الفصـل الأول:
‘ كم يهوي الرجل عنفوان الأنثي.. عندما يهزمه! ‘
وضعت قدمًا علي الاخري وهي تتطلع له بأباء وكبرياء يليق بها، تبتسم بسمة جانبية ساخرة، كادت ان تحيط بثباته الي الجحيم، لكنه فعل المستحيل ليتماسك، زفـر نفسًا طويلًا قبل ان يقرب كرسيه من مكتبه، ويضع يـداه عليه، مقتربًا بوجهه منها يهتف بينما عيناه تتفحصها بأفتـراس:-
_ممكن نازلـي هانم تتكرم وتقولي اية سـر زيارتها الكريمة؟!
فتحت حقيبتها الموضوعة علي طاولة صغيرة امامها واخرجت منها سيجـار بُنّـي اللون، ومعه قداحة فضية اللون انيقة الشكل، كـادت تشعل الغيلولة قبل أن يأتيها صوته الصارم:-
_ايـاكِ..
نظرت له بتسأل.. فتابع ببسمة بالكاد تُرسـم علي شفتيه:-
_لو عايزة نكمل الحديث الخفيف دا مع بعض يبقي تشيلي القرف دا من وشـي
قـرب وجهه منها اكثر، حتي ان المسافة تقلصت بينهم وقال بنبرة مستفـزة:-
_اصل بتنزل اوي من نظري السـت اللي بتدخن يانازلـي هانم
رمقته لـ لحظة بجمود ونظرة ثابتة لا روح فيها، خفت خلفها نيـران محترقة لأجل وقاحته تلك..
ولكنها عملت علي انتظام تنفسها حتي لا يظهر انفعالها وهي تَرجع القداحة بالسيجار لـ الحقيبة وهي تؤمي ايماءة في غاية الصغر.. بالكاد تظهر، فهي لا ترغب ان تظهر له انصياعهـا لـه!
اعتدل في جلسته فجأة هاتفًا بحماس:-
_طالاما متفقين، يبقي ندخل في الجـد فورًا وقوليلي اية سـر زيارة نازلـي هانم رشـوان ليـا انهاردة؟!
تنهدت مطولًا.. اخذت نفسًـا عميقًـا قبل ان تنظر لعيناه رادفة بكل جمود وبرود:-
_عايزاك تقتل رشـوان البـاذ
وكأن عقله توقف عن الاستيعاب فجأة! هذا ببساطة ما يحدث له وهو ينظر لها بعدم تصديق وزهـول، اختفي سريعًا وهو يـري الاصرار يرتسم في عيناها بقـوة، همـس وهو مازال تحت تأثيـر الصدمة:-
_ميـن؟
نازلـي:-
_رشـوان البـاذ
تابعت ساخرة بمرارة:-
_والدي
لملم شتات نفسـه، وتظاهر بالنظر لـ الأوراق امامه وهو يشير لها بالمغادرة و:-
_انا اسـف.. حقيقي اسـف، بس طلبك مش عندي، النمرة غلط يانازلي هانم، نـزار الرشيـد ايده مبتتلوثش بالـدم
لـن تسمح.. هذا ما فكرت به، لن تسمح ان تضيع فرصتها الوحيدة لـ النجاة بعد ان فعلت المستحيل لتحصل عليها وعلي الشجاعة لمواجهتها، لـذا قالت بأندفاع جام:-
_عندي استعداد اقدملك اي حاجة انت عايزها، كل ثروتي وثروة رشوان بعد موته هتكون بأسمك، تخيل هتوصل لفين بعمله زي دي؟ تخيل انتي حاليًا في السما، بعد ما تاخد فلوسي هتبعد قد اية عن السما! مش هيبقي ليك منافـس و…
قاطعها ببـرود وهو يشير الي الباب:-
_عرض مرفوض
اؤمات بالنفـي عدة مرات وهي تري عالمها ينهار، كيف؟ هل املها بالخلاص سيضيع!
كلا.. لن تقبل!!!
توجهت له، جلست علي ركبتيها امامه، حتي انه تفاجئ بفعلتها
نازلـي:-
_أرجـوك، ارجـوك، انا بترجاك تخلصني منه، انتي أملي الوحيد.. مفيش اقوي من رشوان غيرك اعرفه، مفيش حد بيرعبه غيرك انت، ارجوك
قال بأصـرار:-
_مـوت لا
ثم انحني لها وساعدها لتنهض و:-
_والانحناء لا.. متخليش اي حاجة في الدنيا تذلك.. حتي نزار الرشيد بنفسه، مش رشوان
التمعت الدموع بعيناها، وهي تري القادم بعيناها، قادم يشبه الماضي..
حياة سـوداء داخل ذلك المنزل لا تستطيع هي ان تصفها، تحيا بداخله بخوف وانهزام وارتعـاش وخارجه.. تظهر قوة واهيـة كالتي كانت تتحلي بها منذ دقائق، قوة ظنت انها ستملكها حقًا ان ساعدهـا نـزار لـ التخلص من أبيهـا، لكنه رفـض!
محت الدمعة التي هبطت منها دون شعور وهي تقول بشراسـة:-
_معاك حق، مش نازلي اللي تنحني لحد، وان مساعدتنيش انت، انا هعرف بنفسي كيف اتخلص منه
وامسكت حقيبتها، وغادرت المكتب ك عاصفة قاربت علي الانفجار!
جلـس علي مكتبه وهو يزفـر مطولًا و:-
_طـول عمري بقول البنـت دي مش سهلة ابـدًا ونظراتها غريبة، بس توصل لـ القتل!
****
سحب نفسًا طويلًا من سيجاره الفخم وهو يقول بعيون ضيقة بأهتمام لـ الطرف الاخر الذي يحادثه عن طريق الهاتف:-
_وهي كانت بتعمل أية عند نزار الرشيـد؟!
_مش عارف ياباشا، بس هي خرجت من عنده مش طايقة نفسها وركبت عربيتها وجريت بيها علي شقتها الخاصة
اؤما بنعم عدة مرات كأن الاخر يـراه و:-
_قولتيلي، نص ساعة بالكتير وتخبط عليها تقولها ” رشوان باشا بيقولك الوقت اتأخر ” وترجع في ايدك سامع؟
هتف ” ديـاب ” إحدي رجاله والمسئول عن مراقبة نازلي دومًا:-
_تحت امرك ياباشا
اغلق معه والقي الهاتف علي الطاولة باهمال، نظر امامه بضيق حيث صورة لها تتوسـط جزء لا بأس به من جدار مكتبه وقال زافرًا:-
_وبعدين معاكِ يانازلي!
لحـظات وسمع طرق علي الباب ثم دخـول ” زياد ” ابنـه الوحيـد وشقيق نازلـي..
اقترب زياد من والده وهو يقـول:-
_انا مسـافر الغردقة اسبـوعيـن.. واتصلت بنازلي وهي هتخلص شغلي طول الفترة دي
رمقـه بسخرية:-
_روح.. انت اخرك السفر وقلة القيمة دي، من زمان وانا فقدت الامل فيـك، من زمان وانا عرفت انك عمرك ما هتكون نسخة من رشـوان البـاذ ابـدًا
تـرك زياد الغرفة بدون حديث، ودون اهتمام بما يقوله والمحاضرة التي يعلمها جيـدًا ويحفظها علي ظهر قلب وهو يهمس بداخله:-
_دي احسن حاجة اني مش طالعلك والله يارشـوان باشا
****
‘ نتألم كثيـرً، ويزيد وجع التألم في كوننا نكبته، ولا نجد من نتشاطر معه الألم، يزيد من وجع الألم كوننا وحيدون.. ‘
كانت تفتح قداحتها المفضلة وتغلقها تباعًا وعيناها متعلقة باللهب الذي يخرج منها بثوران مع كل فتحة له، ك بركان يستغل كل فرصة لينفجر..
