روايات كاملة

رواية وعد نزار الفصل الثاني

ببسـاطة، القتل لا يريد قوة.. الشجاعة تكفي! ‘

ليــلًا..

فتحت باب غرفته وطلت منه، اقتربت من فراشه النائم عليه هو براحة، وكأن ذنبها هي لا يحمل وزره علي كتفاه ابـدًا ولا ينغص عليه ضميرًا فيؤلم راحته، نظرت له بغل كبير وهي تترفص في ملامحه بكل الكرة الذي تحمله نحو العالم.. والذي توجه إليه هو فقط، اخرجت يدها من وراء ظهرها فطلت منها سكينة تلمع من حدتها في تلك الاضاءة الخافتة التي دخلت الي الغرفة عن طريق الشرفة، رفعت يدها وقالت بداخلها بسعادة وهي تستعد لتنغزها بقلبه:-
_اخيرا هكتب نهايتك يارشوان الباذ
ونزلت بالسكينة الي جسده بكل قوتها.. قاصدة قلبه، لكن جسده الذي تحرك الي الجهة الاخري من الفراش أحـال عن ذلك وصراخه الحاد يهتف فيها:-
_عايزة تقتليني يابنت الـ…
وجهت السكينة له ناوية علي اكمال ما نوت فعله وهي تؤمي بنعم بشراسة وعيون تطلق نظرات مرعبة، وكأن نازلي اخري تسيطر علي تلك الرقيقة التي اعتادها، مسك كلتا ذراعيها بيداه في محاولة منه لـ الأحالة بينه وبين السكين، بينما الاخري تنازع بين يديه لتهرب من بين يداه وتفعل ما اتت لاجله، هي تنازع وتقاوم وهو يشد يداه حولها، ويقرب وجهه من رقبتها.. ذكرها الموقف بأخر مشابه له، فبعد ان كانت قوتها تخور.. تلبستها حالة من الجنون من جديد.. فقامت بكامل قوتها بنفض جسدها من بين يداه، مستغلة شروده..

اعتدلت في وقفتها وقربت السكين منه، ناوية ايضا رغم كل شئ النيل منه، نزلت بها عليه بكامل قوتها، ولكنه فاق من شروده اخيرا فتحرك خطوة الي الخلف في فراشه، فبدل ما ان تنغز السكين بقلبه، وصلت الي كتفه واستكانت فيها بكل راحة

صاح بوجع بينما هي نظرت الي ما فعلت براحة كبيرة، لم تستوعب بعد اين وُضعت السكين، لكن الدماء الذي يروق الان يتراقص امام عينيها وكأنه دليل علي اكبر انجاز فعلته في حياتها، كادت تنزع السكين وتعاود ضربه بها مرارًا وتكرارًا، لكن الباب الذي انفتح وطل منه بعض الحرس الذين اجتمعوا لسماعهم اصوات ضجة أتية من الغرفة منعتها من فعل ذلك..

نظرت لهم لحظات بعدم استيعاب قبل ان تترك لقدمها العنان بالهرب، اقترب الحرس من رشوان ليرون ما به، بينما اردف هو بغضب:-
_هاتوها هي، متخلوهاش تهرب، هاتوها وسيبوني انا كويس

خرجت من المنزل بخطوات راكضة بجنون تام، لا تعرف اين تذهب والي مَن؟! ما يهمها هو منظر الدماء الذي لا تري غيره امام عيناها الأن، ابتسمت وكادت تعود ادراجها الي المنزل لتتشبع بتلك الرؤية بعد.. لا يهمها النتائج مهما كانت، لكن اليـد التي التفتت حول خصرها وسحبتها الي خلف شجرة ضخمة منعتها من ذلك..

كادت تصرخ لكن هناك يـد وُضعت علي فمها منعتها من ذلك، نظرت لصاحب العين فتلاقت العيون سـويًـا، عيـون.. لم يمر علي أخر مرة رأتها فيهم ساعات كثيرة..

خرج صوته الغاضب قائلًا:-
_كنت حاسس انك هتعملي مصيبة يانازلـي هانم

همست بأسمه قبل ان تسقط مغشيًا عليها، فأحداث اليوم والمشاعر والاعاصير التي تعايشتها تفوق مقدار احتمالها:-
_نِـزار!
****
‘ أمنحك بعض خوفي.. فتلقاه عني لُطفًا، ساندني لأتجبر، لأقوي وأستـطيع مواجهة ذلك الجحيم الذي يُدعي بالحياة.. ‘

فتحت عيناها بوهـن وهي تطلق آنين متوجع قليلًا، لا يـدل علي وجعها الجسدي بل النفسي.. وجـع عميـق، وجدت امامها غرفة جديدة عليها كليًا، لم تراها قبلًا.. فخمة الي حدًا ما، والعجيب أن بين جدارنها شعرت بأمان تفتقده وبشـدة، أعتدلت في جلستها وهي تلتف حولها بخوف وهي تحاول أن تتذكر ما حدث معها سابقًا قبل هذا الاغماء، واثناء استدارات رأسها يمينًا ويسـارًا وقعت عيناها عليه.. نِـزار الرشيـد!

يقف في شرفة الغرفة يعطيها ظهره، ويستند بمرفقيه علي السور، يتطلع الي الخارج بشرود..

تذكرت انه هو اخر ما رأته بعدما تذكرت كل ما حدث قبلًا، ومحاولتها لـ قتل رشـوان، هتفت بصوت مضطرب قليلًا:-
_هـو مـات؟!
انتبه لها اخيرًا، تـرك الشرفة واقترب منها، اؤما بـ لا و:-
_لا.. السكينة يادوب اصابت كتفه..
راقب تغيرات ملامحها من الاسترخاء الي الضيق والخوف.. واكمل بنبرة لا تعلم هيئتها.. سـوي كانت معاتبة أو شامتة:-
_اصابة خفيفة..
سقطت بوجهها علي الوسادة تبكي بعنف وتشنج بينما تهتف بتقطع:-
_يعني مماتش؟ هرجعله تاني.. مش هيرحمني.. مش هيرحمني
وبدأت في الدخول في حالة من الهيسترية، تنهد مطولًا قبل ان يسحبها من يدها بقوة ويجعلها تنظر له، محي دموعها بيده رادفًا بنبرة حادة:-
_اهدي كدا وبطلي حركات الجنون دي، علشان نحط النقط علي الحروف
همست بأرتعاش:-
_انت هترجعني لية؟
اجابها بجدية:-
_لا..
ارتسمت السعادة علي ملامحها وبعض الراحة، وسألته بحماس:-
_يعني هتساعدني اتخلص منه ونموته؟!
نـزار بنفي:-
_برضوا لا..
أصـاب الزعر روحها وطفق علي ذلك ارتعاشها بين يديه الذي شعر به هو، فتنهد بضيق قبل أن يخبرها:-
_مش هرجعك ومش هموته.. من انهاردة هتبقي في حمايتي ومش هسمحله يقرب منك ودا وعـدد مني

وعـد نِـزار.. ولا تعلم نِـزار حينما يوعـد، فهو علي أتم الأستعداد لـ الموت ليفي بوعده فقط..

نظرت له بعيون حائرة.. تائهة، لم تعرف ماذا تقول بينما تابع هو بنبرة عنيفة قليلًا:-
_من انهاردة لو فكر يقربلك معناها انه بيعاديني انا، وهيقابلني انا

وياويله من يتجرأ علي معاديه هذا الرجل، فهو خاسر.. بلا شـك، سألت بأرتياب:-
_طيب هتساعدني لية؟ اية المقابل!
نظر لها مطولًا ثم نهض ليتركها بينما يردف ساخرًا:-
_متخافيش.. من غير مقابل، مش كل الناس بتاخد مقابل تمن مساعدتها، ومش نزار اللي يسيب واحدة محتاجه ليه

وغادر قبل ان تتمعن في كلماته وتدرك إنه ربما يكذب، او يخفي اسرارًا واسبابًا اخري.. لا تعلم هي عنها شيئًا، بالأخيـر.. زفرت بأرتياح، فالبقاء بين قبضة أمنة ك قبضة نزار.. يعني انها لن تعود الي عرين ذلك الرشوان ابدًا..

ولكـن.. من يدري؟ ربما يفلح رشوان بفعل المستحيل، ويستطيع مواجهة نزار وأعادتها له من جديد.. لـ الجحيم!

دقـائـق.. وسمعت صوت طرقات علي الباب ثم دخوله وهو يمسك حامل طعام خشبي عليه كوب لبـن دافي وعدة سندويتشات، فتحت عيناها بتوسع، وفمها دون قصـد، وهي تري نزار رشيد بتلك الهئئة، يحمل طعام ولـ مَن؟ لأنثي!

تجاهل نظراتها واقترب منها، وضع الحامل علي الفراش بجوارها بينما يهتف بنبرة جادة:-
_الأكل دا يخلص بأسرع وقت
أجابته سريعًا:-
_بس انا مش جعانة!
هتـف بتهـديـد:-
_هرجعك لرشوان، وهو اعتقد هيكون اكتر من مرحب بالفكرة!
لم تنتظر لتسمع باقي التهديد، حيث اخذت الحامل وبدأت تأكل السندويتشات، وتشرب الذي لا تهواه بسرعة وتلهف، بينما هو بصعوبة نجح في كبـت ضحكاته التي كادت تنفلت وهو يراقبها تأكل بتعجل ك طفلة خائفة من العقاب
****
وصلت سيارتها الحمراء لـ بداية المزرعة المكتوب عليها بخط عريض ” مزرعة عـدي المنشاوي “، اطلقت عدة انزارات من بـوق السيارة فسرعان ما أن انفتح الباب واكملت هي طريقها، صفتها في اول مكان فارغ وجدته وهبطت منها.. نزعت نظارتها الشمسية عن عيناها والتفتت نحو الخطوات المقتربة منها، التي ما كانت خاصة سوي بـ عدي، الذي ابتسم عندما وجدها تنظر له بسعادة وفتح يـداه لها.. التي سارعت هي والقت نفسها بينهم وهي تردف بأشتياق:-
_وحشتني.. وحشتني.. وخشتني
دار بها عدة مرات وهو يقول بضحك:-
_انتي وحشتني اكتر يانغم
وقف عن الدوران واهبطها الي الارض من جديد، واختفت السعادة المؤقتة التي كانت مرتسمة علي ملامحه وطل بدلًا منها الحزن والتعب، ربتت علي كتفه وهي تردف بحزن عليه:-
_متقلقش، انا جيت ومش همشي غير لما اصلح الوضع
هتف بتمني:-
_ياريت تقدري.. خليها بس تصفي من ناحيتي وانا هخليها تحبني بعدين
قالت برفعة حاجب وهي تنظر بطريقة غير مباشرة لشرفة خلفه:-
_هي مبتحبكش!
قال بصراحة.. مضحكة.. مريرة:-
_تطيق العمي ولا تطيقني
عادت تحتضنه من جديد معلقة:-
_اللي باينلي غير كدا خالص، المهم.. علشان أبدأ صح، هي متعرفش انا ابقالك اية صح؟
اؤما بنعم و:-
_اها لسة هعرفك عليها و…
قاطعته بجدية:-
_تعرفني عليها اني دكتورتها الجديدة وصاحبتك وبـس
نظر لها بعدم فهم، لكنه بالنهاية اؤما بنعم

فهو علي أدراك.. ان النساء لا يفهمها سوي النساء

والاعيبهم ومخططاتهم، لا يتغلب عليها احد سواهم ايضا..

