قصص

قصه الكتاب الملعون

شَغفي بالقراءة السبب؛ هو اللي وصَّلني للي حصل معايا. من وقت ما بدأت أقرأ وشغفي كان رايح ناحية الكتب الغريبة؛ اللي بتتكلم عن السِّحر والجِن؛ والعالم اللي بالكم فيه ده..
الموضوع بدأ واتطوَّر معايا بوتيرة سريعة جدًا، كنت بحوِّش لحد ما يبقى معايا تمن كتاب، وقتها كنت بخرج من المدرسة على كشك الكتب، ودايما عيني كانت بتروح على الأرفف اللي فيها كتب السِّحر، حتى عم “رؤوف” صاحب الكشك كان بيستغرب إن بنت في سنِّي عندها شغف للكتب اللي زي دي، ولأني بشتري الكتب من عنده بصفة مستمرة، كان دايمًا يقول لي:
-كل الطلبة تيجي تسألني عن روايات عبير؛ دواوين فاروق جويدة ونزار، إلا أنتِ يا “ريتاج”؛ دايمًا بتشتري كتب بتتكلم عن السِّحر والجِن.
مع كل كتاب بشتريه كنت بسمع منه الكلاه ده، بَس مكنتش بعلَّق على كلامه، لحد ما في مرَّة رُحت على الكُشك، وكالعادة عيني راحت على الأرفف اللي فيها كتب السِّحر، ساعتها شُفت كتاب كبير، ورقه أصفر ومن غير جلدة، كان محطوط لوحده، زي ما يكون عم “رؤوف” قاصد يبعده عن الكتب.
الفضول أخدني وإيدي اتمدَّت ناحيته، وعلى غير العادة؛ لقيت عم “رؤوف” بيمد إيده وبيسحبه منّي، استغربت من اللي بيعمله وقُلت له:
-بتاخد الكتاب ليه؟
-لأنك مُش هتشتريه.
-قصدك إيه؟
-زي ما سمعتي، بلاش الكتاب ده.
محبِّتش أجادل معاه، سيبت له الكتاب عشان يعرف إني صرفت نظر عنه، أخدت مكانه كتاب تاني ودفعت تمنه، بعدها انشغلت في عناوين كتب تانية، لكن الحظ خدمني لمّا طالبة دخلت الكشك تسأل عن كتاب وعم “رؤوف” انشغل معاها، استغلِّيت الفرصة ورجَّعت الكتاب اللي اشتريته في مكانه، وأخدت الكتاب اللي رفض أشتريه، بعدها خرجت بدون ما ياخد باله.
رجعت البيت وعندي إحساس إن معايا كنز، طول الطريق كنت بسأل نفسي إيه اللي مختلف في الكتاب ده عن باقي الكتب يخلّيه يرفض إني أشتريه، لكني مشيت بمبدأ “الممنوع مرغوب”.
وصلت البيت وقعدت اتغديت مع أمي زي ما أنا متعوِّدة، بعدها دخلت أوضتي وقفلت الباب بحجة إني هذاكر؛ لكن الحقيقة هي إني دخلت أقرأ الكتاب، اللي أول ما فتحته لقيته مكتوب بخط الإيد، وده الاختلافات الوحيد اللي كان بين الكتاب ده وأي كتاب تاني قرأته.
الكتاب كان بيتكلم عن طرق تحضير الجِن، زي ما كتب كتير قرأتها كانت بتتكلم برضه عن الموضوع ده، لكن الاختلاف التاني والجديد هي الطلاسم اللي اتفاجأت بها بعد ما بدأت أتعمَّق في الكتاب، ودي المرَّة الأولى اللي كنت بقرأ فيها كتاب طرق تحضير الجِن اللي فيه معاها صور طلاسم.
أول ما عيني جت على الطلاسم، حسيت إن إضاءة الأوضة بتتغيّر، زي ما تكون بتتلاشى، لحد ما الأوضة ضلِّمت مع الوقت، بعدها اتفاجأت بضوء لونه أحمر طالع من الكتاب، الطلاسم بالأشكال والرموز اللي فيها كانت بتنوَّر، لدرجة حسيت إن حيطان الأوضة اتحوِّلت لشاشة عرض كبيرة، وبتعكس الضوء اللي طالع من الكتاب، واتفاجأت إن الطلاسم اللي في الكتاب معكوسة عليها.
الذهول سيطر عليا بسبب اللي بيحصل، جسمي بدأ ياكلني، بصيت في دراعاتي ولاحظت حاجة لونها أسود بتتحرَّك تحت جلدي، ولما دققت شوية؛ لقيت إن الطلاسم اللي في الكتاب بتظهر تحت الجِلد وبتتحرَّك زي النمل، زي ما تكون موجودة جوايا من زمان وفجأة جلدي بقى شفاف وخلَّاها تظهر.
مبقتش فاهمة إيه اللي بيحصل، حاولت أقفل الكتاب لكنه كان رافض يتقفل، كل محاولة كانت بتنتهي بإن الكتاب يتفتح على صفحات الطلاسم من تاني.
الكتاب وقع من إيدي في الأرض وفضل مفتوح، بدأت أبعد عنه بس حسيت إن خطواتي تقيلة، لحد ما لقيت نفسي جنب المراية، وبدون ما أقصد عيني جت عليها، شُفت إن جلد وشي شفاف والرموز والأشكال الغريبة ظاهرة من تحته، قرَّبت إيدي من وشّي والخوف بياكل في جسمي زي النار، ساعتها لاحظت إن ضوافري لونها أسود، لكن تركيزي مع نفسي تلاشى، لأني بدأت ألاحظ صورة الرموز والأشكال بتتسحب من الحيطان وبتتجمع في سقف الأوضة، وبتنزل زي شلال لونه أحمر في الكتاب، وكأن الكتاب فيه قوِّة جاذبية عندها القدرة إنها تجذب كل ده وتعيده لنقطة الصفر.
الحكاية انتهت زي ما بدأت، النور رجع للأوضة، كل شيء رجع لطبيعته إلا جِلد جسمي اللي كان لسه بيشفّ عن الرموز اللي باللون الأسود.
صرخت من الفزع، ومع صرختي لقيت باب الأوضة اتفتح، اتفاجأت بماما قدامي، كانت بتبص لي وهي مستغربة صريخي، في الوقت ده، كنت بحاول أداري دراعاتي ووشي عشان متشوفش اللي فيهم، لكن اتفاجأت إنها بتقول لي:
_خير يا “ريتاج”؛ بتصرخي ليه، وليه مدارية دراعاتك ووشك؟
مكنتش عارفة أجاوب على أسئلتها، خصوصًا لما بدأت أركِّز في نفسي من تاني، ولاحظت إن كل اللي فيا اختفى.
الذهول زاد؛ يعني كل اللي شُفته كان وهم، حسيت إني تايهة، خصوصًا لما شُفت الكتاب واقع في الأرض، لكنه كان مقفول، معرفش اتقفل إمتى ولا ازاي، زي ما تكون القوة اللي فيه جذبت كل حاجة زي ما أطلقتها في البداية، وبعدها قفلت صفحاته.
كل ده كنت بفكر فيه وناسية أمي قدامي، اللي عادت عليا أسئلتها من تاني، وساعتها جاوبتها:
_الكتاب كان مفتوح وخارج منه ضوء أحمر في شكل رموز وأشكال غريبة، والأغرب إن كل ده كان معكوس على جسمي باللون الأسود.
أمي بصت لي باستغراب وقالت:
_إيه الكتاب القديم ده؟
سألتني ومدت إيدها أخدت الكتاب من الأرض، بدأت تقلّب فيه لدرجة إنها قربت توصل لنهايته، بس الغريبة إني ملاحظتش صفحة واحدة فيها طلاسم، مكانش في غير كلام مكتوب، وكنت بسأل نفسي سؤال مالوش إجابة، أومال كل اللي شُفته ده راح فين؟!
فوقت من ذهولي على صوت أمي وهي بتقول لي:
_الكتاب ده يرجع مكان ما جبتيه، وأي كتاب بيتكلم في الكلام ده يخرج من هنا.. فاهمة!
في الليلة دي مجاليش نوم، قعدت على السرير مبحلقة في الكتاب اللي مرمي في أرضية الأوضة، لأن أمي رزعته في الأرض قبل ما تسيبني وتخرج، لدرجة إن إيدي مطاوعتنيش أشيله من مكانه.
لما خرجت الصبح الكتاب كان في شنطتي، رجلي أخدتني لكشك عم “رؤوف”، اللي أول ما شُفته حسيت إنه متغيَّر، عرفت إنه اكتشف اللي عملته، بس محبِّتش أبدأ بالكلام، قُلت أسيبه هو اللي يبدأ، لكني اتفاجأت إنه بيقول لي:
_النفس أمارة بالسوء.
رديت عليه وقُلت له:
_مش فاهمة.
_منعتك من الكتاب، لكنك حاولتي تاخديه من ورايا، بس كنت عامل حسابي، وأنا باخده من إيدك حطيته في مكان تاني لما كنتِ مشغولة في الكتب، وحطيت مكانه كتاب شبهه بدون ما تاخدي بالك، لأن ده كتاب ملعون، لعنته بتطارد أي شخص بيرغب في قراءته.
استغربت من كلامه، عشان كده حكيت له عن اللي حصل وبعدها قُلت له:
_بس الكتاب معايا فعلًا ودلوقت في شنطتي.
_بالعكس، الكتاب مخرجش من الكشك، اللي خرج هي اللعنة اللي فيه ومشيت ورا رغبتك، واكتشفت حكايته لما بدأ كل حد يشتريه يرجعه تاني وهوَّ بيحكي عن الطلاسم اللي بتخرج منه وكأن الروح فيها، محدش بيقدر يتحمل بداية الأحداث اللي بتحصل بسببه، عشان كده بيرجعه في نفس اليوم أو تاني يوم بالكتير، ولما سألت عن الكتاب، عرفت إنه من الكتب اللي اتكتبت على إيد شيطان من الشياطين، وإن لعنته بتتبع الرغبة في الاستحواذ عليه، يعني مش زي كتب السحر العادية اللي بتقرأيها، ومن وقتها وهو مركون؛ خايف أحرقه أو أتخلص منه أتأذي، لكن عمر ما كان عندي رغبة فيه، وده اللي خلى لعنته بعيدة عني، أكيد اللي حصل معاكي كان نتيجة إنك مسكتي الكتاب وكان عندك رغبة تقرأيه، عشان كده اتجسِّد لِك في الكتاب اللي أخدتيه بدون ما تعرفي، ما بالك بقى لو كان معاكي الكتاب الملعون نفسه، ربنا دايمًا بيسترها، وأنتِ معذورة، شغفِك كان أقوى من قناعتك، لكن ده درس تتعلمي منه، مش كل شغف لازم نجري وراه، أحيانًا شغفنا بيضرّنا.
حطيت إيدي في شنطتي وطلَّعت الكتاب، اللي اتفاجأت إنه كتاب قديم في التاريخ، كل الحكاية إن فيه شبه كبير من الكتاب اللي كنت فاكره إني أخدته من ورا عم “رؤوف”، يمكن اللعنة اللي بيقول إنها مشيت ورايا هي اللي خلتني أتخيَّل كل اللي حصل..
أنا مدينة لعم “رؤوف” إنه أنقذني من شيء هو عارف أذاه، في حين إن شغفي كان بيجرّني ناحية الأذى ده..
من اليوم ده، وكل ما أدخل كشك عم “رؤوف” عشان أشتري الكتاب اللي عاوزاه، كنت بتلاشى إن عيني تيجي ناحية الكتاب ده بالذات، لأني أقنعت أمي إني نفِّذت طلبها واتخلَّصت من كل الكتب دي، لكن الحقيقة إني مقدرتش أنتصر على شغفي، كل الحكاية إني قدرت أسيطر عليه وأمنع نفسي عن الكتاب الملعون.
***
تمت…
#الكتاب_الملعون
#محمد_عبدالرحمن_شحاتة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى