أن تحب.. يعني أن لك قلب
لك قلب.. يعني لديك مشاعر..
لديك مشاعر يعني.. أنك تحس..
تحس يعني.. أنك انسان..
-معادلة الروح-
تنهدت بوجع قبل ان تقول بأفصاح:-
_رشوان مش ابويا الحقيقي..
اخذ لحظات.. دقائق ربما حتي استطاع ان يستوعب ما قالته، ضيق ما بين حاجبيه هاتفا بغباء تملك منه فجأة:-
_مش ابوكي ازاي يعني؟
حركت كتفيها لأعلي بجهل:-
_معرفش.. كل اللي اعرفه ومتأكدة منه انه مش ابويا
بدأت غصة بكاء تجتمع في حلقها.. غصة مرارة ووجع وهي تتابع:-
_وافعاله خير دليل علي كدا
_مش فاهم! افعاله اللي هي اية؟ الكل بيشيـد علي علاقتكم وقوتها، انتي أسمك بيننا معروف ” بالاميرة المدللة ” و ” روح ابوها ” يانازلي! انتي كل طلباتك مجابة، الكل بيقول ان حياتك جنة!
هتفت بأنفعال وقد تملكتها موجة بكاء مفاجئة، حتي انه صعق منها:-
_قصدك جحيم.. حياتي جحيم، الكل يعرف القشرة بس، واللي هو بينجح انه يصدره لـ الناس، ميعرفوش بالجحيم اللي انا عايشة فيه لوحدي
هتف بخفوت وقد بدأ يخشي من القادم ومن ما ستقوله:-
_واية هو الجحيم دا؟
هزل كتفيها فجأة وهي تردف بينما تنظر ارضًا:-
_بيتحرش بيا، مش بيسيب فرصة غير لما يلمسني، حتي قدام الكاميرا.. الكل بيشوفها لمسات عادية الا انا، محدش بيحس بأيده القذرة غيري، في الاضواء وفي الخفاء.. مش بيسيب فرصة تثبت انه حقير إلا ويستغلها
توسعت عيناه بصدمة من ما يسمع، لم يتخيل.. لم يأتي علي باله قط ان يكون هذا السبب، ان تكون خلف المرآة حقيقة اخري بتلك البشاعة..
شهقت ببكاء و:-
_الاول كنت بحاول اكدب نفسي، واقول اكيد فاهمة غلط، مستحيل أب يعمل في بنته كدا، بس مرة سمعت بالغلط مكالمته مع واحد.. عرفت احدد من خلالها انه ابويا الحقيقي ورشوان مجرد وجهه، وقتها عرفت انه ممكن يعمل كدا وأنيل كمان، طالاما مليش حد يسأل فيا، فقررت اني لازم اخلص منه، كان معايا حق صح؟
اؤما بنعم وقد بهت وجهه فجأة، عقله كان يشرد بمائه اتجاة.. ومليون حقيقة تغيرت في عيناه مع كلماتها تلك، لم يعد يفهم شيئًا ببساطة!
هتف بسؤال طُرح في رأسه فجأة:-
_تعرفي اسم ابوكي الحقيقي؟
اطرقت لـ لحظات شاردة.. قبل ان تؤمي بالنفي و:-
_لا.. معرفهوش، ومش عايزة اعرفه، لان دا مش هيشكل فرق معايا
****
خرج من الشالية الساكن فيه مؤقتًا، وراح يتمشي بعيدًا وعنه وهو يفكر في حياته، شاردا بها، لا يعلم الي متي سيظل هكذا فيها.. بلا مرسي، يسير وفقًا لتخيط والده.. رشوان.. تنهد بضيق وهو يقرر ان حاله ذلك يجب ان يتغير، قطع حبل افكاره صوت نزاع امامه، انتبه لمصدر الصوت فوجد الفتاة التي رأها قبلا تتنازع مع سائق أجرة والبعض يحاول ان يحل بينهم، اقترب منهم فوصل له صوتها الصارخ:-
_حتي في الغردقة نصابين؟ والنعمة ما انا دافعة غير تلاتين جنية، لو فرفرت قدامي ما دافعة جنية زيادة، روح اتشطر علي الاجانب يااهبل
_اية اللي بيحصل هنا؟
الفتت تنظر له.. تقول بشراسة:-
_ابوه؟ ابويا؟ اخوه؟ اخويا؟ ظابط شرطة؟
اؤما بالنفي، فقالت وهي تنظر الي الرجل مرة اخري:-
_جدع.. يبقي متدخلش بقي
لم يعجبه تجاهلها له هكذا.. وتقليلها من شأنه، مسك يدها وهتف بينما يخرج ورقة من فئة المئة جنية ويمنحها لـ السائق:-
_معتقدش ليك اكتر من كدا
والتف ينظر لها:-
_وانتي تعالي معايا
وسحبها خلفه متجاهلا صراختها المصطنعة، وغير واعيًا لـ الغمزة الخفية التي منحتها لـ السائق والذي بادلها نظرة الخبث والضحك الخفي بمرح وهو يقبل المئة جنية..
وقع في الفخ.. الغبي!
مازالوا لحتي اللحظة الرجال يظنون انهم ملوك اللعبة، ألا يدركون انهم بين ايدينا يكونوا هم كاللعبة؟ شرائط الحكاية نحبكها نحن كما نشاء، ونمنحهم حق الشعور بالسيطرة.. اغبياء.. للابد سيظلوا هكذا..
****
فتحت هاتفها فوجدت كالعادة اتصالات لا نهاية لها من رشوان، تجاهلتها كالعادة هي ورسائله التي تحثها علي المجئ، لكن.. وهي تمسك الهاتف بين يديها وصل لها تسجيل صوتي من رشوان لها عن طريق برنامج ” الواتسـاب ” ضيقت حاجبيها وهي تنقل الي دردشته، كان محتواه صغير، عبارة عن خمسة عشر ثانية فقط، احتارت في امرها.. اتفتحه ام لا!
بالاخير تمكن فضولها منها، فضغطت علي الزر لينفتح، فوصل لها صوته البغيض:-
_جوازك من ابن الرشيد مش هيرحمك مني يانازلي، وبسببك هو دخل لعبة ملهوش دخل فيها، لو عايزة تحافظي عليه ترجعيلي.. مستنيكي يانازلي
وتابع اخر كلمة له بضحكة عالية.. تمقتها وبشـدة..
ارتعش جسدها خوفًا وقلقًا، ماذا تفعل!
هكذا ترد الجَميل لـ مَن حماها وساعدها؟ تسلمه الي الموت بيدها.. نعم الموت، رشوان مختل ويفعلها، زفرت تعبًا وهي تشعر بالثقول تعاود المكوث فوق صدرها من جديد.. لا راحة.. طالاما رشوان متشارك معها بنفس الحياة.. أذن لا راحة..
طرقات علي الباب افاقتها من شرودها ثم انفتح وطل منه نزار، الذي رمق ارتعاشها البادي عليها بتعجب وسألها:-
_انتي كويسة؟
اؤمات بنعم كذبًا عدة مرات بأرتباك..
_امم.. طيب يلا علشان نتغدي
قالت وهي تستريح علي فراشها وتغطي جسدها بغطاء خفيف:-
_مش جعانة.. عايزة انام.. انام وبس
كاد يتحدث لكن حالتها الغريبة تلك جعلته يصمت، ويغادر الغرفة بهدوء.. بعد ان زفر متنهدا بضيق مفكرًا.. ماذا سيحدث الان!
دخل لغرفته فوجد هاتفه يرن، توجه له فوجد ان المتصل هو ” راجي “، ضغط علي مكبر الصوت وبدأ بالحديث بينما ينزع ثيابه:-
_اهلا بـ راجي باشا
هتف راجي بضيق واضح:-
_اهلا بنزار اللي مش ناوي يجيبها لبر
نزار بدهشة مصطنعة:-
_الله! وانا عملت اية دلوقتي!
راجي بعصبية:-
_فتحت سكة رشوان الباذ لية؟ مش قولنا هننسي واللي فات مات!
اغلق ازرار منامته الكحلية واتجه الي العاتف مسكه بين يداه يجيب علي الاخر:-
_انا فعلا ناسي.. ومحاولتش افتح سكك معاه، السكة هي اللي اتفتحت لوحدها.. واللي فتحها وردي وانت عارفني بحب الوردي قد اية
قالها بنبرة ماكرة جعلت راجي غصبا عنه يضحك عليه قبل ان يقول:-
_بتحبها لدرجة أنك أتجوزتها
نزار:-
_للضرورة.. أحكام
زفر راجي بتعب و:-
_عَنَدي طالع لعمتك، طيب اتمني الموضوع يقف لهنا ومنفتحش في الماضي
_متخفش.. هيحصل
قالها بنبرة غريبة، لا تمت لـ الصدق بـ صلـة!
****
كانت زهراء تقف وتسند بكلتا يديها علي مسند حديدي بصعوبة بالغة، تسند عليه، وخلفها نغم تقف خلفها مباشرةً تحسبًا لسقوطها سهـوًا، هتفت نغم بحماس وهي تري خطوات زهراء القليلة الي تمشيها:-
_برافوا يازهراء.. تابعي.. تابعي
خطت عدة خطوات اخري.. صغيرة، لكنهم حقا اخذوا منها مجهودا كبيرا، هتفت وهي تقف وتتنهد تعبًا:-
_خلاص مش قادرة
زمـت نغم شفتيها بتفهم قبل ان تأتي لها بمقعدها وتجعلها تجلس عليه من جديد و:-
_تمام.. علي كل حال احنا بنمشي كويس اوي وفي تحسن ودا حلو
اؤمات لها زهراء ب؟ بلا مشاعر واضحة علي ملامحها، نظرت لها نغم لـ دقيقة بصمت قبل ان تتنهد..
نغم وهي تسير بأتجاه باب الغرفة:-
_طيب انا هسيبك بقي وهروح اشوف عدي
كادت تغلق الباب خلفها قبل ان تناديها زهراء وقد التمع في عينيها وميـض غير مقـروء:-
_نغم..
التفتت لها تنظر لها بتسأل:-
_نعم
زهراء بنبرة شرسة، حاولت الا تظهر فيها انفعالها وغيرها التي تحرقها:-
_ابعدي عن جوزي يانغم.. بدل ما اعصرك في ايدي اطلع منك انغام صغيرة كدا هفعصها برجلي برضوا.. جوزي خط احمر
رمقتها نغم ببسمة مستفزة زادت من غضب الاخري وضيقها و:-
_وان مبعدتش!
_مش هرحمك
غمزت لها بمرح و:-
_اخرك جيبيه ياحلوة..
وتركتها وغادرت الي عدي لتزف له تلك الاخبار التي هي متأكدة انها ستجعله يتراقص منها سعادةً، بينما اخذت زهراء تقرض اظافها بغيظ وهي تنظر لمكانها الفارغ بغيرة لا تعلم متي بدأت تسيطر عليها!
_قولي والمصحف!
قالها عدي وهو ينتفض من جلسته ويصعد علي المكتب الفاصل بينهم ويجلس علي ركبتيه ينظر لها بعيون متوسعة بعدم تصديق، ضحكت علي ردة فعله وهي تؤمي بنعم
نغم:-
_قالتلي بالحرف ابعدي عن جوزي يانغم
هبط عن المكتب وبدأ يلف حول نفسه وهو يضحك بمرح وسعادة، يشعر بأن الامل عاد له.. والدم بدأ يسري في شراينيه فعليًا وتتنغم فيه الحياة، يـاه.. كان قد قارب علي اليأس، لكن تلك النغم أتت له ك طوق نجاة
اقترب منها بأندفاع وانهال عليها تقبيلا وهو يردف من وسطهم:-
_بت يانغم.. انا بحبك.. بحبك.. بحبك
وما كاد يستوعب ما يحدث حتي وجدوا الباب ينفتح وتطل منه زهراء التي هبطت لتري ماذا تريد نغم من عدي، زهراء التي تطلعت الي ما يحدث واقتراب زوجها من تلك الحية كما تدعيها بذلك القرب.. بعيون متوسعة وسـع أكبر من فتحة الاوزون.
****
بالنهاية.. تمكن الخوف منها واستطـاع ان يسيطر علي تفكيرها ويشله، لذلك اختارت القرار الخطأ، و.. هاهي بسكون الليل تتجه الي باب المنزل وتفتحه.. عبرت من خلال بوابة المنزل الخارجي نحو الجحيم.. من جديد.. وتلك المرة بكامل رغبتها!
كم هي غبية.. وكم أكره انا الأغبياء!!!!!
اترك رد