قصص

قصة عيون ليلي

كنت قعدة أنا وبنت خالي بنسمع قصة، وفي وسط ما احنا مندمجين في القصة وخايفين، سمعت صوت من المطبخ، صوت حد بيعمل أكل، ومرة واحدة، شوفنا نار عالية، بعدها سمعنا صوت صريخ، ولو فاكر ان الموضوع انتهى لحد هنا، تبقى غلطان لإن الموضوع كبير.. اكبر من روح ظهرتلي.
**
انا وهدى بنت خالي بنحب تيتا جدًا، لدرجة اننا ممكن نقعد عندها اسبوع من غير ملل، وعلى وجه التحديد، اننا بنبقى مع بعض، نلعب بقى، نهزر.. كله وش لوش، مش زي لما كل واحد بيكون في بيته، لإن وقتها الموبايل بيكون هو الوسيلة الوحيدة اللي بنقدر نتواصل بيها، وعشان كده، استغلينا ان تيتا هتعزّل وتقعد في بيت تاني، وده بعد ما حصلت مشكلة في البيت القديم، خلت الحي يجي ويبلغ الكل إن البيت قابل للسقوط، ومن بعدها، خالو قدر يأجر شقة ليها وفي مكان قريب كمان، وقتها اقترحت أنا وهدى اننا نقعد معاها نونسها، وحِجتنا ساعتها اننا خايفين عليها وعلى قعدتها في مكان جديد لوحدها، حِجة مقنعة، وافقِت عليها أمي وخالتي، ومن عند القرار ده، بتبتدي المواقف المرعبة، مواقف مهما كبرت بالعمر، عمري ما أنساها، والبداية كانت لما كنت قعدة أنا وهدى على السرير مع تيتا، بنسمع قصة من حكاوي مذيع مشهور على الراديو، ولإن تيتا بتخاف، ماكنِتش منتبهة أوي، هي يدوبك عايزة تشاركنا اللي بنعمله مش أكتر، ومع ذلك، كانت مع كل صرخة وصرخة، بتبرقلنا كإنها بتقولنا كفاية، خلاص، لكن على مين، احنا ماكناش نقفل الراديو، غير مع أغنية النهاية، أما تيتا وزي عواديها، كانت تاخد بعضها على الأوضة التانية في نص القصة بحِجة انها عايزة تنام، وبعد ما هي قالت كده، قومت معاها وصلتها لهناك بعدها غطيتها، ولما اتأكدت انها مش محتاجة حاجة، دخلت المطبخ وجبت من التلاجة تفاحتين، واحدة ليا، وواحدة لهدى، وقتها رجعت الأوضة واديتها التفاحة، لكن عشان هي مندمجة مع الأحداث، طلبِت مني أركنها على أي جنب على ما المشهد ده يخلص، ماردتش عليها وركنتها بعدها ركزت مع الأحدث، وبعد صرخة نفضتني من مكاني وخليتني أبلع ريقي، سمعت هدى بتقولي بـ استهجام:
-طب والله عيب عليكي، جايبالي التفاحة وانتي واخدة منها حتة، ما انتي عارفة يا رنا، أنا بقرف ومش بحب الحركات دي.
-قطمت من النفاحة؟!.. انتي هبلة يا بت ولا شكلك كده، وانا اقطم منها ليه، كانت الآخيرة وعايزه أكلها، ما التلاجة ماليانة تفاح جوة.
-رنا ماتضايقنيش، التفاحة أهي، مقطوم منها وقطمة كبيرة كمان.
-طب أنا هسألك سؤال وحدي الله فيه، أنا هقطم قطمة زي دي؟.. ليه؟.. انتي مش شايفة بوقي صغير ازاي.
في اللحظة دي سمعت صوت صرخة عالية، بس المرادي الصوت ماكنش جاي من القصة، الصوت كان جاي من المطبخ، والغريب، هو إني لما بصيت على المطبخ من الأوضة، لقيت نوره شغال، وأنا متأكدة مليون في المية إني قفلته قبل ما أرجع، يبقى ازاي اتفتح وايه صوت الصرخة دي. اجابة على سؤال زي ده كان لازمها اننا نقوم ونشوف اللي بيحصل، ولإن هدى قلبها أجمد مني، قامت واتمشت على المطبخ وانا مشيت وراها، وقتها لقيتا الأغرب من ده كله، وهي تيتا اللي كانت نعست ومافقتش عشان تشوف الصوت ده جاي منين، بس مش مهم، دي حاجة طمنتني وبدأت تشككني في اللي سمعته، لكن بمجرد ما دخلنا المطبخ ولقينا باب التلاجة مفتوح، قلقنا، بس مع ذلك، هدى بصيتلي وقالتلي:
-يعني ناسية باب التلاجة مفتوح، ومش عايزه تنسي النور.
-يا بنتي والله العظيم أنا قفلتهم قبل ما اطلع، وبعدين هي أول مرة يعني، ما انتي عارفاني.
-يا ستي تلاقيكي كنتي عايزة تلحقي القصة مش أكتر.
-وصوت الصرخة، ايه؟.. نسيتها هي كمان.
ردت عليا هدى وهي رايحة تقفل باب التلاجة:
-مش عارفة بقى، هنعمل اي…
ماكملِتش الجملة قبل ما تتصدم، لما لقت تفاحة محطوطة على الرف وهي مقطومة بنفس الطريقة، وقتها بصيتلي وكملت كلامها وهي بتحاول تتمالك اعصابها:
-ايه ده يا رنا؟.. انتي بتعملي فيا مقلب مش كده؟
رديت عليها وانا متوترة:
-مقلب ايه بس يا هدى؟.. وهي الحاجات دي فيها مقالب؟.. بقولك ايه، انا خايفة.
-وانا مش مستوعبة، أصل اكيد التفاحة ماتكلتش لوحدها.
-ولا أكيد الصرخة دي كانت من نفسها.
-يعني ايه؟
-يعني من الآخر كده نخش ننام دلوقتي، عشان دقيقة كمان أنا مش عارفة ايه اللي ممكن يحصل.
لفيت وشي الناحية التاني وكنت لسه هتمشى لحد الأوضة، شوفت في وشي ست شكلها بشع، طولة متوسط ولابسة بيچامة قديمة وفيها اجزاء مبهدلة، أما بقى وشها، فـ كان بشع، عينيها متصفية ووشها نصه محروق تقريبًا، الست دي بمجرد ما بصيت على وشها، صرخت صرخة عالية كلها ألم، خليتني اتنفض من مكاني وأرد عليها بصرخة أعلى، ولإني ماتمالكتش أعصابي، وقعت من طولي وأغمى عليا، فوقت بعد شوية على صوت تيتا وهي بتقولي:
-رنا.. فوقتي يا قلب ستك.. فوقي يا حبيبتي.
فوقت وانا جسمي مفرود على الأرض وراسي مسنودة على التلاجة، ولما بصيت حواليا، لقيت هدى بصالي بقلق وتيتا هتموت عليا، في اللحظة دي ماكنتش مستوعبة اللي بيحصل، وأول سؤال سألته كان:
-هو ايه اللي حصل، وانتوا مالكوا، باصينلي كده ليه؟
ردت عليا هدى برد فكرني بكل حاجة لما قالت:
-انا مش عارفة، احنا مرة واحدة كنا واقفين في المطبخ، قومتي لفيتي وشك وصرختي مرة واحدة.
-اه.. لأ، انا شوفتها يا هدى، شوفت الست اللي صرخت في المطبخ.
كملت كلام وانا باصة لتيتا:
– كان شكلها وحش أوي يا تيتا.. وحش أوي.
-أنا قولت اللي انتوا بتتفرجوا عليه ده مؤذي، وادي اذيته بانت عليكوا، مافيش اللي بتتكلمي عنه ده يا حبيبتي، كله بيتهيألك مش أكتر، وهدى أهي قدامك، ماشافتش حاجة خالص.
بصيت لهدى وأنا مرعوبة وخايفة على نفسي أكتر:
-هدى.. قوليلها اللي احنا شوفناه وسمعناه يا هدى، أنتي عارفة اني مش مجنونة، يبقى ليه السكوت دلوقتي؟.. هدى اتكلمي.. قولي اي حاجة.
ردت هدى بـ اكتر رد صدمني:
-انا اللي غلطانة، اصريت نتفرج على حلقة النهاردة بعد ما انتي كنتي عايزة تنامي.
-قصدك ايه؟.. قصدك اني بهلوس؟
قبل ما هدى ترد عليا، تيتا اتدخلت ونهت الحوار، بعدها دخلتني الأوضة وغطيتني، وبعد ما اتطمنت عليا، هدى سندتها لحد أوضتها، وقتها كنت مصدومة أكتر ما انا خايفة، ليه هدى عملت كده؟.. وايه بيحصل بالظبط؟.. اجابة السؤال جتلي بمجرد ما فكرت فيه، لما حسيب بـ ايد سخنة لمستني من رجلي، خلت جسمي كله يرتجف ودماغي تنتبه، بعدها شوفت نفس الست واقفة على طرف السرير، كانت بصالي بنظرة توحي انها متضايقة وزعلانة، لكن النظرات دي ماستمرتش كتير إلا واتحولت لنظرات غضب خليتها تقولي:
-نفس النظرة بشوفها في عيون الناس بقالي سنين، نظرة رعب أو شفقة، نظرة بتوجعني من جوة.
-انتي.. انتي مين؟
-أنا ليلى،صاحبة البيت اللي ِانتي قعدة فيه دلوقتي، لكن الظروف، هي اللي أجبرتني أآجره، أصل البُعد عن البشر على قد ما هو راحة ليا ومن نظراتهم اللي بتقطع فيَّ، على قد ما هو بيوجع لإني لوحدي، شايفة الشيء اللي أذاني في كل لحظة وكل دقيقة، فهمتي بقى أنا مين وبعمل هنا ايه.
-لأ.. لأ ومش عايزة أفهم، أنا.. أنا عايزة أمشي من هنا، مشوني من هنا.
في اللحظة دي هدى دخلت الأوضة وهي بتتلفت يمين وشمال، كانت بتدور على الست اللي أنا بكلمها، بس ليلى كانت اختفت.. اختفت بمجرد ما قالت الكلمتين بتوعها، أما بقى هدى، فـ بصيتلي بنظرة توحي إني مجنونة، وقتها ماقدرتش أتحمل نظراتها وقولتلها:
-لا بقولك ايه، أنا لا مجنونة، ولا بخرف، أنا فيه واحدة اسمها ليلى ظهرتلي، وشها محروق وعينيها متصفية، هدى أنا مش مجنونة.. انا شوفتها في المطبخ ودلوقتي.
-وكمان عرفتي اسمها؟.. لا بقى، ده انتي شكلك كده مرتبة المقلب بقالك كتير، بس غبية، أصله ماكنش له لزوم تدخلي تيتا في الموضوع، اديها هتحرمنا من سماع القصص بعد كده، لانها خلاص، شافت انها السبب في كل اللي حصل، ولو شافتنا بنسمع حاجة من الكلام ده، هتزعلنا.
-والله ما مقلب، احلفلك بـ ايه انه بجد، ليلى دي حقيقية، ومش بعيد تكون سمعانا دلوقتي.
-لااا، دي شكلها راحت منك خالص، فسحي كده.. عايزة انام.
ونامت هدى بمجرد ما حطت راسها على المخدة، أما أنا فضلت صاحية لفترة كبيرة، بفكر في اللي جرى كإني بأكد لنفسي إني مش مجنونة، لكن اللي حصل وانا نايمة، أكدلي اكتر واكتر ان اللي بشوفه ده حقيقي، وان الشقة دي فيها حاجة مش مظبوطة.
بعد ما روحت في النوم غصب عني، فوقت وأنا واقفة في صالة البيت الجديد، لكن الجديد في الموضوع، هو العفش اللي كان غريب عن اللي في الشقة، عفش قديم شوية وفيه ريحة كمكمة، كإن الشقة مابتتفتحش كتير، لكن مش دي المشكلة.. المشكلة كانت في الست اللي شوفتها قعدة قدام التلفزيون…
\
عيون ليلى
٢
بعد ما روحت في النوم غصب عني، فوقت وأنا واقفة في صالة البيت الجديد، لكن الجديد في الموضوع، هو اللي العفش اللي كان غريب عن اللي في الشقة، عفش قديم شوية وفيه ريحة كمكمة، كإن الشقة مابتتفتحش كتير، لكن مش دي المشكلة.. المشكلة كانت في الست اللي شوفتها قعدة قدام التلفزيون، بتتفرج على فيلم لفاتن حمامة وهي مندمجة، ولما عمر الشريف باس فاتن حمامة، الست قفلت التلفزيون وهي بتضرب كف على كف وبتقول:
-كدب.. كله كدب، من امتى والنهايات سعيدة، أنا عمري ما شوفتها ولا عيشتها.
وقت ما الست دي قامت من مكانها ولفت وشها ليا، رجِعت خطوتين لورا من الخضة، لإن الست دي، تبقى نفس الست المشوهة اللي ظهرتلي، بس الجديد في الموضوع، ان وشها كان سليم، كانت زي القمر، عينيها عسلي وشعرها بني تقيل، كانت مبسوطة والابتسانة مرسومة على وشها، كمان لما اتحركت ودخلت المطبخ، فضلت تغني في سيرة الحب لأم كلثوم، ومع كوبلية يا اللي ظلمتو الحب، فيه موبايل رن، والموبايل ده كان محطوط على الطرابيزة اللي جنبي، بصيت على اللي بيتصل لقيته روح قلبي، وقتها ليلى خرجت من المطبخ وجت ناحيتي، أخدت الموبايل وردت ولا كإنها شايفاني، ساعتها الابتسامة بدل ما كانت مرسومة وشها، بقت الضحكة من الودن للودن، أصل من اللي فهمته من سياق المكالمة، إن اللي بيكلمها ده يبقى خطيبها أو حبيبها، وده لإنها مش لابسة دبلة في ايديها، بس مش شرط يعني، وده لإن كتير دلوقتي بقى بيقلعها جوة البيت، واللي خلاني اقعد احلل اللي بيحصل بالطريقة دي، هو موقعي من الاعراب وقتها، لإني لا كنت عارفة انا ايه اللي جابني هنا، ولا ظروفي ايه في اللي بيحصل، كمان لو اللي بيجرى ده حلم، يبقى امتى هفوق منه وازاي، أسئلة كتير مالقتلهاش اجابة في اللحظة دي، لكني تابعت اللي بيحصل مع ليلى، خاصة لما قفلِت المكالمة مع حبيبها ودخلت تكمل اللي بتعمله في المطبخ، وقتها دخلت وراها عشان اشوف بتعمل ايه، وبدون قصدها، الزيت اتدلق على النار خلاه يهب في وشها، ولإن النار كانت شديدة، ليلى طلعت جري على برة وهي بتصرخ بصوت عالي وهي حاطة ايديها على وشها، ولما شالت ايديها، شوفت أثار حروق ودم كتير نازل من عينيها، خلاها تكمل صريخ بصوت أعلى، وبعد دقايق، الجيران كسروا باب الشقة ودخلوا يشوفوا حصل ايه، بعدها خدوا ليلى على المستشفى، واللي خلاني اعرف انهم راحوا بيها لهناك، هو المشهد اللي اتبدل قصادي، وبدل ما كنت في الشقة، لقيت نفسي واققة قدام سرير في اوضة جوة مستشفى، وعلى السرير اللي قدامي، ليلى كانت نايمة واجهزة كتير شغالة حواليها، كانت فايقة لكن وشها مربوط بشكل كامل، وعلى الرغم من ان تعبيرات وشها مش باينة، الا ان حركات جسمها كانت موضحة التوتر اللي هي فيه، وده لإنها كانت منتظرة الدكتور، عشان يخش ويشيل الرباط اللي على وشها ويقولها نتيجة اللي حصل، واللي خلاني اعرف معلومة زي دي هي كمان، هو اللي حصل بعد ما دكتور فتح باب الأوضة ودخل وهو معاه ممرضة، الدكتور قرب من ليلى وهو بيقولها:
-انا عارف يا أنسة ليلى انك عايزة تعرفي اللي جرالك، لكن تأكدي مليون في المية إننا عملنا اللي نقدر عليه وبزيادة.
كلام الدكتور ماكنش مريح لليلى خاصة في وضعها الحالي، عشان كده اتعصبت عليه وهي بتقوله:
-انا مش عايزة كلام من ده، انا عايزاك تقولي ايه اللي جرالي بالظبط، يعني من غير مقدمات بلغني بحالتي، انا وضعي ايه، وهعمل ايه، وامتى هرجع زي الاول.
-أنا مش هلومك يا أنسة ليلى على عصبيتك لإنه حقك، بس للأسف الشديد، انتي عندك حروق شديدة في وشك، نقدر نداويها بعدين بعمليات التجميل، لكن اللي مش هنقدر نداويه في حالتك دي، هم عينيكي الاتنين، لإنه يؤسفني اقولك انهم اتصفوا، ومحاولتنا اننا ننقذ ما يمكن انقاذه، كانت شبه مستحيلة.
-يعني ايه؟.. يعني انا خلاص كده، مش هشوف تاني؟
-انا بعتذر جدًا.
-لالالا، انا عايزة اروح مستشفى تانية، المستشفى دي كلها دكاترة مابيفهموش، انت ذات نفسك مابتفهمش، هم ازاي خرجوك من كلية الطب أساسًا، خرجوني من هنا.. خرجوني وودوني مستشفى تانية، ولا اقولك، انا اللي هخرج.. والبتاع اللي على وشي اهو، هشيله خالص.
حاولوا يهدوها ماقدروش، وقتها كانت شالت اللي على وشها، وبمجرد ما الشاش اتشال من على عينيها، هديت لوحدها من الصدمة، لكنها رجعت تتكلم مرة تانية بصوت مجروح:
-انا.. انا مش شايفة حاجة خالص، هي عيني فين، عيني راحت فين؟
حطت ايديها على عينيها ومالقتهمش، وقتها رجعت تتعصب مرة تانية بس بصدمة وهي بتقول:
-انا عايزة اموت، خلصوني من حياتي، انا مش عايزة اكمل الباقي من عمري عامية ومابشوفش.
قالت كده وقامت من مكانها، وقبل ما تعمل حاجة تندم عليها، جابولها حقنة مهدئة وحقنوها بيها، بعدها هديت ونامت على السرير، وبعد ما الموقف خلص، المشهد اتبدل ولقيت نفسي واقف برة في الطرقة، كان واقف قدامي نفس الدكتور ومعاه شخص تاني باين على وشه الصدمة والزعل، الشخص ده قال للدكتور:
-يعني خلاص كده؟.. مافيش أمل يا دكتور؟
-احنا حاولنا على قد ما نقدر، لكن للأسف، هي مش هتقدر تشوف تاني.
الشخص ده حط ايده على دماغه من الصدمة والحصرة، بعدها مسح بوقه بـ ايده وهو رامي عينه على ليلى وهي نايمة على السرير، وفي صمت، أخد بعضه ومشي، وقتها المشهد اتبدل مرة تانية ورجِعت البيت، بصيت قدامي لقيت ليلى قعدة على كرسي وقدامها نفس الشخص، ومن طريقة كلامها وقتها، انها متضايقة ومتعصبة، وده لما كانت بتقوله:
-انت بتسيبني يا مراد؟.. ده احنا كنا قصة حب الكل بيتكلم عنها، ليلى، ومراد.. اسم سينمائي، دلوقتي بعد ما حصل اللي حصل، بتبعد عني بحجة انك مسافر، طب ماشي.. لو على السفر، انا مستعدة استناك، لكن زي ما انت عارف، انا اللي حصل في وشي ده ماكنش بـ ايدي، وانا متأكدة انك هتسيبني للسبب ده.
-مش قادر يا ليلى، مش قادر ابص في وشك بعد اللي حصل، لاني وقت ما ببص، بحس بـ ألم جوايا، ألم أصعب من اللي حستيه وقت الحادثة.. أنا أسف، أسف لو كنت جرحتك، بس أنا مش قادر أكمل.
بعد ما مراد قال كده، اخد بعضه وخرج برة، وقتها ليلى قامت وفضلت تكسر في كل حاجة حواليها، ولأول مرة من ساعة ما ابتديت اشوف اللي بشوفه، ليلى بصيتلي وهي بتوجهلي الكلام وبتقولي:
-عشان كده مش قادرة اتكلم مع حد ولا قادرة اتخيل نظرة وشهم ليا، بعد ما كانوا بيشوفوني جميلة ووشي وش ملاك، بقوا بيشوفوني وحش وبيحاولوا يهربوا مني، وعشان انا مش هقدر اعيش حياتي على الوضع ده، قررت أجيب سكينة وانتحر، دبحت نفسي عشان اخلص من وشي خالص، وبعد ما انتحرت ولقوا جثتي، بقيت بظهر لكل اللي بيحاول يأجر الشقة، لكن انتوا.. انتوا مختلفين، وجدتك طيبة، حالتها صعبة ومحتاجة البيت اللي تقعد فيه، عشان كده قررت أظهر، وبالمرة عايزاكي تحكي قصتي للي بتسمعي حكاويهم، عايزاكي تقوليلهم اننا عمرنا ما عوزنا نكون اللي احنا بقينا عليه، واللي صابنا زي ما انتوا بتقشعروا منه، احنا كمان بنقشعر، والاختلاف.. هو اننا بنقشعر اضعافكوا لما بنبص لنفسنا في المرايا، وقبل ما امشي، عايزة اشكركوا على التفاح، ماحدش جبهولي من ساعة ما حصل اللي حصل، أصل مراد هو الوحيد اللي كان بيفتكرني ويجبلي تفاح معاه.
قالت كده بنبرة حزينة، خلت جسمي يقشعر ودمعتي تنزل، لكن الوضع ماستمرش كتير وصحيت من النوم على صوت هدى وهي بتقولي:
-انتي بتعيطي وانتي نايمة ولا ايه؟.. اتجننتي انتي؟
مسحت دمعتي من على خدي وانا بقولها:
-انا.. لالالا، مافيش حاجة، تلاقي عيني اتطرفت وانا نايمة.
-اتطرفت وانتي نايمة برضه؟.. على العموم ماشي، بينا نعمل الفطار.
-نعمله، مانعملوش ليه يعني.. بس قبل ما نعمله عايزة اقولك حاجة.
-قولي.
-ولا اقولك، خلاص خلاص.. قومي.. انا جعانة جدًا.
قومت انا وهي، عملنا الفطار واكلنا مع تيتا، ومن وقتها وانا دماغي مش فيّ، دماغي مع الموقف ده، عشان كده قررت أحكي قصتي لي حضرتك، يمكن تكون مش حقيقية لناس كتير، لكنها على الأقل ممكن تكون رسالة لناس أكتر، وملخصها، هي ان نظرتك لكل ما هو مختلف.. بتوجع وبتأثر، وممكن جدًا تؤدي للانتحار.
تمت بحمد الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى