
أول مرة شُفته فيها كُنت صُغيَّر، أفتكر يمكِن كان عندي ١٠ سنين، وقتها ماما وبابا قرَّروا إن أنا لازِم أبدأ أنام في أوضتي لوحدي، بعد ما كُنت بنام معاهم في الأوضة، في السن دا.. قرارهم بالنسبة لي كان مُرعِب.
يومها ماما فضلت جنبي لحَد ما رُحت في النوم، بس قلقت بعد شوية، يمكِن عشان أكون كُنت عايز أشرَب ويمكِن قلقت عشان حسيت بيه، مش مُهِم صحيت من النوم ليه.. المُهِم إني لمَّا صحيت.. كان في الأوضة!
الأول فكَّرته ضل عادي بسبب إن الأوضة ضلمة والنور اللي داخلها هو نور القمر أو نور الشارِع الخفيف، بس الظلال مش بتتحرَّك في الضلمة بالشكل دا، وقتها بدأت أركِّز معاه.. كان خيال أسود خفيف مش ضل، بيتحرَّك عشان يتدارى في الضلمة، بس لمَّا عرف إني شُفته.. خرج من مكانه، قعد جنبي على السرير، وعلى الرغم من إنه ضل أسود خفيف شبه شفَّاف، إلا إن مكان ما قعد على السرير نزل لتحت شوية، أنا نفسي حسيت بتُقل جسمه على السرير، كُنت خايف.. لأ.. كُنت مرعوب، بس هو ابتسم، ومتسألنيش عرفت إزاي إنه ابتسم رغم إن مالوش ملامِح.. أنا فاكِر إنه ابتسم.
دي آخر حاجة فاكرها قبل ما أصرَّخ بجنون وأنا برمي الغطا في الهوا وبخرج من الأوضة جري زي المجنون، رُحت أوضة بابا وماما وقعدت أعيَّط وأصرَّخ وأنا بحاول أقولهم إن فيه عو عندي في الأوضة، طبعًا خدوا وقت لحَد ما فهموا بسبب حالة الهيستيريا اللي أنا دخلت فيها دي، في النهاية.. قالولي إن مفيش حاجة اسمها عو، وإني بس خايف عشان أول مرة أنام لوحدي، وإني لازِم أتعوِّد على كدا، بعد عياط كتير وزن أكتر.. وافقوا أنام جنبهم النهاردة بس.
تاني يوم.. صحيت من النوم فجأة، المرة دي مكانش بيحاول يتدارى.. المرة دي كان واقِف أدام السرير، بيراقبني وأنا نايم، ولتاني مرة أحِس إنه مُبتسِم، قبل ما أصرَّخ رفع إيده وشاوِر بيها على شفايفه عشان أسكُت، وفعلًا بلعت ريقي بصعوبة، وبلعت معاه أي صريخ أو دوشة كُنت ناوي أعملها، قالي: ” حاول تهدا وتفهمني.. لأن كدا كدا محدِّش هيصدَّقك “
صوته كان مُرعِب، صوته تقبل وبينطَق الحروف ببطء أوي، مد إيده ناحيتي بس لأ.. مكُنتش ناوي ألمسه، هزِّيت راسي من غير ما أنطَق بكلمة، بصلي بغضب وابتسامته اختفت وهو بيقول: ” طيب.. لازِم تعرَف إني مبيتقالِّيش لأ، وكُل لأ هتقولها بعقاب! “
ساعتها مقدرتش أتحمِّل، الدنيا لفَّت بيَّا وأنا بحِس بمية دافية بتغرَّق نُصي اللي تحت، تبوَّلت على نفسي من كُتر الخوف، وكُل حاجة بقى لونها اسود!
صحيت على صوت صريخ، قُمت من مكاني مخضوض، جسمي كُله بيتنفض، ماما كانِت بتصرَّخ، قُمت من النوم جري ناحية أوضة بابا وماما، ساعتها شُفته!
كان نايم على السرير، مكانش بيتحرَّك، على وشه أبشع نظرة خوف مُمكِن تشوفها في حياتك، عروقه باينة كُلها باللون الأسود في وشه، إيده مُتصلِّبة على شكل رقم «١» فوق صدره، الدكتور قال إنه مات بسبب أزمة قلبية حادة، ومن شكله.. قالوا إنه غالبًا حلم بكابوس بشع أو شاف حاجة مكانش المفروض يشوفها، بعد الدفنة والعزا رجعنا البيت، ماما كانِت في حالة نفسية مش كويّسة.. دخلِت أوضتها وسابتني واقِف لوحدي في البيت، دخلت أوضتي وحاولت أنام شوية، بس شُفته.. في المراية اللي أدام سريري، كان واقِف جنب السرير، على الرغم إنه مكانش موجود في الأوضة.. إلا إنه كان موجود في المراية، رفع إيده ببطء، كف إيده كان مفتوح.. كأنه بيشاوِر برقم «٥»، ابتسم وهو بينزل صابِع منهم.. وفضل ٤ مرفوعين!
واختفى!
كأنه مكانش موجود أصلًا، يومها نمت من التعب، بهدومي زي ما أنا كدا، كُنا في نهاية الصيف.. فالجو حر ولازِم أفتح المروحة، بس الشتا قرَّب.. فلازِم أتغطى ببطانية خفيفة، بس إحنا لسَّه صيف.. فجسمي بيسخَن من البطانية، فكان الحل البسيط المُتعارَف عليه.. إني هشغَّل المروحة وأتغطى ببطانية خفيفة، وهخرَّج رجليَّا برا البطانية عشان تتهوى شوية، ونمت فعلًا بالشكل دا..
لحَد ما صحيت على لمسة باردة، إيد باردة زي التلج ماشية على رجلي، بصيت ناحية رجلي بعدم تركيز، وشُفتها.. إيد سودا خارجة من تحت السرير ببطء، وماسكة رجلي وبتشدني لتحت، صرَّخت وأنا بتعدل على السرير، ساعتها الإيد اختفت تحت السرير تاني.. وسمعت همس مُرعِب بيقول: ” قُلتلك.. أنا مبيتقاليش لأ “
وللمرة التانية.. تبوَّلت على نفسي من الخوف قبل ما أنام، بس المرة دي كانِت مُختلِفة، المرة دي لمَّا صحيت البيت كان ساكِت، صمت مش طبيعي مسيطر على كُل حاجة، بصيت في الساعة، العقرب الكبير كان عند ١١ والعقرب الصُغيَّر عند ١، كدا الساعة داخلة على ٢ تقريبًا! هي ماما لسَّه نايمة لحد دلوقتي!
بس لمَّا دخلت الأوضة عرفت إنها مش نايمة!
كانِت زي بابا، ميتة في السرير، وشها كُله مليان عروق سودا، جازَّة على سنانها لدرجة إن كام سنة منهم إتكسَّروا، عروق رقبتها كانِت باينة أوي، وبرضه.. كانِت سودا، والمرة دي.. كان إيدها مُتصلِّبة على رقم «٢»
حسيت بحركة من ورايا، بصيت بسُرعة وشُفته.. واقِف ورايا على باب الأوضة، المرة دي كان رافِع إيده، ٤ صوابِع مرفوعين وواحد نازِل، وقبل ما أعمل أي حاجة.. نزِّل صابِع كمان.. وفضل ٣ بس اللي مرفوعين.
قالولي إن ماما مقدرتش تتحمِّل إن شريك حياتها وحبيب عُمرها سابها، والحُزن كان أقوى منها وسيطر عليها لدرجة إنها حصَّلته!
بس أنا كُنت عارِف إن دا كلام فاضي!
هو السبب.. أو بمعنى أصح.. أنا السبب! أنا اللي بقوله لأ!
وفي كُل مرة هقوله لأ.. هيعاقبني ويموِّت حد من اللي بحبهم!
ساعتها.. عرفت الحل، إني مقولوش لأ! أسيبه يعمل اللي هو عايزه!
خدوني أعيش عند عمتي اللي جوزها ميت ومخلفتش، كانِت عايشة لوحدها، بصراحة.. عمتي سناء كانت أطيب مخلوقة في الكون، دا غير إنها كانِت بتعمل أحلى طبق ملوخية في المجرَّة، بس دا مش موضوعنا يعني.. عشت معاها سنين طويلة، كانِت أسعد سنين حياتي، وزائر الليل دا مقرَّبش مني طول السنين، لدرجة إني نسيته!
وقُلت هو كمان نساني.. أو دا اللي كُنت فاكره!
جالي بعد ١١ سنة.. وقتها كان عندي ٢١ سنة، نايم في أوضتي عادي وبلعب في تليفوني الشوية اللي قبل النوم دول، لمحت درفة الدولاب بتتفتح ببطء، ورغم عتمة الليل ورعشة روحي.. عرفت إنه جه! خرج من الدولاب ووقف أدامي، ومن غير كلام كتير مد إيده.. المرة دي كُنت عارِف قواعِد اللعبة، إتردِّدت ثواني.. افتكرت فيهم كُل حاجة عشتها مع عمتي.. والحقيقة يعني.. قراري كان سريع.
عمتي متستحقش دا أبدًا!
وساعتها مديت له إيدي أنا كمان، حسيت ببرودة جسمه وهو بيحتل جسمي، وهو بيسيب علامته على روحي، سكن جسمي وسيطَر على كُل حاجة، سمعت أفكاره، عشت أحلامه، وعرفت هو شايِف الدنيا إزاي!
يومها كُنت مُجرَّد لعبة.. عروسة لعبة بيحرَّكها بإيده زي ما يحب.. وأنا.. ماليش حق الإعتراض!
فاكرين قضية عجوز التجمُّع المشهورة؟ أنا السبب فيها، يومها هو راح التجمُّع وهو ساكِن جسمي، مش فاكِر إيه اللي حصل، لأني اللي فاكره من الليلة دي هو شوية لمحات ولقطات مهزوزة، بس اللي فاكره كويِّس.. إن الراجل العجوز دا ميستحقش الطريقة اللي مات بيها!
لمَّا رجعنا البيت.. خرج مني، ساب جسمي وخرج، ساعتها شهقت شهقة كبيرة زي ما أكون كُنت غرقان ورجعت عشان آخُد نفسي، رميت جسمي على السرير وأنا بنهَج بقوة، مش قادِر آخد نفسي، جسمي مكسَّر، عضمي كُله بيصرَّخ من الوجع، لمحته وهو راجع الدولاب تاني، ساعتها ناديت عليه وسألته: ” ليه؟ “
وبصوته المُرعِب، وكلامه الممطوط، وحروفه البطيئة قالي: ” ١٣.. اعتدى على ١٣ طفل ودمَّر طفولتهم “
مكُنتش قادِر أنطَق، بس كان لازِم أفهم، سألته: ” ليه دلوقتي؟ “
رد عليَّا وضلمة الدولاب بتبلعه: ” عشان كان هيموت بُكرة وهو نايم، موتة هادية وعادية، وهو ميستحقش يموت في سلام.. كان لازِم ياخُد عقابه “
نمت يومها زي ما عُمري ما نمت.. قتيل!
عمتي بتقولّي إنها حاولت تصحيني أكتر من مرة، بس أنا مكُنتش قادِر، صحيت في النهاية عشان آكل زي الحمار، إحم إحم.. دا كلام عمتي يعني!
يومها فهمت اللعبة كاملة.. هو قادر يقتل الأبرياء اللي مفيش فيهم شر زي ماما وبابا بسهولة، بس شياطين البشر.. سوادهم أقوى منه.. فمش بيقدر عليهم!
لازِم يستعين بحد زيي عشان يديه جسم مادي يقدَر يستخدمه براحته..
صحيح.. سواد شر البشر أقوى من أسود شرور الشياطين!
الموضوع إتكرَّر بعدها كذا مرة..
سبَّاك المعادي.. اللي قتل ٤ ربات بيوت!
طبَّاخ السيدة.. اللي سمِّم ١٢ فرح!
ميكانيكي عباس العقَّاد.. اللي فك فرامِل ٦٥ عربية!
وغيرهم.. وغيرهم.. كان بيخلَّص ذنب ضحاياهم فيهم قبل ما الموت ياخدهم من وسطنا، كان بيستخدمني عشان يخلص منهم، أنا كُنت بسيب له نفسي عشان أساعده نخلي العالم مكان أحسن..
لكن دوام الحال من المُحال.. صح؟
كان لازِم ييجي يوم ونختلِف.. أنا فاكِر اليوم دا كويِّس أوي، كُنا في العجمي في إسكندرية، وفوجئت في اللحظة الأخيرة إن الضحية المرة دي طفل! رفضت أطاوعه.. قاومته.. كُل ما يمد إيده.. أرجعها.. كُل ما ياخُد خطوة لأدام.. أرجع خطوتين لورا، لحَد ما الولد ما حس بينا وصرَّخ!
يومها لمَّا رجعنا صرخت فيه أول ما خرج مني: ” إنت مجنون؟ دا ولد.. طفل صغيَّر! هيكون عمل إيه يعني؟ “
قالي بغضب: ” هيعمل.. لسَّه هيعمل! هو دلوقتي بيقتل الحيوانات بس، ودا بيوصله للذة ونشوة ميقدرش يقاومها، هيدمن لذة القتل ويتعوّد على نشوة الموت، وهيبقى قاتِل متسلسل شرس “
يومها قُلتله: ” هـ؟ هيبقي؟ إنت بتعرَف الغيب؟ “
قالي بغضب: ” محدش بيعرف الغيب.. بس أنا بتوقَّع اللي هيحصل.. أنا عايش من سنين متقدرش تتخيّلها وشُفت اللي بيحصل دا ألف مرة.. خلّينا نخلص منه قبل ما يكبر.. وبكدا هننقذ أرواح كتير من البشر! “
قُلتله: ” أنا مش هقتل عيال صُغيَّرة.. مش هسمَح لك بدا “
هز راسه ودخل الدولاب، ونمت يومها زي القتيل.. بس صحيت على كارثة!
عمتي.. حصَّلِت بابا وماما!
وشُفته بينزل صابِع كمان.. وفضل ٢ مرفوعين!
واختفى!
لا بقيت بشوفه ولا بسمع عنه، كام سنة كدا حياتي هدت وبقيت إنسان طبيعي، وقتها إتعرَّفت على مروة وإتجوِّزنا، وبعد سنة خلِّفنا بنت زي القمر اسمها سُهيلة..
بعدها بسنتين زارني، قلقت من النوم ملقيتش مروة جنبي، ابتسمت.. أكيد راحت نامت جنب سُهيلة، ميقدروش يستغنوا عن بعض، بتقلب عشان أنام على جنبي التاني.. شُفته واقِف جنب السرير ومادد إيده.
الزمن وقف في اللحظة دي.. فكَّرت في ألف سيناريو.. فكَّرت في ألف حاجة!
سألته: ” مين؟ “
قالي ببرود: ” الولد.. كبر شوية وشهوة القتل كبرت جواه أكبر.. لازِم نتصرَّف قبل فوات الأوان “
هزيت راسي.. نزل صابِع وهو بيبصلي بغضب!
هزيت راسي تاني.. نزل صابعه التاني!
وقالي: ” كدا خلاص.. الدور عليك إنت “
قُلتله: ” لو قرَّبت من مروة وسُهيلة هـ.. “
قالي بسُخرية: ” هتعمل إيه؟ إنت أقل وأحقر من إنك تعمل حاجة! هسيبك تفكَّر.. وهاجي بُكرة.. لو قُلتلي لأ.. إنت عارف هعمل إيه! “
شاوِر على صوابعه الإتنين فيما معناه إنه هياخُد مني الإتنين سوا..
افتكرت الطريقة اللي مات بيها بابا، وماما، وعمتي!
لأ.. مروة وسُهيلة ميستاهلوش كدا.. أنا عارِف أنا هعمل إيه.. أنا عارِف أنا هعمل إيه كويِّس أوي!
الموت زي النار.. مش هيُقف غير بموت!
مسكت ورقة وكتبت فيها سامحيني يا مروة.. سامحيني يا سُهيلة.. أنا عملت كدا عشانكم!
مسحت دموعي.. فتحت دُرج المكتب.. طلعت مسدسي.. شديت الأجزاء!
بوووووووم!
.
.