“القصة مستوحاة من أحداث حقيقية”
+18 (للكبار فقط)
-إنتي عارفة إنتي هنا ليه؟
=ليه يا باشا؟ أنا معرفش حاجة، أنا اتفاجأت بالعساكر بييجوا ياخدوني من وسط جوزي وعيالي نص الليل.
-حقيقي؟ معندكيش فكرة؟
=لا معنديش، أنا بدأت اتوغوش، كل معارفي كويسين؟ حد حصل له حاجة؟
-طب يا “عليا” إنتي إيه اللي رجعك مع جوزك وعيالك لشقة امك؟
=مش فاهمة يا بيه؟
-مش فاهمة إيه؟ ده الشقة يدوبك أوضة واحدة وعفشة ميه الواحد فيها لازم يمشي بجنبه عشان ميخبطش في الحوض، وبوتاجاز بعينتين وتلاجة قد الركبة مفتوحين على الصالة ده إذا قلنا عليها صالة، وكنتوا سبتوها من وقت وعشتوا في شقة أوسع، تساعيكي إنتي وجوزك وولادك الاتنين، إيه اللي اتغير؟ إيه اللي جبركوا ترجعوا؟
عطلت، مردتش عليه في ساعتها، بصيت قدامي في الفراغ وبعدين رجعت بصيت ليه…
=أمي محتاجانا، كانت تعبانة وأنت عارف يا باشا السن، مش بس مريضة في جسمها، دي كمان بقت خايفة لوحدها وبيتهيألها حاجات، قلنا نقعد معاها كام يوم لحد بس ما نفسيتها تتحسن وبعدين نرجع الشقة.
-شقتكوا؟
=لأ، ياريت، هو إحنا نقدر على شقة زي دي؟ دي شقة قريب جوزي سمحلنا نقعد فيها.
-طب وليه كلكوا تروحوا على أمك، ما كان كفاية إنتي؟
=حسيتها محتاجانا كلنا، محتاجة الونس.
الظابط ابتسم بلؤم، رجع بالكرسي لورا، بصلي بصة طويلة وبعدين قال:
-الشقة بتقولي بتاعة قريب جوزك؟
=”مكرم” بيه.
-وهو فين مكرم بيه؟
=أكيد في شقته.
-ليه أكيد؟
هزيت كتافي، كان باين على وشي 100 علامة استفهام، رديت عليه:
=معرفش، ممكن في شقته، ممكن مسافر، من وقت للتاني بيسافر عشان قضاياه أو مصلحة ليه، قريب مثلًا كان في أسيوط.
-لأ، هو مش مسافر ومش في شقته.
=باشا، هو أنا ممكن أعرف أنا هنا ليه؟
-مكرم، مات!
ضميت إيدي الاتنين على بوقي وشهقت، كان باين عليا الصدمة، قلتله بصوت بيترعش:
=لا حول ولا قوة إلا بالله، ده “حمدي” أكيد هينهار، وأنا كمان، ده كان راجل طيب وكريم أوي معانا.
-وتفسري بإيه موته في شقتكم؟ قصدي الشقة اللي مديها ليكوا تعيشوا فيها؟
=فين؟! بتقول الشقة؟ نصيبه، ده قضاء وقدر…ممكن مرضاش يسيب الشقة عشان يعني إحنا غايبين وكده.
-تعرفي إيه مشكلة الإجابات المترتبة الحاضرة؟ إنها مثالية زيادة عن اللزوم، الإنسان العادي بيتوتر وبيتلخبط في كلامه حتى لو كان بريء.
=مش فاهمة حاجة يا بيه….هو إيه اللي بيحصل؟
-أنا هوريكي.
فتح درج قدامه وطلع كام صورة وفرشهم على المكتب، وأمرني أبص عليهم… في الصورة كان جسم عريان من غير راس! الراس كانت متدحرجة على بعد خطوات من الجسم.
دقات قلبي بقت سريعة ومعاها أنفاسي، جالي نوبة هلع، إيه المنظر ده؟
=ده…..
-ده “مكرم” قريب جوزك “حمدي”، وده منظره لما لقيناه في الشقة بتاعتكم.
صدمتي من المنظر خلت عيني اتثبتت على الصورة، وكإن الوقت وقف، رفعت عنيا على الظابط بعدها وسألته:
=ورتهاني ليه؟
-يمكن تفيدينا….شفتي المشهد ده قبل كده؟
=في الأفلام الأجنبي، أفلام الرعب.
-الحقيقة مرعبة أكتر يا “عليا”، معندكيش فكرة….تفتكري مين ممكن يعمل فيه كده؟
=معرفش، الراجل كان طيب وكريم، أفضاله على ناس كتير منهم إحنا.
-إحكيلي بقى عن كرمه معاكوا، اتقابلتوا إزاي، ساعدكوا في إيه؟
هنجت تاني، سكتت، بستعيد أحداث السنة اللي فاتت كلها، المشاهد بترجع بسرعة كإنها لقطات من فيلم، لحد من سنة وشهر بالظبط… في الوقت ده الظابط طلب لي لمون وميه واستريح أكتر في الكرسي بتاعه وكإنه بيقول “إحكي يا شهرزاد”….
