رواية تعافيت بك الفصل 36 ” الفصل السادس والثلاثون
كَم تَخيلتُ الجَمال مدينةٌ، مركزها بِعيناكِ، حُلوّها بيداكِ
سرت مشتتٌ بين الدروب، فأصبحتُ ممزقًا مليئًا بالثقوب، كشخصٍ هُزم في كل الحروب، وقلبه لم يعد كافيًا تملئه الندوب.
“خلاص يا جماعة متتعبوش نفسكم لقيناه وهو كويس أهوه”
إقتربت منه زوجته بعدما نظرت في أوجه الجميع فوجدت الحيرة بادية على وجوههم، ثم قالت بتعجب:
“بتكلم مين يا عامر؟ ومين دا اللي لقيتوه؟”
غمز لها بطرف عينه ثم قال بمرحٍ:
“دي وكالة ناسا، أصل سمعت خير اللهم اجعله خير إن القمر ضايع مش لاقينه، قولت أطمنهم عليه وأعرفهم أنه زي الفل قُصادي أهوه”
صفق له «خالد» و «ياسين» بينما «ياسر» أطلق صفيرًا عاليًا، أما «سارة» فأخفضت رأسها في خجلٍ وهي تكتم ضحكتها، تحت نظرات الدهشة والمرح من الجميع، جلس «عامر» بجانب«خالد» فوجده يربت على فخذه وهو يقول:
“لا جامد، أنا اتثبت والله، أبقى علمني يا فنان”
نظر له «عامر» بتعالٍ ثم قال:
“أبقى تعالى ليا كل جمعة أعلمك، بدل ما أنتَ صامت كدا”
عض «خالد» على شفتيه ثم قال بحنقٍ:
“ماشي يا أستاذ عامر، أنتَ تؤمر”
ألقت «سارة» التحية على الفيتات و «ميمي» ثم جلست بجانب زوجها الذي غمز لها ثم قال:
“وأنا مش هتسلمي عليا؟ ولا هو أنا معنديش إيد؟”
نظرت له ببسمة هادئة ثم قالت بنبرة خفيضة:
“طب أنا هبقى أسلم عليك، إهدا أنتَ بس”
إبتسم لها ثم قال بخبثٍ:
“آه، حاجة إسبشيال يعني، لأ حيث كدا يبقى نصبر”
إبتسم الجميع عليه بينما «خديجة» مالت على أذن «ياسين» وهي تقول له بصوتٍ منخفض:
“هو أنتم كلكم كدا، غاويين تثبيت؟”
نظر لها بفخرٍ ثم قال بنبرة خفيضة:
“طبعًا مش إخوات، عاوزانا نكون مختلفين عن بعض يعني”
قطبت جبينها ثم سألته مُستفسرة:
“أخوات؟! هو أنتم عارفين بعض من إمتى”
ضحك هو بنبرة عالية بعض الشيء ثم قال موجهًا حديثه لـلجميع:
“خديجة بتسأل نعرف بعض من إمتى، حد يجاوب على الذكريات دي”
إبتسم الجميع بينما «إيمان» تحدثت قائلة:
“ياه من زمان أوي، خالد وياسر صحاب من ساعة ما ياسر إتولد، وبعد كدا هما الأربعة اتجمعوا من أولى إعدادي سوا”
سألت «خديجة» بهدوء وطريقة مُهذبة:
“طب ممكن من فضلك تقوليلي إزاي، لو مش هتعبك يعني”
ضحك الجميع على طريقتها المهذبة، بينما «إيمان» رفعت حاجبها بحنقٍ ثم قالت:
“لأ البت دي مؤدبة أوي وأنا خُلقي ضيق، دي بتقولي من فضلك”
كانت نبرتها غير مُصدقة، نظرت «خديجة» حولها فوجدت الجميع مبتسمين، فإبتسمت هي الأخرى ثم سألت بنبرة حائرة:
“طب أقولك إيه طيب؟”
نظرت لها «إيمان» بشرٍ ثم قالت:
“تقوليلي يا إيمان إحكيلي حصل إزاي، تقوليلي ما تحكي يابت، تتكلمي و تاخدي راحتك كدا، ياسين غلبان وأنتِ غلبانة والدنيا دي هتفرمكم”
أومأت لها «خديجة» عدة مرات ثم قالت بخوفٍ:
“حاضر..حاضر والله”
تحدث «ياسر» بإنفعالٍ وهو يقول:
“إتهدي يا إيمان، خوفتيها الله يسامحك، اترزعي بقى”
ذهبت وجلست بجانبه بهدوء ثم قالت برقةٍ زائفة:
“بس كدا، أنتَ تؤمر يا ياسوري، من عيني الاتنين”
نظر لها الجميع بتعجب، حتى زوجها، فسألها مستفسرًا:
“خير يا رب مالك، أوعي تكوني ملبوسة والله العظيم أرجعك لخالد”
رد عليه«خالد» بصوتٍ عالٍ:
“إيـــه؟ ترجع مين ياض؟ أنسى يا حبيبي خلاص إحنا حجزنا القاعة”
ضحك الجميع عليه، بينما «إيمان» سألت زوجها بهدوء:
“قولي يا ياسر هنعمل شهر العسل بتاعنا فين؟”
تحدث «عامر» بسرعةٍ وهو يقول متدخلًا:
“شهر العسل، بقى هي الحكاية كدا”
نظر له «ياسر» فوجدها تجذب وجهه نحوها وهي تقول:
“ركز معايا وسيبك منه، هنعمل شهر العسل فين؟”
غمز لها «ياسر» ثم قال بخبثٍ:
“مينفعش أنا أعمل شهر عسل”
وضعت يدها في خصرها ثم قالت بضيق:
“ليه بقى إن شاء الله، فاكر نفسك سكر وهتدوب في المياه؟”
غمز لها مرةً أُخرى ثم قال بنفس النبرة الخبيثة:
“لأ، علشان أنا متجوز العسل كله”
صفق له «خالد» و «ياسين» أيضًا تحت نظرات الضحك من الفتيات والخجل من «إيمان» ،بينما «عامر» تحدث بضيقٍ زائف وهو يقول:
“لأ كدا هندخل على شغل بعض بقى”
تحدثت «ميمي» تسأله بضحكٍ وهي تقول:
“واد يا عامر، أنتَ صحيح لسه مصمم إن أم ياسين متحضرش الفرح؟”
نظر له «ياسين» بحنقٍ منتظرًا إجابته، بينما، «عامر» تحدث بجرأة وهو يقول:
“آه مصمم أم ياسين، بتتعاكس مننا، وبتيجي حلوة في الأفراح، مش ناقصة هي”
ضحك الجميع عليه، بينما «ياسين» وقف يُصفق بيده حتى يلفت أنظار الجميع له بعد حديث «عامر» ، وبالفعل نظر له الجميع بإندهاش، فقال وهو يهندم ملابسه:
“خبر حصري من ياسين رياض، عامر فهمي مطرود من البلد ليه؟”
________________
في بيت آلـ «الرشيد» تحديدًا في الطابق الأخير سحب «وليد» الأريكة الصغيرة وجلس عليها برفقة «عبلة» وهما يتابعا الفيلم سويًا، وبعد إندماجه مع الفيلم حتى نهايته نظر بجانبه وجدها غافية ورأسها ملقاه على كتفه، وممسكة بذراعيها في ذراعه و كأنها تخشى تركه، نظر لها متمعنًا بحب وكأنه غير مصدق وجودها بجانبه في تلك الحالة، ربت بكفه على وجهها ثم تنهد وعاد بذاكرته إلى ماضٍ بعيد.
(منذ عدة أعوام)
عاد «وليد» بملابسه ممزقة والدماء تنزف من فمه وأنفه وكان تحديدًا في أول المرحلة الثانوية، نظر له الجميع في العائلة بتعجب، وأول من تحدث مستفسرًا كان «وئام» حينما سأله بخوفٍ:
“مالك يا وليد، وإيه اللي عمل فيك كدا”
نظر له دون أن يتحدث، فنطق «طارق» هو الآخر بنبرة قلقة:
“يابني مين جه جنبك، إحنا أخواتك ننزل نجيب حقك”
تدخلت «مُشيرة» تقول بشماتة:
“هتلاقوه عاكس واحدة ولا ضرب حد في المدرسة، ماهو شيطان”
سأله والده بنفاذ صبر إثر حديث أخته:
“ما تنطق يا بني مين اللي عمل فيك كدا؟”
أغلق «وليد» جفونه بشدة ثم فتحهما بتروٍ وقال:
“فيه واحد عرفت إنه بيرخم على عبلة في الدرس، روحت ضربته”
شهق الجميع بتعجب، بينما «طارق» سأله بهدوء:
“وليه مجتش تقولي، ليه أنتَ اللي تتصرف من نفسك”
رد عليه «وليد» بضيق:
“أنا مش عيل صغير يا طارق علشان آخد رأيك، أنا راجل ودمي حر، وأي حد هيقرب من خديجة و عبلة هفرمه”
رد عليه «طه» بهدوء:
“طب الست خديجة أختك، عبلة بقى ليه؟”
بكل بساطة رد على عمه:
“بحبها و هتجوزها”
نظر الجميع إلى بعضهم البعض بدهشة، بينما «طارق» أمسكه من رسغه وهو يقول بضيق:
“أنتَ شكلك إتجننت، لِم نفسك يا وليد”
سحب «وليد» ذراعه بقوة من كف «طارق» ثم قال:
“أنا متجننتش، أنا بقولها في وش العيلة كلها عبلة أنا بحبها، وخديجة أختي والاتنين يخصوني هنا”
قام عمه «محمد» بهدوء وحكمة كعادته وقال:
“طيب طالما بتحبها يبقى تحافظ على سمعتها، وتحارب علشان تستحقها، وأنا وعد مني لو لقيتك تستحقها هجوزهالك بنفسي”
تدخل «طارق» بضيق وهو يقول:
“أنتَ بتقول إيه يا بابا، أنتَ بتساعده بدل ما تفوقه؟”
نظر له والده نظرة ذات مغذى وهو يقول:
“أنا شايف قدامي راجل، واتشرف إنه يكون لبنتي، بس هو يوعدني إنه يفضل راجل يستحقها”
إبتسم «وليد» لـ عمه ثم قال:
“وأنا أوعدك أني هعمل المستحيل علشان تكون ليا”
ربت عمه على كتفه بحب، بينما «مرتضى» تدخل يقول بمزاح:
“طب طالما بقى الكلام مع عمك، أبقى خليه يجوزهالك بقى، أنا مليش دعوة”
ضحك الجميع عليه، بينما «مُشيرة» تدخلت تقول بخبثٍ قاصدة إستفزاز «وليد»:
“والله حرام تجوزوه عبلة، هو فيه حد يطيق يعيش مع وليد”
شعر الجميع بالضيق بينما هو رفع حاجبه ينظر لها بسخرية ثم قال بنفس نبرة إستفزازها له:
“ليه شايفاني أسمي مُشيرة ولا إيه؟”
إتسعت حدقتيها بقوة، بينما «مرتضى» صرخ به قائلًا:
“ولــيــد، لم نفسك دي عمتك”
إقترب منها ينظر لها بإستفزاز أكثر ثم قال:
“أنا أسف، كنت بهزر يا..يا عمتو”.
عاد من شروده وهو يتنهد بعمقٍ ثم إقترب منها يطبع قبلة على وجنتها، بعد ذلك أخذها بين ذراعيه ثم قال بنبرة مسموعة وأعين مغرورقة بالدموع:
“مين كان يصدق إن بعد اللي شوفته دا كله تكوني ليا، بعد محاولة إنتحار، وإدمان، وبُعد عن البيت، أنتِ بين إيدي دلوقتي، عيشت طول حياتي مهزوم وحبك هو الوحيد اللي كان بينصفني يا عبلة، بكلمة منك النهاردة الروح رجعت ليا تاني”
نزلت دموعه رغمًا عنه حينما تذكر ما مر به في بداية فترة شبابه، فَرفع رأسه ينظر للسماء وهو يقول بنبرة باكية:
“شكرًا، على كل حاجة، شكرًا على كل مرة إفتكرت إنها النهاية وطلعت البداية لحاجة جديدة، شكرًا علشان الدعوة اللي كنت بدعيها ليل ونهار و كرمتني بيها”
نظر لها وهي غافية بين ذراعيه ثم قال بحب:
“سبحان من جعل قلبًا أصيب بالعمى عن الحب، يبصر برؤياكِ”
تنهد بعمقٍ ثم ربت على وجنتيها بهدوء حتى يوقظها، إستيقظت بهدوء وهي تنظر حولها وحينما رآته إبتعدت عنه بخوف وهي تقول:
“وليد؟ أنتَ بتعمل إيه هنا؟”
نظر حوله ببرود ثم قال بلامبالاة:
“هنا فين لامؤاخذة؟”
فعلت هي مثله ونظرت حولها، وحينما أدركت ما حدث، قالت بتلعثم:
“أنا..أنا أسفة معلش راحت عليا نومة”
إبتسم لها بسخرية ثم قال:
“لأ وعلى إيه تتأسفي بوظتي الليلة، الله يسامح أهلك”
نظرت على الطاولة فوجدت الأطباق فارغة، شهقت بقوة ثم قالت بحنقٍ:
“دا أنتَ ليلتك مش فايتة، أنتَ خلصت الحاجة؟”
حرك كتفيه بلامبالاة وقال بنبرة باردة:
“طب وفيها إيه الفيلم شدني، وبعدين هفضل أتفرج على معاليكي وأنتِ نايمة؟”
قالت بنبرة مُحبطة:
“طب ماهو أنتَ السبب، فضلت تتطبطب على راسي لحد مانمت”
نظر لها بسخرية ثم قال:
“أطبطب على راسك إيه؟ أنتِ فاكرة نفسك شمبانزي؟أنتِ اللي ماصدقتي رميتي راسك على كتفي وسافرتي”
زفرت بضيق ثم قالت:
“إيه النحس دا بس، دا أنا كان نفسي أعيش اليوم دا من زمان”
تنهد هو بعمقٍ ثم أخفض جزعه العلوي وأخرج حقيبة قام هو بتخبئتها أسفل مفرش الطاولة ثم قدمها لها وهو يقول بنبرة حنونة:
“أنا مقدرش أزعلك، ولا أقدر أشوف نظرة الإحباط دي في عينك، الحاجات دي زي اللي كانت على الترابيزة، المهم إنك متزعليش”
فرحت مثل الأطفال وأخذت منه الحقيبة وهي تتفحصها بينما هو ضحك عليها ثم وضع ذراعه عليها وهو يقول:
“كتب الكتاب دا طلع حلو أوي والله يا عبلة، إزاي مفكرتش فيه من أول مرة؟”
إبتسمت هي له ثم قالت:
“محدش عارف الخير فين، أنا عن نفسي عمري ما كنت أتخيل إن يجي اليوم اللي نكون فيه سوا مع بعض عادي كدا”
أومأ لها ثم قال:
“صح معاكِ حق، المهم يلا علشان ننزل قبل ما طارق ناره تطلع عليا”
أومأت له ثم وقفت وإحتضنت الحقيبة ثم ركضت إلى باب المصعد، نظر هو في أثرها بتعجب ثم قال:
“الحمد لله طلعت وارثة عِرق هطل من أمها، مخادتش عِرق خبث من عمتها”
قال جملته ثم حرك رأسه بيأس وهي يبتسم ثم ذهب لها حتى ينزلا سويًا.
___________________
ضحك الشباب حينما أنتهى «ياسين» من جملته، فحرك «عامر» كتفيه ببرود وهو يقول:
“عادي قول مفيهاش حاجة، كنت عيل صغير”
رد عليه «خالد» ببرود:
“طب حلو طالما مش فارق معاك يبقى يلا يا عم ياسين سمعنا”
نظر له «عامر» بسخرية وهو يقول:
“خليه يقول، زي ما أنا هقول خالد بملحق ليه، وإزاي أكبر مننا وقدنا في الدراسة”
تدخلت «ريهام» وهي تقول بنبرة مندهشة:
“إيه دا هو خالد كان بملحق؟”
أومأ لها «عامر» بقوة ثم قال بخبثٍ:
“ياريته ملحق بس، دا عايد سنة كاملة”
تحدثت «خديجة» بهدوء كعادتها:
“معلش حد يحكي يا جماعة ممكن؟”
حمحم «ياسين» ثم قال بحماس:
“أنتِ تؤمري يا خديجة، حالًا هنبدأ بـ عامر”
إحتل الحماس تلك الجلسة الونيسة، فتحدثت «ميمي» تقول بنبرة حماسية:
“أنا ممكن أدفع الباقي من عمري علشان أعرف عامر مطرود ليه من البلد”
رد عليها «عامر» ببرود:
“كلها هيبان دلوقتي، متدفعيش حاجة، وفري عمرك”
تجهز الجميع لسماع قصة «عامر» وقف «ياسين» في المنتصف ثم قال:
“بسم الله الرحمن الرحيم ، عامر كان عنده فرح إبن عمه في البلد، وطبعًا عمه عمدة الصعيد، وكان الأستاذ في تانية إعدادي، طلبوا منه يروح يجيب كبريت علشان أكل الفرح، بس اللي حصل كان مصيبة بكل المقاييس”
وجه بصره نحو «عامر» فوجده ينظر له بحنقٍ، أومأ له «ياسين» ثم قال:
“اللي جاي بقى مهم و عامر يحكيه”
نظر «عامر» حوله فوجد الجميع منتبهين له، أخذ نفسًا عميقًا ثم شرع في قص ما حدث منذ ماضٍ بعيد.
(منذ عدة أعوام)
كان «عامر» واقفًا وسط الصغار يشاكسهم في وهو يلعب معهم بعد غروب الشمس بقليل، وفجأة طلبه إبن عمه وهو يقول:
“واد يا عامر تعال هنا، عمك عاوزك”
ذهب له «عامر» بضيق ثم قال:
“خير، عاوز إيه؟”
أخرج إبن عمه أوراق مالية ثم أعطاها له وقال:
“روح هات كبريت علشان نلحق نعمل الأكل قبل الفرح بكرة”
نظر له «عامر» بسخرية وهو يقول:
“أنتَ عبيط؟ أنا مش من هنا، أعرف منين المكان؟”
أمسكه إبن عمه من كتفه بقوة ثم أشار له على الطريق وهو يقول بضيق:
“أها، الفلوس معاك، والطريق دا فـ أخره دكان صغير، هتلاقي هناك الكبريت”
أبعد «عامر» يده عنه بضيق ثم تركه وذهب من أمامه، ذهب للمكان وأخذ ما طلبه لكنه إندهش من حجم العلبة فوقف يسأل الراجل بإندهاش:
“عمو هو الكبريت دا كبير كدا ليه؟”
نظر له الرجل بضيق ثم قال:
“أمشي يا ولد من أهنيه، مش ناجصاك هيّ”
كانت لهجته صعيدية،مما جعل «عامر» يضحك رغمًا عنه، وقف الرجل حتى يعنفه، فـ ركض «عامر» وسط الأراضي الزراعية أمام المحل، نظر حوله فوجد الليل يسدل ستائره نظر حوله بتمعن أكثر فلم يجد ما يسعفه في ذلك الموقف، فأخرج عود ثقاب وأشعله ثم ألقاه وسط الأراضي الزراعية وحينما رآها تشتعل ضحك بإتساع لأن الطريق أصبح أكثر إنارة، أخذ الطريق بأكمله يُشعل أعواد الثقاب ويلقيها وسط الأراضي الزراعية، بالطبع الزرع لم يشتعل بمجرد عود ثقاب، ولكن الأرض كان بها قَش وهو ما ساعد في سرعة عملية الاشتعال، سمع «عامر» أصوات عالية خلفه، إلتفت ينظر وجد الرجال يركضون خلفه وسط النيران، بعدما أمسكت النيران في الزرع وإحترق، فـ ركض هو الأخر إلى بيت عائلته وعلامات الخوف بادية على وجهه.
(عودة إلى الوقت الحالي)
أنهى «عامر» حديثه فوجد الجميع يضحكون عليه بشدة حتى أن «ياسر» سقط من على الأريكة من كثرة الضحك، نظر لهم بحنق ثم قال:
“ها خلاص ضحك ولا لسه مكملين؟”
أوقفوا الضحك سويًا ونظروا له، ولم يمر سوى جزء من الثانية وإنفجروا جميعهم من الضحك حتى «خديجة» التي كانت تقهقه لأول مرة منذ أعوام بهذه الطريقة، نظر «ياسين» لها وشرد في ضحكتها فوجد نفسه يبتسم رويدًا رويدًا دون إرادة منه، إنتبه على سؤال «سارة» لزوجها بعدما أوقفت الضحك:
“طب معلش يا عامر، الأرض ولعت إزاي بالسرعة دي، والناس عملوا فيك إيه؟”
إبتسم هو أيضًا حينما تذكر ما مر به ثم قال:
“الأرض ولعت علشان كان فيه قش في الأرض وكان فيه جاز منقط مكان ماكنة ري الأرض، الناس بقى جريوا ورايا لحد ما وصلت بيت العيلة، وقفوا يصرخوا ويصوتوا ، عمي بقى دفع للناس تعويض بس هما شرطهم أني مروحش البلد دي تاني، ومن ساعتها مروحتش هناك غير في موتة عمي”
أوقفت «ميمي» الضحك ثم قالت:
“الله يسامحك يا عامر قلبي وقف من كتر الضحك كنت هموت”
نظر لها بإستفزاز وهو يقول:
“لأ بقولك إيه أنتِ قلبك واقف لوحده متجبيهاش فيا”
أقترب منه «خالد» يصفعه بقوة على رقبته من الخلف وهو يقول:
“بس يا غبي إخرس خالص، فضحتنا”
تدخل «ياسر» يقول بمرحٍ:
“أنا بقول تخرس أنتَ يا خالد، علشان عامر ميفضحكش”
حرك كتفيه وقال بلامبالاة:
“عادي مش باقي على حاجة، واحد سقط وخلاص، دلوقتي محاسب في شركة الفاروق، صحيح بالواسطة بس وصلت في الأخر”
ضحك الجميع عليه، بينما زوجته قالت بعناد:
“أنا بقى عاوزة أعرف أبو أبني سقط ليه”
نظر لها زوجها بقلقٍ زائف ثم قال:
“بلاش أنتِ تعرفي علشان لو عرفتي هتسيبيني”
نظرت له بإستفزاز ثم قالت:
“لأ مش هسيبك، أنا قاعدة على قلبك كدا كدا”
غمز لها بطرف عينه ثم قال بمرحٍ على غير عادته:
“براحتك كدا كدا قلبي بيتك و مطرحك”
شعرت بالخجل يحتاجها فدخلت الغرفة عند صغيرها، بينما هو ضحك على ردة فعلها لكنه تفاجأ حينما وضع «ياسر» ذراعه على كتفه وقال:
“طب ما أنتَ جامد أهو، أومال عامل فيها صامت ليه؟”
أبعد «خالد» ذراعه وهو يقول:
“إيدك بس يا حبيبي، وبعدين هو حلو ليكم ووحش ليا ولا إيه؟”
أتت زوجته من الداخل تحمل الصغير على ذراعيها بعدما إستيقظ مد «ياسين» ذراعه لها وهو يقول مُبتسمًا:
“هاتيه بعد إذنك، علشان وحشني”
إبتسمت له ثم أعطته الصغير وهي تقول:
“بلاش بالله عليك تحضنه علشان بينام في حضنك ويتعبني بليل”
إبتسم «خالد» بسخرية ثم قال:
“ماهو في حضن نبع الحنان كله، طبيعي ينام”
نظرت له «خديجة» وجدته يهدهد الصغير بين ذراعيه، وحينما فاق الصغير من إثر نومه أبتسم بإتساع حينما رآى «ياسين»، إبتسم «ياسين» أيضًا ثم قال وهو يهزه بين ذراعيه:
“أصحى يا معلم وفوق كدا سلم على خديجة، مراتي يا صاحبي”
كانت تنظر له بحب وأعين دامعة وهي ترى عطفه وحنانه مع الصغير، ومالفت نظرها كان حديث «ريهام» حينما قالت:
“ياسين و يونس دول تحسيهم عشرة عمر، والله ساعات مبعرفش أسكته وخالد ميعرفش يتعامل معاه، وأول ما ياسين يشيله يبقى زي ما أنتِ شايفة كدا”
أومأت لها «خديجة» بأعين دامعة ثم نظرت له مرةً أخرى وجدته يبتسم لها بإحراج، بينما «إيمان» تحدثت تقول بضيق:
“الواد دا هيطلع مضطرب نفسي، متربي على إيد خالد و ياسر و ياسين و عامر، متخيلين كوكتيل شخصيته، دا الله يكون في عون مراته والله”
ضحك الموجودين على حديثها، بينما «ميمي» أضافت قائلة:
“يونس دا هيكون مفيش منه اتنين، تخيلي شخصيته تكون قوية زي ابوه، و دمه خفيف زي عامر، وحنين زي ياسين، ورايق وهادي زي ياسر”
تحدثت «ريهام» بسرعة وهي تقول:
“بس يارب ميسقطش زي أبوه”
ضحك «عامر» بقوة ثم قال لـ «خالد» بسخرية
“كلم يا أبو ملحق”
تدخلت «ميمي» تقول:
“عامر و عرفنا مطرود ليه، خالد بقى سقط ليه؟”
نظر له «ياسين» بضحك ثم قال:
“مفي مفر يا صاحبي، لازم تحكي”
زَفر «خالد» بضيق حينما أيقن أنه لا يوجد مفرٍ، ثم قال بهدوء:
“أنا أكبر من التلاتة دول بسنة ونص كدا، ضاع عليا سنة في التعليم علشان مولود في أخر السنة، يعني دراسيًا المفروض أكون أكبر منهم بسنتين، المهم يعني وأنا في أولى إعدادي جبت ملحق إنجليزي علشان بكره المادة دي، يوم إمتحان الملحق بقى مروحتش”
تعجب الجميع مما قاله، فسألته «خديجة» بهدوء:
“طب إزاي مروحتش إمتحان الملحق”
ضربتها «إيمان» بقوة على ظهرها ثم قالت:
“أيوا كدا أسألي وأتكلمي، إحنا مش في القطب الشمالي هنا”
ضحك الجميع عليها بينما «ياسر» تحدث بأسفٍ وهو يقول:
“معلش والله أنا أسف، هي عفوية أوي أعتبريها أختك”
حمحت «خديجة» بهدوء ثم قالت:
“لأ خالص والله، أنا فعلًا أعتبرتها أختي وحبيتها أوي، وسارة وريهام كمان”
ردت عليها «سارة» مبتسمة وهي تقول:
“والله يا بنتي كلنا بنحبك، حتى هندخلك جروب الواتساب بتاعنا هاتي رقمك”
صرخ «عامر» يقول:
“لأ بلاش، الجروب دا لازم يتهكر، والله العظيم يا ياسين بيبقى أسبوع نكد جماعي على الكل، إلحق نفسك”
إبتسمت «خديجة» بتعجب بينما «ياسين» نظر لها وقال:
“فداها، لو دا هيخليها مبسوطة، هسيبها بقى لضميرها”
إبتسمت له بهدوء، بينما «خالد» أكمل حديثه بضيق وهو يقول:
“المهم علشان منساش، مروحتش الملحق علشان وأنا رايح الإمتحان، لقيت عيال بتلعب كورة قولت لسه بدري كلها ربع ساعة وأروح أمتحن، لحد ما الوقت خدني والضهر أذن عليا وأنا بلعب”
إتسعت حدقتي «خديجة» وللحق لم تكن بمفردها، بينما الجميع أصابتهم حالة من الذهول حينما سمعوا حديث «خالد»وأول من عقبت كانت «ريهام» حينما قالت:
“يا نهار ابيض يا خالد، تضيع سنة من عمرك علشان ماتش كورة؟”
أومأ لها ثم قال مُتعجبًا:
“الله ؟ طب ما قلبي مات في حبك حد كان إتكلم؟”
إبتسمت وحركت رأسها نفيًا بهدوء، بينما «ياسين» نظر للصغير وجده غافيًا بين ذراعيه، فضحك ثم أعدل وضعيته على ذراعه وظل يربت على ظهره بهدوء، نظرت «خديجة» له مرةً أخرى ثم تخيلت لو أن الله أكرمها بطفلًا من «ياسين» كيف سيعامله؟ من المؤكد سيغدقه حنانًا يفيض ويكفي لأهل الأرض أجمعين، فهذه طريقته مع إبن صديقه، وهذه طريقته معها وهي قابلته فقط من شهور قليلة، فكيف سيعامل إبنه؟ من المؤكد سيكون أبًا حنونًا له، كما أستطاع أن يكون أبًا لها يعاملها كما لو أنها طفلة صغيرة تتعلم السير في هذه الحياة، نظر هو لها فوجدها شاردة ورآى تغير تعابير وجهها فـ علم بماذا تفكر مال على أذنها وقال بهدوء دون أن يراه أيًا من الموجودين:
“هكون أب حنين متخافيش، بس الأهم أني هكون زوج حنين برضه، وفوق كل دا أنا حاسس إنك مسئولة مني كأنك بنتي”
إلتفتت برأسها تنظر له بأعين مغرورقة وكانت نظرتها متسائلة عن كيفية وصوله لطريقة تفكيرها، فوجدته يبتسم وهو يقول:
“أنا بقيت عارف كل تفاصيلك يا خديجة، حتى نظرة عينك دي حفظتها”
في تلك اللحظة ودت بشدة لو تحتضنه لكنها لم تستطع، بينما هو غمز لها ثم قال:
“حتى تفكيرك دلوقتي عارف وصلك لفين؟”
شعرت بالخجل ثم أخفضت رأسها تنظر للأسفل، لكنها رفعت رأسها حينما سمعت «سارة» تقول بضيق بعدما رفعت أعينها من على شاشة هاتفها:
“إلحق يا عامر، الصالون طلع فيه ٣ نجفات فعلًا وأنا جايبة ٢ بس”
إبتسم لها ثم قال بسخرية:
“بسم الله ماشاء الله إحنا جبنا نجف أصلًا؟”
ضحك الجميع عليه وعلى بروده فتحدثت هي بحنقٍ:
“أنتَ هتموتني ناقصة عمر يا عامر، أنتَ مختارهم معايا”
نظر في أوجه الجميع بتعجب، فوجد «خالد» يومأ له بقوة، تحدث هو بثباتٍ:
“أنا شايف والله إن النجف ملوش لازمة”
حرك «ياسين» رأسه بيأس ثم نظر لزوجته وجدها تضحك بهدوء، فضحك هو أيضًا، بينما «سارة» سألت زوجها بضيق:
“ليه إن شاء الله النجف ملوش لازمة؟”
ضحك هو وهو يقول بنبرة مَرِحة:
“أصل أنتِ منورة حياتي كلها، وبعدين أنتِ البيت وأثاثه والكون بِـ ناسه”
تحدث «خالد» بعدما ضرب كفًا بالأخر:
“الواد ياخد أوسكار في التثبيت”
ردت عليه «إيمان»:
“والله العظيم اللي زي دا متعرفش تنكد عليه”
تدخل «ياسر» يقول بحنقٍ:
“هو العبد لله بقى اللي بيتنكد عليه ليل ونهار؟”
أومأت «إيمان» له ثم قالت:
“آه، بس أنا قررت تاخد أجازة من النكد لحد فرحنا”
سألها بسرعة كبيرة:
“خلاص مفيش نكد تاني في الحياة؟”
ردت عليه بسخرية:
“لأ طبعًا، دا مؤقتًا لحد فرحنا، علشان النكد التقيل جاي”
ضحك الجميع عليهما وعلى معاملتهما لبعضهما البعض.
________________
إنتهت الأمسية في بيت «ميمي» وكل فردٍ منهم ذهب مع نصفه الأخر بعدما تمموا على بيت «ميمي» ركب «ياسين» السيارة وهي معه تشعر بالكثير من المشاعر المضطربة ولا تعلم أصل كلًا منهم، هي فقط تشعر بالخوف، والقليل من الضيق، وتريد لو تحصل على الأمان، نظر هو لها وجدها تفرك كفيها معًا فعلم أنها خائفة وربما تشعر بالقلق، تنهد هو بعمقٍ ثم قال حتى يقلل من توترها:
“عارفة يا خديجة، الحياة دي سهلة أوي يعني إحنا اللي عاوزين نصعبها على نفسنا، يعني كلنا عارفين إنها مش دايمة ومع ذلك بنضيع أيامها في حزن و زعل، وتفكير و قلق و خوف في حاجات ملهاش لازمة”
بعدما ركزت في حديثه وإستطاع هو بفطنته لفت نظرها سألته مُستفسرة بهدوء:
“ليه بتقولي كدا؟”
حرك كتفيه وقال بهدوء:
“علشان شكلك خايف، قلقان ، متوتر، رغم إنك مكنتيش كدا هناك”
أخذت نفسًا عميقًا ثم قالت:
“خايفة أكون كنت تقيلة عليهم، أو هما مش محتاجني معاهم، وكمان خايفة من حاجات كتير جاية”
تفهم هو ما تشعر به فقال بهدوء:
“خوفتي تكوني أم صح؟ رغم إن دا مكانش تفكيرك بس لما شوفتي يونس بين إيدي سرحتي بخيالك ودا شيء أنتِ عمرك ما تخيلتي إنه يحصل”
أومأت له ثم قالت:
“أنا واضح أني بقيت كتاب مفتوح ليك، أنتَ فهمتني وعرفتني في الوقت اللي مش عارفه أفهم نفسي فيه”
إبتسم هو ثم قال بهدوء:
“فيه حد مرة قالي إن خديجة دي هي أكتر واحدة تثبتلك إن فاقد الشيء أحق من يعطيه، بصراحة أنا مكنتش فاهم قصده، بس أنا واثق إنك هتكوني أعظم وأحن أم في الدنيا يا خديجة”
سألته بهدوء:
“الحد دا أكيد وليد صح؟”
أومأ لها ثم قال مُبتسمًا:
“بصراحة آه، ومعاه حق في كل كلمة قالها”
حديثه كان لطيفًا إلى حدٍ كبير ، جعل الطمأنينة تجتاحها فإبتسمت وهي تتنهد بأريحية، بينما هو أضاف قائلًا:
“ياريت لو فيه حاجة عاوزاها تقوليها، ولو نفسك في حاجة تعمليها أعمليها، علشان الحياة مش بتدينا الفرصة كل يوم”
أمأت له دون حديث، بينما هو ركز في القيادة حتى يتركها تفكر في حديثه بمتعنٌ أكثر، أوقف السيارة أسفل بنايتها نزلت هي ثم نزل هو خلفها وقفت أمام باب المصعد وهو خلفها وقبل أن تضغط على زر هبوط المصعد، وجدته يقول من الخلف:
“لو عاوزة تحضنيني يا خديجة عرفيني، حضني طول عمره هيفضل بيتك”
إلتفتت تنظر له بهدوء ثم قالت بنبرة مهتزة:
“لـ..ليه بتقول كدا؟”
حرك كتفيه ثم قال ببراءة مصطنعة:
“يعني إفتكرتك عاوزة تحضنيني، بس حصل خير فهمت غلط”
أومأت له بهدوء والتفتت حتى تضغط على الزر، ولكنها تذكرت حديثه له في السيارة حينما قال:
“ياريت لو فيه حاجة عاوزاها تقوليها، ولو نفسك في حاجة تعمليها أعمليها، علشان الحياة مش بتدينا الفرصة كل يوم”
كان واقفًا خلفها وهي شاردة، وفجأة وجدها تركض إتجاهه بعدما إبتعد عنها خطوتين وإرتمت بين أحضانه وهي تتعلق به بشدة، ذُهل هو في باديء الأمر، لكنه رفع ذراعيه وتشبث بها هو وكأنه هو من يريد ذلك العناق و إبتسم بهدوء ثم قال:
“ليه كدا يا خديجة، هو لازم أقولك يعني إن حضني هو بيتك؟”
وجدها ترتجف بين ذراعيه فـ علم أنها تبكي، أخرجها من بين ذراعيه بسرعة وهو يقول بتعجب:
“بتعيطي ليه؟ مين زعلك؟ أنا طيب؟”
حركت رأسها نفيًا بهدوء ثم قالت بنبرة مختنقة من البكاء:
“علشان بقيت بخاف اسيبك، عاوزاك معايا علطول، بحس أني خايفة وأنتَ مش موجود، ياسين أنا بحبك”
باغتته بإعترافها الغير متوقع بالمرة، فنظر لها مندهشًا وجدها تومأ له وهي تقول:
“أنا كنت بقاوح نفسي وبقول إنه حاجة عادية علشان..علشان عمري ما جربت حاجة زي دي، بس دا حب، دقة القلب دي مش موجودة غير ليك، ومظهرتش غير بوجودك”
سألها بنبرة حنونة:
“طب ودا يخليكي تعيطي كدا يا خديجة؟”
حركت رأسها نفيًا بهدوء ثم قالت:
“أنا بعيط علشان بقيت خايفة تسبني، والله مش هقدر أرجع أخاف تاني بعد ما إطمنت، لو الدنيا دي كلها ضلمة، أنتَ نورها الوحيد يا ياسين”
إقترب منها يربت على ذراعيها ثم قال بنبرة مُحبة حنونة:
“حتى وإن توقفت العين عن رؤياكِ، ونسى العقل ذكراكِ، فكيف لقلبٍ وجد سكينته بِـ كنفك، لا يغرق في حبك او أن يأتي له يومٌ و ينساكِ؟”
إبتسمت من بين دموعها فوجدته يغمز لها بطرف عينه وهو يقول بمرحٍ:
“خلاص يا ست الكل طالما سكتِ يبقى كدا أتثبتِ”
إتسعت بسمتها أكثر فوجدته يضيف قائلًا:
” الحقيقة أنتِ اللي ثبتيني يا خديجة، قولتي كلام خلى قلبي يرقص مكانه من الفرحة، لو أنا بفرحك قيراط، وجودك لوحده في حياتي مفرحني ٢٤ قيراط”
إحتضنته مرةً أُخرى ثم قالت:
“وجودك لوحده رجعني أعيش تاني يا ياسين”
ربت على ظهرها ثم قال وهو يضحك:
“خديجة ماتيجي نخليهم ٣ أفراح، ونلحق عامر و ياسر”
إبتعدت عنه بهدوء وهي تقول:
“معلش ينفع لما أخف خالص علشان نبدأ صح؟”
أومأ لها ثم قال بحنوٍ بالغ:
“اللي أنتِ تؤمري بيه، أنا مش عاوز غير راحتك يا قبولي الوحيد”
أومأت له ثم قالت:
“وأنا عارفة دا ومتأكدة منه وعلشان أنتَ تستاهل كل الخير، لازم أكون أنا أستاهلك”
___________________
أنتهى ذلك اليوم اللطيف من وجهة نظر «ياسين» حينما أنهته هي بإعترافها المفاجئ، بينما هي كانت عكس ما توقعت شعرت بالراحة حينما إعترفت له بما تشعر به تجاهه، كانت جالسة على فراشها بعدما تركت أسرتها في الخارج وهي تتذكره و تتذكر تصرفاته تنهدت براحة ثم قالت لنفسها:
“طب ماهي طلعت سهلة أهيه، اومال كنت مصعباها على نفسي ليه؟ يا رب بقى ميكونش شكلي أهبل، بس الواد سكر والله، يا بختي إنه من بختي”
شعرت بالتعجب من نفسها، فقامت أمام مرآتها تنظر فيها على نفسها وهي تقول:
“مين دي؟ خديجة فين، وبعدين بقى أنا مين، ولاهو ياسين دا حلم؟”
وعندما أخذها تفكيرها لهذه النقطة أنه غير حقيقي إتسعت حدقتيها بشدة ثم ركضت إلى الفراش مرةً أخرى بخوفٍ وهي تقول:
“لأ إن شاء الله هيطلع حقيقي مش من وحي خيالي”
نظرت بجانبها فوجدت العروس التي جلبها لها، تنهدت براحة كبيرة ثم أخذت العروس بين أحضانها وهي تبتسم، بعد ذلك غاصت في ثباتٍ عميق،
في اليوم التالي كانت أكثر حماسًا، جلست في غرفة الصالون أمامها كتاب تقرأ صفحاته ومعه دفتر صغير وقلم ، تدون به ما يلفت نظرها، فجأة فتح باب الشقة بواسطة أخيها دخل وألقى التحية عليها ثم نظر لما تفعله بتعجب وقال:
“أنتِ بتذاكري تاني ولا إيه؟ مش مخلصة تعليم؟”
نظرت له بسخرية ثم قالت:
“أذاكر يا جاهل؟ ربنا يهديك”
نظر لها مُتعجبًا ثم قال:
واحدة قاعدة معاها كتاب وورقة وقلم، يبقى بتعمل إيه، بتخيط هدوم؟”
نظرت له بحنقٍ ولم تعقب ثم عادت لما كانت تفعله، أتت «خلود» من الداخل تجلس بجانب أختها، نظر لها بضيق وهو يقول:
“خلي عندك دم يا خلود وهاتيلي آكل، أنا جاي تعبان من الشغل”
نظرت له بلامبالاة وهي تقول:
“وأنا مالي مع نفسك يا حبيبي”
رفع صوته وهو يقول:
“قومي يا جاموسة سخنيلي آكل “
إقتربت منه «خلود» تضربه في كتفه وهي تقول:
“أنتَ فاكرني هبلة زي خديجة ولا إيه؟ لا فوق كدا، دا أنا تربية وليد”
أمسك رسغها بقوة وهو يقول:
“يعني تربية إمام جامع ياختي؟ دي تربية ناقصة”
نظرت لها «خديجة» بشرٍ وهي تقول:
“أنا سمعتك بتقولي هبلة زي خديجة, أنا هبلة؟”
أومأت لها «خلود» وهي تقول:
“آه، أنتِ وأحمد أهبل من بعض”
نظر «أحمد» إلى «خديجة» بخبثٍ وهو يقول:
“ماتيجي نوريها فقرة هبل على السريع كدا؟”
أومأت له «خديجة» ثم قامت وأمسكت «خلود» من ذراعيها و أخيها يمسكها من قدميها وبعد تحريكها في اليمين و اليسار ألقوها على الأريكة بقوة وهم يضحكون سويًا، جلست «خديجة» تلهث بقوة فوجدت أخيها يقترب منها وتبعته أخته ثم شرع هو في دغدغدتها وهي تضحك بقوة، أدمعت أعينها من كثرة الضحك فقالت بأنفاسٍ متقطعة:
“خلاص …خلاص علشان خاطري”
اوقف أخواتها ما يفعلونه، وجلس الثلاثة وكلًا منهم يلهث بقوة، نظرت لهما «خديجة» بخبثٍ ثم قامت وأمسكت زجاجة المياه وسكبتها عليهما، ركض الأثنين خلفها بسعادة بالغة وهي أيضًا كانت تظن نفسها داخل حلمًا جميل، وحينما أوشك أخيها على الإمساك بها، طُرق باب الشقة، فركضت إلى الباب تفتحه وهي تضحك ، فتحت الباب فوجدت والدها أمامها وقفت خلفه وهي تقول بضحكة عالية:
“بابا ، إلحقني أحمد عاوز يضربني أنا في حمايتك”
وقف «أحمد» و «خلود» ينظرا لهذا الموقف بتعجبٍ واضح، بينما «طه» إلتفت ينظر لها بلهفة وسعادة تعتلي ملامح وجهه ،غير مصدقًا لما رآته عيناه، أما هي ودت في تلك اللحظة أن تنشق الأرض وتأخذها بداخلها.
يُتَبَع