و.. كل أمله الان، ان تفلح نغم في اذابة بعض الجليد المتراكم بين قلبيهما ويمنع من تواصلهم سويًا، هذا جل ما يتمني حقًا..
****
طرق علي باب غرفتها عدة مرات ثم دخل، وجدها كالعادة منذ أن أتـت.. نائمة، تنهد بـ زفر، فشخص مثله نشيط.. لا يحب التأخير عن المواعيـد ومنضبـط، بالتأكيد لن يحبذ ويتحمل تصرفاتها الطائشة تلك، اقترب منها، نزع الغطاء الخفيف المتغطاه به رغم عدم حاجتها لذلك فـ هم في فصل الصيف واردف بنبرة مغتاظة:-
_غيبوبة هانم ممكن تصحي وتخرجي من البيات الشتوي اللي انتي قاعدة فيه دا؟
تمتمت بـ كلمات غير مفهومة بضيق، وهي تلف رأسها لـ الناحية الأخري وتتابع نومها، ناداها عدة مرات وهو ينكز كتفها بأصبعه:-
_نازلي.. نازلي..

_عايزة انام

قالتها بنعاس شديد، فهي منذ ان سكنت بمنزله منذ اسبوع تقريبًا وهي لا تشبع من النوم.. نوم هنيئ، فهي وبعد زمن تحصل علي نوم مرتاح في منزل امان اخيرًا، مع اشخاص تطمن علي ذاتها بين جدارنهم وان كانوا عنها غرباء ولا تجمعهم صلـة..

كالمعتاد، سحبها بقوة من يدها لتعتدل في جلستها وتنظر له، رمقته بضيق وتأفف:-
_نعم، عايز اية يانِـزار
نزار وهو يتجه لـ الرفة ويباعد الستائر عن الشرفة ويفتحها ليدخل الضوء لـ الغرفة:-
_عايزك تصحي، انتي بقالك اسبوع نايمة تقريبًا يابنتي!
قالها بتعجب واضح، فحقًا هي تنام كثيرًا!
_انتي صحيتني اهـو، ومش هلاقي حاجة اعملها طول ما انا ممنوعة اطلع من البيت
قال بدهشة واضحة:-
_واية اللي منعك!
قالت برفعة حاجب:-
_مش احنا مش عايزين رشوان يعرف مكاني!
اقترب منها.. وقـف امامها ومال نحوها حتي اصطدمت نظراته الحادة بنظراتها المتسائلة و:-
_مين قالك اني مش عايز! انتي مفكراني خايف من رشوان؟!.. ضحكتيني والله
قالها وهو يضحك.. بـ بلا مرح!
وتابع بجدية مفاجئة و حـدة:-
_انا مبخفش من حد غير ربك، غير كدا لولا اني شايف قلقك منه، كنت اخدتك بأيدي لعنده وقولتله هي اهي معايا، لو راجل قرب وخدها مني، وعلي فكرة اللي عرفته ان تقريبًا رجالته مورهمش حاجة غير انهم بيدوروا عليكي، يعني مهما نختفي ونداري هيلاقيكي

قالت وهي تنظر لعيناه بنظرات ذات معني، لم يفقه هو بعد:-
_انت مستهون برشوان اوي، في القوة كفتك تفوز، لكن في حاجات تانية كتيرة هو يترفع عنك بمراحل واهمهم القذارة
ابتسم وهو يقول لها بغرور:-
_مش معني اني بعاملك بأحترام وترفع، اني بعامل الكل كدا.. وان دي طريقتي الوحيدة
ابتعد عنها ونظر لـ مرآة خلفه بعيناه التي تغيرت فجأة واستوحشت، وقال وقد باتت ملامح وجهه مرعبة:-
_انا بعامل كل واحد باللي يستحقه، ولـو أتكلمنا عن الجانب الوحش اللي فيا وقارنتيه برشوان، فصدقيني هتتفاجئ بيا

شعرت بالخوف وهي تسمع كلماته تلك، وتراقب تغير ملامحه، اصابها الزعر وهي تفكر لـ لحظة بأن امامها نسخة اخري من رشوان، لكن.. ملامحه التي عادت الي هدوئها مرة اخري افاقتها من ذلك الزعر وهو يقول لها برقـة:-
_لازم تعرفي اني معاكي مش هتشوفيني غير كدا.. ملاك، لكن مع اللي يعاديني بقلب لـ اللي أبشع من رشوان
وغمز لها متابعًا:-
_بـس برضوا من غير دم..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى