روايات كاملة

رواية وعد نزار الفصل الحادي والعشرون

الفصـل الحادي والعشـرون:

ستنسـاك الذكريات.. لكنك لن تفعل..

أنتفض واقفًا وهو يردد ذاهلًا:-
_عمتي!

اؤما عدي وكاد يتابع حديثه لكن حاله نزار الشاردة منعته، كان الاخر ينظر بعيناه الواسعة أثر الصدمة الي الامام بعدم تصديق وقد بدأت الرؤية توضح لـه الان، تـرك غرفة المكتب وتوجه لحيث غرفة عمته سريعًا، فتح الباب دون ان يطرقه حتي وجدها تنتفض بفزع وهي تـراه يتقدم منها بذلك العنفوان..

جلـس واجلسها امامه وهو يقول:-
_جـه الوقت اللي اعرف فيه حكايتك مع فاروق ياعمتي..

ولم تبكي ك كل مرة وتتهرب.. وتكتفي بكلمات مختصرة تشرح معاناتها.. بل تنهدت وبدأت بـ قـص الحكاية!

بينـار:-
_كان صاحب حاتم اخويا وعلطول بيجي البيت عندنا، كان وسيـم وشيـك، اول ما شوفته اعجبت بيه فورًا لدرجة اني حاولت الفت انتباهه كذا مرة و..

وشـردت في الماضي..

كان يقف امام منزل صديقه كاد يطرق الباب قبل ان يتفاجئ بالتي تقفل جواره وتفتح حقيبتها لتخرج مفتاح المنزل، التفتت تنظر له وعندما عرفته توترت وخجلت، تفهم حالتها فتبسم بخبث داخله.. خبث نجح في اخفاءه وهو يقول بحرج مصطنع:-
_انا كنت عايز حاتم..
فتحت الباب وهي تقول بكسوف:-
_اتفضل، هو زمانه جاي.. اقوله مين؟
_فاروق

ثم ســأل:-
_انتي مراته؟

اجابته بتسـرع:-
_لا.. انا بينـار اخته

مـد يده ليسلم عليها وهو يقول:-
_انا فاروق صاحب اخوكي واعتبريني من انهاردة زي اخوكي ولا اقولك خليها ابن عمك احسن

وغمز لها بمرح ضحكت هي بخجل عليه وتركته داخله الي غرفتها سريعًا، بينما ضحك هو بداخله بسخرية عليها..

زادت اللقاءات والصـدف، وزاد تعلقها به، جاء راجي ابن عمها ليتقدم لها لـ المرة التي يجهلوا عددها لكنها كالعادة رفضت، كل مرة كانت بحجة انها مشغولة بدراستها وهذا ما قالته تلك المرة ايضا، لكنها بالحقيقة اعترفت بداخلها ان السـبب هو حبها لفاروق الذي بدأ بتغلغل بداخلها رويدًا.. رويدًا.. او هذا ما ظنته!

قالت بدموع:-
_يافاروق كل يوم في عرسان بتيجي اخرهم راجي دا وانا مبقيتش عارفة اعمل اية!
قال بضيق:-
_وانا يعني في ايدي اعمل اية يابينار! انا مقدرش اتقدملك شوفي انتي فين وانا فين!
امسكت يده و:-
_ماما وحاتم مش هيرفضوا ومش هيهمهم الكلام دا هما بيحبوني وحاتم بيعتبرك اخوه
ضم وجهها بين كفيه وهو يقول بكسرة مصطنعة:-
_بس انا مش عايز اتقدم دلوقتي.. هيقول طمعان في اخته..
كادت تخبره بالعكس لكنه تابع بخبث:-
_فيه كذا مشروع انا داخل فيهم الايام الجاية هيرفعوني اوي، وقتها ممكن اخد خطوة اني اتقدملك دي
قالت بينار بشفتان مذمومتان:-
_طيب ودلوقتي.. انا بحبك وكمان العرسان اللي بتيجي و..
قاطعها:-
_افضلي اعترضي وارفضي.. وشوية وكل حاجة هتتصلح، وبخصوص دلوقتي احنا ممكن نتجوز عرفي

انتفضت بين يديه قائلة بدهشة:-
_عرفي!

_اها انتي بتحبيني وانا بحبك ومبقيتش قادر علي بُعدك، ودا لفترة محدودة ومش حرام، كمان سبب قوي يخلي اخوكي لما اتقدمه يوافق علطول..

قالت بنفـي وهي تشير برأسها يمينًا ويسـارًا:-
_لا انا مقدرش اعمل كدا

صاح بأندفاع وغضب مصطنع:-
_علشان مبتحبنيش ومش عوزاني.. علي كل حال براحتك، لو مش موافقة اعتبري ان كل حاجة بينا انتهت

وتركها وغادر..

فاقت بينار من شرودها وهي تتنهد بقوة هاتفة:-
_كنت هبلة وبحبه، وبُعده تعبني اوي فـ..

_موافقة..

قالتها وهي تقف امام باب منزله الذي فتحه لـ التـو، ابتسم وهو يحتضنها هامسًا:-
_هي دي حبيتي، حالًا هجيب اتنين شهور ونكتب..

وتزوجا، بالاول منعته من الاقتـراب، لكن امام اصراره وحبها له.. وافقت واستسلمت له!

ومرت الايام بهم..

_فاروق.. انا حامل

_اية؟ ازاي دا يحصل؟

قالت بدموع:-
_مش عارفة، انا عاملة كل احتياطاتي
قال بغضب:-
_الطفل دا لازم ينزل
_هتموت ابني!
قال بعصبية:-
_مش احسن ما اخوكي يقتلنا..
انهارت في البكاء فتنهد وهو يتمالك نفسه، اقترب منها يحتضن وجهها بين كفيه و:-
_حبيبتي.. دا مش وقته، حاتم لو عرف هيزعل مني ومنك اوي، وانا ما صدقت ان خلاص شغلي بدأ يتظبط واقدر اتقدملك، دا ينزل واخواته الباقيين يجوا بالسلامة وانتي مراتي رسمي

قالت بدموع:-
_بس انا مش هقدر..
_معلش.. علشان خاطري
وشـدد ممن احتضانه لها وهو يهمس بداخله:-
_مينفعش يبقالي حاجة تربطني بيكوا يابينار.. يمكن حبيتك بس حبي للفلوس اكبر واقوي من شوية مشاعر تافهة بشيلها جوايا ليكي

هتف نزار:-
_وبعدين؟

محت دموعها وهي تكمل:-
_كنت كملت تلت شهور او تلاتة وشوية.. مبقاش ينفع، فضلت خايفة اقول لفاروق الخبر دا وهو كان مشغول ومش بزوره اصلًا ومبقاش يتصل بيا يسأل.. بس بعدها وحشني وكمان بطني بدأت تكبر وكان لازم اقوله، روحت البيت ودخلت بنسخة المفتاح اللي معايا و…

_بقولك حاتم مات.. قتلته يارشوان وكلها ساعات والكل يعرف، انا لازم اختفي حالًا، اتصرف ساعة وتكون مجهزلي كل حاجة علشان اطلع برة البلد دي

شهقت بصدمة وهمست بدموع:-
_حاتم.. اخويا!

التف وجدها امامه، همس بدهشة:-
_بينار!

اغلق الخط مع رشوان وتوجه لها هاتفًا:-
_انتي بتعملي اية هنا؟
اندفعت له تمسكه من ياقة قميصه وهي تصرخ:-
_انت عملت اية في اخويا؟ عملت اية في حاتم.. رد عليا
حاولت ان يهديها ويتحكم بها، لكن حالتها كانت هيسترية، تنهد وهو يستخدم قوته معها ويتحكم بكامل جسدها بيديه القويتين وهو يردف بنبرة غاضبة جديدة عليه بالنسبة لها:-
_اتهدي بقي.. عايزة تعرفي عملت اية في اخوكي؟ قتلته بعد ما خدت كل فلوسه، يعني دلوقتي كلكم هتقعدوا في الشارع
صاحت وهي تحاول ان تلكمه بيداها المكبلة بفعل يداها:-
_لية؟ لية؟ دا صاحبك..
قال بغضب:-
_انا ملييش صحاب.. انا ملييش.. غيري، هو من سـوء حظه انه وقع في طريقي وبقي ضحية من ضحايايا.. كان واحد اهبل معاه فلوس ميستحقهاش ومعرفش يحافظ عليها من هبله فبقيت من حقي وانتي..
صمت قبل ان يقول بجمود:-
_كنتي علي البيعة، حاجة بستمتع بيها لحد ما احقق مرادي واهرب

صاحت وهي تحاول ان تتحرر منه:-
_انا هبلغ عنك، انا هسجنك ياحقير

ضحك عاليًا بسخرية قبل أن تلتمع عيناه بالشـرر و:-
_ومين هيسمحلك تخرجي من هنا ياحلوة؟ انتي جيتي لقدرك برجلك.. هتروحي لاخوكي علشان ميوحشكيش..

هتفت بدموع:-
_حاول يخنقني ويموتني وكنت بالفعل هموت بين ايديه، لكنه في اخر لحظة تراجع، معرفش اية السبب! يمكن صعبت عليه.. المهم

ابتعد عنها وهو يزفر بضيق:-
_تعرفي.. مش هموتك، بس هعيشك طول عمرك مقهورة

وتطلع الي بطنها البارزة و:-
_كنت عارف انك مش هتقدري تنزليه بس ملحوقة، مامتش وهو في بطنك يموت وهو عايش مفيهاش حاجة..

ثم اقترب منها يحتضنها بين ذرعاه و:-
_تعالي اودعك قبل سفري..

ولم يترك لها فرصة للاعتراض!

استيقظت بعد مدة وهي تتألم اثر اغتصـابه لها، وجدت نفسها في مكان معتم.. غريب عنها، صاحت بخوف ورعب وهي تنادي عليه، لينفتح الباب فجأة ويطل منه رشوان الذي هتف بجمود:-
_فاروق باشا سافر..

حاولت ان تنهض و:-
_مهما يغور فين هجيبه.. طلعني من هنا انا عايزة امشي
ضحك بسخرية:-
_تمشي! للاسف معنديش اوامر بكدا.. الاوامر اللي عندي بتقول..
صمت قبل ان يقول بشماتة:-
_انك هتعيشي هنا زي الكلبة لحد ما تولدي ونقتل ابنك وبعدها.. امم نقتلك انتي كمان؟ وماله فكرة مش بطالة

وخرج بينما يضحك بطريقة عجيبة ايقنت من خلالها انه مصاب بالجنون بلا شك!

ارتعش جسدها وكأنها تتذكر اسـوء ما في القصة وهي تقول لنزار:-
_بقي كل يوم يدخل يضربني لحد ما يغمي عليا او ميبقاش فيه حيل ويطلع، حاولت اهرب بس مكنش فيه مفر لحد ما جه وقت ولادتي، وداني مستشفي وولدت هناك، فوقت قالولي اني ولدت بنت وماتت قعدت اعيط وازعق بس مستبعدتش موتها لاني كنت ضعيفة وبضرب كتير في بطني بسبب رشوان، ادوني ابرة مهدء نمت بسببها ولما صحيت كنت في مستشفي حكومي وراجي معايا

تنهدت وهي تتابع:-
_عرفنا ان فاروق وهو مسافر بمركب لـ ايطاليا.. غرق ومات.. فضلت سنين بتعالج بسبب اللي حصل وراجي جنبي مسبنيش، غصب عني رغم اني حلفت ما احب تاني حبيته.. ولما حبيته عرفت اني عمري ما حبيت فاروق، مشاعري لفاروق كانت مشاعر فارغة مش حقيقية، كنت طفلة بتعلق بأي حاجة واي حد وهو استغل دا، راجي عرفني الحب الحقيقي.. عوضني.. خلاني اعيش بعد ما كنت ميتة.. أحياني وأحيا فيا روحي اللي كانت مطفية، اتجوزته وخلفت رحمة و..

قاطعها بجمود:-
_وبنتك عايشة.. مماتتش

صمتت لـ لحظات عن الحديث، ظن هو انها من الصدمة، فتابع حديثه:-
_كدا فهمت.. رشوان اخد البنت بعد ما اقنعوكي انها ماتت، وكتبها بأسمه.. لسبب ما مقتلهاش زي ما كانوا عايزين، رباها علي انها بنته قدام كل الناس، لكنه من جواه مكنش معتبرها كدا.. من جواه كان شايفها بطريقة اقذر من اني اوصفها.. والبنت دي

قاطعته بدموع:-
_نازلي.. انا كنت حاسة، كنت عايزة اقولك بس مكنش عندي دليل، احساسي ميكفيش، رقبتها فيها وحمة زي اللي عندي بالظبط.. احساسي ناحيتها مكنش مجرد عطف زي ما كنت بحاول اقنع نفسي، كنت حاسة.. كنت حاسة

ودفنت وجهها بين يدها تبكي بأنهيار وسعادة بينما تردف من بين شهقاتها المتقاطعة:-
_منك لله يافاروق.. حرمتني منها.. ضيعت فرحتي بيها، حرمتني منها وحرمتها مني، وريتنا المٕرار.. ألوان، منك لله.. انت عملي الاسود في الحياة انت..

قاطعها نزار وهو يمسك يدها ويهبط ليجلس علي ركبتيه امامها:-
_وعـد ياعمتي علي كل دمعة نزلت منك هجبلك حقك منه، عمي راجي معاه حق.. اللي مات ابويا واللي عاشت العذاب علي ايده عمتي.. واللي فوق مراتي وكلهم اتعذبوا بسبب نفس الشخص ومفيش غيري هيجيبلكم حقكم

قَبل يدها متابعًا:-
_بس دلوقتي قبل اي حاجة، نازلي لازم تعرف الحقيقة ولازم نعوضها

اؤمات بنعم عدة مرات وهي تقول:-
_معاك حق.. قومني وخدني عندها يانزار

بينما بالخارج همست رحمة التي كانت تستمع لكل ما حدث.. بصدمة وزهول:-
_يعني نازلي اختي!
*****
علي طاولة العشاء بمنزل المنشاوي، كان الجميع متجمع علي غير العادة حول الطاولة، كانت هناك نظرات تتبادل بين نغم ويامن، نظرات لا يفهمها سـواهم.. نظرات محتارة ومتوترة..

لم يستطع يامن التحمل اكثر، نهض عن جلسته وغادر غرفة الطعام متوجهًا بخطواته نحو باب المنزل، تابعته نغم صارخة:-
_يامن.. يامن

توقف ونظر لها:-
_نعم؟

توقفت عن الركض ووقفت امامه تأخذ انفاسها ثم اردفت:-
_رايح فين؟

قال ببساطة:-
_رايح لاختي..

قالت بسخرية:-
_بالبساطة دي؟ لية مفكر انها اول ما تعرف بوجودك هتاخدك بالاحضان!

قال بغضب مكتوم:-
_مش مهم اية رد فعلها.. المهم ابقي معاها
قاطعته:-
_مينفعش.. بعد اللي قولته مينفعش، بابا مينفعش يعرف اننا عارفين اي حاجة

صاح بغضب:-
_وانا مش هفضل ساكت كدا واتفرج عليها من بعيد زيي زي الغريب، هي اختي.. وان كان نزار متجوزها علشان يحميها فخلاص انا موجود يطلقها.. وانا متكفل بحمايتها من رشوان دا ومن بابا نفسه.. انا هروح مش هستني اكتر من كدا

وتوجه الي خارج المزرعة، تاركًا نغم وعيونها تلمع وهي تفكر ان هذا بالفعل من الممكن ان يكون سبب زواجهم السريع.. حمايتها من بطش رشوان

تبسمت بسعادة وهي تفكر بذلك الامر و….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى