رواية نور الروح الفصل الحادي عشر
لما كنا صغيرين
منزل نور 2009
في داخل حديقة المنزل دار هذا النقاش بين نور و محمود
نور بنبرة غاضبة … يعني إيه يا محمود رافض إني أشتغل إحنا مكنش دا إتفاقنا
محاولا تهدئة الموقف … لا يا نور لما يكون مكان محترم مش هقول حاجة .
ولازلت نبرتها غاضبة يعني أيه مكان محترم دي شركة صاحب والدي
محمود … نور إنتي لسه طالبة إنتي واخده بالك من دا
– طيب وإيه المشكلة في دا
وقد بدأ حدة صوته تزيد … بصي يا نور أنا رافض مبدأ إنك تنزلي الشغل وسط شباب أنا متربتش علي كدا .
نور ولازلت صوتها يحمل غليان الغضب … دا علي أساس إني نازلة إشتغل فين أنا بقولك شركة محترمة ملك صاحب والدي وأنا مهندسة ديكور تحت التدريب وبعدين ما أنا كل السنين اللي فاتت كنت بنزل أشتغل في الأجازة فين بقي الأزمة .
محمود وقد أرتفع صوته غاضياً … أنا الأزمة يا نور أنا رافض فكرة نزولك الشغل السنين اللي فاتت أنا مكنتش فيها مكنش ليا علاقة بيها لكن دلوقتي أنا برفض دا .
– طيب يا محمود أنا شخصيه مستقلة ومتعودة من وأنا في انجلترا إني بشتغل في الأجازة .
محمود وقد وصل لموقف معه الي درجة الغليان .. .. يوووو يا نور كل شوية لما كنت في إنجلترا كل حاجة اكلمك فيها تردي عليا لما كنت في انجلترا إنتي عايشة في مصر بقالك خمس سنين المفروض تكوني عرفتي كل حاجة هنا والأهم من دا إحنا مع بعض بقلنا سنة دلوقتي المفروض تكوني عرفتي طبعي وفهمتي كويس مافيش شغل يا نور ودا أخر كلام عندي .
ويصمت كل منهما وفي داخله حمم من بركان غاضب
تمر الدقائق وكأنها ساعات من شلال الغضب علي كل منهما
ليقطعها محمود بنفس نبرة الغضب
نور …. إيه ردك
– وبصوت مقتضب غاضب أنا مش مواقفة علي كلامك يا محمود .
يسود الصمت مره أخري علي الحوار ليكون سيد الموقف
يتحرك محمود من علي كرسيه
أنا ماشي يا نور
ودون ان تنطق نور يتحرك محمود ويذهب وفي داخله بركان من الغضب
وفي داخل منزله جالسا علي الاريكة ممسكاً هاتفه كان هذا الحوار ما بينه وبين ساره شقيقته
مالك يا حبيي مكشر ليه كدا إنت زعلان مع نور صح .
متنهدا في نبرة تحمل مشاعر الغضب في أرجاءها :أ ه يا ساره هطق مش قادر حاسس أنه عقلي هيشت من الغضب .
مربته علي كتفيه … طيب أهدي بس
خرجت كلماته كبركان غاضب … مش قادر نور بجد عنيده جداً أنا مش عاوز أكمل .
– طيب يا حبيبي إنت دلوقتي في لحظه غضب وبعدين أهدي كدا وأحكلي الحكاية.
ويبدأ محمود في سرد ما حدث
بصي يا سارة نور عاوزة تنزل تشتغل في شركه مقاولات كمهندسة ديكور تحت التدريب والشركة مافهاش بنت عاوزة تنزل وسط عمال كلهم رجالة وأنا مش مستحمل دا .
بنبرتها الهادئة الامومية .. ونور طبعا مصممة تنزل وإنت رافض فزعلتوا مع بعض .
– بالضبط هي رافضة نقاش كل ما اكلمها تقولي أنا اتعودت علي كدا طيب أنا مش متعود علي كدا أنا بجي علي نفسي كتير جدا ومقدر أن نور مش مصرية ولحد اللحظة دي مش عارفه تتاقلم علي العيشة هنا بس أنا برضه راجل ودمي حامي مش مستحمل هي فاهمة أن دا تحكم مني بس دا خوف أنا مش عاوز أتحكم في نور أنا خايف عليها وبحبها
ساره بإبتسامة هادئة … طيب جينا لمربط الفرس بتحبها واللي بيحب حد بيهدي كدا علشان نربط الدنيا بعضها ونور بتحبك …
وفي نفس التوقيت في منزل نور
نور جالسة الي مكتبها تكتب في دفتر خواطرها الذي يمثل بنسبه لها أكثر من صديق تحكي معه بما يجول بكل ما في خاطرها من ألم ووجع عيونها لا تتوقف عن شلال الدموع
تسطر
كان نفسي تفهمني لو كنت بس حضتني بروحك ليه كل مرة نزعل فيها تهدد بالبعد مع إنك عارف إنك مش هتبعد بس الكلمة بتقتل وبتوجع وبتخوفني .
أنا مش بعرف أقول الكلام دا ليك يا محمود أتعودت أكون قوية حتي أدامك
بس علي الأقل بكتبه مع نفسي وأنا عارفة إنك عمرك ما هتقري كلامي دا.
تغلق نور دفتر خواطرها وتتجه الي سريرها لترتمي في أحضانه بين دموعها محاولة إدعاء النوم وكما هو حال النوم لا يفارق الوجع في مكان ليكون الأرق نصيبا لها ولمحمود في الجهه الأخري .
وفي منتصف الليل يقطع الظلام والسكون وإنهمار دموعها جرس هاتفها الخلوي لتجد أن المتصل محمود
بلهجه هادئة تحمل الحب يأتي صوته مساء الخير يا حبيتي صحتك من النوم .
بنرتها العذبة حاملة عتاب مخفي .. مساء الخير يا محمود لا أنا صاحية منمتش لسه .
– كنتي بتعيطي صح
نور تحاول مقاومة إنهمار دموعها وتخفي صوتها .. لا عادي .
مرتسما علي شفتيه إبتسامه حبها الصافي : طيب وحشتني
تظل صامتة للحظات ما بين شوقها له وعتابها الداخلي يقطع شرودها مكملا حديثه :
أنا موافق علي فكرة علي الشغل مقدرتش أسيبك تنامي زعلانة بس مش هتشتغلي في الشركة دي.
بنبره تحمل علامات الاستغراب . .. مش فاهمة
يصوت دافئ محتضا روحها … طيب قومي إغسلي وشك الأول وإرجعي علشان أنا عارف إنك كنتي بتعيطي أنا يمكن عصبي شوية وبتغابي بس مش بستحمل أشوفك زعلانة يا نور .
تذهب نور لغسيل وجهها وتعود في أقل من دقيقة وقد تبدلت نبرة صوتها من البكاء الي فرحة طفلة صغيرة .
تواصل الحديث .. معاك يا محمود .
وبكلمات تحمل الابتسامة بين أطرافها .. يا رب دائما معايا يا نور لأخر لحظة في عمري .
وقد إرتسمت علي وجه حبيته بسمة روح واسترد هو في تكملة كلامه … بصي يا نور إنتي عارفة أنا عندي مكتب المفروض أجهزه السنة دي وأنا فعلا بدأت التجهيز فيه فأنا بقي قررت يا حبيتي إنك تبقي شريكتي في المكتب بشغلك زي ما هتكوني شريكة حياتي .
ولازلت تحمل نفس الابتسامة … بجد بس كدا أنا هبقي علي قلبك في الشغل والبيت .
– دا يوم المني يا نور…. موافقة .
ضاحكة .. أفكر
– طيب براحتك أروح أشوف شريك تاني بقي .
وبصوتها العذبة الذي يحمل ضحكة روحها
الصافية … إنت ما هتصدق ولا إيه .
وبنرة صادقة .. لا طبعا أنا بحبك يا نور ومش عاوز يفضل بنا زعل .
وكأن صوتها يحتضنه … أنا بحبك ومستحملتش لما هددتني بالبعد .
يسترد حديثه … حقك عليا يا نور أنا لما بتعصب بخرج عن شعوري أوعدك إني اتحكم في نفسي بعد كدا…. يلا بقي يا حبيتي نامي بدري علشان من بكرة هننزل نوضب المكتب مع بعض وبما إنك مهندسة ديكور شطورة تحت التدريب فديكورات المكتب دا علي ذوقك .
-إتفقنا يا مستر محمود .
محمود … حلوة مستر دي طالعة من بوقك زي العسل .
نور.. مش إنت المدير بتاعي يبقي مستر محمود .
طيب يلا يا أستاذة نور علشان الساعه 10 الصبح أنا عازم نفسي علي الفطار معاكي وبعدين نبدأ شغل .
وفي الصباح كان محمود يقف أمام فيلا نور
تستيقظ نور علي صوت الهاتف لتجده المتصل
-صباح القمر .
بصوت نائم ملائكي … صباح الفل يا حبيبي .
– قومي يلا يا جميلة من سريرك وإفتحي الشباك .
نور بصوت متكاسل ,,, ليه في إيه الساعه كام .
-الساعه 9 الصبح أنا مش قولتلك عازم نفسي علي الفطار عندك .
نور…طيب هو إنت تحت .
– إفتحي الشباك وإنتي تعرفي يلا قومي وإنتي معايا.
تقوم نور من سريرها لتفتح نافذة الغرفة
لتجد محمود قد قام بتزيين سيارته باالعشرات من البالونات وفي كل بالونة منهم
محفور كلمه بحبك يا نور .
تفرك نور عيونها في سعادة وكأنها ما بين حلم وحقيقة تحاول التأكد إنها قد استيقظت فعلا .
في أقل من عشر دقائق كانت نور تجلس بجوار محمود في سيارته مرتدية فستان منقوش عليه ورود مفرحة مثل فرحة قلبها في تلك اللحظة .
كان هذا اليوم لا ينسي لكل منهما لحظات من السعادة تمني كل منهم أن تدوم الي الأبد .
ذهبا لتناول الإفطار معاً ومحمود لا يترك يد نور من يديه وكأنه طفل صغير مرتبط بحضن أمه يلوم نفسه في كل لحظة علي تفكيره في فراقه لنور .
بعد الإفطار ذهبا الي شقه المكتب لتراها نور لأول مرة.
في داخل شقة المكتب ولا تزال خالية من أي تجهيزات حيث أنه لم يمضي علي تخرج محمود من كليته أكثر من إسبوعين .
نور … محمود المكان حلو إزاي لحد دلوقتي مبدأتش توضب فيه .
محمود ممسكا يديها … كان قلبي حاسس إنك هتشاركيني بذوقك في توضيبه .
بضحكة تحمل مداعبه طفلة .. إضحك عليا إضحك .
ناظرا الي عيونها الرزقاء … ومن عمق روحه العاشقة ترتسم كلمة بحبك بنرات صوته .
بوصتها الدافئ تحتضن يديه بتشبث … وأنا مقدرش علي زعلك يا محمود أنا عارفة إنك امبارح لما قولت أنا مش قادر أكمل كدا مكنتش بتقصد كدا فعلا .
بنبرة معاتبة … حقك عليا بس يا نور أنا حاسس إنك لحد النهاردة مش قادره تتأقلمي حتي عليا ولا نظام حياتي .
– واحدة واحدة عليا إعتبرني بنتك وبتعلمها الحياه على إيدك أنا أستحق منك كدا .
محمود … حاضر يا حبيتي وأنا معاكي العمر كله …ها بقي قوللي هنختار إيه ألوان المكتب أنا لسه لحد دلوقتي مافيش حاجة في دماغي .
وبدون تفكير … أبيض وأسود .
بننزره تحمل الدهشة وبعيون باسمة أشمعني اللونين دول طيب ما تخليها رمادي.
متنهده بصوت فرح علشان دي أنا يا محمود يا أبيض يا أسود معرفش أكون رمادي .
محمود يرمقها بنظره حب وضحكة تخرج من أعماق قلبه… بتحطي شخصيك جوه الديكور .
– بالضبط أنا معرفش أكون علي الحبل يأما أبيض يا أسود مفيش تالت .
مبتسم علي فلسفتها في كل موقف … حلوة الفلسفة بتاعتك دي وأنا همشي كلامك كل الدهان هيبقي أبيض والفرش أسود ومش بس كدا أنا كمان إتفقت مع العمال هيشتغلوا من بكرة في دهان المكتب.
إنتي شايفة هو كل اللي محتاجه دهان اللون الأخير ويلا يا مهندسة نور علشان نروح نشتري الفرش للمكتب يعني إسبوعين بالضبط والمكتب دا يكون جاهز .
وأول مشروع المكتب بتاعنا هيمسكوا هو شقتنا إيه رأيك بقي .
نور بضحكة مرتسمة علي عيونها ومرسومة علي ملامح روحها … وبصفتي شريكتك في مشروع شقتنا فأنا برضه هختار أبيض وأسود ألوان ليها .
ضاحكا ….فارضة روحك في كل الديكور
بضحكتها العذبة التي لا تفارفها .. إيه مش عجبك ؟
محمود متنهدا ليخرج الكلام من داخل أعماق قلبه ليلمس قلبها .. أنا بعشق روحك .. روحك هي الدوا لكل الألم يا نور .
وان الأرواح كالسيل المتدفق حتى ساحل بحر الروح انقطعت عن كل ما تعرف صارت مؤتنسة بالبحر
شمس الدين التبريزي