-آلو.. حد يرد عليّا.
كانت آخر لحظة أجهزة اللاسلكي اللي معانا لقطت فيها إشارة، مكَانش فاضِل غيري أنا و “باهي”، وواحد من أفراد الأمن اسمه “أحمد”، الباقيين كلّهم ماتوا في المجزرة اللي حصلت هنا، وفي الوقت ده كان “باهي” بيهمس في ودني وبيقول:
-إحنا خلاص.. هنموت هنا.
لكن “أحمد” عنّفه وقال:
-ما تقولش الكلمة دي تاني!
وفي اللحظة دي كلّنا قطعنا النَّفس، بمجرّد ما سمعنا خطواته بتقرّب منّنا!…
***
الموضوع من البداية…
الوقت كان متأخّر، في اليوم ده كُنت شغّال على بحث مهم، كُل اللي موجودين كانوا خلّصوا شغلهم ومشيوا قبلي، وبالمناسبة؛ أنا بشتغل في معمل بيولوجي سرّي، وممنوع حد يعرف عنّه حاجة، ومعانا خبراء بيولوجيين أجانب، لكن أقدر أقول لكم إن اسمي “أمير”؛ خبير بيولوجي، ومن ضمن الخُبرا اللي بيشتغلوا هنا، ومش هقدر أحكي أكتر من كده عن شُغلي.
في اليوم ده خلَّصت جزء كبير من البحث اللي في إيدي، طاقتي كانت خلصت ومكنتش قادر أقاوم، قُلت أقوم أروّح، وتاني يوم أضغط على نفسي أكتر؛ عشان أخلّص البحث لأنه مهم، ومطلوب إنجازه في أقرب وقت.
خرجت من الشُّغل، كُنت بستعد إني أركب عربيتي، ولسّه بفتح الباب؛ لقيت عربية فورد إكسبلورر لونها أسود جاية ناحيتي، نورها الكبير كان ضارب في عيني؛ لدرجة إني مشوفتش ماركة العربية غير لمّا وقفت قدّامي، حاولت أعرف هي واقفة ليه ومين اللي فيها، لكن معرفتش من إزازها الفاميه، وفجأة بيبان العربية اتفتحت ونزل منها اتنين، كانوا بيقرّبوا منّي، اتنين كان باين عليهم بيلعبوا كمال أجسام، لابسين بِدَل سودة، وكُنت مستغرب هما ليه لابسين نضّارات سودة واحنا تقريبًا الساعة 2 بعد نُص الليل!
استغربت الموقف، أوّل مرة يحصل معايا موقف زي ده، ولمّا قربوا منّي كل واحد منهم مسكني من إيد، وواحد منهم قال:
-تعالى معانا.
لقيتني بقول لهم:
-آجي معاكم فين؟! أنتوا مين وعايزين إيه؟!
لقيته بيقول بطريقة بيحاول يهدّيني بيها:
-الباشا الكبير عاوزك.
حاولت أبعِد إيديهم وأنا بقول لهم:
-باشا مين وكبير مين؟! أنا معرفش حد!
لقيتهم مصمّمين إني أروح معاهم؛ لدرجة إن الشَّخص اللي بيكلّمني قال:
-بَس هو يعرفك.. وصدّقني من مصلحتك تيجي معانا.
لقيتهم بيشدّوني من إيدي وأنا بروح معاهم، ركبت العربية والاتنين قعدوا جنبي كل واحد من ناحية، ولمّا بدأنا نتحرّك؛ لقيت واحد منهم بيربُط عيني بقماشة لونها أسود، الفِكرة ضايقتني فانفعلت وقُلت:
-اللي بتعملوه ده مينفعش.
لقيت واحد منهم رد عليا وقال:
-التعليمات كِدَه.
بعدها مسألتش عن أي حاجة، ولا حد فيهم اتكلّم، بس اللي أقدر أقوله إن الطريق كان طويل، يعني لو عرفت أقدّر الوقت صح، ممكن أخدنا ساعة لحد ما وصلنا، ولمّا العربية وقفت ساعدوني أنزل؛ لأني مش شايف حاجة وعينيا متغمّية، كان فيه واحد منهم ماسكني من إيدي وبيوجّهني وأنا ماشي، وفضلنا ماشيين لحد ما وقفنا، وبعدها سمعت صوت باب بيتفتح، ولمّا كمّلنا ودخلنا لقيت المكان بارِد جدًا، وبعدها سمعت صوت الباب بيتقفل تاني!
واحد منهم فَك الغمامة من على عيني، أخدت وقت لحد ما الزّغللة راحت منها وقدرت أشوف كويّس، ساعتها لقيت نفسي في أوضة حيطانها بالأسمنت، مفيهاش غير باب حديد وكان مقفول، وكان واقف الاتنين اللي أخدوني معاهم وأنا بركب عربيتي، رفعت راسي فوق، ولقيت إن فيه شفّاط كبير في السّقف، ونازل من تحته لمبة نورها أصفر، التفتت حواليّا ومكنش موجود في الأوضة غير كرسي، وفجأة لقيت الاتنين اللي واقفين معايا بيتحرّكوا ناحية الباب، وبيفتحوه وبيخرجوا وبيقفلوه وراهم!
لحد وقتها مَكُنتش عارف أنا هنا ليه، ولا أنا فين، ولا مين الباشا الكبير ده، لكن لقيت فجأة صوت بيتكلّم في الأوضة وبيقول:
-ازّيك يا “أمير”!
بدأت أتلفِّتت حوالين نفسي وقُلت:
-مين اللي بيتكلّم؟!
لكن الصوت رد عليّا وقال:
-اقعُد يا “أمير”.. ليه واقِف؟!
كُنت مستغرب اللي بيكلّمني شايفني إزّاي! بس لمّا بدأت أدقّق في الحيطان؛ لمحت سمّاعات صغيرة متعلّقة في الكورنر بتاع الأوضة، وكل سماعة كان جنبها عدسة صغيرة، قُلت أكيد اللي بيكلّمني ده شايفني دلوقت من خلال الكاميرات دي.
حسّيت إن الموضوع كبير، وإن مش من مصلحتي أعارض أي حاجة هتتقال هنا لحد ما أخرج؛ عشان كده قعدت على الكرسي، وانتظرت أسمع اللي بيكلّمني هيقول إيه، وبعد يادوب دقيقة لقيت الصوت رجع تاني، وبيقول:
-مبسوط في شغلك يا “أمير”؟
استغربت من السّؤال لكنّي قُلت:
-شُغلي كويّس، بس إيه علاقة شُغلي بوجودي هنا؟!
-يعني لو جَت لك فُرصة أحسن منّه تقبلها، ولا ترفضها؟!
ردّيت عليه رغم إن الكلام غريب ومش مريّحني وقُلت:
-على حسب الشُّغل هيكون طبيعته إيه بالظبط!
-أنا هعرض عليك عَرض، طبيعة شغلك مُش هتتغيّر، لكن اللي هيعود عليك من الشُّغل ده كتير أوي، هيغيّر لك مستقبلك.
مَكُنتش فاهم إيه الفيلم اللي أنا عايش في أحداثه ده، لكنّي حبّيت أجاريه فقُلت:
-تُقصد إن دي فرصة شُغل في مختبر برّه؟!
ضحك ضحكة مش مفهومة وقال:
-المختبر هنا، بس أنت اعتبره برّه!
الفضول قتلني، بقيت عاوز أعرف أنا فين وبكلّم مين، ولقيت لساني بيسبقني وبيسأل:
-ممكن أعرف أنا بتكلّم مع مين؟!
زي ما يكون كان مجهّز الإجابة لأنه قال:
-مُش ضروري تِعرف أنا مين، خليك فاهم إن اللي يهمّك هو إنك تقبل العَرض اللي معروض عليك، ده هينقل حياتك نقلة جامدة، ولو رفضته مش هيكون في مصلحتك، وممكن الموضوع يوصل لأنك تقول ياريتني ما رفضت.
اضطريت أقبل؛ لأني مكنتش عارف إيه العواقب اللي ممكن تترتب على رفضي، واعتبرت إن ده هيكون بشكل مؤقت؛ لحد ما أعرف الموضوع رايح لفين، عشان كده لقيتني بقول:
-مبدئيًا موافق، بس ممكن أعرف العائد من الشغل ده هيكون إيه؟!
-ملايين يا “أمير”، شكل حياتك كله هيتغيّر تمامًا.
وبعد ثواني لقيته بيقول تاني…
-دلوقت زي ما جيت هنا هترجع للمكان اللي جيت منّه، عايزك تكون مستعد في أقرب وقت، خد أجازة مفتوحة من شغلك، وبمجرّد ما تخلّص أنا هعرف، وساعتها هتلاقي العربية اللي جابتك هنا موجودة قدّامك؛ عشان تجيبك تاني.
وقبل ما أتحرك خطوة لقيته بيقول:
-طبعًا مش محتاج أقول لك إن أهم حاجة السرّية، يعني مفيش مخلوق يعرف حاجة عن وجودك هنا، ولا عن شغلك الجديد، حتى والدتك، مفهوم يا “أمير”؟!
واضطريت إنّي أقول له: فاهم، ومكنتش محتاج أسمع منّه الكلام الأخير ده، أصل الطريقة اللي جيت بيها؛ والجو اللي أنا عايش فيه ده، بيقولوا إن الموضوع كبير، والمفروض محدش يعرف عنه حاجة، ومكنتش مستغرب برضه إنه يعرف والدتي، دا مش بعيد كمان يكون عارف إني ماليش غيرها، وعايش معاها وبس، ولحد هنا تفكيري وقف عند صوته لما بدأ يتكلم تاني، ويقول:
-دلوقت تقدر تخرج، هترجع مكان ما جيت، وهنتظر تكون جاهز في أقرب وقت.
قمت واتحركت من مكاني وأنا بقول له:
-إن شاء الله هبدأ في إجراءات الأجازة من بكرة.
يادوب قُلت له كده والباب اتفتح، ولقيت الاتنين اللي كانوا معايا واقفين بره في انتظاري، أوّل ما قرّبت من الباب لقيتهم بيغمّوا عينيا تاني، بعدها مشيت معاهم وواحد منهم مسكني من دراعي لحد ما وصلنا للعربية، ركبت وكل واحد منهم كان قاعد جنبي من ناحية، وبعد ساعة العربية وقفت، وساعتها الغمامة اتشالت من على عينيا، ولقيت نفسي قدّام مكان شغلي من تاني.
نزلت من العربية وبدأت أتحرّك ناحية عربيتي، ساعتها العربية اللي وصَّلتني كانت مشيت واختفت من المكان، ركبت عربيتي وبدأت أتحرّك، النهار كان قرّب يطلع، طول الطريق دماغي كانت بتحلل في اللي حصل، أنا مش قادر أعرف مين الشخص ده ولا الشغل ده فين، ولا قادر أستوعب جو الأكشن ده، وصلت البيت وركنت عربيتي وطلعت، ولما دخلت الشقة لقيت أمي منتظراني، كانت قلقانة عليا جدًا، أوّل ما شافتني سألتني:
-إيه اللي أخّرك يا أمير كل ده؟!
-معلش يا أمي، كان فيه جزء مهم من البحث بتاعي لازم يخلص، ده اللي خلاني أتأّخر.
-أنا رنيت عليك من ساعتين، وتليفونك كان غير متاح!
مديت إيدي في جيبي وطلّعت تليفوني، ولقيتني ناسيه على وضع الصامت، لكن لقيت فعلًا رسالة فيها 6 محاولات اتصال من أمي، فكّرت للحظة إن المكان اللي كنت فيه مفيهوش شبكة، وتليفوني كان خارج نطاق الخدمة، ما هو أنا في الوقت ده كنت لسه هناك، ومالقتش مبرر غير إني أقول لها:
-تلاقي التليفون فصل شحن، وعلى ما شحنته وكده. أنا هدخل أرتاح شوية.
-أحضَّر لك حاجة تاكلها؟
_ارتاحي أنتي يا أمّي، أنا أكلت في الشغل.
لمَّا دخلت الأوضة عينيا مغمّضتش، على عكس كل يوم كنت أحط راسي على المخدة ومَحِسّش بالدنيا، كنت بفكّر، إيه اللي هيحصل لو قبلت العرض ده؟ يعني العائد المادي اللي بيقول إنه هيغيّر حياتي، أي نعم أنا مرتبي مش قليل، لكن مش هو اللي يخلّي شكل حياتي يختلف في وقت قصير، طيب ولو رفضت إيه العواقب اللي ممكن تحصل؟! أنا كنت حاسس في لهجة اللي بيكلمني بتهديد، والسؤال اللي كان محيّرني أكتر هو ليه هيدفع لي كل ده؟! وفي مقابل إيه بالظبط؟!
عينيا مغمّضتش غير على الضُّهر، وبرغم كده منمتش كتير، لقيت نفسي صاحي بعد العصر، وأنا شُغلي بيبدأ من بعد المغرب، قُمت واتغدّيت مع أمي، وبعدها جهزت عشان أنزل شغلي، ولما وصلت كنت مقرّر إني هبدأ إجراءات أجازة، كان عندي فضول أعيش التجربة، وكان شرط قبول الإجازة إني أنتهي من البحث اللي أنا شغال عليه، واللي مكنش باقي فيه غير حاجات بسيطة ويخلص، والحمد لله؛ قدرت أنتهي منه في الليلة دي، وفي اليوم التاني لما وصلت شغلي أخدت إخلاء طرف، وبكده بقيت جاهز.
خرجت من الشغل، واتفاجئت بنفس العربية متنظراني، ونفس الاتنين اللي كانوا فيها بينزلوا، وبيطلبوا منّي أركب معاهم. قبل ما أركب طلبت منهم أكلّم أمي؛ عشان أقول لها إن عندي بحث مهم وهقعد كام يوم في الشغل، خلّصت معاها المكالمة بعد ما طلبت مني آخد بالي من نفسي، وقالت لي إنها هتطمن عليا من وقت للتاني، لكن قبل ما أركب معاهم فكرت في عربيتي اللي هسيبها مركونة في مكان شغلي، طلبت منهم أركب عربيتي وأروح أركنها عند البيت، وهما ييجوا ورايا وأروح معاهم من هناك، لكنهم رفضوا وقالوا إن الباشا الكبير منتظرني، وإنهم هيخلصوا موضوع العربية، وأخدوا منّي مفتاحها وقالوا لي متحملش هم حاجة!
نفس اللي حصل المرة اللي فاتت اتكرّر تاني، ركبت معاهم وربطوا عينيا بالقماشة السودة، وكل واحد قعد جنبي من ناحية، وبعد ساعة كنت في نفس الأوضة.
الكلام المرة دي كان مختلف؛ لأن اللي بيكلّمني قال:
-النهاردة هتستلم الشغل معانا يا “أمير”، مش عاوزك تسأل عن مكانه، إحنا هنودّيك هناك بطريقتنا، تليفونك هيكون معانا، ووالدتك هتكلمك كل يوم.
استغربت الكلام وقلت:
-هتكلمني ازّاي وأنتوا هتاخدوا التليفون؟!
-ده شغلنا متشغلش بالك، المهم أنت هتطلع دلوقت من هنا على المختبر اللي هتستلم شغلك فيه.
بمجرد ما الكلام انتهى باب الأوضة اتفتح، وأول ما الاتنين اللي كانوا معايا دخلوا أخدوا تليفوني وغمّوا عينيا من تاني، ومشيت معاهم وركبت العربية، الطريق كان طويل جدًا لدرجة إني حسيت بالملل، لحد العربية ما بدأت تتهزّ وهي ماشية، وقتها عرفت إننا خرجنا من الأسفلت، ودخلنا طريق ترابي أو صحراوي، في الطريق ده أخدنا حوالي ساعة كمان، لحد ما العربية وقفت ونزلنا، عينيا كانت لسه متغمّية، وواحد منهم كان ماسكني من دراعي عشان أمشي معاهم، وبعد كام خطوة وقفنا، وسمعت صوت واحد منهم بيتكلّم، وبيقول:
-إحنا دلوقت قدام الباب.
سمعت صوت باب بيتفتح، بعدها بدأنا نتحرك، لقيت نفسي بنزل معاهم سلّم وكأني نازل بدروم، وبعدها الباب اتقفل، وبعد ما نزلنا السلم مشينا في ممر، وبمجرد ما وقفنا لقيت واحد من اللي معايا بيقول:
-يا “أحمد”.. وصّل “أمير”، وخلّيه مع “باهي”، هو عارف المطلوب.
في الوقت ده الغمامة اتشالت من على عيني، الدنيا كانت مشوّشة من حواليا وعينيا مزغللة، فَرَكت عيني بإيدي عشان فضولي كان واخدني أعرف أنا فين، ومع الوقت بدأت أشوف كويس، ساعتها كان الاتنين اللي معايا مشيوا، ولقيتني واقف قدّام 3 أشخاص لابسين لبس سيكيوريتي، واحد منهم كلّمني وقال:
-أنا “أحمد” مسؤول الأمن هنا.. ودول “علي” و “سعيد”، أفراد أمن معايا.
المكان كان عبارة عن ممرات وأوض بيبانها مقفولة، كل باب عليه جهاز بصمة، واللي لاحظته إن المكان بارد زيادة عن اللزوم، أخدني “أحمد” ومشينا لحد ما وصلنا عند باب ووقفنا قدّامه، وساعتها لقيته بيحط صباعه على جهاز البصمة اللي في الباب، وبعدها الباب اتفتح.
لما الباب اتفتح طلب منّي أدخل، كانت أوضة فيها بِدَل واقية، كلها لونها أبيض، البِدَل دي مُش جديدة عليا، دي أصلًا أساس شغلي، وكنت عارف إنها بِدَل وقاية من فيروسات خطيرة، وساعتها لقيت “أحمد” بيطلب منّي ألبس بدلة تناسبني، لأني بعد شويّة هقابل “باهي” جوّه المختبر، عشان أفهم مطلوب منّي إيه بالظبط.
بعد ما لبست بدلة من اللي موجودين، واتأكّدت من إجراءات الوقاية، لقيت “أحمد” بريموت كنترول بيفتح باب خلفي موجود في الأوضة، وبيطلب منّي أمشي في الممر اللي ظهر لحد نهايته، وهناك هلاقي باب، ده المختبر اللي “باهي” موجود فيه، وقال إنه دلوقت في انتظاري.
كنت فاهم إنه مش هيقدر يدخل معايا، لأن أكيد المكان جوّه مش آمن، ولازم يكون واخد إجراءات وقاية، خرجت من الأوضة ومشيت في الممر، الباب اتقفل ورايا، مشيت لحد ما وصلت لنهاية الممر، وبمجرد ما وصلت لقيت الباب بيتفتح، ولقيت في انتظاري واحد عرّفني بنفسه وقال إنه “باهي”، دخلت معاه ورغم إني متعوّد على المختبرات، لكن المختبر ده كان متطوّر جدًا، الأجهزة اللي فيه حديثة، مش عارف إزّاي قدروا يوصلوا لها، ويدخلوها هنا.
بعد ما “باهي” عرفني بنفسه، لقيته بيعرّفني بواحد كان موجود معاه اسمه “تيّم”، بعد ما اتعرَّفت عليهم لقيت “باهي” بيتكلّم معايا في البحث اللي أنا كُنت شغّال عليه، وسلّمته قبل ما آجي هنا!
استغربت من كلامه وقُلت:
-إيه علاقة البحث بتاعي بوجودي هنا؟! دا بحث عادي زي أي بحث.
ولقيته بيقول:
-طول ما هو موجود في المختبر اللي كنت فيه هيفضل بحث عادي، لكن هنا الموضوع هيبقى مختلف.. ممكن بحثك ده يجيب مليارات الدولارات.
الموضوع بدأ يقلب معايا بخوف فعلًا، لكن فكّرت لحظة كده وقُلت:
-أنا شغّال على بحث عادي، بيتكلّم عن فيروس “الهربِس السادس”، اللي بينتج عنه بروتين بيأثّر على أجزاء في الدّماغ بتتحكّم في العواطف، وبتسبب الاكتئاب.
لقيت “باهي” بيقول لي:
-مش ده بَس المقصد من البحث بتاعك.
-ما هو البحث وصلت من خلاله إني أستخلص من البروتين الخاص بالفيروس علاج نهائي للاكتئاب، نسبة كبيرة من الناس عايشة مكتئبة، وده اللي خلّاني أهتم بالبحث، وأشتغل عليه وقدرت أوصل للعلاج، مفيش بس غير إن شركة أدوية تتبنّى المشروع وتنفّذه.
-المادة اللي أنت وصلت لها من البروتين الخاص بالفيروس لو تم تهجينها بمادة إحنا قدرنا نوصل لها هنا في المختبر؛ هتبقى مستقبلًا مادة لسلاح بيولوجي، هتجيب مليارات الدولارات.
جسمي اتخدَّر، كده عرفت ليه العائد من شغلي هنا هيكون كبير، حسّيت إني في ورطة كبيرة مش عارف هخرج منها ولا لأ، لدرجة إني قُلت له:
-أنا عمري ما هشارك في حاجة زي دي.
ضحك ضحكة باهتة وقال:
-طالما دخلت المكان ده فيه حاجات كتير قرارها مابقاش في إيدك.
سابني وراح يكمّل حاجة كان بيعملها، لكن أنا كنت مستغرب الصمت اللي كان “تيّم” فيه، حتى إنه محاولش يتكلّم معايا على سبيل التعارف، لكن لما خرجنا من المختبر لقيتهم مجهّزين مكان نسكن فيه، عبارة عن كام أوضة فيهم سراير ومطبخ وحمامات، لاحظت إن “باهي” له مكان لوحده غير المكان اللي رُحت فيه مع”تيّم”، في الوقت ده حسّيت إنها فرصة كويسة بالنسبة لـ “تيّم” إنه ياخد راحته ويتكلّم معايا، وفعلًا لقيته بيقول:
-حاول على قد ما تقدر ماتدّيهومش اللي هما عايزينه.
استغربت كلامه وقلت:
-ليه بتطلب مني الطلب ده؟ المفروض إنك معاهم!
-أنا حالي حالك بالظبط، كنت شغال على بحث؛ عشان أوصل لعلاج عن فيروس تنفسّي، وبعد كده حصل معايا نفس اللي حصل معاك، البحث بتاعي اتّاخد، والفيروس اتهجّن، واتحوّل لفيروس مدمّر، والعالم قريّب هيواجه حرب فيروسية خطيرة، ملايين هيموتوا بمجرد ما الفيروس اللي تم تخليقه ده هينتشر.
كلام “تيّم” رعبني أكتر فقُلت:
-وليه عطيتهم البحث بتاعك؟!
-أنا رفضت في الأول، لكن لقيتهم بيهددوني بأهلي، قتلوا أبويا وأخويا، ومكنش فاضل غير أمي وأختي، وساعتها ضعفت، مكنتش عايز أخسر أكتر من كده، عطيتهم كل المعلومات اللي عاوزينها، لكن أنا مش عاوزك تضعف زيي.
-بس هما إزّاي عرفوا بالأبحاث اللي إحنا شغّالين عليها رغم إنها سريّة.
-دول بيعرفوا أي حاجة، بيغروك في الأول بالملايين، وتلاقي نفسك دخلت المصيدة برجليك، أي نعم بيبقى ليك حساب في البنك بيتحول لَك عليه ملايين كل شهر، لكن هتعمل إيه بالملايين وأنت محبوس هنا!
في الوقت ده كنت قلقان على أمي، افتكرت إن اللي كلمني قبل ما آجي هنا كان بيقول لي: والدتك، يعني عارف عني كل حاجة، وناس زي دي بعد اللي سمعته من “تيّم” أكيد مش هيترددوا إنهم يعملوا أي حاجة يضغطوا بيها عليا ويوصلوا للمعلومات اللي عندي، ولقيتني بسأله سؤال جه على بالي فجأة:
-طيب و “باهي” نظامه إيه؟
وبدون تفكير قال:
-ده دراعهم اليمين، كل حاجة هنا بتتنفّذ بأمر منّه.
-ماحاولتش تهرب؟!
-أهرب فين؟! المختبر اللي إحنا فيه ده في الصحرا تحت الأرض، المكان كله كاميرات، الأمن معاهم طبنجات وصواعق كهربائية، حتى الباب الوحيد للمختبر فيه إمكانية إنه يتحوّل لصاعق كهربائي لو حد حاول يهرب، الكنترول بتاعه موجود في الفيلا بتاعة الباشا، بيفتح وبيقفل عن بُعد، واللي بيعطي الأوامر بقفل وفتح الباب هو “باهي”، وده لما يكون التموين اللي عايشين منه جاي، أو حد بيشرّف هنا زي حالاتك ده.
-وأنا كده إزّاي هتواصل مع أمي بالوضع اللي إحنا فيه ده؟ دول قالوا لي هتكلمها يوميًا!
لقيته بيقول لي حاجة مكنتش مستغربها بعد اللي سمعته وشوفته بعيني، لكن فهمت منها قد إيه الناس دي بتكون دارسة كل خطوة بتعملها، وفهمت ده لمّا قال:
-تليفونك معاهم، رقمك هيرن عندها عادي، وهي لمّا تفتح المكالمة أنت اللي هترد عليها.
-وده هيحصل إزّاي وأنا قاعد معاك هنا؟!
-بصمة صوتك اتسجّلت وأنت بتتكلّم مع الباشا، وعن طريقها هيتكلموا مع والدتك، أي سؤال أو كلام بيتكتب الرد عليه بسرعة على برنامج، والبرنامج ده هينطق الكلام بصوتك.
-وأنت عرفت كل ده منين؟!
-أنا هنا من فترة طويلة، ومن ساعة ما دخلت هنا مخرجتش، حتى أفراد الأمن مبيخرجوش، العيشة هنا بالنسبالهم أفضل من خروجهم؛ لأن مش مسموح لحد يدخل هنا ويخرج؛ عشان وارد إنه يكشف سر المكان، بيبقى عارف إن وجوده هنا يعني يفضل عايش، لكن برّه حياته بتكون مهدّدة إنها تنتهي في أي لحظة!
-أنا مش عارف إزّاي وافقت إني آجي هنا!
-وأنت فاكر إنك لو رفضت كنت هتعيش في أمان؟ دول عندهم مليون طريقة يوصلوا للي عاوزينه مهما كان التمن، هنا فيه فيروسات بيتم تخليقها، وبتتباع عشان تبقى أسلحة بيلوجية، كان فيه هنا ناس كتير زيي وزيك، لكنهم ماتوا في محاولات هروب، آخرهم كان واحد حاول يهرب بعد ما جيت هنا بأسبوع، وكان تمن محاولته رصاصة في راسه.
-أنا لازم أخرج من هنا!
-حاولت ومعرفتش، المكان هنا عبارة عن سلخانة!
الكلمة فزعتني فسألته:
-تقصد إيه بسلخانة؟!
قرّب مني وقال بصوت واطي:
-المنطقة هنا فيها مكان عبارة عن حَبس، أقفاص حديد، فيه ناس بيتم اختطافهم عشان يجربوا عليهم الفيروسات اللي بيتوصلوا ليها، ويشوفوا تأثيرها عليهم، وبيتابعوا تصرفاتهم والتغيّرات اللي بتحصل لهم، الناس دي حرفيًّا بتفقد آدميّتها بمجرد ما تتحقن بالفيروسات دي، بيكونوا عاملين زي الزومبي، مفيش مشاعر ولا تفكير، ممكن في لحظة لو خرجوا يفتكوا بأي شخص قدامهم، قبل ما يتم التعامل مع حالة من دي بتتخدّر الأول، وأي حالة منهم بتخرج عن السيطرة الأمن بيصفّيها بدون تردد!
كنت زي اللي بيسمع أحداث فيلم “تيّم” شافه وبيحكي لي عنه، آخر حاجة ممكن أتصوّرها إني أبقى موجود في مكان زي ده، مكنتش أتخيل إن حاجة زي دي ممكن تكون موجودة أصلًا في الواقع، وفجأة لقيت “تيّم” بيقطع كلامه معايا، وبيروح على سريره، وساعتها اتفاجئت إن فيه واحد من بتوع الأمن واقف قريّب من باب الأوضة اللي إحنا فيها.
مكنش قدامي أي وسيلة أهرب بيها من الصدمة اللي كنت فيها غير إني أنام، وفعلًا نمت ومصحتش غير على إيد بتهزّني، كان “تيّم”، ولقيته بيقول لي:
-قوم يا “أمير”، لازم ندخل المختبر دلوقت.
قُمت وجهّزت نفسي، خرجنا من الأوضة ومشينا في الممر اللي بيوصّل للأوضة اللي فيها البِدَل الواقية، لكن في الطريق شُفت منظر غريب خلّى شعر راسي يطقطق، وحسّيت إنه شاب فجأة، كان “علي” و “سعيد” بتوع الأمن مكتّفين واحد إيده ورا ضهره وماشي قدّامهم، مشيته كانت غريبة زي ما يكون قرد بيتنطط، وكان كل ما يحاول يقف واحد منهم يصعقه بالصاعق الكهربائي اللي في إيده، كان بيصرخ صرخة مخيفة، وبيكمل مشي بعدها، ولما التفت ناحيتنا لقيت منظره مرعب، عينيه لونها أحمر وكان فيه سائل أبيض بينزل من بوقّه، وكان له صوت زي ما يكون كائن مفترس عاوز يفترس حد قدّامه، وقفت في مكاني من الخوف، لكن لقيت “تيّم” بيزقّني في كتفي وبيقول:
-امشي يا “أمير” مالكش دعوة بحاجة.
استجبت لطلبه ومشيت، لكن سألته بصوت واطي:
-إيه اللي احنا شُفناه ده؟!
-دي حالة محقونة بفيروس، نوع متطوّر من الزومبي.
في اللحظة دي أدركت إن وصف “تيّم” للمكان بالسلخانة كان في محلّه…
وصلنا الأوضة وكل واحد لبس بدلته، وبعدها اتفاجئت بـ “أحمد” بيدخل علينا الأوضة، وبيطلب منّي أغير الكمامة بتاعتي، وبيعطيني كمامة كانت في إيده وطلب منّي ألبسها، الموضوع بالنسبالي مكنش غريب أوي فمركّزتش معاه، وبعدها خرجنا من الأوضة وروحنا المختبر، بمجرد ما دخلنا لقيت “باهي” بيطلب مني أقعد قدام لاب توب، وأكتب كل المعلومات والمعادلات اللي بتخص البحث بتاعي، وفعلًا مقاومتش ولقيت نفسي بنفّذ بطريقة لا إرادية!
يوم كامل من غير ما أحس بجوع ولا إرهاق، مكنتش بعمل حاجة غير إني بكتب معلومات البحث بتاعي، لدرجة إني كتبت طريقة الوصول للمادة اللي في البروتين الخاص بفيروس “الهربِس السادس”!
عملت كل ده بدون ما أحس، وفي نهاية اليوم لمّا خلّصنا، ورجعنا أوضتنا لقيتني زي اللي بيفوق من غيبوبة، وساعتها سألت “تيّم” وقُلت:
-أنا إزّاي عطيتهم كل المعلومات بدون ما أحِس؟!
ولقيته بيقول لي حاجة مكنتش متوقّعها:
-الكمامة اللي أخدتها من “أحمد” فيها غاز بيشتغل على الأعصاب بدون ريحة، بيفقدك القدرة على المـ..ـقاومـ..ـة، بيخليك عامل زي الروبوت اللي بينفّذ الأوامر بدون ما تقدر ترفض حاجة!
في الليلة دي لقيت “باهي” بيعدّي علينا في الأوضة اللي إحنا فيها، أوّل ما “تيّم” شافه وقف كلامه وعمل نفسه ميعرفنيش، لكن لقيت “باهي” بيقول لي:
-بكره الصُّبح هيتفتح حساب في البنك باسمك، وهيتحوّل عليه مبلغ محترم.
بعدها سابنا وخرج من الأوضة، وساعتها “تيّم” رجع يتكلّم معايا ويقول:
-المكان ده بيخدم مشروع المليار الذهبي، دول بيفكّروا يوصلوا بتعداد السكان على الكوكب في يوم من الأيام لمليار بني آدم بس، من وجهة نظرهم هما اللي هيكونوا يستحقوا يعيشوا، في المستقبل هيبقى فيه حروب فيروسات وجراثيم هتتسبب في إبادة الملايين، اللي هما من وجهة نظرهم عالة على الكوكب؛ عشان كده بيشتغلوا على الفيروسات دي، ويجهّزوها من دلوقت!
كل وقت بيعدّي عليا هنا كنت بسمع حاجة جديدة تصدمني، وزي ما يكون دوري انتهى بعد ما كتبت كل المعلومات، تقريبًا كنت بحضر في المختبر ضيف شرف، و “باهي” هو اللي كان بيعمل كل حاجة، ولمّا رجليا بدأت تاخد على المكان، بدأت أدخل ممرّات مكنتش بروح عندها قبل كده، لكن الممرات دي كنت بسمع فيها أصوات مرعبة، صرخات بنبرة صوت عمري ما سمعتها، أصوات شبيهة بضحك القرود، ولمّا حاولت أقرّب أكتر من الباب اللي خارج منّه الأصوات؛ اتفاجئت بـ “سعيد” فرد الأمن واقِف هناك، ولقيته بيبُصّلي وبيقول:
-إيه اللي جايبك هنا يا “أمير”؟!
قُلت له وأنا عينيا على الباب:
-مفيش؛ كُنت بمشّي رجلي شويّة.
-مُش من مصلحتك إنك تيجي هنا، خليك بعيد عن المكان ده.
كُنت حاسس إنه ممكن ياخد ويدّي معايا في الكلام، عشان كده قُلت له:
-هو إيه اللي ورا الباب ده؟!
-دول الحالات اللي بيجرّبوا عليها الفيروسات، بَس أنا ماقولتش حاجة.
_إيه اللي خلّاك تتورّط في المكان ده؟!
-كُنت بدوّر على شغل، ولقيت شركة عاوزة أفراد أمن، ولما قبلت فيها جيت هنا، ولما حاولت أمشي هدّدوني بأهلي؛ عشان كده أنا مضطر أعمل أي حاجة عشان أحمي أهلي، نفس اللي قُلتلهولك ده بينطبق على “أحمد” و”علي”، دا غير إن الباب بيتحكموا فيه من جوة الفيلا، حتى لما بيتفتح من وقت للتاني محدش بيقدر يهرب، فيه بندقية ليزر في الباب، بتطلع أتوماتيك بضغطة زرار واحدة من “باهي”، وبتستهدف أي هدف متحرك في المنطقة، كتير ماتوا بالطريقة دي وهما بيهربوا لحظة ما الباب بيتفتح، اللي بيدخل هنا مبيخرجش، واللي بيخالف التعليمات بتكون أول وآخر مخالفة في حياته، دا غير إن أحيانًا فيه غاز بينتشر في المكان هنا يخليك تنفّذ اللي بتسمعه بدون ما تقاوم.
هزّيت راسي وأنا بفتكر الكِمامة وقُلت:
-أنا جرّبت ده.
لقيته بيتحرك من قدام الباب وبياخدني من إيدي وبيقول لي:
-نصيحة مش هتسمعها من حد غيري، مش عشان عددنا هنا قليل يبقى الموضوع بسيط، المكان هنا متبرمج إنه ممكن يقتل ذاتيًا، يعني غاز سام ينتشر يخلّص على اللي موجودين، بنادق ليزر بتستهدف تلقائي، إحنا هنا تحت رحمة ناس إحنا مش عارفين هي مين.
فجأة سمعنا دوشة وخبط جايين من الباب اللي كنا واقفين قدامه، ولقيت “سعيد” بيطلع جهاز لاسلكي من جنبه، وبيطلب دعم “أحمد” و “علي”، مفيش ثواني ولقيتهم جايين بيجروا، وكل واحد ماسك طبنجته في إيد، والصاعق الكهربائي في الإيد التانية، بعدها دخلوا من الباب وقفلوا وراهم ومعاهم “سعيد”.
الباب كان فيه شبّاك إزاز صغيّر، كُنت واقف قدّامه وقدرت أشوف كل حاجة من جوّه، خمس حالات كل واحدة منها أسوأ من التانية، وشكل كل حالة فيهم كان مخيف أكتر من التانية، كل حالة منهم كانت في قفص، فضلوا يكهربوهم لحد ما دخلوا في إغماء، وبعدها لقيتهم خارجين.
بمجرد ما قرّبوا من الباب أخدت بعضي ورجعت على أوضتي، قرّرت إني مش هقرّب من المكان ده تاني، والأيام فاتت، لاحظت إن “تيّم” مكنش بيتكلّم معايا كتير، يادوب بنروح المختبر نعمل اللي بينطلب منّنا، ونرجع آخر اليوم ننام، كان “باهي” بيعرّفنا الحاجة اللي عاوز يعرّفهالنا بس، غير كده مكانش بيقول حاجة، كُنت ملاحظ من شغله في المختبر إنه بيشتغل على تخليق الفيروس اللي هيكون الأساس بتاعه المادة اللي أنا وصلت ليها في البحث بتاعي، لحد ما في يوم سمعته، كان بيتكلّم في التليفون وبيقول:
-كل حاجة جاهزة، ناقص بس نجرّب نتيجة اللي وصلنا له على حالة جديدة.
وبعد شوية صمت لقيته بيكمّل كلامه وبيقول:
-مش هينفع حالة من اللي موجودين، لازم حالة جديدة متعرضتش لأي فيروسات قبل كده، محتاجين نعرف تأثير الفيروس بدون ما يكون فيه أي تدخّل من مؤثر تاني.
والصدمة الأكبر، لمّا لقيته بيقول:
-مفيش قدّامي غير “تيّم”!
قد إيه الناس دي بتتفنّن في الإجرام، يعني بعد ما وصلوا للي هما عايزينه منّه بيعملوه حالة يجرّبوا عليه الإجرام بتاعهم؟! يعني أنا في يوم من الأيام ممكن أكون حالة، ومصيري يكون زي الحالات اللي في الأقفاص؟!
يادوب كنت بفكّر لسّه، ولقيت “باهي” بيقرّب من “تيّم” اللي كان مشغول بكتابة نتيجة تجربة بيعملها في المختبر، وبيمد إيده ناحيته ببخّاخ، وبيرُش منّه جنب الكمامة اللي هو لابسها، ويادوب ثانيتين ولقيت “تيّم” مرمي في الأرض، وبعدها لقيته بيسحبه من رجله لحد باب المختبر، وبيفتحه وبيخرج بيه في الممر، وبيسحبه مرة تانية لحد باب أوضة مقفولة، لكنه فتحها ببصمة صباعه ودخل، وسحب “تيّم” وراه جوَّاها!
خرجت وراهم وقرّبت من الباب، بصّيت من الإزاز بتاعه، لقيت “تيّم” على كرسي ومربوط من إيديه ورجليه، ساعتها كان “باهي” بيطلّع حقنة من علبة كانت في إيده، وبيحقنه بيها في رقبته.
مش عارف أوصف الرعشة اللي طلعت من “تيّم” بمجرد ما الفيروس مشي في جسمه، حتى “باهي” نفسه اتفزع منها!
جريت وقلعت البدلة ورجعت أوضتي، وبعدها بدقايق لقيت “باهي” جاي ورايا، وبيقول:
-مش من مصلحتك إنك تبُص من إزاز البيبان تاني، ده آخر تحذير لك، متنساش إن المكان كله كاميرات وحركاتك كلها مرصودة!
في اللحظة دي لمحت أفراد الأمن، وهما شايلين “تيّم” ورايحين ناحية الأوضة اللي فيها الحالات، الرعب ساعتها كان مش مخلّيني أنطق، وبصّة “باهي” نفسها ليا زي ما يكون بيقول لي: إن ممكن مصيري يبقى زيّه، دا قبل ما يسيبني ويمشي.
طفيت نور الأوضة ونمت وأنا حاسس بشلل في جسمي، حتى تفكيري كان مشلول، في الليلة دي صحيت على صوت زي صوت الزئير، ولقيت أفراد الأمن بيجروا ناحية أوضة الحالات ومعاهم “باهي”، مكنتش عارف أخرج وراهم ولا أفضل في مكاني، لكن بعد شوية سمعت صوت أصعب وضرب نار، حتى الحالات اللي في الأقفاص بدأت تصرخ زي ما يكونوا خايفين من حاجة!
بعد كده حسّيت بهدوء غريب، زي ما يكون مفيش حد غيري موجود في المكان، الوقت عدّى ومسمعتش صوت ولا حركة لحد ما قرَّرت أخرج، خرجت من الأوضة ولقيت رجليا وخداني ناحية أوضة الحالات، واللي لما وصلت لها لقيت الأقفاص اللي فيها مكسورة، ومفيش فيها أي حد!
مكنتش عارف هما اختفوا فين، بصيت تحت رجليا على حاجة لونها أسود بتلمع، لقيتها طبنجة واحد من أفراد الأمن، كانت واقعة منّه، قُلت آخدها احتياطي عشان لو حصل أي حاجة، خرجت من الأوضة وأنا مقرَّر أدوّر عليهم والطبنجة في إيدي، بقيت ماشي في الممرات ومش لاقي لهم أثر، لحد ما سمعت أنفاس مكتومة خارجة من باب كنت واقف جنبه، ولمّا فتحته لقيت أبشع منظر ممكن أشوفه في حياتي.
كان “تيّم”، لكن شكله كان متوحّش بطريقة فظيعة، زي ما يكون الفيروس اللي اتحقن بيه خلّاه اتحوّل لمستذئب، بقى له أنياب ومخالب وشعر طويل في كل جسمه، وودانه بقت زي ودان الديابة بالظبط، أنا حتى معرفتوش غير من هدومه!
لقيته بيقرّب منّي، الخوف خلّاني أرفع الطبنجة وأضربه بالرّصاص، لكن اتفاجئت إن الرصاص مُش بيأثّر فيه!
قفلت باب الأوضة وهربت، اتفاجئت إنه مجاش ورايا ولا حاول يهاجمني، ماكنتش عارف أتدارى فين، لكن مع الوقت سمعت صرخات من تاني، بدأت أمشي ناحية الصوت، لحد ما وصلت لأوضة بتنزل لها بسلّم تحت، زي ما تكون مخبأ، وقفت قدّام الباب وكنت متداري ورا دولاب حديد كان موجود في الممر اللي كنت فيه، لحد ما لقيت “تيّم” أو الكيان المرعب اللي شبه المستذئب خارج من الباب، وساحِب “علي” فرد الأمن من رجليه!
كان بيصرخ من الخوف، لكنه مكنش عارف يفلت من إيده، لحد ما خرج بيه من الممر، لاحظت إنه انضرب عليه نار من بندقية موجودة في حيطة، لكن برضه الرصاص مأثرش فيه، ولقيت نفسي ماشي وراهم بس من غير ما ينتبه لوجودي، واللي استغربت له إنه واخده ورايح بيه ناحية المطبخ! وبمجرد ما وصل هناك ضربه بمخالبه في رقبته خلعها من جسمه، وبعدها ضرب إيده في صدره وطلّع قلبه في إيده، منظر الدّم كان فظيع، توقّعت إنه هياكل قلبه، لكن اتفاجئت إنه بيشغّل نار البوتاجاز، وبيطبخ القلب على النار وبيشويه!
من خبرتي؛ أعرف إن الفيروسات اللي زي دي بتسبب اضطراب في التصرفات، يعني بتحوّل الشخص لكائن مفترس زي الزومبي مش داري بتصرّفاته، لكن لحد دلوقت معرفش “باهي” وصل لإيه في التجربة اللي كان بيعملها على البحث بتاعي تخلّي “تيّم” يوصل بتصرّفه إنه يطبخ قلب “علي” قبل ما ياكله، رغم إنه المفروض اتحوّل لكائن مفترس بيحب الدّم!
المنظر كان مرعب، هربت من قدام المطبخ وأنا مش عارف أروح فين، فضلت أدوّر على مكان أستخبى فيه، لحد ما لقيت أوضة توقعت إن محدش ممكن ييجي عندها، دخلت ومعرفش فات وقت قد إيه وأنا مستخبي، لحد ما سمعت صوت حد قدام الباب، لمّا دقّقت فيه لقيته صوت “باهي”، كان بيتكلّم في التليفون وبيقول:
-إحنا فاقدين السيطرة عليه، الرصاص مبيأثرش فيه، حتى البنادق المخدرة مش عاملة معاه حاجة، أنا أوّل مرة أشوف كده!
وبعد فترة صمت لقيته بيقول:
-الكاميرات مش شغالة، زمانه عطّل السيرفر بتاعها.
في الوقت ده سمعت صوت حد بيصرخ، كانت صرخة غريبة مش صرخة بني آدم، ومعرفش إيه خلّاني أخرج من الأوضة، لمحت “باهي” وهو بيجري وبيهرب لمّا سمع الصوت، ولقيتني بقرّب من المكان اللي جاي منه الصرخات، وزي ما يكون مكتوب عليا إني كل مرة هقرّب فيها هشوف منظر أبشع من اللي قبله، كان “تيّم” ماسِك حالة من الحالات، وكان بيقطّع منها بمخالبه لحد ما ماتت، وبعدها بياخد من جثّتها وبيدخل المطبخ، وبيولّع النار وبيطبخ الجزء اللي أخده من الجثة وبياكله!
كُنت هجيب اللي في بطني من المنظر، وماقدرتش أفسّر سبب السلوك العدواني والغريب ده، يعني كائن مفترس يطبخ جثة فريسته الأول! ده أغرب سلوك ممكن أشوفه في حياتي!
الأيام كانت بتعدّي ومحدش بيسأل فينا، كان “تيّم” بيصطاد من الحالات، وبيقتلها الأوّل وبياخد من جثثها وبيطبخ وبياكل، الغريبة إنه كذا مرة لمحني وأنا براقبه وتجاهلني ومحاولش يهاجمني! وده تفسيره إن الفيروس خلّى عنده دافع انتقامي من كل اللي كان سبب في إنه يوصل للحالة دي، ويتحوّل للمسخ المرعب ده، لكن برضه الإحتياط واجب، هو دلوقت مالوش عواطف ولا مشاعر عشان أراهن على مجرد استنتاج وصلت له!
لحد ما في يوم خرجت من الأوضة اللي كُنت مستخبي فيها، ولقيت “باهي” ماشي وهو بيلتفت حواليه في الممر، وكان وراه “أحمد”، ولما لمحوني لقيت “باهي” بيقول لي:
-يلا بينا، هنهرب أول ما الباشا يوصل!
وساعتها قُلت له:
-هنهرب إزّاي، والكائن ده موجود في المكان؟!
رد عليا بصوت واطي وقال:
-أنظمة التحكّم عن بعد كلها متعطلة: الكاميرات؛ وسويتش الباب؛ والتحكم بتاع البنادق؛ والغاز.. والباشا جاي بنفسه وسويتش الباب معاه، هيخرّجنا من هنا لحد ما نعرف نسيطر على الكائن ده، وهنرجع تاني عشان نكمّل مشروعنا.
آخر حاجة كانت شغّالة هوَّ جهاز اللاسلكي اللي كان مع “باهي”، كان بيكلّم الباشا عن طريقه، واللي كان بيطلب منّه إنه ياخد “أحمد”، وياخدني ويروح بينا ناحية الباب بدون ما الكائن ده يحس بينا، ولمّا خلَّص مكالمته قال لي:
-انت أهم واحد فينا دلوقت يا “أمير” عند الباشا.. حياتك مهمة.
ولقيتني بقول له:
-ليه بقيت مهم فجأة كده؟!
-ماهو أنت اللي هتقدر تشتغل على البحث من جديد، وتعدّل الأخطاء اللي حصلت.. مفيش غيرك هيقدر يعمل الكلام ده.
ساعتها كنا وصلنا عند الباب، وفجأة الإشارة راحت من اللاسلكي، أخدت الجهاز من إيد “باهي” وحاولت أتكلّم مع أي حد، لكن الجهاز بقى عبارة عن حتة حديدة مفيهاش أي صوت، ولقيت “أحمد” بيقول إنه آخر مرة لمح فيها “تيّم” كان رايح ناحية الأوضة اللي فيها جهاز الإرسال بتاع اللاسلكي!
وفجأة النور انطفى، فضلنا منتظرين جنب الباب ومفيش ولا واحد فينا بيهمس، لحد ماسمعنا خطوات جاية ناحيتنا، كنا عارفين إنها خطوات “تيّم”، المخالب اللي في رجليه كانت بتخربش في البلاط، كُل واحد فينا كان متوقع إنه يتسحب في أي لحظة، لكن اللي حصل إن باب المختبر اتفتح، وظهر واحد كبير في السن لابس بدلة ونضارة لونها أسود، ووراه الاتنين اللي كانوا أخدوني من قدام شغلي وجابوني لحد هنا، ولقيتهم بينزلوا السّلم لكن موصلوش لتحت، وبيطلبوا منّنا إننا نطلع.
طلعت أول واحد، وبمجرّد ما وصلت للراجل الكبير اللي أكيد هو الباشا؛ لقيت نفسي بدون ما أحس بسحب الطبنجة اللي كنت حاططها في ضهري، وبحطها على راسه وبخنقه من رقبته، وبطلب منهم كلهم ينزلوا تحت، وإلا هخلي الرصاص يفجّر نافوخه.
لقيتهم بيستجيبوا لطلبي بدون تردد وبينزلوا، وأنا كنت بطلع السلم بضهري والباشا الكبير في إيدي والطبنجة على راسه، ولحسن حظي إني لمحت السويتش في إيده، وبمجرد ما وصلت لآخر درجة في السلم خطفت السويتش من إيده وزقّيته تحت، وقفلت الباب وأخدت السويتش معايا.
وقفت عشان أشوف إيه اللي هيحصل، ويادوب شويّة وقت، وبدأت أسمع صرخات وصوت أجسامهم وهي بتتمزّع، بصراحة مكنتش مكتفي بالصوت بس، أنا كان نفسي أشوف ده بعينيا، بس للأسف مكانش ينفع.
فضلت واقف لحد ما الصوت راح، عرفت إنهم كلهم انتهوا، ودي كانت المرة الأولى اللي حسّيت فيها إني مرتاح، وإني هخرج من هنا بدون ما أحس بأي خطر!
لحسن حظي إنهم كانوا جايين في نفس العربية اللي أخدتني من شغلي وجابتني هنا، وكانوا سايبينها شغّالة، كان عندهم أمل إنهم هياخدونا ويمشوا، ركبت العربية وبدأت أتحرّك، الليل دخل عليا وأنا تايه مش عارف أخرج، لحد ما لقيت واحد من البدو راكب عربية دفع رباعي، قرّبت منه وقُلت له إني دخلت الصحرا وتايه ومش عارف أخرج، ساعتها خلّاني أمشي وراه لحد ما وصلت للطريق، ومن هناك بدأت رحلتي عشان أرجع بيتي.
لمّا وصلت البيت كان منظري زي اللي راجع من الحرب، أمي اتخضّت عليا وقالت لي:
-مالك يا “أمير”؟ إيه اللي عامل فيك كده؟!
كتمت دموعي وقُلت لها:
-حصل حريق بسيط كده في المختبر، والحمد لله عدّت على خير.
-بس أنت اتأخّرت أوي.. قُلت لي كام يوم وبقالك شهر ونص! حتى لمّا كنت بكلّمك في التليفون، وبسألك في حاجة كنت بتاخد وقت على ما ترد عليا.. أنت فيك حاجة؟!
-لا يا أمي مفيش.. أنا بس محتاج أرتاح.
دخلت أخدت شاور وغيّرت هدومي اللي كانت عليا، وبعدها دخلت أوضتي اترميت على السرير، كل اللي حصل كان بيدور قدام عيني، مكنتش عارف إيه اللي ممكن أعمله بعد كده في الفترة الجاية، لكن القرار الأكيد اللي أخدته بعد ما خرجت من المختبر وقفلت الباب عليهم، هو إني هبلَّغ باللي حصل، عشان أكيد الباشا الكبير وراه باشا أكبر، يعني التبليغ هيكون حماية ليَّا ولأمي، وكمان هيكون إجراء يوقف الناس دي عند حدَّها، ده غير القرار الأهم، وهو إني أشتغل أكتر الفترة الجاية على أبحاث تخلينا نقدر في يوم من الأيام نُقَف قدامهم ونواجه مشروعهم الحقير ده.
***
تمت…