=أنت عارف يا باشا الإعجاب ما بين الشبان البنات وإزاي الوحدة ما بتصدق يعني تلاقي حد شاريها وعايز يتجوزها ومش طمعان في حاجة وحشة، بيبقى متهيألها إن دي النهاية الحلوة المزهزهه زي كده السيما، الشاشة تضلم ويتكتب النهاية بعد ما البطل يضم البطلة والعصافير تزقزق والورود حواليهم ترقص، وأنا البطل بتاعي كان حمدي، شاب ضحكته حلوة، حِرك كده وبيعرف يتكلم ويفتح مواضيع ودمه خفيف، وبس…هو ده بس اللي عنده، لكن أنا مكنتش شايفة كده، كنت شايفة اللي لسه قايلاه لحضرتك وعنيه اللي كانت بتلمع بإعجابه بيا، عنيه اللي بتضحك لما بطل عليه في محل الموبايلات اللي كان بيشتغل فيه…وكمان فاتحني في الجواز، بااس، تتر النهاية هينزل أهو، الستارة هتتقفل والعرض هيخلص، مش كده؟ لأ مش كده، دي بس كانت بداية العرض، مفيش تتر نهاية، مفيش ستاير فخمة ولا تسقيف من جمهور مبهور، في بداية لشقا وعيشة ضنك…
جه اتقدم لأمي، هي الوحيدة اللي عندي، ولا ليا أب ولا اخوات، وأمي غلبانة يا باشا، تعبانة من زمان وعندها أمراض الدنيا وده تعب مخها برضه، يعني تحسها مش مركزة كده، مش حاضرة، مستوية من تعب جسمها، سألتني “موافقة”، قلتلها “موافقة يامه”، قالت ” على بركة الله”، واتجوزت، من غير شبكة ولا فرح، ولا حتى بيت، مهري كان 4 آلاف جنيه، أدتهومله بعد الجواز، وعشنا مع أمي، مأدركتش اللي دخلت فيه، بداية الفيلم التاني، اللي اسمه “الواقع” غير بعد أيام من الجواز، لما بقينا نخبط في بعض إحنا التلاتة في الحُق اللي عايشين فيه، لكن اللي كان مصبرني إن “حمدي” كان بيشتغل، بيقبض عالقد اه، بس في مصروف بيجيلي كل شهر، بحاول أدبق أموري بيه، لحد اليوم اللي عرفت فيه إن في ضيف جي وهيضيق علينا الشقة أكتر، الواد اللي في بطني، ونفس اليوم ده لقيت “حمدي” راجع فيه مبلم، مش بيبصلي في عيني، عينه زايغة كإنه بيحاول يهرب مني وراسه مدلدلة… عرفت إن في حاجة مش ولابد، سألته، مردش، زنيت عليه، قال لي إن صاحب الشغل مشاه وجاب بداله إبن اخته، حتى في تصليح الموبايلات وبيع إكسسوراتها الواسطة والقرابة معتقتش!
تخيل يا باشا نفس اليوم اللي أعرف فيه إن في راس تانية بمصروف تاني هتهل علينا جوزي يخسر شغله اللي كنت راضية بيه بالعافية…
ومن هنا بدأ الشقا الحقيقي، أنا و”حمدي” كنا بنسعى بإيدنا وسناننا نشتغل أي حاجة، لدرجة إني كنت بدي دروس للعيال الصغيرة اللي في المدارس في حارتنا ودول كانوا قليلين، مانا كملت تعليمي لحد إعدادي وكنت بقدر أقرا وأكتب، لكن “حمدي” من بعد شغلانة محل الموبايلات متثبتش في أي شغل، كان زي الفور قعلوز بيتنطط من شغلانة للتانية، واللي زاد وغطى إننا خلفنا تاني، وإحنا اللي كنا بالعافية بنجيب مصاريف الأولاني، وزي ما بيقولوا كده ظهر نور في آخر النفق.
-مكرم، تقصدي؟
=اه يا باشا، أخيرًا الست أمه بانلها فايدة، أصل زي ما أنت كده يا باشا مسمعتش سيرتها من ساعة ما بدأت أحكي هي فعلًا ملهاش أي دور، لا هي ولا إخواته، مش بيعاملوني وحش، بس مش موجودين أصلً،ا وكإن “حمدي” ده مش من بقية أهلهم، وأنا حاولت أودهم كتير لكن هم براوين، محدش فيهم كان بيسأل ولا سعى يبقى ما بيننا عشرة، المهم إننا اتفاجئنا بحماتي بتكلم “حمدي” في يوم وبتديله رقم قريبها “مكرم” اللي كان شغال في جهة أمنية، بتقول شافته بالصدفة واتعرفت عليه وفكرته بنفسها وقالتله إن عندها إبن اسمه “حمدي” غلبان ومحتاج يتوظف في أي حاجة، يشتغل فراش، يشتغل سايس في جراج أي منطقة ولا مصلحة، يشتغل في بنزينة، أي شغلانة تأكله عيش، الراجل للمفاجأة اتحمس جدًا وبان عليه إنه فعلًا عايز يساعد وأداها رقمه، “حمدي” كان مبسوط أوي لكن أنا بصراحة كنت شاكة، قلت ياعني الراجل جبر بخاطرها ومش بعيد يكون إداها رقم غلط عشان يخلص منها، لكن مع أول رنة من “حمدي” “مكرم” رد وكان منتهى الذوق معاه، قال له ييجله المكتب بتاعه اللي في شقته…
-ايوه، مكتب المحاماة.
=مظبوط يا بيه، شغله كان في بيته، مهو ما شاء الله زي ما شفت البيت شرح كإنه قصر، دول ييجوا 3 شقق مفتوحين على بعض وجزء منه كان المكتب… المهم قال له ييجي تاني يوم، و”حمدي” راح وفي نفس القاعدة “مكرم” عرض عليه يشتغل معاه في المكتب وكمان ينقل في نفس البيت.
-وده ليه؟
=عشان صحيح في مواعيد للشغل، المكتب بيفتح من 9 الصبح ل 6 بعد الضهر، لكن ده كان الرسمي، في زباين كانوا بييجوا بعد المعاد ده، ممكن حتى نص الليل ولا الفجر، و”مكرم” ما صدق حد ثقة يساعده، ويبقى دايمًا موجود معاه، يعمل الشاي والقهوة، يبعته يجيب حاجات من المكتبة ولا يبعته مشاوير تبع القضايا، وكمان عرض عليه يجيبني أنا والولاد ونعيش معاه في الشقة، زي ما قلتلك يا باشا الشقة ييجي 3 شقق مفتوحين على بعض، هيكون لينا حياتنا وخصوصيتنا، في جزء لينا لوحدنا، أوضتين بحالهم أداهوملنا، وحمام، والمطبخ مسموحلنا ندخله لما ميبقاش في زباين، مطلوب مننا نتلاقى بس وقت الشغل وأنا مهمتي كانت التنضيف وأشوف طلبات البيت..
-ده راجل كريم أوي.
=أوي يا باشا ووحيد، متجوزش ولا خلف، جايز يكون اتجوز زمان ومتوفقش في جوازه وحسيت كده إنه مصدق لقى قرايب وعزوة، ومكنش كريم معانا بس…
اتنهدت، أخدت نفس عميق من التأثر وبعدين كملت:
=كان كريم مع القريب والغريب، محدش كان بيلجأله ويكسفه، وأغلب الوقت هو اللي كان بيسعى لفعل الخير، فلوسه مكنتش ليه، مش مستوعبة لحد دلوقتي إزاي الراجل ده يموت بالبشاعة دي، يتكهرب ويتخنق ويتطعن وكمان راسه تتفضل عن جسمه، ليه؟
-كملي يا “عليا”…
=واتنقلنا في نفس الليلة للبيت، أنا و”حمدي” كنا مبسوطين أوي، كنا حاسين إننا اتنقلنا قصر، إيه النضافة والحلاوة دي؟ العيال بقى في ملكوت تاني، يدوبك عندهم 3 سنين وسنة مش مدركين حاجة….
-وبعدين؟
=بس يا بيه، تخلص القصة على كده، السنة اللي قعدناها معاه كانت كلها هنا، واللي اتفقنا عليه هو اللي مشي، أنا كنت بنضف، وبشوف طلبات “مكرم” وطلبات البيت و”حمدي” كان بيشوف طلبات الزباين وبيعمل مشاوير وبرضه بيساعدني …
-تو! القصة ناقصة يا “عليا”…
اتوترت، عيني زاغت، شبكت كفوفي في بعض وإيدي عرقت…
=تقصد إيه يا باشا؟
-اعصري دماغك يا “عليا”، حاولي ترجعي بالشريط، راجعي السنة اللي فاتت كلها، كل واحد داخل وخارج من المكتب، ده لمصلحتك.
=معلش يا باشا فهمني.
-لازم يكون في حد مريب، حد عمل تصرف، طلع منه حاجة، راجعي كده، كل زبون من الزباين، وقوليلي أول حاجة غريبة تيجي في بالك، أول حاجة…
سرحت دقيقة وبعدين بصتله وقلت:
=أول ليلة لينا في الشقة…أول ما دخلنا مع العيال “مكرم” بيه استأذن، قال إن عنده مشوار وهيرجع كمان كام ساعة، يدوبك بعد ما نزل بدقايق جرس تليفون البيت رن…أنا و”حمدي” بصينا لبعض، اللي هو نتصرف إزاي؟ “مكرم” مكنش لسه قال لنا حاجة بخصوص التليفونات، هل مسموحلنا نرد ولا لأ، بس علطول استنتجت إنه أكيد لازم نرد، إحنا بنساعده في شغله، ده دورنا، يبقى أكيد نرد ونسجل الرسالة اللي هيسيبها الزبون ولا حتى حد يعرفه شخصيًا، “حمدي” مد إيده ورد، قال بس “آلو” ولقيت حواجبه اتعقدت، بصتله جامد بحاول أفهم، لقيته قفل السكة، لسه بيشرح وبيقول “محدش قال حاجة بس في صوت…” التليفون رن تاني، رفع السماعة والمرة دي داس على زرار مكبر الصوت، كل اللي سمعناه صوت أنفاس! “حمدي” قفل السماعة بعد حبه، فضلنا باصين لبعض شوية بنحاول نترجم المكالمة، قال لي بعدها إنه هيقول ل”مكرم” لما يرجع ويمكن يكون عنده تفسير….
لما “مكرم” رجع وغير هدومه وارتاح شوية جوزي استأذن يقعد معاه وحكاله علي حصل، “مكرم” سرح وقال له :
-تلاقيها معاكسة، في كده ناس فاضية، متحطش في بالك..
“حمدي”رد عليه:
-يجوز، طيب أنا أعمل إيه لحضرتك دلوقتي؟ محتاج مني إيه؟
-معقول يا “حمدي” هشغلك في أول ليلة ليكوا هنا؟ أنتوا النهارده تريحوا، وتناموا كويس، بس مش قبل ما تتعشوا، أنا طلبت أكل ليكوا وللولاد.
=ومن وقتها وزي ما قلت لحضرتك على تقسيمة الشغل، ومهما غلطنا ولا معملناش شغلنا كما يجب، عمره ما اتعصب علينا ولا خصم من فلوسنا، لكن…في حاجة غريبة حصلت في ليلة….الكلام ده ييجي من 8 شهور، كنت غرقانة في النوم، وفي حاجة قلقت نومي، قمت من جنب “حمدي”، هو محسش بحاجة، مشيت حافية لحد باب الأوضة البعيد عن السرير، فتحته بالراحة وفضلت ماشية في الطرق كإني ماشية على قشر بيض، كنت لسه دايخة، مش فايقة، كل ما أمشي الصوت يعلي ويوضح، دوشة، ناس بتضحك وبتتكلم، أصوات كتير داخلة في بعض، وأصوات إزاز كمان، إزاز بيخبط في حاجة ولا بيخبط في بعضه، لحد ما وصلت لمصدر الصوت، كانت صالة من الصالات، لقيت منظر غريب، منظر خلاني أتشل في مكاني، رجالة وستات فاتحين أزايز بيرة وفي إيديهم كاسات، والستات مش لابسة عدل والرجالة بتتلزق فيهم وهاتك يا ضحك وشخلعة وقلة أدب، فجأة كل الدوشة دي وقفت مرة واحدة، سكووووت كإنه عرض صامت، كلهم بصولي مرة واحدة واتجمدوا، اللي كان رافع الكاس فضل رافعه واللي حاطة إيدها على خدها ثبتتها على الخد، واللي ماسك إزازة البيرة محركهاش، هي بس ملامحهم اللي اتبدلت، نظراتهم مرعبة وفيها استنكار ليا…أخيرًا قدرت أتكلم..
“أنتوا مين؟ وإيه اللي جابكم هنا؟”
“ده بيتنا، إنتي اللي مين؟”
=بيتهم، يا خبر إسود، بيت مين؟ كل حاجة اتشقلبت في دماغي، الأرض بقت فوقي والسقف تحتي، مكنتش فاهمة حاجة، إزاي يا باشا دخلوا، ومين هم؟ اديتهم ضهري وجريت، حسيت بحركة سريعة ، في عدد منهم كان بيجري ورايا، بيحاول يمسكني! وصلت للأوضة، دخلتها وقفلت الباب الطويل، وروحت بسرعة على “حمدي” وفضلت أهز فيه. قام مفزوع، قلتله على اللي حصل وإن في ناس غُرب في البيت وإنهم بيلاحقوني، لكن…مكنش في حد بره الأوضة، الناس دول اللي كانوا ورايا مش موجودين!
قام وأنا فضلت ماسكة فيه وإحنا ماشيين لحد ما وصلنا للصالة اللي دليته عليها، وساعتها لقيناهم! يعني مكنتش بخترف ولا بخترع، وزيه زيي، وقف نفس وقفتي، وبرق نفس تبريقتي، وهم برضه فضلوا يبصولنا، “حمدي” زعق:
“أنا هقول للبيه، هتصل بيه حالًا وأبلغه”
واحد منهم رد:
“اتصل بيه، أقول لك، خد موبايلي وإتصل من عندي”
=كان بيقول كده وهو رافع كاسه وبيضحك ضحكة مستفزة، كإنه مش هامه، “مكرم” بيه أصله كان مسافر في شغل وإحنا اللي بقينا في وش المدفع، موقف عجيب ومش عارفين نتصرف…”حمدي” أخدني ورجعنا الأوضة وكلمنا “مكرم” وحكيناله، أخد نفس بغضب وقال:
-هي، مفيش غيرها، أص المصايب، مش هتبطل ألاعيبها اللعينة!
“حمدي” سأله:
-هي مين؟
-طليقتي.
الظابط عدل الكرسي بتاعه فجأة وبصلي وقال:
-إنتي مش قلتي إنه وحيد، ولا اتجوز ولا خلف؟
=مانا كنت فاكرة كده، وهو يحسسك بده، فعلًا وحيد، دي طليقته وخلف منها ولد واحد من ذوي الهمم…
-طبيعي عندنا المعلومات دي، الفكرة بس إنك قلتي عليه متجوزش ودلوقتي طلعتوا عارفين.
=زي ما قلتلك، إحنا كنا فاكرين كده لحد ما قال لنا بعد الأحداث الغريبة في الليلة إياها.
-وقال لكم إيه كمان، إزاي طليقته ليها دخل بالناس اللي ظهرت فجأة في الشقة؟
=مقالش كتير على التليفون، أول ما قفلنا معاه جرينا تاني على الصالة وملقيناش حد، مفيش أثر لبني آدم في الشقة كلها، ولا حتى أزايز بيرة ولا أي قطعة من لبسهم ولا طفايات السجاير، كإن مكنش ليهم وجود، رجعنا زي الألف على أوضتنا وإستنيناه لحد ما جه من السفر اليوم اللي بعده وبعدها اتكلم بالتفصيل ….
“اللعينة، معرفش بتعمل كده إزاي؟ أنا مغير الكالون أكتر من مرة، لكن لسه بتحصل ظواهر مش طبيعية، زي كده الناس اللي فجأة هبوا عليكم الليلة اللي فاتت، أنا متأكد إنها هي اللي أجرتهم، مش بعيد كانت مخططة إنها تبلغ بوليس الآداب وييجي الشقة وأنا ألاقي نفسي شايل قضية آداب، على أساس إني قواد، بس خطتها باظت بسببكوا، ملحقتش تتصل بالشرطة”
=صحيح يا باشا إحنا بدأنا نتوغوش بس كنا حاسين إننا بنعمل خير، ودي فرصتنا نرد ولو جزء من الجميل، كان لازم نفضل، ده واجبنا، وبصراحة قبل “مكرم” مكناش عايشين، خلاص أقدارنا اتلاقت…..ويفوت كام شهر ونتفاجيء ب”مكرم” داخل علينا بطفل عنده 10 سنين مقطع الدنيا عياط، الولد باين عليه مش طبيعي وفهمنا إنه ابنه، “مكرم” زعق فينا عشان نساعده في تثبيت الواد وإننا نحاول نهديه، طلع راح بيت طليقته وخطفه وجه، قال لنا بعد ما أخيرًا الولد هدي ونام من العياط إنه كان مجبر يعمل كده، لازم ياخده من أمه الشيطانة اللي كل اللي بتعمله التدمير ومهملة في الولد وماشية على حل شعرها واللي يهمها الفلوس وبس، بعد الواقعة إياها، لما ناس كتير هجمت على الشقة واحتلتها وكانوا مقضيينها عربدة “مكرم” غير كالون الشقة وعشان كده مراته جت وفضلت تدبدب على الباب ومكنش معاها مفتاح، لسه ملحقتش تتحايل وتعمل نسخة، كانت بتصرخ بأعلى حسها وبتتوعد وبتهدد “مكرم”، مش هو بس، بتهددنا إحنا كمان، بتقول هتجيب عاليها واطيها وهتخلينا نتمنى الموت! وآخر موقف غريب هو إننا في ليلة من الليالي ومكناش نايمين لسه قمنا على حركة مصدرها أوضة نوم “مكرم” وهو المفروض مكنش موجود، دخلنا أوضته ولقينا وضع مش تمام، راجل وست غريبين أول مرة نشوفهم، أول ما شافونا هزأونا، شتمونا بأبشع الشتايم والراجل ضرب “حمدي” وكان هيضربني لولا إني جريت وملحقنيش، رجعنا على أوضنا وكلمنا “مكرم” وحكيناله وقال….
-إن ده انتقام طليقته.
=أيوه يا بيه مظبوط
-طب ما لو طليقته تقدر تنسخ المفتاح للمرة المش عارف كام، عليها بإيه تجيب ناس في الشقة، ما تدخل هي وتجيب ابنها؟
=قلتلك يا بيه دي ست سو، ولا يهمها إبنها ولا حاجة، دي بس كانت عايزه تكيد “مكرم” وتجيبله مصيبة.
الظابط ضحك وقام من مكانه وقعد في الكرسي اللي قدامي وقرب مني…قال:
-إحنا جالنا بلاغ من جار، قال إنه شامم ريحة بشعة جايه من شقة “مكرم” بقاله أيام هو والشقق التانية القريبة، كسرنا الباب ودخلنا ولقينا الجثة، عارفة إيه المثير في الموضوع يا “عليا”؟ أنا قلتلك إننا لقينا “مكرم” من غير هدوم وراسه مفصولة عن جسمه، مقولتش إنه اتكهرب واتخنق واتطعن، إنتي اللي قلتي…
من الخضة وقفت، حسيت إني زي الفار اللي رجله جت في المصيدة، خلاص مفيش هروب…
الظابط قال:
-اقعدي يا “عليا”، زي ما إنتي واخدة بالك، خلاص، ملوش فايدة الإنكار…أنا بس عندي فضول، في شوية تفاصيل غريبة محتاجك تشرحيهالي، الجثة كان بقالها أيام، اتقتل قبلها بيومين تلاتة ولما الطب الشرعي فحص لقى… مش بس إنه اتطعن واتكهرب واتخنق بسلك قبل ما…تتشال راسه، لقى كمان….إنه قبل ما يموت عمل علاقة مش تمام، علاقة مع راجل ودي كمان مش أول مرة، معناها إنه…مش سوي، يعني ممكن نلخص الحدوتة كلها في إن مكرم كان راجل جدع وطيب وكريم وعمل معاكم خير وأنتوا عضيتوا الإيد اللي اتمدلكم بس كان فيه داء مش ولابد وهو العلاقات المريبة وميوله…
صرخت:
=لأ، لأ، الحكاية مش كده، “مكرم” مش طيب ولا كريم، “مكرم” خلى حياتنا جحيم، كل اللي قلته كان صح بس ناقص، المشاهد مش متكملة ودلوقتي هكملها… “حمدي” أول ما كلم “مكرم” رد عليه وقال له ييجي المكتب بتاعه في شقته، وفي نفس القعدة عرض عليه يشتغل في المكتب وينقل ويجيبنا أنا والولاد، فرشله الأرض ورد، أوضتين بحالهم لينا وحمام منفصل ويحقيلنا كمان ندخل المطبخ في أي وقت بره مواعيد الشغل وأنا أنضف وأشوف الطلبات، حاجة ولا في الأحلام…
ومع أول ليلة….
جرس التليفون رن بعد ما “مكرم” نزل مشوار، أنا و”حمدي” بصينا لبعض، “حمدي” مد إيده ورد، قال بس “آلو” ولقيت حواجبه اتعقدت، بصتله جامد بحاول أفهم، لقيته قفل السكة، لسه بيشرح وبيقول “محدش قال حاجة بس في صوت…” التليفون رن تاني، رفع السماعة والمرة دي داس على زرار مكبر الصوت، كل اللي سمعناه صوت أنفاس! بس بعد كده اللي بيتصل اتكلم، قال كلام مش تمام، كلام كله ايحاءات، إنه عايز يدخل علاقة وعايز ييجي في أقرب وقت ومش فارق معاه الشخص، سواء راجل أو ست، كلام صعب أوي، “حمدي” اتعصب وشتمه، وقال له يبطل معاكسة وإن ده بيت حد محترم، راجل له وزن وبيشتغل في الأمن، ويقدر يجيبه ويبهدله، بعدها قفل السماعة ، فضلنا باصين لبعض شوية بنحاول نترجم المكالمة، قال لي بعدها إنه هيقول ل”مكرم” لما يرجع ويمكن يكون عنده تفسير….
الغريبة بقى إن اللي اتصل في النص قال اسم “مكرم”! كإنه عارف إن ده بيته….
لما “مكرم” رجع وغير هدومه وارتاح جوزي استأذن يقعد معاه شوية وحكاله علي حصل، “مكرم” ابتسم وقال بسرعة :
– متحطش في بالك، فُكها…
“حمدي”رد عليه:
– طيب أنا أعمل إيه لحضرتك دلوقتي؟ محتاج مني إيه؟
-هطلبلكوا عشا ليكوا وللولاد، بس بعدها عايزكوا تصحصحولي…
نيمنا الولاد بعد العشا وروحنا ل”مكرم”، إحنا افتكرنا إنه عايزنا في شغل لكن….مش عارفة أقول لك إيه…”مكرم” طلب من “حمدي” يحضرله الشيشة وقال له على مكان في المطبخ في شوية مواد بيحطها على الشيشة…”حمدي” مسك الكيس ومن ريحته عرف إنها حشيش، كنت شايفة إيده بتترعش وهو بيقرب بيه وكان عمال يشاورلي بعينه، بيحركها عشان أمشي، لكن “مكرم” أخد باله، حمر عنيه وبصلي وقال:
-اقعدي مكانك، متتعتعيش…
وبعدها بص ل”حمدي” وقال:
-وأنت كمان هتقعد معايا، في ضيوف هييجوا كمان شوية، منهم الراجل اللي كلمكم في التليفون وأنتوا كنت إتمين معاه، هييجوا يتضايفوا وينبسطوا….
أنا و”حمدي” جت في دماغنا نفس الأفكار بس مكناش عايزين نصدق، ويا خبر بفلوس بعد نص ساعة بقى ببلاش، اللي حسبناه لقيناه، شلة رجالة على ستات ضحك وشرب وسفالة، و”مكرم” دخل معاهم أوضة كبيرة شبه الجناح والباب اتقفل….
من اللي سمعناه قررنا نجري نصحي العيال ونلم حاجتنا ونتكل على الله، وعملنا كده فعلًا، عالفجر كنا رجعنا لبيت أمي…أنا و”حمدي” اتفقنا منقولهاش الحقيقة، كنا خايفين، مش عايزين السر ده يطلع برانا، مكملناش نوم لحد الضهر ولقينا أمي داخلة علينا وبتصحينا وبتقول إن عندنا ضيف وعايزنا إحنا الاتنين، غسلنا وشوشنا وخرجنا بره الأوضة ولقيناه…
كان فاتح بوقه عالآخر بضحكته المستفزة، وبيتعامل بأدب وبيهزر معانا، ولا كإنه عمل حاجة…
بص بعدها لأمي وقال:
-من فضلك يا ست حسنية سبينا لوحدنا شوية.
نبرته لطيفة لكن نظرته حادة حازمة، اللي هو مفيش مجال للمناقشة، لازم تعمل اللي قال عليه…
أمي ابتسامتها ضاقت، قامت من سكات وراحت للولاد في الأوضة وقفلت عليهم الباب…
الراجل اللي كان لسه بيهزر وبيتعامل بمنتهى الحنية فجأة قلب وكإنه اتحول لشيطان وقال:
-أنتوا فاكرينها سايبة؟ تيجوا بمزاجكم وتمشوا بمزاجكم؟ أنا قبل ما تيجوا ملفكم كله كان عندي وأرقامكم القومية وكل حاجة عنكم، وأقدر أوديكم في داهية بإشارة مني، تصحوا في يوم تلاقوا نفسكم على ذمة قضية مخدرات ولا آداب ولا أي داهية، يالا لموا الهلاهيل بتاعتكم وتعالوا معايا، إنتوا من هنا ورايح خدامين تحت رجلي واللي أقوله يتنفذ، كل اللي أقوله…
ورجعنا….
دخول الشقة كإنه دخول من بوابة الجحيم، الشياطين بتتنطط في الأركان، الحيطان بتنزف، والأرض بتطلع صهد…كل الشقة دي، بمساحتها وتصميمها وتأثيثها عبارة عن جحيم، وبيتنا الصغير اللي كان ضيق علينا طلع هو الجنة…
وإحنا كنا متسلسين، مش قادرين نهرب ولا نتحرك، ملناش حرية اختيار…
الحاجات اللي أجبرنا نعملها يا بيه…كانت بشعة…
في ليلة مثلًا كنت غرقانة في النوم، وفي حاجة قلقت نومي، قمت من جنب “حمدي”، هو محسش بحاجة، مشيت حافية لحد باب الأوضة ، فتحته وفضلت ماشية في الطرق كنت كل ما أمشي الصوت يعلي ويوضح، دوشة، ناس بتضحك وبتتكلم، أصوات كتير داخلة في بعض، وأصوات إزاز كمان، إزاز بيخبط في حاجة ولا بيخبط في بعضه، لحد ما وصلت لمصدر الصوت، كانت صالة من الصالات، اتفاجأت برجالة وستات فاتحين أزايز بيرة وفي إيديهم كاسات، والستات مش لابسة عدل والرجالة بتتلزق فيهم وهاتك يا ضحك وشخلعة وقلة أدب، فجأة كل الدوشة دي وقفت مرة واحدة، سكووووت كإنه عرض صامت، كلهم بصولي مرة واحدة واتجمدوا، اللي كان رافع الكاس فضل رافعه واللي حاطة إيدها على خدها ثبتتها على الخد، واللي ماسك إزازة البيرة محركهاش، هي بس ملامحهم اللي اتبدلت، نظراتهم مرعبة وفيها استنكار ليا…أخيرًا قدرت أتكلم..
“أنتوا مين؟ وإيه اللي جابكم هنا؟”
“ده بيتنا، إنتي اللي مين؟”
روحت بسرعة على “حمدي” وفضلت أهز فيه. قام مفزوع، قلتله على اللي حصل وإن في ناس غُرب في البيت وإنهم بيلاحقوني….قام وأنا فضلت ماسكة فيه وإحنا ماشيين لحد ما وصلنا للصالة اللي دليته عليها، وساعتها لقيناهم! وزيه زيي، وقف نفس وقفتي، وبرق نفس تبريقتي، وهم برضه فضلوا يبصولنا، “حمدي” زعق:
“أنا هقول للبيه، هتصل بيه حالًا وأبلغه”
واحد منهم رد:
“اتصل بيه، أقول لك خد موبايلي وإتصل من عندي”
إحنا كنا عارفين اللي فيها، دول برضه زباين ولا أصحاب من إياهم، بتوع الليالي الحمرة، ووصلت البجاحة بمكرم إنه مديهم مفاتيح يدخلوا بيها، حتى وهو مش موجود بينتهكوا حرمتنا، وبيجرحونا….
“حمدي” حاول يكلمه، قال له يتقي الله، ولو مش قادر يبطل المزاج الزفت ده، على الأقل يمارس نشاطاته ويستقبل ضيوفه وإحنا مش موجودين، عارف رد فعله كان إيه؟ في يوم “مكرم” بعت “حمدي” يجيب طلبات وطلب مني أعمل له قهوة، ولما دخلتهاله اتعدى عليا، حضرك مش فاهم، هو مش بس اتعدى عليا، ده….مارس أفعال مش طبيعية أبدًا، أنا كنت بصرخ وسامعة العيال بتعيط من بعيد… وجه “حمدي”، جه متأخر…لقاني قاعدة على الأرض قدام أوضتنا في ركن، مغرقة راسي وسط إيديا ورجليا، العيال جوه الأوضة مبهدلين الدنيا عياط وأنا مش قادرة أدخل لهم….لما شاف وشي عرف اللي فيها، محتاجتش أحكي…الدم غلي في عروقه، دخل على “مكرم” مكتبه، سمعت تخبيط وزعيق جامد، لكن…”مكرم” عاد نفس اللي قاله قبل كده، هدد “حمدي” باللي يقدر يعمله فينا، واللي حصل بعد كده….طلب منه تصرفات مشينة، أفعال شاذة، و”حمدي” استجاب، مكنش عنده اختيار، احنا رسميًا اتحولنا لعبيد…
إحنا وصلنا إننا كارهين الفلوس الكتير اللي بناخدها، كارهين الهدوم والهدايا اللي “مكرم” بيجيبهالنا، كارهين الشقة الواسعة والأكل النضيف الغالي، كارهين العيشة كلها، طعمها مر وتمنها غالي أوي…
وتفوت الأيام اللي كل مدى بتبقى أصعب لحد ما نتفاجيء ب”مكرم” داخل علينا بطفل عنده 10 سنين مقطع الدنيا عياط، الولد باين عليه مش طبيعي وقال لنا إنه ابنه، “مكرم” زعق فينا عشان نساعده في تثبيت الواد وإننا نحاول نهديه، طلع راح بيت مراته السابقة وخطفه وجه… طليقته جت بعدها وفضلت تدبدب على الباب ، كانت بتتشحتف وتقول: ” مالك ومال إبني، عايز منه إيه؟ ده ابني أنا، طب أقول لأبوه إيه؟ حرام عليك!”
يعني مطلعش إبنه، ده إبن طليقته من جوازة سابقة عن جوازهم، “مكرم” كان عايز يشوفها بتغلي، بيستمتع بعذابها، زي ما بيستمتع بعذابنا وبعذاب البشر حواليه، مش لسبب واضح ولا هدف، متعة في حد ذاتها إنه يعذب الناس…
والوضع فضل على ما هو عليه، لقيت نفسي باخد بالي من 3 عيال بدل عيلين، ولادي والولد التالت المسكين اللي محروم من أمه، ويا عيني عليهم، عاللي شافوه وسمعوه، صحيح اتنين منهم اللي هم ولادي كان سنهم صغير أوي، والتالت يا حبيبي عقله على قده بس أكيد، أكيد نفسيتهم اتشوهت حتى لو مأدركوش ده دلوقتي، فُجر وتصرفات شاذة وسادية من أشكال وألوان من البشر…
في يوم قمت على حركة مصدرها أوضة نوم “مكرم” وهو مكنش موجود، دخلنا أوضته ولقينا وضع مش تمام، راجل وست غريبين أول مرة نشوفهم، أول ما شافونا، هزأونا، شتمونا بأبشع الشتايم والراجل ضرب “حمدي” وكان هيضربني لولا إني جريت وملحقنيش، رجعنا على أوضنا، وللمرة الألف قررنا نمشي، “مكرم” جه من بره سكران ومش على بعضه، مش عارف يفرد طوله، قلناله إننا هنمشي وأعلى ما في خيله يركبه، يسجننا ، يشوينا، مش قاعدينله، زعق وشتم وقال إن عقابًا لينا من هنا ورايح العيال هيحضروا جلساتنا، هيجبرنا على اللي كنا بنعمله معاه والولاد هيبقوا موجودين، عشان يتعودوا من دلوقتي على نمط الحياة ده، أنا و”حمدي” من غير ما نتكلم عرفنا بالظبط إيه اللي المفروض كان يحصل، ده شر لازم يتدفن، يتداس عليه ويتفعص زي الحشرات ومتقوملوش قومة، “حمدي” قعد جنبه، ابتسمله، مد إيده وطبطب على ضهره وقال له إننا ملناش غيره، وإنه هيحضرله ليلة عمره ما عاش زيها….
“حمدي” أخده على أوضة معينة، الأوضة المفضلة ليه، فيها أشكال وألوان من الأدوات، مانتوا أكيد لقيتوها، وعارف أنا بتكلم عن إيه، أدوات تعذيب وسادية، وكله بالتراضي، محدش من اللي بيدخل الأوضة بيعترض على حاجة، فاتت تلت ساعة وبعدها سمعت صريخ مكتوم، جريت على عتبة الأوضة ووقفت، “حمدي” خرج وهدومه مليانة دم، دخلت وشوفت المنظر، “مكرم” مطعون ومخنوق بحبل ومتكهرب، الحبل والكهربة كانوا من أدوات الأوضة لكن “حمدي” بالغ في استخدام الكهربا وخنقه بالحبل وبعدها طعنة بالسكينة اللي كان مخبيها…..
-يالا بسرعة ساعديني ننقله للصالة قدام المكتب.
كنت سامعاه، سامعه كلامه لكن مش مفسراه، دماغي عطلت، مش قادرة أترجم اللي بيقوله من الصدمة…
جريناه للمكان اللي “حمدي” قال عليه وساعتها الموبايل رن…
موبايل “مكرم”، “حمدي” أخده ورد….
أنا برقت ل”حمدي”، إزاي يعمل كده؟ كان في صوت على الناحية التانية، صوت مهزوز، عياط واستنجاد، كانت طليقة “مكرم”، أم الطفل المحبوس معانا ، بتتكلم على أساس إن اللي معاها على التليفون “مكرم”….
“حمدي” قال:
-تعالي خدي ابنك.
وقفل….
الست جت، أقل من نص ساعة وكانت عندنا، “حمدي” فتحلها ومشي قدامها…
أنا بجد مكنتش فاهمة، ده من تأثير الصدمة؟ ليه بيتصرف كده؟ هي شافت منظر الدم عليه، عنيها كانت مفتحة على الآخر، مشيت وراه من سكات لحد ما وصلت للجثة، بصت عليها وبعدين رفعت نظرها على “حمدي”…. سابتنا وراحت عالمطبخ، جابت ساطور وفصلت راس “مكرم” عن جسمه!
قبل ما تدخل تجيب إبنها اتفقنا إننا لما يتحقق معانا كل جهة تعمل قصة بحيث إن الشرطة تشك في الجهة التانية، يعني أنا و”حمدي” هنحكي عن الست الشريرة اللي سبب كل الظواهر الغريبة في الشقة وعايزه تدبس “مكرم” في قضايا غير أخلاقية عشان مشاكل سابقة ما بينهم وهي برضه هتعمل قصة عني أنا و”حمدي” تخليكم تشكوا فينا، وكل واحد يتمسك بالنسخة بتاعته عشان نتوهكوا وفي الآخر محدش يتمسك عليه حاجة…دخلت “هيام” أخدت إبنها وخبت عينه طول ما هي ماشية لحد باب البيت عشان ميشوفش المنظر، وإحنا أخدنا الولاد ورجعنا بيت أمي…
الظابط فقد هيبته، نظراته بقت في الأرض، مذهول من اللي سمعه، متعاطف معانا، قال لي:
-أنا مش عارف أقول لك إيه.
=مفيش حاجة تتقال، أهو قدرنا، فتحنا الباب لعالم موازي، عالم مكناش نتخيل بوجوده، أمراض عجيبة، غريزة مسمعناش عنها ولا في الأفلام، وشر خالص، وقعنا في شبكة محكمة لزجة وبقى مستحيل نقدر نخلص منها والصياد شاطر، شاطر أوي، بس مش أشطر من أب وأم خايفين على عيالهم، كله إلا العيال، كله إلا العيال…
…………………………
إيه اللي أنا متوقعاه لينا؟ الله أعلم، بس أكيد مش طريق بمبي مليان ورود، الجزاء هيبقى مر، وفي الآخر برضه الولاد هيدفعوا التمن، يمكن لو رجعنا بالزمن، لأول ليلة ومع أول مكالمة مشبوهة جتلنا لو كنا اتجرأنا وسبنا البيت وروحنا للشرطة وبلغنا، يمكن كل ده مكنش حصل، خصوصًا إن “مكرم” طلع اتفصل من الجهة الأمنية اللي كان شغال فيها قبل المحاماة بسبب سلوكه المنحل، لكن إحنا الخوف شلنا ووقف تفكيرنا، الخوف هو الشبكة اللزجة اللي قيدت حركتنا ولو كنا اتحركنا كنا هربنا…..
“تمت”