرية: “فاكرة إنك هتهربي؟ الصفقة لسه ما خلصتش، وأنتي ملكي للأبد.”
حاولت أصرخ، لكن صوتي ما كانش بيطلع، وكأن كل حاجة فيا اتجمدت. جسمي كان بيتهز بعنف وأنا بتسحب ناحية المراية المكسورة، اللي بقت زي بوابة مظلمة، بتفتح عشان تبلعني. حاولت أتمتم بالآيات اللي كنت بحتمي فيها، لكن الشبح ما ادنيش فرصة. الضباب غطى فمي، وكأن بيخنقني، وأنا بحاول أقاوم بكل قوتي.
في اللحظة دي، حسيت بإيدي وهي بتتشد جوا المراية. كانت باردة زي الجليد، مش قادره أتحكم فيها. وكل ما حاولت أقاوم أكتر، كل ما حسيت إني بتسحب أكتر وأكتر. الضباب بقى زي السلاسل اللي ملفوفة حوالين جسمي، ومهما حاولت أفكها، ماكانش في فايدة.
الشبح ظهر قدامي بوضوح للمرة الأخيرة، ضحكته كانت مرعبة: “معركتك انتهت يا ميار… دلوقتي أنتي بقيتي جزء مني للأبد.”
وأخيرًا، آخر حاجة شفتها كانت المراية وهي بتبلعني بالكامل. الغرفة كلها اختفت، الدنيا اتحولت لضلمة تامة، وصوتي اختفى في العدم. مابقاش في غير صمت بارد، ونور خافت جاي من المراية اللي ابتدت تلمع تاني، لكن المرة دي من غيري.
كانت دي نهايتي. ماكانش في هروب. الصفقة اللي وافقت عليها كانت ثمنها حياتي وروحي. والشبح اللي كان بيسكن المراية بقى المسيطر… وأنا بقيت أسيرة جواه، للأبد.
توحفه