قصة الخبيث
*******************
كنت راكب الميني باص ف اليوم ورايح مشوار, وع عكس الناس كلها, كنت لابس (تي شيرت) خفيف بنُص كُم رغم اننا ف شهر اتنين والجو تلج..
اول ما ركبت الميني باص, كل الناس بلا استثناء كانت بتبص لي بتعجب, واللي يمَصمَص شفايفه واللي يضرب كف بكف وهو بيضحك ضحكة مكتومة .. لكني متعود ع الحات اللي زي دي, فمعطتش لهم بال ووقفت عادي مكاني..
بعد شوية طلع الراجل اللي بيشيِّك ع التذاكر ويشوف مين دفع ومين بيتهرَّب, وبدأ يلف ع الناس كلها وياخد منهم التذاكر ويتأكد من الرقم, لحد ما وصل لواحد من اللي قاعدين, وكان شاب أسمر ولابس (اير بودز) ف ودانه وباصص ناحية الشارع بشرود..
وقف قدامه وسأله بأدب:
– تذكرتك لو سمحت.
ف الاول الشاب الأسمر مسمعهوش وفضل باصص لبرا, فالمُحصِّل حَط ايده ع كتفه وكرر سؤاله, هنا الشاب انتبه له, وبدأ يدور ف جيوبه ع التذكرة وهو عمال يردد:
– كانت لسه معايا دلوقتي, بسم الله الرحمن الله, راحت فين, دي كانت لسه ف ايدي..
المحصل قال له دور عليها عقبال ما اشوف باقية الناس وارجع لك, وبصراحة الراجل كان محترم جدا ف طريقة كلامه, فكمِّل الشاب تدوير ف هدومه, بعدها فضل يبص ع الارض وهو ما زال بيردد ذات الكلام:
– تؤ وبعيد بقى, دنا كنت ماسكها ف ايدي, راحت فين الزفتة دي.
رجع له المُحصِّل وسأله ع التذكرة, هنا الشاب رد وهو بيدور:
– مش عارف راحت فين, شكلها وقعت مني ولا حاجة.
قال له المحصل:
– طب فين هي, منا لازم اشيِّك عليها.
– انا دفعت.
– ياحبيبي انا مصدقك, بس عشان اتأكد من التذكرة.
استأذِن الشاب من الناس اللي واقفة جنبه بحُكم ان الميني باص مليان, ونزل يدور تحت الكرسي, وبعد شوية طلع وهو رافعها ف وش المحصل وقال له بانتصار:
– دور اللي كانوا واقعين تحت, بص شوف انهي واحدة فيهم.
مسك المحصل منه التلات تذاكر وبص فيهم, وكلها ثواني قليلة ورجع قالش له:
– ولا واحدة من دول, انت متأكد انك دفعت ؟
فظهر ع الشاب الانفعال وهو بيرد:
– والله دفعت, انا هكدب عليك ليه ؟
رد الم
– انا مش بتهمك بحاجة, انا بس بسألك, يمكن تكون ركبت ونسيت تقطع تذكرة..
وهنا الناس كلها بدئت تتلفَّت ناحيتهم باهتمام وفضول. قال الشاب وقد زاد الامر حنقه:
– ياباشا انا مش نسَّاي, لو قطعت اكيد هفتكر.
ابتسم المحصل ورَد بنفس الهدوء والوِد:
– انا مش قصدي حاجة, بس لو مش لاقيها فكدة لازم تقطع تذكرة تانية.
كلمة المحصل خلت الشاب يغضب, ورد بصوت شبه عالي:
– ياعم انت مسرقني ف الخمسة جنيه ؟ انا لو مدفعتش هقوم ادفع, لكن انا والله دفعت, وكان ف واحد ع الباب هو اللي قطع لي التذكرة.
بدأ المحصل يتضايق, لكنه حاول يكبح غضبه وهو بيقول له:
– يابني انا مش مسرقك, لكن كلامك ده ميثبتش حاجة, وريني تذكرتك يااما تقوم تنزل.
راح رد عليه وهو بيشوَّح بايده:
– هما دول التذاكر اللي تحت رجلي, انا هعمل ايه ؟
– هو ايه اللي تعمل ايه, مهو مفيش ولا تذكرة منهم صالحة.
قال الشاب بتحدي:
– وانا مش هدفع تاني.
الناس بدئت تتدخل ف حوار معاهم, وطلع واحد من الجنب يقول له:
– انت متأكد انك دفعت ؟
رد الشاب بضيق:
– ياباشا اتزفت دفعت, انا هكدب ليه ؟
– من غير نرفزة, لو دفعت, واخدت تذكرة, يبقى اكيد هتكون هنا تحت اي مقعد, ده ف حالة انك فعلا دفعت.
رفع الشاب حاجبه, وقال بغيظ:
– باشا, مش خمسة جنيه اللي هتعجزني, انا لو عايز ادفعها هدفعها, دنا لابس ف ودني سماعة بألف ونُص, لكن والله منا دافع فلوس تاني, انا خلاص قطعت, ولا اقول لك ع حاجة ؟ انا مدفعتش, ومش هدفع خالص.
اتكلم المحصل بذات الأدب وهو بيحاول يلم الموقف:
– يابني ربنا يبارك لك ف فلوسك, بس ده شغلي, المفروض تكون معاك تذكرة تثبت انك دفعت فلوس..
بدأ الشاب يضرب كَف بكف وهو بيقول:
– اللهم طولك ياروح.. برضه هيقول لي مدفعتش ومتهببتش, ياعم قُلنا مليون مرة دفعت والتذكرة وقعت.
ف الوقت ده أغلب الناس حاولت تتدخَّل, لكن المحصل كان له الأسبقية ف الكلام, فقال:
– كدة مقدمكش غير حاجة من الاتنين, يااما تقوم تقطع تذكرة, يااما تنزل.
جَز ع ضروسه, ورد باقتضاب وتحدي ممزوجين بالغضب:
– هو ايه اللي انزل, مش نازل, ومش هدفع مليم تاني.
كل اللي واقفين عايزين الحوار يهدأ, وف ناس كان من جواها عايزة تدفع, بس لما شافت تصرف الشاب الفَظ, فقررت انها تسكت, او تقف ف صَف المحصل..
– يابني بقول لك ده شغلي, انا مش جاي اعنِد فيك ولا اتراخِم, ده شغلي.
– معلش.
لقيت المحصل بيبلع ريقه وغضبه ومشي كام خطوة يشوف باقية الناس .. وقال:
– لا إله الا الله, ربنا يهدي.
فرد عليه الشاب بنفس الفظاظة:
– متحرقش كتير طيب.
بص له المحصل وقال:
عمل الشاب حركة بوشه فيما معناها انه مشمئز وقال:
– آآه, معلش صعبت عليا, روح بقى.
– هو ايه يابني اللي اروح, ياحبيبي اتكلم عدل.
بذات الوش:
– معلش معلش.
تدخلت الناس للمرة التالتة وهما بيحاولوا يهدوا الجو ويغلَّطوا الشاب, وهو بيقول لهم:
– مهو بصراحة راجل مستفِز, انا هسرقه ف خمسة جنيه يعني, يجي يشوف دي (وخلع السماعة “اير بودز” من ودنه) بمرتبه كله.
زفر المحصل وهو بيقول:
– استغفر الله العظيم.
نزل المحصل بعد شوية, وكملنا طريقنا, والشاب قاعد يقلب كف بكف وهو بيقول:
– حرقت دمي الله يحرق دمك, لولا شيبته كنت هزقته.
بعد شوية كانت جت محطتي, نزلت من الميني باص, ببص لقيت الشاب نازل ف نفس المحطة .. بعد ثواني الميني باص مشي, فوقفت ابص للشاب وانا راسم ع وشي علامة تقزُّز .. وفجأة.. !
بدأ الشاب يضحك وهو بيبص لي, فبادلته انا كمان الضحك بصوت عالي, والناس ف الشارع بدؤوا يبصوا لنا باستغراب !!
قلت له من بين دموعي من كتر الضحك:
– الله يخرب بيتك ياض ياصابونة, انا كنت قربت اصدقك, دنا كان فاضل لي حتة واقوم اضربك من كتر استفزازك للراجل.
غمز وقال:
– بس ايه رأيك ف دماغ أخوك صابونة ؟
ضحك وقال لي:
– المهم بس قلِّبت كام محفظة ف الشوية اللي لهيت فيهم الناس دول ؟
رديت:
– كتير, تعال نعِدهم ع جنب.
.
..
*تمت*
.
.
الخبيث