قصص

قصة جحيم عياد

قصة جحيم عياد

وقفت مكاني مرعوب وساكت، بصيتله بقلق مالوش تفسير وهو بيقولي بابتسامة عريضة..
-والله نورت شقتك ومطرحك يا استاذ جواد، الشقة زي ما تكون مرسومة عليك.. تحسها كده زي ما تكون مكتوبة ليك وانت ليها.
ابتسمت اول ما قال كده ورديت عليه بإحراج..
-مين دي اللي لايقة عليا يا عم عبد العاطي!.. هي عروسة؟!
قرب مني وخبط على كتفي..
-إن شاء الله تتجوز فيها كمان وتلاقي العروسة، ادخل يا استاذ.. ادخل برجلك اليمين واتفرج على الشقة.
دخلت الشقة وبدأت اتفرج عليها وانا مخنوق وقافل منها بصراحة، وقبل ما تسألني انا كنت قافل منها ليه قبل حتى ما ادخلها، ف انا هقولك يا سيدي.. اولًا كده الشقة في منطقة شعبية جدًا، ودي حاجة انا ماكنتش عاوزها اوي لأني راجل جاي من مركز من مراكز الصعيد، يعني كنت بحلم بعد ما استلمت وظيفتي الجديدة في القاهرة، إن انا اسكن في شقة على النيل مثلًا او في مكان أثري فخم كده، وفي الحقيقة ده كان بعيد كل البُعد عن المنطقة اللي فيها الشقة، اما ثانيًا بقى، فالشقة يا سيدي الفاضل في الدور الخامس او الاخير، والعمارة مافيهاش أسانسير، ف دي حاجة خلتني متضايق اوي لأني بكده هضطر كل يوم اطلع للدور الخامس على رجلي، وانا برضه ماكنتش بتمنى ده في الشقة اللي هاخدها، لكني برضه طاوعت عم عبد العاطي السمسار ودخلت اتفرجت على الشقة، بس بصراحة كده، اول ما دخلتها، تشطيبها عجبني.. إنما الحاجة اللي كانا ماتطمنش، هي قبضة القلب الغريبة اللي حسيت بيها، واللي بسببها وشي اتاخد كده اول ما وقفت قصاد الحمام اللي بالمناسبة يعني، كان متشطب تشطيب سوبر لوكس..
-ايه يا استاذ جواد.. مالك، سرحت في ايه؟!
بصيت لعم عبد العاطي السمسار ورديت عليه وانا شارد..
-ها!.. لا مافيش يا عمنا، بس.. هو مافيش شقة تانية غير دي ممكن اتفرج عليها النهاردة؟!
رفع العِمة اللي كان لابسها وهرش في راسه لثواني، بعد كده بص لي بتركيز اوي..
-لا.. مافيش غير الشقة اللي في المعادي، ودي لما صاحبك استاذ حسام قالك عليها بعد ما انا بلغته بيها، انت بعضمة لسانك قولتله إنها غالية اوي عليك، وهو جه بلغني، وعشان كده انا جيبنك هنا.. دي الشقة الوحيدة المناسبة ليك، شقة شرحة وبرحة ومتشطبة وإيجارها رخيص كمان، يادوب بس هتجيب عفشك وتعيش فيها من بكرة لو حبيت.
-معاك يا عم عبد العاطي.. معاك إن الشقة واسعة ومتشطبة كويس، وكمان سعر إيجارها يعتبر ملاليم، بس مش عارف.. انا حاسس كده بخنقة وضيقة مش لاقيلهم تفسير.
-ربنا ما يجيب خنقة ولا حاجة، انت بس اتوكل على الله وادفع التأمين وامضي العقد، وبعد ما تجيب العفش بتاعك ابقى بخرها وشغل فيها قرأن، وبأذن الله خير.. وبعدين انت هتلاقي فين شقة بالمواصفات دي، يا راجل ده انت فوقك السطوح وتحتك مافيش حد، ده غير إن الدور التالت صاحب الشقة اللي فيه قافلها ومسافر، اما الدور التاني.. فمافيهوش غير راجل عجوز عايش لوحده، اما الدور الأول بقى، فهو مقفول لأن صاحب البيت قالبه مخزن.. يعني بالعربي كده، العمارة مش هيبقى فيها سكان غيرك انت والحاج طارق اللي في الدور التاني.
بعد ما عبد العاطي قال لي كده، بصت له بتركيز اوي وانا بفكر في حاجة مهمة هو قالها..
-طب بقولك ايه، مش انت قولت إن الشقة اللي في الرابع فاضية!.. طب ما تشوفهالنا دي.
-لا.. ماتنفعكش.. لسه عاوزة توضيب ووش نضافة، اما الشقة دي، فمتوضبة وعال العال، ها.. قولت ايه، نتوكل ونروح لصاحب البيت في بيته التاني اللي ساكن فيه ونمضي العقد، ولا نفضها سيرة وتستنى لما اشوفلك شقة تانية لو مش مرتاح خالص؟
-لا لا لا.. استنى ايه بس، ده انا المفروض هستلم شغلي في الشركة من اول الشهر.. يعني ماعنديش وقت غير يادوبك اسبوع.
رد عليا عم عبد العاطي بسرعة..
-عالبركة، يبقى نروح للحاج منصور صاحب البيت.
وفعلًا.. روحناله وخدت الشقة بعد ما مضيت عقدها، وفي خلال يومين كنت بدأت اشتري شوية عفش وافرشهم فيها، وطبعًا بعد ما خدتها، اتصلت بابويا في البلد وقولتله إني خلاص استقريت وبدأت حياتي الجديدة كموظف في إدارة شركة بترول كبيرة في القاهرة.
اطمن ابويا عليا ووصيت اخويا الصغير إنه ياخد باله منه هو واختي المتجوزة في البلد لأن والدتي متوفية ومالوش غيرنا، والحمد لله كل شىء كان تمام، بس بعد ما خلصت المكالمة مع ابويا، بص لي حسام صاحبي وبلدياتي اللي كان بيفرش معايا الشقة وقال لي..
قصة جحيم عياد
-ألا عم دياب عامل ايه ياض يا جواد هو واخواتك؟!
رديت عليه وانا بكمل فرش في الكام حتة عفش اللي جيبتهم..
-بخير يا اخويا.. بخير، قوم انت بس وشد حيلك كده عشان عاوز اخلص فرش الشقة النهاردة.
قام حسام من مكانه وقال لي بتعب..
-لا يا عم، مستحيل طبعًا، انت كده زي الفل، مش فرشت السرير وركبت البوتجاز، نام بقى الليلة دي على كده، وبكرة بأذن الله نبقى نكمل الفرش، انا خلاص هموت وانام، فلازم هروح دلوقتي، وبكرة لما اخلص شغل، هبقى اجي اكمل معاك الفرش.
سيبت اللي في إيدي وبصيتله من فوق لتحت بعتاب..
-تصدق ياض انك ندل، بقى تسيبني لوحدي موحول كده، من غير حتى ما اركب السخان عشان اخدلي دش سخن في التلج اللي احنا فيه ده!
-يا عم ماحبكتش يعني، اقولك.. ابقى سخن شوية مايه في أي حلة واستحمى بيهم لحد ما نركب السخان بكرة، يلا بقى سلام.. انا هموت وانام لأن ورايا شغل الصبح بدري.
خلص حسام كلامه معايا وخد بعضه ومشي.. مشي وسابني لوحدي قاعد في الشقة وانا مش عارف اعمل ايه، وفي الوقت ده، حسيت بأن حرفيًا بطني بتطلع اصوات عجيبة من كتر الجوع، فبسرعة روحت ناحية التلاجة اللي كنت شغلتها وحطيت فيها خضار ولحمة وشوية خزين كده لزوم الاسبوع، وطلعت منها شوية حاجات وابتديت اجهزها عشان اطبخها، اه صحيح.. ما انا من بعد ما والدتي اتوفت واختي اتجوزت، بقيت بساعد ابويا في شغل البيت من ايام الجامعة، ولسبب ده بقيت بعرف اطبخ كويس اوي، لكني قبل ما اطبخ او حتى ابدأ في تحضير الأكل.. جيبت حلة كبيرة كنت اشترتها مع العفش، ومليتها مايه، وبعد ما مليتها واتأكدت إن هدومي النضيفة جاهزة وكل حاجة تمام، حطيت المايه على البوتجاز وسيبتها تسخن عشان عن طريقها، اخد حمام سخن في السريع كده لحد بكرة.. وبعد ما جهزت الحاجة وحطيت الحلة وروحت ناحية الاوضة اللي فيها السرير والدولاب عشان اجيب منها فوطة، فجأة وقفت مستغرب لما سمعت من الصالة صوت حد بيتكلم!
حسيت إن شعر جسمي كله انتصب، قشعريرة غريبة مع برد غير مبرر، خلوني اتسمرت في مكاني، واللي رعبني اكتر بقى إن الصوت ابتدى يعلى ويعلى لحد ما اكتشفت إنه صوت التلفزيون اللي علقته على الحيطة انا وحسام، اول حاجة في الشقة.
قصة جحيم عياد
بلعت ريقي وقعدت على السرير وانا باخد نفسي بهدوء بعد ما اطمنت إنه التلفزيون، بس ايه ده!… هو ازاي التلفزيون اشتغل لوحده؟
اول ما سألت السؤال ده لنفسي، في نفس اللحظة، لقيت التلفزيون سكت وكأن حد طفاه!
ابتدى القلق يتسرب لي تاني، ومعاه ابتديت اشجع نفسي لما خرجت من الأوضة ولقيت التلفزيون مقفول!
وقفت في الصالة وانا بكلم نفسي بصوت عالي..
(جرى ايه بقى.. هو حد شغل التلفزيون فعلًا وبعد كده طفاه، ولا انا كان بيتهيألي، ولا ده صوت جاي من عند حد من الجيران ولا ايه.. بس جيران مين يا حسرة، هو في حتى جيران قريبين مني ممكن اتونس بيهم او حتى لو احتاجت حاجة اطلبها منهم.. يا نهار مش فايت، المايه اللي على البوتجاز!)
جريت بسرعة ناحية المايه اللي كنت فاكر إنها سخنت، بس الغريب بقى، إن انا لما روحت للمطبخ، لقيت العين بتاعت البوتجاز اللي حطيت عليها حلة مايه، مقفولة تمامًا وكأني مافتحتهاش من اساسه!
ماخدتش في بالي وشغلت العين وانا بقول لنفسي..
(معقول اكون نسيت اشغل النار ولا انا شغلتها وهي اتطفت ولا..)
وبمجرد ما شغلت النار على حلة المايه، سمعت من الصالة نفس صوت التلفزيون اللي سمعته قبل كده، وقتها خرجت بسرعة عشان الحق التلفزيون قبل ما يتقفل، وهنا كانت الحاجة اللي خلتني اتسمرت في مكاني، التلفزيون فعلًا كان مفتوح!
وقفت لمدة ثواني كده وانا مش عارف اتفتح ازاي، كل اللي جه في بالي وقتها، هو إني مسكت الريموت بتاع التلفزيون وشغلت قناة من قنوات القرأن الكريم وسيبتها شغالة ودخلت للمطبخ، ومع دخولي للمطبخ كانت المفاجأة، العين اللي فوقها حلة المايه كانت مطفية، ومابقولش هنا إن المايه فارت وطفت العين، لا.. العين كانت مطفية اصلًا وكأنها ماشتغلتش من أساسه!
استغفرت ربنا وولعت النار وانا بقول بصوت عالي..
قصة جحيم عياد
(ماهو يا انا يا انتي بقى، اما نتنيل نشوف اخرتها ايه، اديني واقف اهو قدامك لحد ما المايه تسخن)
فضلت واقف قدام المايه لحد ما سخنت، وبعد ما اتأكدت إن درجة حرارة المايه بقت مناسبة، خدتها ودخلت بيها الحمام وابتديت اخد دش، ووانا باخد الدش في الحمام.. سمعت صوت التلفزيون من برة وهو بيتقلب، وكأن حد مسك الريموت وحول قناة القرأن!
دلقت على نفسي كوز مايه في السريع كده، ولفيت الفوطة على جسمي عشان الجو ساقعة وخرجت اشوف التلفزيون.. وللأسف برضه، انا لما خرجت، لقيت التلفزيون مقفول من اصله، والريموت كان واقع على الأرض ومتكسر وكأن حد داس عليه!
في اللحظة دي اتاخدت، حسيت بالخوف والرعب بجد، وكل اللي قدرت اعمله، هو إني جريت جيبت موبايلي، وشغلت عليه قرأن وعليته على الأخر ودخلت اكمل اللي كنت بعمله في الحمام، وهنا بقى كانت الصدمة او الحاجة الغريبة التانية، انا لما دخلت الحمام وبصيت للحلة اللي انا كنت متأكد إن كان فيها مايه، لقيتها فاضية!
قصة جحيم عياد
ومش بس كده.. دي الحلة كمان كانت ناشفة تمامًا وكأنها ماكنش فيها أي نقطة مايه من اصله!
ماخدتش واديت كتير مع نفسي، انا اتنشفت ولبست هدومي وخرجت بسرعة من الحمام وخدت موبايلي، روحت ناحية المطبخ عشان ابتدي بقى احضر العشا، والحمد لله الوقت عدى من غير قلق وانا بحضر العشا، إلا بس من شوية اصوات كنت بسمعها جاية من الصالة، وكأن حد بيقفل او بيفتح التلفزيون، وبصراحة ماهتمتش بالأصوات وحضرت العشا وكلت في المطبخ، وبعد كده خرجت شيلت فيشة التلفزيون خالص، واخدت موبايلي معايا وفردت جسمي على السرير وابتديت انام، إنما النوم كان هيجي منين.. انا اول ما حطيت راسي على المخدة وقبل حتى ما اروح في النوم، سمعت صوت التلفزيون اللي كان عالي اوي بشكل مستفز، لدرجة إني قومت من على السرير وروحت ناحية التلفزيون وانا بزعق بعلو صوتي..
(ازاي بقى.. ازاي ام التلفزيون اشتغل وانا بنفسي شايل الفيشة و..)
سكتت فجأة لما لقيت فيشة التلفزيون محطوطة في الكبس بتاع الكهربا والتلفزيون شغال، وكمان عمال يقلب لوحده!
بعدت عن التلفزيون كام خطوة لورا وانا اطرافي بتترعش من البرد والخوف، ورغم ده كله.. ابتديت انتبه لنفسي لما شميت ريحة غريبة!
قصة جحيم عياد
(يا نهارك مش فايت يا جواد.. دي دي.. دي ريحة غاز)
واول ما قولت كلمة غاز، نور الشقة كله انطفى وكأن الكهربا اتقطعت، لكن لا.. الكهربا ماتقطعتش، ده حد طفى الأنوار والكهربا لسه شغالة، واكبر دليل على كده، إن التلفزيون لسه شغال وعمال يقلب مع نفسه!
رجعت كام خطوة لورا عشان ارجع الأوضة تاني واجيب الموبايل بتاعي، عشان اشغل عليه القرأن من بعد ما لاحظت إنه انطفى لوحده، وقبل ما اتحرك او اروح ناحية الأوضة، فجأة سمعت صوت باب الحمام بيتفتح ومعاه نور الحمام هو كمان ابتدى ينور ويطفي لوحده!
دخلت جري ناحية الأوضة وجيبت الموبايل وحاولت اشغل عليه قرأن، بس للأسف.. عشان الليلة تكمل، الموبايل كان فصل هو كمان، وبصراحة ماعرفش فصل ازاي رغم إنه كان مشحون كويس!
خدت الموبايل وحطيته في جيبي وطلعت للصالة اللي اول ما خرجتلها، ابتدى التلفزيون يقلب مع نفسه بسرعة جنونية لحد ما سمعت صوت باب الحمام وهو بيترزع لبرة، ومع رزعته دي، اشتغلت أضاءة الحمام بثبات، وفضلت شغالة عشان بس اشوفه بوضوح.. ماكنش جن ولا مخلوق اسود طويل وله قرون زي ما كنت بسمع في الحكايات عندنا في البلد وانا صغير، ده كان راجل او شاب، واقف من غير هدوم خالص وحرفيًا جلده بيتسلخ من على جسمه وكأن بيتدلق عليه مايه نار، فضلت مبرق له وانا فاتح بوقي لوقت ماعرفش قد ايه، جايز تكون ثواني او دقايق.. مش عارف، انا كل اللي اعرفه هو إن الوقت ده عدى عليا سنين، ومافوقتش غير لما لقيته خرج من باب الحمام وجه ناحيتي بخطوات بطيئة وهو بيترنح بسبب الحروق اللي في جسمه، الحروق اللي كانت بتكبر وبتوسع اكتر كل ما بيقرب مني!
وفي اللحظة دي.. ماحستش بنفسي إلا وانا بفتح باب الشقة وبرزعه ورايا وبنزل جري للشارع، ومع نزولي، فضلت واقف قصاد باب العمارة لمدة خمس دقايق استجمعت فيهم نفسي، بعدهم طلعت موبايلي من جيبي وحاولت افتحه عشان اتصل بحسام يجي يلحقني، والصدمة الكبيرة بقى إن التليفون ماكنش مقفول اصلًا، ده كان مفتوح ومشحون كمان!
حمدت ربنا وحاولت اتصل بحسام كتير لكنه ماردش، اكيد تلاقيه نايم، وهنا بقى كان طبيعي وتلقائي إنِ اتصل بعبد العاطي، لكن تليفونه كان مقفول، طب ايه العمل، افضل واقف في الشارع كده لحد ما انشف من البرد ولا اروح فين او اروح لمين!
فضلت واقف في الشارع وانا بفكر لحد ما ابتدت السقعة تقرصني حرفيًا، وقتها افتكرت حد مهم كان عبد العاطي قال لي عليه، الشقة اللي في الدور التاني فيها راجل كبير عايش لوحده إسمه الحاج طارق، انا هخبط عليه وبما إنه عايش لوحده، فانا هستسمحه ابات عنده لحد الصبح، ومع طلوع النهار، هروح ادور انا بنفسي على اي شقة تانية انقل فيها عفشي.
وبدون اي مناقشات او تفكير مع نفسي، رجليا خدتني ودخلت العمارة وطلعت للشقة اللي في الدور التاني، خبطت مرة واتنين وتلاتة لحد ما الباب اتفتح، فتحهولي راجل كبير شكله ماكنش نايم رغم إن الوقت متأخر، ملامحه كان سمحة ووشه كان بشوش، وبالرغم من ده كله، إلا إنه بص لي من فوق لتحت وقال لي باستغراب وبقلق..
-انت مين وعاوز ايه الساعة دي؟
بلعت ريقي وقولتله بابتسامة مصطنعة..
قصة جحيم عياد
-انا انا.. انا جواد دياب، الشاب اللي لسه مأجر الشقة اللي في الدور الخامس.
ابتسم اول ما قولتله كده ورد عليا بهدوء..
-منور يا ابني، خير.. محتاج حاجة؟
-اه.. في الحقيقة انا محتاج، بس في الأول خليني اعتذرلك عن إن انا خبطت في وقت متأخر زي ده وقلقتك من نومك.
-لا ماكنتش نايم، انا بسهر اقرا قرأن ومابنامش إلا لما الفجر يأذن واصليه حاضر في المسجد، هتعمل ايه بقى، راجل عجوز على المعاش وعايش لوحده، طبيعي مابيبقالوش في الدنيا إلا كتاب الله والصلاة في وقتها.. معلش.. رغيت كتير وماعرفتش انت محتاج ايه؟!
خدت نفسي بهدوء وانا بقوله بإحراج وجسمي بيترعش من البرد..
-طب ممكن ندخل جوة لأني حرفيًا متلج وجسمي بيترعش وخلاص هموت من البرد!
من غير أي كلام، دخلني استاذ طارق وجاب لي بطانية لفيتها حواليا، وكمان دخل المطبخ وعمل لي شاي، شربت منه وانا بحكيله على كل اللي مريت بيه من اول الليلة، لحد الشخص اللي شوفته خارج من الحمام.. كان الحاج طارق بيسمعني بكل هدوء وهو ساكت خالص لحد ما خلصت، ماكنش مستغرب ولا كان مكدبني حتى، هو فضل يسمعني وكأنه متوقع او عارف كل اللي هقوله، وبعد ما خلصت كلامي رد عليا وقال لي..
قصة جحيم عياد
-والله يا ابني كان نفسي اقولك إن كل اللي شوفته ده تهيؤات او خيالات، لكن في الحقيقة لأ.. الجن اتذكروا في القرأن والأحاديث، وكمان القرين، واللي انت شوفته ده بالتأكيد حاجة منهم، حاجة مش هقولك بقى إنها مالهاش سبب او إنها مثلًا سكنت المكان بسبب إن الشقة كانت مقفولة، لأ.. الشقة اللي انت أجرتها دي من سنين كانت بتاعت راجل اسمه عياد، الراجل ده كان بيشتغل فني دش.. كان عنده محل لتصليح الرسيفرات وتركيب اطباق الدش، كان عايش فيها هو ومراته وابنه.. ومش بس كده، ده وقتها العمارة كان فيها سكان في الدور الرابع، اما التالت، فكان مقفول زي ماهو لأن صاحب الشقة اللي في الدور ده، بيسافر للخليج هو وعياله، وبيرجع شهرين بس في السنة، لكن الحياة مامشيتش عادي، عياد اللي كان محله قريب مننا هنا.. كان كل يوم والتاني بيتخانق مع مراته لاسباب احنا مش عارفينها، وفي مرة بعد خناقة كبيرة ما بينهم، عرفنا او اتقال وقتها، إنها سابتله البيت وراحت عاشت عند ابوها بسبب إنه بيشرب مخدرات، وكمان لأنه بيمد إيده عليها، ومن بعد ما مراته سابتله البيت، وهو بقى كل يوم والتاني يطلعلوا الشقة ناس غريبة، مرة راجل لابس جلابية وسبح كده وشكله عجيب، ومرة عيال شمامين يا ابني شكلهم بتوع مخدرات.. ومع الأيام، ابتدت تحصل مشاكل في بيوت الشارع بشكل كبير، مرة راجل جزار بتاع ربنا اوي وبيصلي الوقت بوقته، يتقبض عليه بعد ما يتبلغ عنه ويلاقوا حشيش في بيته، ومرة حد يقتل مراته، ومرة حد يتخانق مع عياله وينتحر، ومرة تانية واحدة ست تتجنن بعد ما تقتل جوزها، وفضلت احوال الشارع مقلوبة زي احوال عياد بالظبط، لحد ما في يوم خميس، كنت قاعد انا وابني ومراته وعياله عندي هنا، كانوا بيزوروني وكنا قاعدين بنتكلم، لحد ما مرة واحدة سمعنا صوت انفجار قوي اوي هز العمارة، وبعده سمعنا صوت صرخات جاية من فوق!.. قومنا بسرعة انا وابني عشان نتفاجىء بالجيران اللي في الرابع هم كمان طالعين برة شقتهم، وبيقولوا إن الصوت جاي من شقة عياد، وفعلًا يا ابني.. عياد كان عمال يصرخ، ومع صرخاته شمينا ريحة حريق وسمعنا صوت نار!.. طلعنا جري كلنا عشان نتفاجىء بشقة عياد بتولع وهو جواها!.. كسرنا الباب وطفينا النار بمساعدة الجيران اللي اتلموا، وكانت الكارثة بقى لما اكتشفنا إن النار، سببها انبوبة الغاز بتاعت السخان اللي في حمام عياد، الانبوبة انفجرت وهو بيستحمى، وطبعًا عياد كان محروق وهو عريان في الحمام، غطيناه بسرعة وماستنيناش الاسعاف هي والمطافي، احنا حطيناه في عربية نقل بتاعت واحد من الجيران ووديناه بسرعة المستشفى، وهناك.. بعد ما اطمننا عليه واتنقل لعنبر الحروق، كل الموجودين ابتدوا يتسرسبوا واحد ورا التاني عشان يشوفوا احوالهم، وكمان عشان يبلغوا مراته او حد من اهله، وماتبقاش غيري انا وابني.. والحقيقة انا اتشجعت ودخلت اطمن عليه بعد ما الدكتور قال إن حالته خطرة اوي وممكن يموت في اي لحظة، فاتشجعت ودخلتله وقولت اودعه قبل ما يموت، وبمجرد ما دخلتله وجيت اهون عليه، فضل يصرخ بسبب الألم اللي كان حاسس بيه واعترفلي بأنه كان السبب في مصايب كتير، عياد هو اللي رمى حتة الحشيش لسماحة الجزار في بيته وهو بيصلحله الدش، وده كان بسبب إن الجزار اللي فاتح محله، جنب محل سماحة، اتفق مع عياد إنه يعمل كده، واداله فلوس كتير.. وبعد ما رمى حتة الحشيش لما طلع البيت عنده، بعد ما بوظ هو طبق الدش بنفسه قبلها، الجزار جار سماحة، بلغ عنه واتقبض عليه ومحله اتقفل، ده غير كمان إنه كان يعرف دجال بيروحوا له الناس المؤذية من اهل الحتة، وكانوا بيعملوا عنده اعمال لناس برضه من اهل الحتة، والاعمال دي كان بيرميها عياد في بيوتهم.. عياد اللي شغلته كفني دش، خلته يدخل كل بيت ويتسبب في أذى لأهله، وفي المقابل طبعا كان بياخد فلوس كتير وبيشتري بيها البلابيع اللي كان بيتنيل يبلبعها، ومن بعد ما اعترفلي بالكلام ده كله.. طلب مني اني ابلغ الناس اللي أذاهم واخليهم يسامحوه، وبعد ما خلص كلامه مات.. مات عياد والشقة كانت المطافي جت وطفتها، لكن من يومها، وكل ليلة الجيران اللي كانوا ساكنين فوق في الرابع، بيقولوا إنهم كانوا بيسمعوا اصوات غريبة وكركبة، لدرجة إنهم سابوا الشقة ومشيوا بعد اللي عاشوه وسمعوه، وفضلت الشقة كده لحد ما من فترة جددها صاحب العمارة وقرر يوضبها ويأجرها عشان ينهي الكلام اللي بيتقال عن إنها مسكونة بسبب عياد اللي اتحرق جواها، واديك اهو.. قولت إنك ماسلمتش من الأذى، وإن الشقة مسكونة فعلُا، وده بيقول إن الناس اللي كانوا في الرابع، كان معاهم حق في اللي سمعوه وشافوه، وكمان جمال بتاع العربية النقل اللي نقلت عياد للمستشفى، كان معاه حق لما قال إن العربية اتعفرتت وباعها من بعد اللي ما نقل بيها عياد، اما انا بقى.. فانا في حالي ومابشوفش حاجة، جايز لأني بعيد عن الشقة بمسافة، وجايز لأن انا مابقطعش القرأن عن شقتي، اما بقى بالنسبة للأمانة اللي حملهالي، فانا روحت للناس اللي أذاهم وقالي أسمائهم وقولتلهم على اللي عمله، وفي ناس سامحوه.. وناس لأ، لكن من ضمن الناس اللي سامحوه كانت مراته اللي قالت بعد كده إنها كانت بتتخانق معاه مش بس بسبب المخدرات اللي كان بيشربها، او لأنه كان بيضربها، دي كمان كانت بتتخانق معاه بسبب إنها كانت عارفة كل البلاوي اللي كان بيعملها في الناس، وياما قالتله بطلها وماتدخلش عليا انا وابنك قرش حرام، بس هو ماسمعش كلامها وفضل يضرب فيها لحد ما طفشت من البيت، وهو فضل ماشي في سكته لحد ما شاف بعينه نهايته السودة.. نهايته اللي بالتأكيد كانت بسبب افعاله.
قصة جحيم عياد
لما الحاج طارق خلص، فضلت ساكت، ماعرفتش اقوله ايه، انا متأكد إنه صح في كل اللي بيقوله لأنه راجل كبير ومش كذاب، وبعد صمت دام لدقايق، طلبت منه ابات عنده لحد الصبح، وفعلًا سمح لي انام عنده وفضلت نايم لحد ما النهار طلع، ومع طلوع النهار، روحت لعبد العاطي السمسار ودبيت معاه خناقة لرب السما.. وبعدها خليته يجي معايا عند صاحب البيت وفسخنا العقد.. وده بعد ما كنت شوفت شقة في منطقة إلى حد ما راقية شوية وسعرها مش غالي، وده لما نزلت انا بنفسي للمنطقة دي وسألت السماسرة اللي فيها عن شقة ودلوني، اما عن الوضع دلوقتي.. ف انا نقلت عفشي من الشقة الملعونة والمعفرتة بتاعت عياد دي، واديني اهو عايش في الشقة الجديدة بعد ما عيشت ليلة عمري ما هنساها، وبعدها عرفت حكاية عمري برضه ما هنساها ولا هنسى كل اللي استفدته منها رغم قساوتها، ماهو المشي البطال.. اخرة سكته، يأما حبس او جنان.. او موتة بطريقة بشعة زي اللي ماتها عياد.. عياد اللي خان أمانة البيوت اللي كان بيطلعها وأذى أهلها، وعشان كده نهايته كانت موته محروق، وخروجه من بيته شِبه عريان ومفضوح، ماهي اصل البيوت زي المقابر، ليها اسرارها وليها حرمتها، واللي يكسر الحرمة دي او يتعدى عليها، اكيد بتتردله.. سواء في الدنيا، او بياخدها معاه كذنوب للأخرة.
تمت
محمد_شعبان
جحيم_عياد
قصة جحيم عياد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى