قصص

قصه بوابة 3

كنت مبسوط لمّا لقيت الشغلانة دي، أخيرًا هيكون في دَخل ثابت يخلّيني أعيش مُستقِر، دا غير إنها شُغلانة لا فيها شيل ولا حَط ولا مشاوير، فَرد أمن على بوابة مصنع؛ هقعُد سُلطان زماني على مكتب جنب البوابة لحد ما النهار يطلع.
نجحت في المُقابلة واستلمت الشُّغل، وعرفت إن معايا ناس تانية في الورديَّة، ولما استلمت الشُّغل رئيس الوردية قال لي: “محتاجك على بوابة ٣”. وشاور لي ناحية البوابة، وبعدها رُحت قعدت على مكتب الأمن اللي جنبها، ده طبعًا بعد ما شرحلي تفاصيل الشُّغل.
الدنيا كانت اسكُت هُس زي ما بيقولوا، منطقة صناعية وليل بقى، وإحساس بإن شُغلانة فرد الأمن دي مالهاش لازمة، واحد قاعد حنب بوابة مقفولة لمدة كام ساعة، يلا مُش مهم، أهم حاجة المُرتَّب.
الساعة ١ صباحًا…
كنت قاعد في هدوء، وفجأة لقيت فرد أمن جاي ناحيتي وبيجُر كُرسي في إيده، ولما وصل عندي حط الكرسي جنبي وقَعد وقال: “ازيك يا فتحي”.
استغربت عرف اسمي منين، أنا لا شُفته قبل كده ولا كان ضمن أفراد الأمن لما وصلت، لكن قُلت عادي، يمكن وصل متأخر وحد قال له إني جديد ووصل لاسمي عادي، ما هو اسمي مش سِر حربي يعني، ولقيتني بقول له: “الحمد لله؛ أنت شغّال معانا هنا؟”.
في اللحظة دي قال لي: “أيون، أنا فرد أمن هِنا على بوابة ٣”.
ردّه كان غريب، لمّا هو فرد أمن على بوابة ٣؛ أومال أنا بعمل إيه هنا؟!
بصّيت له وقلت: “معلش بس أنا مستلم البوابة؛ ومحدّش قال إن في حد معايا”.
رَد على كلامي وقال: “مش ضروري حد يقول لك؛ المهم إنك تعرف إني معاك على البوابة”.
الغريبة؛ إنه كان بيتعامل عادي، دخل على كاتيل الشاي وحط الفيشة في الكهربا عشان يسخَّن مَيَّه، وجهّز كوبّايتين وحط فيهم شاي؛ وسألني “سُكَّرك إيه؟”.
رديت عليه وقُلت: “من غير سُكّر”.
ساعتها قفل برطمان السُّكر اللي كان في إيده وقال: “خير ما عملت، السُّكر مُضر بالصحة، أنا كمان مبشربش حاجة بسُكر، مُش بعيد كمان تكون نباتي”.
ابتسمت وقُلت: “في فرد أمن نباتي برضه!”
صب كوبايتين الشاي وهو بيقول لي: “على رأيك”.
قعدنا نشرب الشاي، ولقيتني بسأله سؤال اتأخر كتير؛ وقُلت: “بالحق مقولتليش، اسمك إيه؟”
ضحك ضحكة مكنتش عارف إن كانت سخرية ولا تفسيرها إيه وقال: “سؤال متأخر فعلًا، يعني أنا عرفت اسمك من أول ما أنت وصلت، لكن أنا قعدت معاك، وعملت لك شاي وبنشرب، وأنت لسه متعرفش اسمي، التقصير منك أنت على فكرة؛ أنت اللي مسألتش؛ عمومًا ياصاحبي اسمي فؤاد”.
استغربت كلامه الكتير وقُلت: “أومال ليه كل البوابات عليها فرد أمن واحد، وبوابة ٣ دي عليها فردين؟”.
حط كوباية الشاي اللي في إيده وقال: “سؤال في محلّه، بوابة ٣ دي هي بوابة المصنع الخلفية، بتفتح على منطقة مقطوعة، حظك إنك استلمت الشغل وقاعد ورا البوابة من جوَّه، لكن لو فتحناها دلوقت هتشوف صحرا، منطقة مفيش فيها صرِّيخ ابن يومين، عشان كده لازمها تأمين كويس، أي حد يفكر يدخل المصنع بالليل، مش هيفكر غير في البوابة دي، لأن البوابات التانية شغالة ليل نهار، تحميل وتنزيل؛ وناس داخلة وخارجة، البوابة دي للطوارئ فقط، عشان كِدَه مش بتتفتح كتير، وعشان التأمين عليها يكون شديد، لازم يكون عليها فردين، متضمَنش؛ واحد عينه تِغفل أو يروح الحمام، التاني يبقى موجود؛ خصوصًا بالليل، ياما مصانع اتسرقت من البوابات الخلفية، المصنع ده نفسه؛ اتسرق من كام سنة، ومن البوابة دي، عرفت ليه بوابة ٣ لازم يكون عليها اتنين يا فتحي؟”.
كلامه كان منطقي، قُلت بالمرَّة أهو حد يسلِّيني، لأن البوابة طلعت مبتتفتحش خالص، إلا في حالة الطوارئ، ولا في حد بيدخل ويخرج منها، يعني هقعد أكلِّم نفسي طول الوردية.
فضلت أتكلِّم معاه؛ حكى لي عن تاريخ المصنع، وحكى لي عن جريمة السرقة اللي حصلت من بوابة رقم ٣، كان بيحكي التفاصيل كأنه لسه شايفها من ٥ دقايق، وعلى ما خلَّص كلامه، كان النهار قرَّب يشقشق، وكان فاضل ساعة والوردية تخلص، في اللحظة دي شُفت مسؤول أفراد الأمن بيقرَّب من البوابة، نده عليَّا؛ فقُمت من مكاني ورُحت له وسيبت فؤاد قاعد على الكرسي في مكانه، سلطان زمانه ولا كأن المسؤول موجود، قُلت في سرّي: الأقدمية في الشغل لها دور برضه، ولما رُحت للمسؤول سألني: “إيه الأخبار يا فتحي؟”.
رديت وقُلت له: “الحمد لله؛ كله تمام”.
كان بيبُص لملامحي وبيقول: “مش عاوزك تزعل إنك على البوابة الخلفية، عاوز أقول لك إن دي أهم بوابة في المصنع، وأنا لما شُفتك في بداية الوردية، قُلت مش هينفع للبوابة رقم ٣ غيرك”.
استغربت إنه بيكلمني لوحدي؛ مجابش سيرة فؤاد اللي سيبته قاعد على الكرسي وأنا قايم، بصيت ناحيته عشان أقول للمسؤول إن معايا فؤاد زميلي على البوابة، لكن لا لقيت فؤاد؛ ولا لقيت الكرسي اللي كان قاعد عليه، ولا لقيت كوبايات الشاي الفاضية..
وقفت متنَّح والكلام ضايع من على لساني، لدرجة إن المسؤول قال لي: “مالك يا فتحي، شكلك اتغيَّر فجأة ليه؟”.
حاولت أجمَّع كلامي وقُلت: “مفيش؛ بس…”.
قاطعني وقال لي: “بس إيه؟ لأ؛ مش عاوز وردية بالليل تأثر عليك، البوابة دي عايزة حد مصحصح، قلبه جامد، أصل حصلت سرقها للمصنع منها قبل كده، وراح ضحية السرقة دي فرد أمن اسمه فؤاد؛ الله يرحمك يا فؤش، كان صديقي، الحكاية دي حصلت من ١٠ سنين، بالك لو كان عايش، كان يأمّن البوابة دي بصابع رجليه الصغيّر، بس البركة فيك بقى، أنت قدَّها وقدود، كلها ساعة وزميلك هيستلم منَّك”.
بعد ما سابني ومشي، وقفت وأنا مش مستوعب اللي حصل، يعني طول الليل وأنا قاعد جنب شبح فؤاد؟! اللي أكيد ساكن في مكان موته، لأ وبيشتغل ورديته عادي وكأنه عايش!
حاولت مصدَّقش اللي حصل، لكن كل حاجة حواليا بتقول لي: صَدَّق، الكوبايات اللي شربنا فيها موجودة في مكانها ونضيفة، الكرسي اللي كان قاعد عليه مش موجود، حتى الكاتيل اللي كان محطوط على قعدته وفيشته في الكهربا، لقيته موجود في مكانه زي ما استلمته، وفيشته ملفوفة جنبه، هو في إيه؟
في عز تفكري، لمحت فرد الأمن اللي هيستلم منّي وردية النهار، خبط على كتفي لمّا لقاني سرحان وقال: “أنت مطوِّل ولا إيه؟ لسه جديد والحماسة وخداك، هتاخد ورديتك ووردية غيرك، بكره تزهق واجي ألاقيك مستني على الباب؛ وتخلع بمجرَّد ما أوصل، أصل البوابة رقم ٣ دي جوّها مش كويس بالليل، من ساعة ما حصلت عليها حادثة سرقة وفؤاد فرد الأمن اتقتل جنبها، كل اللي مسك وردية بالليل عليها قال كده، لكن أنا مشُفتش حاجة بنفسي، جايز لأن شغلي بالنهار”.
لما خلَّص كلامه سيبته ومشيت من غير ما أرُد، حتى هو استغرب من سكوتي، كنت بفكر أمشي مرجعش الشغلانة دي تاني، بس فكَّرت في المرتّب، أنا ما صدَّقت لقيت وظيفة، حتى لو مؤقتًا لحد ما ألاقي حاجة تانية، عملت محاولات كتير عشان أغيّر البوابة، لكن محدّش كان موافق يسيب مكانه، عشان كِدَه؛ فضلت على بوابة ٣، وبدأت أتعوِّد على فؤاد، اللي كان بيظهر كل ليلة في نفس التوقيت؛ الساعة ١ صباحًا، واللي اتضح لي بعد كده إنها نفس الساعة اللي اتقتل فيها، وكان بيختفي بمجرد ما الوردية تخلص، وفي الفترة دي محدّش كان بيشوفه غيري، لكن عشان كلام الناس اللي اشتغلوا قبلي، أقدر أقول إن محدش كان بيشوفه؛ غير اللي مسؤول عن تأمين بوابة ٣.
***
تمّت…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى