_عندك إيه النهاردة يا زعفرانة؟
_افتكرت حكاية عن الهالوين؛ قهوتك بقى وورقك وقلمك؛ وأنا هخلّي أكرم يحكي لك بالتفصيل.
*
كان حظّي كويس إني لقيت الدنيا بتمطّر لما رجعت مصر، أصل أنا بحب المطر، ولأني مولود في بلد عربي وفضلت عايش هناك، فأحِب أعرَّفكم إن دي أول مرة آجي مصر فيها، أخيرًا حققت حلم من أحلامي، وهو إني أشوف بلدي اللي كان قدري أتولد وأعيش برَّه منها.
ولأن العيلة كلها عايشة برَّة من سنين طويلة؛ فَدَه كان سبب إن ماليش حد هنا، مكَانش في غير وسام؛ صديق اتعرَّفت عليه من النت، وهو اللي شجّعني أنزل مصر كام يوم، ولما بلَّغته إني حجزت تذكرة الطيران قام بالواجب وحجز لي أوضة في فندق، وكان المفروض يستقبلني، لكن قبل ما أركب الطيارة لقيته باعت لي رسالة بيقول فيها: “معلش يا أكرم، حصل عندي ظرف طارئ ومش هقدر آجي أستقبلك في المطار، لكن هبعت واحد يستقبلك ويوصلك الفندق، وهتلاقيني عندك تاني يوم”. قرأت الرسالة على باب الطيارة؛ عشان كِدَه مكانش في وقت أرد عليها.
لما وصلت ختمت جوازي واستلمت شنطتي؛ خرجت لقيت واحد واقف وفي إيده ورقة مكتوب عليها اسمي، عرَّفته بنفسي وساعتها أخدني ووصّلني للفندق، ولما وقفت قدام موظف الاستقبال اللي كان بيراجع بياناتي رنيت على وسام عشان أقول له إني وصلت، لكن تليفونه كان مقفول، رنيت تاني وتالت لكن برضه مفيش جديد، لحد ما لقيت موظف الاستقبال بيناولني مفتاح وبيقول لي:
_أستاذ أكرم؛ أوضة رقم ٢٣ الدور التاني يمين.
حطيت تليفوني في جيبي وأخدت المفتاح، ويادوب بلتِفت عشان أشيل الشنطة لقيت في وشي واحد كبير في السن، لما بصيت لعينيه لقيت إن واحدة منهم لونها أبيض، جسمي اتهز ورجعت خطوة لورا وأنا بقول له:
_في حاجة يا حاج؟
ساعتها رد عليا بكل هدوء وقال لي:
_أشيل لَك الشنطة يابني؟
عرفت إنه من السيرفس اللي في الفندق، وساعتها لقيت نفسي بقول له:
_ماشي يا حاج، ربنا يقوّيك ويرزقك.
مشيت وراه وطلعت على السلم، وكام خطوة على كام سلّمة لقيت نفسي فوق، والراجل الكبير اللي افتكرت إني هشيله هو والشنطة لقيته سابقني، كنت بقول في بالي: الله يقوّيك يا حاج، لكن اتفاجأت إنه بيقول لي:
_ربنا يكرمك يابني!
استغربت إزاي سمعني رغم إني كنت بتكلم في سرّي، لدرجة إني اتسمّرت في مكاني وقلت له:
_أنت إزاي سمعتني؟
ساعتها بَص لي باستغراب وقال:
_سمعتك بوداني يابني، أي نعم أنا راجل كبير في السن بس وداني شغّالة وسمعي لسه بخير.
_لكن أنا كنت بتكلّم في سرّي.
_فين سرَّك ده يابني، الدنيا مفيهاش أسرار.
كلامه خلّاني أتحجّم؛ جايز كنت بتكلم بصوت مسموع ومُش منتبه، أنا جاي من سفر طويل ومُرهق، ده غير إن حكاية وسام اللي خلع دي خلَّت عقلي مُش فيا. مشيت جنب الراجل ومسمعتش صوته غير لما وقف قدام باب أوضة وقال لي:
_أوضة ٢٣.
رفعت عيني ناحية بابها واتأكدت من الرقم، وساعتها لقيته بيقول:
_متراجعش ورا عمك لطفي يابني، أنا أقدم واحد في الفندق.
مكانش عندي كلام أقوله، اكتفيت إني حطيت إيدي في جيبي وطلعت مبلغ كنت حوّلته بالمصري من مكتب صرافة وأنا طالع المطار، شديت ورقة بـ ٢٠٠ وكان مكتوب عليها بالقلم الجاف، لكن محبّتش أقرأ المكتوب ولا أدقق في الفلوس عشان ميقولش مطلّع الفلوس وعينه فيها، اكتفيت إني مديت إيدي وقلت له:
_شكرًا يا عم لطفي.
ممدّش إيده ياخد الفلوس، لكنه بص لي وقال:
_بس ده كتير يابني.
_ميكترش عليك يا راجل يا بَرَكة.
في اللحظة دي مد إيده وأخد الفلوس ومشي، وأنا فتحت الباب وأخدت شنطتي ودخلت، حطيت شنطتي ومشيت ناحية الشباك وشديت الستارة، وساعتها لقيت الليل دخل، قُلت فرصة آخد شاور وأنام لحد ما وسام يفتح تليفونه أو يجيلي تاني يوم، بس استغربت من حاجة مأخدتش بالي منها لما دخلت، وهي إن الأوضة فيها جوز سراير، قلت في بالي: هو وسام استخسر فيا أوضة لوحدي ولا إيه؟
أخدت بعضي ودخلت الحمام وأنا بقول يارب ألاقي في مَيَّه في السخان، الشتا دخل حتّى كان في مطر النهاردة والجو فيه نسبة برودة، لكن حظي كان حلو، لأني لما بصيت على السخان لقيت لمبته منوَّرة والمؤشر بيقول إن الميَّه سخنة.
قفلت الباب وخلعت هدومي وعلَّقتها، وعلَّقت جنبها الطقم اللي هلبسه، وبعدها نزلت تحت الدش، غمضت ووقفت تحت الميَّه وحاولت أنسى الإرهاق اللي كنت فيه، لحد ما اتفاجأت إن في صوت برَّه في الأوضة.
هدّيت الميَّه عشان أركز مع الصوت، وفضلت منتظر وأنا بفكر إنه جايز يكون صوت جاي من الشارع، لكن اتفاجأت إن في صوت خبط على باب الأوضة، قفلت الميَّه ولبست هدومي وخرجت، مشيت ناحية الباب وقُلت:
_مين؟
مكنتش عارف أصدق عيني اللي مش شايفة حد ولا أصدق وداني اللي سامعة صوت الخبط، لكن كنت مصدَّق جسمي اللي كان بيتنفض من الخوف، أخدت بعضي وبعِدت عن الباب وكنت لسَّه سامع صوت الخبط، كل اللي فكَّرت فيه هو وسام، مسكت تليفوني ورنيت عليه، وبرضه نفس الحكاية؛ كان تليفونه مقفول، ضربات قلبي بدأت تزيد، الخبط على الباب كان بيختفي لثواني ويرجع من تاني، وفي الفترة دي كنت بروح أبُص من العين السحرية وأرجع؛ ومكنتش بشوف حد قدام الباب، لحد ما لفت انتباهي تليفون على الكومود، ساعتها رفعت سماعة التليفون وطلبت رقم الاستقبال ولما رد عليا قال لي:
-الاستقبال مع حضرتك يا فندم؛ أي خدمة؟
لساني اتلجِّم ومكنتش عارف أقول إيه، أكيد لو حكيت عن اللي بيحصل معايا هيقول عليا مجنون، لكن حاولت أخرج من الموقف دَه وقُلت:
-في صوت خبط برَّه الأوضة، وأنا جاي تعبان من سَفر ومحتاج أرتاح.
بمجرَّد ما قُلت كده لقيته بيقول لي:
-طيِّب خليك معايا على الخط يا فندم.
في الوقت دَه سمعته وهو بيرفع سماعة تليفون تاني؛ وبيتكلم مع حد مسئول عن الكاميرات عشان يشوف إيه اللي في بيخبَّط عند الأوضة، وبعد ما خلَّص المكالمة معاه قال لي:
-مفيش خبط ولا حاجة يا فندم، كل الحكاية إن السيرفس قدام الباب عندك عشان وجبة العشا!
قفلت المكالمة بعد ما شكرته، ومكانش عندي تعليق على كلامه غير كده، وفي اللحظة دي انتبهت من تاني لصوت الخبط اللي رجع على الباب، مشيت وأنا رجلي مُش شيلاني، لحد ما وقفت ورا الباب وبصيت من العين السحرية. أول حاجة شُفتها كانت عين لونها أبيض، بس لما ركزت شوية لقيت إنه عم لطفي، كان واقف مركّز من العين السحرية وبيبتسم وشايل في إيده صينية.
لما شُفت عم لطفي فتحت الباب، وبمجرد ما شافني قال لي:
-أزعجتك يابني؟
-لا أبدًا، مفيش إزعاج ولا حاجة.
-أصل دَه ميعاد وجبة العَشا، وأنت الحَجز بتاعك أوضة مع 3 وجبات.
ساعتها وسَّعت له الطريق عشان يدخل يحط الأكل على الترابيزة وفضلت واقف مكاني، لكن وهو راجع وقبل ما يخرج من الأوضة بَص لي وقال لي:
-عارف إنك جاي من سفر وزمانك كنت نايم، بس لازم وجبتك توصلك.
استغربت إزاي عرف إني جاي من سفر، وده اللي خلاني أسأله:
-عرفت منين إني جاي من سَفر؟
في اللحظة دي بَص لي وقال:
-لأنك ناولت موظف الاستقبال جواز سفر مُش بطاقة رقم قومي.
افتكرت إني فعلًا مفيش معايا غير الجواز، وافتكرت إنه كان موجود لما كنت عند موظف الاستقبال، يعني ملاحظة زي دي مش من الصعب إنه ياخد باله منها، ساعتها ابتسمت وقُلت له:
-ماشي يا عم لطفي، بَس لأ.. أنا مكُنتش نايم ولا حاجة.
-أومال خلتني أنتظر كتير قدام الباب ليه؟
سؤاله صدمني، كان بيأكّد إنه كان موجود لما كنت ببُص من العين السحرية، وده اللي خلّى لساني يتقل وأنا بقول له:
-هو أنت كنت واقف قدام الباب من إمتى؟
-أنا قرَّبت من نُص ساعة قدام الباب، وكنت متابع العين السحرية، كل ما تضلِّم كنت بعرف إنك بتبُص عليا، وكنت مستغرب إنك بتبُص ومٌش بتفتح.
كنت بسمعه وعقلي هيطير، هي العين السحرية فيها مشكلة، ولا أنا اللي فيا مشكلة! ولأن الحكاية بقت عاملة زي اللغز سألته:
-يعني أنت واقف من نُص ساعة قدام الباب؟
-ده اللي حصل يابني؛ يعني هكدب عليك؟
-أومال مرجِعتش ليه وقُلت لهم إني نايم مثلًا؟
-أقول لهم إنك نايم إزاي وأنا شايفك رايح جاي على العين السحرية؟ أنا مبعرفش أكذب يابني.
قال لي الكلمتين دول وأخد بعضه ومشي، وفضلت واقف محتار، وبسأل نفسي إزاي نزلت على عيني غشاوة ومشوفتش عم لطفي طول النُّص ساعة اللي وقفها قدام الباب!
قفلت الباب ودخلت، ولما شُفت الأكل على الترابيزة افتكرت إني مأكلتش من ساعة وجبة الطيارة، لكن مكانش عندي شغف للأكل زي ما كان عندي فضول أعرف إيه اللي بيحصل معايا. كنت واصل لمرحلة ندمت فيها إني قبلت دعوة وسام وجيت، برغم إنه مقصرش معايا، يعني حجز لي فندق ووجبات، كل اللي الحكاية إنه حصل له ظرف ومقابلنيش وبعدها تليفونه اتقفل، لكن رجعت قُلت ماهو بعت لي حد استقبلني في المطار.
عقلي أخدني إن دي هلاوس من الإرهاق؛ وقُلت أفضل شيء إني أنام وبعدها كل حاجة هترجع طبيعية. قفلت نور الأوضة واتمددت على السرير وشديت الغطا فوقي، دماغي كانت تقيلة والإرهاق كان قاتلني؛ وده اللي خلاني أروح في النوم بسرعة، لكن بعد شوية لقيت نفسي برفع راسي من على المخدة وبحاول أفتح عيني بالعافية، في الوقت ده كنت سامع صوت كُرسي من كراسي الترابيزة وهو بيتحرك، ولأني مكنتش في كامل وعيي بسبب النوم اللي مسيطر عليا، اضطريت إني أركِّز شوية مع الصوت، يمكن المرَّة دي يكون جاي من برَّه فعلًا.
بعد ما ركّزت لقيت إن الصوت من جوَّه الأوضة، ده كمان كان قريب من سريري، وده اللي خلاني أرفع راسي وأبُص حوالين منّي، ورغم إن نور الأوضة كان مطفي، لكن ستارة الشباك اللي نسيتها مفتوحة كانت مخلَّية نور الشارع كاسر الضلمة، وده اللي خلاني أشوف واحد قاعد ضهره ليا لما عيني جَت على الترابيزة! النوم طار من عيني، وبرغم إني تحت الغطا لكن حسيت بجسمي متلِّج، بلعت ريقي وأنا بحاول أعرف مين الشخص ده، لكن قبل ما أنطق بكلمة افتكرت إن في سرير تاني في الأوضة، وده اللي كسر حدة الخوف اللي حسيت به، لأني قُلت إن ده واحد نازل معايا في الأوضة ووصل وأنا نايم، أصل ملهاش تفسير غير كده.
في اللحظة دي رفعت الغطا من عليا ونزلت من السرير، مشيت ناحيته وأنا بقول له:
-مساء الخير.
انتظرته يرُد عليا أو حتى يلتفت على كلامي لكن ده محصلش، ساعتها كررت كلامي تاني وتالت والنتيجة واحدة، قررت أروح عنده وأشوف حكايته إيه، ولما بقيت واقف وراه مديت إيدي وهزيته من ضهره وقُلت:
-أنت كويس يا أستاذ؟
في اللحظة دي بَص ناحيتي، وبمجرد ما شُفت وشه قُلت:
-إيه يا وسام الهزار البايخ ده!
كان وسام؛ اللي تقريبًا اتعمد يختفي ويقفل تليفونه عشان معرفش أوصل له، وهو عامل حسابه وحاجز لنفسه معايا في نفس الأوضة، عشان يوصل بعد ما أنام ويخليني أقوم مفزوع ويستقبلني الاستقبال اللطيف ده!
ده اللي فكرت فيه، عشان كده كملت كلامي وقُلت…
-يا أخي نشِّفت دَمي، هي دي حمد الله على السلامة بتاعتك؟
قُلتها وأنا بخرَّج نفس عميق كان هيتكتم جوَّه صدري من الخوف، وساعتها علَّقت على الضلمة اللي إحنا فيها وقُلت له:
-هنفضل قاعدين في الضلمة كتير؟
أخدت بعضي وروحت فتحت النور، ولسه بلتِفت ناحية وسام عشان أتكلم معاه لقيت كرسي الترابيزة في مكانه وفاضي! مكنتش مستوعب اللي بيحصل معايا للمرة التانية، رجليا كانت بترجع لورا غصب عني، واللي منعني أكمل هي الحيطة اللي لقيت نفسي بلزق فيها، ساعتها عيني راحت ناحية باب الحمام، كان مقفول زي ما سيبته، معرفش ليه جالي إحساس إنه استخبى جوَّه، هزمت خوفي وأخدت بعضي ومشيت ناحية باب الحمام، ولمَّا فتحته بصيت جواه ولقيت إن الحمام فاضي، وحرفيًا؛ الأرض انشقّت وبلعت وسام!
قفلت باب الحمام عشان أرجع الأوضة، لكن قبل ما أتحرَّك لقيت قلبي وقع في رجليا، لأن نور الأوضة انطفى، وفي اللحظة سمعت الصوتين مرَّة واحدة، صوت الخبط اللي سمعته قبل كده على باب الأوضة، وصوت كرسي الترابيزة اللي كان بيتحرك!
مكنتش عارف أبُص ناحية باب الأوضة ولا ناحية الكرسي، ومكنتش قادر أفسَّر حكاية النور اللي انطفى باعتبار إن الكهربا قطعت، لو كنت في ظروف غير اللي أنا فيها كان ممكن أفسَّرها كده، لكنها تنطفي من نفسها وأسمع الصوتين في نفس الوقت، دي اللي كانت حاجة غريبة!
مشيت في الضلمة ناحية الأوضة، وفي اللحظة دي شُفت وسام قاعد في مكانه على الكرسي، المرَّة دي كان بيبُص ناحيتي، وبرغم كده كنت سامع صوت الخبط اللي من وقت للتاني بيظهر وبيختفي على باب الأوضة، لكني طنشت الخبط ولقيتني بقول لوسام:
-أنت جايبني عشان تعمل معايا الحركات دي؟
كنت منتظره يرُد عليا لكن ده محصلش، اللي حصل هو إني لقيت لون عينه اليمين بيتغيَّر للون الأبيض، معرفش ليه افتكرت عم لطفي وعينه اليمين اللي عليها مَيَّه بيضا، لكن بعد كده ملامحه بدأت تتغيَّر، الميَّه البيضا اللي في عينه اختفت وملامحه اتبدلت لملامح واحد تاني عمري ما شُفته. الخوف خلاني أرجع بضهري لحد ما كنت هوقّع شاشة التلفزيون، وساعتها نزلت في الأرض بعد ما لقيت إن رجليا مُش شيلاني.
من اللي بيحصل بدأت أفكَّر في ناحيته عمري ما فكرت فيها، وهو إن الفندق مسكون أو على الأقل الأوضة، لكني وقفت تفكيري لما سمعت صوت تزييق الباب؛ اللي لقيته بيتفتح ببطء، في الوقت ده النور ظَهر برَّه وده خلاني أتأكد إن الكهربا فاصلة عندي وبس، كنت سامع صوت ضربات قلبي وهي بترتفع وأنا شايف الباب بيتفتح من نفسه، وارتفعت أكتر لما لمحت عم لطفي داخل وفي إيده صينية أكل، ساعتها لقيت الشخص اللي قاعد على الكرسي باصص ناحية عم لطفي، لحد ما قرَّب من الترابيزة وحط الصينية، وبعدها باب الأوضة اتقفل فجأة والدنيا ضلِّمت ومبقتش شايف حاجة قدامي، لكن كنت سامع صوت مختلط بصرخات استغاثة، والغريبة إنه كان صوت عم لطفي، مكنتش أقادر أقوم من مكاني ولا شايف الاتجاهات حواليا من الضلمة، وفضلت على كده لحد ما الصوت بدأ يقِل بالتدريج لحد ما اختفى، ومن بعدها باب الأوضة اتفتح من نفسه والنور اللي جاي من برَّه كسر الضلمة، لكن المرَّة دي لقيت عم لطفي نايم في الأرض وفي خنجر في جنبة، والأرض من حواليه غرقانة دَم.
مقدرتش أتحمل المنظر، لقيت نفسي بصرخ ومش عارف أتحكم في نفسي، غمضت عيني عشان مشوفش شكل الدم، ولا أشوف منظر عم لطفي اللي كان مرمي على الأرض مقتول ووشه ناحيتي، عينه كانت مفتوحة والميَّه البيضا اللي فيها ظاهرة، ده غير بوقّه اللي كان مفتوح ونازل منه سيل دَم من الجنب، فضلت مغمَّض وأنا بصرخ، لحد ما لقيت إيد بتهزّني في كتفي، ساعتها بَس سمعت دوشة حواليا.
أول ما فتحت عيني اتفاجأت إني قاعد على السرير، عيني كانت على المكان اللي شُفت عم لطفي مقتول فيه، لكن مكانش في حاجة موجودة، لا عم لطفي ولا الدَّم، ساعتها بس بصيت حواليا ولقيت موظف الاستقبال وواحد من أمن الفندق، وكان في واحد من السيرفس، كنت ببُص لهم وأنا مذهول، وبدون ما أتكلم لقيت موظف الاستقبال بيقول لي:
-أنت بخير يا أستاذ أكرم؟
الحالة اللي كنت فيها منعتني من الرد عليه، عشان كده سألني تاني:
-نجيب لحضرتك دكتور؟
كل اللي عملته إني هزّيت راسي بالرفض، مكنتش حاسس بأي تعب في جسمي، اللي كان مسيطر عليا هو الذهول من اللي حصل معايا في الكام ساعة اللي باب الأوضة اتقفل عليا فيهم. لكني استغربت من وجودهم في الأوضة، وده اللي خلاني أسألهم:
-أنتوا دخلتوا هنا إزاي؟
ساعتها موظف الاستقبال بصّ لي وقال بكل هدوء:
-واحد في الأوضة اللي جنبك كلمنا وقال إنه سمعك بتصرخ، ولما طلعنا خبطنا على الباب مفتحتش، اضطرينا نستخدم الكي ماستر ودخلنا لأن دي حالة طارئة.
مكنتش لاقي كلام أقوله، لكن لقيت موظف الاستقبال بيكمل كلامه…
-عندك مشكلة في الأوضة أو تحب تغيَّرها؟
لما لقيت إن الدنيا طبيعية وإن كل اللي فات كان هلوسة هزيت راسي بالرفض وقُلت له:
-مفيش داعي؛ أنا هبقى كويس.
لمَّا اطَّمنوا عليا وخرجوا لقيت تليفوني رن، وساعتها لقيته رقم وسام، معرفش ليه قلبي كان مقبوض من ناحيته لأني شُفته ضمن الأحداث اللي شُفتها في الأوضة، لكن فتحت المكالمة عشان أعرف الحكاية بالظبط:
-آلو.
-حمد الله على السلامة يا أكرم، معلش اعذرني يا صاحبي حصل ظروف لعمّي واضطريت أروح لُه، وفي البَلد هناك الشبكة اللي أنا عليها واقعة وحرفيًا التليفون بيبقى عبارة عن حتة حديدة ملهاش لازمة.
كنت بسمعه وبفتكر تفاصيل اللي حصل معايا، وحتى بعد ما طلع هلاوس مكنتش عايز أفضل في الأوضة ولا الفندق كله، عشان كده مردّتش غير بحاجة واحدة:
-أنا عايز أسيب الفندق ده يا وسام.
كنت متوقع إنه هيقول لي هشوف لك فندق تاني وكده؛ لكن لقيته بيقول:
-وماله يا عم؛ تعالَ اقعد معايا في الشقة، أنا أصلًا هبقى لوحدي الفترة الجاية؛ العيلة كلها راحت لعمي في البلد.
بعد الفَجر وسام وصل الفندق، ولما عرفت إنه تحت كلّمت موظف الاستقبال يبعت لي حد من السيرفس عشان الشنطة، بعدها الباب خبَّط، وساعتها فتحت على أساس إني هشوف عم لطفي، لكن لقيته واحد تاني بصيت له باستغراب وقُلت له:
-أومال عم لطفي فين؟
ساعتها بَص لي وكان مستغرب كلامي وقال:
-هو حضرتك كنت بتيجي الفندق ده زمان؟
-اشمعنى؟ أنا مصري لكن مولود وعايش برَّه ودي أول مرة آجي فيها مصر أصلًا.
-أصل عم لطفي اللي بتقول عليه ده مات من زمان.
وقفت متنَّح ومش مستوعب اللي بسمعه، لكني قُلت:
-تقصد إنه مات فعلًا؟
-هو في موت كده وكده يا أستاذ؟ ده حتى مات مقتول في الأوضة هنا.
جسمي اتلبِّش من اللي سمعته، ومحستش بنفسي غير وأنا بسأله:
-بتقول اتقتل؟
-زبون كان نازل هنا وطلب أكل في وقت متأخر، ولما عم لطفي طلع بالصينية ودخل يحطها على الترابيزة، الزبون عمل معاه مشكلة، وبعدها ضربه بالخنجر في جنبه ومات، واتضح إن الزبون كان شارب ومش دريان بنفسه، والناس هنا في الفندق اتحفظوا عليه لحد ما الشرطة جت وأخدته، أنا اشتغلت في الفندق بعد الحادثة لكن سمعت حكايته من ناس قديمة، ومن وقتها وفي سكيورتي وبوابة تفتيش على الباب، الله يرحمه بقى.
مكنش عندي حاجة أرُد بها، فضلت متنَّح لحد ما قال لي:
-ممكن خدمة يا أستاذ.
انتبهت لسؤاله الغريب وقُلت له:
-اتفضل.
-الورقة اللي بـ 200 دي أخدتها منك امبارح، بس مكتوب عليها بالجاف ليلة الفزع، ممكن لو مش هيضايقك تغيَّرها لي عشان شكلها مُش هتتصرِف.
مكنتش مصدق إني من وقت ما دخلت هنا وأنا بتعامل مع شخص وشايفه على إنه شخص تاني، وكنت مستغرب من الكلام اللي مكتوب على ورقة الفلوس، واللي بالمناسبة أخدتها وعطيت للسيرفس ورقة مكانها، لأني كنت عايز أحتفظ بها لسبب ما في دماغي. نزلت عند الرسيبشن ولقيت وسام موجود ومخلص الإجراءات ومكنسل باقي أيام الحجز. أول ما شافني سلِّم عليا لأننا بنتقابل لأول مرَّة، لكنه لاحظ إني سرحان، وساعتها قال لي:
-إيه يا عم أكرم، أنت صحّتك مش جاية على الجو هنا ولا إيه؟
محبِّتش أجيب سيرة اللي حصل معايا في الأوضة، ولا ازاي شُفت جريمة قتل حصلت من فترة طويلة بأشخاصها، مشيت مع وسام وروحنا الشقة، ومع الوقت بدأت أنسى وأخرج من المود اللي كنت فيه، بعد ما اتضح لي إن الحياة مشيت بشكل طبيعي، لحد ما زيارتي انتهت وسافرت تاني، أول حاجة عملتها بعد ما وصلت هي إني أخدت بعضي وطلعت على مكتب الصرافة، وهناك قابلت نفس الموظف، أول ما شافني افتكرني وقال لي:
-مُش حضرتك اللي غيَّرت مني فلوس مصري قبل كده؟
ساعتها طلَّعت الورقة اللي بـ 200؛ واللي مكتوب عليها ليلة الفزع وقُلت له:
-وأخدت منك الورقة دي.
في اللحظة دي بَص للورقة وقال لي:
-معلش بقى؛ مكنش عندي سيولة كفاية أكمل المبلغ بتاعك فاضطريت أحط الورقة اللي مكتوب عليها.
كلامه كان غريب وعشان كده سألته:
-هي الورقة دي فيها مشكلة؟
-لأ الورقة عادية خالص، كل الحكاية إن يوم ما غيَّرت لك الفلوس كنت بسمع برنامج بيتكلم عن الهالوين، ليلة 31 أكتوبر من كل سنة، بيقولوا إن في الليلة دي الحدود بين عالم الأحياء وعالم الموتى بتتلاشى، وأرواح الأموات خصوصًا اللي ماتوا مقتولين بترجع للمكان اللي اتقتلت فيه، وبتبدأ تزاول اللي موجود في المكان كنوع من أنواع التخويف والانتقام، في اللي بيسمي الليلة دي ليلة الهالوين، وفي اللي بيسميها ليلة الفزع، المهم إنها بتبقى ليلة مفزعة لو المكان حصل فيه قتل واتهدر فيه دَم، وبصراحة انسجمت مع البرنامج وعجبني، ولقيت نفسي كاتب ليلة الفزع على ورقة الفلوس من غير ما أنتبه.
كان بيكلمني وكنت سرحان في التفاصيل اللي فاتت، وبربُط الأحداث ببعضها وأنا مش مستوعب، وافتكرت إني وصلت مصر ليلة 31 أكتوبر، ساعتها بس عرفت إني مكنتش بهلوس، وفهمت إزاي عم لطفي سمعني وأنا بتكلم في سرّي، يمكن الأموات بسمعونا حتى لو بنكلم نفسنا، وفهمت إن ظهور وسام في الأوضة كانت مزاولة وتخويف، لكن فوقت من السرحان اللي كنت فيه لما قال لي:
-تحِب أغيَّر لك الورقة لو مكانتش اتصرفت معاك؟
-ها.. لأ شكرًا مفيش داعي.
خرجت من الصرافة ومشيت، وقررت أحتفظ بالورقة، مكنتش قادر أصدَّق في حكاية الهالوين، وفي نفس الوقت مش قادر أكذِّب اللي شُفته، واحتفاظي بالورقة مكنش له غير سبب واحد، وهو إني لو وسام دعاني للزيارة تاني، أو أي صديق غيره، أكيد مش هختار إني أسافر وأدخل مكان غريب في الليلة دي بالذات.
**
-تسلمي يا زعفرانة، خدي بقى ورقة بـ 200 أهي، هاتي بها اللي أنتي عاوزاه.
تمت…
#ليلة_الفزع
#
#محمد_عبدالرحمن_شحاتة