الفصـل الثالث عشـر:
إننا في غمر الحزن ساكنون..
ومن الوجع مرتشفون..
بدون ادنئ مجهود حزاني..
ومن وجع الايام نعانئ..
إنا احزاننا علي قلوبنا تكابلت..
ثقلت حتي اوجعت اوصالنا..
نرغب بالموت والفرار..
من واقع أليـم..
يراه بعض العوالم.. جنان!
كانت الساعة تسير ما بين الثانية عشر الي واحدة، يسيطر الهدوء علي انحاء القرية التي توجد بها مزرعة آل رشـد، تقف نازلي التي استيقظت من نومها قلقة في شرفة غرفتها.. تنظر الي السماء بشرود وتأمل، تفكر بـ تيقن ان هناك ما يجمع رشوان بالعائلة الرشيد..
ماضي قد يكون أشـد وجعًا من ماضيها، فالكراهية المنبعثة من اتجاههم نحوها لانها من صلب رشوان خير دليل..
تفكر.. ماذا فعل رشوان لهم ياتري؟
تنهدت وهي تفكر وهل ما فعله هو سبب اوجاع نزار؟ وما يهمها بنزار واوجاعه؟
ستهتم لانه اهتم بأوجاعها وحاول تطيبها.. او لانه زوجها.. زوجها.. يالها من كلمة لها طابع حلو علي اللسان وبصمة في القلب!
تشعر نحو نزار باشياء غريبة.. مختلفة، لا تعرف وصفًا لها، تشعر وكأنها بجواره تكون شخص اخر غير شخصها المنطئ.. تشعر بالسعادة والراحة والبهجة.. اشياء ما كانت فيها يومًا وقد نزعها منها رشوان نزعًا..
تنهدت وهي تقرر انها لن تجعل رشوان بعد اليوم يؤثر عليها.. لن تجعل عمرها يذهب هبائًا في سبيل خوفها منه، ستقوي وما يمنع؟ الخوف؟ بالاصل ستقوي لـ تقتله.. هكذا حدثت نفسها بثقة.. ثقة عالية تلك المرة..
قد تنهزم وقد لا تنهزم!
علي بُعد مترات من المزرعة، اشار دياب المختبئ داخل الاشجار المتشابكة لـ الشرفة المضاء نورها وهو يقول لـ الرجل المجاورين له:-
_شايفين البت اللي واقفة في البلكونة دي؟
نطقا معًا:-
_ايوة ياباشا..
تنهد لـ لحظة قبل ان يقول جامدًا:-
_يانرجع بيها لرشوان باشا يانرجع وكفننا في ايدينا
ارتعب الرجلين وهما يؤمؤا بحسنا بخوف، وقد بدأوا يفكروا كيف سيأتون بها في مكان تحومه الحراس من كل ناحية!
والعيون.. اليوم لا تنام.. فالأسرار ستبدأ بالأنكشاف وما خُفي سيزوج عنه ستره اخيرًا..
وفي مزرعة المنشاوي، جلست زهراء امام عدي الصامت طويلًا.. لا يجد بداية لحديثه، ولا طريقة يدخل بها في قلب الحديث.. تنهد وهو يرفع عيناه ف رأي زهراء تراقبه بملل بدأ يتسلل لها.. وضيق
علم انه اذا احتل منها ستغادر وربما لن تعطيه فرصة التبرير مرة اخري.. اذن لا مفر.. حقًا تلك المرة لا مفر
لـذا.. نظر ارضًا مغمغًا:-
_من اول ما اشتغلتي عندي سكرتيرة وانا حبيتك يازهراء، حاولت معاكي كتير اخليكي تحبيني.. طيب اتقدملك ونبدأ بالحلال والحب يجي بعدين! طيب فرصة تعارف.. صداقة.. اي حاجة! لكنك كنتي رافضة، مكنش عندي اي امل انك توافقي بيا وغصب عني كنت بحبك كل مرة اكتر وبتعلق بيكي اكتر، وكل ما انا اكبك الاقيكي انتي تكرهيني لحد ما..
ونظر الي الفراغ شاردًا وهي معه تتذكر ما حدث بعيون متألمة.. يتذكرا سويًا اللقاء العنيف الذي جمعهم سويًا..
_ممكن اعرف انتي رفضاني لية؟
صاحت فيه بعصبية:-
_كدا.. مش حباك ياخي مش طيقاك.. معيزكش، هو بالعافية؟
نهض عن مكتبه واقترب منها:-
_فيه غيري؟
نظرت له بعدم فهم فتابع صارخًا:-
_بقولك في حد غيري؟
اؤمات بالنفي وهي ترتعش خوفًا، فأخذ يديها بين يداه علي عنوة، يقربها منه بعنف وهو يقول:-
_حتي لو فيه.. مكنتش هسمحلك تقربيله يازهراء، انتي ليا وانهاردة قبل بكرة هتجوزك وهتشوفي
صاخت وهي تنفض نفسها من بين يداه:-
_في احلامك..
قالتها بثقة واهية وهي تبتعد وتخرج من المكتب باكية
وقف عنده الحدث فنظرت له بدموع متابعة:-
_لما روحت كنت بعيط ومنهارة، عصام سألني مالك؟ حكتله علي اللي حصل وهو اتعصب ونزل علشان يروحلك ويتخانق معاك علشاني.. بس مرجعش
وانهارت متابعة:-
_بسببك راح ومرجعش.. معرفش قولتله اية قهره.. ووجعه لدرجة انه ميشوفش الطريق ويعمل حادثة و..
تصلبت ملامح وجهه وهو يردف:-
_جاهزة تعرفي الحقيقة؟
نظرت له باكية وهي تؤمي بنعم.. وقبل ان يحكي استمعا لطرق ناري عالي يصم الاذان فـ انفزعا الاثنان، تقدم هو منها سريعًا وابعدها عن حائط المكتب الزجاجي التي تقف في مواجهته وخرج بها من المكتب وجد نغم تهبط وهي تصرخ سائلة عن ما يحدث
سلمها زهراء وهو يقول:-
_خديها وانزلوا البدروم بسرعة..
بدأ علي ملامح نغم الصدمة وعدم الاستيعاب لحديثه فصاح فيها:-
_نغـم..
اؤمات بنعم وهي تأخذ زهراء وتستعد لتغادر بها، لكن امسكت زهراء يـد عدي قائلة بخوف عليه:-
_انت رايح فين؟ تعالي معانا متطلعش
لكن لم يترك لها فرصة لـ الحديث وخرج سريعا!
فقالت هي لنغم:-
_طلعيني اوضتي
ظهر علي نغم الرفض فصاحت فيها:-
_طلعيني يااما هطلع لوحدي.. خلصي
_يازهراء.. عدي يقتلني! كل البيت مليان ازاز ممكن تصيبه رصاصة طايشة او..
لم تكمل وهي تري نظرات زهراء الصامدة فتنهدت وهي تصعد بها.. يبدو ان زهراء تلك عنيدة ك عند زوجها عدي تمامًا..
بالخارج..
كانت العراك الناشب معتادون عليه اهل القرية، فهو بين عائلتين بيهم نزاع علي ثأر ما حديثًا بينهم وهذا التهاوش بقي له شهرين تقريبًا وهو يحدث بصورة اعتيادية..
كانت نازلي ما زالت تقف في غرفتها قبل ان يبدأ اندلاع صوت الرصاص بقوة تفزعها، ظلت تصرخ وقد اصابتها شل الحركة حتي لم تستطع ان تتحرك من مكانها، وزاد من صدمتها وشللها.. رويتها لنزار يخرج من المزرعة ويتجه صوب العراك الناشب ظلت تصيح بأسم لكن لا حياة لمن تنادي
فنزلت دموعها علي خديها خوفًا عليه..
بينما قال دياب وهو مازال يراقب نازلي:-
_دي فرصتنا يارجالة
وتوجها ثلاثتهم الي مزرعة الرشيد التي انشغل اصحابها وحراسها لفك العراك.. تاركين نازلي في مواحهة الطوفان وحيدة.. كالمعتاد!
تسلق نزار الشجرة التي تصل الي شرفة الغرفة المجاورة لغرفة نازلي، مستغل شرودها وخوفها الذي جعلها حقًا لم تنتبه له، وصل الي الشرفة التي تبعد عن شرفتها هي بمقدار أنشئين فقط تنهد بضيق هامسًا بداخله ” اسف ” قبل ان ينادي عليها
نظرت له فسرعان ما ضرب رأسها بمؤخرة سلاحه فسقطت علي الفور مغشية عليها
قفز الي شرفتها وحملها.. هتف بأعتذار:-
_اسف ياهانم.. الظلم يغلب العدل والخوف يغلب الرحمة!
و هبط بها كما صعد.. وجري من الطريق الاخر سريعًا.. وخلفه رجاله.. الطريق الذي يمر علي مزرعة المنشاوي، التي تقف زهراء في احدي شرفها تراقب من علي بُعد العراك الذي بدأ رويدًا.. رويدًا في السكون
تنهدت وهي تنزل رقبتها المعلقة الي الارض حامدة قبل ان ترفعها مرة اخري تنظر الي الطريق الذي امام المزرعة بصدمة وهي تهمس بزهول:-
_اخويا؟
*****
ايطاليـا..
أستكان في مقعده براحة وهو يستمع البشارة اخيرًا من رشوان، اخذ نفسًا من سيجاره قبل ان يقول:-
_يومين ونازلي تكون عندي يارشوان، كفاية عليها بُعد اوي كدا، لازم تعرف الحقيقة ومين ابوها
قالها بعيون وامضة ولامعة غير شاعرًا بصدمة الاخر وزهوله..
ماذا؟ تسافر له! تعود له وتعلم الحقيقة! بعد كل ما فعله وكل محاولته تلك..
بعد كل تلك السنين تعود لوالدها وتبتعد عنه!
هذا الرجل جن.. بالتأكيد فعل.. لن يسمح بذلك
قال بداخله ذلك بشٕرر، تأتي فقط وتصبح بين يداه ويري ذلك الذي يُدعي والدها كيف سيخلصها منه
اغلق الرطل مع رشوان ونظر لصورتان علي سطح مكتبه صورة قديمة لامراة كانت في العشرون الان بالطبع تخطت الاربعون واخري حديثة لشابة ما كانت سوي نازلي، قال وهو يتلمس الصورتين بملامح لا يمكن وصفها لجهلك بها:-
_بنتك حلوة.. حلوة اوي يا….
وصمت تاركًا الاسم عالقًا وهو يضحك بصوت عالي منتشي، فخور بجعله مفرق بين ام وابنتها منذ ولادتها لحتي اللحظة.. جاعلًا الام تفكر ان ابنتها توفيت والبنت تظن ان لها امًا اخري
قطع خلوته مع نفسه صوت الباب ينفتح وزوجته تقول:-
_حسان.. انت لسة بتشتغل؟
قال وهو ينهض:-
_جايلك ياحياتي
ونهض تركا خلفه بقايا اجساد وصور تحطمت بسببه.. هو وفقط
*****
انتهي العراك وعاد كل رجلًا الي منزله، دخل نزار المنزل وجد عمته بانتظاره هو وراجي لتطمئن عليهم، طمنها عليهم ببسمة خفيفة بأنه لم يصيبه حتي خدش، تنهدت وتنفست الصعداء وهي تتلمس وجنته بحنان بينما سأل مندهش:-
_معقول نازلي مصحيتش بعد كل الدوشة دي؟
توسعت عيناه وهو ينتفض من جلسته:-
_معقـول..
وتوجه راكضًا لاعلي بسرعة وخلفه الجميع وقد دب فيهم القلق بسبب حالته، دخل لـ الغرفة فوجدها فارغة، جن جنونه وهو يتحرك فيها باحثًا عنها بتلهف
لحظات حتي ادرك عدم وجودها..
فصاح مناديًا بوجع:-
_نازلـــي…..
اترك رد