روايات رومانسيهرواية تعافيت بك

رواية تعافيت بك الفصل 46

“رواية تَعَافَيْتُ بِكَ”
“الفصل السادس و الأربعون”
__________

_”إني أراكَ بعين قلبي جنّةً
يا من بقُربك مُرّ الحياةِ يطيبُ!”
__________

“أنا شخص بسيط أؤمن أن العلاقات خُلقت للراحة، للود والتفاهم واللين في التعامل بيننا، لم تُخلق للدفاع عن أنفسنا، لتجميلها، وللفوز في معارك المناقشات، كلمة لطيفة كفيلة بإنهاء أي خلاف لمجرد أنني أحبك.. أنا شخص أبسط من تعقيد العلاقات .”

ألم يحن الوقت حتى تكف تلك الصراعات و المناوشات؟ هكذا كان يفكر «حسان» بعدما تفوه «وليد» بجملته الأخيرة التي جعلت الرعشة تسير في الأجساد من هول المفاجأة، إقتربت هي منه بمقلتين على وسعيهما وهي تقول بذهول:

“أنتَ بتقول إيه؟ مين دي اللي عايشة”

نظر هو في أوجه الجميع ثم أعاد بصره لها وهو يقول بنبرة جادة:

“أمك مشيرة فايز أحمد الرشيد عايشة يا جميلة، ومستنياكِ ترجعيلها”

إلتفتت تنظر لأبيها ودموعها على وجنتيها دون إرادةً منها وهي تقول مستفسرة بنبرةٍ غير مصدقة:
“رد عليه يا بابا، بيقولك إن أمي عايشة، رد وقول أي حاجة متسكتش كدا”

أخفض «حسان» رأسه في خزيٌ، فلم يقوى على الكذب أمام عينيها، بينما هي حركت رأسها وهي تقول بصراخ:

“أنتَ بتسكت ليه قول أي حاجة يا بابا، رد أبوس إيدك”

_”عـــايــشـة، مـــشــيـرة عـايـشـة”

إرتمت هي على الأريكة من هول المفاجأة، بينما «وليد» و «طارق» نظر كلاهما لبعضهما البعض بأسى وحزن لأجلها، حركت هي رأسها عدة مرات وكأنها بذلك تخرج ذلك الحديث من أذنيها، ثم رفعت رأسها تنظر لوالدها وهي تقول بنبرة قوية جامدة:

“أنتَ دلوقتي هتقولي كل حاجة، إزاي أمي عايشة وإزاي كل حاجة طلعت كدب كدا، فــاهــم”

أخذ نفسًا عميقًا بعدما صرخت هي بكلمتها الأخيرة، بعد ذلك جلس على الأريكة المقابلة لها وهو يقول بهدوء:

“حاضر، حاضر يا جميلة”

ثم وجه بصره لهما وهو يقول بنبرة خالية:
“أنا هقولك كل حاجة علشان أرتاح، يمكن أعرف أنام”

تدخل «وليد» يقول بسخرية مريرة:
“لأ وأنتَ مسكين أوي مبتنامش كل دا”

زفر «حسان» بضيق ثم شَرَعَ في سرد الماضي بقوله:
“أنا حسان عز أبو الفدا، كنت شاب في أواخر العشرينات لما أبويا مات و سابني مع عمي اللي كان ساكن معايا في نص البيت، وبما أني مليش حد، عرض عليا أتجوز بنت من بناته يا ياخد البيت كله لحسابه، رفضت الفكرة كلها، ودخلت ناس كبيرة حلوا المشكلة بينا، وعلشان أخلص من زنه نزلت القاهرة ساعتها اتعرفت على عبده لما أجرت أوضة فوق السطح عندهم، فضلت أدور على شغل لحد ما أبو عبده دا شافلي شغل عند فايز أحمد الرشيد في مخزن الأعشاب الطبيعية، قولت أهي أحسن من القعدة، وروحت أشتغلت معاه فعلًا، كان معايا مجدي و أخته مديحة و كنا إحنا التلاتة بنشتغل سوا، بس أنا من شطارتي في الحسابات الحج فايز عجبه شغلي، وعرفني على عياله، واعتبرني إبنه الخامس، ساعتها شوفت مشيرة هناك، كانت جميلة و رقيقة أوي، بس أنا علشان أمانة الراجل اللي دخلني بيته، طلعت الموضوع من دماغي وقولت أني لازم أفوق لشغلي، هي بصراحة كانت طيبة أوي وكانت ذوق معايا، كانت بتيجي الشغل عندنا علشان  مديحة، أو أنا اللي كنت فاكر كدا، هي كانت بتيجي علشان مجدي، الحج فايز معجبوش الموضوع وحس بحاجة، ساعتها طلب مني أتجوزها، ولما أنا رفضت قالي إن بنته طيبة ومن غيره هتتعب، أنا مكنتش واخد بالي من موضوع مجدي دا، وفضلت مكمل في شغلي زي ما أنا، بعدها فايز بدأ يتعب وساعتها أمرني أتجوزها وهو كلمته كانت سيف.”

أوقف حديثه وكأنه يرى الماضي يمر أمام عيناه، ثم أخذ نفسًا عميقًا، لكنه أعاد السرد من جديد بعدما قال «طارق» بضيق:

“كمل، وقفت ليه؟!”

أومأ له ثم أستطرد حديثه قائلًا:
“ساعتها أجبرها على الجواز وهي كانت بتحب مجدي، بس مجدي كان ملاوع وإبن سوق عاوز يوصلها علشان فاكر إن الحج كدا هيزود مركزه و يسلمه مخزن من بتوعه يديره، أتجوزتها وعيشت معاها في بيت الحج فايز بعدما بنى البيت الجديد وكان ليا شقة فيه، بعدها مات هو ومفيش شهور وحصلته الحجة، مشيرة كانت طول جوازنا بعيد عني و كرهاني، وخلفت مني جميلة برضه وهي كرهاني ساعتها قالتلي إنها ندمانة، فضلت عايش معاها علشان طلب أبوها وعلشان جميله اللي في رقبتي الراجل برضه شغلني وسكني وعملي قيمة وسط عياله وعمري ما حسيت بغربة وسطهم، بس للأسف هي الوحيدة اللي حسيت بالغربة وأنا معاها، بعدها هي عرفت إنها حامل، برضه كانت زعلانة وفي نفس الوقت فرحانة، أنا مكنتش عارف أعمل إيه بس كنت مستحمل طريقتها، بعدها خلفت جميلة وأنا كنت شوية في القاهرة وشوية مع طه و محمود في أسوان، وشوية مع مرتضى في السويس، علشان أسيبها براحتها، مع الوقت بدأت هي تعرف قيمة غيابي، بس كان فات سنين، لحد ما مجدي رجع بالجوابات دي تاني، وساعتها بعتهم ليها وقالها إنه هيتجوز ومش عاوز تكون بينهم، للأسف دا اللي عرفته متأخر لما طارق و وليد ظهروا”

سألته هي بنبرة مهتزة وخالية من المشاعر:

“جوابات إيه دي؟ وكان فيها إيه؟”

نظر لها وهو يقول بنبرة موجوعة:
“الجوابات الغرامية اللي كانت بينهم، جالي نسخة منها وخط مشيرة و إمضتها أنا حافظها صم، ومع الجوابات صور ليهم سوا في رحلة الحج فايز كان عاملها وكانوا ماسكين إيد بعض، بس كل دا كان قبل جوازها مني، ساعتها مديحة جت ورتني الصور والجوابات وقالتلي إن مشيرة وأخوها بيحبوا بعض، وإن هي هتبدأ تعاملني حلو علشان بس أأمن ليها وهي تطلق مني وترجعله، ساعتها الدم غلي في عروقي وكان قدامي إختيارين ملهمش تالت يا أقتلها و أشرب من دمها، يا أخدك وأهرب بيكِ منها علشان متتربيش على إيد واحدة زيها، ساعتها سألت فاطمة مرات محمود بحكم إنها كانت بتشتغل معاهم و قالتلي إنهم فعلًا كانوا بيحبوا بعض وكانوا مخططين للجواز، مقدرتش أواجه ساعتها علشان مموتهاش وبنتي تبقى بنت قتال قتلة، روحت بعدها من سكات للمأذون وطلقتها،وروحت بليل كانت نايمة، خدتك من حضنها ومشيت و سبتلها جواب، لكن اللي معرفوش إن فيه ناس بريئة هتتظلم بسببي، أنا عيشت عمري كله غريب و تايه مليش حد، شوفت فيها كل أهلي وهي شافتني مجرد عابر سبيل، مشيت وروحت إسكندرية تاني بعت الشقة لعمي وهناك جميلة تعبت وجالها تسمم، والناس افتكرتها ماتت، خدتها من المستشفى وطلعت بيها على عمتي في الصعيد، وهناك بدأت حياتي أنا وجميلة بعدما أقنعتها إن أمها ماتت، فضلت تعيط علشان خديجة و طارق بما إنهم هما اللي مربينها، مع الوقت نسيتهم أو عملت نفسها نسيتهم، وبس رجعنا هنا تاني علشان كل حاجة تبان وعلشان المظلوم حقيقته تبان”

وقفت هي بسرعة كبيرة كمن لدغتها حية وهي تقول بذهول:

“أنتَ بتقول إيه؟ أنتَ أكيد بتكدب، أكيد كل دا مش حقيقة، أنتَ ليه بتقول كدا؟”

وقف هو مقابلًا لها يقول بنبرةٍ منفعلة:
“لأ حقيقة، هي دي الحقيقة يا جميلة، أمك عايشة، و كل حاجة كانت بايظة بينّا، بس أنا حبيتها بجد، وهي بدأت تحبني بس في الأواخر، بعد ما كل حاجة كانت حلوة ضاعت”

صرخت «جميلة» في وجهه بإنفعال واضح:
“أنتَ أناني، أنتَ اللي زيك مبيفكرش غير في نفسه، ليه ظنيت فيها السوء؟ ليه مسألتهاش؟ ليه مرجعتش تاني بعدما هديت شوية؟ ليه وجعت قلبها عليا؟ ليه فضلت مخبيني عليها، أنا لا يمكن أسامحك، أنا بـــكـــرهـــك”

إلتفتت تنظر لهما وهي تقول بنبرة لا تقبل النقاش:

“وأنتو أنا هاجي معاكم علشان تاخدوني ليها سامعين؟”

نظر كلاهما لبعضهما البعض، فقال «وليد» بهدوء:

“طب ريحي النهاردة، وبكرة أنا هاجي آخدك ليها، علشان هي تعبانة ومش هتقدر تشوفك”

صرخت في وجهه بنبرةٍ قوية منفعلة:

“أنا قولت هروح أشوفها يعني هروح، فــاهـم..أنا هـرو…”

وقبل أن تُكمل جملتها سقطت مغشيةً عليها، فصرخ «طارق» بفزعٍ:

“جَـــمــيـلــة”

بينما «وليد» إبتسم بسخرية وهو يقول:
“أنا كدا اتأكدت إنها بنت مُشيرة”
___________

في بيت آلـ الرشيد قرب صلاة العصر كانت «خديجة» جالسة تنظر لعمتها بأسى، ففي خلال ساعات شحب لون بشرتها وظهر السواد أسفل عينيها، كانت «خديجة» تفكر، كيف لها أن تتحول في تلك الساعات القليلة إلى ما هي عليه الآن؟ تلك المرآة التي إمتهرت القسوة و الجبروت في شخصيتها، كيف للمرض أن يفعل بها تلك الأفاعيل؟”

وقبل أن تسترسل في التفكير فجأة صدح صوت هاتفها برقم «إيمان» ضغطت على زر الإيجاب فوجدت «إيمان» تقول بإنفعال ونبرة قوية:

“أنتِ فين يا بت يا خديجة؟”

تفاجأت «خديجة» من نبرتها لكنها ردت عليها بهدوء:

“إيه يا إيمان؟ أنا في البيت”

ردت عليها «إيمان» بحنقٍ:
“يا نهارك مش فايت؟ بصي يا بت أنتِ قدامك نص ساعة تكوني في بيت ميمي، لو روحت يا خديجة وأنتِ مش هناك ساعتها هجيبك من شعرك بجد، ســامـعـة؟”

ردت عليها «خديجة» بخوف:
“حاضر.. حاضر والله هاجي متخافيش”

في تلك اللحظة دخلت «زينب» الغرفة، فقطبت جبينها حينما سمعت حديث إبنتها، أغلقت «خديجة» الهاتف، فوجدت والدتها تسألها بتعجب:

“كنتِ بتكلمي مين يا خديجة؟و هتروحي فين؟”

ردت عليها بقيلة حيلة تقول:
“دي إيمان مرات واحد من صحاب ياسين، والمفروض إن هما عاوزني معاهم النهاردة، بس أنا هكلمها شوية كدا و أقولها أني مش هعرف أروح علشان فيه ظرف عائلي”

سألتها «زينب» بتعجب:
“ليه يعني؟ ما تروحي فيها إيه؟”

ردت عليها «خديجة» بتوتر و بنبرةٍ مهتزة:

“بصراحة محرجة علشان عمتو تعبانة، يعني هي تعبانة و مصدومة وكل شوية الدكتور يجي هنا، مش حلوة أروح أفرح مع صحابي”

إبتسمت «زينب» لها بحنو وهي تقول:
“أنا بحبك يا خديجة”

تفاجأت «خديجة» من قول والدتها فإتسعت مقلتيها بشدة، لكنها وجدتها تقول بنبرة متأثرة وأعين باكية:
“متستغربيش، أنا بحبك فعلًا، علشان قلبك جميل أوي، في عز كل اللي حصلك لسه قلبك بيحس باللي حواليه، ولسه بتخافي على زعل غيرك، حد غيرك كان عمل فرح علشان مشيرة حصلها كدا، بعد اللي شافه منها، لكن أنتِ قلبك أبيض أوي يا حبيبتي، علشان كدا ربنا هيجبر بخاطرك و يعوضك”

إقتربت منها «خديجة» ثم مالت بجزعها على كف والدتها تقبله ثم قالت بنبرة شبه باكية:

“وأنا كمان بحبك، علشان استحملتي كتير، وكله علشاننا في الأخر، وأنا والله مش عاوزة حاجة من الدنيا غير أني أكون إنسان طيب والناس كلها بتحبني و تأمن ليا، ياسين قالي إن دي أهم حاجة في الحياة إننا نحافظ على قلوبنا من السواد و الشر، ساعتها حياتنا هتكون حلوة”

ربتت والدتها على رأسها وهي تقول بحب:

“ربنا يكرمك و يكرمه يا خديجة، ياسين دا بقى في غلاوتك ويمكن بقيت بعتبره أبني كمان”

ضحكت هي ثم قالت بحب:
“هو بصراحة ميستاهلش غير الحب بس، إنسان نضيف ربنا خلقه علشاني و خلقني علشانه، ياسين بعد ما كان أهم حاجة في حياتي بقى هو كل حياتي، عالجني و صالحني و خلاني أشوف الحياة بعيونه هو، حتى لما قولتله يسبني لقيته رجعلي تاني، ياسين ميستاهلش غير إنه يتشال في العين”

كان يسمع حديثها عبر هاتف «خلود» بعدما حاول الوصول لها لكنه فشل، إبتسمت «خلود» بخبثٍ وهي تسأله بنبرةٍ هامسة:

“ها؟ إيه رأيك يا أستاذ ياسين؟متنساش الحلاوة”

تنحنح هو ينقي حنجرته من إثر تلك المشاعر القوية التي داهمته بغتتة من حديثها وبعد نجاحها في ذلك رد عليها بهدوء وبنبرة الفرح ظاهرٌ بها:

“متشكرين يا خلود، ومن عينيا الأتنين لكِ، هو أنتِ فيه أعز منك يا غالية؟”

أغلقت معه الهاتف ثم تصنعت اللامبالاة وكأنها لم تسمع شيئًا مما تفوهت به «خديجة» بعد دخولها الغرفة قالت بهدوء:

“خديجة أفتحي تليفونك علشان ياسين حاول يكلمك مش بتردي”

قطبت جبينها وهي تنظر للهاتف في يدها فوجدته نافذ الطاقة، ضربت رأسها بكفها وهي تقول:

“فصل شحن، من الصبح شغال على القرآن جنب عمتو، وأكيد إيمان هتبهدلني”

ردت عليها والدتها بهدوء:
“روحي يا خديجة ليهم، وأنا ومروة و سهير مع عمتك هنا”

تدخلت «خلود» تضيف مقترحة:
“وخدي الباور بانك بتاع أحمد معاكِ علشان ياسين حاول يكلمك كذا مرة”

أومأت لهن في هدوء ثم إنسحبت إلى شقتها حتى تقوم بتبديل ثيابها، بينما «خلود» نظرت لعمتها ثم قالت بنبرةٍ خالية من المشاعر:

“هي مطولة ولا إيه؟ خليها تفوق كدا علشان تشوف بنتها خلينا نشوف المرار اللي جاي علينا”

ردت عليها والدتها بنبرةٍ حانقة:
“لمي نفسك يا خلود، دي عمتك برضه”

لوحت لها «خلود» بيدها بضيق ثم قالت:
“نعملها إيه يعني؟ ربنا يشفيها ولا يهديها بقى، والله هي مش هتفوق غير لما أنا و وليد نقعد جنبها شوية”

إتسعت مقلتي «زينب» وهي تقول بخوفٍ زائف:

“أنتِ و وليد مع بعض؟ قصدك تروح فيها”

حركت كتفيها بلامبالاة ترد على والدتها:
“والله دا هيبقى قضاء و قدر”
____________

بعد مرور النصف ساعة كانت «خديجة» تقف أمام شقة «ميمي» ضربت الجرس، فقامت «إيمان» بفتح الباب وهي تقول بهدوء بث الرعب داخل «خديجة»:
“آهلًا و سهلًا بالهانم اللي بتقفل الموبايل،دا أنتِ مصيبتك سودا”

تلعثمت «خديجة» وهي تُجيبها في هدوء:

“ثواني بس ريحي نفسك، أدخل جوة وأعملي اللي عاوزاه فيا”

إبتعدت «إيمان» عن الباب حتى تفسح لها المجال في الدخول للشقة، دخلت هي وألقت التحية على الجميع وجلست بجانب «ميمي» التي قالت لها بحب:

“نورتي يا حبيبتي، كدا كل دا مشوفكيش؟”

ردت عليها «خديجة» متأسفةً:
“حقك عليا يا ميمي، بس حصل شوية لغبطة كدا، وبعدين هما يومين بس مش كتير”

تدخلت «سارة» تقول بحماس:
“والله لو ساعة برضه بالنسبة ليها كتير، هي كدا من حبها فينا بتشوف الوقت كتير في بعدنا”

أضافت «ريهام» تقول بحب:
“أنا بصراحة بحبها أكتر من أمي، هي وماما عفاف مامة خالد، أحن عليا من أمي والله”

جلست «إيمان» تقول بضيق زائف:

“أنا بقى مش بحبها، علشان بغير على ياسوري منها، وهتجوزه ومش هخليه يشوفها تاني، يا أنا يا أنتِ يا ميمي”

ردت عليها «ميمي» بإستفزازٍ حتى تثير حنقها:

“بعينك يا إيمان، أنا الأولى في قلب ياسر وبرضه هيرجعلي علشان عيوننا زرقا زي بعض”

نفخت «إيمان» وجنتيها بضيق وهي تنظر لـ «ميمي» بشررٍ يتطاير من عينيها، في تلك اللحظة دلف الثلاثة شباب دون «ياسين»، ألقوا التحية عليهن، كانت هي تبحث عنه بعينيها فلم تجده، بينما «ياسر» سألها بهدوء:

“هو ياسين مجاش معاكِ؟”
حركت رأسها نفيًا وهي تقول:
“لأ للأسف، هو غالبًا ميعرفش إن أنا هنا”

رد عليها «خالد»:
“متخافيش هو عرف علشان ريهام قالتلي إنك هتيجي هنا وأنا كلمته وعرفته”

أومأت له في هدوء فوجدت «إيمان» تقول لزوجها بطريقة مثل طريقة الأطفال:

“ياسر ميمي بتقولي إنها الأولى في قلبك و إنك هترجعلها علشان عيونها زرقا، رد عليها وقولها إن قلبك ليا أنا”

إبتسم هو بمرحٍ ثم قال:
“مقدرش اكدبها، ميمي دي حبي الأول”

تدخل «عامر» يقول بحنقٍ:
“حب مين يا حبيبي؟ ميمي حبيبتي أنا ، وبعد فرحي أنا و سارة هتجوزها”

رد عليهما «خالد» بضيق زائف:
“لم نفسك أنتَ وهو علشان ميمي تخصني أنا وأنا الكبير هنا”

دلف «ياسين» في تلك اللحظة وهو يقول:
“ميمي مين اللي تخصك؟ ميمي لياسين و ياسين لميمي معروفة”

ضحكت هي بغرور وهي تنظر للفتيات ثم قالت:

“هيموتوا بعض عليا، مش ممكن”

ضحك الجميع عليها، بينما «ياسين» ذهب إليها يقبل قمة رأسها وهو يقول بحب:

“أنتِ مجاش أعز منك يا ميمي، ومش هيجي”

نظرت له بخبثٍ وهي تقول:
“يا واد بطل كدب، دا أنتَ عينك منزلتش من عليها من ساعة ما دخلت الشقة”

ضحك هو ثم إحتضنها بقوة، بينما «خديجة» أخفضت رأسها في خجلٍ، بعد ذلك تحدث هو بعدما جلب مقعد صغير جلس عليه بجانبها موجهًا حديثه لـ «عامر»:

“ها خير يا أستاذ عامر، مجمعنا ليه؟ إيه المهم اللي مخليك تزن علينا من الصبح؟”

إبتسم «عامر» يقول بفرحة:
“النهاردة هننقل العفش اللي في شقة ميمي على شققنا أنا و ياسر، أنا ظبطت كل حاجة”

قطب «خالد» جبينه يسأله بتعجب:

“طب مقولتش ليه؟ كنا عملنا حسابنا؟”

رد عليه بثقة:
“متخافش أنا مظبط كل حاجة ومكلم عمار أخويا وهو كلم زيزو صاحبه يجيب عربيتين واحدة ليا و واحدة لياسر”

أومأ له الجميع فأضاف «خالد» يقول بحكمة:

“بقولك إيه، عاوزين كل حاجة بالعقل من غير شوشرة و فضايح، يعني في المعقول علشان ربنا يكرمنا كدا”

إرتمى «عامر» عليه يحتضنه وهو يقول:

“متخافش يا حبيب أخوك، كل حاجة في هدوء و…”

قبل أن يكمل جملته إرتفع صوت الألعاب النارية التي تُضرب في المناسبات الشعبية، جحظت أعين الجميع، فخرج «عامر» من بين ذراعي «خالد» الذي قال بشكٍ:
“إيه الأصوات اللي برة دي يا عامر؟”

رد عليه «عامر» بتوتر و تلعثمٍ:
“أصل…أصل أنا نسيت أقولك إن زيزو هيجيب شلته كلها علشان يجاملونا”

عض «خالد» على شفته السفلى وهو ينظر له بشررٍ يتطاير من عينيه، بينما الجميع حاولوا كتم ضحكاتهم، وفجأة إرتفع صوت الموسيقى الشعبية مصاحبًا صوت الألعاب النارية، فقال «خالد» بنبرة منفعلة:

“و إيه اللي أشتغل دا كمان؟”

رد عليه بنفس التوتر:
“أصل..أصل زيزو شغال على دي _جي، وبعدين عاوزني اقولك الليلة هتبقى سكيتي وهي هتبقى حنة بلدي؟”

امسكه «خالد» من فروة رأسه وهو يقول بضيق وبنبرةٍ حانقة:

“أعمل فيك إيه؟ أموتك وأخلص منك؟، علطول كاسفنا كدا؟”

مد «عامر» يده ثم أمسك فروة رأس «ياسين» وهو يقول بنبرة حانقة:

“سيب شعري يا خالد، علشان أسيب شعر ياسين”

رد عليه «ياسين» بنفس الحنق:
“أنا مالي يا متخلف أنتَ وهو؟ سيبوني!!”

رد عليه «خالد» بعناد:
“طب مش سايب وروني اللي عندكم”

مد «ياسين» ذراعه يمسك فروة رأس «ياسر» وهو يقول بإختناق:

“سيبوني، علشان أسيب ياسر”

كانت الفتيات تنظر لهم بضحك و إستمتاع عدا «خديجة» التي كانت تشاهد ما يحدث بخوف، لكنها فجأة شعرت بالدهشة حينما سمعت «ياسر» يقول بعدما أمسك فروة رأس «خالد»:

“سيبوني و أنا أسيب خالد”

فجأة قام «عامر» بركل «خالد» في بطنه بقدمه وهو يقول:
“الأول، وأدي خالد”

قام «خالد» ينظر له بشررٍ يتطاير من عينيه ثم ركل «ياسين» وهو يقول:
“وأدي ياسين”

قام «ياسين» بركل «ياسر» وهو يقول:
“يا سلام وأهو حبيبكم ياسر”

رد عليه «ياسر» بضيق:
“حلو أوي كدا يا هندسة”
قال جملته ثم ركل «عامر» في معدته وهو يقول:
“وأهو سي زفت عامر”

قالت «خديجة» بخوف:
“يا جماعة حد يفكهم كدا هيموتوا بعض، دي أول مرة تحصل”

وفجأة وجدتهم يجتمعون فوق بعضهم البعض وكلًا منهم يقوم بدغدغة الأخر و ضحكته على أعلى درجاتها ، إتسعت مقلتيها بتعجب، فوجدت «ميمي» تقول بنبرة ضاحكة:

“هو دا هزارهم، هزار بهايم شوية، بس في الأخر بتخلص عليهم لما يفرهدوا ويترموا على الأرض”

نظرت لهم وجدتهم جميعًا يرتمون على الأرضية، وهم يلهثون بقوة وكأنهم بذلوا قصارى جهدهم في تلك اللعبة السخيفة، فجأة وجدت «خالد» يهندم سترته الچينز وهو يقول بطريقة جدية:

“يلا علشان الناس مستنية تحت”

وقف الجميع بنفس الجدية يتبعونه وكأن شيئًا لم يكن، أما «ياسين» فقال بهدوء:

“أنا هدخل أغير هدومي علشان الهدوم دي متتبهدلش، عن إذنكم”

أومأ له الجميع حتى هي فقال هو بهدوء:

“معلش يا خديجة تعالي عاوزك ثانية”

نظرت حولها بحرجٍ وكأنها تنبهه بمكانهما، فوجدت «ميمي» تقول:

“روحي شوفي جوزك يا خديجة، يلا قومي”

دخل هو الغرفة وهي تتبعه بهدوء، دخلت هي تبحث عنه في الغرفة فوجدته يغلق الباب من خلفها وهو يقول بخبثٍ:
“وقعتي ومحدش سمى عليكِ يا قطة”

إلتفتت تنظر له بخوف وهي تقول بتلعثمٍ:
“مالك بس يا ياسين؟ إهدا”

نظر لها بهدوء وهو يقول:
“تليفونك كان مقفول ليه؟ و جيتي هنا إزاي من غير ما تقولي لشوال البطاطا اللي في حياتك؟”

ردت عليه بتلعثم نتيجة خوفها:
“والله كان فاصل شحن، وبعدين أنا جيت هنا علشان إيمان حلفت تجبني من شعري”

رفع حاجبه مُتعجبًا منها وهو يقول:
“هي إيمان دي إيه؟ مخوفاكم كلكم ليه؟”

ردت عليه بسرعة كبيرة:
“مش عارفة والله هي شخصيتها قوية، وعلطول بنسمع كلامها”

باغتها هو بإحتضانه لها وهو يقول بعدما أخذ نفسًا عميقًا:

“وحشتيني، وحشتيني أوي يا خديجة”

إتسعت حدقتيها بتعجبٍ منه، فوجدته يضيف هامسًا بهدوء:

“وحشتيني و تعبتيني يا خديجة”

رفعت ذراعيها تحتضنه وهي تقول بتعجب:

“مالك بس يا ياسين؟ ما أنتَ كنت كويس وعمال تهزر؟”

إبتعد عنها نسبيًا وهو يقول بهدوء:

“الأكشن اللي شوفته في بيتكم إمبارح بوظ أعصابي، طبعًا شقة ميمي بالنسبة لبيتكم كوكي بارك؟”

ضحكت هي بقوة، فوجدته يضحك هو الأخر ثم قال:

“والله العظيم حسيت إنكم في مسلسل هندي، ماهو مستحيل دا يكون واقعي”

حركت رأسها نفيًا وهي تقول بهدوء:
“للأسف واقعي، هي عيلتنا كدا مرعبة شوية أو شويتين، بس المهم إننا خلصنا من كل دا، ناقص جميلة تشوف مامتها بس”

سألها هو بحنو:
“وأنتِ كويسة صح؟ مش زعلانة ولا حاسة إنك متضايقة؟”

ردت عليه بقلة حيلة:
“مش عارفة أحدد مشاعري، بس كل حاجة بالنسبة ليا غريبة أوي، أنا كنت هزعل فعلًا لو كنت مشيت و سبتني زي ما طلبت منك”

إبتسم هو بسخرية ثم أضاف قائلًا:
“دا أنا مبعرفش أسيبك وأنتِ فرحانة،عاوزاني أسيبك وأنتِ زعلانة يا خديجة؟ وبعدين أنا وقفت جنب الباب علشان أشوف رد فعلك، ولما صرختي وأترميتي على الأرض، دخلت تاني مقدرتش أسيبك وأنتِ كدا”

إحتضنته بقوة وهي تقول بنبرةٍ شبه باكية من تأثرها بحنانه:
“أنا بحبك أوي و مش عارفة أقولك إيه؟”

شدد هو عناقه لها ثم قال بخبثٍ:
“لأ متقوليش حاجة، أنا سمعت كل حاجة قولتيها لزوزو النهاردة”

إتسعت مقلتيها بشدة، فوجدته يقول بطريقة تُحاكي طريقتها في الحديث عنه مع والدتها:

“هو بصراحة ميستاهلش غير الحب بس، إنسان نضيف ربنا خلقه علشاني و خلقني علشانه، ياسين بعد ما كان أهم حاجة في حياتي بقى هو كل حياتي، عالجني و صالحني و خلاني أشوف الحياة بعيونه هو، حتى لما قولتله يسبني لقيته رجعلي تاني، ياسين ميستاهلش غير إنه يتشال في العين”

خرجت من بين ذراعيه وهي تقول بنبرةٍ مندهشة:

“أنتَ حفظت كلامي؟ دا أنا نسيت أنا قولت إيه”

إبتسم هو ثم ضربها على وجنتها بخفة وهو يقول:

“أنتِ ياختي مش أنا، أنا مبنساش أصلًا”

نظرت له بخجل وهي تقول:
“طب يلا نخرج علشان كدا عيب، وبعدين نشوف مين فينا بينسى”

نظر هو لها بتعبٍ مصطنع:
“أنا تعبان والله، ما تيجي كدا نريح شوية، وبالمرة أقولك الشغل متعب إزاي؟”

إبتعدت عنه تقول بضيق زائف:
“لم نفسك بقى عيب كدا، إحنا مش في بيتنا !!”

نظر هو لها بسخرية وهو يقول بنبرةٍ متهكمة:

“بيتنا؟ هو فين بيتنا دا يا غالية؟ يسمع منك ربنا يا خديجة، وأشوفك في بيتنا يا رب”

ردت عليه هي بحب:
“يا رب يا ياسين إن شاء الله”

ضحكت هي عليه بخفة ثم طبعت قبلة بسيطة على  وجنته ثم تركته وخرجت من الغرفة، نظر هو أثرها بتعجبٍ بأعين على وسعها من هول مفاجأته ثم قال مندهشًا:

“يارب يا ياسين؟؟! يــعنــي أنــتِ مـــوافــقـة؟”

رفع صوته في جملته الأخيرة وهو يسألها بإندهاش، فضحكت هي من الخارج بقوة، فقال هو بسعادة بالغة:

“الله !! دي أول مرة متتهربش وتقولي لما أخف، لأ ثانية !! دي باستني !!”

خرج هو بعدما بدل ثيابه بأخرى بيتية مريحة، ثم نزل للشباب مباشرةً، بعدها صعد الجميع إلى شقة «ميمي» مرةً أُخرى حتى يقوموا بتنزيل الأشياء من شقتها، كان الجميع ملتفون حول السيارتين وهم ينهالون بالمباركات على الشباب ، فهم يحظون بالحب من المنطقة بأكملها، كان «عامر» يرقص فَرِحًا وسط الشباب بالألعاب النارية، وبعد قليل تشارك معه أصدقائه بعدما انتهوا من حمل الأجهزة، ورقصوا جميعًا بفرحة عارمة، بعد قليل تحركت السيارات إلى المكان الذي تقع به شقق الشباب، وقف «عامر» بجانب «ياسر» وهو يقول بغرورٌ مصطنع:

“ياسين و عمار أخويا وشادي هيطلعوا حاجتي، وخالد و زيزو ومروان يطلعوا حاجة ياسر، يلا يا حبيبي أنتَ وهو”

نظر له كلاهما بحاجبٍ مرفوع بحنقٍ، فوجداه يقول بتكبرٍ:
“جرى إيه يا حبيبي أنتَ وهو؟ إحنا عرسان مش هينفع نشيل، يلا ورونا الهِمة”

أومأ له كلاهما بضيق، ثم شرعوا جميعًا في حمل الأجهزة إلى الشقق، كان «عامر» جالسًا على مقدمة إحدى السيارتين وهو يراقص جزعه العلوي، أوشك «ياسين» على الإقتراب منه حتى يقوم بضربه، فوجد «خالد» يمسكه من مرفقه وهو يقول بهدوء خبيث:

“خليه يرقص ورب الكعبة هرقصه أنا على حق، صبرك عليا”

كان «ياسر» يساعد الشباب بهدوء، لمحه «عامر» فقال بإنزعاج زائف:

“يابني سيبهم هما يشيلو الليلة، خليك أنتَ برنس زيي كدا”

نظر له «خالد» وهو يلهث بقوة ثم قال:
“ماشي يا إبن فهمي، ورب الكعبة هظبطك”

أطاح له «عامر» برأسه ثم رفع صوت الموسيقى عاليًا، إجتمع السكان إثر إرتفاع الصوت فوقف هو يقول بمرحٍ:

“الله يبارك فيكم يا جماعة كلكم، أنا العريس أيوا، ودا أخويا عريس برضه معايا

أنهال عليهما الجميع بالمباركات والتهنئات والترحيب بهما في المنطقة، أما «خالد» و «ياسين» فنظر كلاهما للأخر بتعجب بعدما وقفا سويًا بجانب بعضهما البعض بين البناياتين.
_____________

في شقة «حسان» أتى الطبيب يفحصها بعدما وقعت مغشيةً عليها، وقف الطبيب بعدما قام بإعطائها إبرة طبية، فسأله «طارق» بتلهفٍ:

“طمني يا دكتور هي مالها؟”

رد عليه الطبيب بهدوء:
“متقلقش هي بس أغمى عليها من قلة التغذية و واضح إنها اتعرضت لإنفعال شديد، المهم بس تاكل و تشرب سوائل كتير وياريت تتغذى كويس لأن واضح كدا إنها مهملة في صحتها”

نظر «طارق» لـ «حسان» بضيق ثم نظر للطبيب وهو يقول:

“طب فيه أدوية أو حاجة مهمة نقدر نمشي عليها؟”

أومأ له الطبيب ثم أعطاه الروشتة الطبية وهو يقول مُردفًا:

“آه طبعًا، دا دوا تاخده كل ٢٤ ساعة، و دا مكمل غذائي ياريت تاخده علشان شكلها عندها ضعف شديد، ربنا يطمنكم عليها”

أوشك «حسان» على ملاحقته، فأمسكه «وليد» وهو يقول بنبرةٍ منخفضة وصلت إلى مسامعه:

“خليك أنتَ هنا علشان متحصلش بنتك، طارق لو مسكك ورب الكعبة مش هنلحقك”

نظر له «حسان» بتعجب فوجده ينظر أمامه وهو يقول:

“وصل الدكتور يا طارق، وهات أنتَ الدوا، علشان عمو حسان مش معاه فكة”

أومأ له «طارق» بضيق ثم أشار للطبيب حتى يسبقه، نظر «وليد» في أثرهما وبعد تأكده من خروجهما من الشقة، ذهب خلفهما يغلق باب الشقة بالمفتاح، بعدها رسم ملامح مُرعبة على وجهه وهو يقول لنفسه:

“استعنا على الشقا بالله”

دخل الغرفة مرةً أُخرى فوجد «حسان» جالسًا بجانب إبنته يبكِ بقوة وهو ممسكًا كفها بين كفيه، تحدث «وليد» يقول بهدوء:

“بقولك إيه، خلصنا بس كدا علشان عاوزك ضروري، جو المشاعر الفياضة دي مش وقته”

ضغط «حسان» على جفنيه بشدة ثم قام وإتبع «وليد» إلى الخارج وهو يقول بنبرة جامدة:

“خير يا أستاذ وليد؟ نعم !!”

إلتفتت «وليد» ينظر له بثقة وهو يقول:

“أنعم الله عليك يا عمو حسان، دول يا سيدي وصلات أمانة لقيتها عندنا أنتَ ماضي عليها، خد بصة كدا؟”

مد يده بأوراق قديمة من دفتر إيصالات أمانة، أخذها «حسان» منه بيدٍ مرتجفة، نظر فيها ثم قال بهدوء:

“و المطلوب مني إيه؟ و الوصولات دي مالها؟”

جلس «وليد» بثقة وهو يقول بمرحٍ خبيث:

“أنا هقولك الورق دا ماله، كل الحكاية إن جميلة بنتك عرفت حقيقتك، وهتعرف حقيقة أمها برضه يعني أقل حاجة هتطلبها إنها تسيب الدنيا وتمشي، وطبعًا أنتَ الطرف الأقوى يعني ممكن تاخدها وتمشي تاني بعدما هي تعرف أمها عملت إيه، المهم الوصولات دي أنتَ كنت بتمضيها على نفسك علشان البضاعة اللي كنت بتروح تجيبها لجدي، كتأمين يعني”

رد عليه «حسان» منفعلًا بنبرةٍ حانقة:
“أنتَ عاوز إيه؟ ما تخلصني”

أومأ له «وليد» وهو يقول بثقة:
“الوصولات دي وقعت في إيدي من ضمن ورق كتير كان عند ابويا، المهم يا سيدي، دلوقتي لو أنا روحت زي الشاطر وقولت لكل العيلة إنك هربت علشان عليك وصولات أمانة لجدي و إن الحوار دا كله محصلش، وإنك هربت لما عمي طه قرر يطلب فلوس أبوه، فأنتَ قررت تهرب، تخيل بس لو عيلة الرشيد كلها سمعت الكلام دا، لو كل واحد فيهم بس سلم عليك، مش هنجيب دكتور يخيط لأ، دا العباسية كلها بطقم العمال هتخيط فيك يا حسان”

نظر له «حسان» بثقة وهو يقول بسخرية:
“وهما بقى هبل و هيصدقوا، وأصلًا الإيصالات دي ملهاش لازمة، دي فات عليها زمن يعني قانونًا مينفعش”

أومأ له «وليد» ساخرًا وهو يقول:

“يا جدع دول فضلوا ١٥ سنة مصدقين إن زينب هي اللي عملتها، هيجوا دلوقتي ويكدبوني، وبعدين عجبتني مذاكر قانون كويس، بس للأسف مش مذاكر وليد الرشيد!!”

سأله «حسان» بضيق:
“يعني إيه برضه مش فاهم؟”

مال «وليد» بحزعه العلوي يقول بثقة:

“الحق بالمطالبة في القانون يسقط بالتقادم بعد ١٥ سنة، يعني لو الوقت دا فات لا يجوز للدائن مطالبة المدين بحقه، و أنتَ كنت بتمضي من غير تواريخ، أنا بقى علشان مش محترم كتبت تاريخ قبل دا بعشر سنين يعني قانونًا معايا كام سنة محترمين أعرف أطالب بحقي بصفتي من ضمن ورثة فايز الرشيد، يعني على ما المحكمة بقى تشوف الحقيقة و الوصولات دي يتعملها صحة توقيع طبعًا دا غير عقد الشقة اللي بإسمك ودا برضه أقدر أطالب بحقي فيها، وعلى ما يدققوا في  الخط، هتكون عيلة الرشيد كلها خدت حقها منك، علشان كدا أسمعني كويس فاللي هقوله دا”

شَحبَ وجه «حسان» وهو يستمع إلى حديث «وليد»، فوقف مرةً واحدة وهو يقول:

“يعني إيه اللي أنتَ عاوزه دا؟ أنتَ مجنون يا وليد؟”

أومأ له «وليد» موافقًا وهو يقول بثقة:
” أيوا مجنون و كنت مدمن و شمام، يعني من الأخر تربية مصحة إدمان، خلينا بقى نخلص من الفيلم الهندي دا علشان لسه ورايا فرح ومصاريف جواز، وأنتَ عارف يا عمو العيشة بقت صعبة”

نظر له «حسان» بسخرية لازعة وهو يقول بمرارٍ:

“ياه على الدنيا…بقى دا وليد اللي كنت بشيله على رجلي ألاعبه لحد ما ينام في حضني؟ دا أنتَ اتربيت في شقتي أنا وعمتك”

رد عليه «وليد» بسخرية مماثلة سخريته:
“بس متقولش شقة بس، وبعدين التربية طمرت وطلعت الله أكبر عليا واد مفتح، ركز بس أنتَ في اللي جاي علشان يوم الجمعة، يوم المواجهة”

أتى «طارق» ووقف يضرب الجرس، قام «وليد» يقول بثقة ومرحٍ:

“خليك أنتَ يا عمو علشان صحتك، أنا هفتح الباب

قام «وليد» بفتح الباب، فدخل «طارق» يحمل أكياس بلاستيكية من الأطعمة المتنوعة ومعه الدواء، وضع الأشياء على الطاولة ثم قال بنبرة جامدة:

“الحاجات دي علشانها، ياريت تهتم بيها و بصحتها وتركز معاها”

أضاف «وليد» يقول بخبثٍ:
“ياريت علشان لما ناخدها تشوف ماما يوم الجمعة يكون في الخير و البركة إن شاء الله، ولا ماما تيجي تأكلها بنفسها؟”

نظر «حسان» لهما بجمود ولم يعقب، بينما «طارق» دخل الغرفة ينظر عليها قبل رحيله، وجدها تبكي بصمتٍ على الفراش، حمحم هو بهدوء ثم وقف أمام الفراش وهو يسألها بنبرةٍ حاول صبغها بالنبرة الطبيعية:

“عاملة إيه دلوقتي؟ طمنيني؟”

دخل خلفه «وليد» و «حسان» بينما هي نظرت له ببكاء ولم تعقب، سألها تلك المرة «حسان» بنبرة حزينة موجوعة:

“طمنيني عليكِ يا جميلة، طمنيني عليكِ يا بنتي”

صرخت هي في وجهه بإنفعالٍ واضح:

“مــتــقــولــش بــنــتـي، فاهم، أنتَ مش أب،أنا بكرهك”

أخفض رأسه في إنكسار، بينما «وليد» قال في هدوء:

“طب يلا يا طارق ننزل نروح إحنا علشان شغلنا الواقف دا”

هبت هي منتفضة في جلستها وهي تقول بفزعٍ:

“انتو رايحين فين؟ أستنوا هنا”

نظر لها كلاهما، فقالت هي مقررةً:
“أنا هاجي معاكم علشان أشوف أمي، أنتو هتاخدوني ليها”

نظر لها كلاهما بهدوء، فقالت هي بضيق:

“أنا مش هستناكم تبصوا لبعض، أنا عاوزة أشوفها”

تحدث «طارق» يقول بهدوء وكانت نبرته مهتزة تدل على إضطراب موقفه:

“للأسف مش هينفع هي مسافرة بتعمل إشاعات وتحاليل وهترجع يوم الجمعة”

سألته هي بخوف و بنبرة باكية:
“هي مالها فيها إيه؟ أنتو قولتوا إنها مستنياني، صح؟”

بكت في كلمتها الأخيرة، فجلس «طارق» بجانبها يقول بحنوٍ بالغ:

“مستنياكِ والله، بس هي مع خالك بتعمل إشاعات وهترجع تاني، أنتِ بقى خلي بالك وكلي كويس علشان الدكتور كان هنا وقال إنك مهملة أكلك و صحتك”

نظرت له مُتعجبة بنظرة وجع وهي تقول:

“آكل؟! عاوزني بعد كل دا آكل، آكل ليه؟”

رد عليها «وليد» بسرعةٍ كبيرة:
“تاكلي علشان صحتك، وعلشان تقدري تروحي تشوفيها، وعلشان لما تتقابلوا متقعيش من طولك تاني، أنتِ محتاجاها وهي محتاجاكِ”

أومأت هي لهما في هدوء ودموعها تسيلُ على وجنتيها، فوقف «طارق» يأخذ نفسًا عميقًا ثم قال:

“الدوا و الأكل اللي برة علشانك ياريت تخلي بالك من نفسك علشانها وعلشان تقدر تشوفك”

نظرت هي له بحزن ولم تحرك ساكنًا، بينما «وليد» وقف أمام «حسان» ينظر له مثل الصقر يرسل له رسالة مبطنة بنظرته، إلتقط «حسان» نظرته فأخفض رأسه بسرعةٍ، أما هي فنظرت في أثرهما بعد خروجهما، حاول «حسان» الجلوس بجانبها، فوجدها تصرخ في وجهه وهي تقول:

“اطلع برة و سبني أنام”

رد عليها بنبرةٍ حزينة و مستاءة أيضًا:
“علشان خاطري فرصة بس يا جميلة، أنا عملت كدا علشانك”

نظرت له مُتعجبة بتهكمٍ واضح وهي تقول:

“لأ فعلًا، عملت كدا علشاني، حرمتني من أمي، و هربت بيا، و ظلمتها و شكيت فيها كمان، لأ كتر خيرك يا أستاذ حسان، جمايلك مغرقانا كلنا”

وقف هو منتفضًا يقول بحزن:
“إحنا مش واحد يا جميلة، كل واحد فينا بيحكم على الأمور من وجهة نظره، أنا ساعتها الدنيا اسودت في وشي، كنت مش عارف اروح فين، عمري ما تخيلت إن الحب اللي حبيته ليها ممكن يعمل فيا كدا، اللي قهرني أني مش عارف أكرهها، أنا وقتها مكنتش لاقي مبرر لأفعالها معايا، لكن بعد ما الجوابات دي ظهرت قدامي كل اللي كانت بتعمله فيا وضح سببه قدامي، نسيت الكام يوم اللي عاملتني فيهم كويس، وافتكرت بس السنين اللي كانت مش طيقاني فيهم”

إبتسمت بتهكمٍ وهي تقول بسخرية لازعة:
“أنتَ إيه؟ مش عاوز تقتنع إنك ظالم؟ أنتَ مفتري، وضيعت حياتي و حياتها بسبب إنك أناني، والله أعلم حالها إيه ولا ناس مين اللي إتظلموا وأنتو مش عاوزين تجاوبوني، من فضلك أخرج برة و سبني أنام، ومن هنا لحد يوم الجمعة مش عاوزاك تتعامل معايا

أومأ لها في خزيٌ ثم خرج من الغرفة مُنكسرًا مُطرقًا رأسه للأسفل، أما هي فأمسكت الزجاجة التي بجانبها ثم ألقتها على الأرضية بجانبها بعدها ألقت جسدها على الفراش بحزنٍ ثم فرت دموعها رغمًا عنها تبعتها بصرخة مكتومة أسفل يدها الموضوعة على فمها، سمع هو ما حدث من الخارج، فإلتفت يضرب رأسه في الحائط الذي كان بخلفه.
____________

في بيت «ميمي» وصل الشباب جميعهم وهم يشعرون بالألم في جميع أنحاء جسدهم إثر المجهود المبذول في حمل الأشياء، حتى «عامر» شعر بالألم هو الأخر لكن من كثرة رقصه مع الجيران بعدما أعلنها صراحةً أنه يريد من الجميع مشاركته في الرقص كَتعبيرًا منهم عن فرحتهم به، دخل الجميع وهم يشعرون بوخز الآلام، فإرتمى كلًا منهم على أريكة من الثلاث، أما «ياسين» فإرتمى على الأرضية مكان جلوسها هي، ثوانٍ ورفع رأسه يضعها على فخذها، تعجبت هي بادئ الأمر، وبعد ثوان مدت أناملها تداعب خصلاته، فوجدت «ميمي» تقول بهدوء:

“هينام كدا يا خديجة، ياسين طالما لعبتي في شعره بينام”

رد عليها هو بحنقٍ زائف:
“ياستي سيبيها أنتِ قطاعة أرزاق ليه؟ كملي يا بنتي الله يكرم أصلك”

إبتسمت هي بإتساع ثم داعبت خصلاته من جديد بحب شديد كما لو أنه طفلها الصغير، ثوانٍ و خرجن الفتيات الثلاثة من الداخل، نظرت لهم «إيمان» بسخرية وهي تقول:

“الله أكبر عليكم، كل واحد فيكم مرمي زي الجثة؟ فوقوا منك ليه”

رد عليها «خالد» بضيق و نبرة منفعلة:
“يمين بالله يا إيمان لو فتحتي بوقك لأقوم أدوقك اللي دوقته،
أنا لوحدي شايل تلاجة وطالع بيها الدور السادس، أخرسي أحسن لك”

تحدث «ياسين» يضيف بإنهاك واضح:

“أومال أنا أعمل إيه؟ أنتَ ياسر ساعدك من الأول، أنا عمار سابني مع التلاجة وضهري طرقع، تقريبًا تلاجة عامر جاية بأكلها”

رد عليه «عامر» بسخرية:
“سيبوا عامر في حاله، أنا ضهري أتقطم منكم لله، اتهديت رقص وصوتي راح”

قذفه «ياسر» بزجاجة المياه وهو يقول بضجرٍ من أفعاله الصبيانية:
“ماهو من قلة أدبك، فضحتنا قدام الناس ولميت علينا الشوارع كلها، فاكر نفسك عيل صغير راكب العربية تصقف و ترقص، وياريتك ساعدتنا”

رد عليه «عامر» ببراءة كاذبة:
“الله !! فيها إيه يا ياسر مش أنتو أخواتي برضه، وبعدين بذمتك عمرك شوفت عريس بيروح من غير هيصة”

صرخ «ياسين» بضيق و هو يقول:
“أخرس خالص مسمعش صوتك، منك لله يا بعيد، اقولك ناولني الأنبوبة تقوم حدفها على رجلي، أنتَ مجنون يالا؟”

ضحك «خالد» وهو يقول بسخرية:

“أنا قولت أنتَ هتتجبس النهاردة، بس الحمد لله قدر و لطف”

تحدثت «سارة» تقول بقلة حيلة:
“ياربي كل دا حصلكم؟ حرام والله الرجالة بتتعب أوي، دا إحنا هنا عمالين نرتب شنط هدوم وتعبنا”

أمسكت «ريهام» صغيرها وهي تقول:
“طب يلا يا جماعة نروح علشان الاسبوع دا صعب أوي، لسه هنفضل نروح نفرش الشقق”

سألتها «إيمان» بنبرة حائرة:
“طب ودي نعملها إزاي؟”

ردت عليها «سارة» بهدوء:
“هنتجمع إحنا الأربعة في شقة كل واحدة يومين لحد ما نخلص فرش الشقة”

ردت عليهن «خديجة» بفرحٍ مثل الأطفال:
“أنا بحب الحاجات دي أوي، ينفع أجي معاكم؟”

ضحك الجميع عليها حتى «ياسين»، بينما «إيمان» إقتربت منها تمسكها من مرفقها وهي تقول بضيق و بنبرةٍ مُخيفة:

“شوفي بقى علشان أنا جبت أخري منك، تربيتك مش نافعة معايا، قولتلك من هنا ورايح عاوزاكِ جامدة، يعني مش عاوزاكِ تستأذني لأ، عاوزاكِ تاخديها عافية زوق، فهمتي يا خديجة؟ وبعدين البت قالت هنروح إحنا الأربعة تفتكري من الرابعة؟ أمي يا خديجة!!”

حركت «خديجة» رأسها نفيًا بقوة، فقالت «إيمان» بهدوء وهي تبتسم بسمة شيطانية بثت الرعب بداخلها:

“أيوا كدا جدعة، بعد كدا تعملي حسابك إنك مننا غصب عننا، يعني مفيش حاجة إسمها ينفع أجي معاكم، لأ هي إسمها أنا جاية معاكم، ماشي يا كتكوتة؟!”

أومأت لها عدة مرات بخوفٍ ثم بعد ذلك إبتسمت بإتساع، وقفت «إيمان» بعدما كانت مستندة على ركبتيها وهي تقول:

“ناس متجيش غير بالعين الحمرا”

رد عليها «ياسين» بسخرية:
“متشكرين يا ستي، هي عجباني وهي كتكوتة كدا”

ردت عليه «إيمان» بنبرة شريرة:
“وأنتَ فاكر أني هسيبهالك كدا؟ صبرك عليا أتجوز بس، وهفوقلكم”

تدخل «ياسر» يقول بإنهاك واضح:
“خد مراتك و إهرب يا ياسين، إهرب ربنا معاك”

رد عليه «ياسين» بشكٍ وهو يسخر منه:
“ليه حاسس كدا والله أعلم يا ياسر أنك بتتريق؟”

رد «عامر» بنفس السخرية:
“حاسس !! يا جدع دا واخدك تلسية”

قام «ياسين» وإعتدل في جلسته وهو يقول بعدما تثاءب:

“أنا هاخدها وأهرب فعلًا علشان ألحق أروحها قبل ما أنام”

وقفت هي الأخرى ثم قالت بهدوء:
“بصراحة أنا متأخرة أوي عن كل مرة، وكمان علشان أعرف أجي ليكم كل يوم”

ودعت هي الجميع ثم نزلت معه، ركبا السيارة معًا، كان هو يتثاءب بإستمرار وهي تنظر له بتعجب، فسألته بنبرة مندهشة:

“أنتَ نايم ولا صاحي ولا حكايتك إيه يا عم ياسين؟”

رفع حاجبه ينظر لها مُتعجبًا ثم قال بسخرية:

“صاحي يا نجم متخافش، وبعدين إيه عم ياسين دي يا خديجة؟ أنتِ قعدتك مع إيمان كدا خطر”

ضحكت ثم قالت مبتسمة:
“لأ والله دي عسل أوي، و اتعلمت منها حاجات كتير”

غمز لها بوقاحة ثم تبع فعلته بخبثٍ:
“آه مانا خدت بالي من اللي عملتيه النهاردة”

إتسعت مقلتيها حينما فهمت مقصده، فوجدته يقول بمرحٍ:

“براحتك يا ست الكل أنا مش غريب، عودًا حميدًا يا خديجة، كدا مبروك رجوعك رسميًا”

لوحت له بيدها ثم قالت بضيق:
“يوه بقى خلاص دي كانت حركة عفوية غصب عني يعني”

غمز لها يقول بخبثٍ و وقاحة:
“ياستي إحنا قولنا حاجة؟ ربنا يكتر عفويتك ويبارك فيها”

نظرت هي له بشكٍ ثم قالت بضيق زائف:

“أنتَ ليه بقيت قليل الأدب؟ أنتَ ماكنتش كدا”

رد عليها مُعقبًا بحنقٍ:
“يا جهلة دي مش قلة أدب، قلة الأدب لو مع حد غريب، لكن أنتِ مراتي”

ردت عليه هي بنفس الحنق:
“متقولش جهلة، أنتَ اللي جاهل يا ياسين”

نظر لها يبتسم بهدوء ثم قال بنبرةٍ مُحبة تخرج منه حينما يُغازلها:

“حَتـىٰ وإنْ كُـنتُ في تِلـك الحَـياةِ جـاهـلًا إلا إنـني في حُبكِ فيلسوف…حتـىٰ وإنْ سِرتُ في الطُـرقاتِ زاهـدًا إلا أنـني لِـرؤية بسمتكِ شَغوف”

نظرت له بأعين متسعة و فاهٍ مفتوح، فوجدته يضيف هامسًا بمرحٍ بعدما غمز له بطرف عينه:

“خلاص يا ست الكل طالما سكتِ يبقى كدا أتثبتِ”

ضحكت هي بقوة تلك المرة فوجدته يقول بِـحُب:

“تِـلك الضَحكات الجَميلة تَسرقُ قَـلّبي المسـكين..فَـيرقُص بيْن أضلُعي فَرِحًا و يَفيضُ من عيني الحـنيّن”

زادت بسمتها إتساعًا فوجدته يقول بمرحٍ كعادته:

“خلاص يا ست الكل طالما سكتِ يبقى كدا أتثبتِ”

نظرت له ببلاهة وهي تقول:
“مرتين ورا بعض؟ قولتها مرتين ورا بعض يا ياسين؟”

أومأ لها مؤكدًا حديثها وهو يقول:

“بصراحة أنا لو عليا أثبتك العمر كله يا خديجة معنديش أي مانع”

أخفضت رأسها في خجلٍ تحاول كتم ضحكتها ناهيكم عن ضربات قلبها التي أوشكت على التوقف من قوتها بسبب فرحتها من حديثه الذي دائمًا و أبدًا يطرب آذانها.
___________

مرت الأيام التالية بسرعة كبيرة وكانت تشبه ما سبقها كثيرًا، كانت «خديجة» طوال الأيام تجلس نهارًا بجانب عمتها التي ساء وضعها كثيرًا و تم وضعها على الأجهزة الطبية داخل البيت، وفي المساء كانت تذهب مع زوجات الشباب تساعدهن في تجهيز شققهن الزوجية، كان «وليد» يحاول طوال الأسبوع مراضاة والدته، لكنها كانت ترفض و تتركه، أما عن «طه» فكان يحاول عودة العلاقات مع إبنته لكنه لم يستطع بسبب عدم تواجدها في البيت، كانت «جميلة» طوال الأيام الماضية جالسة في غرفتها تأكل فقط بعض اللقيمات الصغيرة، وكان «حسان» يحاول التحدث معها لكنها كانت ترفض رفضًا قاطعًا، فلم تستطع حتى «نادية» جارتها إخراجها من حزنها، اما عن «ياسين» وأصدقائة فكان جميعهم يعملون على قدمٍ و ساق حتى يتم التجهيز للفرح،

تحديدًا في يوم الجمعة، إستيقظت «خديجة» بحماس لتلك المناسبة السعيدة التي جعلت قلبها يرقص من شدة الفرح، تجهزت وأخذت ثيابها بعدما إطمئنت على عمتها، بعد ذلك ذهبت إلى بيت «ميمي»، في بيت آلـ الرشيد كان الجميع يجلسون في الشقة الموضوعة بها «مشيرة» وهم يشعرون بالأسى لأجلها، كانت «فاطمة» جالسة في شقتها بمفردها تبكي بعدما عجزت عن التواصل مع بناتها، خرجت «سلمى» بهدوء وهي تقول:

“جماعة عمتو شكلها فاقت، فتحت عينها”

ركض الجميع إلى الداخل حتى يروها، فقالت هي بنبرةٍ متقطعة إثر إنهاك روحها قبل جسدها:

“هو….حصلي إيه…أنا فين؟”

ردت عليه «زينب» بنبرةٍ شبه باكية:

“أنتِ في بيتك يا مشيرة، ألف حمدًا لله على سلامتك”

بكت «مشيرة» حينما تذكرت ما حدث ثم قالت ببكاء:

“هي….هي عايشة بجد؟ يعني دا…. مكانش حلم؟”

رد عليها «مرتضى» بهدوء:
“أيوا حصل، بنتك عايشة، فوقي بقى علشان تشوفك”

نظرت هي لـ «وليد» ثم قالت بنبرةٍ مترجية ببكاء:

“اعتبرني بموت يا وليد…وهاتها ليا، علشان خاطري،…. لو عاوزني أبوس رجلك…معنديش مانع”

نظر هو لها باندهاش فوجدها تحاول الأعتدال في جلستها حتى تستطع الوصول إلى كفه حتى تقبله، ابعد هو يده عنها وهو يقول بجمود:

“أنا مش عاوز منك حاجة، وبنتك هجبهالك، هي دلوقتي عرفت إنك عايشة”

سألته هي بغير تصديق:
“بنتي عرفت إن أمها موجودة؟ طب هي فين؟ مجاتش تسأل عليا؟”

كانت تسأله بنبرةٍ موجوعة، فـرد عليها «طارق» بهدوء:

“هتيجي النهاردة، ارتاحي أنتِ وهي هتيجي علشان تشوفك”

سألته بحماس رغم ألمها:
“بجد؟ هتيجي، هشوف بنتي؟”

أومأ لها الجميع، فألقت هي جسدها على الفراش تبكِ بقوة نظر لها الجميع بأسى، أما «وليد» فخرج وهو يحاول كتم دموعه، رآته «عبلة» على حالته تلك فخرجت وارءه وهي تقول بتعجب:

“وليد !! استنى بتعيط ليه؟”

إلتفت ينظر لها بأعين دامعة ثم قال بثبات مصطنع:

“أنا مش بعيط ولا حاجة، هي بس حاجة دخلت في عيني”

إقتربت منه تمسح دموعه بأناملها وهي تقول بهدوء:

“هتكدب عليا يا وليد؟ هو دا وجودي في حياتك؟ قولي مالك؟”

أمام نبرتها الحنونة تلك وجد نفسه يحتضنها وهو يقول ببكاء:

“خايف، أنا خايف يا عبلة، كل حاجة بقت بتخوفني اللي فات كله مخوفني واللي جاي مخوفني، شكلها فكرني بنفسي في المصحة لما كنت بتحايل عليهم يرحموني من الوجع، كنت بموت علشان حد فيهم يريحني، أنا تعبت ساعتها و مش عاوز حد يتحايل على حد تاني، حتى أنتِ متسبنيش يا عبلة والله هضيع من غيرك”

بكت هي الأخرى ثم رفعت ذراعيها تربت عليه وهي تقول كما لو أنها تعامل صغيرها:

“متخافش أنا معاك، وعمري كله مش هسيبك فيه، وبعدين فوق كدا علشان أنتَ اللي بتعمل كل حاجة، مش هينفع تضعف و غيرك بيستقوى بيك يا وليد، أنا أفديك بعمري والله، بس مش عاوزاك تضعف أنتَ اتعافيت خلاص يا وليد”

إبتعد عنها ثم ربت على وجنتيها وهو يقول بحب وبنبرة متأثرة:
“أنا إتعافيت بوجودك يا عبلة، حبك كان محركني، ودلوقتي هيحركني تاني علشان أكمل اللي عاوزه”

أتى «محمد» من الخلف وهو يقول بسخرية:

“يا سلام يا اخويا؟ قال إتعافيت بوجودك قال، قصدك اتعافيت بحضنك يا عبلة”

إلتفت ينظر له بثبات بعدما إستعاد رابطة جأشه وهو يقول:

“أنتَ إيه اللي جابك كنت لسه هبوسها يا عمي”

نظر له بضيق وهو يقول بسخرية:
“ودي تبع كورس التعافي برضه يا وليد؟”

غمز له يقول بوقاحة:
“لأ دي تبع كورس الفرفشة يا حمايا”

أتى «طارق» من الداخل وهو يقول بضيق:

“يلا يا وليد خلينا نروح نشوف مشوارنا، علشان نشوف أخرة اللي إحنا فيه دا”

أومأ له «وليد» ثم نظر لزوجته يقول بهدوء:

“أدعيلنا يا عبلة، النهاردة يوم مرعب و كلمي وئام خليه يجي”

أومأت له، في تلك الحظة دخل «أحمد» نظر له «وليد» بإستفسار فوجده يومأ له بثقة، بادله «وليد» نفس الإيماءة ثم نزل مع «طارق» حتى يأتوا بـ «جميلة».
___________

وصلت «خديجة» إلى بيت «ميمي» وبعد إجتماعهن أخذهن «ياسين» بسيارته ثم ذهب إلى القاعة حتى يتجهزن بها في المكان المخصص لهن، عاد هو مرةً أُخرى إلى شقة «ميمي» ضرب جرس الباب ففتح له شخصٌ يرتدي ملابس داخلية بيضاء اللون و وجهه باللون الأبيض يبدو وكأنه (عفريت) إتسعت مقلتي «ياسين» بفزعٍ وهو يقول:
“أعوذ بالله من الخبث و الخبائث !! أنتَ مين؟”

رد عليه «عامر» بهدوء وكأنه لم يفعل شيئًا:

“أنا عامر يا ياسين، أنتَ نستني؟”

نظر له «ياسين» بإندهاش وهو يقول بنبرة متعجبة:

“أنتَ شايف إنك عادي يعني؟ إيه اللي في وشك دا؟”

دخل «عامر» الشقة وهو يقول بتكبرٍ:

“دا علشان أنا العريس، آه صحيح ما أنتَ لسه بدري عليك”

دخل «ياسين» ثم أغلق الباب خلفه لكنه شهق بقوة حينما رآى البقية بنفس وضع «عامر» حتى «ميمي» نظر هو في أوجه الجميع ثم قال بتعجب:

“أنتو اتجننتوا ولا إيه؟ ما أنا سايبكم كويسين، حصلكم إيه؟”

رد عليه «خالد» بضيق و نبرة حانقة:

“دا قرار سي زفت، عاوزنا منورين و نشرفه في الفرح”

إبتسم «ياسين» بسخرية وهو يقول:
“المهم هو يشرفنا و ميفضحناش قدام الناس”

تحدثت «ميمي» تقول بضيق:
“أنا وشي تعبني من البتاع دا، منك لله يا عامر”

خرج هو من الداخل يقول بمرحٍ:
“أستحملوني النهاردة بس علشان دا أخر يوم في حياتي العادية”

سأله «ياسر» وهو قاطبًا جبينه بتعجب:
“أخر يوم في حياتك العادية؟ ليه يعني؟”

رد عليه بثقة:
“بعد كدا هبقى إنسان متجوز، علشان أنا هبقى أستاذ عامر”

ضحكوا عليه جميعًا، بينما هو وقف بجانب «ياسين» وهو يقول:
“يلا يا ياسين علشان أحطلك ماسك أنتَ كمان، دا ياسر اللي شبه مهند حط، يلا أنتَ كمان”

رد عليه «ياسين» بضيق:
“أمشي يلا من قدامي، الماسك دا على جثتي أحطه”

(بعد مرور النصف ساعة)

_”عامر هو الماسك دا بينشف إمتى؟ عاوز أغسل وشي زيكم”

خرجت تلك الجملة المستفسرة من «ياسين»، ضحك الجميع عليه فقالت «ميمي» بسخرية:

“بيعجبني فيكم الثبات عل المبدأ”

نظر لها «ياسين» بفخرٍ مصطنع وهو يقول:

“طبعًا أنا كلمتي سيف، حتى أسألي عامر”

ضحكوا جميعًا وفجأة إرتفع صوت الموسيقى عاليًا ، تفاجأ الجميع وهم ينظرون لبعضهم البعض، لكن تفاجأهم لم يدم طويلًا حينما خرج «عامر» من الغرفة وهو يرقص على تلك الأغاني الشعبية الصاخبة، لم يستطع أيًا منهم تمالك نفسه في التعبير عن فرحته فوققوا جميعًا يرقصون سويًا بعدها إلتفوا حول «ميمي» يرقصون حولها وهم يصفقون تصفيقًا حارًا متناغمًا مع لحن الكلمات، كانت هي تصفق معهم و دموعها تسيل على وجنتيها من شدة فرحها، فجأة إجتمعوا سويًا يحتضنوها، فزاد بكاءها وهي تقول:

“ربنا يباركلي فيكم، ويكمل فرحتكم على خير، أنا قلبي هيقف من الفرحة”

نطق «ياسر» بخوف:
“لأ أبوس راسك،أوعي تنكدي علينا”

تدخل «عامر» يقول بفزعٍ:
“لأ علشان خاطري،أستني أرجع من شهر العسل”

إتسعت مقلتيها وهي تقول بحنقٍ زائف:

“يا ندل أنتَ وهو؟! يعني بعد الفرح أعملها وأتكل يعني؟”

رد عليها «خالد» بهدوء:
“لا بعد الفرح ولا قبله، إحنا عاوزينك معانا العمر كله، علشان أنتِ بيتنا يا ميمي”

ربتت على وجنته وهي تقول بحب:
“ربنا خد مني ولدين، و رزقني بأربع ملايكة، أنتو رزق ربنا ليا و عوضه عن أيامي الوحشة”

إحتضنوها مرةً أُخرى بحب وكلًا منهم يشدد العناق على الأخر، فكانت هي في المنتصف وهم جميعهم يشكلون دائرة حولها.
____________

وصل «طارق» و «وليد» أسفل البناية التي يقطن بها «حسان» ، لكنهما تفاجئا حينما وجدوهما أسفل البناية في إنتظارهما، نظر كلاهما للأخر بتعجب، فتحدث «حسان» يقول بثبات مصطنع على الرغم من خوفه من تلك المقابلة:

“جميلة من الصبح مستينة إنكم تيجوا، علشان كدا نزلت تستناكم هنا”

أومأ له «وليد» وهو يقول:
“مفيش مشاكل اركبوا يلا علشان نلحق الوقت”

لم تتحدث هي بحرفٍ واحدٍ بل ركبت السيارة بصمت مُخيف، قبل أن يركب «حسان» هو الآخر أمسكه «وليد» من مرفقه وهو يقول بضيق:

“أنتَ عملت إيه؟ هي مالها ساكتة ليه؟ دا منظر واحدة رايحة تشوف أمها بعد غياب أكتر من ١٥ سنة، أنتَ قولتلها على اللي بيننا؟”

أبعد «حسان» يده بضيق وهو يقول بنبرة حانقة:

“أنا مقولتش حاجة، هي اللي مصدومة مش أكتر، يلا بقى خلينا نخلص من اليوم دا”

أومأ له «وليد» ثم ركب بجانب مقعد القيادة الذي كان يجلس عليه «طارق»، كان الجميع طوال الطريق صامتون، أما هي فكانت تشعر بمشاعر عِدة، الخوف و الفرح و الأمل والحماس و الذعر، يا الله كيف لقلب ضعيف أن يتحمل كل تلك المشاعر في آنٍ واحد؟ رغمًا عنها فرت دموعها على وجنتيها، وهي تشعر بالخوف يزيد مما هو قادم، كانت شاردة طوال الطريق، و «طارق» يتابعها بعيناه في الخلف، أما «وليد» لم يرسل نظارات بل كانت شعاعات من الرعب يبثها في قلب «حسان» جعله يخشى مما هو قادم و مما هو سابق، أوقف «طارق» السيارة أمام البيت وهو يقول بعدما حمحم بهدوء:

“دا البيت إحنا وصلنا”

رفعت هي رأسها من على النافذة بسرعةٍ كبيرة تنظر حولها،فوجدت والدها يومأ لها، حركت هي رأسها للجهة الأخرى
بضيق منه، ثم نزلت من السيارة، وقفت بجانبهم فأشار لها «طارق» بالدخول للبناية، أومأت له في هدوء ثم أمسكت كفيها ببعضهما البعض وهي تضغط عليهما بخوف من القادم، دخل كلاهما وهي و والدها يتبعهما كانت تقدم قدمًا و تؤخر الأخرى، يبدو أن قدماها لن تسعفها في تلك المهمة، ما هذا؟ كيف تسير مثل الجسد بلا روح؟ فجأة وجدت نفسها أمام أشخاص كثيرون جميعهم  ينظرون لها بأعين تفيض من الشوق أطنانًا، كان الجميع يلقون عليها التحية تارة تجد نفسها بين ذراعي إمرأة و فجأة بين ذراعي رجل من أخوان والدتها، وفجأة بين ذراعي فتاة تقربها في العمر، لم تعي هي لما حولها،فقط تبحث بعنياها عن والدتها، ذلك اللقاء المنتظر منذ عدة أعوام، دخل «حسان» بعدها وهو يقول بنبرة مهزوزة:

“السلام عليكم ورحمة الله وبركاته”

نظر له الجميع بضيق، وأعينهم تشع نيران حانقة عليه، إقتربت «زينب» من «جميلة» تمسكها من يدها وهي تقول بهدوء وببسمةٍ بشوشة:

“تعالي علشان هي مستنياكِ، بقالها اسبوع نايمة، وسبحان الله ربك أراد تفوق النهاردة علشان تشوفك”

أومأت لها «جميلة» بأعين باكية ثم سارت معها بخوف و ضربات قلبها تضرب مثل الصاعق الكهربائي، بالطبع هذه لا يمكن أن تكون مجرد نبضات، هذه من المؤكد كهرباء تسير في الجسد، وقفت «زينب» أمام الباب، ثم أخذت نفسًا عميقًا بعدها فتحته بهدوء، إلتفتت بعد ذلك تشير برأسها إلى «جميلة» تحثها على دخول الغرفة، نظرت لها بأعين تحمل الكثير من النظرات و بوجهٍ يُظهر الكثير من المشاعر، دخلت الغرفة وهي تنظر على الفراش، إتسعت حدقتيها وهي ترى إمرأة تشبهها إلى حدٍ كبير، تتوسط الفراش، و الإبرة الطبية موصولة في المحاليل، أما عن جفونها فهي مغلقة ويبدو أنها إستسلمت لمرضها، لم تستطع منع نفسها من الإقتراب و كأن روحها تقودها إلى حيث أتت، سارت بخطى مهزوزة حتى وصلت إلى الفراش، جلست بجانبها وهي تبكي بشدة ولم تستطع التحكم في يدها وهي ترتفع تربت على وجنتيها بحنوٍ بالغ، وعند تلك النقطة إجهشت في بكاء مرير وكأنها تخشى أن ما هي عليه الآن يصبح مجرد خيال من ضمن آلاف الخيالات التي ظنتها في عقلها مرارًا و تكرارًا، فتحت «مشيرة» أعينها حينما شعرت بكفين ناعمين يربتا على وجنتيها، نظرت لها «مشيرة» بتمعن تتفحص ملامحها، فوجدت «جميلة» تسألها ببكاء و بنبرةٍ مهتزة:
“مـ..ماما ؟!”

رغمًا عنها بكت بقوة حينما سمعت تلك الكلمة التي ظنت نفسها لن تسمعها مرةً أُخرى في حياتها، و لم تستطع التحكم في ذراعيها وهما يرتفعا حتى يحتضنا إبنتها، إرتمت هي بين ذراعي والدتها وهي تصرخ من بين شهقاتها:

“مـــامـــا”

ربتت عليها «مشيرة» وهي تقول ببكاء هي الأخرى:

“أيوا أيوا أنا يا قلب ماما..أنا يا جميلة”

صرخت «جميلة»فجأة بقوة وكأنها بذلك تخرج النيران التي تلتهم صدرها:

“آه..يا ماما..آه”

بكت «زينب» هي الأخرى و زادت شهقاتها، وحينما أوشكت على الخروج من الغرفة، تحدثت «مشيرة» تقول بنبرةٍ مترجية:

“استني يا زينب، متمشيش، جميلة لازم تعرف كل حاجة”

نظرت لها «زينب» بإندهاش فوجدتها تومأ وكأنها تخبرها أنه لا مفر، نظرت «جميلة» لهن بتعجب وبأعين باكية، فقالت «مشيرة» بنبرة مهتزة و منهكة إثر مرضها:
“خليهم يدخلوا يا زينب…. كلهم”

بعد قليل إجتمعت العائلة بأجمعها في غرفة «مشيرة» عدا «حسان» الذي كان يقدم قدمًا و يؤخر الأخرى، فهو حتى الآن لم يقوى على مواجهتها، لكنه حسم أمره ودخل الغرفة في نهاية الأمر، نظرت هي له بالكثير من المشاعر المضطربة جميعها معًا، الشوق و الحب والخوف والخذلان، و الإشمئزاز، بينما هو نظر لها بحب و شوق، وأول من تحدث بضيق كان «طه» حينما قال:

“ياريت نخلص، وتقولي عاوزة إيه مننا”

نظرت له «جميلة» بتعجب، بينما «مشيرة» نظرت له بإنكسار ثم أخذت نفسًا عميقًا وهي تقول:

“عاوزة أقول أنا كمان….عاوزة أكفر عن ذنوبي….ذنب خديجة
و زينب و مروة و وليد… عاوزة أخلص من اللي على قلبي دا”

نظر لها الجميع باندهاش، فإلتفتت هي تنظر لابنتها بأعين منكسرة وهي تقول بنبرةٍ شبه باكية:

“أنتِ رجعتي تاني وأنا شوفتك…أنا بقى عاوزة أقولك عملت إيه في غيابك”

نظرت لها «جميلة» مستفسرة بتعجب فوجدتها تأخذ نفسًا عميقًا، ثم شرعت في سرد أفعالها الماضية تجاه «خديجة» و «زينب» وكل ما حدث للجميع منها كان الجميع يسمعون الحديث بضيق و حُنق من تلك الذكريات المريرة، أما «جميلة» فكانت أعينها تتسع تارة و ملامحها تتبدل للإنكسار تارةً أخرى، أنهت «مشيرة» سرد أفعالها حتى كشف السر الخاص بـ «خديجة» وعلاجها عند الطبيبة النفسية، فوقفت «جميلة» منتفضة وهي تصرخ في وجهها قائلة بتقزز:

“بــــس، كِــــفاية، أنتِ إيه؟!”

تفاجأ الجميع من رد فعلها، فقالت هي من بين دموعها:

“أنا جيت هنا ليه؟ وأنتو ظهرتوا في حياتي ليه؟ أنتِ مش إنسانة؟ مش بتحسي؟ تظلمي عيلة صغيرة معاكِ علشان تنتقمي ليا؟ تأذي واحدة بريئة متعرفش أي حاجة في الحياة علشان فاكرة إنك كدا بترجعي حقي و حقك؟ عيلة صغيرة بدل ما تعيش طفولتها تطلع معقدة و توصل لدكتور نفساني؟ طفلة بدل ما تاخديها في حضنك، كنتِ بتتهميها بقلة الأدب و السرقة؟ عيلة بدل ما تحضنيها و تطبطبي عليها تاخد كل يوم علقة لحد ما تنام من الوجع؟ انتو إيه؟ إيه القـــرف دا؟”

ثم نظرت لأبيها وهي تقول بضيق وإنفعال:

“وأنتَ يا أستاذ حسان؟ بتظلم و تسوء الظن بالناس؟ شوفت أخرة عملتك السودا؟ شوفت فيه كام حد دفع التمن؟ شوفت وصلت بتسرعك لفين؟ شوفت أخرة الغباء إيه؟”

هَمَ بالرد عليهما فأوقفته تقول بهياجٍ واضح:
“بــــس…متتكلمش، مش عاوزة أسمع صوتك ولا صوتها، وأنسوا بقى جميلة من حياتكم، أنا هرجع تاني الصعيد، عند الناس اللي مش شبهي، هما انضف مليون مرة منكم، يارتني كنت مُت قبل ما أشوف القرف دا”

أوشكت «جميلة» عل الخروج من الغرفة فأوقفتها «مشيرة» تقول ببكاء و بنبرةٍ مترجية:

“جميلة….بنتي”

إلتفتت تنظر لها بصراخ وهي تقول:

“متقوليش بنتي، أنا مش بنتك، ومليش شرف أكون بنتك ، ولا بنته، وزي ما أنا كنت فاكرة نفسي يتيمة الأم هفضل كدا، وزيادة معاها يتيمة الأب، للأسف أنا بكرهكم”

ركضت من الغرفة و ركض الجميع خلفها عدا «مشيرة» التي ألقت رأسها على الفراش خلفها وهي تضربها بقوة، والدموع تسيل على وجنتيها، قبل أن تخرج «جميلة» من الشقة دخل «أحمد» و معه رجل في العقد الخامس من عمره، نظر لهما الجميع بتعجب، فإبتسم «وليد» بأريحية ثم قال:

“معلش يا جميلة مش هينفع تخرجي من هنا”

إلتفتت تنظر له بحنقٍ وهي تقول:
“نعم ؟! يعني إيه مش هخرج من هنا، أنا محدش يقدر يمنعني”

نظر لها «طارق» بضيق ولم يعقب، فقال «وليد» بثقة و بنبرةٍ جامدة لا تقبل النقاش:

“فيه عروسة محترمة برضه تسيب كتب كتابها و تمشي ؟”

رد عليه «طارق» بضيق وهو يقول بإنفعالٍ:

“أنتَ بتقول إيه يا وليد، أنتَ إتجننت ؟!”

نظر له «وليد» وهو يقول مباركًا له ببرود خبيث:

“ألف مبروك يا طارق، كتب كتابك النهاردة على جميلة، المأذون موجود و الشهود، حد يسمعنا زغروطة”

يُتَبع

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. اخخخخخخخخخ يجنننننن الرؤية بشكل مو طبيعي وخاصة شخصية وليد ذا حبيته هو و خططه اما ياسيننن ذا اخذ قلبيييييي😩❤️❤️❤️

  2. خلاص ما اقدر اتحمل اكثر كل مرا اشوف حلقه اقول اكتب رأي بس في الاخير اتراجع بس هذا المرا مااقدر اتحمل لازم اقول رايي صراحة الرؤية دخل قلبييي بشكل مو طبيعي ياخي تمنيت اكون وحده من الشخصيات اللي برؤية وخاضة كنت ابغى اكون شخصية خديجه بس عشان ياسين😉😩❤️❤️

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى