قصص

قصة الضيف

المكان: وسط البلد-القاهرة
(صوت برق ورعد ومطر)
خلفية موسيقية:
رجعوني عينيك لأيامي اللي راحوا.. علموني أندم على الماضي وجراحه.. اللي شوفته قبل ما تشوفك عينيا.. عمر ضايع يحسبوه إزاي عليا؟!.
– يحسبوه إزاي عليا.. الله عليكِ ياست.
(صوت معلقة بتقلب الشاي)
– قد ايه من عمري قبلك راح.. راح وعدا يا…. ايه ده؟
وقفت مكاني فجأة لما شوفت قدامي كيان لطفل صغير، كان واقف مبتسم بشكل مرعب، بصيت له وانا جسمي كله بيتنفض، ايدي كانت متخشبة وقافلة على كوباية الشاي من الصدمة، الطفل ابتسامته كانت بتوسع أكتر وأكتر لحد ما في الآخر اتحولت لضحكة عالية، بعدها شوفته وهو داخل ناحية أوضة من الأوض، كان بيتلفت كل شوية ويبص عليا ويضحك، لحد ما اختفى خالص، وفي اللحظة دي فوقت وكوباية الشاي وقعت من ايدي، سيبتها وماهتمتش ومشيت ناحية الانتريه، قعدت على الكنبة وانا بحاول استوعب اللي شوفته.. مين الطفل ده؟!.. وبيضحك على ايه؟!.. فوقت على صوت تليفوني بيرن، مسكته وبصيت على الاسم بعدين رديت…
– ايوة يا سها.
– حبيبي كويس إني لحقتك.
– لحقتيني قبل ايه بالظبط؟
– قبل ما تنام يا روحي.
– وانا ايه اللي هينيمني بدري كده؟!
– بدري ايه يا ياسر.. الساعة 2:30 قبل الفجر.
– نعم!.. انتِ بتقولي ايه؟!
– في ايه يا ياسر؟
– مافيش.. طب.. طب انا.. انتِ كنتِ فين طول الوقت ده ماكلمتنيش ليه؟
– يابني ما انا كلمتك وانت قولتلي هتخلص شغلك وتكلمني.
– انا كلمتك؟.. امتى؟
– من اربع ساعات.. قولتلي انك بتشرب الشاي وهتبدأ شغل.. ولما تخلص هتكلمني.
– بشرب الشاي.
– اه.
بصيت ناحية المطبخ على الكوباية اللي اتكسرت لكن مالقتش حاجة على الأرض، لفيت وشي تاني بس ساعتها التليفون وقع من ايدي، قدامي كان في صينية عليها طبق فيه بواقي أكل وجنبه كوباية شاي فاضية.
– الو.. ياسر.. ياسر.
مسكت التليفون تاني وانا ببص على الصينية…
– ياسر انت روحت فين؟
سِكِت شوية قبل ما أرد…
– اااا.. انا موجود.. موجود.. انتِ.. انتِ كنتِ عايزة ايه قبل ما انام؟
– كنت عايزة اوريك طقم عاجبني ولو قولت عليه حلو هنزل اشتريه بكرة.
– يعني انتِ متصلة بيا دلوقتي عشان توريني طقم عاجبك ياسها؟!.
– اه.. انا بعتلك صورته على الواتس، شوفه كده وقولي رأيك.
رديت بسرعة وبنفاذ صبر…
– حلو.. حلو ياسها.
سألتني بزعل…
– هو انت لحقت شوفته؟!
اتنهدت وانا بحاول اسيطر على اعصابي.. وبعدين قولت بحنية…
– مش محتاج اشوفه ياحبيبتي.. كفاية ان انتِ اللي مختاراه، انا بثق في ذوقك.
ضحكت وهي بتقولي…
– ربنا يخليك ليا ياحبيبي.. بس عشان خاطري بص عليه وقولي رأيك.
– حاضر ياحبيبتي.
فتحت الشات بتاعنا ومن غير ما افتح الصورة قولتلها…
– الله.. حلو اوي.
– بجد؟
– اه جدًا مش انا قولتلك ياحبيبتي، انا بثق في ذوقك.
– ماتحرمش منك ابدًا ياحبيبي.. ها تيجي معايا بكرة نشتريه؟
– لا.
– ايه؟!
– ااا.. مش قصدي.. مش قصدي، انا قصدي، ما انتِ عارفة ياحبيبتي انا ببقى سهران طول الليل شغال والصبح بكون نايم، شوفي واحدة صاحبتك وانزلي معاها وانا هبقى اجي معاكِ يوم تاني.
– ماشي يا ياسر.. براحتك.
– من غير زعل بقى عشان خاطري.
– ماشي ياحبيبي، هسيبك انا عشان تكمل شغلك.. ولا هتنام؟
– لا لا ورايا شغل كتير أوي هخلصه الأول وبعدين انام.
– ربنا معاك يا روحي.. سلام.
– سلام ياحبيبتي.
قفلت معاها ورميت التليفون جنبي على الكنبة وبعدين بصيت على الصينية تاني وانا بسأل نفسي.. انا عملت كل ده امتى؟.. اخر حاجة فاكرها لما الطفل ده ظهر وكوباية الشاي وقعت.. الوقت ده كله عدى امتى وازاي مش فاكر منه حاجة؟.. بس قبل ما اجاوب على الأسئلة دي سمعت صوت…
ثانية واحدة انت وصلت معايا لحد هنا وانت ماتعرفش انا مين؟.. ولا بشتغل ايه؟.. ولا احنا فين؟.. خليني اجاوبك على الأسئلة دي الأول عشان تبقى قادر تتخيل المأساة اللي هحكيلك عليها.. انا ياسر عثمان، عندي 29 سنة، بشتغل مصور، وعشان كده شغلي بيكون بالليل، بحب اقعد بالليل في الهدوء أظبط الصور واعدلها، عايشس في وسط البلد، جيت هنا من حوالي 3 شهور، طبعًا انت عارف إن اغلب شقق وسط البلد مبنية على الطراز القديم، يعني مباني عالية وشقق واسعة جدًا، الشقة مكونة من 5 أوض منهم 3 أوض بيبانهم بتفتح على الصالة، وبعدهم ممر صغير بيدخلك المطبخ على الشمال وبعده الحمام، وفي الوش أوضة صغيرة وعلى اليمين أوضة النوم.
ودلوقتي بعد ما جاوبتك على كل الاسئلة وعرفت انت فين ومع مين، خلينا نكمل اللي حصل…
سمعت صوت حاجة بتوقع في المطبخ، رفعت راسي وبصيت ناحية الممر لكن ماكنش في حد، قولت يمكن بيتهيئلي ولا حاجة، بس شوية وسمعت صوت غطا حلة بيترزع، المرة دي قومت بسرعة وروحت ناحية المطبخ، وقفت على الباب وبصيت جوة المطبخ بس كل حاجة في مكانها ومافيش أي غطيان واقعة على الأرض، في اللحظة دي حسيت بهوا سخن في الجزء الشمال من جسمي وخصوصًا ضهر ايدي، حسيت إن ايدي زي ماتكون بتتحرق، خرجت جري على الصالة وانا بقرأ اية الكرسي، كنت متوتر جدًا والأدرنالين عالي، عشان كده كنت قادر أسمع صوت أنفاسي وضربات قلبي بشكل واضح، كنت قاعد على الكنبة ومركز ناحية الممر، وبلساني بردد آية الكرسي بسرعة، وفجأة، النور قطع، تليفوني.. فين التليفون؟.. حسست بايديا على الكنبة في محاولة مني إني الاقي الموبايل بتاعي بس للأسف كانت محاولة فاشلة والموبايل ماكنش موجود، كنت حاسس بحد بيتحرك حواليا، وبسخونية في المكان، عليت صوتي بالقرآن وانا بقرأ آية الكرسي، كان في هوا سخن في ضهري، السخونية كانت بتزيد ومرة واحدة حسيت بها جنب ودني وحد بيهمس…
– ايه اللي جابك هنا؟
قومت وقفت بسرعة وانا بصرخ…
– أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
النور رجع تاني، ساعتها شوفت موبايلي على الكرسي جريت عليه ومسكته، بصيت على الساعة كانت 3 وربع، ماعرفش ليه جِه في بالي وقتها ادخل أوضة النوم، وفعلًا دخلت بسرعة الأوضة وقفلت الباب عليا بالمفتاح، بعدها روحت ناحية السرير ونزلت تحت البطانية، جسمي كله كان بيتنفض، كل اللي كان بيدور في بالي ساعتها هو سؤال واحد.. ايه اللي بيحصل؟.. انا بقالي 3 شهور هنا وماحصلش حاجة، في ايه النهاردة؟!.. ماكنتش لاقي إجابة لسؤالي، بس بعد عشر دقايق نفسي بدأ يهدى وحسيت إني استعدت السيطرة على جسمي من تاني، رفعت الغطا وقومت، بس في اللحظة دي.. في اللحظة دي شوفت الطفل واقف ورا شباك السرير وبيبص عليا، ابتسم أول ما شافني، بعدها طرقع مرتين بصوابعه الاتنين الوسطي والإبهام، كنت ببصله باستغراب بس بعد ثواني بدأت أحس دماغي بتتقل والرؤية ضبابية، بعدها الرؤية انعدمت لثواني ولما رجعت لاقتني نايم على السرير زي ما انا لكن شكل السرير مختلف، والطفل مش موجود، اتعدلت في قعدتي ونزلت رجلي على الأرض وانا ببص في الأوضة، السرير من النحاس عليه ملاية مربعات قديمة ولونها أصفر، وعلى يميني كومودينو خشب عليه ازازة زي ازايز الفينيك اللي بيستخدموه في تنضيف الأرضيات، وجنبه شريط اسبرين من بتوع زمان اللي بيتباع بالمتر ده، الكومودينو مكون من درجين صغيرين وتحتيهم درفة، قومت وقفت وانا ببص على باقي الأوضة، الدنيا كانت ضلمة، تقريبًا مافيش غير نور بسيط داخل من الشباك، كان نور القمر، مشيت لحد الباب وهناك دوست على الكوبس، لكن النور ما نورش، فضلت ادوس على الكوبس مرة واتنين وانا ببص على النجفة اللي في السقفة، وفجأة ظهر قدامي الطفل عند شباك السرير تاني، كان واقف في بقعة الضوء اللي داخل من الشباك، اتحرك ناحيتي، رجعت لورا بس خبطت في الحيطة، قرب أكتر، اتسمرت في مكاني، وبخوف سألته…
انت مين؟.. وعايز ايه؟
ماردش عليا وقرب أكتر وأكتر، غمضت عيني وانا مستني اللحظة اللي هينقض عليا فيها، لكن.. لكن لاقيته بيمسك ايدي، فتحت عيني وبصيت له باستغراب، ابتسم وبعدها طرقع بصوابعه تاني، لاقيت الباب اتفتح، سحبني من ايدي ومشي بيا على بره، اول ما خرجنا لاقيت ديكور الشقة متغير، قدامي كان المطبخ، بصيت جواه عشان اكتشف انه فاضي ومافيش فيه غير شوية حلل ومواعين قديمة، وفي الحيطة اللي على الشمال نملية صغيرة متهالكة، خرج بيا للصالة وأول ما عدينا الممر ساب ايدي ومشي لوحده ناحية الأوضة اللي على الشمال، حط ايده على الأوكرة وبص لي بنفس الإبتسامة، بعدها فتح الباب ودخل، وقفت مكاني للحظات وانا متردد أدخل وراه ولا لا.. بس في النهاية لاقيت رجلي بتاخدني ناحية الأوضة، واول ما وصلت للباب شوفت راجل قاعد على مكتب موجود على يميني، كان مركز وهو ماسك القلم وبيكتب في الأوراق اللي قدامه، بصيت على باقية الأوضة شوفت في الوش باب بلكونة من إزاز عليه ستارة بيضا خفيفة وجنب الباب كرسي هزاز فوقيه بورتريه، وعلى الشمال مكتبة كبيرة مغطية الجدار كله، فوقت على صوت الراجل بيقول…
– ايه اللي جابك هنا؟.. انت المفروض ماتكونش موجود هنا النهاردة.
لفيت وشي ناحيته وساعتها لاقيته بيبص لي بغضب، حسيت بالتوتر وماكنتش عارف ارد اقوله ايه؟.. كرر سؤاله تاني لكن بطريقة مختلفة…
– مش انا قولتلك ماتجيش هنا تاني.
مش فاهم هو يقصد ايه؟.. بس قبل ما اتكلم سمعت صوت بيقول…
– انا جاي عشان افهم.
حسيت وقتها بهوا سخن في ضهري، اتقدمت في الأوضة خطوتين ولفيت ورايا وساعتها شوفت شاب أبيض واقف، بص للراجل لثواني وبعدها اتحرك، رجعت لورا، قرب الشاب من المكتب اللي الراجل قاعد عليه وقاله…
انت ليه سيبتني؟
بصله الراجل بغضب وقال بنبرة كلها غِل…
– عشان انت مش ابني.
– بس انا متأكد اني ابنك.
– لا انت مش ابني وحتى لو كنت ابني فانا مش عايزك.
انت ظالم.
وقف الراجل من على المكتب وقرب من الشاب وفجأة ضربه بالقلم، بصله الشاب وعينيه ماليها الدموع وبعدها ساب الأوضة وخرج، بص الراجل عليه وبعد ثواني مد ايده ناحية المكتب وفتح علبة صغيرة وطلع منها سيجارة، بعدها خد الكبريت من جنب العلبة وراح ناحية البلكونة، فتح الباب الإزاز، وبعدين ولع السيجارة وخد أول نفس ونفخ الدخان في السما، كان باين عليه الغضب والزعل في نفس الوقت، وكان واضح إنه متوتر جدًا وده باين من رعشة ايده اللي ماسك بها السيجارة، في اللحظة دي سمعت صوت برق ورعد، والدنيا بدأت تمطر، رفع الراجل راسه ناحية السما وبعدها رمى السيجارة من البلكونة ودخل، قفل الباب كويس وشد الستارة، رجعت في اللحظة دي بضهري ناحية المكتبة، مشي للمكتب وقفل الأباجورة، بعدها راح ناحية الباب، بص ناحيتي لثواني بعدين قفل الباب وخرج، الدنيا كانت ضلمة جدًا ماكنش فيه غير نور القمر الضعيف والبرق اللي كان داخل من الشباك، ومع صوت المطر والرعد كمان كنت حاسس بالرعب، بس الرعب الحقيقي حسيت به لما فجأة ظهر الطفل على الكرسي الهزاز، كان قاعد بيتمرجح به وهو مبتسم، بعدها بص لي وقالي…
– طبعًا انت عايز تعرف مين دول.. مش كده؟
سكِت وماردتش، كمل كلامه وقالي…
– تقدر تعرف اللي حصل هنا.. كل اللي عليك إنك تقرأ.
سألته بارتباك…
– اقرأ ايه؟
بص ناحية المكتب وهو بيمد راسه لقدام، بصيت على المكتب وانا بهز دماغي فيما معناه إني مش فاهم قصده، ابتسم وقالي…
– الحقيقة كلها مكتوبة هناك.. قرب.. قرب واقرأ عشان تفهم.. هم ماقدروش يفهموا بس انت أكيد هتفهم.. يلا قرب.
خوفت من طريقته وعشان كده جريت على الباب بسرعة، حاولت افتحه لكن مش راضي يتفتح، هز الطفل الكرسي وهو بيضحك…
– ماتحاولش، مش هيتفتح، الباب ده مش هيتفتح غير لما تقرأ.
لفيت وشي ناحيته وانا بصرخ…
انت بتعمل كده ليه؟
انت اللي جيت.. المفروض ماكنتش تبقى هنا الليلة دي.. ودلوقتي بقى اقعد واقرأ.
بصيت على الباب ورجعت بصيتله، شاور براسه ناحية المكتب فمشيت ببطء، وساعتها طرقع بصوابعه ولاقيت الأباجورة اشتغلت لوحدها، لفيت ورا المكتب وقدامي كان في رزمة ورق مرصوصة بشكل منظم ونور الأباجورة متسلط عليها، أول ورقة كان مكتوب فيها بخط عريض في النص كلمة واحدة بس “الضيف” قعدت على الكرسي ومسكت أول ورقة حسيت برعشة في جسمي كله أول ما مشيت ايدي على الورقة، شيلتها وحطيتها جنب الورق وبدأت اقرأ في الصفحة اللي بعدها وكان مكتوب الآتي…
الرسالة الأولى…
ابويا العزيز..
وحشتني جدًا مرت سنين كتير ماشوفتكش فيها، من ساعة ما سيبتني وانا عندي 10 سنين، مافهمتش يومها انت سيبتنا ليه فجأة ومشيت، لكن فهمت بعد كام سنة لما بدأت اشوف ناس كتير بتزورنا، كنت بشوفهم كل ليلة تقريبًأ، في البداية ماكنتش مهتم بالموضوع عشان مش فاهم مين دول؟.. ولا بيجوا عندنا يعملوا ايه؟.. كانت بتعرفني عليهم على إنهم اصحابها، لكن فاكر إني في مرة سألتها بكل براءة عن واحد فيهم.. وقولتلها هو عمو مش بيبات معانا ليه؟.. ردت عليا يومها ووشها مرسوم عليه الحزن، وقالت ماينفعش ياحبيبي.. عمو عنده بيته بيروح يبات فيه.. سألتها تاني.. اومال بيجي يعمل ايه عندنا لما هو عنده بيت تاني؟.. الحزن بان على وشها أكتر بس ماردتش، عارف يا ابويا لما كبرت فهمت إن اللي كان على وشها ده ماكنش حزن.. لا ده كان إحتقار.. كانت بتحتقر نفسها، عيشت طفولتي كلها بتعايير على حاجة ماعملتهاش ولا ليا ذنب فيها، العيال في الشارع كانوا مسميني عصمت ابن نوال، مش عصمت صدقي، طبعًا غير الكلام اللي انت عارفه واللي هربت منه زمان، انت ليه سيبتني وماخدتنيش معاك يومها؟.. اتخليت عني ليه؟.. ليه خلتني اكبر مع الست دي؟.. على العموم عندي لك خبر حلو، الست دي ماتت، ماعرفش ماتت إزاي؟.. بس دخلت عليها الأوضة في يوم لاقيتها ميتة، ماحدش كان موجود في الدفنة، وطبعًا ماعملتش عزا، انا فاكر يومها نزلت بالليل روحت لباولو وجيبت ازازتين، واحدة ليا وواحدة لفكري، اه نسيت صحيح.. الكلام خدني وماحكيتلكش عنه، فكري ده يبقى صاحبي، هو الوحيد اللي وقف جنبي من ساعة ما انت مشيت، كان دايمًا بيطبطب عليا ويقعد معايا لما كل العيال كانوا بيبعدوا عني، هو الوحيد اللي ماهتمش الست دي تقربلي ايه؟.. ولا حاسبني على تصرفاتها، المهم يومها جيبت ازازتين ولما رجعت البيت قعدت انا وفكري نشرب ونضحك وبعدها فكري سابني ونزل ومافيش نص ساعة ولاقيته راجع ومعاه بنتين من إياهم، قضينا سهرة جميلة ولما صحيت الصبح، مالقتش فكري ولا لقيت البنتين، سامحني بقى يا ابويا، انا عادة مش بعمل كده، بس المناسبة كانت تستحق بصراحة، عايز اقولك انك وحشتني جدًا ونفسي اشوفك.. بس للأسف مش قادر أوصلك ولا عارفلك عنوان.. ياريت ترجع وتاخدني اعيش معاك.
ابنك عصمت صدقي.
******
بعد ما خلصت قراية الرسالة الأولى رفعت راسي وبصيت ناحية الكرسي لكن مالقتش الطفل، وفجأة لقيت ايد بتمسكني، اتنفضت من مكاني، لقيت الطفل واقف جنبي وماسك دراعي بايده، بصيت له برعب وانا بقوله…
انت عايز مني ايه؟.. ارجوك سيبني.
– تعالى معايا، ماتخافش.
سحبني من ايدي ومشي ناحية الباب اللي قبل ما نوصله لاقيته اتفتح على اخره، خرج وهو لسه ماسكني من دراعي وبعدها سابني وهو بيشاورلي على الأوضة اللي على الشمال، بصيت عليها وانا مش فاهم قصده ايه.. بس قبل ما اسأله لاقيت باب الأوضة بيتفتح وبيخرج منه شاب وسيم وهو بينده بصوت عالي..
– سميرة.. يا سميرة.. راحت فين البت دي؟.. شكلها مشيت، لا بس كانت ليلة جميلة، الواد فكري طلع بيفهم.. لما اروح اصحيه عشان ننزل الشغل.
اتحرك الشاب ناحية الاوضة التانية وفتح بابها بس بعد ثواني قفلها ورجع ناحيتنا تاني وهو بيقول…
– شكله نزل وسابني الواطي.
راح بعدها ناحية الحمام، وبعد دقايق خرج وهو بيمسح وشه في الفوطة، وبص على صورة متعلقة قدامه لست جميلة زي القمر، ملامحه اتغيرت وقتها وبان عليه الغضب، حط الفوطة على كنبة الانتريه، وقرب من الصورة، وقف قدامها ساكت للحظات وبعدين قال…
– زمانك بتتحاسبي دلوقتي على كل اللي عملتيه.. ياترى هتقولي لربنا ايه؟.. هتبرري اللي عملتيه فيا السنين دي كلها ازاي؟.. انا عملتلك ايه عشان تعيشيني طول عمري بعارك؟.. ليه ماموتنيش وانا صغي؟..ر ولا رمتيني في الشارع أرحم بكتير من العذاب اللي شوفته بسببك؟.. انا بكرهك.. سمعاني.. بكرهك.. بكرهك.
كان بيعيط وقتها، لكن مافيش ثواني ولقيته بيمسح دموعه، وبيبص للصورة من تاني بس المرة دي مسك البرواز ورماه على الأرض وبدأ يضربه برجله، بعدها سابه مرمي على الأرض ودخل أوضته، قولت في نفسي وقتها ده أكيد عصمت، كنت باصص على الأوضة ولما لفيت وشي، اتفاجئت به قاعد على الكنبة وهو بيضحك بصوت عالي وعلى الكرسي اللي جنبه كان في شاب تاني قاعد معاه وبيضحك هو كمان، بعدها عصمت قال…
– والله كان موقف يهلك من الضحك يا فكري.
– ايوة طبعًا.. والله كانت ايام حلوة ياريتها ترجع.
– لا.
عصمت قال الكلمة بحزم وغضب، فكري وقتها بان عليه الارتباك وقاله…
– انا اسف يا عصمت ماكنش قصدي.
– انا عارف يافكري انه ماكنش قصدك.. بس الايام دي ماينفعش ترجع تاني لان مافيهاش حاجة حلوة.
– حقك عليا يا صاحبي.
– ولا يهمك.. المهم قولي.. هنعمل ايه مع…
في اللحظة دي صوت عصمت اختفى وكأن حد قفل الصوت، بعدها حسيت بالطفل بيسمك ايدي وبيمشي ناحية أوضة المكتب من تاني، وأول ما دخلنا قالي…
– كمل قراية…
روحت للمكتب وقعدت على الكرسي وساعتها شوفت قدامي صفحة جديدة ومكتوب في أول الصفحة بخط عريض “نجاة” وتحتها كان مكتوب الآتي…
الرسالة التانية..
اسمحلي يا ابويا اعرفك على نجاة، دي بقى حب حياتي، بنت طيبة وحلوة وزي القمر، هي جارتي بالمناسبة، ساكنة في الشقة اللي قصادي، كل ما افتح البلكونة واشوفها بحس إن الشمس طلعت، انا بحبها أوي يا ابويا، عايز لما تيجي ابقى اخدك ونروحلهم عشان نطلب ايديها، هي موافقة وبتستعجلني دايمًا، بس انا اللي عمال اتلكع عشان مستنيك، حاول تشد حيلك بقى وتيجي عشان الحجج كلها خلصت، واهلها بدأوا يحسوا اني بلعب ببنتهم.
******
في اللحظة دي قطع قرايتي صوت الباب بيتفتح، كان عصمت هو اللي داخل المكتب ومن غير ما يبص ناحيتي، راح للبلكونة وفتحها، اشعة الشمس نورت المكان، قومت بسرعة وقربت من باب البلكونة، ساعتها شوفته واقف وقدامه في البلكونة التانية بنت زي القمر، ابتسامتها كانت منورة أكتر من نور الشمس، الاتنين كانوا ساكتين ماحدش فيهم بيقول أي حاجة، لكن الابتسامة كانت على وشهم، وبعد دقايق دخلت نجاة من البلكونة وفضل عصمت واقف بيلعب بوردة قطفها من الورد اللي كان مزين البلكونة، قفل الطفل الباب وقتها عليه وشد الستارة وهو بيبص لي وبيشاورلي اروح ناحية المكتب، مشيت فعلًا هناك وبدأت أكمل قراية، وكالعادة الصفحة اتبدلت، ولاقيت الورقة القديمة موجودة فوق الورق اللي قريته وقدامي صفحة جديدة مكتوب فيها…
الرسالة التالتة..
ابويا العزيز..
عامل ايه؟.. وحشتني أوي، عايز اشتكيلك من فكري، ماعرفش ليه بقاله فترة عمال يزن على دماغي ويقولي إن نجاة زيها زي الست اللي كانت عايشة معايا في البيت، عمال احاول اقنعه انها غيرها، لكن هو مصمم وبيقولي إنه ممكن يثبتلي لو انا حابب اتأكد، بصراحة انا متأكد انها كويسة بس برضه من ساعة ما فكري قالي كده ودماغي عمالة تودي وتجيب، انت ايه رأيك يا ابويا؟.. اختبرها ولا بلاش؟.. انا بقول بلاش أحسن، عامة انا هكتبلك تاني ووقتها هقولك ايه اللي حصل معايا.. خلي بالك من نفسك انت واطمن انا بخير.
ابنك عصمت صدقي.
******
بعد ما الرسالة خلصت وقبل ما اقلب الصفحة لاقيت الطفل ده بيشاورلي عشان اخرج معاه من الأوضة، فتح الباب وخرج وانا قومت ومشيت وراه، لاقيته واقف ناحية أوضة نومي وبيبصلي قبل ما يدخل الأوضة، هزيت دماغي في استغراب وبعدها روحت ناحية الممر ووصلت للأوضة، وأول ما دخلت لاقيته واقف قدام السرير اللي كان عليه حد نايم، بلعت ريقي واتقدمت ناحية السرير وواحدة واحدة بدأت اشوف مين اللي نايم، كانت البنت اللي شوفتها من شوية واقفة في البلكونة(نجاة) كانت نايمة على السرير وعينيها مقفولة وهدومها مقطعة، وباين عليها اثار تعذيب، بصيت للطفل وساعتها شوفت الدموع نازلة من عينيه زي المطر، لساني كان متلجم وبالعافية سألته…
– هو ايه اللي حصل؟.. مين قتل نجاة؟.. وليه؟
الدموع زادت في عينيه ومشي ناحية الباب، خرجت وراه وأول ما وصلت لاخر الممر شوفت عصمت قاعد وقدامه فكري اللي كان بيقول…
انت ليه مش مقتنع ان زيها زي الست دي؟
رد عليه عصمت بعصبية…
– يافكري قولتلك نجاة غيرها.. وأرجوك ماتفتحش الموضوع ده تاني.. انا هتجوزها.
– مصمم برضه، ماشي خلاص اللي تشوفه.
طرقع الطفل بصوابعه كالعادة وساعتها المشهد اتبدل وشوفت الصالة فاضية، بس بعد دقيقة سمعت باب الشقة بيتفتح، وفكري بيدخل وبعدها بيبص على السلم وهو بيهمس…
– بسرعة قبل ماحد ياخد باله.
بعد ما خلص جملته لاقيته بيشد واحدة وبيدخلها للشقة، المفاجأة إن البنت اللي كانت معاه تبقى نجاة، قفل الباب وقرب منها وهو بيقولها كلام حلو، وشدها من ايدها عشان يدخل بها الأوضة، بس في اللحظة دي باب الشقة اتفتح ودخل عصمت، نجاة أول ما شافته رجعت لورا وحطت ايدها على بوقها في صدمة، اما فكري فبصلها وهو بيقوله…
– مش قولتلك زيها زي الست اياها.. انت بس اللي غلبان وأي واحدة ممكن تضحك عليك.
عصمت كان واقف مصدوم من المنظر، فكري قاله وقتها وهو رايح ناحية باب الشقة…
– انا عملت اللي عليا وفوقتك، واهي عندك اهي عايز تتجوزها اتجوزها بس خليك فاكر إنك هتعيش نفس مأساة أبوك.
سابه وخرج بعدها ورزع الباب، حاولت نجاة تجري على باب الشقة لكن عصمت مسكها وزقها جوة، رجعت لورا كام خطوة وبدأت تدافع عن نفسها…
– عصمت.. اوعى تصدقه.. هو.. هو قالي.. ان انت تعبان وانا جيت عشان اطمن عليك.
عصمت ماكنش بيرد عليها، ولاقيته مرة واحدة بيقلع الحزام، بصت له نجاة وهي بترجع لورا…
انت بتعمل ايه يا عصمت.
لف طرف الحزام على ايده وقرب ناحيتها، رجعت لورا أسرع…
– عصمت.. بلاش يا عصمت.. بلاش يا عصمت والنبي.
نزل بالحزام عليها لكنها قدرت تفادي الضربة الأولى ونطت بخفة وعدت من بيني انا والطفل وجريت على اوضة النوم، قفلت الباب، مشي عصمت ناحية الأوضة والغل باين في عينيه، وقف قدام الباب وحاول يفتحه وهو بيزعق…
– افتحي يا خاينة.. افتحي، وانا اللي كنت فاكرك نضيفة لكن طلعتوا كلكوا زي بعض.
ضرب الباب بكتفه أكتر من مرة لحد ما في الاخر قدر يكسره، ودخل الأوضة، قفل الباب وراه، ساعتها مشيت ناحية الاوضة وكنت قادر اسمع صوت ضربات الحزام وهي نازلة على جسمها، وصوت عياطها وصرخاتها وهي بتحاول تستغيث، شوية والصوت اختفى، وبعد دقايق الباب اتفتح وخرج عصمت وهو باين عليه الإجهاد، عدا من بيني انا والطفل من غير مايحس بوجودنا، دخلت بسرعة الأوضة وساعتها شوفت نجاة نايمة على السرير قاطعة النفس وعينيها مفتوحة على وسعها وهدومها مقطوعة، سيبت الطفل اللي رجع يبكي تاني جنب جثة نجاة وخرجت بره بسرعة، لاقيت عصمت قاعد على الكنبة ومولع سيجارة وبيشربها بشراهة، جسمه كله كان بيتنفض، بعد دقيقة طفى السيجارة وانهار في العياط وهو بيخبي وشه بين كفوفه، قربت منه وسألته…
– قتلتها ليه؟.. ليه؟
رفع راسه من بين كفوفه وبص لي لثواني وبعدين قام من على الكنبة والغضب في عينيه…
انت ايه اللي جابك هنا؟
قرب مني، رجعت لورا بسرعة، بس كان بيقرب أكتر وعينيه بتطق شرار، انت شوفت الحقيقة ولازم تموت، لازم تموت.. قرب مني وخنقني من رقبتي وفجأة.
فوقت على صوت المنبه بيضرب، قومت بسرعة وانا بحسس بايدي على رقبتي، اتنهدت بعدها لما اتأكدت اني لسه عايش، بصيت حواليا يمين وشمال لاقيت الأوضة زي ماهي مافيهاش حاجة متغيرة، رفعت الغطا وقومت من على السرير، بس أول ما نزلت رجلي على الأرض لمحت الكومودينو اللي جنبي عليه اسبرين وإزازة دوا، ايه اللي جاب الحاجات دي هنا؟.. هو كان حلم ولا حقيقة؟.. قومت بسرعة جريت على بره عشان اتأكد، خرجت في الصالة بس كل حاجة كانت طبيعية زي ماهي، عيني جت على أوضة المكتب، فتحتها بسرعة ودخلت، لاقيت المكتب مكانه وباب البلكونة مشدود عليه الستارة، جريت على المكتب وساعتها.. ساعتها لاقيت الورق زي ماهو، يعني ايه؟.. اللي انا شوفته ماكنش حلم!.. فتحت باب البلكونة لاقيت نجاة واقفة في البلكونة اللي قصادي، كانت واقفة وكأنها مستنياني وأول ما شافتني بدأت تحدفني بالطوب، خبيت وشي بايدي ودخلت بسرعة وقفلت الباب اللي جت فيه طوبة وكسرته.. قولت في سري ساعتها يابنت المجنونة.. بتعمل ليه كده دي؟.. انا ماعملتلهاش حاجة، فوقت على صوت باب الأوضة بيترزع، بصيت ورايا لاقيت الست اللي كانت في البرواز، واقفة مبتسمة والشر في عينيها، بعدها خدت خطوتين ناحيتي، سألتها بفزع…
– ايه؟.. انتِ عايزة مني ايه؟
ماردتش، ولقيتها جريت عليا بسرعة وفجأة مسكتني من رقبتي وبكل قوتها رزعتني في باب البلكونة، وقعت بعدها على الأرض، كنت حاسس الدنيا بتلف بيا، كنت شايفها واقفة فوق راسي وبتبصلي بنفس الإبتسامة، وبعدها الدنيا ضلمت.
******
– عصمت يا عصمت.
فتحت عيني لاقيت واحدة واقفة قدامي ولابسة أخضر، بصيت لها لثواني باستغراب، ولاقيتها بتقولي…
– قوم يلا عشان الدكتورة سها عايزاك دلوقتي.
– دكتورة سها مين؟
– الدكتورة المشرفة على الحالة بتاعتك.
– حالة ايه؟.. وعصمت مين؟.. انا فين؟
– يووووه احنا كل يوم في الموال ده.. مين اللي بيكلمني طيب عشان اعرف اتفاهم معاه؟
– انا اسمي شاهين ياطنط.
– طنط!.. اااه انت الواد الصغير.. طب قوم ياحبيبي اجهز عشان نروح للدكتورة.
– حاضر ياطنط.. بس ممكن لما اخلص مع طنط التانية تيجيبلي ادوات ارسم بها عشان انا زهقت من المكان ده.. مافيهوش لعب خالص ومش بلاقي حاجة اعملها.
– ممكن طبعًا ياحبيبي.
قومت دخلت الحمام ولما رجعت الممرضة خدتني وخرجنا الجنينة بره، لاقيت واحدة قاعدة على ترابيزة ولابسه بالطو أبيض، اول ما شافتني سألتني…
– ازيك يا عصمت؟
ردت عليها الممرضة وقالت…
– ده مش عصمت اللي حاضر دلوقتي شاهين.
هزت راسها للمرضة وابتسمت وبعدين سألتني تاني…
– ازيك يا شاهين؟
– الحمدلله ياطنط.. ازي حضرتك؟
– انا تمام الحمدلله.. اقعد يا شاهين اقعد.
– اقعد هنا.
شاورت على الكرسي اللي قدامها فهزتلي دماغها بالايجاب، وقعدت بعدها، بصت لي شوية وبعدين قالت لي…
– شاهين يا حبيبي ممكن تروح تلعب وتخليني اتكلم مع عصمت شوية؟
سكِت لثواني وبعدين قولتلها…
– ماشي بس بشرط.
– شرط ايه؟
– تجيبيلي ادوات الرسم بتاعتي عشان فكري كسرها المرة اللي فاتت.
– حاضر اوعدك اني هجيبهالك ومش هخلي فكري يقرب منها تاني.
– خلاص اتفقنا.. مع السلامة.
غمضت عيني ساعتها ومشيت، لما فتحت عيني كانت الدكتورة سها قاعدة قدامي، بصيت لها وبعدين قولتلها…
– صباح الخير يا دكتورة.
– صباح الخير يا عصمت.. تشرب قهوة؟
– لا ما حضرتك عارفة اني ماليش في القهوة بس ممكن اخد واحد شاي.
– تمام هخليهم يجيبولك شاي دلوقتي، قولي عامل ايه؟
– الحمدلله.. حضرتك عاملة ايه؟
– تمام.. فكري لسه بيضايقك؟
– العادي بتاعه، الفكرة انه مابقاش ملتزم باللي اتفقنا عليه واغلب الوقت متحكم في الجسم وحضرتك عارفة المصايب اللي بيعملها كل مرة.
– هنحاول نظبط الموضوع ده، انا هتكلم معاه.
– ياريت يا دكتورة وكفاية انه جابني هنا.. انا مش ناقص بهدلة تاني.
– اخبار الكتابة ايه؟
– تمام، كلنا ملتزمين وكل واحد بيكتب اللي بيحصل معاه طول الوقت اللي بيكون مسيطر فيه على الجسم، لكن طبعًا فكري الوحيد اللي مش بيكتب ايه اللي حصل معاه.. عشان يخبي الكوارث بتاعته عننا.
– ماتقلقش انا مسيطرة عليه.
– خايف يا دكتورة اصحى في مرة الاقيه عامل مصيبة.
– ماتخافش.. قولتلك انا مسيطرة عليه.
– تمام يا دكتورة اللي تشوفيه.
– انا هسيبك دلوقتي وهخليهم يجيبولك الشاي بتاعك، عايزاك تستمع بالجو حواليك وانا هشوف الباقيين واعدي عليك تاني.
– شكرًا يا دكتورة.
بعد ما دكتورة سها مشيت بدقايق لاقيت عامل البوفيه جايبلي شاي حطه على الترابيزة وبعدين مشي، كنت بشرب الشاي وانا ببص على الناس حواليا، وبعد ساعة أو اتنين رجعت اوضتي تاني وبعدها الدكتورة عدت عليا ولاقيتها جايبة معاها كراسة رسم وعلبة الوان زي ما وعدت شاهين، حطيتهم في الكومودينو اللي جنبي عشان لما يجي يلاقيهم.. بعدها قعدت كتبت كل اللي حصل معايا في اليوم زي ما طلبت الدكتورة من كل شخصية فينا، وهخلص دلوقتي واحط المذكرة في مكانها وهنام عشان فكري يستلم الجسم مكاني وربنا يستر.
******
دي كانت اخر حاجة كتبها عصمت أو الشخصيات اللي معاه سواء شاهين أو ياسر أو سليم أو باقي الشخصيات وحتى فكري اللي كان أغلب الوقت مش بيكتب حاجة بسبب عناده معايا، عصمت هو حالة فريدة من نوعها، قابلته هنا من سنين، شخص تعرض لظروف قاسية في طفولته، اتصدم بحقيقة أمه، ورغم إنه مالوش ذنب في تصرفاتها إلا ان الناس اللي حواليه حاسبته على ده، قفل على نفسه وبقى بيهرب من المجتمع، بس مع الوقت لقى نفسه مضطر يواجهه ونتيجة خوفه صنع شخصية خيالية تواجه الناس مكانه، وكانت شخصية فكري، الشخص الصايع والبلطجي اللي بينتقم من كل اللي حواليه على اللي عملوه في عصمت، ولانه كان مفقتد الحب طول حياته فصنع في عقله شخصية جديدة وهي نجاة اللي حبها حب شديد، لكن فكري ولانه قايم بدور الزعيم رفض الفكرة واقنعه انها شبيهة أمه، وهتخونه زي ما أمه خانت أبوه، وفضل وراه لحد ما خلاه يقتلها في عقله، اما شاهين فهو بيمثل عصمت الطفل البرئ، اللي ماكنش قادر يستوعب كل اللي بيحصل حواليه زمان، ورغم وجود فكري إلا إن عصمت حافظ على بقاء شاهين ومن ساعتها وشاهين بيلعب دور الضمير، اما ياسر فهو الضيف اللي بيجي كل فترة ودي شخصية عصمت بيحاول يهرب بها من ماضيه كله، وكأنه شخص تاني خالص مايعرفش أي حاجة عن شاهين أو فكري ولا حتى عصمت.
طب انا ليه بكمل مذكرات عصمت؟.. لانه بعد اليوم ده هرب، ولما دخلوا اوضته لقوه سايب على السرير جرنال، الجرنال كان مفتوح على صفحة معينة فيها صورة كبيرة لشخص، وتحت الصورة كان مكتوب إعلان “الدكتور صدقي للقلب والأوعية الدموية” طبعًا الإعلان كان مكتوب فيه العنوان، المرعب إن الصورة كان معمول فوقيها دايرة على وش الدكتور صدقي وده معناه إن عصمت أو بمعني أدق فكري بعد ماقدر يوصل للعنوان قرر ينتقم من أبوه بعد السنين دي كلها عشان سابه مع أمه وهِرب.. اتواصلت بسرعة مع عيادة الدكتور صدقي لكن للأسف كان الوقت فات.. ولحد دلوقتي ماحدش عارف عصمت فين.
تمت بحمد الله
بقلم الكاتب: شادي إسماعيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى