“القصة مستوحاة من أحداث حقيقية”
=مش عارف، المفروض أقفل الحلقة على كده ولا إيه، أصل مش منطقي أي مكالمة جايه تنافس اللي فاتت، كانت قصة جبارة بصراحة والمكالمة اللي قبلها كمان، أقدر أقول بمنتهى الثقة إن النهارده من أحلى الحلقات اللي مرت على البرنامج، وأنا كده مرضي..
=طيب، معانا تليفون تاني ونقول آلو…
-إزيك يا “قاسم”.
=أهلًا بحضرتك.
-أنت بصراحة وترتني.
=أنا يا فندم؟ ليه، عملت إيه؟
-لإنك قلت مش واثق إذا كانت في قصص تانية هتبقى على مستوى القصص اللي فاتت في الحلقة، وأنت كده حطتني في منافسة وبدل ما كنت مجرد عايزه أحكي قصتي، حسيت كده إني داخلة إمتحان وممكن أفشل فيه.
=لأ خالص، أنا آسف، الحماسة خدتني شوية بس، مفيش منافسات في البرنامج ولا جوايز، إحنا أصلًا مش معانا فلوس نجيب جوايز، حضرتك أكيد عارفة لو متابعاني إني عفوي، مش بفكر في الكلام قبل ما أقوله..
-طب الحمد لله، أحكيلك بقى..
=اتفضلي، معاكي.
-من حوالي شهر ونص حلمت بحاجة غريبة.
=آسف إني بقاطعك بس واضح إنك فاهمة غلط، ده مش برناج تفسير أحلام وأنا معنديش القدرة دي.
-عارفة يا “قاسم” وياريت تصبر شوية ومتقاطعنيش.. حلمت باتنين بيحبوا بعض، حاجة كده عصافير ورقة ومشاعر ملهلبة، اتقابلوا في الغيطان وسط القمح، وشهم كان بريء جدًا، عينيهم بتنطق بمشاعرهم لبعض، مفيش بقى نظام أتقل فيقر ويعترف ويعمل المستحيل عشاني، ولا الستات تحب الراجل الجامد اللي ميدلقش وبكده يتدلقوا هم ويرموا نفسهم على الراجل، لأ، ده حب خالص مفيهوش حوارات وأداء وكر وفر، لكن كان في كذه حاجة غريبة فيهم وفي المحيط حواليهم..
=غير قصة الحب المثالية دي؟
-اه، لبسهم والستايل بتاعهم، مش المفروض دي خضرة وأرياف وكده؟
=مظبوط.
– طيب في الأرياف عندنا، مش عادة البنات أو الستات بيبقوا لابسين طرحة على راسهم ولو منديل مغطي شوية شعر ومبين شوية؟
=يعني، هو المقاييس دلوقتي بقت مختلفة والواحد مبقاش يتفاجأ بأي حاجة.
-يا “قاسم” ركز معايا بس، أنا بقول عادة، يعني ده اللي هييجي في بالك لو تخيلت صورة لغيط وقمح ودرة والذي منه مش كده؟ هتتخيل بنت لابسة منديل ملون أو إيشارب وجلابية.
=صح.
-البنت مكنتش حاطة حاجة على راسها، بشعرها ولابسه حاجة لا منها جلابية ولا منها فستان، قطعة قماش ممتدة لحد نص ركبها لونها أبيض وفي حزام رفيع ملفوف حوالين وسطها ولابسه زي خُف كده، وهو نفس الحكاية، لابس قطعة قماش بس لونها بني فاتح لحد بعد الركب بشوية ولافف حوالين وسطه حزام رفيع..
=غريبة فعلًا.
-نيجي بقى للأغرب، كنت قادرة أشوف مجرى ميه قريب من الغيط، مكنتش شكل الترع اللي متعودين عليها، كان المجرى واسع، والميه فاتحة عليها نقط بتلمع، إنعكاس آشعة الشمس، تعرف ده ممكن يكون إيه؟
=إيه؟
-أقولك أنا، ده فرع من فروع النيل.
=هاه؟ غيط ووراه نيل؟ ده مشهد استثنائي، فين في مصر يا ترى؟
-في أماكن كتير، بس مش في الوقت الحالي، زمان، زمان أوي، أيام ما كان النيل بيجرى حتى جنب الأهرامات.
=قصدك…
-أيوه، الحلم بتاعي كان بيدور في وقت ما من عصر الفراعنة، وده يفسر هدومهم الغريبة.
=تمام، ده حلم ممتع أوي وأثري وفيه وثائقيات.
-الاتنين ملامحهم كانت مميزة، اتحفرت في دماغي من أول ما ظهروا في الحلم، زي ما قلتلك كان فيهم براءة رهيبة بس برضه…الولد اللي عمره يجيب حوالي 19 سنة عنيه كان فيها قوة وإصرار، تحس إنه شخصية تقيلة، استثنائية، راجل وإن لسه كان يعتبر صبي، جسمه قليل والتجاعيد متحفرتش في وشه، والبنت نفس الحكاية، صحيح رقيقة لكن كان فيها صلابة وتقل، مش بس جميلة، كنت متأكدة إن حبهم صادق لبعض..
=حب الاتنين اللي في الحلم؟
-أيوه طبعًا، أومال حب مين؟
=ماشي، كملي، معاكي.
-تيجي ريح في المسافة القليلة ما بين الاتنين وأنا اتنقل معاها لحد مكان تاني، بعيد عنهم، مكان فخم، بيت جواه عواميد منقوش عليها حروف هيروغليفي، وواحد قاعد في قاعة ضخمة، على كرسي كبير، عينه مكحلة، هدومه من قماش ناعم زي الحرير مثلًا، حواليه خدام وجواري كتير، وقدامه أطباق من دهب وكاسات من فضة، الراجل واضح إن ليه مكانة كبيرة، بس مش حاكم مصر، الحاكم أظن قصره كان هيبقى أكبر وحاشيته عددهم أزيد من كده حبتين، واللي أكد لي إنه مش الفرعون فعلًا كلامه.
=كلامه؟ إنتي فهمتي كلامه؟ إيه، كان بيتكلم مصري زينا دلوقتي؟
-بص يا أخ “قاسم”، اللغة في الأحلام هي لغة مميزة مش شبه أي لغة بنتكلمها في أي دولة، بتبقى زي إشارات بتترجم في دماغنا للمقصود من الكلام، الكلام نفسه في الحلم بيبقى مختلف، زي كل حاجة تانية، قوانينا هنا مش بتتطبق هناك، ولو على فرض إنهم كانوا بيتكلموا باللغة المصرية القديمة فأنا برضه فهمت، كان بيتكلم مع ناس شكلهم ليه شأن، مش خدم بتوع القصر، زي جنود أو أصحاب مناصب أو مستشاريين، وكان مضمون الكلام إنه بيتباهى بإن رغم إن مصر بتعيش حالة فوضى بقالها سنين، عصر اضمحلال، وفي ت.مردات بتحصل من الشعب ومحاولات لتقسيم الدولة لدويلات واستقلالهم بحكم مختلف من شوية أشخاص استغلوا حالة الفوضى في الدولة وضعف الاقتصاد وانخفاض منسوب النيل، لكن حاكم مصر كان قادر يعتمد عليه عشان يصد هج.مات الغُرب من الحدود الجنوبية والشرقية والغربية، لأ وكمان يروح بنفسه يهاجم القبايل الغريبة من وقت للتاني عشان يضعف شوكتهم ويأمن الحدود، وقد إيه الفرعون ميقدرش يستغنى عنه وإنه في كفه وحكام الأقاليم كلهم والوزراء وقادة الجيش في كفة تانية، يمكن يكون أهم من الفرعون نفسه، الفرعون من غيره ميقدرش يصد الهجمات ولا يحمي الحدود، مصر بسهولة هتح.تل، يمكن كمان تتقسم من الغزاة، شوية ياخدوا الشمال وشوية الجنوب..
وفي مقابل كده قدر ياخد امتيازات محدش قبله من أمراء الأقاليم أخدها، أي مبلغ بيطلبه الفرعون بيديهوله حتى لو كان مُبالغ فيه في الوقت اللي مصر بتعاني فيه من قلة الموارد والفقر والشعب بيع.اني من الج.وع، وأي جارية بتعجبه في أي مكان بتروح القصر وبتنضم للجواري بتوعه، ده قال كمان إن في زوجة غير شرعية للفرعون عجبته وقال للفرعون إنه عايزها تبقى من ضمن الستات بتوعه، الفرعون اتوتر وبان عليه الغضب والدهشة، بس بعد كام يوم في موكب وصل لقصر الأمير فيه الزوجة اللي بقت من ستاته هو!
=لا والله؟
-أنا بقولك اللي اتقال، أنا أعرف بقى حقيقة ولا فشر؟
=اه، اللي اتقال في حلم حضرتك.
-مظبوط كده، اللي اتقال في حلم حضرتي، هو ده اللي قاله الأمير “سنب” بتفاخر للناس اللي كانوا حواليه، وزود وقال إن لو في نجمة في السما عايزها هيمد إيده وقبل ما يوصل لها هتكون في قبضته ، واحد باين عليه ليه شأن بصله بصة لئي.مة وقال:
-بس في نجوم بتحرق، مش بس بتدي ضي.
-قصدك إيه؟
-قصدي إن في ناس عندها كبرياء وملهاش تمن.
-ده الفرعون نفسه استغنى عن كبرياؤه عشاني، أو بمعنى أصح عشان الأمن في مصر، من غيري مش بس هيبقى فقر وجفاف وتمرد، دي هتبقى حروب وغزو من كل جهة، مصر هتنتهي.
-ده الفرعون، لكن في غيره مش هيرضخوا ليك.
“الأمير “سنب” حواجبه اتعقدت، بعد ما كان سكران من كمية الخمر اللي شربها، فاق، اتعدل في قعدته وقال بنبرة جد، بعكسه نبرته اللي فاتت:
-مين ده اللي على وجه الأرض مش هيرضخ ليا؟ وإيه ناقصني أصلًا؟ عندي أجمل ستات في مصر، وأكتر ثروات وأكبر مخزن للحنطة والحبوب، وأغلى المعادن وأحسن هدوم..
-متفق معاك في كل اللي قلته، إلا في حاجة واحدة بس..
-إيه هي، إنطق!
-معندكش كل الجميلات، الاجمل بره قصرك وملكك!
-بتقول إيه؟ أنا سافرت أراضي مصر كلها من “منف” ل “كنمت” ل”تا ور” و “واست”، مفيش أي جميلة فلتت من إيدي، أنا عندي عيون في كل جهة، بالذات لو الموضوع ليه علاقة بالستات..
-لأ بقى في اللي فلتت، بنت زي القمر، من أسرة بسيطة قرب منف، بس يمكن أنت مروحتش المنطقة دي من فترة، البنت وقتها كانت طفلة، وفي السنين الأخيرة الوردة فجأة فتحت ولونها لمع وسط الورود التانية وريحتها غطت على كل روايح الورد..
-تعرف يا “قاسم” المشكلة كانت في إيه؟
=إيه؟
-إن الراجل ده اللي هيطلع فارس مهم في جيش الأمير كان بيهزر!
=بيهزر؟
-اه، كان قصده على قريبة بعيدة ليه في النسب، بس كانت قريبة لقلبه، ومن وقت للتاني بيزور بيتها، وعلاقته بأهل البيت ده كانت حلوة جدًا، كمل كلامه وقال:
-اه يا أمير، بنت أخويا، هو بصراحة مش أخويا، هو قريب بعيد ليا لكن زي أخويا، بنته كبرت وبقت عروسة زي القمر، أو على رأيك نجمة بتلمع أكتر من كل النجوم، وفرحها هيتم على قريبها “باسر” الإسبوع اللي جاي..
“سنب” اتنفض من مكانه، قام قومة خلت كل اللي متجمعين يتف.زعوا، والخدم كلهم يسيبوا اللي في إيديهم وينتبهوا ليه في ذعر.. قال بصوت غضبان:
-ده مش هيحصل، الوردة دي أنا اللي هقطفها.
-أمير “سنب” د..ي..دي بنت صغيرة، أنا كنت بهزر معاك، بحاول أشاركك فرحتي بجواز بنت أخويا، هي، هي في الحقيقة مش جميلة ولا حاجة، دي وح.شة جدًا، بس روحها حلوة، ملامحها شبه الرجالة، شعر راسها خفيف ومنتف، وحواجبها معقودة في بعض، ومشعرة بقى في كل جسمها، وعندها إعا.قات، إيد أقصر من إيد بشكل ملفت، وفك معووج، ده غير إنها مش بتشوف كويس، وغب.ية، غب.ية جدًا..
الأمير قرب من الفارس “إيمسخ” وبص له بلؤ.م وقال:
-ولو! قبل الإسبوع تكون عندي، هبعتلها موكب من القصر يجيبها، هيحتفلوا بيها طول السكة ولحد القصر احتفال الملكات…
-أيوه بس…
-قضي الأمر!
=ده إيه الحلم اللذيذ ده؟
-شفت بقى، ده لسه التقيل جي… “إيمسخ” طلب من الأمير حاجة، قال له يديله مهلة، ميبعتش الموكب علطول، يستنى يوم وبعدين يخليه يتحرك، وده لإنه عايز يروح قبله لبيت العروسة يقول لهم بنفسه على الخبر ويستنى معاهم الموكب ويرجع فيه مع أميرة المستقبل..
الأمير رد:
-تمام، حقك، وحقهم، أنت برضه قريب منهم، والمفروض إنك تبشرهم بنفسك، فكرة عظيمة..
الفارس ركب الفرس بتاعه وانطلق بأقصى سرعة على موقع قرايبه، كان عايز يكسب وقت على قد ما يقدر، عشان قرايبه يلحقوا يستوعبوا الخبر اللي أكيد بالنسبة لهم هيبقى كا.رثة..
موقفش للأكل والشرب إلا مرات قليلة جدًا، ضغط على نفسه عشان يوصل بأقصى سرعة، وصل في مسافة يومين، أهل البيت اتفاجأوا من زيارته لكن فرحوا ورحبوا بيه كعادتهم، أما سبب المفاجأة كان لإنه جه لوحده، على فرس واحد، عادة كان بييجي مع عدد من الفرس بخدام شايلين هدايا ليهم، عمره ما جه لوحده أبدًا..
وظنهم كان في محله، في حاجة ورا الزيارة الغريبة دي، حاجة هتقلب حياتهم كلها، وش ” إيمسخ” كان مضلم جدًا، ملامحه ثابتة كإنه صنم، مش بيستجيب لكلامهم أو لهزارهم…
-مالك؟ فيك إيه؟
ده كان سؤال قريبه اللي كان بيعتبره أخ ليه ، أبو “ميريت” العروسة الصغيرة واللي مكملتش 18 سنة، “إيمسخ” أخد نفس عميق، غمض عينه وبعدين فتحها وبدأ بتكلم ببطء، قال إن “ميريت” مستنيها قدر عظيم وإن الإله اختارها عشان تبقى من أهم الستات في مصر، عندها ثروة وليها سلطة وكلمة، يمكن أعلى من كلمة الفرعون نفسه..
-ثروة وسلطة وجاه، ههههه، منين ده بس يا “إيمسخ”، بيت أبوها زي ما انت شايف، وبيت جوزها اللي هو إبن إبن عمي مش هيختلف كتير، كلنا ساكنين على نفس الأرض، بيوتنا تشبه بعض، حوانيتنا تقريبًا واحدة، وتجارتنا عالقد، بس مش مهم، إحنا أغنيا بثرواتنا الصغيرة، السمك مش بيبطل يجري على الضفاف، بناكل منه وبنبيع برضه، وبنزرع وبنحصد، هنعوز إيه أكتر من كده؟ صدقني أنا مش مستني كلامك الحماسي ومجاملتك، ومش محتاج تهون عليا، أنا بجد مبسوط بحياتي وبعيشتي وبنتي كمان وجوزها المستقبلي، إحنا يمكن أغنى منك يا “إيمسخ”، اه معندناش فلوسك ولا مكانتك، بس عندنا الأمان، أول ما بنغمض عيننا بننام، أنت بقى فالأقدار تلطف بيك، أول ما بيستدعوك للح.رب روحك بتبقى متعلقة ما بين السما والأرض، في أي لحظة ممكن تتقطف…
-لأ، أنت فهمتني غلط، أنا أقصد اللي قلته، “ميريت” بجد هتبقى في مقام ملكة…
“للسخرية، الكلام العظيم اللي كان بيقوله “إيمسخ” كان طالع بنبرة مكسورة زي عينه بالظبط، اللي كانت بتتهرب من قريبه، كإنه مش مصدق نفسه! بيعمل أداء مبتذل، زايف، قال له على الأخبار اللي عنده بكلام مقطع..
أكيد قريبه ها.ج وغ.ضب، ومشافش إن دي أخبار حلوة، لا كان يهمه قصر ولا نفوذ..شوف يا “قاسم”، الراجل ده المفروض إنه كان عايش من آلاف السنين وبيتكلم لغة غير اللغة وعقيدته غير عقيدتنا، لكن روحه كانت هي هي روح الفلاح الأصيل بتاع دلوقتي، نفس الكرامة والحمية والطيبة والغلب!
طبعًا قعد يسأل “إيمسخ” أسئلة كتيرة من نوعية “إزاي الأمير عرف عن “ميريت”؟ شافها فين؟ ليه عايز يتجوزها هي بالذات دونًا عن غيرها؟ هو مش عارف إنها لواحد تاني؟ وفرحها كمان كام يوم؟
كانت إجابته واحدة على كل الأسئلة “قضي الأمر”، ومش معقول واحدة ترفض عرض زي ده، ده مش بيبقى عرض، ده بيبقى قدر!
بعد ثورة الأب، نبرته اتحولت للاستعطاف، قال له يبلغ الأمير إن البنت ما.تت، جالها حُمى وما.تت، لكن “إيمسخ” رفض وقال إن أكيد الكدبة هتتكشف لإن الموكب زمانه جاي والبصاصين بتوع الأمير كمان في كل مكان وهينقلوا الأخبار ليه…
الأب غمض عينه والدموع سالت منها، استسلم، أصل إيه تاني في إيديه يعمله…
“إيمسخ” نام في الركن اللي متعود ينام فيه لما بيجيلهم زيارة، قبل ما يغرق في النوم سمع عويل وعياط ولطم على الوشوش، كانت “ميريت”، انفجرت زي البركان، وأبوها عمال يبكي ويحاول يهديها…
الفقرة فضلت مستمرة، “ميريت” مكنتش عايزه تهدى، و”إيمسخ” في النهاية استسلم ونام، برغم الدوشة الرهيبة وحالة الشياط…
لما قام مسمعش غير العصافير، الدنيا كانت هادية جدًا، هادية بشكل مريب، خرج من مكانه ببطء، اتفاجأ بقريبه بيبتسمله وبيقول:
-يالا، معايا كوز المايه، اطلع بره البيت عشان تغسل إيديك ووشك، الميه اللي معايا صافية من النيل الجاري!
-أفهم من كده إن “ميريت” اقتنعت وكله تمام؟
حرك راسه فيما معناه إنه أيوه، وبعد ما رجعوا البيت وفطروا “إيمسخ” اتفاجا بعرض قريبه، قال إنه ملى زلع كبيرة بالماني، فضل يملي فيها طول الليل …
=إيه الماني ده؟
-العسل..المهم إن الزلعة الواحدة كانت ضخمة جدًا، وهو ملى 40 زلعة كاملين، هدية جواز بنته، “إيمسخ” استنكر العرض واستغرب الكلام، إزاي يعني أهل العروسة هم اللي يقدموا هدية، خصوصًا كمان لما يبقى العريس أمير إقليم، أهم أمير في مصر، الفارس الأول، القائد ضد كل جيوش الأع.داء، رد عليه قريبه وقال له إنه عايز يبين للأمير إنهم برغم بساطتهم لكن عندهم ثروات من نوع تاني، ومش محتاجين، لازم يبانوا أهل كرم وعندهم كرامة، وأصر إن الموكب الضخم اللي وصل آخر اليوم ده يرجع للقصر بالزلع ومعاهم “ميريت”…
ومع زِلع العسل، كان في حاجة تانية، إزازة نبيت، عنب متخمر، القريب خمره بنفسه، وصى “إيمسخ” إن الإزازة تفضل معاه، يحافظ عليها لحد الوصول، ولما يوصلوا يسلمها ل”ميريت” اللي هتصبه بإيديها للأمير بعد ما الاحتفال يخلص..
“يتبع”
“الجزء الثاني والأخير”
الأميرة المستقبلية “ميريت” لبست أحسن لبس عندها واستنت الموكب، وشها كان جامد، عنيها مش بتطرف، ضهرها مفرود، كإنها واحدة تانية غير البنت اللي كانت بتصرخ الليلة اللي فاتت، رمت حبها ورا ضهرها، وبقت مستعدة لحياة القصور..
الموكب وصل، وهي ركبت على أحلى فرس فيهم، والحركة بدأت لقصر الأمير..
الأمير اتفاجأ بالزلع الكتيرة الضخمة، مكنش يعرف إن ممكن يكون في زلعة بالحجم ده اصلًا، مشافهاش في حياته، لكنه اكيد فرح جدًا بالهدايا، وفرح أكتر بالهدية الكبيرة، “ميريت”..
كانت مكسوفة، باصة في الأرض، رفع وشها بصوابعه، ومن أول نظرة وقع في حبها…
=نموذج الست الغد.ارة، اللي تبيع راجلها وقلبها قدام شوية فلوس أو خاتم الماظ يلغي أي عاطفة عندها..
-تقدر تعاتبها؟ لو كنت مكانها وجتلك فرصة زي دي، كنت هتمسك في الغلبانة اللي زيك وعيشة الفقر؟
=اه طبعًا كنت همسك في الست اللي بحبها، خصوصًا إنهم مكنوش فقرا بالمعنى بتاع دلوقتي، النيل كان بيجري قريب منهم وبرغم الكساد الاقتصادي والجوع اللي سايد في الفترة دي، لكن هم كانوا قادرين لسه يصطادوا من النيل ويبيعوا كمان، أنا بصراحة مش مصنفهم فقرا أصلًا، الناس دي الفلوس ملهاش قيمة أوي في حياتهم، مش زي المستهلكين، اللي لا يقدروا يزرعوا أو يصطادو ومواردهم بيحتاجوها من غيرهم.
-شفت بقى؟
=إيه؟
-شفت أنت اندمجت إزاي وبدأت تتعامل مع الحلم على أساس إنه حقيقة، إنها قصة حصلت بجد.
=اه صحيح، أنا اتحمقت واندمجت وصدقت، نسيت إنه مجرد حلم، كملي يا شهرزاد، إيه اللي حصل في حلمك بعد كده؟
-بعد الانبهار بجمال “ميريت” حلت موجة الغ.ضب، وده عشان في حد قال له إن “ميريت” قب.يحة، عندها إعا.قات وغب.ية، واحد كان بيحاول يخلي العروسة دي متبقاش من نصيبه، عمها ” إيمسخ”، وعلى فكرة الأمير مكنش مكدب “إيمسخ”، يعني لا مكدبه ولا مصدقه، مكنش فارق معاه، هو طلبت معاه عند وبس، وجت معاه كده، يمكن لو كان فايق مش سك.ران أو في حالة تانية مكنش هيطلب يتجوزها، كإنه رهان لازم يكسبه، لكن في كل الأحوال مكنش متخيل إنها هتطلع جميلة أوي كده، دي أجمل من كل ستاته، أجمل ست شافها..ونوى إنه يعدم “إيمسخ” تاني يوم الصبح، حتى إنه أمر واحد من حراسه اللي بيثق فيهم وسط الاحتفال إنه مع اول خيوط للنور يهجم على “إيمسخ” في أوضته ويسحله ويوديه لأوضة الحبس وهناك يعد.مه فورًا، واللي سمعت الكلام ده “ميريت” بس عملت كإنها مش واخدة بالها…
=وتوتة توتة فرغت الحدوتة، “ميريت” اتجوزت الأمير وبقت أميرة و”إيمسخ” أخد جزاؤه عشان باع بنت قريبه للأمير وكسر قلب حبيبها “باسر”..
-حاجة زي كده.. ده اللي المفروض كان يحصل، مش كده؟ الاحتفال فضل ساعات وساعات، وبعدين المولد انفض، الساحات خليت وكله بيتك بيتك، والأمير طلع على أوضته مع عروسته الجميلة، وأول ما دخلوا الأوضة قدمتله إزازة النبيت، هدية أبوها، فتحها وشرب منها وهو بيبتسم ل”ميريت”، مش بينزل عينه من عليها، مفاتتش دقيقة، وجفون الأمير خانته، نزلت زي الستاير التقيلة على عنيه، وراح في النوم!
أما بقى بالنسبة للأربعين زلعة اللي دخلوا أوضة الخزين الكبيرة فالحياة دبت فيهم، الزلع اتحركت..
غطيانها طارت، وأجسامها اتهزت، وخرج منها 40 واحد، في مقدمتهم “باسر” خطيب “ميريت”..
=ياااااه! لأ، لأ، لأ..
-اه، هو ده اللي حصل، “باسر” ومعاه تسعة وتلاتين شجاع، بأس.لحة بيضة بدائية، حاجات تشبه للشواكيش وسكاكين بيت، وحجارة ومناجل..
اتسللوا من أوضة الخزين لحد أوضة الأمير، و”ميريت” كانت في استقبالهم..
=وإحنا اللي ظلمناها وقلنا عليها خاي.نة وغ.دارة؟
-أنا مقولتش، أنت اللي قلت.
=بس ثانية واحدة، إزاي يعني مشيوا وبرطعوا في القصر كده عادي لحد ما وصلوا أوضة الأمير؟
-ليلة زي دي، احتفال كبير وخمرة مش بتفضى من كؤوس كل اللي حضروا، تفتكر حد فيهم هيبقى فايق، حارس أو غيره؟
=فهمت، تمام، كملي.
-“ميريت” فتحتلهم الباب، حبيبها “باسر” أول واحد دخل ووراه الباقي، و”باسر” هو طبعًا اللي نزل بالمنجل بتاعه على الأمير وخلص عليه قبل ما يدرك اصلًا اللي بيحصل له…
ونزلوا من الأوضة بنفس الهدوء اللي طلعوا بيه، لكن للأسف قبل ما يخرجوا من بوابة القصر شوية حراس انتبهوا ليهم، مش كلهم طلعوا سك.رانين طينة، في منهم اللي الحركة فوقتهم، وبدأت معركة دموية، هو عدد الحراس مكنش كبير، حوالي 10 ، لكن كانوا مدربين، متعودين على إستخدام السيوف والأسلحة التانية الخطيرة، أسلحة المعارك، عشان كده الأربعين قدامهم كانوا محتاسين، بصراحة هم قاوموا بشجاعة وردوا ضرباتهم بضربات عشوائية ومستسلموش، النتيجة هي إن أغلب الحراس ماتوا وكام واحد اتبقوا بإصابات خطيرة، ومن الأربعين محدش مات لكن عدد اتصابوا، من ضمنهم “باسر” اللي إصابته كانت خطيرة ونزف كتير، جريوا على الأحصنة بعد ما المعركة خلصت، السليم فيهم شال المصاب، وانطلقوا…
=متقوليش إن “باسر” مات.
-“باسر” مصيره كان واضح، يعتبر من الأم.وات، سخن وحرارته كانت عمالة تعلى طول الطريق بسبب جرحه العميق، عنيه بتزوغ، بيعرق وبيخرف، كان بيحكي عن حاجات شايفها محدش شايفها غيره، عوالم بيروحها ومواقف بيعيشها، شفايفه ابيضت وجلده بقى باهت، واضح كده إنه كان مستني يوصل بيته عشان يم.وت…
صمد لحد ما وصل، نقلوا جسمه على البيت اللي كان المفروض يجمعه ب”ميريت”، بيت الزوجية…
“ميريت” وأبوها وأم “باسر” اتجمعوا حواليه، ومعاهم حكيم جابه حد من المعارف، كان في لغة حزينة ما بينهم، عارفها؟ اللغة دي اللي بتبقى عبارة عن سكوت ممزوج بنظرات خاطفة ما بين الناس وبعضيها، وبصة في الأرض وفي السقف، وملامح جامدة متخشبة، لغة انتظار الم.وت…
=وم.ات البطل بعد ما أنقذ بطلته من مصير مظلم وراجل ميعرفش الرحمة ولا النخوة وتوتة توتة فرغت الحدوتة، قمتي من النوم وعملتيلك فرابتشينو.
-لأ يا “قاسم”، الحلم مخلصش، الحكيم في النهاية مشي بعد ما خلط أعشابه في بعضها وشربها ل”باسر” وحط مراهم وأدوية على مكان الجرح وعلى وشه المولع، وشاف إنه عمل كل اللي يقدر عليه، وكلها مسألة وقت، الإنسانية والنخوة تقول إنه المفروض ينسحب ويسيب الشخص الي بيودع الدنيا يقعد الوقت المتبقي ليه مع أقرب ناس، مع اللي بيحبهم، وجوده في الوقت ده ماسخ وملوش معنى..
والتلاتة فضلوا حواليه، قعدوا شوية وبعدين أبو “ميريت” وأم “باسر” انسحبوا، وسابوا العصفورين يودعوا بعض، “ميريت” عنيها ورمت من العياط وحبال صوتها التهبت، “باسر” مكنش قادر يتكلم، مش عارف يهون عليها ازاي، كل اللي عمله إنه حرك صوباعه بالطاقة المتبقية عنده، وقربه لإيدها، لكن مقدرش يلمسها، مبقاش عارف يحرك إيده، وبعدين وشوشها، قال إنه عايز ينام..
سابته وهي مدركة هو كان يقصد إيه، مكنش عايزها تشوفه وهو بيم.وت، “ميريت” فضلت جنب الدار الصغيرة بتاعتهم، راسها مدلدلة في انكسار وحاطة إيديها الاتنين عليهم، بس حصلت حاجة غريبة، في وسط انهيارها، رفعت راسها وبصت للسما، نادت الإله، ربنا، قالت في سرها إنها تايهه، متعرفش أنهي الإله الحق في وسط المعتقدات الكتير السايدة وتعدد الآلهة في الثقافة بتاعتهم، لكنها متأكدة إن رب الكون واحد، متعرفش كينونته ولا وصفه، لكنه رحيم حكيم، وهو الوحبد القادر على صنع المعجزة، إنه ينجي “باسر” وجرحه لوحده يطيب، ياخد وقته بس يطيب، وبعدين رجعت تاني دلدلت راسها..
الصبح بدري أبو “ميريت” دخل البيت وده عشان ياخد الج.ثة ويدف.نها ويعملوا مراسم تليق بيه، لكنه لقى واحد قاعد بضهره، مربع، سرحان في الفضا، كان “باسر”!
“باسر” قام، فاق، صحته اتردتله، وبقى كويس…
=عاش؟
-عاش، واتجوز “ميريت” في الليلة دي، عملوا احتفالية كبيرة، الناس فيها كانت فرحانة أكتر من أي فرح تاني ممكن تحضره ، الدموع اتخلطت بالضحك من كتر الفرح، “باسر” كان مي.ت وحيي والعريس بقى أخيرًا للعروسة..
=يااه، أما نهاية حلوة ورمانسية بصحيح..
-أنا عايزه افهم، انت مستعجل على إيه، وراك حاجة يا “قاسم”، عايز تقفل البرنامج وتروح تقعد مع صحابك عالقهوة؟
=لأ، مقصدش، بس كل مرة ببقى متخيل إن الحلم خلص فعلًا..
-لأ، مخلصش، من هنا القصة بدأت..
في نفس الوقت اللي الاحتفال كان شغال فيه، في حركة كانت بتحصل في مكان تاني، الأمير “أبريس” ابن الأمير “سنب” اللي هو برضه كان أمير إقليم تاني عرف بم.وت أبوه واتحرك فورًا على قصر الفرعون نفسه عشان يبلغه ويطلب منه الإذن بإنه ياخد التار، “إبريس” كان شايف إن اللي حصل في ابوه غد.ر عشان كده الق.تلة مينفعش بس يتحاكموا ويتع.دموا، دول لازم يدوقوا من نفس الكاس، يم.وتوا غد.ر هم ومعاهم كل قرايبهم ومعارفهم وقريتهم…
وفي واحد انضم ل”إيريس”، بقى حليف ليه وهو ” إيمسخ”.
=”إيمسخ”؟؟ عم “ميريت”؟
-أيوه، هو شاف برضه إنه اتغدر بيه لإنهم خد.عوه، خلوه يقدم بإيده الإزازة اللي فيها خمر مغشوش، جواه مخد.ر، ولو كان الموضوع اتقفش والأمير عرف ومشربهوش كان هيتعد.م فورًا، مكنش يعرف إن الأمير كان ناوي يع.دمه في الصباحية، والق.تلة بالطريقة دي أنقذوه..
شدوا الرحال على قصر الفرعون، وصلوا بعد 3 أيام، خبر ق.تل الأمير كان وصل للفرعون فعلًا، الفرعون حزن، مش عشان عيونه، لأ، هو أصلًا مكنش بيحبه، لكن المصالح بقى..مين غيره هيحمي حدود مصر من الذئاب البشرية؟
كان باين على الملك التعب وده بسبب قلقه من ساعة ما عرف بموت “سنب”، وبرغم كده لما الأمير ” أبريس” و ” إيمسخ” عرضوا عليه موضوع الان.تقام، الملك رفض، مفكرش أصلًا، رفضه كان قاطع، مستحيل ده يحصل!
الملك كان شايف إن مصر مش مستحملة فوضى، والموضوع ممكن يوسع ويبقى د.موي أكتر مما يتخيلوا، هم ميعرفوش عدد العائلات من ناحية الأب والأم بتوع الزوجين، عيلة “ميريت” و”باسر” ومعارفهم، يمكن كمان يكون ليهم قرايب في أقاليم تانية، ودول بقى لما يعرفوا ييجوا ويتجمعوا عشان ينتقموا لم.وت قرايبهم، ممكن بسهولة يشعلوا فتيل ح.رب أهلية وهم مش داريانين..
” أبريس” خرج من قصر الفرعون محبط، نار البركان اللي فيه قايدة أكتر، رغبته في الان.تقام اتروت وكبرت من رفض الفرعون، وأصر إنه ينتقم من اللي ق.تلوا أبوه وبأبشع الطرق…
” إيمسخ” اللي اتحول من ملاك لشي.طان رجيم، نزل من مكانة عالية واتمسخ لوحش مليان غل، اقترح على ” أبريس” يروحوا ليها..
=هي مين دي؟
-الدجالة، أشهر وأخطر دجالة في مصر، اللي الكهنة بيلجأولها عشان تعمل تعاو.يذ وطلا.سم تحمي بيها مقاب.ر الملوك والشخصيات المهمة، اللي بتنقش على جدران المقاب.ر “الم.وت سيظل بجناحبه كل من يعكر سلام الملك” وقبلها بتكون حاطة س.مها في المقبرة.
=معلش، انتي بتقولي “ملوك” بالجمع؟ ده في ملوك عاشوا بالتسعين سنة، هي عاصرت كام ملك؟
-بص هو الموضوع ده في روايتين..
=الروايتين شفتيهم في الحلم برضه؟
-أيوه، شفت ناس مختلفة بيتكلموا عنهم، المهم، الرواية الأولى بتقول إنها سا.حرة قديمة خلفت بنت والبنت ورثتها في السح.ر وقوته وتأثيره، والبنت كبرت وخلفت بنت ورثتها في السح.ر وقوته وتأثيره والبنت كبرت وخلفت بنت وهكذا، الس.احرات ليهم نسل مش بيتقطع من البنات وكلهم نسخة متطابقة من بعض! حتى بالعلامة اللي على الكتف اليمين، الوحمة السودة الكبيرة، وفي رواية تانية بتقول إنها هي نفسها، عاشت كل العصور دي!
ما علينا خلينا في المهم، أهي دي اللي لجأ ليها ” أبريس” ومعاه الشي.طان ” إيمسخ”.
=دي؟ أقوى سا.حرة فيكي يا مصر، اللي عملت لع.نة الفراعنة ومشيبانا لحد دلوقتي، هي دي اللي استلمت الغلبان “باسر” ومراته “ميريت”؟ يا حظك يا “باسر”!
-باب الساحرة “نونيا” كان مفتوح، ” أبريس” مد إيده وفتحه ودخل من غير استئذان…
سمع صوت مر.عب يشبه صوت التعابين بيقول:
-تعرف لو كان حد غيرك يا أمير، كنت سخطته على العملة دي، مين ده اللي يتجرأ يدخل مجلسي من غير استئذان؟
-أنتي مش قافلة بابك.
-مش محتاجة، أنا بابي القفل بتاعه هو سلطتي ومفتاحه هو لعنتي، مين دول اللي عايز تلع.نهم؟
-اللي ق.تلوه.
-الانت.قام فوهة بركان مش بتخمد، انفجار ورا انفجار لحد ما البركان يدمر نفسه، متأكد إنك عايز تنفذ؟
-أيوه، أنا أخدت قراري خلاص.
-وهو كذلك..
عملت عروسة من قماش وفيها خيوط مربوطة وملفوفة حوالين الكتاف والرجلين، وملامح وشها كانت شبه “ميريت” بالظبط، الساحرة قالتله إن الس.حر تأثيره هيبدأ بعد سنين من وقتها، وده عشان قلب “ميريت” يتحرق أكتر، وحسرتها تبقى اكبر، قبل ما تم.وت لازم تشهد خسارة روحها، مرات ومرات ورا بعض، ” أبريس” مكنش فاهم تقصد إيه بالظبط بس كان حاسس إنه هيبقى شيء عظيم، ” نونيا” قامت فجأة من مكانها ورمت العروسة جوه قدر ضخم فيه كمية كبيرة من مادة حمرة لزجة، وبعدين مدت إيدها في المادة المغلية اللي بتطلع بقاليل وسحبت العروسة اللي بقت لونها أحمر لون الد.م اللي بيغلي في القدر!
وفضلت العروسة عندها لحد ما فاتت 10 سنين بالظبط…
خلال السنين دي “ميريت” جابت 7 ولاد، نسيت اقولك إنها وهي حامل في أول مولود بدأت تعاني من ظاهرة كده…
=ظاهرة إيه؟
-أول ما تقرر تنام، عنيها خلاص هتقفل ستايرها، كانت بتلمح حاجة فوق راسها، لما بترفعها بتشوف كيان قاعد على الهوا مربع وساكت تمامًا، كيان لونه رمادي زي ما يكون سحابة دخان، عنيه مفيهاش حياة ولا بينطق ولا بيتحرك، ولما كانت بتحاول تنام، كانت بتحس بتقل على راسها، كإن الكيان بينزل وحرفيًا بيقعد على راسها!
حكت اللي بتشوفه ل”باسر” لكن هو فسر الموضوع على إنها هلاوس وكوابيس بسبب التجربة اللي مروا بيها، تجربة الأمير الجبار اللي خطفها وكان هيتجوزها غصب عنها وإنه كان على وشك يم.وت…
=وهي اقتنعت؟
-في البداية، لكن مع تكرار الظاهرة بقى عندها قناعة إنها مش مجرد هلاوس، لكن هتعمل إيه، ما باليد حيلة، المشكلة إنها مبقتش عارفة تنام، سنين نومها صعب، لو نامت 3 ساعات على بعض في اليوم يبقى فل أوي.
=ما طبعًا، أنا لو في ج.ن بيقعد على راسي مخي هينفجر مش هيجيلي أرق بس.
-كل مدى أحوال “ميريت” كانت بتبقى غريبة أكتر، بتسرح كتير، “باسر” كان بيدور عليها مش بيلاقيها وبعدين يلاقيها واقفة لوحدها في أماكن مقطوعة بتبص للفراغ قدامها، كإنها شايفة حاجة، ولما يسألها تفوق كإنها كانت في غيبوبة وتنسى تمامًا السبب اللي خلاها تروح الأماكن دي..
وفي يوم “باسر” رجع من الحانوت بتاعه لقى “ميريت” قاعدة جنب ولد من ال7، عنيها بتنزل دموع ومش بتعمل صوت، بص للولد اللي عنده 5 سنين ولقاه ممدد على الأرض، شكل جسمه غريب، رقبته ملوية، مكسورة!
“باسر” استنتج إنه وقع وهو بيلعب، أصله كان شقي أوي، اتخبط مثلًا خبطة جامدة وهو بينط في حيطة وم.ات…
بعد الحادثة بشهور رجع من شغله ولقى بنت تانية جسمها كله وار.م ومش بتتنفس، سأل “ميريت”، برقت ومردتش، استنتج إنها لدغة تعبان، ما هو أصل التعابين كانت موجودة كتير أوي في مصر، زي الكلاب والقطط عندنا دلوقتي، تلاقيها في كل مكان..
بعدها بشهر واحد الولد التالت اختفى ومرجعش..
والرابع بعده لقوا أش.لاء من جسمه على شط النيل واستنتج “باسر” إن تمساح أكله..
والخامسة اقنع نفسه إنها قرصة عقرب…
والسادسة جسمها كله كان أزرق وقال بسبب البرد الشديد..
ومفضلش غير الولد السابع…
“باسر” شعر وشه كله طول، مبقاش يروح شغله ولا بيستحمى في النيل غير كل فين وفين، ومبقاش يسيب “هيثمي”، حتى لما بينام بيفضل حاضنه، ماسك فيه جامد، وبعد كل الأم.وات دول واجه نفسه بالواقع اللي كان بيتهرب منه، “ميريت” ليها علاقة بكل الم.وت ده!
=يا خبر!
-“ميريت” مبقتش “ميريت”، ده اللي “باسر” أدركه من فترة كبيرة بس حاول ينكره ويضحك على نفسه، “ميريت” مبقتش موجودة واللي معاه في البيت كيان تاني، كيان ساكن جسمها…
=الكيان اللي كان بي…
-أيوه، اللي اتسلط عليها وحرمها من النوم وخلى عقلها يطير، “ميريت” أو الكيان اللي في جسمها أو هم الاتنين في بعض هم اللي ق.تلوا الولاد كلهم، أصلًا مش فارقة، حتى لو مكنش في كيان سكن جسمها، “ميريت” اتج.ننت من انعدام النوم واللي بتشوفه كل ليلة، لوحدها قادرة تق.تل ولادها كلهم..
“باسر” قرر ينقذ ابنه المتبقي، يهجر “ميريت” والبيت، خرج مع ” هيثمي” بليل، المفروض كانت نايمة في الركن بتاعها، مشي في اتجاه بيت بعيد شوية، اشتراه من غير ما “ميريت” تدرى، لكن هو نسي حاجة مهمة أوي، “ميريت” مش بتنام!
اتسللت وراهم من غير ما يحسوا، فضلوا يمشوا وهي وراهم لحد ما وصلوا بير معين، الدنيا كانت ضلمة والجو في لسعة برد، “باسر” ساب إيد ابنه للحظات، مفاقش غير على صر.يخة صغيرة، كإنه حيوان صغير اللي بيص.رخ، بص جنبه في ذع.ر لقاها “ميريت” شايله الولد وبترميه في البير، زقها ، الولد كان حرفيًا في الهوا، الجاذبية بتسحبه بأقصى سرعة لتحت، “باسر” مد دراعاته وبأطراف صوابعه لحق يمسكه، خرجه وحطه على الأرض وبعدها بلحظة رفع “ميريت” ورماها في البير، صري.خها كان عالي أوي، وفضل مستمر كتير، أنت متخيل ده معناه قد إيه البير عميق؟
=يا ربييي، ده حلم ده ولا ملحمة؟ وبعدين حصل إيه؟
-بس، دي النهاية.
=نعم؟ لأ، أكيد لأ، بقى من ضمن كل النهايات اللي توقعتها، دي تبقى النهاية؟
-يعني هو متبقي شوية صغيرين، عشان متزلعش، النهاية مش سوداوية أوي، العدل أخد مجراه، ” أبريس” مات مج.نون، كان بيشوف كيانات محدش غيره بيشوفها وبيص.رخ وبيقول إنها كل يوم بتدور فيه الض.رب لحد ما جسمه بي.ورم، “إيمسخ” مراته قت.لته بالس.م عشان تتجوز عشيقها ويعيشوا في تبات ونبات و”نونيا” لقوها في بيتها ممددة، غرقانة في د.مها وعنيها الاتنين خارجة من محاجرها، كل الحوادث دي طبعًا بتفصل ما بينهم سنين، اما أنا…
أنا شفت مكان البير بالظبط، وشفت مكان التميمة اللي وقعت من “باسر” وهو بيرمي “ميريت”، التميمة وقعت على الأرض والتراب غطاها مع نفحات الهوا، أما البير فاتردم من زمان، وبعد ما قمت من النوم روحت على نفس المكان…
=نعم؟ إزاي يعني؟
-أهو، كنت بمشي بالعربية في مسارات معينة، وحدسي كان الجي بي إس بتاعي، لحد ما وصلت مكان، نزلت من العربية وتنيت ركبي في بقعة معينة، فضلت أحفر بإيدي لحد ما شفتها…
=شفتي إيه؟
-التميمة.
=تميمة “باسر”؟؟
-تميمة باسر.. أول ما شلتها سمعت صوت مكتوم، صرخة بعيدة، صرخة واحدة ست من تحت الأنقاض..
=لأ، أكيد لأ!
-هو ده اللي حصل، واضح إن المكان هناك مش أمان، البير المردوم جواه حاجة مظلمة، ش.ر مطلق..
=يعني ده مكنش حلم؟
-نسيت أقولك إنا مين يا “قاسم”، أنا “هادية” مرات “رائد”، فاكر؟ اللي روحت معاه غابة دراكولا و…
=وساعدتي في حل قضية الدقي، أنتي اللي بتشوفي أم.وات وكيانات، وبتسمعي الحوارات الدايرة بين الناس وبتشوفيهم وأنتي في أماكن تانية!
-الأحلام والرؤى كانت اتقطعت عندي من وقت، بس واضح إنها رجعت تاني، بس بحذرك يا “قاسم”، لو قلبك مش جامد كفاية ومش بتستحمل تعرف حاجات فوق طاقة عقلك إياك تحاول تتواصل معايا، ممنوع الاتصال أو التصوير….
“تمت”
#بئر_ميريت