الفصـل الثالث والعشـرون:
‘ لاموني في حبك وغلطوني.. ما هما ياحبيبي بعيوني ما شافوك! ‘
بمزرعة المنشـاوي:
يجلس عدي وخالته شيري اختصارًا لـ أسم ‘ شادية ‘ الذي لا تحبه وابناءها ‘ يامن ونغم ‘ في جلسة عائلية متكتمة.. بغرفة مكتب عدي، تبكي شيري وتنوح وهي تزف لهم خبر طلاقها من زوجها واختفاءه الذي تفاجئت به صباح الأمـس.. هاتفة:-
_بقاله فترة مش مظبوط ومن يومين بس حاله زاد سـوء وبقي متوتر علطول، اتخانق معايا اول امبارح ونمت وصحيت لقيته سايبلي ورقة انه هيطلقني والورقة هتوصلي وبيقول متدوريش عليا.. حاولت اكلمه واسال عنه في الشغل بس مفيش اي خبر عنه
وانهارت في البكاء علي زوجها وحاله الذي تبدل فجأة دون سابق انذار، بينما كان يامن يسمع والجمود يرتسم علي محياه..
ونغم تربت عليها في محاولة منها لـ التخفيف عنها ومن الناحية الاخري عدي.. الذي قال:-
_اكيد معاه عذره ياخالتي، استني وان شاء الله هيرجع ويشرحلك كل حاجة
لم تبـدو انها استمعت له.. بل كانت تبكي وفقط، علي ذلك الرجل الذي خطف قلبها منذ ان رأته واحبته حتي كان عندها استعداد ان تخسر كل الدنيا مقابل العيش معه، رغم جفاءه معها في بعض الاحيان.. ومزاجه المتقلب.. وغموضه الذي يحاوطه!
ووسـط انشغالهم بها اختفي يامن من بينهم، مقـررًا انه يكفي الي هذا الحد من الصمت والخزي.
*****
بمنـزل رشـوان البـاذ.. في القاهرة..
كان يجلس زيـاد في غرفته، يظهر عليه الاعياء والمرض، فالمصائـب تسقط علي رأسه تباعًا، مبدوءة بأختفاء سلمـي ثم نازلي شقيقته التي لا يعرف حتي الان التفاصيل حول اختفاءها ايضًا.. ثم اعمال والده وامواله التي يخسرها بدون سبب وبدون سابق انذار..
كان الظلام قـد ملأ ارجاء الغرفة برغبة منه بعدم اشعـال اي ضوء، عندما اوجعته رأسه من التفكير اغمض عيناه في محاولة منه لـ الهرب من تشـوش افكاره تلك، لكن صوت الهمس الذي بدأ يتصاعد بالغرفة ينادي بأسمه.. اجفله وجعله يعتدل في جلسته منتفضًا وهو يوسع عينيه.. سائلًا أهذا صوت سلمي.. ام انه يتخيل؟
لكن الهمس تكرر.. بصوت اعلي واوضح.. انها سلمي!
فتح ضـوء الابجورة من جواره فتفاجئ بها امامه بالفعل! نهض وكأن لا عالة به متقدمًا منها وهو يهمس ك المتغيب:-
_سلمـي..!
وقد غشـت بعض الدموع عيناه.. وصل لها حيث كانت تقفل بالقرب من شرفته.. مـد يده يتلمسها وهو خائف من ان تكون ثراب، لكن ما ان لمسها ووجدها حقيقة حتي اندفع ليحتضنها وهو يبكي بقوة.. لكن يدها التي مدتها امامها لتمنعه من الاقتراب اسرفت عن ذلك
همـس بزهول:-
_سلمـي!
قالت بجمود وهي ترسم وجه باكي علي ملامحها:-
_انتي محمتنيش منهم، انت ضعيف..
اؤما بالنفـي و:-
_انا بحاول اوصلك، مش لاقيكِ، لو لقيتك مش هسيبك
ضحكت بسخرية وهي تهتف كأنها لا تسمع لكلماته:-
_انت مبتحبنيش زي ما قولتلي
اؤما بنفي قاطع.. قائلا بتأكيـد:-
_لا انا بحبك
رفعت احدي حاجبيها و:-
_اثبتلي..
تطلع لها بتسأل بمعني.. كيف؟
بدأت تبعد بخطواتها نحو الشرفة ببـطء وهي تقول بضحكة غريبة:-
_تعالي ورايـا..
بـدأ يسير خلفها، اقتربا من حافة الشرفة توقف وهو يهمس بخوف:-
_هنقع..
وقف امام سـور الشرفة بالضبط.. همست وهي تمد يدها لـه بينما تصعد علي سـور الشرفة:-
_متخفش.. تعالي معايا بس..
بدا وكأنه متغيب ومـد يده لها بالفعل وهو يسير بخطواته نحو سور الشرفة وعيناه نصف منغلقة.. صرخ صوت من الاسفـل:-
_زيـاد بيه..
مع انفتاح الباب وطلة حارس ومعه كلا من رشوان ودياب، وسـط تلك الانشغالات اختفت سلمي ‘ رحمة ‘ بعدما غمزت لـ الحارس بخفة، اندفع رشوان نحو زياد الذي وقف يتطلع لكل ما حوله بزهول، عانقه وهو يقول بخوف:-
_زياد. ابني انت كويس؟
همس الاخر بخفوت شديد:-
_سلمي.. سلمي كانت هنا و..
تطلع لـه لـ لحظات بضيق ثم الي الحارسـين منتظرًا شرح منهم.. هتف احدهم:-
_كنا بنحرس البوابة الخلفية وشوفنا البية بيقرب من البلكونة وخلاص هيطلع السور، انا طلعت اجري علي جوه بسرعة الحقه
واشار الي الاخر متابعًا:-
_وهو وقف تحت بينادي عليه بيحاول يقنعه مينطش..
توسعت عينا رشوان هامسًا:-
_مينطش..!
والتف الي الاخر هاتفًا بغيظ:-
_انت عايز تنتحر يازياد!
اؤما بالنفي هاتفًا بصدق:-
_سلمي كانت هنا وانا كنت بقرب منها و..
قاطعه الحارس بدهشة زائفة:-
_بس احنا مشفناش حد يابية!
وأكـد الحارس الاخر علي حديثه، حاول ان يقنعهم بما قاله ويقسم بذلك، لكن لسوء حالته وبسبب عدم تصديق رشـوان لـه من البداية لعدم وجود دليل علي وجود سلمي تلك من الاساس.. بائت محاولاته بالفشل، بالاخير تركه رشوان يسترح وخرج وملامحه تنغص بالوجع عليه والغضب من حالته تلك التي تزداد يومًا بعد يوم سـوءًا..
هتف دياب بتردد وارتبـاك:-
_باشا.. انا قولتلك الحل
قال بنفي قاطع:-
_مستحيل.. مش ابن رشوان البـاذ اللي يروح المستشفي ويتقال عليه مجنون
صمت دياب ولم يتحدث.. بينما تابع رشوان وهو يزفر حانقًا:-
_عملت اية مع المستثمرين؟ اقنعتهم؟
اؤما بالنفي و:-
_كلهم لغوا الاتفاقيات اللي ما بينا و..
تنحنح قبل ان يردف:-
_بعد اللي حصل وخسارتنا اخر تلت صفقات والبضاعة اللي اتحرقت في المصنع، الاسهم نزلت طبعًا و..
صمت مرة اخري.. فقال رشوان بحدة:-
_واية؟ اشجيني..
_ونزار بيه شغال يشتري من كل اللي بيبيع، ولدلوقتي بقي معاه حوالي 25% من الاسهم
صرخ بغضب وهو يلقي بـ تحفة اثرية بجانبه علي الحائط وهو يصيح بينما يغادر المكان:-
_نزار الكلب..
*****
هبـط نزار لاستقبـال يامن الذي جاء وطلب مقابلته علي وجه السرعة، عانقه بحب اخوي فبينهم صداقة قوية تكونت عندما كان يأتي يامن في زيارات لمصر متقطعة، ثم اشار له بالجلوس سائلًا:-
_تشرب اية؟ ولا نخليها عشا..
اؤما بالنفي وهو يقول ببسمة بالكاد تري:-
_عصير كفاية..
اؤما بحسنًا ثم نادي الخادمة وطلب منها احضار كوبين من عصير البرتقال الطازج، غادرت ونظر هو ليامن بعيون فضولية يحثه علي الحديث..
مـرر يامن يداه بين خصلات شعره بأرتباك في حركة منه معهودة يفعلها عند التوتر قبل ان يبدأ بالحديث:-
_انت عارف ان ماما وام عدي لما اهاليهم انفصلوا كل واحد من الاهل خد بنت، جدي اخد ماما وسافر بيها ايطاليا وجدتي قعدت هنا بخالتو
اؤما نزار بنعم وهو لا يعرف ما دخله بذلك الامر!
تابع يامن:-
_ماما كبرت هناك وكانت بتنزل هنا كل فين وفين مرة، وانقطعت زياراتها دي من وقت ما اتجوزت ومجتش من ساعتها يمكن غير مرة واحدة، علي عكسي انا ونغم كنا بنيجي دايمًا.. المهم.. اتجوزت مين بقي؟
نظر له بفضول فقال الاخر:-
_شاب مصري كان مهاجر من مصر لايطاليا بمركب، حبته من اول ما شافته واتحدت الكل علشان تتجوزه، ورغم اعتراض الكل هي اتجوزته وخلفتني انا ونغم..
هتف نزار مقاطعًا بقية استرساله:-
_اسف.. بس انا دخلي اية في دا كله؟
يامن بنبرة جامدة:-
_الشخص دا يبقي حسان ابو الزيد حاليًا.. فاروق الزاهر سابقًا
اتسعت عينا نزار بزهول، بينما تابع يامن:-
_المركب اللي جه فيها قبل حدود ايطاليا بشوية الموج علي وكانت هتغرق واتزانها مكنش مظبوط، ناس بالفعل متحملتش وغرقت منهم حسان ابو الزيد، بابا خد كل اثباتات حسان الشخصية وبدلها بـ حاجته هو، خدش صورته في البطاقة علشان لما يلاقوا الجثة والاسم يكتفوا بكدا، وسافر هو ايطاليا وبدأ حياته بأسم حسان ابو الزيد
كان يستمع له بصمت.. صمت رهيب، لم يتوقع ان يحالفه الحظ الي تلك الدرجة!
_انا عرفت الحاجات دي وانا بسمعه بيكلم واحد اسمه رشوان وعرفت ان نازلي مراتك.. تبقي اختي!
نظر له بعيون مشوشة قبل ان يسأل:-
_كيف اوصله؟ فين عنوانه في ايطاليا؟
نكس رأسه للأسف وهو يقول:-
_للاسف بابا هرب واختفي.. معرفش اية اللي خلاه يعمل كدا، شكله خاف ان يكون حد اكتشف انتحاله لهوية غيره و..
قاطعه بجنون وغضب وهو ينهض.. فقد منحته الدنيا كل الامل ثم نزعته نزعًا من بين يداه خلال ثوانٍ:-
_انت مش فاهم حاجة.. مش فاهم حاجة
قال بحرج:-
_انا عرفت بابا عمل اية في طنط بينار واكيد انت مش طايقه بسبب كدا و..
قاطعه:-
_ابوك دبحني يايامن.. ابوك سرق مني كل سعادتي وحياتي، ابوك قتل ابويا ودمر كل عيلتي
اتسعت عينا يامن بزهول.. فلم يعرف ذلك الامر ابدًا، راح نزار يحكي ويقص ويسمع هو بدهشة وعيون تتسع رويدًا.. رويدًا، كان يعلم ان والده فعل اشياء كثيرة خاطئة لكن لدرجة القتل؟ والاغتيال والنصب! لم يتوقع قـط!
زفـر بتعب بعدما انتهي نزار من قص الحكاية قبل ان يقول بجدية:-
_انا هساعدك علشان نلاقيه وياخد جزاته.. هو يستحق، بس هو دلوقتي ميهمنش، مجيتش علشانه.. انا جيت علشان نازلي.. اختي
استمعا لصوت شهقة عالية فزعة.. ثم ارتطام شيئًا ما علي الارض و…
اترك رد