
الحكاية دي حصلت لي من سنة بالظبط، بس كل ما بفتكرها جسمي بيقشعر، وحسيت إنها لازم تتقال علشان تبقى عِبرة لغيري.
الساعة كانت قربت ٢ بعد نص الليل، وأنا كنت واخد جرعة زفت مخدر بدون داعي لذكر إسمه، نوع كده بيقولوا عليه بيطيرك السما.
ماكنتش لاقي مكان أقعد فيه، ولا عايز حد يشوفني، فروحت المقابر اللي جنب البلد، كنت متعود أروح هناك لما أحب أضرب حاجة لوحدي.
دخلت من جنب السور، وقلبي بيدق بس مش من الرعب، من التأثير، المخدر كان بيضرب في دماغي وبيخليني شايف الدنيا بتهتز حواليا.
وأنا ماشي، سمعت صوت نباح، بس مش نباح طبيعي، نباح غليظ.
بصيت حواليَّ، لقيت ٣ كلاب سودة، سودة بمعنى الكلمة، شعرهم واقف، عينيهم حمرا بتلمع في الضلمة، أسنانهم طالعة كأنهم بيضحكوا لي أنا!.
بدأوا يقربوا، وأنا رجلي مش قادرة تتحرك، حاسس إنهم مش حيوانات، حسيتهم جن متشكلين على هيئة كلاب.
فجأة لفوا وجريوا ناحية قبر مفتوح في آخر الصف، مشيت وراهم كأني مسحور، مش بإرادتي.
وأول ما قربت من القبر، شوفت على ضوء ضعيف، ظلال مرمية على الأرض، قدام القبر!
ولما قربت وانا من جوايا مش عايز أشوف اللي بيحصل جوه..
شوفت اللي خلاني إتسمرت في مكاني مبنطقش
كيانات، مش بني آدمين، وشوشهم مش مفهومة، عينيهم دايمًا مفتوحة وكأنهم مش بيرمشوا، بشرتهم سودة وفيها تشققات كأنها طين ناشف، وفي واحد منهم كان له أربع دراعات، وكل دراع ماسك حاجة غريبة، عظم، حجر، تميمة، وشعر ست!
كانوا عاملين دايرة جوه القبر، بيلفوا ويرقصوا، بس مش رقص عادي، كانت حركة عنيفة، سريعة، فيها خبط بالرجلين ونفخ، زي طقوس شيطانية!
وأنا واقف، حاسس إني هتجنن، قلبي بيخبط بين ضلوعي بقوة، ودماغي بتلف، وكنت عايز أرجع، بس رجلي ماكنتش بتسمع كلامي.
فضلت كده لفترة، وعيني من الصدمة والرعب مش قادرة حتى ترمش..
حاولت كتير، في النهاية نجحت إني ألِف نفسي، وقررت أجري..
جريت، لكن وأنا بجري لقيت نفسي برجع تاني قدام نفس القبر؟!!
كررتها تاني، وتالت.. وفي كل مرة أحاول أهرب، أرجع لنفس النقطة.
كان في همهمة حواليَّ، أصوات، خبط على جدران القبور، وصوت واحدة ست بتضحك ضحكة شريرة وكأنها عارفة إني وقعت في الفخ.
حسيت إني جوة عالم تاني، مش حقيقي، مش المقابر اللي أنا عارفها، حسيت إني دخلت أرضهم.. أرض الجن اللي الناس بتتكلم عنها وهم بيضحكوا، بس أنا شفتها بعيني.
في واحد منهم قرب مني، وشه كان نصه محروق، والنص التاني فيه وش بني آدم مشوه، وقرب من وشي وقال لي بصوت رخيم:
-كل اللي جالك بإيدك.. وملكش رجعة قبل الحساب.
وقبل ما ألحق أفهم، الدنيا اسودّت في عيني، ووقعت على الأرض!.
صحيت تاني يوم الصبح، لقيتني برة المقابر، على الطريق اللي قدام القبر.. الناس ملمومين حواليَّ، واحد منهم لقيته جاي من جوة كشك في اخر الطريق، قال لي:
-إنت نايم هنا من إمبارح، كنت بتصرخ وتضحك وتعيط في نفس الوقت!.
ماعرفتش أرد، ومش فاكر خرجت إزاي من القبر، بس كنت عرقان، وهدومي متقطعة، حتى مش قادر أتكلم مع حد، قمت من مكاني وانا بترنح، ومشيت..
وعقلي مشغول باللي شوفته، أو اللي إتهيألي إني شوفته مش عارف.
من يومها بطلت كل حاجة، قفلت على نفسي أسبوع، وكل ليلة كنت بشوفهم في الكوابيس، لحد ما بدأت أقوم أصلي وأقرأ قرآن، وأعيط كل يوم على اللي كنت بعمله في نفسي.
إتعلمت إن المقابر مش مكان للعب، ولا للمخدرات، دي بيوت ناس راحت لحسابها، ولها حرمتها، وإحنا بنتعدى الحدود لما ندخلها ننجّسها.. بعضنا طبعاً.
وتعلمت إن كل لحظة ببعد فيها عن ربنا، الشيطان بيقرب مني أكتر، وبياخدني في طريق نهايته ضلمة.
واللي شوفته هناك كان كفاية يغيّرني لآخر عمري
حتى لو كل اللي شوفته من وحي خيالي، أو بسبب الزفت اللي كنت بضربه..
بس كانت رسالة تحذير من ربنا، إني أقرب منه
وأبعد عن كل اللي كنت بعمله..
نصيحة:
لو بتفكر تجرب حاجة، أو تقول “مرة مش هتفرق”، افهم إن المرة ممكن تكون الأخيرة، أو تكون هي اللي تفتح لك باب ميتقفلش تاني.
تمت.