واقف في الصيدلية بليل، الجو حر، المروحة وجودها زي قلّتها، فاضل ساعتين وأخلص وأروح البيت لمراتي والعيال اتعشى وأنام بعد يوم طويل مستفز كالعادة. بفكر في طرق التخلص من مديري والناس الأغبيا وقطع تفكيري دخوله!
شاب، متعور جامد وفي دم على التيشيرت بتاعه، وشه جاحظ معضم، إيده فيها رعشة، قرب مني وبصوت بارد قالي “متعور”! لفيت لبرا بسرعة وطلبت منه يوريني الجرح، نزل التيشيرت وشاور على رقبته! جرح كبير غائر، بس الدم بطل ينزل منه! وقفت مبلم قدامه، الجرح خطير، يموت!
قولتله “لازم مستشفى، ده شريان سبتي على شمال الرقبة يعني واصل للشيران الأبهر على طول”.
“أخلص”! قالها ببرود، اتحرجت، حاولت أفهمه براحة: “الإصابة خطيرة”. “اسمك ايه”؟ سألتني واستغربت من السؤال بس جاوبت بتوتر: “أحمد تركي”.
قالي وعينه فيها برود غريب: “يا أحمد يا تركي عايز الجرح ده يختفي بس، ميباقش ليه أثر”.
بلعت ريقي، “مستحيل، انا مش مستوعب أصلا أنت إزاي جسمك متصافش لحد دلوقتي، مفيش دم من الجرح وده مستحيل علميًا”!
بص حواليه وقرب راسه مني وشميت ريحة غريبة زي الفورمالين لما قرب: “سيبك من العلم، العلم مش هيفيد في حالتي، اخفي الجرح يا تركي”!
لسه هرد عليه لقيت الموبايل بتاعه بيرن، قالي “طلعه من جيبي ورد قول كلمة واحدة بس (أنا جاي)”. استغربت، حاولت أخلص منه بأي طريقة علشان ميلبسنيش تهمة، لقيته بصلي بصة مرعبة وقالي بصوت جهور مخيف: “يلا”! طلعت الموبايل ولقيت المتصل بدون اسم ولا رقم (برايفيت)!
فتحت وسمعت صوت أنفاس في الناحية التانية بدون كلام. بصلي وقالي “قووول”. قولت بخوف: “أنا جاي”! وقفلت!
الشاب بصلي: “شكرا يا أحمد، دلوقتي طمنت أبويا اني جاي، دلوقتي عايزك تخفي الجرح خالص”!
“إزاي”؟! سألته باستغراب. رد: “خيطه”! قلبي دق بسرعة وزعقت فيه: “أخيط إيه؟ انت مستوعب بتقول إيه؟ ده أنت تموت فيها”؟!
ابتسم بسخرية ومردش. زدتفي غضبي: “أطلع برا بعد إذنك، مش هقدر أفيدك”؟ وشاورت لبرا، وعيني لقطت انعكاس الشاب على المراية قدامي لقيت جلده مكرمش، رمادي”! شهقت، لف وبس على انعاكسه وقالي بضحك تريقة: “خيط يا تركي لإما مش هرحمك”!
بلعت ريقي وفكرت أمسك أي حقنة مهدئة وأضربها فيه، لقيته بص لي وقالي بثقة: “مش هموت، ومش هتخدر، ومش هحس”!
دخلت أوضة الأدوية وجبت خيط الجراحة وإبرة ومطهر ومسكن قوي ورجعتله، قالي بنفاذ صبر: “شيل المسكن مش عايزه”، هزيت راسي وحطيته جنبي وأنا بدعي ربنا أن أي حد يدخل الصيدلية ينقذني من الهبل ده بس الناس تقريبا بطلت تشتري أدوية!
الأرض فيها نمل! نمل شكله غريب اسود وبينقل رمل!
حاولت اتجاهله وبدأت بهدوء، طهرت الجرح، جلد الشاب بارد جدًا! جلده لزج، وشه بدون أي تعبير ألم. “الجرح ده إيه سببه”؟ رد “أصحابي” وسكت!
وقفت وقولتله “دي كده محاولة قتل، لازم نيابة ومحضر ومستحيل أكمل”! رد ببرود أكتر وبصلي بصة مستفزة “ونجحوا فيها”! رديت بسرعة واستغراب: “في إيه”؟! قال: “مفيش”!
الإبرة وقعت من إيدي ورنت على الأرض، رجعت لورا مصدوم، قالي بهدوء: هتخفي الجرح، وهروح ومش هتعرف عني حاجة تاني”. وكمل بصوت فيه تهديد: “إنما يا أحمد يا تركي لو رفضت فصدقني هتشوفني في كل لحظة، في بيتك، مع عيالك، في الشارع، في الأركان المضلمة، في انعكاس المراية، مش هرحمك”. خلص جملته والكهربا اتذبذبت وحسيت عينه بتلمع ووشه بيتحول لمسخ غريب ولما استقرت الكهربا رجع طبيعي تاني!
مسكت إيدي جامد، العرق نزل على وشي أكتر، أنفاسي بقت سريعة. فهمت أو استنتجت اللي يقصده. “أنت ميت”! صرخ فيها والأدوية اتهزت على الرفوف: “أنا غضبان ولازم اكون قدامهم سليم علشان أدخل وأنت هتساعدني”.
إيدي بتترعش، مش عارف ينتقم ازاي ولا يدخل فين! مسكت الإبرة وبدأت أخيط الجرح، وشه بارد، مفيش ألم خالص، باصصلي وأنا بدخل السن في جلده وأطلعه بدون أي تعبير، دقايق وخلصت وجبت كريم حطيته على الجرح خفى تفاصيل العملية وبعدها قام وشكرني وقبل ما يخرج من الصيدلية بصلي وقالي: “شكرا، أنا محمد السعدني”. وخرج!
فضلت مكاني متسمر، مذهول، مش مصدق اللي مريت بيه أو اللي شوفته، قفلت باب الصيدلية وقعدت على الكرسي بحاول أسيطر على نفسي، ومش عارف عدى عليا وقت قد إيه وسمعت صوت صريخ جاي من الشارع!
جريت برا بسرعة لقيت الناس متجمعة والنار مولعة في شقة في عمارة بعد الصيدلية بشارعين في الدور الرابع!
الناس بتحاول تطفي النار، الصريخ مستمر، ناس طلعت وحاولت تطفي بس فشلوا، النار شكلها غريب، صريخ جاي من الشقة استمر لدقايق وبعدها سكت!
بعد ساعتين عرفت أن الشقة عايش فيها 4 أصحاب! منهم واحد اسمه محمد السعدني! الصبح الكلام اللي اتقال على لسان الناس إن البوليس لقى 3 جثث اتفحمت ماعدا محمد السعدني كانت جثته سليمة لأنه كان مقتول قبلها بطعنة في الرقبة وجثته محطوطة في صندوق في الشقة الفاضية اللي قدام شقة الشباب!
التحريات بتقول إن الأربعة مغتربين عايشين مع بعض وسكروا وتقريبًا اتخانقوا مع بعض وموتوا محمد ولما فاقوا للي عملوه فكروا في حل يخفوا بيه جثته وحطوها في الشقة المهجورة اللي قدامهم وكانوا حاجزين قطر يرجعوا بلدهم تاني يوم ويختفوا بس حصل الحريق اللي بيقولوا إن سببه مجهول وقضى عليهم!
اللي عرفته خلى عقلي يشت، مش مصدق اللي حصل، يعني محمد كان ميت! جه ودخل الصيدلية وطلب مني أخفي الجرح وطلع ليهم علشان يقنعهم يفتحولوا وميخافوش منه لما يلاقوا الجرح ولما دخل انتقم منهم! سيناريو صعب! سمعت زمان عن حاجة اسمها “الجلبة” ودي بتكون مادة بتتشكل على هيئة جسم الميت بتؤدي دور معين وبعدها بتختفي! هل ده اللي شوفته وجالي! احتمال كبير لأن الأكيد أن فكرة الروح اللي بترد في الجسم بعد الموت دي مستحيلة دينيًا وعلميًا!
تاني يوم روحت الصيدلية جسمي متكسر، فتحت الباب وقبل ما أدخل بصيت على الشقة اللي كانت مولعة، لقيت قدامي محمد واقف في البلكونة وحواليه كربون الحريق على الحيطان وبيسلم عليا بإيده ومبتسم، لمحت وشه بيتحول مسخ ويرجع طبيعي تاني وبعدها دخل!
اترك رد