“رواية تَعَافَيْتُ بِكَ”
“الفصل الثالث والعشرين”
__________
“حُسنكِ أغوى تائبٌ عن الحب..وفي لقاكِ ينبض القلب”
__________
الحب هو أن لا تخاف وأنتَ وسط بحر من الظلمات، أن تُسلم قلبك لقلبٍ أخر يعتني به، فيكون ذلك القلب لقلبك السكن والسكينة والمسكن.
في صباح اليوم التالي، كانت «خديجة» مستيقظة في غرفتها بعد ليلة هاجرها النوم بها، لم تستطع تفسير ما تشعر به، كل تلك المشاعر التي داهمتها بقوة نتيجة حديثهما سويًا، وليلة الأمس بأكملها، تنهدت بعمقٍ ثم إبتسمت وخرجت من غرفتها لكي تتوضأ وتصلي صلاة الصبح، وقفت أمام المرحاض ظنًا منها أن «أحمد» هو الذي بالمرحاض، فُتح الباب فجأة ولكنها تفاجأت بـ «طه» يقف أمامها وينظر لها مُتفحصًا، خشيت نظرته لها فأخفضت بصرها بسرعة كبيرة حتى تتحاشى النظر له فيصيبها الخوف، بعد تفحصه لها قال بنبرته الجامدة:
“أنتِ رجعتي إمتى إمبارح؟”
شحب وجهها من نبرته الجامدة، ومن طريقة إلقاء سؤاله ولكن ما أنقذها هو صوت والدتها حينما أتت مُسرعة من المبطخ وأجابته قائلة بثبات:
في إيه يا طه ما قولتلك رجعت بعد ما أنتَ نمت علطول”
زاره الحرج من سؤاله وطريقته التي خرجت جامدة بعض الشيء ، لكنه حمحم بإحراج ثم قال:
“أنا مش قصدي حاجة يا زينب، أنا بطمن عليها بس، عن إذنكم”
ألقى حديثه، وفر من أمامهن، أما «زينب» ربتت على كتف إبنتها بهدوء وهي مبتسمة ثم قالت:
“أنتِ خايفة ليه يا خديجة؟ ياسين دا جوزك والناس كلها عارفة يعني مفيش حاجة عيب ولا حرام”
أومأت لها «خديجة» في هدوء، ثم دخلت المرحاض وهي تشعر بالتوتر والخجل تحديدًا من حديث والدتها عن «ياسين» فهي فهمت أن والدتها تُشير إلى فعلته بالأمس.
تناول والدها وجبة الإفطار ثم ذهب مع أخوته العمل، أما «خديجة» بعد صلاتها، بدأت في مساعدة والدتها في العمل بالبيت كعادتها، وبعد قليل صدح صوت جرس الباب، توقعت أنه «وليد» وبالفعل كان هو، دخل بمرحه المعتاد ، رحبت به «زينب» ثم قالت:
“إيه طارق مديكم إعفا ولا إيه النهاردة ؟ أنا قولت هتصحوا من الفجر”
إبتسم لها ثم قال:
“لا مش لدرجة إعفاء، كل الحكاية إنه راح يوصل عبلة الكورس، وهيروح بعدها الشركة وأنا وأحمد هنروح وراه”
أومأت له «زينب» وقبل أن تجلس بجانبه، تحدث «وليد» قائلًا:
“لأ أنتِ هتقعدي ولا إيه؟ جهزيلي فطار أنا وأحمد، أمي نايمة ومحدش فطرني”
إبتسمت له ثم قالت بحماس:
“بس كدا ؟ أنتَ تؤمر يا حبيب قلبي، واحلى فطار لعيون ليدو حبيب زينب”
نظرت لهما «خديجة» بسخرية ثم قالت:
“والله؟ مانا من الصبح قدامك وعمالة أروق مشوفتش حتى بوق مياة؟”
نظر لها «وليد» بإستفزاز قائلًا:
“والله لما يبقى إسمك وليد نبقى نفطرك”
مسكت «خديجة» الوسادة الموضوعة على الأريكة بجانبها وضربته بها، بينما «زينب» ضربت كفًا بالأخر ثم تركتهم ودخلت المبطخ، وبمجرد دخولها نظر «وليد» في أثرها ثم قال:
“تعالي أقولك بقى عملت إيه في مُشيرة إمبارح بعد ما مشيتي أنتِ و ياسين”
جحظت عيناها للخارج ثم قالت بحماس:
“أحكي بسرعة عملت إيه؟”
أومأ لها ثم شرع في قص ما قام بفعله مع عمته.
______________
في نفس الوقت إستيقظ «ياسين» من نومه على صوت هاتفه، قام من فراشه وتحمم في مرحاض غرفته، ثم قام بتأدية صلاة «الصبح»، ثم جلس بعدها يتضرع إلى الله سبحانه وتعالى ولكن ذكرها هي «خديجة» كان الغالب في الدعاء، فبدون أن يشعر وجد نفسه يدعو لها بصلاح الحال وأن يجعلها خير زوجة له وأن يقربهما سويًا في طاعته.
بعد تضرعه لله، خرج من غرفته ثم تناول وجبة الإفطار مع والديه تحت نظرات الخبث منهما على وجهه المشرق المرتسم عليه بسمة عذبة، كما أن هذه لم تكن عادته تناول الفطار صباحًا، فتحدث والده بخبث قائلًا:
“دا صحيح الحب بيغير يا زُهرة، هو بقى فاتح شهية الأيام دي؟”
وبنفس نبرة الخبث ردت عليه «زُهرة»:
“بتقول كدا ليه يا رياض ؟ ولا قصدك يعني على إن فيه ناس بقت تفطر وتغني؟”
كل هذا الحديث الدائر و «ياسين» يتصنع التجاهل، لأنه يعلم أن الحديث عائد عليه، فسأله والده مُستفسرًا بخبث:
“متعرفش يا ياسين دا إيه دا ؟”
نظر له «ياسين» بخبث قائلًا:
“لأ يا رياض معرفش دا إيه، مش أنتَ حبيب قديم وفي الكار دا بقالك كتير قولي أنتَ بقى دا إيه”
رد عليه «رياض» بِفطنة:
“دا الحب يا ياسين ومتنكرش علينا، علشان أنا حافظك، اللي أنتَ فيه دا أول حاجة بعد دقة قلبك للحب”
إبتسم «ياسين» ثم قال:
“بالظبط كدا يا رياض اللي أنا فيه دا حب، ومش هنكر علشان أنا نفسي مش مصدق إن ممكن كان يجي يوم وأحب حد كدا”
إبتسمت «زُهرة» ثم قالت:
“ياولا دا أنتَ حتة مني وأنا عارفاك وعارفة كل حاجة فيك، ربنا يسعدك ويجبر بخاطرك”
إبتسم «ياسين» على حديثهما ثم ألقى تحية الوداع عليهما وذهب إلى مقر عمله.
وعلى الجهة الأخرى في شقة «خديجة» قام «وليد» بـ قص ما فعله على «خديجة» التي شهقت بقوة مما فعله بعمته ثم قالت بحنقٍ:
“ليه كدا يا وليد؟ ليه تعمل كدا، إفرض زعلت”
نظر لها بسخرية ثم قال:
“أنتِ عبيطة يا خديجة؟ ما تزعل عادي ماهي نفسها قالت إنها بتكرهك وبتكره أمك، وإمبارح كان كل همها إن تحرجك قدام ياسين بس هو بقى طلع ناصح وعرف يسكتها”
تنهدت براحة ثم قالت:
“ربنا يهديها يا وليد، علشان دي حاجة متفرحش إن عمتي يبقى بيننا وبينها صراع كدا”
وقبل أن يجيبها خرجت «زينب» بالفطار، وأتى بعدها «أحمد» وتناولوا الفطار جميعهم، وبعد ذلك غادر كلًا من «أحمد» و «وليد» معًا، وجلست «خديجة» برفقة «خلود» أختها، وثوان وصعدت «سلمى»، كانت «خديجة» جالسة تتصفح صفحته الشخصية على موقع الفيسبوك بعد أن قام بإرسال طلب لها، كانت تتجول في صفحته وهي تبتسم دون إرادة كلما رأت صوره الشخصية، وتعلقياته مع أصدقائه، وما لفت نظرها هو تعلقه الشديد بهم وكثرة صوره برفقتهم.
كان هناك أزواج من الأعين تراقبها وتراقب بسمتها وهي أعين «خلود» و «سلمى»، وأول من نطقت منهن كانت «سلمى» حينما قالت:
“إلحقي يا خلود، دا في ناس بقت بتضحك وهي بتبص في التليفون”
إنتبهت «خديجة» لجملتها فقامت بإغلاق الهاتف ونظرت لها ثم قالت:
“خير يا سوسة في إيه؟ أؤمري”
ردت عليها «سلمى» وكأنها لم تفعل شيئًا:
“مالك يا خديجة بس هو حد جه جنبك ولا داسلك على طرف”
ضيقت «خديجة» أهدابها وهي تنظر لها ثم قالت:
“طيب يا سلمى أنا هسبهالك و أدخل أوضتي، علشان تكونوا براحتكم”
تلك المرة نطقت «خلود»:
“علشان إحنا برضه اللي نكون براحتنا ؟ على العموم الله يسهلك يا ستي”
نفخت «خديجة» وجنتيها ثم غادرت إلى غرفتها، جلست لتُكمل تصفحها، وبعد قليل تنهدت بعمقٍ ثم ضغطت موافقة على قبول طلبه، وبمجرد قبولها، وجدت رسالة منه محتواها:
“كل دا علشان تقبليني عندك؟ للدرجة وجودي تقيل؟ مكانش عشمي يا قبولي الوحيد”
ضحكت على كلماته وهي تتوقع شكله أثناء قوله ذلك، ولكنها كتبت وهي تبتسم:
“معلش بقى خليها عليك”
إبتسم هو على الجهة الأخرى ثم كتب لها:
“أنا لو علشانك أخلي الدنيا كلها عليا”
إبتسمت مرةً أخرى ثم كتبت:
“شكرًا”
قام بإرسال رمز تعبيري من التطبيق رافعًا أحد حاجبيه مما يدل على حنقه، بينما هي إتستعت إبتسامتها أكثر ثم أرسلت له:
“دا إيه دا إن شاء الله ؟”
إبتسم ثم أرسل:
“لأ ولا أي حاجة، بتقوليلي أكتر كلمة سخيفة بسمعها في حياتي”
إبتسمت أكثر ثم أرسلت:
“معلش خليها عليك يا هندسة”
أرسلت جملتها ثم أغلقت التطبيق وهي تتنهد براحة كبيرة، أما هو إتسعت ضحكته نتيجة رسالتها الأخيرة، ثم عاد لينغمس في عمله من جديد.
___________
كان «طه» جالسًا في عمله وهو يفكر في «خديجة» و ردود أفعالها تجاهه وتجاه لمسته، فهي دائمًا تخشاه وتخشى وجوده في نفس المكان، حتى نظرتها له دائمًا تحمل الذعر منه.
عاد بذاكرته إلى زمنٍ بعيد، حيث يوم كانت العائلة بأكملها مُجتمعة
(مُنذ عدة سنوات)
كانت «خديجة» تريد اللعب مع فتيات العائلة ولكن «هدير» رفضت رفضًا قاطعًا فهي منذ صغرها تكره «خديجة» نظرًا لأنها كانت أكثر الفتيات خُلقًا في العائلة منذ صغارها، بعد رفض «هدير» لـمشاركة «خديجة» في اللعب، جلست «خديجة» تبكي وحينما لاحظت الدُمية الخاصة بـ «هدير» مُلقية على الأرض، اقتربت منها وأخذتها تلعب بها، لكن بعد قليل إقتربت منها «مُشيرة»و قامت بتخريب الدُمية، ثم بعد ذلك قامت بإجماع العائلة وهي تقول:
“مينفعش كدا يا طه، مش علشان مش هتلعب معاهم يبقى تبوظ اللعب بتاعتهم، كدا غلط وبنتك كدا مش متربية يا طه”
كان كلامها جارحًا لدرجة كبيرة لم يستطع «طه» تحملها، فصرخ بوجه «خديجة» قائلًا:
“أنطقي يا خديجة وقولي بوظتي العروسة ليه؟”
حركت رأسها نفيًا وهي تبكي ثم قالت:
“والله ما أنا يا بابا عمتو هي اللي بوظتها”
صرخت «مُشيرة» بوجهها قائلة:
“يعني مش بس قليلة الأدب وكمان بتكدبي عمتك، شوفلك حل معاها يا طه، ومتسبهاش لزينب وتفتكر إن بنتك هتتربى كويس”
صرخت بها «خديجة» قائلة:
“أنتِ اللي بتكدبي مش أنا، والله أنا معملتش حاجة”
وضعت «مُشيرة» يدها في خصرها ثم قالت بحنقٍ:
“وهو أنتِ هتجيبي البجاحة من برة يعني طالعة لأمك”
وقبل أن تعقب «خديجة» وجدت صفعة قوية تنزل على وجهها من أبيها، إرتمت على الأريكة من قوة الصفعة وصرخت بأعلى صوتها، إقتربت منها «زينب» وهي تبكي وضمتها بقوة، فقالت «خديجة» من بين شهقاتها:
“مش أنا…مش أنا والله يا ماما، هي عمتو”
وعند جملتها الأخيرة سحبها «طه» من حضن والدتها ثم قام بجرها خلفه، تبعته العائلة بأجمعها وهو لم يبالي بما يدور خلفه، أخذها للجهة الأخرى ثم فتح الغرفة المُظلمة ووضعها بها وكأنه يلقي جثة على الأرض، صرخت «زينب» بقوتها، وحينما إقتربت من الباب لكي تُخرج صغيرتها، أوقفها قائلًا:
“عندك يا زينب، أنا هسيبها لحد ما تتربى، وتتعلم الأدب ومتكدبش الأكبر منها”
إقتربت منه «زينب» وهي تبكي قائلة:
“أبوس إيدك خرجها،دي عيلة يا طه لسه”
صرخ بملء صوته قائلًا:
“عيلة بس عاوزة تتربى يا زينب، العيلة دي بتكدب عمتها قصادنا، هي هتفضل هنا لأخر الليل، ولو عاوزة تخرجيها، يبقى أخر ليلة تشوفيها فيها وساعتها مش هتشوفي عيالك تاني”
بكت «زينب» بقوة وهي تنتحب بشدة، وكانت «خديجة» تفعل المِثل في الداخل، وحينما لم يرد عليها أيًا من الواقفين بالخارج، صرخت تستنجد بـ «وليد» وهي تقول:
“علشان خاطري أفتحلي يا وليد قوله إني معملتش حاجة”
كان «وليد» يبكي بجوار والدته وحينما سمع إسمه ركض لكي يحررها من الغرفة،لكن «طه» أوقفه قائلًا:
“بس يا وليد ملكش دعوة، ولو دخلت تفتحلها مش هخليك تشوفها تاني أنتَ كمان”.
خرج «طه» من شروده، وكان أخر صوت سمعه قبل أن يفيق من ماضيه:
“يا ولـــيــد علشان خاطري إفتحلي”
هز رأسه بقوة وكأنه يخرج من قوقعة زكرياته بذلك، ثم بعد ذلك مسح دموعه الهاربة من بين أهدابه، رآه «مرتضى» أخيه ورآى حالته تلك، فإقترب منه وهو يقول:
“مالك يا طه في إيه؟ شكلك متضايق”
زَفر «طه» ثم قال:
“مفيش يا مرتضى كنت مخنوق شوية بس”
جلس «مرتضى» مُقابلًا له ثم ربت على كتفه وهو يقول:
“أحكيلي مالك بس يا طه، شكلك مرهق أوي ، أنا أول مرة أشوفك كدا”
أخذ «طه» نفسًا عميقًا ثم قال:
“خديجة يا مرتضى، صعبان عليا أوي إن بنتي هتتجوز وتسبني وهي بتكرهني، وفي نفس الوقت مش قادر ألومها أنا اللي غلطان وسلمت عقلي لمشيرة”
تبدلت نظرة «مرتضى» له ثم قال بعنف:
“ومين السبب في الكره دا يا طه مش أنتَ، مين اللي علطول يعاقب ويزعق ويتعصب ويعلي صوته، وبعدين لما وعرفت إن أختك هي السبب، خوفت اللي كررته مع خديجة تكرره مع خلود، فبقيت تعامل أختها أحسن منها، مبتشوفش محمود و محمد بيعاملوا بناتهم إزاي؟”
أومأ له «طه» ثم قال بنبرة حزينة:
“أنا عارف كل دا يا مرتضى، بس أهيه هتمشي وهي كرهاني يا مرتضى، بنتي بمسك دراعها خافت مني واتمسكت بإيد جوزها”
بكى بعد حديثه ذلك، فإحتضنه «مرتضى» ثم قال:
“متزعلش نفسك وإبدأ من جديد يا طه، متسبهاش تمشي من بيتك وهي بتخاف منك، مينفعش تسيبها تروح بيت واحد تاني وهي مش عارفة إن بيت أبوها هو اللي هترجعله لو في حاجة مزعلاها”
أومأ له «طه» ثم قال:
“معاك حق يا مرتضى”.
________________
إنتهى اليوم في عمل «ياسين» وبعد الإنتهاء من عمله ذهب إلى المقهى التي يجلس عليها برفقة أصدقائه، جلس في إنتظارهم، ثم أخرج هاتفه يتفحصه وتحديدًا قام بفتح الرسائل الخاصة به ثم أرسل لها:
“على فكرة بقى أنا مضحوك عليا في الجوازة دي، يعني فين رسايل قبل الشغل ورسايل بعد الشغل، لأ أنا كدا عاوز تجديد عقد”
وصلتها الرسالة وهي جالسة وسط أمها و شقيقتها تشاهد التلفاز، تفحصتها ثم إبتسمت وهي ترسل له:
“على فكرة بقى أنا مش بحب الرسايل دي ولا بحب الشات أصلًا”
إبتسم ثم أرسل لها:
“حلو يعني أجي أتكلم وش لـ وش وأنا بتلكك أساسًا”
إتسعت إبتسامتها ثم أرسلت:
“طيب يا سيدي الله يكرمك باللي نفسك فيه”
أرسل لها يُشاكسها:
“مانا بكلم اللي نفسي فيه كله أهوه، مش عاوز حاجة تانية”
أرسل جملته ثم أرسل نفس الرمز التعبيري الذي يعبر عن غمز بطرف العين.
إبتسمت ثم أغلقت الهاتف وهي تشعر وكأن الدماء تسيل على وجنتيها من شدة الخجل، كل هذا كانت تراقبه «خلود» و «زينب» والبسمة والنظرات الخلثة متبادلة بينهما، وبعد قليل وصلها إشعار أن «ياسين» قام بإرسال رسالة لها على موقع الفيسبوك، وكانت عبارة عن:
“يا أخي الواحد يفضل على الثبات لحد ما يقابل رموش مبيرحموش، وعيون قتالة متراعيش الحالة؛ فيتهز”
شعرت بالإحراج والخجل معًا، ولم تجد مفرًا سوى الهروب لغرفتها تحت نظرات التعجب من «زينب» و «خلود» وقبل أن تتحدث «خلود» تحدثت «زينب» قائلة لها:
“سيبيها متحرجيهاش يا خلود”
نظرت لها «خلود» بحنقٍ ثم قالت:
“ليه كدا يا ماما ما تخليني بس أنكشها، مش عيب”
نظرت لها بضيق وهي تقول:
“ملكيش دعوة بيها يا خلود، هي أصلًا عمرها ما كلمت حد في التليفون غير وليد وكان بيطلب منها أكل علشان مروة مش بتكون عملاله أكل، سيبيها علشان تتعود على وجوده”
أومأت لها «خلود» ولم تتحدث، بينما «خديجة» في الداخل كانت تنصهر خجلًا من مما قام بكتابته، ظلت تقضم أظافرها بقوة ، بينما كان هو متوقعًا حالتها تلك، فقام بإغلاق الهاتف وهو ينتظر أصدقائه.
وبعد قليل أتى «عامر» وهو يبتسم بإتساع،جلس مقابلًا لـ «ياسين»،نظر له «ياسين» يتفحصه ويتفحص فرحته ثم قال:
“خير يا أستاذ عامر الضحك من الودن للودن ليه؟”
إتسعت إبتسامة «عامر» أكثر من ذي قبل ثم قال:
“كل الحكاية إن سارة ربنا كرمها وكلمتني علشان نحدد معاد الفرح، أنا دلوقتي حاسس إني ماسك النجوم في إيدي يا ياسين”
لم يستطع «ياسين» تمالك فرحته بصديقه، فاقترب منه وأخذه بين أحضانه وهو يقول بصوتٍ مليءٌ بالمرحِ:
“مبروك يا جحش هتتجوز ونفرح بيك”
وفجأة إقترب منهما «ياسر» و «خالد» وصدح صوت الاخير قائلًا:
“خيانة عامر وياسين، من غيرنا طب كنتم أستنوا الحضن يبقى جماعي”
وفور انتهاء جملته وجد «ياسر» يحتضنه وهو يقول:
“متزعلش نفسك يا خالد أنا موجود”
ضحك الجميع وجلس البقية، فقال «ياسر» بهدوء:
“فهموني سر الحضن دا إيه علشان مقلقش”
ضحك «خالد» و «عامر»، بينما «ياسين» رد مُجيبًا إياه:
“أصل عقبال عندك سارة وعامر هيحددوا معاد الفرح خلاص”
فرح البقية وقاموا بتهنئة أصدقائهم، بينما «ياسر» قال لـ «خالد»:
“إيه رأيك لو نحدد معاد فرحنا إحنا كمان يا خالد”
رد «خالد» مُتعجبًا:
“فرحكم أنتَ ومين؟”
ضحك «عامر» ثم رد متدخلًا:
“يعني هيكون فرحه على الست الوالدة، أكيد فرحه على أختك بطل غباء”
أومأ له «خالد» ثم قال:
“آه، أنا لو عليا نفسي والله أخلص من إيمان، بس لسه ناقصها حاجات كتير وأختي رخمة أساسًا”
رد «ياسر» عليه:
“يا عم أنا عاوزها من غير حاجة، هاتها بس وملكش دعوة”
هز «خالد» كتفيه ثم قال:
“والله هشوفها كدا، ولو تمام هرد عليك ونحدد معاد الفرح”
صفق «ياسر» تصفيقًا حارًا بينما نظر له أصدقاءه بدهشة، وبعد مدة من الصمت تحدث «عامر» قائلًا لـ «ياسين»:
“وأنتَ يا عم قيس بن الملوح، هاكل الجاتوه بتاعك إمتى”
ضحك الجميع على لقبه لـ «ياسين»، بينما «ياسين» رد عليه:
“وعد مني في نص قاعة فرحي لأطفحك الجاتوه بإيدي دي لحد ما تقول إكتفيت”
إنتشرت الضحكات بينهم جميعًا، وبعد ثوانٍ رن هاتف «خالد» برقم زوجته، قام بالرد عليها مُبتسمًا، وبعدها قامت «إيمان» بمهاتفة «ياسر» قام بالرد عليها، وبعدها «سارة» قامت بمهاتفة «عامر» جلس «ياسين» ينظر لهم وهو يتمنى أن تهاتفه هي مثلما فعل زوجات أصدقائه، ويبدو أنها علمت بما يفكر وقامت بمهاتفته، لم يستطع إخفاء فرحته فقام بالرد عليها سريعًا ثم قال:
“هو أنا حظي حلو، ولا العيون القتالة بقت تراعي الحالة”
إبتسمت على جملته ثم قالت بهدوء:
“لأ أنتَ عادي ولو حظك حلو مش هيجمعك بيا يعني”
إختفت إبتسامته ثم قال:
“لأ يا خديجة، أنا حظي حلو علشان جمعني بيكِ، لو الحياة دي أرزاقها متقسمة على ٢٤ قيراط، فأنا بجانب حظي في شغلي وصحتي وصحابي وأهلي، ربنا كرمني بـ ٢٤ قيراط تانيين وهما وجودك في حياتي يا خديجة”
زادت ضربات قلبها نتيجة حديثه الذي يحمل معه من اللُطف الكثير، وبعد ثوانٍ من الصمت تحدثت قائلة:
“المهم أنا عاوزة أقولك إني عاوزة أقابل الدكتورة هناء، علشان…علشان نبدأ العلاج”
إبتهج وجهه ثم قال:
“بجد يا خديجة يعني مستعدة إنك تقابليها خلاص، أنا مكنتش عاوز أضغط عليكِ تاني”
أومأت برأسها كأنه يراها ثم قالت:
“أنا مش عاوزة أفضل خايفة، مش عاوزة أعيش كدا، عاوزة أحس إني مطمنة فعلًا، نفسي أعيش الحياة اللي فاتتني دي”
صمتت تأخذ نفسًا عميقًا ثم أضافت قائلة:
“وكمان عاوزة أبدأ اللي جاي معاك من غير ما أكون خايفة، علشانك أنتَ كمان وعلشان محسش بالذنب ناحيتك”
إبتسم لها ثم قال:
“لو أنا بقيت من ضمن الحاجات اللي بتفكري فيها، صدقيني دا كدا من أحسن الحاجات اللي حصلتلي في حياتي”
إبتسمت على حديثه ثم قالت بهدوء:
“تصبح على خير يا ياسين”
أغلقت هاتفها ثم إرتمت على فراشها وهي تفكر في حديثها وقرارها، بينما هو عاد لينغمس مع أصدقائه في الحديث، ولكن تلك المرة بإبتسامة أكثر إشراقًا ووجهٌ مبتهج عما كان عليه قبل مكالمتها.
________________
مر ثلاثة أيام على مكالمتهم تلك،كان «ياسين» في الأيام السابقة يهاتفها صباحًا و مساءًا، قبل الذهاب لعمله، وبعد العودة منه، حتى إنه أحيانًا يقص عليها تفاصيل يومه ،أما هي كانت تشعر في تلك الأيام كأنها فراشة أضحى لها جناحات، وفي يوم أثناء حديثه معها باغتها بقوله:
“خديجة المفروض نروح لدكتورة هناء بكرة جاهزة”
على الرغم من خوفها من الفشل ومن والدها، إلا إنها إستجمعت جزء من شجاعتها وقالت:
“جاهزة يا ياسين”
إبتسم ثم قال:
“تمام بكرة هكون عندك، علشان نروح سوا”
اغلق هاتفه معها، وبعدها بثوانٍ وجد «ياسر» يهاتفه قام «ياسين» بالرد عليه لكنه يبدو عليه الضيق فقال:
“مالك يا ياسر شكلك مخنوق؟”
زفر «ياسر» بعمقٍ ثم قال:
“إيمان يا ياسين مش عاوزة تحدد معاد الفرح دلوقتي بتقول إن في حاجات كتير نقصاها”
تكلم «ياسين» بحكمته المعتادة:
“طب إديها كام شهر يا ياسر بس تكون جهزت نفسها”
تحدث «ياسر» بضيق قائلًا:
“هي مش عاوزة السنة دي أصلًا”
سأله «ياسين» مُستفسرًا:
“ليه يا ياسر؟”
زفر «ياسر» بقوة ثم قال:
“بتقول إنها نفسها في حاجات كتير في جهازها ، وبتقول كمان إنها مقدرة ظروفي وظروف خالد
ومش عاوزة تضغط حد فينا”
قال «ياسين» مُتفهمًا:
“متقلقش يا ياسر، إحنا نتقابل ونظبط الدنيا سوا”
شعر «ياسر» بالراحة فقال:
“ربنا يخليك ليا يا ياسين، أنا كلمتك علشان أنتَ العاقل،لو كنت كلمت خالد كان عصبني ، ولو كلمت عامر كات موتني”
إبتسم «ياسين» وهو يقول له:
“متقولش كدا إحنا أخوات، وإن شاء الله ربنا هيكرمك ويجمعكم سوا”
أغلق مع صديقه ثم عاد إلى عمله مرة أخرى لينهيه.
______________
في شركة أحفاد آلـ «الرشيد»، كان الأربع شباب برفقة «حسن» يجلسون سويًا، وأول من تحدث كان «أحمد» حينما قال:
“الحمد لله المطبعة كلمتني النهاردة، الناس استلمت التصميمات كدا أنا عملت اللي عليا وإشتغلت أهوه”
نظر له «طارق» بفخر ثم قال:
“على فكرة أنا مبسوط منك أوي علشان قررت إنك تروح وتتعامل أنتَ، دي خطوة كويسة منك، حتى الناس كلموني وقالولي إن أسلوبك معاهم كويس”
إتفق معه «وئام» وهو يقول:
“أيوا كدا إرفع راسي متعملش زي وليد بالله عليك”
ضحك «حسن» بملء صوته ثم قال:
“أنا مش متخيل إن عيلة الرشيد فيها واحد عاقل غير طارق، وبصراحة أنا قولت أحمد دا هيودينا في داهية بس خالف كل توقعاتي”
أومأ «طارق» وهو يضحك ثم قال:
“أنا بصراحة كنت خايف أنا كمان بس أحمد طلع راجل، المهم بالمناسبة دي كلكم أجازة بكرة علشان الكام اللي عدوا علينا عملنا مجهود فيهم”
صفق الجميع وخرجت أصوات الفرحة بينما «طارق» أوقفها قائلًا:
“ماعدا وليد يجي يمسح الشركة وإحنا مش هنا”
نظر له «وليد» بوجهٍ ممتعض، ثم قال:
“نعم ليه بقى إن شاء الله، مانا عوضت اللي أنا عملته، وبعدين أنا بكرة أجازة، علشان من حقي أزور خطيبتي اللي أنتَ مانعها عني دي”
ضحك الجميع على حديثه فتدخل «وئام» قائلًا:
“خلاص يا طارق بقى خليها عليك المرة دي”
أومأ «طارق» ثم بضيق:
“ماشي يا وليد، وأنا هخليك تقعد مع خطيبتك، بس أنا هكون موجود علشان تحترم نفسك”
إبتهج وجه «وليد» ثم قال:
“يا عم إقعد في النص معانا المهم أشوفها ولا حتى أكلمها”
ضحك الجميع، بينما «حسن» وقف قائلًا:
“طب هستأذن أنا بقى علشان عاوز أنام، وورايا غسيل”
تبدلت نظرة الجميع إلى نظرة حزينة، فرد عليه «وئام»:
“وأنتَ تفضل لوحدك ليه يا حسن، روح يا بني أقعد مع أختك زي ما طلبت منك، جوزها بيحبك زي إبنه وأنتَ علطول تحكيلي كدا”
أطاح له «حسن» برأسه وهو يقول:
“يا عم سيبك الواحد مش بيرتاح غير في بيته بصراحة”
رد عليه «طارق» مُعقبًا:
“دا لما يبقى بيت يا حسن، مش سجن ذكريات أنتَ قافل على نفسك فيه من ساعة اللي حصل دا، ليه يابني”
هز كتفيه وهو يقول:
“مش بإيدي يا طارق هي كانت مالية عليا حياتي آه أنا حبيتها بعد الجواز، بس هي برضه متتعوضش، وحاولت أنساها بس مش قادر، وبعدين مين اللي بيتكلم يعني”
فهم «طارق» ما يشير إليه «حسن» فقال:
“على رأيك شوف مين بيتكلم”
رحل «حسن» من مقر العمل عائدًا إلى بيته، وفعل مثله بعد قليل شباب آلـ «رشيد»، ركب «أحمد» مع «وليد» في سيارته، وركب «طارق» سيارته، أثناء قيادة «طارق» شرد في ماضٍ بعيد
(منذ عدة سنوات)
عاد «طارق» راكضًا من مدرسته إلى البيت و «وئام» خلفه، كانا في أخر سنوات المرحلة الابتدائية ، دخل البيت مُهللًا وهو يقول:
“يا ماما أنا قفلت الإمتحان أهو ، اليوم كله هلعبه مع جميلة، مليش دعوة”
وبعد جملته تلك نظر حوله وجد «مُشيرة» ممسكة بالخطاب في يدها، و«فاطمة» زوجة عمه جالسة بجانبها، فإقترب من والدته وسألها مُستفسرًا:
“هي عمتو مالها يا ماما وجميلة فين؟”
أخذته والدته بين أحضانها ثم قالت:
“إطلع نام يا طارق دلوقتي ولما تصحى هقولك”
هز رأسه ثم قال:
“لأ جميلة قاعدة مع طنط زينب فوق هطلع لها، ألعب معاهم و وئام كمان هيجي معايا”
أنهى جملته فوجد «مُشيرة» تصرخ به قائلة:
“زينب هي اللي ضيعت منك جميلة يا طارق، زينب هي اللي قالت لحسان وخد بنتي ومشي، جميلة اللي أنتَ بتحبها وبتلعب معاها مش موجودة يا طارق”
خرج من شروده حينما وصل أمام البيت، أوقف محرك السيارة ثم مسح دمعة فرت من عينيه، بعد ذلك مسح وجهه بكلتا يديه، ليُمحي أثار استياءه، نزل من السيارة ودخل البيت وقف يطلب المِصعد، نزل المصعد له لكنه تفاجأ بـ «زينب» أمامه، إبتسمت له ثم قالت:
“إزيك يا طارق يا حبيبي عامل إيه، هو أحمد مجاش معاك”
نظر لها بضيق ولم يجيب على سؤالها، ثم تركها وصعد إلى شقته على قدميه, أما هي تنهدت بعمقٍ ثم قالت:
“منك لله يا مُشيرة ، حتى الواد كرهتيه فيا”
وقبل أن تخرج من البيت وجدت «أحمد» يركض من «وليد» وضحكاتهم مرتفعة، إختبأ «أحمد» خلفها وهو يقول:
“حاسبي يا زوزو وليد عاوز يغرقني بالعصير”
نظرت لهما بحنقٍ وهي تقول:
“أنا بقول تكبروا بقى علشان كدا عيب، إحنا مش ساكنين هنا لوحدنا، معانا جيران ومحدش في البيت كله بيطلعله صوت زيكم، وبعدين طارق جه قبلكم كنتم فين؟”
حمحم «وليد» قائلًا:
“معلش يا زوزو بقى كنا بناكل كبدة على العربية بس إيه حاجة عظمة السندوتش بـ ٢ جنيه أغلى حاجة عند الراجل”
حاول كتم ضحكته بعد جملته تلك،أما هي نظرت لهما بتقزز وهي تقول:
“حاجة عظمة وبـ ٢جنيه؟ جتكم القرف”
أوشكت على الخروج من البيت لكن «أحمد» أوقفها قائلًا:
“طب أنتِ رايحة فين دلوقتي؟”
أجابته دون أن تلتفت له:
“ياسين جوز أختك جاي بكرة، ومش موافق يتغدى معانا، هجيب أي حاجة نقدمهاله علشان لما يجي”
قالت جملتها ثم تركتهم وخرجت من البيت، بينما «وليد» إقترب من «أحمد» وهو يقول له:
“هي مالها يا أحمد حد زعلها؟”
هز «أحمد» كتفيه ثم قال:
“وأنا هعرف منين مانا كنت معاك”
أومأ له «وليد» ثم صغعه بقوة وركض على درجات السلم، بينما «أحمد» صرخ عاليًا وهو يقول:
“وربنا ما هسيبك يا وليد”
_________________
إنتهى اليوم بأكمله على الجميع ، وفي اليوم التالي كلما تذكرت «خديجة» حضوره للبيت خشيت أكثر وزاد توترها، لكنها كانت تصرف ذلك التوتر في ترتيب البيت ظنًا منها أنها بذلك تبعد التفكير عن رأسها.
في مقر عمل «ياسين» كان منغمسًا في إحدى الرسومات الهندسية أمامه، لكنه توقف حينما صدح صوت هاتفه عاليًا بمكالمة جماعية من أصدقائه، إبتسم ثم قام بالرد عليهم، فأول من تحدث كان «ياسر» حينما قال:
“جهز نفسك علشان هنتقابل سوا في القهوة بليل”
زفر «ياسين» ثم قال:
“مش هينفع النهاردة يا ياسر، ولو رجعت هرجع متأخر”
تدخل «خالد» قائلًا:
“ليه إن شاء الله وراك إيه”
حمحم «ياسين» ثم قال:
“ورايا مشوار مهم مع خطيبتي، مش هينفع آجله”
صدح صوت «عامر» عاليًا وهو يقول:
“اللهم صلي على النبي، ياسين بقى بيقول خارج مع خطيبتي، لأ دي معجزة”
ضحك «الجميع» عدا «ياسين» الذي قال بحنقٍ:
“أهو أنا مكنتش عاوز أقول علشان لسانك دا”
تبدلت نبرة «عامر» إلى نبرة تشبه صوت الفتيات وهو يقول:
“يعني لو قولتلك أنا ولا مراتك يا ياسين هتختار مين فينا؟”
بدون تفكير أجابه «ياسين» قائلًا:
“مراتي ومن غير تفكير طبعًا”
إرتفع صوت ضحكاتهم فتحدث «خالد» قائلًا:
“شكلك وحش أوي يا عامر، متتكلمش تاني بقى”
رد عليه «عامر» معقبًا:
“خليه يا خالد، سيب الحلو على هواه، وبكرة أنا هديله على ققاه”
ضحكوا جميعًا على جملة «عامر» فقال «ياسين» ينهي المكالمة:
“خلاص بقي روحوا شوفوا وراكم إيه، وأنا هحاول أخلص مشواري بدري وأجيلكم”
_____________
في بيت آلـ «رشيد» كان «وليد» جالسًا برفقة «عبلة» و «طارق» في شقتهم وبعد مشاكسته لهما وقف قائلًا:
“طيب أنا مضطر استأذن علشان ياسين جاي وعمي طه نش موجود وأحمد لوحده مش هيعرف يتصرف”
تحدثت «عبلة» بصوت مليء بالفرح:
“جماعة أنا فرحانة ليها أوي بجد، شوفتوا كان بيقول عنها إيه ، والله عمري ما كنت أتخيل إن خديجة حد يحبها كدا، ودا مش تقليل ليها، لأ علشان هي مش بتفتح قلبها لأي حد”
وافقها «طارق» قائلًا:
“أنا أحترمتوا فعلًا بعد كلامه دا أكتر بكتير، وحسيت للحظة كدا إنه يستحقها”
وبعد جملته تلك وقف «طارق» مقابلًا لـ «وليد» ثم قال:
“أنا عاوز أطلع معاك لطنط زينب يا وليد”
نظر كلًا من «عبلة» و «وليد» له بتعجب، بينما هو قال:
“اقعد بس يا وليد وأنا هحكيلك عملت إيه”
جلسا الأثنين معًا فقام «طارق» بـ قص ما حدث منه لزوجة عمه، وبعدما أنهى حديثه قال:
“بس أنا بقى ساعتها كنت لسه فاكر اللحظة دي وإفتكرت كلام مشيرة، بس أنا عاوز أصالحها، علشان هي ملهاش ذنب إني أعاملها كدا”
أومأ له «وليد» ثم قال:
“الحكاية فيها جزء كبير ناقص يا طارق، واحنا برضه مش فاهمين حاجة، والدنيا دي كلها مش هتتظبط غير بظهور حسان”
وافقه «طارق» و «عبلة» في الحديث ثم قال «طارق»:
“طب يلا يا وليد، علشان ألحق أتكلم معاها قبل ما ياسين يجي”
في الطابق التالي إرتدت «خديجة» ثيابها وكلما تذكرت ذلك المشوار شعرت بالتوتر أكثر، فهي الآن ستواجه جزء كبير من ذكرياتها المريرة، ولكنها هدأن نفسها بقولها:
“إهدي إهدي هما شوية وخلاص”
ولكن توترها كان أكبر نها لتستطع السيطرة عليه، إنتبهت لصوت جرس الباب وخرجت من غرفتها ظنًا منها أن «ياسين» هو الطارق ولكنها تفاجأت بأبناء عمومتها، دخلت غرفتها مرة أخرى، بينما في الخارج تفاجأت «زينب» بوجود «طارق» أمامها مع «وليد» لكنها رحبت بهما قائلة:
“منورين يا حبايبي تعالوا ادخلوا”
دخلا الشقة سويًا، جلس «طارق» بينما «وليد» ظل واقفًا، تحدثت «زينب» قائلة:
“تشرب إيه يا طارق أنتَ من زمان مدخلتش هنا”
حرك رأسه نفيًا ثم قال:
“متتعبيش نفسك أنا بس جيت أعتذر عن موقفي إمبارح أنا آسف بس كنت متضايق شوية حقك عليا”
شعرت بالفرحة من حديثه فقالت:
“شكرًا يا حبيبي وأنا مش زعلانة منك، وإنك تيجي تعتذرلي دي بالدنيا عندي”
وقبل أن يجيبها طُرق الباب بواسطة «أحمد» و معه «ياسين»
تم الترحيب به من قبل شباب العائلة، وبعد قليل خرجت «خديجة» وجلست بعيدًا عنه نسبيًا بعدما ألقت عليه التحية، نظرًا لعلامات التوتر وزيادة نبضات قلبها التي أوشك على الوقوف من التوتر، حينما رآها على حالتها تلك قرر المغادرة بها ذلك المكان، وبالفعل إستأذن من الجميع وأخذها ونزل من البيت، ركبت السيارة بجانبه وهي صامته وتفرك كفيها ببعضهما، وبعد فترة من القيادة أوقف السيارة أسفل البناية التي تقع بها عيادة الطبيبة النفسية، التفت ينظر لها وهو يقول:
لو مش عاوزة أنا ممكن أروحك دلوقتي، بس بلاش نظرة الخوف دي يا خديجة”
حركت رأسها نفيًا ثم قالت:
“لأ أنا عاوزة أطلع ، عاوزة أعمل حاجات كتير خوفي مانعني منها”
كانت على وشك البكاء وهي تتحدث لكنه ربت على كفها يطمئنها ثم قال:
“وطبعًا مش محتاجة أقولك إن أنا معاكِ علطول”
أومأت له وهي تأخذ نفسًا عميقًا، نزل من السيارة ونزلت هي أيضًا، أمسكها من كفها الذي كان يرتجف بشدة نتيجة لتوترها، صعدا طابق العيادة سويًا، أخبرتهم موظفة الاستقبال أن هناك حالة بالداخل وهما بعدها، جلست «خديجة» تنظر للأرض وهي تشعر بآلام في معدتها، أما هو وكزها في كتفها ثم قال:
“بدل ما تبصي للأرض بصيلي أنا”
رفعت رأسها بعد جملته تلك فوجدته يغمز لها بطرف عينيه، شعرت بالخجل منه فأخفضت رأسها مرة أخرى ،لكنها رفعتها سريعًا حينما سمعته يقول:
“تعرفي يا خديجة إن الناس اللي بتغرق في البحر دول بيصعبوا عليا؟”
نظرت له مُتعجبة من حديثه فوجدته يقول:
“أصل فيه ناس هنا بتغرق في مكان أضيق”
تحولت نظرتها للإستفسار فوجدته يومأ لها وهو يقول:
“هما هناك بيغرقوا في البحر وأنا هنا بغرق في عينيكِ”
يُتَبَع