ولـياسعدته لديه بدل الفرصة.. ألف، عكسها.. لا تجد فرصة لـ اخذ حقها، لسلـب حريتها من مقيدينها.. ونيـل حقوقها، فكل فرصة تجدها وتجري خلفها تبوء بالفشل، اخرها محاولتها في جعل نزار الرشيد حليفًا لها ومساعدًا يعينها في النيل من رشوان، لكل كل الأمال كالعادة تبخرت!
والي متي نازلي ستصمتين؟ الي متي سترين ذوبان حياتك امامك وتشاهدينها بصمت! ترين قوتك تنكسر، وشموخك يتحطم.. وكبريائك ينهزم، الي متي الصمت!
ألقت القداحة علي الحائط الذي يقابلها بعنف وهي تصيح:-
_مش هسكت تاني، لازم اخلص منه ولو هعيش باقي حياتي في السجن، المرة دي مش هستني الفرصة تجيلي، ولا هحط أملي علي حد.. المرة دي انا اللي هنفذ بنفسي
قالت اخر كلمة باصرار وهي تنهض عن جلستها، وتوافق مع ذلك صوت جرس الباب الذي عَلي رنينه، فتحته فطل امامها دياب وهو يقول بنبرته الغليظة:-
_رشوان باشا بيقولك انك اتأخرتي يانازلي هانم
قالت بجمود وهي تسحب حقيبتها من طاولة تجاور الباب:-
_فعلا.. اتأخرت اوي، بس ميقلقش.. انهاردة انتهي زمن التأخير
كانت كلماته تحمل معاني كثيرة، لم يفهم منها دياب معني واحدًا حتي ولكنه لم يهتم، لكن هي.. شعرت ان استدعائه لها بذلك الوقت وكأنه اشارة خضراء بأقتراب اجله.. وكأنه يستحضر ملك موته بنفسه!
****
_كنتـي فيـن؟!
توقفت عن سيرها باتجاه غرفتها عندما لمحته يجلس في قلب المنزل.. باستراحة وكأنه جالس منذ وقت طويل ينتظرها، قالت بلامبالاة وهي تكمل سيرها:-
_ميخصكش
رفع احدي حاجبيه وصمت لـ لحظة قبل ان ينهض عن جلسته ويناديها:-
_نازلـي..
توقفت ونظرت له بتأفف، فقال بصراحة مطلقة:-
_كنتي عنـد نـزار الرشيـد بتعملي اية؟
هزت كتفيها ببسمة غريبة، وقفت في اخر درجة من السلـم وهي تقول:-
_لو عايز تعرف روح واسأله، وانا متأكدة انه هيقولك..
غمزت له متابعة:-
_بس للاسف انت معندكش الجراءة اللي تخليك تروح لقلب ممتلكاته بنفسك
ضحكت عاليًا و:-
_بتخاف منه ياوحش
صاح فيها وهو يصعد درجات السلم قاصدًا الوصـول لها:-
_انا مبخفش، سامعة؟ رشوان الباذ مبيخفش، متولدش لسة اللي يخوف رشوان الباذ
توجهت لغرفتها ودخلتها سريعا، اغلقت الباب خلفها وهي ترتعش بخوف تحاول ان تداريه وهو تقول بصوت عالي عاملة علي ايصاله له:-
_لا اتولد.. من اول ما شوفت نظرة القلق في عينك وانت بتبص لنزار الرشيد اول ما اكتسحك واكتسح سوق الاعمال اللي كنت محتكره ليك وبس وعرفت انه اتولد، اول ما طلب منك اني ارقص معاه ووافقت لاول مرة ومن غير اعتراض وعرفت انه اتولد.. اول ما سيبت اول مناقصة دخل هو فيها منافس ليك وانا عرفت انه اتولد يارشوان ياباذ
تعالت صياحته الغاضبة وصوت تكسير لوقت ليس بقليل، حتي حل الصمت فجأة علي المكان من جديد، فتنهدت وهي تسقط رويدًا.. رويدًا بجسدها ارضًا بينما تستند بظهرها علي الباب، هبطت دموعها وهي تردف بقهر:-
_اتولد اللي يخوفك ويكسرك بس رفض يساعدني، رفض يرحمني يارشوان، رفض يخلصني من جحيمي بس انا…
محت دموعها بقوة وهي تنهض عن جلستها المنهزمة تلك، اقتربت من المرأة وقالت باصرار:-
_هخلصك نفسي بـ نفسي، لو استنيت حد ينقذني هغرق.. اللي يتعلقك بأمل ان الناس تنقذه يعني بيتعلق بحبال دايبة، نزار اثبتلي دا انهاردة برفضه، نزار قطع اخر أمل ليا في ان الحياة برة لسة حلوة.. انا لازم اخلص نفسي
****
حركت مقعدها المتحرك عن طريق بعض الازرار الخاصة به الي الشرفة، وقفت تنظر من خلالها لـ الاشجار والورود الملتفة حول المكان ببسمة خفيفة وهي تأخذ أنفس عميقة وتخرجها علي هيئة زفرات تباعًا، تنظر علي طول نظرها الي الخضرة التي تلتف حول المكان بعيون مبتسمة لما تراه.. فمازالت تلك المظاهر الطبيعية هي الوحيدة التي تشعرها بالاسترخاء..
شعرت بأنفاس معها بالمكان ويـد توضع علي ظهر مقعدها، علمت صاحبها فورًا فأصاب الفتور قلبها.. مما طفق علي ابعاد البسمة عن شفتيها والراحة من عينيها
لم يلمح هو كل هذا، بل قال وهو ينظر الي ما تنظر له بحماس:-
_اية رأيك اخدك وننزل نتمشي شوية في الجنينة يازهراء؟ الجو خرافي و..
قاطعته بجمود وهي تبعد يداه عن ظهر مقعدها وتعود بادراجها الي غرفتها مرة اخري:-
_مش عايزة، انا هنام..
سـار خلفها وهو يقول أملًا في موافقتها:-
_هتستمتعي بالجو والله و…
صاحت بحدة:-
_قولتلك مش عايزة، واتفضل برة اوضتي يلا..
نظر لها مطولًا واطلق تنهيدة طويلة و:-
_لـ أمتي يازهراء هتعمليني بجفا كدا؟
أجابته بـ قسـوة وهي تبعد عيناها عنه:-
_لحد ما تطلقني.. وتبعد طرقنا عن بعضها ياعـدي
اقترب منها، مال بجسده لها حتي صار في مستوي طولها، تقابلت عيونهم سويًا وخرج صوته يقول بشراسة:-
_طول ما انا عايش.. طريقك هيبقي طريقي، سامعة؟ انتي هتفضلي طول عمرك معايا
التمعت الدموع بعيناها، نظرت ارضًا بانكسار و:-
_حقك تقول كدا.. ما انت اشتريتني والوحيد اللي كان هيقف في وشك ويخلصني منك مات بحسرته من اللي عملته فيه وفيا، انا لا يمكن ابدا اسامحك او اعيش معاك بموافقتي سامع؟
صـك علي اسنانه بعنف وهو يحاول ان يتماسك ولا يجعل لسانه يقول ما يدمرها اكثر.. اغمض عيناه واخذ نفسًا عميقا قبل ان يطلقه ويطلق معاه كلماته قبل ان يغادر:-
_طالاما انتي مش قادرة تستوعبي الحقيقة، يبقي ملهوش داعي الكلام الكتير، جهزي نفسك في دكتورة علاج طبيعي هتيجي من الاسبوع الجاي وتتابع معاكي العلاج الطبيعي
كادت تعترض لكنه لم يعطيها الفرصة.. حيث غادر واغلق الباب خلفه بعنف، بكت وهي تردف ببغض وكره:-
_مهما عملت وعوضت عمري ما هنسي انك السبب في موت اخويا، في حاجات مبتتعوض بالفلوس ياعدي زي الروح مثلًا..
اترك رد